وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وهذا تفريغٌ لبعض ما ورد في الحلقة الرائعة:
أهمية حفظ المنظومات ، وأن ذلك وسيلةً لا مقصدًا
قال الشيخ أبو مالك العوضي – حفظه الله – :
(( ... المنظومات وضعها العلماء للمبتدئين، يعني ابن رَسلان له ألفية في الفقه الشافعي، ألفية! .. الآن.. الذي يحفظ الألفية يقول: أنا وما أنا!. هذا ألفية في الفقه الشافعي ويقول في مقدمتها:
يسهُلُ حفظُها على الأطفالِ *** نافعةٌ لمبتدي الرجال
فهو وضعها للمبتدئين... ، أنا أنصح من يعارض الحفظ أن يجرِّب، أيّاً كان تخصصك، لا تستطيع أن تتعمّق في باقي التخصصات، إذا أردتَ أن تتخصّصَ في التفسير أو في الفقه أو كذا أو كذا، لا تجد وقتًا لتحصيل بقية العلوم، أو للتعمق في بقية العلوم، فإذا حفظتَ ألفيةً أو متنًا مختصرًا في كل فن .. يُسهِّل عليك، يعني المنظومات لا يُقصد بها العلم، يُقصدُ بها أن تكون فهرسًا في الذهن، كأنك وضعتَ فهرس الكتاب، إذا أردتَ أن تبحث في الكتاب عن مسألة.. تنظر إلى الفهرس، طيّب .. إذا لم يكن هناك فهرس، كيف تبحث؟ لا تستطيع، ولذلك تجد بعض المعاصرين مثلاً إذا أراد أن يبحث في غير تخصصه .. يُحيل لإحالات عجيبة ، ويرجع إلى مواضع غير المقصود، إنما إذا كان يحفظ الألفية يسهُل عليه أن يرجع إلى أي مسألة في النحو، حتى لو فُرِضَ أنه نسي بعضها أو نسيها كلّها، لا إشكال لأنه ترسّخت في ذهنه الملكة، ترسّخت في صدره ملكة العلم ...))
وقال: ((... المنظومات هذه وسائل ، والوسائل يُتوسّعُ فيها ما لا يُتوسع في المقاصد ، ولذلك.. الذين يفهمون مغزى المنظومات ، لا يتقيّدون بها ، يعني لم توضع المنظومات لتُعبد ، ولا لتُجعل هي المقصد ، ولكن هي وسيلة لحفظ العلم ، فإذا استطاع الإنسان أن يحفظ العلم من غير المنظومات كان بها ، ولكن الشائع والأكثر عند الناس .. أكثر الناس، يُحصِّل العلم بالمنظومات أسهل وأسرع من غيرها ...))
وقال: ((... أنا أرى أن طالب العلم يحفظ ألفية في كل فن لم يتخصص فيه، ويترك وقته للتخصص، لا يحتاج إلى الحفظ في تخصصه لأنه تخصصه، وإن قصُرَ – لم يستطع أن يحفظ ألفية في كل فن- فليحفظ متنًا مختصرًا، في معظم الفنون توجد متون مختصرة ...))
وقال: ((... أنا قرأت هذا الكتاب أكثر من سبعين مرة ، وأُسأل عن بعض الألفاظ وأنساها ، فهذا قرأه مرةً واحدة ويُريد أن يستحضر كل ما فيه؟!!!! ...))
قال: ((... مبدأ الحفظ نفسه ، - بغض النظر عن منظومات وغير منظومات- هذا المبدأ .. مبدأ الحفظ نفسه مهم جدًا في طلب العلم ، لأن الإنسان عندما يتعرض لأي مسألة ، نفرض أن أحد طلبة العلم ، وصل إلى درجة الاجتهاد ، يريد أن يجتهد في باب من الأبواب ، في علم من العلوم ، في أي علم ، اجتهاده.. كي يجتهد ينظر في الأدلة والأقوال وكذا ، كلّ الناس تستطيع أن تنظر في الأدلة والأقوال ، ما الذي يجعلك تختلف عني في النظر؟ هو ما حصّلتَهُ ما في ذهنِك ، الناس أمام الأدلة سواء ، هذا يرى الدليل ، وهذا يرى الدليل ، البخاري بين أيدينا ، ولكن الذي يختلف: الذي عنده رصيد من الحفظ ، عنده رصيد من العلم ، وهذا يصلح معك في جميع التخصصات ، يعني بعض الإخوة ذكرتُ له قريبًا في مجال التحقيق ، يقول أنا محقق لا يلزمني الحفظ ، أقول له: إن حفظتَ ، إن كان لديك رصيد من الحفظ ، توفّر على نفسك أكثر من سبعين في المائة من الوقت في التحقيق ، بعض المحققين يقضي سنوات في تحقيق كتاب ، ليش؟ لمَ؟ لأنه يرجع في كلِّ ذرة ، وكل كبيرة وصغيرة ، سنة وفاة عالم وكذا ، وضبط لفظ .. وفتحة ولا كسرة ، يرجع للمعجم ألف مرة ، يرجع لكتب التراجم مئات المرات .. وهكذا ، إذا كان عنده رصيد من المحفوظ يوفِّر على نفسه كثيرًا من الوقت ...))
قال: (( ... بعض الناس يكرّر يكرّر ويحفظ ، لكن ينسى ، فالذي يخفى على كثير طلبة العلم أن الإشكال ليس في الحفظ ، الإشكال في المراجعة ، يعني يسهل جدا جدا مهما كانت ذاكرتك ضعيفة يسهل أن تحفظ ، يعني بعض العلماء يكرر الدرس ألف مرة ، طيب .. أعطني أضعف الناس ذاكرةً ، ألن يحفظ من ألف مرة؟! يحفظ ، يحفظ من مائة مرة ، يحفظ من مائتي مرة ، يحفظ من ثلاث مائة مرة ، يعني لن يحتاج إلى ألف مرة ، ولكن ليست الإشكال في الحفظ ، الإشكال في تثبيت المحفوظ ...))
وقال: (( ... إن حفظت عشر أبيات في اليوم ، في سنة واحدة تحفظ ثلاث ألفيات، ويتبقى لك شهران للنزهة ، يعني حفظ ثلاث ألفيات يحتاج إلى عشرة أشهر فقط ...))
قال: ((... إذا حفظت حديثًا ، إذا حفظت آية ، إذا حفظتَ بيتًا ، إذا قرأت كتابًا لأحد العلماء ، حاول أن تربطه بكلِّ شيء تعرفه ، قرأتَ كتابًا للحافظ ابن حجر .. فتح الباري ، على طول تربط بالعين ، شرح العين لشرح البخاري .. وهكذا ، قرأتَ كتابًا لثعلب ، تربطه بشيوخه وتلاميذه ، شيخه ابن السِّكِّيت ، تلميذه أبو عمر الزاهد ، قرأتَ حديثًا .. أنت الآن تقرأ في كتاب من كتب الحديث .. ليس له علاقة لا بالنحو ولا بالبلاغة ولا بالفقه ، إذا مررتَ على كلمة: طيّب .. هذه الكلمة مبتدأ .. ليش؟ لكذا ، خبر .. ليش؟ تربطها بالنحو ، يعني أنت لا تدرس الآن نحوا، لكن تدرس علمًا معيّنًا تحاول أن تربط المعلومات ، فإذا سُئلتَ عن أي معلومة .. يسهل الوصول من أي معلومة إلى أي معلومة...))
__________________