8/1260 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ تَذْكِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ، وَفِيهِ خِلافٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَلا وَجْهَ لَهُ.
وَدَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ التَّذْكِيَةِ بِالْحَجَرِ الْحَادِّ إذَا فَرَى الأَوْدَاجَ؛ لأنَّهُ قدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَسَرَت الْحَجَرَ وَذَبَحَتْ بِهِ، وَالْحَجَرُ إذَا كُسِرَ يَكُونُ فِيهِ الْحَدُّ.
وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَخَالَفَ فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَغَيْرُهُمْ. وَاحْتَجُّوا بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِكْفَاءِ مَا فِي القُدُورِ ممَّا ذُبِحَ مِن الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْمَرَقِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَبَاقٍ، جُمِعَ وَرُدَّ إلَى الْمَغْنَمِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ وَرَدُّهُ إلَيْهِ، قُلْنَا: لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ وَأَحْرَقُوهُ، فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا؛ مُوَافَقَةً لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ.
قُلْتُ: لا يَخْفَى تَكَلُّفُ الْجَوَابِ، وَالْمَرَقُ مَالٌ، لَوْ كَانَ حَلالاً لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.
وَأَمَّا الاسْتِدْلالُ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَاةِ الأُسَارَى؛ فَإِنَّهَا ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا، فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا عَلَى الأُسَارَى كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ؛ فَإِنَّهُ اسْتِدْلالٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَحِلَّ أَكْلَهَا، وَلا أَبَاحَ لأَحَدٍ مِن الْمُسْلِمِينَ أَكْلَهَا، بَلْ أَمَرَ أَنْ يُطْعَمَ الْكُفَّارَ الْمُسْتَحِلِّينَ لِلْمَيْتَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، فَأَصَابُوا غَنَماً فَانْتَهَبُوهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي؛ إذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسِهِ، فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ، وَقَالَ: ((إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ)).
فَهَذَا مِثْلُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَفِيهِ إتْلافُ اللَّحْمِ؛ لأَنَّهُ مَيْتَةٌ، فَعَرَفْتَ قُوَّةَ كَلامِ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَكْلِ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ؛ فَإِنَّهُ لا يَرُدُّ عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ؛ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِحِلِّ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ نَحْوِهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عُمَرَ عَنْ لُبْسِ الْحُلَّةِ مِن الْحَرِيرِ، فَبَعَثَ بِهَا عُمَرُ لأَخِيهِ الْمُشْرِكِ بمَكَّةَ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: وَيَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى تَصْدِيقِ الأَجِيرِ الأَمِينِ فِيمَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْخِيَانَةِ؛ لأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَت الْمَرْأَةُ أَمَةً رَاعِيَةً لِغَنَمِ سَيِّدِهَا، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَخَشِيَتْ عَلَى الشَّاةِ أَنْ تَمُوتَ، فَذَبَحَتْهَا. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ تَصَرُّفِ الْمُودَعِ لِمَصْلَحَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ.