1- تصنيف المسألة : تفسيرية لغوية تتعلق ببيان معنى مفردة من مفردات القرآن .
2- بدأت بالنقول التي وجدتها في جمهرة التفاسير وهي النقول التي لوّنت أسماء قائليها بالأزرق، ثمّ أضفت إليها نقولاً أخرى لوّنت أسماء قائليها بالأحمر.
3- رتّبت الأقوال على التسلسل التاريخي باعتبار المؤلفين.
4- قمت بجمع بعض النقول التي تنقل أقوال السلف في تفسير المسألة ومنها :
1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري (ت: 310هـ).
2) تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (ت 399هـ).
3) الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي (ت 427هـ).
4) الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ).
5) النكت والعيون للماوري(ت:450هـ).
6) المحرر الوجيز لابن عطية(ت:542هـ).
7) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (ت 597هـ).
8) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(ت:671هـ).
9) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي(ت:774هـ) .
10) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي(ت:911هـ).
5- جمعت أقوال اللغويين فى المسألة وقسمتها على خمسة مراتب، وفيما يلى توضيح لمراتب بحث المسألة:
المرتبة الأولى: كتب معاني القرآن
الكتب التي وجدت فيها:
1) تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري(ت: 200هـ).
2) مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت: 210هـ).
3) معاني القرآن، لأبي زكريا الفراء(ت: 207هـ).
4) معاني القرآن، للأخفش الأوسط(ت: 215هـ).
5) معاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج(ت: 311هـ).
6) معاني القرآن، لأبي جعفر النحاس. (ت: 338هـ).
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها:
1) تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة(ت: 276هـ).
-الكتب التي تعذر علي الوصول إليها:
المرتبة الثانية: كتب غريب القرآن
- الكتب التي وجدت فيها:
1) غريب القرآن لزيد بن علي (ت 120هـ).
2) مجاز القرآن لأبي عبيدة (ت 210هـ)
3) غريب القرآن وتفسيره لليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) .
4) تفسير غريب القرآن لابْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
5) ياقوتة الصراط لغلام ثعلب (ت:345 هـ) .
6) تفسير المشكل من غريب القرآن لمَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ).
7) العمدة في غريب القرآن لمَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ).
8) التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم المصري (ت 815هـ)
-الكتب التي بحثت ولم أجد فيها:
- الكتب التي تعذر علي الوصول إليها:
المرتبة الثالثة: كتب علماء اللغة المؤلفة أصلاً في غير معاني القرآن
- الكتب التي وجدت فيها:
غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي(ت:388هـ).
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها:
بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادري(المتوفى: 817هـ).
- الكتب التي تعذر علي الوصول إليها:
المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية
- الكتب التي وجدت فيها:
1) الكشاف للزمخشري (ت:538هـ).
2) حاشية الطيبي على الكشاف(ت:743هـ).
3) والبحر المحيط لأبي حيان (ت 745هـ).
4) الدر المصون للسمين الحلبي (ت 756هـ).
5) اللباب في علوم الكتاب لابن عادل (ت 880هـ).
6) التحرير والتنوير لابن عاشور (ت:1393هـ) .
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها:
المرتبة الخامسة: المراجع المخصصة لكلّ نوع من أنواع المسائل اللغوية
- الكتب التي وجدت فيها:
1) العين للخليل بن أحمد(ت:170هـ).
2) تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت: 395هـ) .
3) معجم مقاييس اللغة لابن فارس(ت: 395هـ) .
4) المحكم لابن سيده (ت:458هـ).
5) لسان العرب لابن منظور (ت:711هـ) .
6) القاموس المحيط للفيروزآبادي(ت: 817هـ).
7) تاج العروس للزبيدي(ت:1205هـ).
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها:
- الكتب التي تعذر علي الوصول إليها:
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة :
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: {واللّه} الّذي {جعل لكم} أيّها النّاس {من أنفسكم أزواجًا} يعني أنّه خلق من آدم زوجته حوّاء، {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي واللّه خلق آدم، ثمّ خلق زوجته منه، ثمّ جعل لكم بنين وحفدةً ".
واختلف أهل التّأويل في المعني بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرّجل على بناته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن ابن حبيشٍ، عن عبد اللّه: {بنين وحفدةً} قال: " الأختان "
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن ورقاء، سألت عبد اللّه: " ما تقول في الحفدة؟ هم حشم الرّجل يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: " لا، ولكنّهم الأختان "
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن الوليد القرشيّ، وابن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ، ومحمّد بن خالد بن خداشٍ، والحسن بن خلفٍ الواسطيّ، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الأختان"
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الختن "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " الأختان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " الأختان "
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وحفدةً} قال: " الأصهار "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قال لي عبد اللّه بن مسعودٍ: " ما الحفدة يا زرّ؟ قال: قلت: هم حفاد الرّجل من ولده وولد ولده، قال: " لا، هم الأصهار ".
وقال آخرون: هم أعوان الرّجل وخدمه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، سئل عن قوله: {بنين وحفدةً} قال: " من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشّاعر:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدّام ".
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجليّ، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: قال: " الحفدة: الخدّام "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " هم الّذين يعينون الرّجل من ولده وخدمه "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سلاّم بن سليمٍ، وقيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة قال: " هم الخدم ".
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، قال: حدّثني سلم، عن أبي هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " البنين وبني البنين، من أعانك من أهلٍ وخادمٍ فقد حفدك "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: " هم الخدم "
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، وابن وكيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، جميعًا عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بنين وحفدةً} قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {بنين وحفدةً} قال: " أنصارًا، وأعوانًا، وخدّمًا "
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، مرّةً أخرى قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: " {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} مهنةً يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامةٌ أكرمكم اللّه بها "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: " الحفدة، قال: الأعوان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " الّذين يعينونه "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك "
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة: {بنين وحفدةً} قال: " ولده الّذين يعينونه ".
وقال آخرون: هم ولد الرّجل وولد ولده
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وحفدةً} قال: " هم الولد، وولد الولد "
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: البنون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بنوك حين يحفدونك، ويرفدونك، ويعينونك، ويخدمونك " قال جميل:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكّفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدم من ولد الرّجل هم ولده، وهم يخدمونه، قال: وليس تكون العبيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبدٌ؟ إنّما الحفدة: ولد الرّجل وخدمه "
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بنين وحفدةً} يعني: " ولد الرّجل يحفدونه ويخدمونه، وكانت العرب إنّما تخدمهم أولادهم الذّكور ".
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرّجل من غيره
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: " بنو امرأة الرّجل ليسوا منه " وقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقول: فلانٌ يحفد لنا، ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك، يقال منه: حفد له يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا، ومنه قول الرّاعي:
كلّفت مجهولها نوقًا يمانيةً = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل
وقوله: {ورزقكم من الطّيّبات} يقول: ورزقكم من حلال المعاش والأرزاق والأقوات
{أفبالباطل يؤمنون} يقول تعالى ذكره: يحرّم عليهم أولياء الشّيطان من البحائر والسّوائب والوصائل، فيصدّق هؤلاء المشركون باللّه {وبنعمة اللّه هم يكفرون} يقول: وبما أحلّ اللّه لهم من ذلك وأنعم عليهم بإحلاله، {يكفرون} يقول: ينكرون تحليله، ويجحدون أن يكون اللّه أحلّه). [جامع البيان: 14/295-304]
قال أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عيسى، ابن أبي زمنين(ت 399هـ): قوله تعالى :{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } ، يعني : نساء ، { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، تفسير الحسن : الحفدة : الخدم ؛ يعني : بذلك ولده ، وولد ولده ؛ يقال : إنهم بنون وخدم . قال محمد : وأصل الحفد : الخدمة والعمل ، ومنه يقال في القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ، أي : نعمل بطاعتك .
{ أفبالباطل يؤمنون } ، على الاستفهام ؛ أي : قد آمنوا بالباطل ، والباطل : إبليس { وبنعمة الله هم يكفرون } ، هو كقوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا } [ إبراهيم : 28 ] .
قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ):قوله تعالى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } ، يعني : أنه خلق من آدم زوجته حوّاء ، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } . ابن عبّاس والنخعي وابن جبير وأبو الأضحى : هم الأصهار أختان الرجل على بناته .
روى شعبة عن عاصم : بن بهدلة قال : سمعت زر بن حبيش وكان رجلاً غريباً أدرك الجاهلية قال : كنت أمسك على عبد الله المصحف ، فأتى على هذه الآية قال : هل تدري ما الحفدة ، قلت : هم حشم الرجل . قال عبد الله : لا ، ولكنهم الأختان . وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس .
وقال عكرمة والحسن والضحاك : هم الخدم .
مجاهد وأبو مالك الأنصاري : هم الأعوان ، وهي رواية أبي حمزة عن ابن عبّاس قال : من أعانك حفدك .
وقال الشاعر :
حفد الولائد حولهن وأسلمت *** بأكفهنّ أزمّة الأجمال
وقال عطاء : هم ولد الرجل ، يعينونه ويحفدونه ويرفدونه ويخدمونه .
وقال قتادة : [ مهنة يمتهنونكم ] ، ويخدمونكم من أولادكم .
الكلبي ومقاتل : البنين : الصغار ، والحفدة : كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله .
مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عبّاس : إنهم ولد الولد .
ابن زيد : هم بنو المرأة من الزوج الأوّل . وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس : هم بنو امرأة الرجل الأوّل .
وقال العتبي : أصل الحفد : مداركة الخطر والإسراع في المشي .
فقيل : لكل من أسرع في الخدمة والعمل : حفدة ، واحدهم حافد ، ومنه يقال في دعاء الوتر : إليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع إلى العمل بطاعتك .
وأنشد ابن جرير [ للراعي ] :
كلفت مجهولها نوقاً يمانية *** إذا الحداة على أكسائها حفدوا
{ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } .
قال ابن عبّاس : بالأصنام .
{ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، يعني : التوحيد الباطل ، فالشيطان أمرهم بنحر : البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، { وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ } ، بما أحلّ الله لهم ، { هُمْ يَكْفُرُونَ } ، يجحدون تحليله .
قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ):
قوله تعالى : { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } [ 72 ] .
قال ابن مسعود : الحفدة : الاختان . وهو قول ابن عباس وابن جبير ، وعن ابن عباس : أنهم الأصهار، وقال محمد بن الحسن : الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه ، والصهر من كان من قبل المرأة من الرجل ، وقال ابن الأعرابي ضد هذا القول في الأختان والأصهار ، وقال [ الأصمعي الختن من كان من الرجال من قبل المرأة والأصهار منهما جميعا ، وقيل: الحفدة أعوان الرجل وخدمه.
وروي عن ابن عباس أنه سئل عن الحفدة في الآية فقال : من أعانك فقد حفدك، و قال عكرمة : الحفدة الخدام .
و عنه أيضا الحفدة من خدمك من ولدك، وعن مجاهد أنه قال : الحفدة ابن الرجل وخادمه وأعوانه، وعن ابن عباس أيضا هم ولد الرجل وولد ولده 22 . وقال ابن زيد وغيره : هم ولد الرجل [ و 23 ] الذين يخدمومه، وعن ابن عباس : أنه قال : هم بنو امرأة الرجل من غيره.
والحفدة : جمع حافد كفاسق/وفسقة ، والحافد في كلام العرب المتخفف في الخدمة والعمل ومنه قولهم ، وإليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع في العمل بطاعتك.
ثم قال تعالى: { ورزقكم من الطيبات } [ 72 ] . أي : من خلال المعاش.
{ أفبالباطل يومنون } [ 72 ] .
أي : فبما يحرم عليهم الشيطان من البحائر والوصائل يصدق هؤلاء المشركون.
قيل معناه : أفبالأوثان والأصنام يؤمنون.
{ وبنعمت الله هم يكفرون } [ 72 ] .
أي : وبما أحل الله لهم 33 من ذلك يكفرون ، وأنعم عليهم بإحلاله لهم ، هم يكفرون أي ينكرون تحليله ويسترونه.
قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ):
قوله عز وجل : { والّلهُ جَعَل لكُم مِن أنفسِكم أزواجاً } ، فيه وجهان :
أحدهما : يعني : جعل لكم من جنسكم مثلكم ، فضرب المثل من أنفسكم ، قاله ابن بحر . الثاني : يعني آدم خلق منه حوّاء ، قاله الأكثرون . { وجعل لكم مِن أزواجكم بنين وحفدة } ، وفي الحفدة خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود وأبو الضحى . وسعيد بن جبير وإبراهيم ، ومنه قول الشاعر:
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت *** لها حَفَدٌ مما يُعَدّث كثيرُ
ولكنها نفس عليَّ أبيّة *** عَيُوفٌ لأَصهارِ للئام قَذور
الثاني : أنهم أولاد الأولاد ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً .
الرابع : أنهم الأعوان ، قاله الحسن .
الخامس : أنهم الخدم ، قاله مجاهد وقتادة وطاووس ، ومنه قول جميل :
حفد الولائدُ حولهم وأسلمت *** بأكفهن أزِمّةَ الأجمال
وقال طرفة بن العبد :
يحفدون الضيف في أبياتهم *** كرماً ذلك منهم غير ذل
وأصل الحفد : الإسراع ، والحفدة جمع حافد ، والحافد هو المسرع في العمل ، ومنه قولهم في القنوت : وإليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع إلى العمل بطاعتك ، منه قول الراعي :
كلفت مجهولها نوقاً ثمانية *** إذا الحُداة على أكسائها 3 حفدوا
وذهب بعض العلماء في تفسير قوله تعالى : { بنين وحفدة } ، [ إلى أن ] البنين : الصغار ، والحفدة : الكبار
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والله جعل لكم} الآية آية تعديد نعم، و"الأزواج": الزوجات، ولا يترتب في هذه الآية الأنواع ولا غير ذلك، وقوله: {من أنفسكم} يحتمل أن يريد خلقه حواء من نفس آدم وجسمه، فمن حيث كانا مبتدأ الجميع ساغ حمل أمرهما على الجميع حتى صار الأمر كأن النساء خلقن من أنفس الرجال، وهذا قول قتادة، والأظهر عندي أن يريد بقوله: {من أنفسكم} أي: من نوعكم وعلى خلقتكم، كما قال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية. وقوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين} ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء، واختلف الناس في قوله: "وحفدة" قال ابن عباس: الحفدة: أولاد البنين، وقال الحسن: هم بنوك وبنو بنيك، وقال ابن مسعود، وأبو الضحى، وإبراهيم، وسعيد بن جبير: الحفدة: الأصهار، وهم قرابة الزوجة، وقال مجاهد: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدم، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم، قال الزهراوي: لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تبارك وتعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، وإنما الزينة في الذكور، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: الحفدة: أولاد زوجة الرجل من غيره، ولا خلاف أن معنى "الحفد" هو الخدمة والبر والمشي في الطاعة مسرعا، ومنه في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، والحفدان: خبب فوق المشي، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر :
حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنت على أن كل أحد جعل له من أزواجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس، ويحتمل عندي أن قوله: {من أزواجكم} إنما هو على العموم والاشتراك، أي: من أزواج البشر جعل الله لهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، فمن لم يكن له زوجة فقد جعل الله له حفدة وحصل تلك النعمة، وأولئك الحفدة هم من الأزواج، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم، وتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة. وقالت فرقة: الحفدة هم البنون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال: جعلنا لهم بنين وأعوانا، أي: وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة. [المحرر الوجيز: 5/384]
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ):قوله تعالى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } ، يعني : النساء .
وفي معنى : { مّنْ أَنفُسِكُمْ } ، قولان :
أحدهما : أنه خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، قاله قتادة .
والثاني : { من أنفسكم } ، أي : من جنسكم من بني آدم ، قاله ابن زيد . وفي الحفدة خمسة أقوال :
أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، ومجاهد في رواية ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وأنشدوا من ذلك :
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت *** لها حفد مما يعد كثير
ولكنها نفس علي أبية *** عيوف لأصهار اللئام قذور
والثاني : أنهم : الخدم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية الحسن ، وطاوس وعكرمة في رواية الضحاك ، وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما : أنه يراد بالخدم : الأولاد ، فيكون المعنى : أن الأولاد يخدمون . قال ابن قتيبة : الحفدة : الخدم والأعوان ، فالمعنى : هم بنون ، وهم خدم . وأصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وإنما يفعل الخدم هذا ، فقيل لهم : حفدة . ومنه يقال في دعاء الوتر : " وإليك نسعى ونحفد " . والثاني : أن يراد بالخدم : المماليك ، فيكون معنى الآية : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج ، ذكره ابن الأنباري .
والثالث : أنهم : بنو امرأة الرجل من غيره ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .
والرابع : أنهم : ولد الولد ، رواه مجاهد عن ابن عباس .
والخامس : أنهم : كبار الأولاد ، والبنون : صغارهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . قال مقاتل : وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم . قال الزجاج : وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين ، ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة .
قوله تعالى : { وَرَزَقَكُم مّنَ الطَّيّبَاتِ } ، قاله ابن عباس : يريد : من أنواع الثمار والحبوب والحيوان .
قوله تعالى : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } ، فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الأصنام ، قاله ابن عباس .
والثاني : أنه الشريك والصاحبة والولد ، فالمعنى : يصدقون أن لله ذلك ؟ ! قاله عطاء .
والثالث : أنه الشيطان ، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة ، فصدقوا .
وفي المراد ب " نعمة الله " ، ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها التوحيد ، قاله ابن عباس . والثاني : القرآن ، والرسول .
والثالث : الحلال الذي أحله الله لهم .
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ):
قوله تعالى :{ وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " وجعل لكم من أزواجكم بنين " ، ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء ، ووجود الأبناء يكون منهما معا ، ولكنه لما كان خلق المولود فيها وانفصاله عنها أضيف إليها ، ولذلك تبعها في الرق والحرية وصار مثلها في المالية . قال ابن العربي : سمعت إمام الحنابلة بمدينة السلام أبا الوفاء علي بن عقيل يقول : إنما تبع الولد الأم في المالية وصار بحكمها في الرق والحرية ؛ لأنه انفصل عن الأب نطفة لا قيمة له ولا مالية فيه ولا منفعة ، وإنما اكتسب ما اكتسب بها ومنها فلأجل ذلك تبعها . كما لو أكل رجل تمرا في أرض رجل وسقطت منه نواة في الأرض من يد الآكل فصارت نخلة ، فإنها ملك صاحب الأرض دون الآكل ، بإجماع من الأمة ؛ لأنها انفصلت عن الآكل ولا قيمة لها .
الثانية : قوله تعالى : " وحفدة " ، روى ابن القاسم عن مالك ، قال وسألته عن قوله تعالى : " بنين وحفدة " ، قال : الحفدة : الخدم والأعوان في رأيي . وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : " وحفدة " ، قال هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك . قيل له : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، وتقول أو ما سمعت قول الشاعر :
حَفَد الولائدُ حولهن وأسلمت *** بأكفهن أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
أي : أسرعن الخدمة . والولائد : الخدم ، الواحدة وليدة ، قال الأعشى :
كلفتُ مجهولَها نوقًا يمانيَة *** إذا الحُدَاةُ على أكسائها حَفَدُوا 4
أي : أسرعوا . وقال ابن عرفة : الحفدة : عند العرب الأعوان ، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع ، فهو : حافد ، قال : ومنه قولهم إليك نسعى ونحفد ، والحفدان : السرعة . قال أبو عبيد : الحفد : العمل والخدمة . وقال الخليل بن أحمد : الحفدة : عند العرب الخدم ، وقاله مجاهد . وقال الأزهري : قيل : الحفدة : أولاد الأولاد . وروي عن ابن عباس . وقيل : الأختان ، قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحاك وسعيد بن جبير وإبراهيم ؛ ومنه قول الشاعر 5 :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت *** لها حَفَدٌ ما يُعَدُّ كثيرُ
ولكنها نفسٌ عليّ أبيَّةٌ *** عَيُوفٌ لإصهار 6 اللئام قذورُ
وروى زر عن عبدالله قال : الحفدة : الأصهار ، وقاله إبراهيم ، والمعنى متقارب . قال الأصمعي : الختن : من كان من قبل المرأة ، مثل أبيها وأخيها وما أشبههما ، والأصهار منها جميعا . يقال : أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر . وقول عبد الله هم الأختان ، يحتمل المعنيين جميعا . يحتمل : أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها ، ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهن ، فيكون لكم بسببهن أختان . وقال عكرمة : الحفدة : من نفع الرجال من ولده ، وأصله : من حفد يحفد - بفتح العين في الماضي ، وكسرها في المستقبل - إذا أسرع في سيره ، كما قال كثير 7 :
حَفد الولائد بينهن . . . البيت
ويقال : حفدت وأحفدت ، لغتان إذا خدمت . ويقال : حافد وحفد ، مثل خادم وخدم ، وحافد وحفدة ، مثل كافر وكفرة . قال المهدوي : ومن جعل الحفدة الخدم ، جعله منقطعا مما قبله ينوي به التقديم ، كأنه قال : جعل لكم حفدة ، وجعل لكم من أزواجكم بنين .
قلت : ما قال الأزهري : من أن الحفدة أولاد الأولاد ، هو ظاهر القرآن بل نصه ، ألا ترى أنه قال : " وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة " ، فجعل الحفدة والبنين منهن . وقال ابن العربي : الأظهر عندي في قوله : " بنين وحفدة " ، أن البنين أولاد الرجل لصلبه ، والحفدة أولاد ولده ، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا ، ويكون تقدير الآية على هذا : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، ومن البنين حفدة . وقال معناه الحسن .
الثالثة : إذا فرعنا على قول مجاهد وابن عباس ومالك وعلماء اللغة ، في قولهم إن الحفدة الخدم والأعوان ، فقد خرجت خدمة الولد والزوجة من القرآن بأبدع بيان ، قاله ابن العربي . روى البخاري وغيره ، عن سهل بن سعد ، أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه ، فكانت امرأته خادمهم . . . الحديث ، وقد تقدم في سورة " هود " 8 . وفي الصحيح عن عائشة قالت : أنا فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي . الحديث . ولهذا قال علماؤنا : عليها أن تفرش الفراش ، وتطبخ القدر ، وتقم الدار ، بحسب حالها وعادة مثلها ، قال الله تعالى : " وجعل منها زوجها ليسكن إليها 9 " [ الأعراف : 189 ] ، فكأنه جمع لنا فيها السكن ، والاستمتاع ، وضربا من الخدمة ، بحسب جري العادة .
الرابعة : ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها ، لما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج . وهذا قول مالك : ويعينها . وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخصف النعل ، ويقم البيت ، ويخيط الثوب . وقالت عائشة ، وقد قيل لها : ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي 10 ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه .
الخامسة : وينفق على خادمة واحدة ، وقيل على أكثر ، على قدر الثروة والمنزلة . وهذا أمر دائر على العرف ، الذي هو أصل من أصول الشريعة ، فإن نساء الأعراب ، وسكان البوادي ، يخدمن أزواجهن في استعذاب الماء وسياسة الدواب ، ونساء الحواضر يخدم المقل منهم زوجته فيما خف ويعينها ، وأما أهل الثروة فيخدمون 11 أزواجهن ، ويترفهن معهم إذا كان لهم منصب ذلك ، فإن كان أمرا مشكلا شرطت عليه الزوجة ذلك ، فتشهد أنه قد عرف أنها ممن لا تخدم نفسها فالتزم إخدامها ، فينفذ ذلك وتنقطع الدعوى فيه .
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون (72)}
يذكر تعالى نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [وزيّهم]، ولو جعل الأزواج من نوعٍ آخر لما حصل ائتلافٌ ومودّةٌ ورحمةٌ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثًا، وجعل الإناث أزواجًا للذّكور.
ثمّ ذكر تعالى أنّه جعل من الأزواج البنين والحفدة، وهم أولاد البنين. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، والحسن، والضّحّاك، وابن زيدٍ.
قال شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {بنين وحفدةً} هم الولد وولد الولد.
وقال سنيد: حدّثنا حجّاجٌ عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك. قال جميلٌ:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفّهن أزمّة الأجمال
وقال مجاهدٌ: {بنين وحفدةً} ابنه وخادمه. وقال في روايةٍ: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدّام.
وقال طاوسٌ: الحفدة: الخدم وكذا قال قتادة، وأبو مالكٍ، والحسن البصريّ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة أنّه قال: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك.
قال الضّحّاك: إنّما كانت العرب يخدمها بنوها.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: بنو امرأة الرّجل، ليسوا منه. ويقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقال: فلانٌ يحفد لنا قال: ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
وهذا [القول] الأخير الّذي ذكره ابن عبّاسٍ قاله ابن مسعودٍ، ومسروقٌ، وأبو الضّحى، وإبراهيم النّخعيّ، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، والقرظي. ورواه عكرمة، عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هم الأصهار.
قال ابن جريرٍ: وهذه الأقوال كلّها داخلةٌ في معنى: "الحفد" وهو الخدمة، الّذي منه قوله في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، ولمّا كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنّعمة حاصلةٌ بهذا كلّه؛ ولهذا قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}
قلت: فمن جعل {وحفدةً} متعلّقًا بأزواجكم فلا بدّ أن يكون المراد الأولاد، وأولاد الأولاد، والأصها ر؛ لأنّهم أزواج البنات، وأولاد الزّوجة، وكما قال الشّعبيّ والضّحّاك، فإنّهم غالبًا يكونون تحت كنف الرّجل وفي حجره وفي خدمته. وقد يكون هذا هو المراد من قوله [عليه الصّلاة] والسّلام في حديث بصرة بن أكثم: "والولد عبدٌ لك" رواه أبو داود.
وأمّا من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنّه معطوفٌ على قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي: وجعل لكم الأزواج والأولاد.
{ورزقكم من الطّيّبات} من المطاعم والمشارب.
ثمّ قال تعالى منكرًا على من أشرك في عبادة المنعم غيره: {أفبالباطل يؤمنون} وهم: الأصنام والأنداد، {وبنعمة اللّه هم يكفرون} أي: يسترون نعم اللّه عليهم ويضيفونها إلى غيره.
وفي الحديث الصّحيح: "أنّ اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه" ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 586-588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ):أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } ، قال : خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه ، عن ابن مسعود في قوله : { بنين وحفدة } ، قال : الحفدة : الأختان .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة الأصهار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة الولد وولد الولد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة : بنو البنين .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { وحفدة } ، قال : ولد الولد ، وهم : الأعوان ، قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول :
حفد الولائد حولهن وأسلمت *** بأكفهن أزمة الأجمال
وأخرج ابن جرير ، عن أبي حمزة قال : سئل ابن عباس عن قوله : { بنين وحفدة } ، قال : من أعانك فقد حفدك ، أما سمعت قول الشاعر :
حفد الولائد حولهن وأسلمت *** بأكفهن أزمة الأجمال
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة : بنو امرأة الرجل ليسوا منه .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي مالك قال : الحفدة : الأعوان .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : الحفدة : الخدم .
وأخرج ابن جرير ، عن الحسن قال : الحفدة : البنون ، وبنو البنين ، ومن أعانك ، من أهل ، أو خادم ، فقد حفدك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { أفبالباطل يؤمنون } ، قال : الشرك .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { أفبالباطل يؤمنون } ، قال : الشيطان ، { وبنعمة الله } ، قال : محمد . [الدر المنثور: 9/84-82]
ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال أبو الحسن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ت 120هـ) : وقوله تعالى : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } الحَفَدةُ : الخدّامُ والأَعوانُ . ويقالُ : الأَخْتَانُ . ويقالُ : هُم بَنو المَرأةِ مِن زَوجِها الأَولِ .
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):حفد: الحَفْدُ: الخِفَّة في العمل والخِدمة ، قال:
حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ
وسَمِعتُ في شعْرٍ مُحدَث حُفَّداً أقدامُها أي سِراعاً خِفافاً. وفي سورة القُنوت: وإليك نَسعَى ونحفد
أي نخفّ في مَرْضاتك. والاحتفاد: السُرعة في كلّ شيء، قال الأعشى:
وُمْحَتفد الوَقْعِ ذو هَبَّةٍ ... أجاد جلاه يد الصيقل
وقول الله- عز وجل:( بَنِينَ وَحَفَدَةً )
يعني البنات [و] هنَّ خَدَم الأبَوَيْن في البيت، ويقال: الحَفَدة: وعند العَرَب الحَفَدة الخَدَم. والمَحْفِدُ: شَيءٌ يُعلَف فيه، قال:وسَقْيي وإطِعامي الشَّعيرَ بمحفد
والحَفَدان فوق المَشْي كالخَبَب. والمحَافِد: وشْيُ الثوب، الواحد مَحْفِد.
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان]تفسير القرآن العظيم: 1/76-75]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):قوله}: وحفدةً{.
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد.[معاني القرآن: 2/110 [
قال أبو عبيدة، معمر بن المثنى التيمي بالولاء، البصري (ت 210هـ) : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، أعواناً وخدّاماً ،
قال جَمِيل :
حَفدَ الولائدُ بينهنّ وأَسلَمتْ *** بأكُفّهن أزِمَّة الأجْمالِ
واحدهم : حافد ، خرج مخرج كامل ، والجميع كملة .
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)} : ( بنين وحفدةً{أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت بــأكــفّـــهـــن أزمّـــــــــــة الأجـــــمــــــال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة ). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لعمرك}، ولعمر الله: هو العمر. ويقال: أطال الله عمرك، وعمرك، وهو قسم بالبقاء). [تأويل مشكل القرآن: 562]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بــأكـــفّـــهـــنّ أزمّــــــــــــة الأجــــــمــــــال
معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن: 3/213-212]
.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بــأكـــفـــهـــن أزمــــــــــــة الأجــــــمــــــال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة،
يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط: 296[
قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت: 370هـ) : حفد: قَالَ اللَّيْث: الْحَفْدُ فِي الخِدْمَةِ والعَمَل: الْخِفَّةُ والسُّرْعَةُ، وَأنْشد:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ
بأكفّهِنّ أَزِمَّةُ الأَجَمَالِ
وَرُوِيَ عَن عُمَر أَنه قَرَأَ قُنُوت الْفجْر: وإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد. قَالَ أَبُو عُبَيد: أَصْلُ الْحَفْدِ: الْخِدْمَة والعَمل. قَالَ: ورُوِي عَن مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) أَنّهم الخدم، وَرُوِيَ عَن عبد الله أَنَّهُم الأصْهارُ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِي الْحَفْد لُغَة أُخْرى: أَحْفَدَ إحْفَاداً، وَقَالَ الرَّاعِي:
مَزَايِدُ خَرْقَاءِ اليَدَيْن مُسِيفَةٍ
أَخَبَّ بِهن المُخْلِفَان وَأَحْفَدَا
قَالَ فَيكون أَحْفَدَا خَدَمَا، وَقد يَكُون أَحْفَدَا غَيرهمَا. قَالَ: وَأَرَادَ بقوله: وإلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد: نَعْمَلُ لله بطاعَتِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الاحْتِفادُ: السُّرْعَةُ فِي كلِّ شَيْء، وَقَالَ الأعْشَى يَصِفُ السَّيْفَ:
ومُحْتَفِدُ الوَقْعِ ذُو هَبَّةٍ
أَجَادَ جِلاَهُ يَدُ الصَّيْقَل
قُلْتُ: وروَاه غَيرُه: ومُحْتَفِل الوقع بِاللَّامِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
حَدَّثنا أَبُو زيد عَن عبد الْجَبّار عَن سُفْيَان قَالَ: حَدَّثنا عَاصِم عَن زِرّ قَالَ: قَالَ عبد الله: يَا زِرّ، هَل تَدْرِي مَا الحَفَدَةُ؟ قَالَ: نعم، حُفّادُ الرَّجْلِ: من وَلَده وَوَلد وَلَده، قَالَ: لَا، وَلَكنهُمْ الأَصْهَارُ قَالَ عَاصِم: وَزعم الكَلْبِيّ أَنَّ زِرّاً قَدْ أَصَابَ، قَالَ سُفْيَان: قَالُوا: وكَذبَ الكَلْبِيّ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَنْ قَالَ الحَفَدَةُ: الأَعْوَانُ فَهُوَ أَتْبَعُ لكَلَام العَرَب مِمَّنْ قَالَ الأَصْهار. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، الحَفَدَةُ: الأَخْتَانُ، وَقَالَ: وَيُقَال: الأَعْوَان، وَلَو قيل الحَفَدُ لكَانَ صَوَابا، لِأَن الْوَاحِد حَافِد مثل القَاعِد والقَعَد.
وَقَالَ الحَسَنُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، قَالَ: البَنُون: بَنُوك وبَنُو بَنِيك، وأَمَّا الحَفَدَةُ فَمَا حَفَدَك من شَيْء وعَمِلَ لَك وأَعَانَك. وروى أَبُو حَمْزَة عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: مَنْ أعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْله:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وأُسْلِمَتْ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: بَنُو المَرْأَةِ من زَوْجها الأوَّل، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَك من وَلَدِكَ وَوَلد، ولدك، وَقَالَ اللَّيْث: الحَفَدَةُ: البَنَاتُ، وهُنَّ خَدَمُ الأبَوَيْنِ فِي البَيْتِ، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الحَفَدَةُ: وَلَدُ الوَلَد.
والحَفَدَانُ: فَوْق المَشْيِ كالخَبَبِ.
قَالَ: والمَحْفِدُ: شيءٌ تُعْلَفُ فِيهِ الدَّابَّة، وَقَالَ الأعْشَى:
وسَقْيي وإطْعَامِي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ
قَالَ: والمَحْفِدُ: السَّنَامُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المَحَافِدُ فِي الثَّوْبِ: وَشْيُه، واحِدُها مَحْفِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَفَدَةُ:صُنَّاعُ الوَشْي. والْحَفْدُ: الوَشْيُ.
وَقَالَ شَمِر: سَمِعْتُ الدَّارِمي يَقُول: سَمِعْتُ ابْن شُمَيْل يَقُول لطرف الثَّوْب مِحْفَد بِكَسْر الْمِيم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحْتِدُ والمَحْفِدُ والمَحْقِدُ والمَحْكِد: الأصْلُ.
وَقَالَ أَبو تُرَاب: احْتَفَد واحْتَمَد واحْتَفَل بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبُو قَيْس: مِكْيالٌ واسْمه المِحْفَد، وهُوَ القَنْقَلُ.
فدح: اللَّيْث: الفَدْحُ: إثْقَالُ الأَمْرِ والحِمْلِ صَاحِبَه، تَقول: نَزَل بهم أَمْرٌ فَادِحٌ. وَفِي الحَدِيث (وعَلَى الْمُسلمين ألاَّ يتْركُوا فِي الإسْلاَمِ مَفْدُوحاً فِي فِدَاءٍ أَو عَقْلٍ) ، قَالَ أَبُو عُبَيد: وَهُوَ الَّذِي فَدَحَهُ الدَّيْنُ أَي أَثْقَلَه.
فحد: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: واحِدٌ فاحِدٌ، قلتُ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو بِالْفَاءِ، وقرأتُ بِخَط شَمِر لِابْنِ الأعرابيّ قَالَ: القَحَّادُ: الرجلُ الفردُ الَّذِي لَا أَخَ لَهُ وَلاَ وَلَد، يُقَال: واحِدٌ قَاحِدٌ صَاخِدٌ، وَهُوَ الصُّنْبُورُ، قلتُ: وأنَا واقِف فِي هَذَا الحَرْفِ، وخَطُّ شَمر أقربُهما إِلَى الصَّوَاب، كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَحَدَةِ السَّنَام، وَهُوَ أَصله. (مقاييس اللغة للأزهرى 247-248/4 )
قال أبو سليمان حمْد بن محمد الخطابي(ت:388هـ): فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ذَكَرَ لَهُ عُثْمَانَ لِلْخِلافَةِ فَقَالَ: أَخْشَى [43] حَفْدَهُ وَأَثْرَتَهُ قَالَ فَالزُّبَيْرُ. قَالَ: ضَرِسٌ ضَبِسٌ أَوْ قَالَ: ضَمِسٌ .
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ورَوَى أَبُو الْمَلِيحِ الْهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ طَلْحَةَ فَقَالَ الأَكْنَعُ إِنَّ فِيهِ كِبْرًا أَوْ نَخْوَةً.
قوله أخشى حفده يريد إقباله على أقاربه وخفوفه في مرضاتهم وأصل الحفد الخدمة والخفة في العمل. ومنه قولهم الدعاء وإليك نسعى ونحفد أي نخف في مرضاتك ونسرع إلى طاعتك.
قَالَ أَبُو عبيدة: الحفدة الأعوان يُقَالُ: حفدني بخير وهو حافدي وأنشد لطرفة:
يحفدون الضيف في أبياتهم ... كرما ذلك منهم غير ذل
وَقَالَ غيره الحفدة الخدم ويقال لولد الولد الحفدة. قال الفراء: واحد الحفدة حافد كقولك كامل وكملة
قال: ويجوز أن يُقَالُ في جمع حافد حفد كما قالوا: غائب وغيب قَالَ الشاعر:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مما يعد كثير
وَقَوْلُهُ ضرس أي سيئ الخلق يُقَالُ رجل ضرس شرس وناقة . [غريب الحديث: 2 / 111 ]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]
قال أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت: 395هـ) : (حَفَدَ) الْحَاءُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْخِفَّةِ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّجَمُّعِ. فَالْحَفَدَةُ: الْأَعْوَانُ; لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِمُ التَّجَمُّعُ وَالتَّخَفُّفُ، وَاحِدُهُمْ حَافِدٌ. وَالسُّرْعَةُ إِلَى الطَّاعَةِ حَفْدٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: " إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ". قَالَ:
يَا ابْنَ الَّتِي عَلَى قَعُودٍ حَفَّادْ
وَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] ، إِنَّهُمُ الْأَعْوَانُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - وَيُقَالُ الْأَخْتَانُ، وَيُقَالُ الْحَفَدَةُ وَلَدُ الْوَلَدِ. وَالْمِحْفَدُ: مِكْيَالٌ يُكَالُ بِهِ. وَيُقَالُ فِي بَابِ السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ سَيْفٌ مُحْتَفِدٌ، أَيْ سَرِيعُ الْقَطْعِ. وَالْحَفَدَانُ: تَدَارُكُ السَّيْرِ .
قال علي بن إسماعيل بن سيده المرسي(ت:458هـ):حَفَدَ يحْفِدُ حَفْداً وحَفَدانا، واحتَفَد: خف فِي الْعَمَل وأسرع. وحَفَدَ يحْفِدُ حَفداً: خدم. والحَفَدُ والحَفَدَةُ: الأعوان والخدمة، واحدهم حافِدٌ.
وحَفَدَةُ الرجل بَنَاته، وَقيل أَوْلَاد أَوْلَاده، وَقيل الأصهار، وَقيل الأعوان. والحفيد: ولد الْوَلَد، وَالْجمع حُفَدَاءُ.
والحفَدُ والحفَدانُ والإحْفادُ فِي الْمَشْي: دون الخبب، وَقيل هُوَ إبطاء الرتك، وَالْفِعْل كالفعل.
والمِحْفَدُ والمَحْفَدُ: شَيْء يعلف فِيهِ، وَقيل هُوَ مكيال يُكَال بِهِ، وَقد رُوِيَ بَيت الْأَعْشَى بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا:
بَناها السواديُّ الرَّضيخُ مَعَ النَّوَى ... وفَتٌّ وإعطاءُ الشَّعيرِ بمِحْفَدِ
ويرُوى بمَحْفِدِ، فَمن كسر الْمِيم عده مِمَّا يعتمل بِهِ، وَمن فتحهَا فعلى توهم الْمَكَان أَو الزَّمَان.
ومَحْفِدُ الثَّوْب: وشيه.
والمَحْفِدُ: الأَصْل عَامَّة، عَن ابْن الْأَعرَابِي.
والمَحْفِدُ: أصل السنام، عَن يَعْقُوب أنْشد لزهير:على ظهرِها من نيِّها غيرَ مَحْفِدِ . [ المحكم:3 /264]
قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري(ت:538هـ):والحفدة : جمع حافد ، وهو الذي يحفد ، أي : يسرع في الطاعة والخدمة . ومنه قول القانت : وإليك نسعى ونحفد ، وقال :
حَفَدَ الْوَلاَئِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَت *** بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
واختلف فيهم فقيل : هم : الأختان على البنات ، وقيل : أولاد الأولاد ، وقيل : أولاد المرأة من الزوج الأوّل ، وقيل : المعنى : وجعل لكم حفدة ، أي : خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ، ويجوز أن يراد بالحفدة : البنون أنفسهم ؛ كقوله : { سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } [ النحل : 67 ] ، كأنه قيل : وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون ، أي : جامعون بين الأمرين .
قال محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي(ت:711هـ): حفد: حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحَفَداناً وَاحْتَفَدَ: خفَّ فِي الْعَمَلِ وأَسرع. وحَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً: خَدَم. الأَزهري: الحَفْدُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ الْخِفَّةُ؛ وأَنشد:
حَفَدَ الولائدُ حَوْلَهُنَّ، وأَسلمتْ ... بأَكُفِّهِنَّ أَزمَّةَ الأَجْمالِ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنه قرأَ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ:
وإِليك نَسْعَى ونَحْفِدُ
أَي نُسْرِعُ فِي الْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَصل الحَفْد الْخِدْمَةُ وَالْعَمَلُ؛ وَقِيلَ: مَعْنَى وإِليك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَعْمَلُ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ. اللَّيْثُ: الِاحْتِفَادُ السُّرْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ السَّيْفَ:
ومُحْتَفِدُ الوقعِ ذُو هَبَّةٍ، ... أَجاد جِلاه يَدُ الصَّيْقَل
قَالَ الأَزهري: رَوَاهُ غَيْرُهُ وَمُحْتَفِلُ الْوَقْعِ، بِاللَّامِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ، وَذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ لِلْخِلَافَةِ قَالَ: أَخشى حفْدَه
أَي إِسراعه فِي مَرْضَاةِ أَقاربه. والحَفْدُ: السُّرْعَةُ. يُقَالُ: حَفَدَ البعيرُ وَالظَّلِيمُ حَفْداً وحَفَداناً، وَهُوَ تَدَارُكُ السَّيْرِ، وَبَعِيرٌ حَفَّادٌ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَفِي الْحَفْدِ لُغَةٌ أُخرى أَحْفَدَ إِحْفاداً. وأَحفدته: حَمَلْتَهُ عَلَى الحَفْدِ والإِسراع؛ قَالَ الرَّاعِي:
مَزايدُ خَرْقاءِ اليَدَينِ مُسِيفَةٍ، ... أَخَبَّ بِهِنَّ المُخْلِفانِ وأَحْفَدا
أَي أَحفدا بَعِيرَيْهِمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَي أَسرعا، وَجَعَلَ حَفَدَ وأَحفد بِمَعْنًى. وَفِي التَّهْذِيبِ: أَحفدا خَدَمَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ أَحفدا غَيْرَهُمَا. والحَفَدُ والحَفَدَة: الأَعوان والخدَمة، وَاحِدُهُمْ حَافِدٌ. وحفَدة الرَّجُلِ: بَنَاتُهُ، وَقِيلَ: أَولاد أَولاده، وَقِيلَ: الأَصهار. وَالْحَفِيدُ: وَلَدُ الْوَلَدِ، وَالْجَمْعُ حُفَداءُ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ بَنِينَ وَحَفَدَةً
أَنهم الْخَدَمُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنهم الأَصهار، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الحَفَدة الأَختان وَيُقَالُ الأَعوان، وَلَوْ قِيلَ الحَفَدُ كَانَ صَوَابًا، لأَن الْوَاحِدَ حَافِدٌ مِثْلُ الْقَاعِدِ والقَعَد. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْبَنُونَ بَنُوكَ وَبَنُو بَنِيكَ، وأَما الْحَفَدَةُ فَمَا حَفَدَكَ مِنْ شَيْءٍ وَعَمِلَ لَكَ وأَعانك. وَرَوَى
أَبو حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَنِينَ وَحَفَدَةً
، قَالَ: مَنْ أَعانك فَقَدْ حَفَدَكَ
؛ أَما سَمِعْتَ قَوْلَهُ:
حَفَدَ الولائدُ حولهنَّ وأَسلمت
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْحَفَدَةُ بَنُو المرأَة مِنْ زَوْجِهَا الأَوَّل. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْحَفَدَةُ مَنْ خَدَمَكَ مِنْ وَلَدِكَ وَوَلَدِ وَلَدِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَفَدَةُ وَلَدُ الْوَلَدِ. وَقِيلَ: الْحَفْدَةُ الْبَنَاتُ وهنَّ خَدَمُ الأَبوين فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الحفَدُ عِنْدَ الْعَرَبِ الأَعوان، فَكُلُّ مِنْ عَمِلَ عَمَلًا أَطاع فِيهِ وَسَارَعَ فَهُوَ حَافِدٌ؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ وإِليك نَسْعَى وَنَحْفِدُ. قَالَ: والحَفَدانُ السُّرْعَةُ. وَرَوَى
عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا زِرُّ هَلْ تَدْرِي مَا الْحَفَدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، حُفَّادُ الرَّجُلِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُمُ الأَصهار
؛ قَالَ عَاصِمٌ: وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ أَن زِرًّا قَدْ أَصاب؛ قَالَ سُفْيَانُ: قَالُوا وَكَذَبَ الْكَلْبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: قَالَ الْحَفَدَةُ الأَعوان فَهُوَ أَتبع لِكَلَامِ الْعَرَبِ مِمَّنْ قَالَ الأَصهار؛ قَالَ:
فَلَوْ أَن نَفْسِي طَاوَعَتْنِي، لأَصبحت ... لَهَا حَفَدٌ مِمَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
أَي خَدَم حَافِدٌ وحَفَدٌ وحَفَدَةٌ جَمِيعًا. وَرَجُلٌ مَحْفُودٌ أَي مَخْدُومٌ. وَفِي حَدِيثِ
أُم مَعْبَدٍ: مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ
؛ الْمَحْفُودُ: الَّذِي يَخْدِمُهُ أَصحابه وَيُعَظِّمُونَهُ وَيُسْرِعُونَ فِي طَاعَتِهِ. يُقَالُ: حَفَدْتُ وأَحْفَدْتُ وأَنا حَافِدٌ وَمَحْفُودٌ. وحَفَدٌ وحَفَدة جَمْعُ حَافِدٍ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُمية: بِالنِّعَمِ مَحْفُودٌ.
وَقَالَ: الحَفْدُ والحَفدان والإِحفاد فِي الْمَشْيِ دُونَ الخَبَبِ؛ وَقِيلَ: الحَفَدان فَوْقَ الْمَشْيِ كَالْخَبَبِ، وَقِيلَ: هُوَ إِبطاء الرَّكَكِ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. والمَحْفِدُ والمِحْفَدُ: شَيْءٌ تُعْلَفُ فِيهِ الإِبل كالمِكْتَلِ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ نَاقَتَهُ:
بَنَاهَا الغَوادي الرضِيخُ مَعَ الخَلا، ... وسَقْيِي وإِطعامي الشعيرَ بِمَحْفِدِ «1»
الْغَوَادِي: النَّوَى. وَالرَّضِيخُ: الْمَرْضُوخُ وَهُوَ النَّوَى يُبَلُّ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُرْضَخُ، وَقِيلَ: هُوَ مِكْيَالٌ يُكَالُ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ بَيْتُ الأَعشى بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا:
بَنَاهَا السَّوَادِيُّ الرضيخُ مَعَ النَّوَى، ... وقَتٍّ وإِعطاء الشعيرِ بِمِحْفَدِ
وَيُرْوَى بِمَحْفِد، فَمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ عَدَّهُ مِمَّا يُعْتَمَلُ بِهِ، وَمَنْ فَتَحَهَا فَعَلَى تَوَهُّمِ الْمَكَانِ أَو الزَّمَانِ. ابْنُ الأَعرابي: أَبو قَيْسٍ مِكْيَالٌ وَاسْمُهُ المِحْفَدُ وَهُوَ القَنْقَلُ. ومَحافِدُ الثَّوْبِ: وشْيُهُ، وَاحِدُهَا مَحْفِدٌ. ابْنُ الأَعرابي: الحَفَدَةُ صُناع الْوَشْيِ وَالْحَفْدُ الوَشْيُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِطَرَفِ الثَّوْبِ مِحفد، بِكَسْرِ الْمِيمِ، والمَحْفِد: الأَصل عَامَّةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَهُوَ المَحْتِدُ والمَحفِد والمَحْكِد والمَحْقِدُ: الأَصل. ومَحْفِدُ الرَّجُلِ: مَحْتِدُه وأَصله. وَالْمَحْفِدُ: السَّنَامُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: أَصل السَّنَامِ؛ عَنْ يَعْقُوبَ؛ وأَنشد لِزُهَيْرٍ:
جُمالِيَّة لَمْ يُبْقِ سَيْرِي ورِحْلَتي ... عَلَى ظَهْرِهَا، مِنْ نَيِّها، غيرَ مَحْفِد
وَسَيْفٌ مُحتفِدٌ: سَرِيعُ الْقَطْعِ. [ لسان العرب: 3 /153 ]
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي(ت:743هـ):قوله: (وهو الذي يحفد، أي: يسرع في الطاعة)، الراغب: الحافد: المتحرك المتبرع بالخدمة، أقارب كانوا أو أجانب. قال المفسرون: هم الأسباط ونحوهم، وذلك أن خدمتهم أصدق، وفلان محفود، أي: مخدوم، وسيفٌ محتفد، أي: سريع القطع. قال الأصمعي: أصل الحفد: مقاربة الخطو.
قوله: (حفد الولائد) البيت، الولائد: الإماء، يقول: إن الإماء يسرعن بينهن، وأزمة الجمال أسلمت بأكفهن، يريد أنهن متنعمات مخدومات ذوات الإماء والأجمال.
قوله: (وقيل: المعنى: وجعل لم حفدة، أي: خدماً)، عطفٌ على قوله: "وهو الذي يحفد، أي: يُسرع في الطاعة"، فعلى الأول: الحفدة عام فيمن يسرع في الطاعة والخدمة من القرائب، وعلى هذا: في معنى الخدم نفسه، وعلى الوجه الأخير يون العطف من باب قوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [الأنفال: 49].
قوله: (إلا أنموذج منها)، المغرب: النموذج - بالفتح- والأنموذج- بالضم- تعريب نموذجه.[فتوح الغيب: 9/ 162]
قال محمد بن يوسف بن علي، أبو حيان النحوي (ت 745هـ) :الحفدة : الأعوان والخدم ، ومن يسارع في الطاعة حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفداناً ، ومنه : وإليك نسعى ونحفد أي : نسرع في الطاعة .
وقال الشاعر :
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت . . . *** بأكفهنّ أزمة الأجمال
وقال الأعشى :
كلفت مجهودها نوقاً يمانية . . . *** إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وتتعدى فيقال : حفدني فهو حافدي .
قال الشاعر :
يحفدون الضيف في أبياتهم *** كرماً ذلك منهم غير ذل
قال أبو عبيدة : وفيه لغة أخرى ، أحفد إحفاداً ، وقال : الحفد العمل والخدمة .
وقال الخليل : الحفدة عند العرب الخدم .
وقال الأزهري : الحفدة أولاد الأولاد ، وقيل : الأختان .
وأنشد :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت *** لها حفد مما يعد كثير ولكنها نفس عليّ أبية
عيوف لأصحاب اللئام قذور . . .
ولما ذكر تعالى امتنانه بالإيجاد ثم بالرزق المفضل فيه ، ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه ، واحتمل أن أنفسكم أن يكون المراد من جنسكم ونوعكم ، واحتمل أن يكون ذلك باعتبار خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم ، فنسب ذلك إلى بني آدم ، وكلا الاحتمالين مجاز .
والظاهر أن عطف حفدة على بنين يفيد كون الجميع من الأزواج ، وأنهم غير البنين .
فقال الحسن : هم بنو ابنك .
وقال ابن عباس والأزهري : الحفدة أولاد الأولاد ، واختاره ابن العربي .
وقال ابن عباس أيضاً : البنون صغار الأولاد ، والحفدة كبارهم .
وقال مقاتل : بعكسه ، وقيل : البنات لأنهنّ يخدمن في البيوت أتم خدمة .
ففي هذا القول خص البنين بالذكران لأنه جمع مذكر كما قال : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } وإنما الزينة في الذكورة .
وعن ابن عباس : هم أولاد الزوجة من غير الزوج التي هي في عصمته .
وقيل : وحفدة منصوب بجعل مضمرة ، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج .
فقال ابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو الضحى ، وإبراهيم بن جبير : الأصهار ، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها .
وقال مجاهد : هم الأنصار والأعوان والخدم .
وقالت فرقة : الحفدة هم البنون أي : جامعون بين البنوة والخدمة ، فهو من عطف الصفات لموصوف واحد .
قال ابن عطية ما معناه : وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجه بنين وحفدة ، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس .
ويحتمل عندي أن قوله من أزواجكم ، إنما هو على العموم والاشتراك أي : من أزواج البشر جعل الله منهم البنين ، ومنهم جعل الخدمة ، وهكذا رتبت الآية النعمة التي تشمل العالم .
ويستقيم لفظ الحفدة على مجراها في اللغة ، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة انتهى .
قال أبو العباس أحمد بن يوسف بن عبد الدايم السمين ، الحلبي (ت 756هـ): قوله تعالى : { وَحَفَدَةً } ، في " حَفَدَة " أوجهٌ : أظهرُها : أنه معطوفٌ على " بنين " بقيدِ كونِه من الأزواج ، وفُسِّر هنا بأنه أولادُ الأولادِ . الثاني : أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ ، أي : جَعَلَ لكم بنينَ خَدَماً ، والحَفَدَةُ : الخَدَمُ . الثالث : أنه منصوبٌ ب " جَعَلَ " مقدرةً ، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار ، وإنما احتيج إلى تقدير " جَعَلَ " ؛ لأنَّ " جَعَلَ " الأولى مقيدةٌ بالأزواج ، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج .
والحَفَدَةُ : جمع حافِد ، كخادِم وخَدَم . وفيه للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم : حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً ، أي : أسرع في الطاعة . وفي الحديث : " وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ " ، أي : نُسْرِعِ في طاعتِك . قال الأعشى :
كَلَّفْتُ مجهولَها نُوقاً يَمانيةً *** إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا
وقال الآخر :
حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ *** بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ
ويستعمل " حَفَدَ " أيضاً متعدياً . يقال : حَفَدَني فهو حافِدٌ ، وأُنْشِد :
يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ *** كَرَماً ذلك منهم غيرَ ذُلّْ
وحكى أبو عبيدة أنه يقال : " أَحْفَدَ " رباعياً . وقال بعضهم : " الحَفَدَةُ : الأَصْهار ، وأنشد :
فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ *** لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ
ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ *** عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْورُ
ويقال : سيفٌ مُحْتَفِدٌ ، أي : سريعُ القطع . وقال الأصمعيُّ : " أصلُ الحَفْدِ : مقارَبَةُ الخَطْوِ " .
قال أبو العباس، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد، المعروف بابن الهائم (ت 815هـ) :" وحفدة " : الخدم ، وقيل : الأختان ، وقيل : الأصهار ، وقيل : الأعوان ، وقيل : بنو المرأة من زوجها الأول ، أي : عيال بلغة قريش .
قال مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (ت: 817هـ) : حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحَفَداناً: خَفَّ في العَمَلِ، وأسْرَعَ،
كاحْتَفَدَ، وخَدَمَ.
والحَفَدُ، محرَّكةً: الخَدَمُ، والأَعْوانُ،
جَمْعُ حافِدٍ، ومشيٌ دونَ الخَبَبِ،
كالحَفَدانِ والإِحْفادِ.
وحَفَدَةُ الرَّجُلِ: بَناتُه، أو أولادُ أولادِه،
كالحَفيدِ، أو الأَصْهارُ، وصُنَّاعُ الوَشْيِ. [القاموس المحيط 277]
قال أبو حفص عمر بن علي الدمشقي ابن عادل (ت 880هـ):قوله : " وَحفَدةً " ، فيه أوجه :
أظهرها : أنه معطوف على " بَنِينَ " ، بقيد كونه من الأزواج ، وفسِّر هذا بأنَّه أولاد الأولاد .
الثاني : أنه من عطف الصفات لشيء واحد ، أي : جعل لكم بنين خدماً ، والحفدة : الخدم .
الثالث : أنه منصوب ب " جَعَلَ " مقدَّرة ، وهذا عند من يفسِّر الحفدة بالأعوان والأصهار ، وإنما احتيج إلى تقدير " جَعَلَ " ؛ لأن " جَعَلَ " الأولى مقيَّدة بالأزواج ، والأعوانُ ، والأصهارُ ليسوا من الأزواج ، والحفدة : جمع حافدٍ ؛ كخادمٍ وخَدم .
قال الواحدي - رحمه الله- : " ويقال في جمعه : الحفد بغير هاءٍ ؛ كما يقال : الرَّصد ، ومعنى الحفدة في اللغة : الأعوان والخدم " .
وفيهم للمفسِّرين أقوال كثيرة ، واشتقاقهم من قولهم : حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحُفُوداً وحَفَداناً ، أي : أسرع في الطَّاعة ، وفي الحديث : " وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ " ، أي : نُسرع في طَاعتِكَ ؛ وقال الآخر : [ الكامل ]
حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلهُنَّ وأسْلِمَتْ *** بأكُفِّهِنَّ أزِمَّةُ الأجْمالِ
ويستعمل " حَفَدَ " أيضاً متعدياً ؛ يقال : حَفدنِي فهو حافدٌ ؛ وأنشد أيضاً : [ الرمل ]
يَحْفدُونَ الضَّيْفَ في أبْيَاتِهِمْ *** كَرماً ذلِكَ مِنهُمْ غَيْرَ ذُلْ
وحكى أبو عبيدة أنه يقال : أحفد رباعيًّا ، وقال بعضهم : الحَفدةُ الأصهارُ ؛ وأنشد : [ الطويل ]
فَلوْ أنَّ نَفْسِي طَاوعَتْنِي لأصْبحَتْ *** لهَا حَفدٌ ممَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
ولَكنَّهَا نَفْسٌ عليَّ أبيَّةٌ *** عَيُوفٌ لأصْهَارِ اللِّئامِ قَذُورُ
ويقال : سَيفٌ مُحْتَفِدٌ ، أي : سريعُ القطع ؛ وقال الأصمعي : أصل الحفد مقاربة الخُطَى .
قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الزبيدي(ت:1205هـ): حفد: (حَفَد يَحْفِد) من حَدّ ضَرَبَ، (حَفْداً) ، بِفَتْح فَسُكُون، (وحَفَدَاناً) . محرّكةً: (خَفَّ فِي العَمَلِ وأَسْرَعَ) .
وَفِي حَدِيث عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ، وذُكِرَ (لَهُ) عثمانُ للخلافَةِ، قَالَ: (أَخْشَى حَفْدَه) أَي إِسراعَه فِي مَرْضَاةِ أَقارِبه. (كاحْتَفَد) .
قَالَ اللَّيْث: الاحْتِفَادُ: السُّرعةُ فِي كلِّ شيْءٍ.
وحفَد واحْتَفَدَ بِمَعْنى الإِسراع، من الْمجَاز، كَمَا فِي الأَساس.
(و) من الْمجَاز أَيضاً: حَفَدَ يَحْفِد حَفْداً: (خَدَمَ) ، قَالَ الأَزهريّ: الحَفْد فِي الخِدْمة والعَمَلِ: الخِفَّةُ.
وَفِي دعاءِ القُنُوتِ: (وإِليكَ نَسْعَى ونَحْفِد) أَي نُسْرِع فِي العَمل والخِدْمَة.
وَقَالَ أَبو عُبَيْد: أَصلُ الحَفْدِ: الخِدْمَةُ والعَمَلُ.
(والحَفَدُ، محرَّكةً) والحَفَدَةُ: (الخَدَمُ والأَعوانُ، جمْعُ حافِد) ، قَالَ بن عَرفة: الحَفَدُ عِنْد الْعَرَب: الأَعوانُ، فكلّ من عَمِل عَمَلاً أَطاعَ فِيهِ وسارَ، فَهُوَ حافدٌ.
(و) الحَفَدُ، محرّكةً (مَشْيٌ دُونَ الخَبَبِ) ، وَقد حَفَدَ البَعِيرُ والظَّلِيمُ، وَهُوَ تَدارُكُ السَّيْرِ، (كالحَفَدَانِ) ، محرَّكةً، والحَفْدِ، بِفَتْح فَسُكُون، وبعيرٌ حَفَّادٌ.
(و) قَالَ أَبو عُبَيْد: وَفِي الحَفَد لُغَة أُخْرَى، وَهُوَ (الإِحفادُ) ، وَقد أَحْفَد الظَّلِيمُ.
وَقيل: الحَفَدَانُ فَوْقَ المَشْيِ كالخَبَب.
(و) من الْمجَاز: (حَفَدَةُ الرَّجُلِ: بناتُه أَوْ أَولادُ أَولادِه، كالحَفِيد) وَهُوَ واحدُ الحَفَدَةِ، وَهُوَ وَلَدُ الوَلَدِ، والجمعُ حُفَدَاءُ.
ورُوِيَ عَن مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النَّحْل: 72) أَنهم الخَدَمُ (أَو الأَصهارُ) . رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود، أَنه قَالَ لزِرَ: هلْ تَدرِي مَا الحَفَدَةُ؟ قَالَ: نعم، حُفَّاد الرّجُلٍ من وَلَدِه ووَلَدِ وَلَدِه. قَالَ: لَا ولاكنَّهم الأَصهارُ. قَالَ عاصمٌ: وزعَمَ الكَلْبِيٌّ أَن زِرًّا قد أَصاب. قَالَ سُفيانُ: قَالُوا وكَذَب الكَلْبِيّ. وَقَالَ الفرَّاءُ: الحَفَدَةُ: الأَخْتَانُ، وَيُقَال: الأَعوانُ.
وَقَالَ الحَسَن. (البَنِينَ) : بَنُوك وَبَنُو بَنِيكَ.
وأَما الحَفَدة فَمَا حَفَدَك مِن شيْءٍ، وعَمِل لَك وأَعانك. وروى أَبو حمزةَ عَن ابْن عبّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النَّحْل: 72) . قَالَ: مَن أَعانك فقَدْ حفَدَك. وَقَالَ الضّحّاك: الحَفَدَةُ: بَنو المرأَةِ من زوْجها الأَوَّل. وَقَالَ عِكْرِمةُ: الحفدة منْ خدَمكَ من وَلَدِكَ، وولَدِ وَلَدِكَ. وَقيل: المُرَاد بالبنات فِي قَول المصنِّف هُنَّ خَدمُ الأَبَوَيْن فِي البَيْت.
(و) عَن ابْن الأَعرابيّ: الحَفَدَةُ (صُنَّاعُ الوَشْيِ) والحَفْد: الوَشْيُ.
(والمحْفد، كمَجْلِسَ أَو مِنْبَر) ، وعَلى هاذه اقْتصر الصاغانيّ: (شَيْءٌ يُعْلَف فِيهِ الدَّوَابُّ) كالمِكْتَلِ. وَمِنْهُم مَنْ خَصَّ الإِبلَ، قَالَ الأَعشى، يَصِفُ ناقَتَه:
بَناها الغواديّ الرِّضِيخُ مَع الخَلَا
وسَقْيِي وإِطْعَامِي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ
الغواديّ: النَّوَى، والرّضيخ: المرضوخ، وَهُوَ النَّوى يُبَلُّ بالماءِ ثمَّ يُرْضَخ. وَقد رُوِيَ بيتُ الأَعشى بالوجْهيْن مَعاً، فَمن كسر الْمِيم عَدَّه مِمَّا يُعْتَملُ بِهِ، وَمن فَتَحها فعلَى توَهُّمِ المكانِ أَو الزَّمان.
(و) المِحْفَد (كمِنْبَر: طَرفُ الثَّوبِ) ، عَن ابْن شُميل.
(و) رَوى ابنُ الأَعرابيّ عَن أَبي قَيس: (قَدَحٌ يُكالُ بِهِ) واسْمه المِحْفَد وَهُوَ القَنْقَلُ.
(و) المَحْفِد (كمَجْلِس) الأَصْلُ) عامَّةً، كالمَحْتِد، والمَحْكِد، والمَحْقِد، عَن ابْن الأَعرابيّوالمَحْفِدُ: السَّنَامُ (و) فِي الْمُحكم: (أَصلُ السَّنَامِ) ، عَن يَعْقُوب، وأَنشد لزُهَيْرٍ:
جُمَالِيَّةٌ لم يُبْقِ سَيْرِي ورِحْلتي
على ظهْرِها مِنْ نِيّهَا غيرَ مَحْفِدِ.
(و) المَحْفِد: (وَشْيُ الثَّوْبِ) ، جمْعه: المحافِدُ.
(و) مَحْفِد كمجْلِس (ة بِالْيمن) من مَيْفَعة.
(و) المَحْفَد (كمَقْعَد: ة بالسَّحُول) بأَسفَلها.
(وسَيْفٌ مُحْتَفِدٌ: سَرِيعُ القَطْعِ) ، قَالَ الأَعشَى، يَصِف السَّيفَ:
ومُحْتَفِدُ الوقْع ذُو هَبَّةٍ
أَجادَ جِلَاهُ يَدُ الصَّيْقَلِ
قَالَ الأَزهريُّ: وروى: ومُحْتَفِل الوَقْع، بِاللَّامِ، قَالَ: وَهُوَ الصّوَابُ.
(وأَحفَدَهُ: حمَلَهُ على) الحَفْدِ وَهُوَ (الإِسْرَاعُ) قَالَ الرَّاعِي:
مَزَايِدُ خَرْقَاءِ اليدَيْنِ مُسِيفةٍ
أَخَبَّ بهِنَّ المُخْلِفَانِ وأَحفَدَا
وَفِي التَّهْذِيب. أَحفدا، خَدَما، قَالَ: وَقد يكون أَحفدَا غيرَهما.
(و) من الْمجَاز: (رجل مَحْفُودٌ) أَي (مَخْدُوم) ، يخدُمه أَصحابُه ويُعظِّمونه، ويُسْرِعُون فِي طَاعَته، يُقَال: حَفَدْت وأَحفدْت، وأَنا حافِدٌ ومَحْفُودٌ. وَقد جاءَ ذِكْرُه فِي حَدِيثِ أُمّ مَعْبد.
وممَّن اشتَهر بالحفِيدِ: أَبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الله بن يُوسفَ، النَّيْسَابُوريُّ، ابنُ بنت العبَّاس بن حَمْزَة، الْفَقِيه الواعظِ. [ تاج العروس: 8/ 33 ]
قال محمد الطاهر بن عاشور(ت:1393هـ):قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) و { من } الداخلة على { أزواجكم } للابتداء ، أي جعل لكم بنين منحدرين من أزواجكم .
والحفدة : جمع حافد ، مثل كَملة جمع كامل . والحافد أصله المسرع في الخدمة . وأطلق على ابن الابن لأنه يكثر أن يخدم جدّه لضعف الجدّ بسبب الكبر ، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع .
وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلاً ولا يَشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبَة من الإرضاع . والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة ، قال تعالى : { فبشرّناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } [ سورة هود : 71 ] . وقد عملت من } الابتدائية في { حفدة } بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة .
.