إن موضوع المواريث موضوع مهم وجدير بالعناية؛ فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلمه وتعليمه في أحاديث كثيرة.
منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا الفرائض، وعلموها الناس؛ فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول علم ينزع من أمتي))، رواه ابن ماجة، وفي رواية:: ((فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما))، رواه أحمد والترمذي والحاكم.
وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فقد أهمل هذا العلم ونسي؛ فلا وجود لتعليمه في المساجد إلا نادرًا، ولا في مدارس المسلمين إلا في بعض الجهات التعليمية على شكل ضعيف لا يفي بالغرض على شكل ضعيف لا يفي بالغرض ولا يضمن بقاء هذا العلم.
فيجب على المسلمين أن يهبوا لإحياء هذا العلم والحفاظ عليه في المساجد والمدارس والجامعات؛ فإنهم بأمس الحاجة إلي، وسيسألون عنه.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:((العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فضل: آية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة)).
وعن عمر رضي الله عنه: "تعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم"، وقال عبد الله: "من تعلم القرآن؛ فليتعلم الفرائض".
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم عن الفرائض: ((إنها نصف العلم)): أن للإنسان حالتين: حالة حياة، وحالة موت. وفي الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت، بينما يتعلق باقي العلم بأحكام الحياة، وقيل: صارت نصف العلم؛ لأنها يحتاج إليها الناس كلهم، وقيل في معناه غير ذلك، والمهم أن في ذلك توجيها للاهتمام بهذا العلم.
ويسمى هذا العلم بالفرائض، جمع فريضة، مأخوذ من الفرض، وهو التقدير، لأن أنصباء الورثة مقدرة؛ فالفريضة نصيب مقدر شرعا لمستحقه، وعلم الفرائض هو العلم بقسمة المواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها.
ويتعلق بتركة الميت خمسة حقوق:
فيبدأ بمؤنة تجهيزه من ثمن كفن ومؤنة تغسيله وأجرة حفر قبره، ثم تقضى منها ديونه، سواء كانت لله كالزكوات والكفارات والنذور والحج الواجب أو كانت للآدميين، ثم تخرج وصاياه؛ بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل، ثم يقسم الباقي بعد ذلك بين الورثة حسبما شرعه الله عز وجل يقدم أصحاب الفروض، فإن بقى شيء، فهو للعصبة على ما سيأتي بيانه.
ولا يجوز تغيير المواريث عن وضعها الشرعي، وذلك كفر بالله عز وجل قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره: "والإشارة بقوله: {تِلْكَ} إلى الأحكام المتقدمة [يعني: في المواريث]، وسماها حدودًا؛ لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية كما يفيده عموم اللفظ؛ {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}.." إلى أن قال: "وأخرج ابن ماجه عن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قطع ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة)) انتهى.
فما تصرف في المواريث عن مجراها الشرعي، فورث غير وارث، أو حرم الوارث من كل حقه أو بعضه، أو ساوى بين الرجل والمرأة في الميراث؛ كما في بعض الأنظمة القانونية الكفرية؛ مخالفا بذلك حكم الله في جعله للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فهو كافر مخلد في النار والعياذ بالله؛ إلا أن يتوب إلى الله قبل موته.
إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون النساء والصغار من الميراث، ويجعلونه للذكور الكبار الذين يركبون الخيل ويحملون السلاح، فجاء الإسلام بإبطال ذلك، وقال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضا}، وهذا لدفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار، وفي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن}، وفي قوله: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}: إبطال لما عليه بعض الجاهليات المعاصرة من تسوية المرأة بالرجل في الميراث محادة لله ورسوله وتعديا لحدود الله؛ فالجاهلية القديمة منعت المرأة من الميراث بالكلية، والجاهلية المعاصرة أعطتها ما لا تستحقه، ودين الإسلام أنصفها وأكرمها وأعطاها حقها اللائق بها، فقاتل الله الكفار والمنافقين والملحدين الذين {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
[الملخص الفقهي: 2/231-234]