دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب اللعان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 جمادى الآخرة 1431هـ/24-05-2010م, 01:20 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي كتاب اللعان

كتابُ اللِّعانِ
يُشْتَرَطُ في صِحَّتِه أن يكونَ بينَ زَوجينِ، ومَن عَرَفَ العربيَّةَ لم يَصِحَّ لِعانُه بغيرِها، وان جَهِلَها فبِلُغَتِه، فإذا قَذَفَ امرأتَه بالزِّنَا فله إسقاطُ الحدِّ باللِّعانِ فيقولُ قَبْلَها، أربعَ مَرَّاتٍ: " أَشْهَدُ باللهِ لقد زَنَتْ زَوجتِي هذه ". ويُشيرُ إليها، ومع غَيْبَتِها يُسَمِّيهَا ويَنْسِبُها، وفي الخامسةِ: " وأنَّ لعنةَ اللهِ عليه إن كان من الكاذبينَ " ثم تَقولُ هي أربعَ مَرَّاتٍ: " أَشهَدُ باللهِ لقد كَذَبَ فيما رَمانِي به من الزِّنَا " ثم تَقولُ في الخامسةِ: " وأنَّ غَضَبَ اللهِ عليها إن كان من الصادقينَ "


  #2  
قديم 14 جمادى الآخرة 1431هـ/27-05-2010م, 07:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 14 جمادى الآخرة 1431هـ/27-05-2010م, 08:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


كتابُ اللِّعَانِ
مُشْتَقٌّ مِن اللَّعْنِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مِن الزَّوْجَيْنِ يَلْعَنُ نفسَه في الخامسةِ إنْ كانَ كاذِباً، وهو شَهَادَاتٌ مؤكَّدَاتٌ بأَيْمانٍ مِن الجانبيْنِ مَقْرُونَةٌ بلَعْنٍ وغَضَبٍ، (ويُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أنْ يكونَ بينَ زوجيْنِ) مُكَلَّفَيْنِ؛ لقولِهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}. فمَن قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، حُدَّ، ولا لِعَانَ، (ومَن عَرَفَ العربيَّةَ لم يَصِحَّ لِعَانُه بِغَيْرِها)؛ لِمُخَالَفَتِهِ للنصِّ، (وإنْ جَهِلَها)؛ أي: العَرَبِيَّةَ، (فبِلُغَتِهِ)؛ أي: لاَعَنَ بِلُغَتِهِ ولم يَلْزَمْهُ تَعَلُّمُهَا، (فإذا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَى) في قُبُلٍ أو دُبُرٍ في طُهْرٍ وَطِئَ فيهِ، (فله إسقاطُ الحَدِّ)- إنْ كانَتْ مُحْصَنَةً، والتعزيرُ إنْ كانَتْ غيرَ مُحْصَنَةٍ- (باللِّعَانِ)؛ لقولِهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} الآياتِ.
(فيَقولُ) الزوجُ (قبلَها)؛ أي: قبلَ الزوجةِ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ باللهِ لقد زَنَتْ زَوْجَتِي هذهِ. ويُشِيرُ إليها) إنْ كانَتْ حَاضِرةً، (ومعَ غَيْبَتِها يُسَمِّيها ويَنْسُبُها) بما تَتَمَيَّزُ بهِ، (و) يَزِيدُ (في الخَامسةِ: وَأَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ تَقولُ هِي أَرْبَعَ مرَّاتٍ: أَشْهَدُ باللهِ لقد كَذَبَ فِيمَا رَمَانِي بهِ مِن الزِّنَى. ثمَّ تقولُ في الخامسةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ). وسُنَّ تَلاَعُنُهُما قِياماً بِحَضْرَةِ جماعةٍ أربعةٍ فأكثرَ بوقتٍ ومكانٍ مُعَظَّمَيْنِ، وأنْ يَأْمُرَ حاكِمٌ مَن يَضَعُ يَدَه على فَمِ زَوْجٍ وزوجةٍ عندَ الخامسةِ ويقولُ: اتَّقِ اللهِ؛ فإنَّها المُوجِبَةُ، وعذابُ الدنيا أهونُ من عذابِ الآخرةِ.


  #4  
قديم 14 جمادى الآخرة 1431هـ/27-05-2010م, 08:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

كتاب اللعان([1])
مشتق من اللعن([2]) لأن كل واحد من الزوجين، يلعن نفسه في الخامسة، إن كان كاذبا([3]) وهو: شهادات، مؤكدات بأيمان، من الجانبين([4]) مقرونة بلعن وغضب([5]) و(يشترط في صحته: أن يكون بين زوجين) مكلفين([6]).
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}([7]) فمن قذف أجنبية حد ولا لعان([8]) (ومن عرف العربية، لم يصح لعانه بغيرها) لمخالفته للنص([9]) (وإن جهلها) أي العربية (فبلغته) أي لا عن بلغته ولم يلزمه تعلمها([10]) (فإذا قذف امرأته بالزنا) في قبل أو دبر ولو في طهر وطئ فيه([11]) (فله إسقاط الحد) إن كانت محصنة([12]) والتعزير إن كانت غير محصنة (باللعان)([13]).
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} الآيات([14]) (فيقول) الزوج (قبلها) أي قبل الزوجة([15]) (أربع مرات: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه([16]) ويشير إليها) إن كانت حاضرة([17]) (ومع غيبتها يسميها وينسبها) بما تتميز به([18]).
(و) يزيد (في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين([19])، ثم تقول هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا([20])، ثم تقول في الخامسة: وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)([21]).
وسن تلاعنهما قياما([22]) بحضرة جماعة أربعة فأكثر([23]) بوقت ومكان معظمين([24]) وأن يأمر حاكم من يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة([25]) ويقول: اتق الله فإنها الموجبة([26]) وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة([27]).


([1]) وما يلحق من النسب؛ حكم اللعان ثابت بالكتاب والسنة، والإجماع، والقياس، وجوزه الجمهور بمجرد القذف، للآية، وجوز الأصحاب وغيرهم: ان يلاعن امرأته، إذا رأى رجلا يعرف بالفجور، يدخل عليها، ويخرج من عندها، نظرا إلى الأمارات والقرائن، وذلك لأنه يلحقه بزناها من العار والمسبة، وفساد الفراش، وإلحاق ولد غيره به ما يحوجه إلى قذفها، وتخلصه من العار، لكونه زوج بغي، ولا يمكنه إقامة البينة على زناها في الغالب، وهي لا تقربه، وقوله عليها غير مقبول، فلم يبق سوى تحالفهما، بأغلظ الأيمان، ثم يفسخ.
([2]) مصدر لاعن يلاعن لعانا، إذا فعل ما ذكر، أو من لعن كل واحد منهما الآخر.

([3]) ذكره الموفق وغيره، فتحصل اللعنة عليه، واللعن: الطرد والإبعاد، يقال لعنه الله، أي: أبعده، ويقع باللفظ، والتعن الرجل إذا لعن نفسه من قبل نفسه.
([4]) وهو قول بالله، في قول: أشهد بالله.
([5]) قائمة مقام حد قذف، أو تعزير في جانبه، أو حد زنا في جانبها.
([6]) ولو قنين، أو فاسقين، أو ذميين، أو أحدهما، والشرط الثاني: سبق قذفها بزنا، والثالث: أن تكذبه ويستمر إلى انقضاء اللعان، وقال الوزير: أجمعوا على أن من شرط صحته، أن يكون بحكم حاكم.
([7]) أي يقذفون نساءهم بالزنا، فدلت الآية، على أنه إنما يكون اللعان بين الرجل وزوجته، فكان ذلك شرطا لصحته، مدخولا بها أولا، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه لظاهر الآية.
([8]) أي لا يقع بينهما لعان، وإنما عليه الحد، ويأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ولو نكحها بعد قذفه لها، ولا لعان بقذف أمته، ولا تعزير.
([9]) فإن الشرع ورد بالعربية، فلم يصح بغيرها، كأذكار الصلاة.
([10]) كأركان النكاح.
([11]) بأن قال: زنيت في قبلك، أو دبرك، فكذبته.
([12]) أي فله إسقاط ما لزمه، من الحد، بقذفها، إن كانت محصنة يعني عفيفة، باللعان، بلا خلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم، لهلال ابن أمية لما قذف امرأته بشريك بن سحماء: ((البينة أو حد في ظهرك)) فنزلت الآية.
([13]) أي: وله إسقاط التعزير عنه أيضا، حيث لزمه بقذمها إن كانت غير عفيفة، باللعان، أو كانت ذمية، أو كانت رقيقة، وإن لم يلاعن زوجته حد لقذفها، إن كانت محصنة، وإلا عزر إن كانت غير محصنة، بلا نزاع.
([14]) أي والذين يقذفون نساءهم (ولم يكن لهم شهداء) يشهدون على صحة ما قالوه {إِلا أَنْفُسُهُمْ} أي غير أنفسهم، إلى آخر الآيات، فلهم إسقاط الحد باللعان، وصفته، كما قال ابن رشد وغيره، متقاربة عند جمهور العلماء، ليس بينهم في ذلك اختلاف، على ظاهرها تقتضيه ألفاظ الآيات الكريمة.
([15]) قدم لأن جانبه أرجح من جانب الزوجة قطعا، فإن إقدامه على إتلاف فراشه، ورميها بالفاحشة على رءوس الأشهاد، وتعريض نفسه لعقوبة الدنيا والآخرة، وفضيحة نفسه وأهله مما تأباه العقلاء، وتنفر عنه نفوسهم، لولا أن الزوجة اضطرته إلى ذلك، والله جعل له فرجا، باللعان، فصار جانبه أقوى.
([16]) لقوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} ولقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: ((قم فاشهد أربع شهادات بالله))، فيعيد قوله: أشهد بالله... إلخ، مرة بعد أخرى، حتى يكمل ذلك أربع مرات، وذلك في مقابلة أربعة شهداء.
([17]) ولا يحتاج مع حضورها، والإشارة إليها، إلى تسميتها وبيان نسبها، كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود، اكتفاء بالإشارة.
([18]) حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها، وفي المبدع: لا يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به، مقام الرفع في نسبها، ومقتضاه: عدم اشتراط اجتماعهما حال اللعان؛ كما اختار في عيون المسائل، وفي الإنصاف: المذهب لا بد من اجتماعهما، حالة التلاعن.
([19]) أي ويزيد في الشهادة الخامسة قوله: {أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي عليها فيما رماها من الزنا، وفي الاختيارات: ولو لم يقل: فيما رميتها به؛ قياس المذهب صحته، وقال الوزير: لا أراه يحتاج إليه.
([20]) وذلك حيث أنه لا شاهد له إلا نفسه، مكنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثله، تدرأ بها الحد عنها واستحسن بعضهم، قولها: فيما رماني به من الزنا خروجا من خلاف من أوجبه، ولا يجب ولا يشترط، للآية والأخبار، وإذا تم اللعان سقط عنه الحد، وإن نكلت صارت أيمانه مع نكولها، بينة قوية لا معارض لها.
قال ابن القيم: وهو الذي يقوم عليه الدليل، ومذهب مالك والشافعي، وأحمد وغيرهم: فيحكم بحدها إذا نكلت، وهو الصحيح، ويدل عليه القرآن وجزم به الشيخ وغيره.
([21]) فيما رماها به من الزنا، وخصها بالغضب لأن المغضوب عليه، هو الذي يعرف الحق ويحيد عنه، ولعظم الذنب، بالنسبة إليها، واختير في حقه اللعن، لأنه قول، وهو الذي بدأ به.
([22]) لقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية «قم فاشهد أربع شهادات» ولأنه أبلغ في الردع.
([23]) لحضور ابن عباس، وابن عمر، وسهل بن سعد؛ وليس حضور أربعة واجبا بلا خلاف، والصبيان إنما يحضرون تبعا للرجال.
([24]) كبعد العصر يوم الجمعة، وبين الركن والمقام بمكة، وعند الصخرة ببيت المقدس، وعند منبر في سائر المساجد، لأن ذلك أبلغ في الردع، وتقف الحائض عند باب المسجد، للعذر، يبدأ الزوج فيلتعن وهو قائم، فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت.
([25]) فيأمر رجلا يضع يده على فم الزوج، ويأمر امرأة تضع يدها على فم المرأة.
([26]) أي: للعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، أو غضب الله عليها إن كان من الصادقين، لالتزامهما ذلك فيها.
([27]) لما روى الجوزجاني، من حديث ابن عباس: ((يشهد أربع شهادات بالله، إنه لمن الصادقين))، ثم أمر به فأمسك على فيه، فوعظه، وقال: ((ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله))، ثم أرسله، فقال: عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، ثم أمر بها فأمسك علي فيها،
فوعظها، وقال، ((ويحك، كل شيء أهون عليك من غضب الله))؛ وعذاب الدنيا ينقطع وعذاب الآخرة دائم، والسر التخويف، ليتوب الكاذب منهما ويرتدع،
وفي حديث أنس وغيره: فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة، فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع.


  #5  
قديم 29 ربيع الثاني 1432هـ/3-04-2011م, 09:06 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتَابُ اللِّعانِ

قوله: «اللعان» مصدر لاعن يلاعن بمعنى دعا باللعنة، وهو على وزن فِعال، وفِعَال من المصادر المزدوجة التي لا تكون إلا بين شيئين غالباً، مثل القتال، قاتل يقاتل قتالاً، من جانبين، وجاهد يجاهد جهاداً من جانبين، واللعان ـ أيضاً ـ من جانبين، ومعناه حصول التلاعن بين شخصين، فإذا طبقنا هذه اللفظة على حقيقة اللعان وجدنا أن اللعان ليس من جانب الزوجين، لكنه لعن من جانب الزوج، وغضب من جانب الزوجة، إذ إن الزوج يقول في الخامسة: «وأن لعنة الله عليه» والزوجة تقول: «وأن غضب الله عليها» فما الجواب؟
الجواب: أن هذا من باب التغليب، أي: تغليب أحد الوصفين على الآخر.
والتغليب في اللغة العربية موجود بكثرة، مثل: العُمَرَان يعني أبا بكر وعمر، ومثل: القَمَرَان يعني الشمس والقمر.
واللعن في اللغة: الطرد والإبعاد، فإذا وقع من الله فهو الطرد والإبعاد عن رحمته، وإذا دعا به إنسانٌ على شخص، فمعناه أنه يسأل الله أن يطرده ويبعده من رحمته، وإذا وقع من شخص لشخص على سبيل أن هذا الشخص نفسه لعنه، وليس المراد دعا عليه باللعن، فالمراد أنه طرده وأبعده عنه، بحيث لا يكون صاحباً له، ولا رفيقاً له، وما أشبه ذلك.
واللعان في الاصطلاح: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين ـ الزوج والزوجة ـ مقرونة بلعن من الزوج وغضب من الزوجة، وهذه الشهادات عددها أربعة والخامسة من الزوج أن لعنة الله عليه، أو من الزوجة أن غضب الله عليها، ثم نفرق بينهما تفريقاً مؤبداً، فلا تحل له بعد ذلك.
وسبب اللعان: أن يقذف الرجل زوجته بالزنا والعياذ بالله، سواء قذفها بمعيَّن، أم بغير معين، مثل أن يقول: يا زانية، أو يقول: زنى بك فلان.
والأصل أن من قذف شخصاً بالزنا أن يقال له: أقم البينة، وإلا جلدناك ثمانين جلدة؛ لأن الأعراض محترمة، فإذا قال شخص لآخر: أنت زانٍ، أو يا زانٍ، أو ما أشبه ذلك، قلنا: أقم البينة وإلا فثمانون جلدة في ظهرك، فإن قال: أنا رأيته بعيني يزني، قلنا له: إن لم تأتِ بالشهداء فأنت كاذب عند الله، ولهذا قال الله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النور: 13] ما قال في حقيقة الأمر، لكن عند الله، أي: في حكمه وشرعه أنه كاذب، وإن كان صادقاً في نفس الواقع، ولو جاء ثلاثة يشهدون على شخص بأنه زانٍ، نقول: إما أن تأتوا بالبينة وإلا جلدناكم، وعلى هذا فنقول: اللعان خرج عن هذا الأصل؛ لأن الرجل إذا قذف زوجته لا يخلو من ثلاث حالات: إما أن تقر هي، أو يقيم أربعة شهود، أو يلاعن، أما غير الزوج، فإما أن يُقر المقذوف، وإما أن تأتي بأربعة شهود، أما الزوج فنزيد على ذلك بأن يقال: أو تلاعن.
ولما نزلت الآية: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] ، قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: يا رسول الله، أجده على امرأتي، وأذهب لآتي بأربعة شهود!! والله لأضربنه بالسيف غير مصفِّح، يعني أضربه بحد السيف لا بجنبه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «ألا تعجبون من غيرة سعد؟! والله إني لأغير من سعد، والله أغير مني» [(136)]، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن سبحانه وتعالى.
