قوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(102)
جاءت هذه الآية الشريفة في سياق الكلام عن حال فريق من الذين أوتوا الكتاب وهم علماؤهم وأحبارهم حين جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم فرفضوا الكتاب الذي جاء به موسى إذ كان مشتملا على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم لايعلمون مافيه
ولما نبذوا الحق كان لابد من تناول الباطل وكان ذلك كماقال تعالى {واتبعوا ماتتلو الشياطين}
وقد روي في سبب نزول هذه الآية روايات عدة كثير منها غير صريح في سبب النزول وبعضها صريح وسأكتفي بنقل الصريح في ذلك :
أخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: قالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء، وإنما كان ساحرا يركب الريح، فأنزل الله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه فيخصمهم فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل إلينا منا، وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} الآية). [لباب النقول: 19]
وروى الطبري أيضا من طريق الربيع بن أنس قال:
(إن اليهود سألوا محمدا زمانا عن أمور التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه فيخصمهم؛ فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا...) وإنهم (سألوه عن السحر وخاصموه به؛ فأنزل الله تعالى {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان..} الآية، وذلك أن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك فدفنوه تحت مجلس سليمان وكان سليمان لا يعلم الغيب فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس وقالوا هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه؛ فأخبرهم النبي بهذا الحديث فرجعوا من عنده بخزي وقد أدحض الله حجتهم).
وفي الآية عدة مسائل :
-الأولى :مرجع الضمير في قوله تعالى {واتبعوا} :فقيل المراد اليهود من بنى اسرائيل في عهد سليمان عليه السلام
قال بهذا القول :ابن جريج وابن إسحاق
قول ابن جريج:رواه ابن جرير من طريق الحسين عن حجاج عنه
قول ابن إسحاق رواه ابن جرير من طريق ابن حميد عن سلمة عنه
-وقيل بل عني بهم اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
قال بهذا القول :السدي ،الربيع ،وابن زيد
قول السدى:رواه ابن جرير من طريق موسى بن هارون عن عمرو عن أسباط عنه
قول الربيع:رواه ابن جرير بصيغة التضعيف عن عمار بن الحسن عن ابن أبي جعفر عن أبيه عنه
قول ابن زيد:رواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
والراجح كما قال ابن جرير : أنّ ذلك توبيخٌ من اللّه لأحبار اليهود الّذين أدركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجحدوا نبوّته وهم يعلمون أنّه للّه رسولٌ مرسلٌ، وتأنيبٌ منه لهم في رفضهم تنزيله، وهجرهم العمل به وهو في أيديهم يعلمونه ويعرفون أنّه كتاب اللّه، واتّباعهم واتّباع أوائلهم وأسلافهم ما تلته الشّياطين في عهد سليمان.
وعلى كلا القولين فالمعنى أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين ،فماهو الذي تلته الشياطين على ملك سليمان؟
-قيل إنهم كانوا يلقون إلى الكهنة الكلمة من الحق معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم، فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه، فلما مات قالت الشياطين: إن ذلك كان علم سليمان، وهو قول السدي كما رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق أسباط
عَنِ السُّدِّيِّ: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ قَالَ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ فَتَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَيَسْمَعُونَ كَلامَ الْمَلائِكَةِ فِيمَا يَكُونُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْبٍ أَوْ أَمْرٍ فَيَأْتُونَ الْكَهَنَةَ فَيُخْبِرُونَهُمْ، فَتُحَدِّثُ الْكَهَنَةُ النَّاسَ فَيَجِدُونَهُ كَمَا قَالُوا، حَتَّى إِذَا أَمَّنَتْهُمُ الْكَهَنَةُ كَذَبُوا لَهُمْ فَأَدْخَلُوا فِيهِ غَيْرَهُ فَزَادُوا مَعَ كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ كَلِمَةً، فَاكْتَتَبَ النَّاسُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي الْكُتُبِ، وَفَشَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْجِنَّ تَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَبَعَثَ سُلَيْمَانُ فِي النَّاسِ فَجَمَعَ تِلْكَ الْكُتُبَ فَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ ثُمَّ دَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ وَلَمْ يَكُنْ أحد من الشياطين يستطيع أن يدنوا مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلا احْتَرَقَ.
-وقيل إن سليمان، عليه السلام كان يملي على كاتبه آصف بن برخيا علمه ويختزنه، فلما مات أخرجته الجن وكتبت بين كل سطرين سطرا من سحر ثم نسبت ذلك إلى سليمان، وهو قول ابن عباس كما رواه ابن أبي حاتم
- وقيل إن الجن كتبت ذلك بعد موت سليمان واختلقته ونسبته إليه، كما رواه ابن جرير قال حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال: عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام، فكتبوا أصناف السحر:"من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا". حتى إذا صنعوا أصناف السحر، (جعلوه في كتاب ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان، وكتبوا في عنوانه:"هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم"، ثم دفنوه تحت كرسيه. فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا: ما كان سليمان بن داود إلا بهذا! فأفشوا السحر في الناس وتعلموه وعلموه، فليس في أحد أكثر منه في يهود
-وقيل إن الجن والإنس حين زال ملك سليمان عنه اتخذ بعضهم السحر والكهانة علما، فلما رجع سليمان إلى ملكه تتبع كتبهم في الآفاق ودفنها، فلما مات قال شيطان لبني إسرائيل: هل أدلكم على كنز سليمان الذي به سخرت له الجن والريح، هو هذا السحر، فاستخرجته بنو إسرائيل وانبث فيهم، ونسبوا سليمان إلى السحر وكفروا في ذلك حتى برأه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ،كما رواه ابن أبي حاتم قال :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حَدَّثَنِي أَبِي ثنا عَمِّي الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا وَكَانَ حِينَ ذهب ملك سليمان ارتد فيام مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ. وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، فَلَمَّا رَجَّعَ اللَّهُ إِلَى سُلَيْمَانَ مُلْكَهُ وَقَامَ النَّاسُ عَلَى الدِّينِ كَمَا كَانَ، وَإِنَّ سُلَيْمَانَ ظَهَرَ عَلَى كُتُبِهِمْ فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، وَتُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ حَدَثَانَ ذَلِكَ. فَظَهَرَ الْجِنُّ وَالإِنْسُ عَلَى الْكُتُبِ بَعْدَ وَفَاةِ سُلَيْمَانَ، وَقَالُوا: هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ نَزَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ أَخْفَاهُ مِنَّا، فَأَخَذُوهُ فَجَعَلُوهُ دِينًا
وهذه الروايات جميعها لاتخلو من ضعف إلا أنها تدل على أن الذي تلته الشياطين واختلقته على ملك سليمان وفي عهده السحر والكهانة وأنه كان يسخر الجن ويحكم به فبرأه الله تعالى بهذه الآيات .
ومعنى {ما} :موصولة بمعنى الذي أي اتبعوا الذى تتلو الشياطين على ملك سليمان ،وهو السحر
قال الطبري : حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) ، أي السحر
ومعنى تتلو هناإما: بمعنى تروي وتحدث من التلاوة ؛فيكون المعنى أن الشياطين هى التى علمت الناس السحر وروته لهم
وهو قول مجاهد وقتادة وعطاء وابن عباس
وإما {تتلو } أي تتبعه وترويه وتعمل به ،قال به ابن عباس وابن رزين
وكلا المعنيين محتمل فيجوز أن تكون الشياطين قد تلت ماتلته قراءة ورواية وعملا أيضا فاتبعت اليهود من اتبعت من الشياطين في العمل بالسحر وروايته
وقوله {على ملك سليمان }أي{ في} ملك سليمان ،قال به ابن إسحاق وابن جريج
وقال ابن كثير : وَعَدَّاهُ بعلى؛ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ تَتْلُو: تَكْذِبُ.قال والتضمن أحسن وأولى
ووجه نفي الكفر عن سليمان عليه السلام بعد ذكر اتباع اليهود ماتلته الشياطين من السحر والعمل به،أن هؤلاء نسبوا ماتلته الشياطين من العمل بالسحر وروايته إلى سليمان النبي وأن هذا كان علمه وبه كان يحكم الجن والإنس والشياطين ويسوسهم ويستعبدهم فوسموه بالكفر برميهم إياه بالسحر وأنكروا نبوته وقالوا بل كان ساحرا
وحسنوا أنفسهم بإتيانهم السحر وممارستهم إياه عند من كان جاهلا بأمر الله ونهيه
فأكذب الله تعالى هؤلاء وبرأ سليمان النبي من هذا البهتان وبين أن هؤلاء الذين رموه بالكفر والسحر كانوا هم المتبعين لما تتلوه الشياطين في عهد سليمان إذ كان ملكا ولم يأمرهم به
وقد رويت في هذا المعنى أخبارا كثيرة ومن ذلك:
مارواه ابن جرير قال : حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر، فيأخذه فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته. فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه، فدنت إلى الإنس فقالوا لهم: أتريدون العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك؟ قالوا: نعم. قالوا: فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه. فاستثارته الإنس فاستخرجوه فعملوا به. فقال أهل الحجاز: كان سليمان يعمل بهذا، وهذا سحر! فأنزل الله جل ثناؤه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان. فقال: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) الآية، فأنزل الله براءة سليمان على لسان نبيه عليهما السلام.
وقال ابن جرير :حدثني أبو السائب السُّوائِي قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان الذي أصاب سليمان بن داود، في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه. قال: فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا. قال: وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء، أو يأتي شيئا من نسائه، أعطى الجرادة خاتمه. فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به، أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي! فأخذه فلبسه. فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس. قال: فجاءها سليمان فقال: هاتي خاتمي! فقالت: كذبت، لست بسليمان! قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به. قال: فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب! قال: فبرئ الناس من سليمان وأكفروه، حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فأنزل جل ثناؤه: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) - يعني الذي كتب الشياطين من السحر والكفر - (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) ، فأنزل الله جل وعز عذره.
- وقال الواحدي في أسباب النزول : أخبرنا محمد بن عبد العزيز القنطري، أخبرنا أبو الفضل الحدادي، أخبرنا أبو يزيد الخالدي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق، فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة، فيشربها قلوب الناس. فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قال شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه فقالوا: هذا سحر.
فتناسخته الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) .
-قال بن أبي حاتم : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس، قال: كان آصِفُ كَاتِبُ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ يَعْلَمُ الِاسْمَ "الْأَعْظَمَ"، وَكَانَ يَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ سُلَيْمَانَ وَيَدْفِنُهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ أَخْرَجَهُ الشَّيَاطِينُ، فَكَتَبُوا بَيْنَ كُلِّ سَطْرَيْنِ سِحْرًا وَكُفْرًا، وَقَالُوا: هَذَا الذِي كَانَ سُلَيْمَانُ يَعْمَلُ بِهَا . قَالَ: فَأَكْفَرَهُ جُهَّالُ النَّاسِ وَسَبُّوهُ، وَوَقَفَ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَزَلْ جُهَّالُهُمْ يَسُبُّونَهُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}.وقد صحح ابن حجر رواية الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير في فتح الباري
قال صاحب الصحيح المسبور في التفسير بالمأثور :
وهاتان الروايتان (رواية ابن أبي حاتم والواحدي)من أخبار أهل الكتاب ولكنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة بل لبعض فقراتها شواهد فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبريء ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات.
واستراق الشياطين السمع ثابت كما في قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظاها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) الحجر
وقوله تعالى {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت}
اختلف أهل العلم في معنى {ما } على قولين :
-فقيل هى بمعنى لم ،وهو قول ابن عباس والربيع
قول ابن عباس رواه ابن جرير قال :حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «قوله: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} فإنّه يقول: لم ينزل اللّه السّحر».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثني حكّامٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ:قول الربيع رواه ابن جرير قال {وما أنزل على الملكين} قال:«ما أنزل اللّه عليهما السّحر».
فيكون معنى الآية على هذا القول :واتبعوا ماتتلوه الشياطين في حق سليمان من السحر والكفر وقد أكذبهم الله فقال {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر }فنفى عنه الكفر والسحر ونفاه أيضا عن الملكين فقال {وما أنزل على الملكين }أي وما أنزل الله السحر على الملكين جبرائيل وميكائيل كما زعمت سحرة اليهود أن الله تعالى أنزل السحر على لسانهما إلى سليمان بن داود عليهما السلام ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل والمراد بالناس رجلان أحدهما يدعى هاروت و الآخر ماروت.
-وقيل {ما}موصولة بمعنى الذي ؛فيكون المعنى {وما أنزل على الملكين } أي يتعلمون نوع آخر من السحر ويكون المراد بالملكين ملكين من ملائكة الله وقيل في هذا النوع الآخر من السحر أقوالامنها:
،قول السدي وقتادة وروى نحوه عن ابن عباس وابن زيد وروى عن قتادة والزهري عن عبيد االله بنحوه بلفظ آخر
-قول ابن عباس رواه ابن جرير قال : حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} قال:«التّفريق بين المرء وزوجه».
-قول قتادة رواه ابن جرير : حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «قوله:
{يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} فالسّحر سحران: سحرٌ تعلمه الشّياطين، وسحرٌ يعلمه هاروت وماروت».
