المجموعة الثانية:
1. حرّر القول في معنى العود في قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا}.
ذكر في معنى العود أقوال :
الأول : أن يعود إلى لفظ الظهار ويكرره . وهو قول داود واختيار ابن حزم , وحكاه ابن عبد البر عن بكير بن الأشج والفراء , وفرقة من أهل الكلام . ذكره ابن كثير وقال : إنه قول باطل .
الثاني : هو أن يمسكها بعد الظهار زمنا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق . وهو قول الشافعي . ذكره ابن كثير .
الثالث : هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة . وهو قول أحمد بن حنبل ومالك . ذكره ابن كثير والسعدي .
الرابع : أن يعود للظهار بعد تحريمه . وهو قول أبو حنيفة و إليه ذهب أصحابه , والليث بن سعد . ذكره ابن كثير .
الخامس : يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم . وهو قول سعيد بن جبير . ذكره ابن كثير والأشقر .
السادس : يعني الغشيان في الفرج . وهو قول الحسن البصري . ذكره ابن كثير .
وهذه الأقوال ترجع إلى ثلاثة أقوال هي :
الأول : العزم على الجماع . ودل على ذلك أن الله جعل الكفارة قبل المسيس , وذلك يكون بمجرد العزم .
الثاني : حقيقة الوطء . ودل على ذلك أن الله تعالى قال : ( ثم يعودون لما قالوا ) , والذي قالوا إنما هو الوطء .
الثالث : العودة إلى لفظ الظهار . وهو قول باطل كما ذكر ابن كثير .
ويصح حمل المعنى على القولين الأولين لدلالة الآية عليهما .
2. فسّر قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} المجادلة.
بعد أن ذكر الله حال الكفار من اليهود والمنافقين من منجاتهم بعضهم بعضا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول قال مؤدبا عباده المؤمنين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ : كما يتناجى اليهود والمنافقين الذين يمالئونهم على ضلالهم . وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى : أي وتناجوا بالطاعة وترك المعصية .وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ : فيخبركم بأعمالكم ويحصيها عليكم ويجزيكم بها . عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجلٌ فقال: كيف سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من النّاس، ويقرّره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك، قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. ثمّ يعطى كتاب حسناته، وأمّا الكفّار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة اللّه على الظّالمين".
وبعد أن نهى تعالى المؤمنين عن التناجي بالإثم والعدوان , وحثهم على التناجي بالبر والتقوى , طمئن قلوبهم بأن النجوى من الشيطان ولا يضرهم ذلك شيئا إلا بإذنه تعالى فقال : إِنَّمَا النَّجْوَى : أي : المسارة بالإثم والعدوان التي تكون من أعداء المؤمنين بالمؤمنين , والتي يتوهم منها السوء بالمكر والخديعة .مِنَ الشَّيْطَانِ : أي : من تسويله وتزينه , فكيده ضعيف , ومكره غير مفيد .لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا : أي : لكي يوقعهم في الحزن , وهذا غاية مكره ومقصوده .
وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ : أي : إن ذلك التناجي أو ذلك الشيطان ليس بضار المؤمنين شيئا ,إلا بمشيئته تعالى , فالله تعالى ناصر عباده المؤمنين وكافيهم شر الشيطان وتزينه كما قال تعالى : ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ) .وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : أي : يعتمدوا عليه سبحانه , ويوكلوا أمرهم إليه , ويثقوا بوعده , فإن من توكل على الله كفاه .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التناجي فقال : (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثّالث إلّا بإذنه؛ فإنّ ذلك يحزنه ) .
3. بيّن معنى الظهار وحكمه.
الظهار : هو أن يقول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي , أو غيرها من محارمه . أو أنت علي حرام .
حكمه : هو محرم , وقول منكر و زور أي : كذب كما وصفه الله تعالى .
4. استدلّ على شرط الإيمان في الرقبة المعتقة في كفّارة الظهار.
في آية الظهار ذكرت الرقبة مطلقة غير مقيدة , أما في آية القتل ذكرت مقيدة بالإيمان ؛ فحمل الإمام الشافي رحمه الله المطلق في آية الظهار على المقيد في آية القتل , فاشترط في الرقبة الإيمان لاتحاد الموجب , واعتضد بحديث الجارية السوداء التي قال الله فيها : ( اعتقها فإنها مؤمنة ) .
والله أعلم