والحكمة في خروج الزوج عن القاعدة أن الزوج لا يمكن أن يقول هذا إلا وهو متأكد؛ لأنه تدنيس لفراشه فصدقه قريب؛ فلهذا شرع في حقه اللعان.

يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، وَمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهُ بِغَيْرِهَا،.......
قوله: «يشترط في صحته» أي: لصحة إجراء اللعان.
قوله: «أن يكون بين زوجين» هذا الشرط الأول، يعني بين زوج وزوجته، سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعد الدخول، فإن كان بين أجنبيين فلا لعان فيه، إما حد القذف على القاذف، وإما حد الزنا على المقذوف إذا ثبت ذلك، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ} الآية [النور: 6] .
فإن كان بين أجنبيين ثم تزوج الرجل المرأة التي قذفها فلا يجري اللعان؛ لأنه قذفها قبل أن يتزوجها، وعليه فإذا قذف امرأة قبل أن يتزوجها إن أقرت أقيم عليها الحد، وإن لم تقرر وأتى ببينة أقيم عليها الحد، وإن لم يأتِ ببينة أقيم عليه هو الحد.
قوله: «ومن عرف العربية لم يصح لعانه بغيرها» هذا هو الشرط الثاني، أن يكون باللغة العربية، ولكن إذا كان يحسن العربية، فلو كان رجل يحسن اللغتين العربية وغيرها، وأراد أن يلاعن بغير العربية قلنا: لا يصح، بل لا بد أن يكون باللغة العربية؛ لأنه يتضمن ألفاظاً نص عليها القرآن، فلا بد أن يكون بتلك الألفاظ.
فإن قال قائل: لماذا، وهو ليس من الألفاظ المتعبد بها؟ فالجواب: لأنه لفظ ورد به النص، وهو قادر عليه، فلا يخالفه إلى غيره، وقد تكون الترجمة لا تؤدي المعنى المطلوب على وجه التمام، وهذه ألفاظ خطيرة جداً؛ لأن فيها رفع حد وإثبات حد.
القول الثاني: أنه يصح بلغتهما وإن عرفا العربية، وهذا هو المقطوع به؛ وذلك لأن ألفاظ اللعان ليست ألفاظاً تعبدية حتى نحافظ عليها، إنما هي ألفاظ يعبر بها الإنسان عما في نفسه، فمتى علمت لغته أجزأ اللعان.
قوله: «وإن جهلها فبلغته» يعني إن جهل العربية فبلغته التي يعلم، فإن كان يعرف لغتين غير العربية، فهل نقول: لا بد أن يكون بلغته؛ لأنها الأصل، أو نقول: لما تعذرت اللغة العربية يجوز بكل لغة؟ الظاهر الثاني، وأن الإنسان لا يُلزم بلغته إذا كان لا يعرف اللغة العربية.

وَإِنْ جَهِلَهَا فَبلُغَتِهِ، فَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَا فَلَهُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ باللِّعَانِ، فَيَقُولُ قَبْلَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ زَنَتْ زَوْجَتِي هَـذِهِ، وَيُشيرُ إِلَيْهَا، وَمَعَ غَيْبَتِهَا يُسَمِّيهَا وَيَنْسِبُهَا، .....
وقوله: «وإن جهلها فبلغته» بناء على الأغلب، وأن الإنسان إنما ينطق بلغة واحدة، إما بالعربية وإما بغيرها، ولأنه إذا لم يعرف العربية لم يتمكن من الإتيان بها، فصارت بقية اللغات بالنسبة إليه على حد سواء.
قوله: «فإذا قذف امرأته بالزنا» هذا هو الشرط الثالث، أن يكون القذف بصريح الزنا، بأن يقول: زنت، أو زنيت، أو ما أشبه ذلك، فإن قال: أتيت شبهةً، أو قَبَّلك فلان، أو استمتع بك بغير الوطء، فهل يثبت اللعان أو لا؟ لا يثبت؛ لأن هذه لا يثبت بها حد القذف، فلا يثبت بها اللعان.
قوله: «فله إسقاط الحد باللعان» فإذا قذف الرجل امرأته بالزنا، فلا يخلو إما أن تصدقه، أو تكذبه، فإن صدقته فعليها حد الزنا، فإن كانت بكراً ـ بأن عقد عليها ولم يدخل بها ـ تجلد مائة جلدة، وتغرَّب عاماً، وإن كانت ثيباً فإنها ترجم، وإذا كذبته فإما أن يكون له بينة أو لا، فإن كان له بينة فلا حد عليه؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: 4] فعلم من قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أنهم لو أتوا بأربعة شهداء لم يجلدوا، فإذا أتى الزوج بأربعة شهود يشهدون على ما قال فإنه يقام الحد على المرأة، ولا يجب عليه شيء، وإذا لم يأتِ ببينة وجب عليه حد القذف، ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «البينة أو حد في ظهرك» [(137)]، فلا بد أن يأتي ببينة وإلا يجلد ثمانين جلدة إن كانت الزوجة محصنة أو يسقطه باللعان.
وقوله: «فله إسقاط الحد باللعان» فيه تسامح، والصواب أن يقال: فله إسقاط الحد أو التعزير؛ لأنها إن كانت محصنة فعليه حد القذف، وإن كانت غير محصنة فعليه التعزير، فيعزر بما دون الحد، والإحصان هنا أن تكون حرة، ومسلمة، وعاقلة، وعفيفة عن الزنا، وملتزمة، ويُجامَع مثلها.
وقوله: «باللعان» «الباء» يحتمل أن تكون للسببية، أي: بسبب اللعان، وأن تكون للتعدية يعني يسقطه بكذا.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] ، وكونها أربع شهادات بالله، الحكمة فيها واضحة؛ لأنها مقابل أربعة شهود، وقوله: {بِاللَّهِ} أفادت الآية الكريمة أن هذه الشهادة مقرونة بقسم؛ لأنه يقول: أشهد بالله، كأنما قال: أشهد مقسماً بالله، ولهذا سمَّاها الله ـ تعالى ـ شهادة، وسمَّاها النبي صلّى الله عليه وسلّم أيماناً؛ لقوله: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» [(138)].
وعلى هذا فنقول: هذه الشهادة متضمنة للقسم، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ}{أَنْفُسُهُمْ} بدل من شهداء؛ لأن الجملة تامة منفية، وخبر {يَكُنْ} {لَهُمْ}، ويصلح أن تكون {يَكُنْ} تامة يعني، ولم يوجد لهم شهداء، وبعضهم قال: {إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} {إِلاَّ} صفة بمعنى «غير» كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي: غير الله، وقالوا: إن {إِلاَّ} تأتي بمعنى «غير» لكن ينقل إعرابها إلى ما بعدها، فتكون {إِلاَّ} صفة لـ {} لكن نقل إعرابها إلى ما بعدها، فظهر عليه، وهذا الخلاف في الإعراب لا يترتب عليه خلاف في الحكم.
والشرط الرابع: تكليف الزوجين، أي: أن يكون الزوجان مكلفين يعني بالغين عاقلين، والدليل على اشتراط التكليف أن الشهادة لا تقبل من غير المكلف.
ومن شرطه ـ أيضاً ـ أن تكذبه الزوجة؛ أي تقول: إنه كاذب، فلو أقرَّت بما رماها به فإنه لا لعان ويقام عليها الحد، إن كانت محصنة رجمت حتى تموت، وإن كانت غير محصنة فإنها تجلد مائة جلدة وتغرَّب عاماً، والدليل على أن من شرطه أن تكذبه الزوجة قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ *} [النور] وهي إذا صدقته وأقرت بالزنا ما يدرأ عنها العذاب؛ لأنها يثبت عليها الحد بإقرارها.
قوله: «فيقول قبلها» هذا هو الشرط الخامس، أن يبدأ الزوج قبل الزوجة.
قوله: «أربع مرات» هذا هو الشرط السادس، أن لا تنقص الشهادة عن العدد الذي ذكره الله عزّ وجل، وهو أربع شهادات.
قوله: «أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، ويشير إليها، ومع غيبتها يسميها وينسبها» فيقول: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، إن كانت حاضرة، وإن لم تكن حاضرة يقول: زوجتي فلانة بنت فلان، وينسبها بما تتميز به، ولكن ليس معنى كلامه أن حضور الزوجة وعدم حضورها على حد سواء، بل لا بد أن تحضر حتى يكون اللعان بينها وبين زوجها متوالياً؛ لأن الصورة التي وقعت في عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على هذه الصفة.

وَفِي الْخَامِسَةِ: وأَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ تَقُولُ هِيَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ كَذَبَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ،.......................
قوله: «وفي الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» إذاً لا بد من خمس مرات أشهد بالله، وفي الخامسة يضيف إليها «أن لعنة الله عليه»، ولكن الضمير هنا ضمير غيبة، إلا أن الزوج يجعله ضمير متكلم، يعني يقول: «أن لعنة الله عليَّ» ولا يقول: عليه، لكن هذا من باب التأدب في اللفظ، أن يعبر بضمير الغَيبة؛ لئلا يضيف المتكلم اللعنة إلى نفسه.
وقوله: «وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» هذا الدعاء عليه باللعنة علقه بشرط، أن يكون من الكاذبين.
وفهم من هذه الصيغة التي ذكرها الله في القرآن أن مثل هذا في حكم اليمين، يعني لو قال الإنسان مثلاً ـ وهو يريد أن يؤكد شيئاً ـ: لعنة الله عليه إن كان كاذباً، في خبر من الأخبار، يعتبر هذا في حكم اليمين؛ لأن الله سماه شهادة، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سماه أيماناً.
وقوله: «أشهد بالله لقد زنت» فلو قال: أشهد بالله أن زوجتي هذه زانية فعلى المذهب لا يصح، وقال بعض أهل العلم: إن ذلك يصح؛ لأن الله لم يذكر ذلك في القرآن {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}، ولم يذكر الله ـ تعالى ـ زنت، أو أنها زانية، فإذا أتى بما يدل على ذلك سواء بلفظ زنت، أو زانية، المهم أنه صريح بالزنا سواء كان فعلاً أو اسماً فإنه يصح، وهذا هو الصحيح.
قوله: «ثم تقول هي أربع مرات» يعني بعد أن ينتهي الزوج تقول أربع مرات: «أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا» .
لكن ليس في القرآن ما يدل على ذلك، فلو قالت: «أشهد بالله إنه لمن الكاذبين» فقط لصح على القول الراجح، أما المذهب فلا بد أن تصرح بأنه كاذب فيما رماها به من الزنا، قالوا: إنما اشترطنا ذلك؛ لئلا تتأول، فتقول: أشهد بالله أنه كاذب يعني في شيء آخر غير هذه المسألة، فلا بد أن تقول: فيما رماني به من الزنا، ولكن يجاب عن ذلك فيقال: إن التأويل في مقام الخصومة لا ينفع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «يمينك على ما يصدقك به صاحبك» [(139)]، فلا عبرة بالتأويل، وبناء على ذلك لو اقتصرت على اللفظ الوارد في الآية: «أشهد بالله إنه لمن الكاذبين» لكفى، وهذا الذي اختاره ابن القيم رحمه الله؛ لأنه ما دام غير موجود في القرآن، فكيف نلزم به، ونقول: إذا لم يكن هكذا وجب إعادة اللعان، أو إذا لم يكن هكذا لم يترتب عليه حكم اللعان؟! لأن ظاهر كلام المؤلف أنه إذا اختل شرط فإن اللعان لا يمكن أن يجرى بينهما، ولا يثبت له حكمه.
قوله: «ثم تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين» الغضب أشد من اللعن؛ لأن الغضب طرد وزيادة، وإنما ألزمت بما هو أشد؛ لأن زوجها أقرب إلى الصدق منها، ولأنها عالمة بحقيقة الأمر ـ أنها زانية مثلاً ـ فإذا أنكرت ما تعلم استحقت الغضب؛ لأن إنكار الحق مع علمه موجب للغضب؛ ولهذا كان اليهود مغضوباً عليهم؛ لأنهم علموا الحق وجحدوه، فلما كان ذنبها مشبهاً لذنب اليهود صار في حقها الغضب دون اللعن، أما هو فكان في حقه اللعنة؛ لأن تهمته توجب إبعاد الناس عن هذه المرأة، وتركهم إياها ولعنهم لها، فكان من المناسب أن يكون له اللعن، ففي هذا دليل على الحكمة العظيمة في هذه الشريعة.
