1: معنى "المسوّمة" في قوله تعالى: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}.
اختلف العلماء على أربعة أقوال في معنى (المسومة):
القول الأول : قال أصحابه بأن معنى المسومة أي المعلمة , من السيما، وَهِي الْعَلامَة . وهو قول ثان لابن عباس , وقاله قتادة والحسن , واختاره الزجاج , ورجحه الطبري .
قال أبو عبيدة : {والخيل المسوّمة}: المعلمة بالسيماء.
وقال الزجاج : ومعنى {الخيل المسوّمة} في اللغة: الخيل عليها السيماء , والسّومة , وهي العلامة، ويجوز وهو حسن أن يكون المسومة: السائمة، وأسيمت: أرعيت.
قال ابن عباس: " والخيل المسوّمة "، يعني: المعلَمة.
رواه الطبري عن علي بن داودعن أبي صالح عن معاوية، عن علي عنه.
وهذا من باب التفسير اللغوي كما في قوله تعالى :{مسومة عند ربك} , وقوله :{سيماهم في وجوههم}.
ثم اختلفوا في ماهية هذه العلامة على خمسة أقوال :
1- إنها معلمة بالشية , وهو اللون الذي يخالف سائر لونها فيكون فيها كالعلامة , قاله قتادة , حيث قال : وسيماها، شِيَتُها.
رواه الطبري عن بشر عن يزيدعن سعيد عنه.
2- إنها معلمة بالكي , روي هذا القول عن المورج , ذكره ابن الجوزي , وذكره صاحب التفسير المحيط.
3- منهم من قال بأن علامتها بأن يكون فيها سواد وبياض , وهي الخيل البلق , قاله ابن كيسان . ذكره ابن الجوزي.
4- قال أبو زيد: أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة , أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى . ذكره النحاس.
5- علامتها ما يكون في الفرس من أوضاح وغرز , وهي كون الفرس غر محجلة . قاله ابو مسلم و ومكحول .
قال مكحول في قوله تعالى : ﴿والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ﴾ . : الغُرَّةُ والتَّحْجِيلُ.
رواه ابن ابي حاتم عن أبيه عن محمود بن خالدٍ، عن الوليد، عن بعض شيوخه عنه.
واختاره ابن الجوزي وقال :(الإشارَةَ في هَذِهِ الآيَةِ إلى شَرائِفِ الأمْوالِ، وذَلِكَ هو أنْ يَكُونَ الفَرَسُ أغَرَّ مُحَجَّلًا، وأمّا سائِرُ الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوها فَإنَّها لا تُفِيدُ شَرَفًا في الفَرَسِ) .
القول الثاني : قال أصحابه بأن المعنى المراد هنا هو الخيل المعدة للجهاد , قاله ابن زيد.
رواه الطبري عن يونس عن ابن وهب عنه.
وقال ابن عطية : (قوله: للجهاد ليس من تفسير اللفظة) , يقصد إن هذا ليس من معاني (المسومة) , وقد استبعد الطبري هذا القول فقال :(وأما الذي قاله ابن زيد: من أنها المعدّة في سبيل الله، فتأويل من معنى " المسوّمة "، بمعزِلٍ) .
وقد فسر البعض قوله تعالى: {مسوّمةً عند ربّك} بمعنى معدة، ولعل ابن زيد أراد التمثيل بالخيل المعدة للجهاد , حيث تكون عليها علامات تميزها , كما قال الحسن : (تسوّم المسلمون سيمًا والمشركون سيماهم , وكان سيماهم الصّوف وقلّ ما التقت فئتان إلّا تسوموا أخيلهم).
رواه الابن أبي حاتم عن الحسن بن أحمد، عن موسى بن محكمٍ، عن أبي بكرٍ الحنفيّ، عن عباد بن منصورٍ عنه.
فيدخل هذا القول فيما قبله , فيكون من باب التمثيل للخيل المعلمة , وهي الخيل المعدة للجهاد والتي حملت علامات المسلمين فتميزت , كما كان لأبي دجانة رضي الله عنه-عصابة حمراء يعتصب بها عند لقاء الكفار فيعرف بأنه سيقاتل حتى الموت.
وقد قال البخاري في صحيحه : (المسوّم: الّذي له سيماءٌ بعلامةٍ، أو بصوفةٍ أو بما كان).
القول الثالث : هي الخيل الراعية , قاله ابن عباس , وسعيد ابن جبير , وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى , والحسن , والربيع وهو قول لمجاهد , والضحاك , ومقاتل.
قال ابن عباس: " والخيل المسومة ". قال: الراعية.
رواه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس.
ورواه ابن ابي حاتم بسنده عن خصيفٍ عن عكرمة عنه.
وأخْرَجَه ابن المنذر من طريق مجاهد عنه.
قال سعيد بن جبيرٍ، وعبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى: «الرّاعية المسوّمة». رواه البخاري معلقا.
قال الحسن : المسرحة في الرعي.
رواه الطبري عن بشر بسنده عن قتادة عنه.
قال الربيع : الخيل الراعية.
رواه الطبري عن عمار بن الحسن عن ابن أبي جعفر، عن أبيه عنه.
قال مجاهد : الخيل الراعية.
رواه الطبري بسنده عن ليث، عن مجاهد.
قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقالُ: سامَتِ الخَيْلُ، وهي سائِمَةٌ: إذا رَعَتْ، وأسْمَتْها وهي مُسامَةٌ، وسَوَّمْتُها فَهي مُسَوَّمَةٌ: إذا رَعَيْتَها.
فيكون هذا القول اعتمادا على المعنى اللغوي كما في قوله تعالى:{ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} , وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «في سائمة الغنم الزكاة».
وقد علق الطبري على ها القول بقوله :( فإذا أريد أنّ الماشية هي التي رعت، قيل: " سامت الماشية تسوم سومًا "، ولذلك قيل: " إبل سائمة "، بمعنى: راعية، غير أنه غير مستفيض في كلامهم: " سوَّمتُ الماشيةَ"، بمعنى أرعيتها، وإنما يقال إذا أريد ذلك: " أسمتها ".
القول الرابع : قال أصحابه بأن {الخيل المسومة} هي الخيل الحسان . وهو قول ثان لمجاهد , وقاله عكرمة , والسدي .
قال مجاهد : المطهمة حسْنًا.
رواه الطبري من عدة طرق عن مجاهد .
ورواه الهمداني وابن أبي حاتم بسنده عن ابن أبي نجيح عن مجاهد حيث قال : المسومة : المصورة حسنا.
قال ابن قتيبة الدينوري بعد إيراده لقول مجاهد : وأحسبه أراد: أنها ذات سيماء, كما يقال: رجل له سيماء، وله شارة حسنة.
وقال ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة قال: تسويمها: حسنها.
وقال السدي: الرائعة.
رواه الطبري عن موسى بن هارون عن عمرو عن أسباط عنه.
وقالَ القَفّالُ: المُطَهَّمَةُ المَرْأةُ الجَمِيلَةُ. ذكره الرازي في تفسيره.
قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو بارع الجمال.
وهذا على أن ما يميزها من علامة هو حسنها , كما قال عكرمة .
أو إنها رعت فازدادت حسنا كما قال ذلك ابن الجوزي , فيكون قول من قال بأنها (الراعية) تفسير باللازم.
والراجح-والله أعلم- بأن معنى مسومة أي:( معلمة ) , فيدخل في هذا جميع العلامات الحسنة التي تكون في الخيل من اصل خلقتها فتميزها وتزيد من قيمتها في قلوب أصحابها , أو العلامات المضافة إليها من قبل أصحابها رغبة منهم في تمييزها عن البقية لعلو مكانتها وقيمتها لديهم .
وقد قال تعالى :{سيماهم في وجوههم} وهذا في سياق المدح مما يظهر عليهم من علامات بسبب تقربهم إلى الله سبحانه.
وكما قال تعالى :{مسومة عند ربك} أي: معلمة.
والآية هنا في سياق الامتنان , فتكون العلامة مما يظهر شرفها , لذا لا يصلح أن يكون الكي علامة.
و يدخل في هذا القول الخيل المعلمة التي أعدت للجهاد.
وقد قال الطبري :(وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: " والخيل المسوّمة "، المعلَمة بالشِّيات، الحسان، الرائعة حسنًا من رآها. لأن " التسويم " في كلام العرب: هو الإعلام. فالخيل الحسان مُعلَمةٌ بإعلام الله إياها بالحسن من ألوانها وشِياتها وهيئاتها، وهي" المطهَّمة " أيضًا).
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصادر:
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ).
- معاني القرآن، إبراهيم بن السَرِيّ الزجاج (ت: 311هـ).
- تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ).
- معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ).
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت: 546هـ).
- زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي الجوزي (ت: 597هـ).
- التفسير الكبير، محمد بن عمر بن الحسين الرازي (ت: 606هـ).
- الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت: 671هـ).
- تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي (ت: 774هـ).
- تيسير الكريم الرحمن، عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ).