بيان حقيقة الهدى والرشاد
من الأصول المهمة في أعمال القلوب معرفة حقيقة الهدى والرشاد، وهما راجعان إلى العلم والعمل.
فالعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، وهذا يبين أن السالك يحتاج إلى علم وإرادة؛ فإذا كان علمه صحيحاً وإرادته جازمة سلك سبيل الرشاد بإذن الله.
وكلما كان العبد أكثر علماً بما يحبه الله ويرضاه وأصدق إرادةً للعمل به كان أعلى مقاماً، ولذلك زكَّى الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ما ضل صاحبكم وما غوى﴾؛ فالعلم النافع عصمة من الضلال، والعمل بالحق عصمة من الغواية.
وفي هذه المسألة أفرد ابن القيم رحمه الله كتابه الجليل (مفتاح دار السعادة، ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة).
والآفات التي تعرض للسالكين إذا كانت في معرفة الهدى أورثت ضلالاً وبدعة ومخالفة للسنة.
وإذا كانت في العزيمة أورثت تفريطاً وعجزاً وفتوراً.
فقد يكون لدى العبد ضعف في أحد الأمرين أو كليهما، وكل ضعف أو نقص فيهما له تأثيره على حال السالك، ولذلك ينبغي لنا أن نعتني بتكميل هذين المقامين بما نستطيع؛ فنتعلم من العلم النافع ما نرفع به الجهل عن أنفسنا وعن أمتنا ، ونتعرَّف ما أصابنا من أدواء وعلل ونجتهد في إصلاحها، ونتعرف أسبابَ رضوان الله تعالى والفوز بفضله العظيم في الدنيا والآخرة.
ويكون لدينا من الإرادة الجازمة والعزيمة الصادقة ما يحملنا على فعل ما يكملنا والصبر عليه.
ومن جوامع الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه عنه شداد بن أوس بن ثابت رضي الله عنهما أنه قال له: (يا شداد بن أوسٍ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فاكنز هؤلاء الكلمات:
اللّهم! إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرُك لما تعلمُ؛ إنك أنت علامُ الغيوب). والحديث صحح الألباني في السلسلة الصحيحة الطريق التي أخرجها به الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر، والحديث قد أخرجه النسائي والحاكم وغيرهما بإسناد فيه انقطاع، ولذلك ضعفه بعض أهل العلم.
وكلمات هذا الدعاء العظيم موحية بأنها خارجة من مشكاة النبوة.
والمقصود هنا أن الثبات في الأمر سببه الهداية بالعلم واليقين ، والعزيمة على الرشد تقتضي صحة الإرادة.
هذا ، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.