وفي هذه الصيغة دعاء معلق بشرط: وإن كان من الكاذبين، وإن كان من الصادقين، فهل يجوز أن يدعو الإنسان دعاء معلقاً؟ الجواب: نعم، يجوز عند الاشتباه؛ لأن الله ـ تعالى ـ أعلم، ومن ذلك دعاء الاستخارة؛ لأن المستخير يقول: «اللهم إن كنت تعلم أن هذا خير لي» [(140)]، وهذا تعليق دعاء، إذاً الدعاء المعلق بشرط جائز في الأمور التي تخفى على الإنسان، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن شيخه ـ شيخ الإسلام ـ أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله إن قوماً يُقَدَّمون إلينا لا ندري أمسلمون هم أم غير مسلمين؟ فهل نصلي عليهم، أو ندع الصلاة عليهم؟
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: عليك بالشرط، أي: الشرط في الدعاء، يعني قل: اللهم إن كان هذا الرجل مسلماً فاغفر له، والله ـ تعالى ـ يعلم إن كان مسلماً أو غير مسلم.
وهذه الرؤيا هل يعمل بها أم لا؟ من المعلوم أن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمرائي، حتى تعرض هذه الرؤيا على نصوص الشرع؛ فإن وافقت قبلت، وتكون الرؤيا تنبيهاً فقط، وإن لم توافق ردت، وإلا لأمكن كل واحد أن يقول: رأيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم البارحة، وقال: يا بني عظّمني، أقم لي ليلة المولد باحتفال عظيم، وما أكثر مثل هذه المنامات عند الصوفية، أهل الصوفة، وليسوا أهل الصفة، فأهل الصفة أولياء وأتقياء، وأما هؤلاء فبدع وخرافات، إذاً إذا رأى الإنسان النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه بصورته المعروفة، وأوصاه بشيء فإنه ليس حكماً شرعياً؛ لأن إبلاغ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ انتهى بموته.
إذاً لا بد من صيغة اللعان أن تكون على هذه الصيغة التي ذكرها المؤلف، وأن يبدأ الزوج بها قبل الزوجة، وأن يختص كل منهما باللفظ المخصص له، الزوج باللعن والزوجة بالغضب.
واللعان وقع في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهلال بن أمية ـ رضي الله عنه ـ قذف زوجته بشريك بن سحماء ـ رضي الله عنه ـ، وجاء النبيَّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ يشكو إليه، فقال له: «البينة أو حد في ظهرك» ، فأنزل الله ـ تعالى ـ الآيات في هذا، وأجرى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهما اللعان، ووصف النبي صلّى الله عليه وسلّم الولد الذي حملت به المرأة بأنه إن جاء على وصف كذا فهو لهلال، وإن جاء على الوصف الفلاني فإنه لشريك، فأتت به على النعت المكروه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» [(141)]، ووقعت بعد ذلك قصة أخرى مع عويمر العجلاني وزوجته ـ رضي الله عنهما ـ، فأجرى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهما اللعان[(142)].
فالحاصل أن هذا الأمر ـ نسأل الله العافية ـ قد يقع في أي عصر من العصور وليس أمراً غريباً، ولكن الشأن كله في أن الزوج هل يجب عليه إذا اتهم زوجته أن يلاعن، أو لا يجب، أو يجب عليه الفراق، أو ماذا يفعل؟
يقول العلماء: إن حملت من هذا الرجل الفاجر وجب عليه أن يلاعن؛ من أجل نفي الولد، وإن لم تحمل فإنه لا يجب عليه اللعان، وله أن يستر عليها، ثم إن كان قادراً على حفظها وحمايتها فليبقها عنده، وإلا فليطلقها؛ لئلا يكون ديوثاً يقر أهله بالفاحشة، والظاهر أن الأفضل الستر، خصوصاً إذا ظهر منها التوبة، وكانت ذات أولاد، ويخشى من تفرق العائلة.


[136] أخرجه البخاري في الحدود/ باب من رأى مع امرأته رجلاً فقتله (6846)، ومسلم في اللعان (1499) عن المغيرة رضي الله عنه.
[137] أخرجه البخاري في الشهادات/ باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة (2671) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[138] أخرجه بهذا اللفظ أحمد (1/238)، وأبو داود في الطلاق/ باب في اللعان (2256) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وأخرجه البخاري في التفسير/ باب {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} (4747) بلفظ: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
[139] سبق تخريجه ص(167).
[140] أخرجه البخاري في الدعوات/ باب الدعاء عند الاستخارة (6382) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[141] سبق تخريجه ص(288).
[142] أخرجها البخاري في الطلاق/ باب اللعان ومن طلق بعد اللعان (5308)، ومسلم في اللعان (1492) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اللعان, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir