سورة الفرقان
حدّثنا يموتٌ، بإسناده عن ابن عبّاسٍ، قال: «وسورة الفرقان نزلت بمكّة فهي مكّيّةٌ»
قال جلّ وعزّ: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63]
من العلماء من قال هذا منسوخٌ وإنّما كان هذا قبل أن يؤمر المسلمون بحرب المشركين وليس سلامًا من التّسليم، وإنّما هو من التّسلّم تقول العرب سلامًا أي تسلّمًا منك وهو منصوبٌ على أحد أمرين يجوز أن يكون منصوبًا بقالوا ويجوز أن يكون مصدرًا وهذا قول سيبويه وكلامه يدلّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/568]
على أنّ الآية عنده منسوخةٌ
قال أبو جعفرٍ: ولا نعلم لسيبويه كلامًا في معنى النّاسخ والمنسوخ إلّا في هذه الآية قال سيبويه: وزعم أبو الخطّاب أنّ مثله يعني مثل قولك الحمد للّه ممّا ينتصب على المصدر، قولك للرّجل سلامًا يريد تسلّمًا منك كما قلت براءةٌ منك أي لا أتلبّس بشيءٍ من أمرك قال: وزعم أنّ أبا ربيعة كان يقول إذا لقيت فلانًا فقل سلامًا فسأله ففسّر له معنى براءةٌ منك، قال: وزعم أنّ هذه الآية {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] بمنزلة ذلك لأنّ الآية فيما زعم مكّيّةٌ فلم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلموا على المشركين ولكنّه على قوله لا خير بيننا ولا شرّ
قال أبو جعفرٍ: وزعم محمّد بن يزيد أنّ سيبويه أخطأ في هذا وأساء العبارة لأنّه لا معنى لقوله ولم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلّموا على
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/569]
المشركين وإنّما كان ينبغي أن يقول ولم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يحاربوا المشركين ثمّ أمروا بحربهم
قال أبو جعفرٍ: كلام محمّد بن يزيد يدلّ على أنّ الآية أيضًا عنده منسوخةٌ وإنّما جاز فيها أن تكون منسوخةً لأنّ معناها معنى الأمر أي إذا خاطبكم الجاهلون فقولوا سلامًا فعلى هذا يكون النّسخ فيها فأمّا كلام سيبويه فيحتمل أن يكون معناه لم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلّموا على المشركين ولكنّهم أمروا أن يتسلّموا منهم ويتبرّءوا ثمّ نسخ ذلك بالأمر بالحرب
وقد ذكرنا قوله عزّ وجلّ {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} [الفرقان: 68] إلى قوله عزّ وجلّ {إلّا من تاب} [مريم: 60] وقول من قال هو منسوخٌ بقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها} [النساء: 93] في سورة النّساء
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/570]