-قول ابن زيد رواه ابن جرير قال : حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين} فقرأ حتّى بلغ: {فلا تكفر}، قال: «الشّياطين والملكان يعلّمون النّاس السّحر».
-قول السدي رواه ابن جرير قال : حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:«أمّا قوله: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} فهذا سحرٌ آخر خاصموه به أيضًا؛ يقول: خاصموه بما أنزل على الملكين، وإنّ كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرًا».
-قول قتادة والزهري عن عبيد الله :رواه ابن جرير قال: حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: قال معمرٌ: قال قتادة والزّهريّ، عن عبيد اللّه: «{وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} كانا ملكين من الملائكة فأهبطا ليحكما بين النّاس، وذلك أنّ الملائكة سخروا من حكام بني آدم»، قال: «فحاكمت إليهما امرأةٌ فحافا لها، ثمّ ذهبا يصعدان، فحيل بينهما وبين ذلك وخيّرا بين عذاب الدّنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدّنيا».
قال معمرٌ: قال قتادة: «فكانا يعلّمان النّاس السّحر، فأخذ عليهما أن لا يعلّما أحدًا حتّى يقولا: إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر».
-وقيل معنى {ما}معنى {الذي} وهى معطوفة على {ما }الأولى في قوله {ماتتلو الشياطين} وأن الأولى في معنى السحر والثانية في معنى التفريق بين المرء وزوجه الذي أنزل على الملكين ببابل وهو قول مجاهد
قول مجاهد رواه ابن جرير قال حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:
«{وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} وهما يعلّمان ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، وذلك قول اللّه، وقالوا كفر سليمان: وما كفر سليمان ولكنّ الشّياطين كفروا»، وكان يقول: «أمّا السّحر فإنّما يعلّمه الشّياطين، وأمّا الّذي يعلّم الملكان فالتّفريق بين المرء وزوجه، كما قال اللّه تعالى».:
-وقيل يجوز أن تكون {ما }بمعنى لم ويجوز أن تكون بمعنى الذي ،وهو قول القاسم بن محمد
-قول القاسم بن محمد رواه ابن جرير وابن وهب المصري من طريق اللّيث بن سعدٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، وسأله رجلٌ عن قول اللّه: {يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} فقال الرّجل: يعلّمان النّاس ما أنزل عليهما، أم يعلّمان النّاس ما لم ينزل عليهما؟ قال القاسم: «ما أبالي أيّتهما كانت»
وعلى القول بأن {ما}بمعنى الذي يرد إشكالا وهو :هل يجوز أن ينزل الله السحر ؟
وقد أجاب ابن جرير رحمه الله على هذا الإشكال من عدة وجوه فقال :
إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر كله، وبين جميع ذلك لعباده، فأوحاه إلى رسله، وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم. وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرفهموها، ونهاهم عن ركوبها. فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها، ونهاهم عن العمل بها.
وليس في العلم بالسحر إثم، كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر ونحت الأصنام والطنابير والملاعب. وإنما الإثم في عمله وتسويته. وكذلك لا إثم في العلم بالسحر، وإنما الإثم في العمل به، وأن يضر به، من لا يحل ضره به.
فليس في إنزال الله إياه على الملكين، ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس، إثم، إذ كان تعليمهما من علماه ذلك، بإذن الله لهما بتعليمه، بعد أن يخبراه بأنهما فتنة، وينهاه عن السحر والعمل به والكفر. وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به، إذ كان الله تعالى ذكره قد نهاه عن تعلمه والعمل به. ولو كان الله أباح لبني آدم أن يتعلموا ذلك، لم يكن من تعلمه حرجا، كما لم يكونا حرجين لعلمهما به. إذ كان علمهما بذلك عن تنزيل الله إليهما.
والراجح في هذا كما وضحه ابن جرير :أن {ما}بمعنى الذي لا بمعنى الجحد والنفي وأن سياق الآية ومعناها فيه دلالة واضحة على رد هذا القول ووجه ذلك:
-أن قوله تعالى {هاروت وماروت }لايخلو من أن يكونا بدلا إما عن الملكين وإما عن الناس في قوله {يعلمون الناس السحر}
فلو كانا بدلا من الملكين وكانت {ما}تفيد النفي كان المعنى أن الملكين هاروت وماروت ما أنزل عليهما شىء ولم يعلما السحر فيبقى الإشكال بعده في قوله تعالى {فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء وزوجه} فكيف يتعلم منهما مالم يعلماه من التفريق بين المرء وزوجه ؟ومن هو الذي يعلم السحرة التفريق بين المرء وزوجه؟
ولو كان المراد بهما الناس اللذين تعلما السحر من الشياطين فيعلماه للسحرة من بعد ذلك لوجب أن يرتفع السحر من بنى آدم بهلاكهما لأنه إنما يؤخذ هذا العلم من قبلهما وهذا القول مردود إذ المشاهد بخلاف ذلك
فدل على أن الراجح والصواب أن {ما}بمعنى الذي وأن المراد بهاروت وماروت الملكين
قال ابن جرير:
فإن التبس على ذي غباء ما قلنا فقال: وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟
قيل له: إن الله جل ثناؤه عرف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه، ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه. ولو كان الأمر على غير ذلك، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم. فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه، فغير منكر أن يكون جل ثناؤه علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله، وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم - كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) - ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه، وعن السحر، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما. ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك - لله مطيعين، إذْ كانا = عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه = يعلمان. وقد عبد من دون الله جماعة من أولياء الله، فلم يكن ذلك لهم ضائرا إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه. (فكذلك الملكان، غير ضائرهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما، بعد نهيهما إياه عنه، وعظتهما له بقولهما: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) ، إذ كانا قد أديا ما أمر به بقيلهما ذلك
ثم ذكر قول الحسن مؤيدا به هذا القول فقال: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن في قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) إلى قوله: (فلا تكفر) ، أخذ عليهما ذلك.
-وقال ابن جرير : حكي عن بعض القرّاء أنّه كان يقرأ: {وما أنزل على الملكين} يعني به رجلين من بني آدم.
وقد دلّلنا على خطأ القراءة بذلك من جهة الاستدلال؛ فأمّا من جهة النّقل فإجماع الحجّة على خطأ القراءة بها من الصّحابة والتّابعين وقرّاء الأمصار، وكفى بذلك شاهدًا على خطئها
-وقد ذكر القرطبي قولا في بيان المراد بهاروت وماروت وكر أنهما بدلا من الشياطين وأن الكلام فيه تقديم وتأخير وتقدير الكلام :وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت وقال :هذا أصح ماحملت عليه الآية وأولى ماقيل فيها
وقد تعقبه الآلوسي برد هذا القول وأنه مخالف لظاهر التأويل
وقد وردت أقوالا عن السلف فى المراد ب{الملكين }:
-قول ابن عطيةرواه ابن أبي حاتم بصيغة التضعيف قال: حدّثت عن عبيد اللّه بن موسى، ثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة: {وما أنزل على الملكين} قال: «ما أنزل على جبريل وميكائيل السّحر».
-قراءة عبد الرحمن بن أبي أبزى ورواها ابن أبي حاتم قال : حدّثنا الفضل بن شاذان، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا معلّى بن أسدٍ، ثنا بكر بن مصعبٍ، ثنا الحسن بن أبي جعفرٍ، أنّ عبد الرّحمن بن أبزى كان يقرؤها: (وما أنزل على الملكين داود وسليمان)
-قول على رواه ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن موسى، أنبأ أبو معاوية، عن ابن أبي خالدٍ، عن عمير بن سعيدٍ، عن عليٍّ، قال: «هما ملكان من ملائكة السّماء»، يعني: {وما أنزل على الملكين}.
-قول الضحاك رواه ابن أبي حاتم عن عن ثابتٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وما أنزل على الملكين} قال: كان الضّحّاك يقرؤها: (الملكين)،
قال: «هما علجان من أهل بابل»)
قال ابن كثير : وَجَّه أصحابُ هَذَا الْقَوْلِ الْإِنْزَالَ بِمَعْنَى الخَلْق، لَا بِمَعْنَى الْإِيحَاءِ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزُّمَرِ: 6] ، {وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الْحَدِيدِ: 25] ، {وَيُنزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غَافِرٍ: 13] . وَفِي الْحَدِيثِ: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً". وَكَمَا يُقَالُ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
-وقد وردت أخبارا إسرائيلية في بيان الملكين المذكورين في الآية أذكر طرفا منها:
- روى ابن جرير قال :حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، قال: حدّثنا أبو شعبة العدويّ في جنازة يونس بن جبيرٍ أبي غلاّبٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «إنّ اللّه أفرج السّماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم، فلمّا أبصروهم يعملون الخطايا، قالوا: يا ربّ هؤلاء بنو آدم الّذي خلقته بيدك، وأسجدت له ملائكتك، وعلّمته أسماء كلّ شيءٍ، يعملون بالخطايا، قال: أما إنّكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم. قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا»،
قال:«فأمروا أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض».
قال: «فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، وأحلّ لهما ما فيها من شيءٍ غير أن لا يشركا باللّه شيئًا ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ».
قال: «فما اشهرّا حتّى عرض لهما امرأةٌ قد قسم لها نصف الحسن يقال لها: بيذخت، فلمّا أبصراها كشرا بها إربا، فقالت: لا إلاّ أن تشركا باللّه وتشربا الخمر وتقتلا النّفس وتسجدا لهذا الصّنم. فقالا: ما كنّا لنشرك باللّه شيئًا. فقال أحدهما للآخر: ارجع إليها. فقالت: لا إلاّ أن تشربا الخمر. فشربا حتّى ثملا، ودخل عليهما سائلٌ فقتلاه. فلمّا وقعا فيه من الشّرّ، أفرج اللّه السّماء لملائكته،
فقالوا: سبحانك كنت أنت أعلم».
قال: «فأوحى اللّه إلى سليمان بن داود أن يخيّرهما بين عذاب الدّنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدّنيا، فكبّلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت وجعلا ببابل».
-قال ابن جرير : حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن موسى بن عقبة قال، حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن كعب الأحبار أنه حدث: أن الملائكة أنكروا أعمال بني آدم وما يأتون في الأرض من المعاصي، فقال الله لهم: إنكم لو كنتم مكانهم أتيتم ما يأتون من الذنوب، فاختاروا منكم ملكين. فاختاروا هاروت وماروت، فقال الله لهما: إني أرسل رسلي إلى الناس، وليس بيني وبينكما رسول، انزلا إلى الأرض، ولا تشركا بي شيئا، ولا تزنيا. فقال كعب: والذي نفس كعب بيده، ما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم الله عليهما.
-وروى عبد الرزاق من طريق الثورى عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال: «ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب، فقيل لهم: اختاروا ملكين، فاختاروا هاروت وماروت»،
قال: «فقال لهما: إني أرسل رسلي إلى الناس وليس بيني وبينكما رسول، انزلا ولا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تسرقا»،
قال عبد الله بن عمر: قال كعب: «فما استكملا يومهما الذي أنزلا فيه حتى عملا ما حرم الله عليهما»).
-قال ابن جرير:حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «أنّه كان من أمر هاروت وماروت أنّهما طعنا على أهل الأرض في أحكامهم، فقيل لهما: إنّي أعطيت بنى آدم عشرًا من الشّهوات فبها يعصونني. قال هاروت وماروت: ربّنا لو أعطيتنا تلك الشّهوات ثمّ نزلنا لحكمنا بالعدل. فقال لهما: انزلا فقد أعطيتكما تلك الشّهوات العشر فاحكما بين النّاس. فنزلا ببابل دنباوند، فكانا يحكمان، حتّى إذا أمسيا عرجا، فإذا أصبحا هبطا. فلم يزالا كذلك حتّى أتتهما امرأةٌ تخاصم زوجها، فأعجبهما حسنها واسمها بالعربيّة الزّهرة، واسمها بالنّبطيّة بيذخت، واسمها بالفارسيّة أناهيذ، فقال أحدهما لصاحبه: إنّها لتعجبني. فقال الآخر: قد أردت أن أذكر لك ذلك فاستحييت منك. فقال الآخر: هل لك أن أذكرها لنفسها؟ قال: نعم، ولكن كيف لنا بعذاب اللّه؟ قال الآخر: إنّا نرجو رحمة اللّه. فلمّا جاءت تخاصم زوجها ذكرا لها نفسها، فقالت: لا، حتّى تقضيا لي على زوجي، فقضيا لها على زوجها. ثمّ واعدتهما خربةً من الخرب يأتيانها فيها، فأتياها لذلك، فلمّا أراد الّذي يواقعها، قالت: ما أنا بالّذي أفعل حتّى تخبراني بأيّ كلامٍ تصعدان إلى السّماء؟ وبأيّ كلامٍ تنزلان منها؟ فأخبراها فتكلّمت فصعدت. فأنساها اللّه ما تنزل به فبقيت مكانها، وجعلها اللّه كوكبًا،
فكان عبد اللّه بن عمر كلّما رآها لعنها، وقال: هذه الّتي فتنت هاروت وماروت، فلمّا كان اللّيل أرادا أن يصعدا فلم يطيقها فعرفا الهلكه، فخيّرا بين عذاب الدّنيا من عذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدّنيا، فعلّقا ببابل فجعلا يكلّمان النّاس كلامهما وهو السّحر».
وقال: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا فرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن نافع قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل قال: يا نافع انظر، طلعت الحمراء؟ قلت: لا -مرتين أو ثلاثا- ثم قلت: قد طلعت! قال: لا مرحبا ولا أهلا! قلت: سبحان الله، نجم مسخر سامع مطيع! قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة قالت: يا رب، كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم. قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك! قال: فاختاروا ملكين منكم! قال: فلم يألوا أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت
قال أحمد شاكرفي تحقيق الطبري تعقيبا على الرواية السابقة: الفرج بن فضالة التنوخي القضاعي: ضعيف قال البخاري: "منكر الحديث"، وهو مترجم في التهذيب، والكبير 4 /1/134، والصغير: 192، 199، والضعفاء للبخاري: 29، والنسائي: 25، وابن أبي حاتم 3 /2 /85 - 86.
قال ابن حجر العسقلاني:
بعد ان ذكر الروايات في شأن هاروت وماروت :
طعن في هذه القصة من أصلها بعض أهل العلم ممن تقدم وكثير من المتأخرين وليس العجب من المتكلم والفقيه إنما العجب ممن ينتسب إلى الحديث كيف يطلق على خبر ورد بهذه الأسانيد القوية مع كثرة طرقها أو تباين أسانيدها أنه باطل أو نحو ذلك من العبارة مع دعواهم تقوية أحاديث غريبة أو واردة من أوجه لكنها واهية واحتجاجهم بها والعمل بمقتضاها.
و في طرق هذه القصة القوي والضعيف ولا سبيل إلى رد الجميع فإنه ينادى على من أطلقه بقلة الإطلاع والإقدام على رد ما لا يعلمه، لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة والنقص فيؤخذ بما اجتمعت عليه ويؤخذ من المختلف ما قوي، ويطرح ما ضعف أو ما اضطرب فإن الاضطراب إذا بعد به الجمع بين المختلف ولم يترجح شيء منه التحقق بالضعيف المردود. والله المستعان). [العجاب في بيان الأسباب: 1/314-343]
قال أحمد شاكر في تعقيبه على الحديث المرفوع في مسند الإمام أحمد :أما هذا الذي جزم به الحافظ، بصحة وقوع هذه القصة، صحة قريبة من القطع، لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها-: فلا، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية، إلى مخالفتها الواضحة للعقل، لا من جهة عصمة الملائكة القطعية فقط، بل من ناحية أن الكوكب الذي نراه صغيراً في عين الناظر قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف فأنى يكون جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة!!.
تعليق أحمد شاكر على القصة :
وهذه الأخبار، في قصة هاروت وماروت، وقصة الزهرة، وأنها كانت امرأة فمسخت كوكبا - أخبار أعلها أهل العلم بالحديث.
وقد جاء هذا المعنى في حديث مرفوع، ورواه أحمد في المسند: 6178، من طريق موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ [أَبِي] بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 30] ، قَالُوا: رَبَّنَا، نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: هَلُموا مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى نُهْبِطَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ، فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلَانِ؟ قَالُوا: برَبِّنا، هاروتَ وماروتَ. فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ ومثُلت لَهُمَا الزُّهَرة امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، فَجَاءَتْهُمَا، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا. فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَتَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الْإِشْرَاكِ. فَقَالَا وَاللَّهِ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا. فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا. فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلَا هَذَا الصَّبِيَّ. فَقَالَا لَا وَاللَّهِ لَا نَقْتُلُهُ أَبَدًا. ثُمَّ ذَهَبَتْ فَرَجَعَتْ بقَدَح خَمْر تَحْمِلُهُ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا. فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ. فَشَرِبَا فَسَكِرَا، فَوَقْعَا عَلَيْهَا، وَقَتَلَا الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا أَبَيْتُمَاهُ عَلِيَّ إِلَّا قَدْ فَعَلْتُمَاهُ حِينَ سَكِرْتُمَا. فخيرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا".
وقد فصلت القول في تعليله في شرح المسند، ونقلت قول ابن كثير في التفسير :"وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم".
حكم هذه المرويات :
قال ابن كثير : وَقَدْ رَوَى فِي قِصَّةِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ، كَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَصَّهَا خَلْقٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ،
حَاصِلُهَا رَاجِعٌ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ إِلَى الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ الْمَعْصُومِ الذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْقُرْآنِ إِجْمَالُ الْقِصَّةِ مِنْ غَيْرِ بَسْطٍ وَلَا إِطْنَابٍ فِيهَا، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.
تعقيب أحمد شاكر على حديث ابن عمر المرفوع في المسند :
إسناده ضعيف، لما سنذكره. فقد نقله ابن كثير في التفسير 1: 254 عن هذا الموضع، وقال: "وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكير [يعني شيخ أحمد هنا]، به. وهذا حديث غريب == من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين، إلا موسى بن جُبير هذا، وهو الأنصاري السلمي مولاهم، المديني الحذاء، وروى عن ابن عباس، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، ونافع، وعبد الله بن كعب بن مالك، وروى عنه ابنه عبد السلام، وبكر ابن مضر، وزهير بن محمد، وسعيد بن سلمة، وعبد الله بن لهيعة، وعمرو بن الحرث، ويحيى بن أيوب، وروى له أبو داود وابن ماجة، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل، ولم يحك فيه شيئاً من هذا ولا هذا [يعني من الجرح أو التعديل]، فهو مستور الحال.
وقد تفرد به عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلي الله عليه وسلم -". ثم ذكر أنه له متابعاً من وجه آخر عن نافع، فذكره من رواية ابن مردويه بإسناده إلى عبد الله بن رجاء "حدثنا سعيد بن سلمة حدثنا موسى بن سرجس عن نافع عن ابن عمر: سمع النبي -صلي الله عليه وسلم - يقول، فذكره بطوله". ثم ذكر نحواً، من هذه القصة من تفسير الطبري بإسناده من طريق الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلي الله عليه وسلم -،
ثم قال ابن كثير:
"وهذان أيضاً غريبان جداً. وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي -صلي الله عليه وسلم -"، ثم روى نحواً من ذلك من تفسير عبد الرزاق، من روايته عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار ثم قال: "رواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق، به. ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصام عن مؤمل عن سفيان الثوري، به". ثم أشار إلى أن ابن جرير رواه بنحوه من طريق المعلى بن أسد عن موسى بن عقبة "حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن كعب الأحبار، فذكره".
قال ابن كثير: "فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع. فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل".
وقد علق أستاذنا السيد رشيد رضا رحمه الله على كلام ابن كثير في هذا الموضع، قال: "من المحقق أن هذه القصة لم تذكر في كتبهم المقدسة، فإن لم تكن وضعت في زمن روايتها، فهي من كتبهم الخرافية.
ورحم الله ابن كثير الذي بين لنا أن الحكاية خرافية إسرائيلية، وأن الحديثْ المرفوع [يعني هذا الحديث] لا يثبت". وذكره ابن كثير أيضاً في التاريخ 1: 37 - 38 إشارة، فقال:"وأما == ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت، من أن الزهرة كانت امرأة فراوداها عن نفسها، فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها، فقالته، فرفعت كوكباً إلى السماء-: فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار، وتلقاه عنه طائفة من السلف، فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل.
وقد روى الإِمام أحمد وابن حبان في صحيحه في ذلك حديثاً"، ثم أشار إلى هذا الحديث بإيجاز، ثم أشار إلى رواية عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم [عن أبيه]، عن كعب الأحبار، ثم إلى رواية الحاكم من حديث ابن عباس، ثم إلى حديث آخر رواه البزار من حديث ابن عمر في أن سهيلاً "كان عشاراً ظلوماً، فمسخه الله شهاباً"، وضعفه جداً، ثم قال: "ومثل هذا الإسناد لا يثبت به شيء بالكلية.
وإذا أحسنّا الظن قلنا: هذا من أخبار بني إسرائيل، كما تقدم من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار. ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها". وموسى بن جُبير، راوي هذا الحديث عن ابن عمر: هو الأنصاري المدني الحذاء مولى بني سلمة، وفي التهذيب أنه ذكره ابن حبان في الثقات وقال: "كان يخطىء ويخالف"، وقال ابن القطان: "لا يعرف حاله". وقد ترجمه البخاري في الكبير 4/ 1/ 281 فلم يذكر فيه جرحاً.
وأما إشارة الحافظ ابن كثير
في التفسير إلى رواية ابن مردويه من طريق عبد الله بن رجاء عن سعيد بن سلمة عن موسى بن سرجس عن نافع عن ابن عمر-: فإنها وإن كانت متابعة للإسناد الذي هنا إلا أنها ضعيفة عندي أيضاً، فإن عبد الله بن رجاء الغداني- بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة- ثقة صدوق من شيوخ البخاري، ولكنه كان كثير الغلط والتصحيف، كما قال ابن معين وعمرو بن علي الفلاس، فمثل هذا ومثل موسى بن جُبير يتوقى روايته الأخبار المنكرة التي تخالف العقل أو بديهيات الإِسلام، كمثل هذا
الحديث. ولا نقصد بذلك إلى تضعيف الراوي وطرح كل ما يروي، ولكنا نجزم بأن مثل روايته هذه من الغلط والسهو، ونرجح- كما رجح الحافظ ابن كثير- رواية موسى ابن عقبة عن سالم أبيه عن كعب الأحبار، ونجعلها تعليلاً للرواية التي فيها أنه مرفوع إلى النبي -صلي الله عليه وسلم -. وكذلك باقي إسناد ابن مردويه، فيه مثل هذا التعليل...
ثم قال :وأما رواية الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه= عن كعب الأحبار، التي رجحها الحافظ ابن كثير-: فإنها أيضاً في تفسير الطبري 1: 363 رواها من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه عن كعب الأحبار. فهذه متابعة قوية لرواية الثوري عن موسى بن عقبة. ورواه الطبري أيضاً من طريق مؤمل ابن إسماعيل وعبد الرزاق، كلاهما عن الثوري عن محمد بن عقبة عن سالم عن أبيه عن كعب الأحبار، ومحمد بن عقبة هو أخو موسى بن عقبة، فقد تابع أخاه على أن الحديث من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار.
وكل هذا يرجح ما رجحه ابن كثير: أن الحديث من قصص كعب الأحبار الإسرائيلية، وأنه ليس مرفوعاً إلى
النبي -صلي الله عليه وسلم -، وأن من رفعه فقد أخطأ ووهم، بأن الذين رووه من قصص كعب الأحبار أحفظ وأوثق ممن رووه مرفوعاً. وهو تعليل دقيق من إمام حافظ جليل. ولحديث ابن عمر هذا- مرفوعاً- طريق آخر ضعيف أيضاً: فرواه الحاكم في المستدرك 4: 607 - 608 من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، مرفوعاً، مطولاً، في قصة بسياق آخر. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتركُ حديث يحيى ابن سلمة عن أبيه من المحالات التي يردها العقل، فإنه لا خلاف أنه من أهل الصنعة، فلا ينكر لأبيه أن يخصه بأحاديث ينفرد بها عنه"!!. وتعقبه الذهبي بتضعيف يحيى هذا، فقال: "قال النسائي: متروك، وقال أبو حاتم: منكر الحديث". ويحيى بن سلمة بن كهيل هذا ضعيف، كما قلنا في 776، وقد ضعفه البخاري جداً كما نقلنا هناك. ونزيد هنا أنه قال في التاريخ الأوسط: "منكر الحديث"، وقال ابن معين: "ليس بشيء"، وذكره ابن حبان في الضعفاء، فقال: "منكر الحديث جداً، لا يحتج به"، وقال الذهبي في الميزان: "وقد قوّاه الحاكم وحده، وأخرج له في المستدرك، فلم يُصبْ". وأما كلمة الحاكم أن ترك حديثه عن أبيه من المحالات، فإنما يريد بها أنهم أنكرَوا عليه أحاديث رواها عن أبيه لم يروها أحد غيره، فرد الحاكم عليهم بأنه لا ينكر أن يخصه أبوه بأحاديث ينفرد بها عنه، وهذا صحيح لو كان ثقة مقبول الرواية" أما وهو ضعيف منكر الحديث فلا.
والمراد ببابل: قال بعضهم
إنّها بابل دنباوند. رواه ابن جرير قال:حدّثني بذلك موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ.
وقال بعضهم: بل ذلك بابل العراق.
قال ابن جرير :حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قصّةٍ ذكرتها عن امرأةٍ قدمت المدينة، فذكرت أنّها صارت في العراق ببابل، فأتت بها هاروت وماروت فتعلّمت منهما السّحر.
{وما يعلّمان من أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر}وقوله تعالى :أي وأخذ عليهما ألا يأتيهما أحد من بنى آدم يريد أن يتعلم السحر حتى يقولا له {إنما نحن فتنة }أي بلاء واختبار فلاتكفر بتعاطيك السحر وممارستك إياه بعد تعلمه ،وهو معنى قول السدي وقتادة والحسن وابن جريج
-قول السدي:رواه ابن جرير قال : حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «إذا أتاهما -يعني: هاروت وماروت- إنسانٌ يريد السّحر وعظاه وقالا له: لا تكفر إنّما نحن فتنةٌ. فإن أبى، قالا له: ائت هذا الرّماد فبل عليه. فإذا بال عليه خرج منه نورٌ يسطع حتّى يدخل السّماء، وذلك الإيمان وأقبل شيءٌ أسود كهيئة الدّخان حتّى يدخل في مسامعه وكلّ شيءٍ منه، فذلك غضب اللّه، فإذا أخبرهما بذلك علّماه السّحر. فذلك قول اللّه: {وما يعلّمان من أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} الآية
-قول قتادة :رواه ابن جرير قال: حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال قتادة: «كانا يعلّمان النّاس السّحر، فأخذ عليهما أن لا يعلّما أحدًا حتّى يقولا: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر}
-قول الحسن:رواه ابن جرير قال: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عوفٍ، عن الحسن، قال:«أخذ عليهما أن يقولا ذلك»
-قول ابن جريج :رواه ابن جرير قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «أخذ الميثاق عليهما أن لا يعلّما أحدًا حتّى يقولا: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر}، لا يجترئ على السّحر إلاّ كافرٌ»
وقوله تعالى {فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء وزوجه }أي وإذا قالوا لمن يعلمونهم {إنما نحن فتنة فلاتكفر}فيأبون إلا أن يتعلموا منهما أي من الملكين ؛فيتعلمون مابه يفرقون بين المرء وزوجه وهو السحر
والسحر :اختلف في حقيقته ومعناه ؛فقيل :هو خدع يفعلها الساحر حتى يخيل للمسحور أشياء بخلاف حقيقتها وماهى عليه وهذا السحر لايمكن للساحر فيه أن يقلب الأعيان أو يغيرها بل من قبيل التخييل
وقد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى ابن جرير قال :
حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «سحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهوديٌّ من يهود بني زريقٍ يقال له: لبيد بن الأعصم، حتّى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخيّل إليه أنّه يفعل الشّيء وما يفعله»
وكما جاء عن سحرة فرعون فى قوله تعالى عن موسى عليه السلام {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى}
-وقيل السحر :قد يقدر الساحر على قلب الأعيان مثل أن يحول إنسانا حمارا ونحو ذلك ومستندهم في ذلك مارواه ابن جرير قال حدثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا ابن أبي الزّناد، قال: حدّثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها قالت: «قدمت عليّ امرأةٌ من أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد موته حداثة ذلك، تسأله عن شيءٍ دخلت فيه من أمر السّحر ولم تعمل به».
قالت عائشة لعروة:«يا ابن أختي، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيشفيها، كانت تبكي حتّى إنّي لأرحمها، وتقول: إنّي لأخاف أن أكون قد هلكت، كان لي زوجٌ فغاب عنّي، فدخلت عليّ عجوزٌ فشكوت ذلك إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فأجعله يأتيك، فلمّا كان اللّيل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كشيءٍ حتّى وقفنا ببابل، فإذا برجلين معلّقين بأرجلهما، فقالا: ما جاء بك؟ فقلت: أتعلّم السّحر؟ فقالا: إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفري وارجعي، فأبيت وقلت: لا، فقالا: اذهبي إلى ذلك التّنّور فبولي فيه. فذهبت ففزعت فلم أفعل، فرجعت إليهما، فقالا: أفعلت؟ قلت: نعم، فقالا: فهل رأيت شيئًا؟ قلت: لم أر شيئًا، فقالا لي: لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري. فأرببت وأبيت، فقالا: اذهبي إلى ذلك التّنّور فبولي فيه. فذهبت، فاقشعررت وخفت. ثمّ رجعت إليهما، فقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئًا، فقالا: كذبت لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري، فإنّك على رأس أمرك. فأربيت وأبيت، فقالا: اذهبي إلى ذلك التّنّور فبولي فيه. فذهبت إليه فبلت فيه، فرأيت فارسًا متقنّعًا بحديدٍ خرج منّه حتّى ذهب في السّماء وغاب عنّي حتّى ما أراه، فجئتهما فقلت: قد فعلت، فقالا: ما رأيت؟ فقلت: رأيت فارسًا متقنّعًا خرج منّه فذهب في السّماء حتّى ما أراه، فقالا: صدقت، ذلك إيمانك خرج منك اذهبي. فقلت للمرأة: واللّه ما أعلم شيئًا وما قالا لي شيئًا، فقالت: بلى، لن تريدي شيئًا إلاّ كان، خذي هذا القمح فابذري، فبذرت، فقلت: أطلعي، فأطلعت، وقلت: أحقلي، فأحقلت، ثمّ قلت: أفركي. فأفركت، ثمّ قلت: أيبسي، فأيبست، ثمّ قلت: أطحني. فأطحنت، ثمّ قلت: أخبزي، فأخبزت. فلمّا رأيت أنّي لا أريد شيئًا إلاّ كان سقط في يدي وندمت واللّه يا أمّ المؤمنين، واللّه ما فعلت شيئًا قطّ ولا أفعله أبدًا».
وقد استدل هؤلاء أيضا بقوله تعالى {مايفرقون به بين المرء وزوجه}وأنه لو كان تخييلا وحسبانا مااستطاعوا أن يفرقوا به تفريقا على الحقيقة
والصواب هو القول الأول لأنه لو كان في وسع السّحرة إنشاء الأجسام وقلب الحقائق الأعيان عمّا هي به من الهيئات، لم يكن بين الباطل والحقّ فصلٌ، ولجاز أن تكون جميع المحسات ممّا سحرته السّحرة فقلبت أعيانها ،ذكره ابن جرير
واستدل ابن جرير على صحة هذا القول بقوله : وفي وصف اللّه جلّ وعزّ سحر سحرة فرعون بقوله: {فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى}. وفي خبر عائشة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان إذ سحر يخيّل إليه أنّه يفعل الشّيء ولا يفعله، أوضح الدّلالة على بطول دعوى المدّعين: أنّ السّاحر ينشئ أعيان الأشياء بسحره، ويستسخر ما يتعذّر استسخاره على غيره من بني آدم، كالموات والجماد والحيوان، وصحّة ما قلنا.
-وقال آخرون :بل السحر أخذ بالعين،ذكر هذه الأقوال الطبري
-وأما عن كيفية تفريق الساحر بين الرجل وزوجته :
والجواب على هذا السؤل مبنى على حقيقة السحر الذي عرفناه سالفا :
-فإن كان السحر هو تخييل الشيء للمرء بخلاف ماهو في عينه وحقيقته فيكون التفريق بتخييل لكل واحد من الزوجين خلاف ماهو في حقيقته بتقبيحه وتبغيضه إليه حتى يحدث الزوج نفسه بفراق امرأته فيكون التفريق بينهما بهذا السبب والعرب تضيف الشيء إلى مسببه من أجل تسبيبه
قال به قتادة كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد، عن قتادة
: «{فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه} وتفريقهما أن يؤخذ كلّ واحدٍ منهما عن صاحبه، ويبغضّ كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه
-وأما القول بنفي كون الملكان يعلمان السحر فكان تأويلهم لقوله تعالى {فيتعلمون منهما }: {فيتعلّمون منهما} إلى: فيتعلّمون مكان ما علّماهم ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، كقول القائل: ليت لنا من كذا وكذا كذا
وقوله تعالى {وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله }المعنى أن هؤلاء المتعلمون من الملكين مايفرقون به بين المرء وزوجه لايضرون به إلا من قضى الله عليه بذلك إذ الأمر كله بيده ومرجعه إليه
روى ابن جرير بسنده عن سفيان في قوله: {وما هم بضارّين به من أحدٍ إلاّ بإذن اللّه} قال: «بقضاء اللّه»)
وقوله تعالى {ويتعلمون مايضرهم ولاينفعهم}أي وأما هذا الذي يتعلمونه من الملكين ممايفرقون به بين المرء وزوجه فإن ضرره عائد عليهم ولاشك في الآخرة وعاقبة أمرهم وإن كان يحصل لهم بعض المنافع والمآكل الدنيوية من وراء ذلك الفعل في الدنيا ولكن لما كانت الدنيا فانية ومتاعها قليل جعل النفع المتحصل من ورائها لاشىء يذكر مقارنة بالضرر العائد على الفاعلين لذلك في الآخرة
وقوله تعالى {ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق}أي ولقد علم هؤلاء اليهود المشار إليهم في السياق السابق بقوله تعالى {ولماجاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون}و{اتبعوا ماتتلو الشياطين على ملك سليمان} فهؤلاء الذين نبذوا كتاب الله ولم يعملوا بمافيه وكفروا بما أنزل على النبي وهو مصدق لما معهم واتبعوا السحر الذي تلته الشياطين في عهد سليمان وما أنزل على الملكين هاروت وماروت فآثروا السحر وهو الباطل على الحق وهو كتاب الله تعالى المنزل على رسوله
ولقد علم هؤلاء اليهود بما عهده الله إليهم أن الساحر ماله في الآخرة من خلاق،وهو قول قتادة والسدي وابن زيد
قول قتادة : رواه ابن جريرمن طريق سعيد ، عن قتادة:«{ولقد علموا لمن اشتراه} أى: لمن أستحبه {ما له في الآخرةٍ من خلاقٍ} يقول: قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد اللّه إليهم أنّ السّاحر لا خلاق له عند اللّه يوم القيامة».
قول السدي:رواه ابن جرير قال :حدّثنا موسى، قل: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
قول ابن زيد رواه ابن جريرمن طريق ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} قال: «قد علمت يهود أنّ في كتاب اللّه في التّوراة أنّ من اشترى السّحر وترك دين اللّه ما له في الآخرة من خلاقٍ، ومن لم يكن له خلاق فالنّار مثواه ومأواه».:
ومعنى قوله {ماله في الآخرة من خلاق}فيها أقوال:
-قيل :ماله في الآخرة من نصيب ،وهو قول مجاهد والسدي وسفيان
وقول مجاهد رواه ابن جرير من طريق شبل بن أبي نجيح عنه
وقول السدى رواه ابن جرير من طريق موسى بن هارون عن عمرو عن أسباط عنه
وقول سفيان رواه ابن جرير من طريق إسحاق عن وكيع عنه
-وقيل:الخلاق الدين وهو قول الحسن كما رواه ابن جرير من طريق عبد الرزاق عن معمر عنه
-وقيل :خلاق أي قوام وهو قول ابن عباس كمارواه ابن جرير من طريق الحسين عن حجاج عن ابن جريج عنه
والراجح كما ذكر ابن جرير :أن معنى الخلاق هنا النصيب ،إذأن هذا المعنى هو الذي ينسجم مع السياق وذلك أن من كان فاقدا للإيمان والعمل الصالح فإنه فاقد لحظه ونصيبه من الجنة فى الآخرة أى لانصيب له من الخير ألبتة
وأيضا هو المعنى في كلام العرب ،ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليؤيّدنّ اللّه هذا الدّين بأقوامٍ لا خلاق لهم»، يعني: لا نصيب لهم ولا حظّ في الإسلام والدّين. ومنه قول أميّة بن أبي الصّلت:
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم ....... إلاّ سرابيل من قطرٍ وأغلال
وقوله تعالى {ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} فيه ذم من الله تعالى لليهود الذين باعوا دينهم الذي فيه نجاة أنفسهم من الهلاك وآثروا السحر وتعلمه وتعليمه والعمل به على الإيمان بكتاب الله ورسوله عنادا منهم وبغيا مع معرفتهم بما أعد الله تعالى لمن ارتكب ذلك من العقوبات والعذاب ولكن قوله تعالى {لو كانوا يعلمون}يوهم أنهم لا يعلمون عاقبة فعلهم في حين أن السياق قبله قال تعالى فيها {ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق}
والجمع بينهما ممكن :إذ أنه لما كان العالم الذي لايعمل بما علم كالجاهل الذي لم يعلم أصلا ولاعمل وصفوا بأنهم لايعلمون وهم في الحقيقة والواقع يعلمون لكن لايعملون بمقتضى علمهم
وهذا كما قال تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء }فمنطوق الآية يدل أن الذين يخشون فقط هم العلماء والخشية ثمرة العلم ،ودلت الآية بمفهومها أن من لم يخش الله فليس بعالم على القيقة وإن كان قد علم لأنه فقد ثمرة العلم
وهكذا هنا أيضا في هذه الآية فإنهم لما نبذوا ماتعلموه في كتابهم وما أخذ الله عليهم من العهد بالإيمان برسل الله وكتبه وأقبلوا على تعلم ماحرم الله ونهى عنه فتعلموه وعلموه وعملوا به ؛فكانوا في حكم الجهال الذين لا يعلمون
المصادر:
-تفسير الطبري
-تفسير ابن أبي حاتم
-تفسير البغوى
-تفسير ابن عطية
-تفسير الماوردي
-سنن ابن وهب
-فتح الباري
-لباب النقول
-تفسير ابن كثير
-تفسير القرطبي
-تفسير عبد الرزاق
-الدر المنثور
-مسند الإمام أحمد
-الصحيح المسبور في التفسير بالمأثور
-أسباب النزول للواحدى