تلخيص تفسير قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2( إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)}
* سورة العصر وهي مكية عدد آياتها ثلاثة . . .
من فضائل سورة العصر :
* قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ-رحمه الله- : ذكروا أنّ عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذّاب، وذلك بعدما بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقبل أن يسلم عمرٌو؛ فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدّة؟ قال: لقد أنزل عليه سورةٌ وجيزةٌ بليغةٌ. قال: وماهي؟ فقال: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر}.ففكّر مسيلمة هنيهةً ثمّ قال: وقد أنزل عليّ مثلها. فقال له عمرٌو: وما هو؟ فقال: ياوبر، ياوبر، إنّما أنت أذنان وصدرٌ، وسائرك حقرٌ نقرٌ. ثمّ قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرٌو: واللّه إنّك لتعلم أنّي أعلم أنّك تكذب.
* عن عبيد اللّه بن حصنٍ أبي مدينة، قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا التقيا لم يفترقا إلاّ على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر.رواه الطبرانيّ ،
* وقال الشافعيّ رحمه اللّه: لو تدبّر الناس هذه السورة لوسعتهم.
المعاني اللغوية/
_ العصر :
- الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ. ك, س, ش
- العشيّ. ك
- صَلاةُ العصرِ ش
_ خسر :
- والخاسرُ ضدُّ الرابحِ. س
- في خسارةٍ وهلاكٍ . ك
- الخُسْرُ وَالخُسْرَانُ: النُّقْصَانُ وَذَهَابُ رأسِ الْمَالِ. ش
_ المقسم والمقسم عليه :
المقسم :}وَالْعَصْرِ (1){
المقسم عليه :}إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ{
_ التفسير الاجمالي /
أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بالعَصْرِ، وَهُوَ الدَّهْرُ؛ لِمَا فِيهِ من العِبَرِ منْ جِهَةِ مُرُورِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى التَّقْدِيرِ وَتَعَاقُبِ الظلامِ والضياءِ، وَمَا فِي ذَلِكَ من اسْتِقَامَةِ الْحَيَاةِ ومصالِحِ الأحياءِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلالةً بَيِّنَةً عَلَى الصانعِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى تَوْحِيدِهِ ؛ بأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي المَتاجرِ وَالمَسَاعِي وَصَرْفِ الأعمارِ فِي أَعْمَالِ الدُّنْيَا لَفِي نَقْصٍ وَضَلالٍ عَن الْحَقِّ حَتَّى يَمُوتَ، وَلا يُسْتَثْنَى منْ ذَلِكَ أَحَدٌ إلاَّ مَنِ اتصفَ بأربع صفاتٍ:
1-الإيمانُ بما أمرَ اللهُ بالإيمانِ بهِ، ولا يكونُ الإيمانُ بدونِ العلمِ، فهوَ فرعٌ عنهُ لا يتمُّ إلاَّ بهِ.
2-والعملُ الصالحُ، وهذا شاملٌ لأفعالِ الخيرِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ، المتعلقةِ بحقِّ اللهِ وحقِّ عبادهِ، الواجبةِ والمستحبةِ.
2-والتواصي بالحقِّ، الذي هوَ الإيمانُ والعملُ الصالحُ، أي: يوصي بعضهمْ بعضاً بذلكَ، ويحثُّهُ عليهِ، ويرغبهُ فيهِ.
3-والتواصي بالصبرِ، على طاعةِ اللهِ، وعنْ معصيةِ اللهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
والصَّبْرُ منْ خِصَالِ الْحَقِّ، نَصَّ عَلَيْهِ بَعْدَ النصِّ عَلَى خِصَالِ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ، وَلِمَزِيدِ شَرَفِهِ عَلَيْهَا وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَنْهَا، ولأنَّ كَثِيراً مِمَّنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ يُعَادَى، فَيَحْتَاجُ إِلَى الصبرِ .
لطائف مستنبطة من السورة الكريمة :
_ أنواع الخسارة /
الخسر مراتبُ متعددةٌ متفاوتةٌ:
1- قدْ يكونُ خساراً مطلقاً، كحالِ منْ خسرَ الدنيا والآخرَةَ، وفاتهُ النعيمُ، واستَحقَّ الجحيمَ
2- وقدْ يكونُ خاسراً من بَعضِ الوجوهِ دونَ بعضٍ،
_ التنكير والتعريف في الآية :
جاء اللفظ في قوله ( خسر ) نكرة لتدلّ على عموم الخسارة للإنسان عامة إلا من اتصف بالصفات الأربع المذكورة في الآيات والموضحة في تفسيري الإجمالي للآيات
_ فوائد سلوكية من الآيات الكريمة /
اعتنى الإسلام بترابط المجتمع حتى قَالَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " وكان من أذكار الصباح والمساء "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك ...... "
فجاءت سورة العصر تؤكد هذا المعنى وتظهر جمال الدين العظيم ؛ فبالأمرينِ الأولينِ الإيمان والعمل الصالح يُكمّلُ الإنسانُ نفسَهُ، وبالأمرينِ الأخيرينِ التواصي بالحق والتواصي بالصبر يُكمّلُ غيرَهُ، وبتكميلِ الأمورِ الأربعةِ، يكونُ الإنسانُ قدْ سلمَ منَ الخسارِ، وفازَ بالربحِ .
الخاتمة / جعلني الله وقارئ أسطري من عباد الله الذين فازوا برضوانه وجنانه ؛ ممن سلم من خسارة الدنيا والآخرة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين . . .