بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى:( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)
الحمد لله الذي أرسل لنا الرسل وبين لنا الحق ، واختص هذه الأمة بأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم .
في هذه الآيات الكريمة يمتن الله تعالى على عباده بأنه أرسل النبي الكريم منهم فهو معروف بينهم بالأخلاق الحميدة ومن أشرف أنسابهم ،وأنه قرأ القرآن تاماً مرتلاً كما أنزله جبريل عليه السلام وأنه أرسل ليطهر القوم من دنس الشرك وسيء الأخلاق وليعلمهم هذا الدين العظيم ،في المقابل يبين الله لنا أن المطلوب من أمة الإسلام ثلاثة أمور :
1- اذكروني ( الذكر )
2- اشكروا لي ( الشكر )
3- لا تكفرون (عدم الجحود ) .
أولاً :
فلو أردنا أن نبحث في المقصود بالذكر هنا ، قال الشيخ طنطاوي في الوسيط هو التلفظ باسمه، ويطلق بمعنى استحضاره في الذهن، وهو ضد النسيان .
نرى أن المفسرين رحمهم الله قد قالوا في ذلك عدة أقوال ،نستعرض بعضها :
-قال سعيد بن جبير ،الذكر هو طاعة الله ، والمعنى اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة .( القرطبي ) .
-قال الحسن البصري (اذكروني )، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي .
-قال القرطبي ،وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له .
قال الطنطاوي في الوسيط ، وذكر العباد لخالقهم قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح.
- قال السعدي ،وذكر الله تعالى, أفضله, ما تواطأ عليه القلب واللسان, وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته, وكثرة ثوابه، والذكر هو رأس الشكر.
وقد وردت عدة أحاديث في فضل الذكر ، منها :
-روى الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : يا ابن آدم ، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك ، في ملأ من الملائكة أو قال : [ في ] ملأ خير منهم ، وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا ، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا ، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول ).صحيح الإسناد : أخرجه البخاري
-وفي الأثر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله .
الفوائد :
1- فضل الذكر وأجره العظيم .
2- أفضل الذكر الذي يكون الإنسان مستحضراً لعظمة الله مشفقاً من عذابه راجياً عفوه .
3- الحرص على أذكار الصباح والمساء والأذكار الواردة في القرآن والسنة .
4- الذكر أمره سهل ولكن لا يوفق له إلا القليل .
- وعد الله الكريم من ذكره بأن سيذكره في ملأ خير منه ، فيالها من مثوبة تشحذ الهمم .
ثانياً :
الشكر
الشكر لغة كما قال القرطبي رحمه الله هو الظهور ، ومنها دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف . وحقيقته: عرفان الإحسان وإظهاره بالثناء على المحسن .
أمرنا الله عز وجل بذكره وشكره ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله والشكر يكون بالقلب, إقرارا بالنعم, واعترافا, وباللسان, ذكرا وثناء, وبالجوارح, طاعة لله وانقيادا لأمره .
الفوائد :
1- شكر الله ينبع من الإحساس الحقيقي بنعم الله وأفضاله ثم يظهر أثر هذا الشعور على اللسان والجوارح .
2- ولكي أزداد شكراً لله ، لابد أن أعرف نعم الله علي من خلال قراءة القرآن والسنة والتفكر والنظر لمن هو دونك ، وغير ذلك .
3- من أعظم النعم التي تستحق الشكر هي إرسال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام وإنقاذ البشرية من ضلال الشرك والانتقال إلى نور الحق .
4- من شكر الله على النعم تجنب الإسراف الذي فشا في مجتمعنا وتربية الأجيال على أهمية الاعتدال في كل أمر وتجنب الإسراف .
5- من أراد الزيادة فليشكر الله ، فقد قال سبحانه :( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) .
ثالثاً:
عدم الكفر
وهو ثالث أمر أمرنا الله به في هذه الآية الكريمة ، والكفر ضد الشكر ، والشكر يستلزم عدم الكفر ، وأصل الكفر في كلام العرب الستر والتغطية والجحود. فإذا عدي بالباء مثل الكفر بالله أصبح معناه عدم الإيمان ، وإن أطلق فإنه يعني الجحود وعدم الشكر .يقول الشيخ السعدي ويحتمل أن يكون المعنى عاما, فيكون الكفر أنواعا كثيرة, أعظمه الكفر بالله, ثم أنواع المعاصي, على اختلاف أنواعها وأجناسها, من الشرك, فما دونه.
الفوائد :
1- الحذر من جحود نعم الله وعدم شكرها .
2- توعد الله من جحد نعمه بالعذاب ، قال تعالى :( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ).
3- مما يدل على أهمية الشكر أن الله عز وجل أمر به ونهى عن ضده .
4- قال ابن عاشور ،للكفران مراتب أعلاها جحد النعمة وإنكارها ثم قصد إخفائها ، ثم السكوت عن شكرها غفلة وهذا أضعف المراتب وقد يعرض عن غير سوء قصد لكنه تقصير .
الخلاصة :
الآية على صغرها حوت معاني عظيمة وأصول العبادة من ذكر الله وهذا مقتضي لطاعته والشكر له وهذا يدل على المحبة والاحساس بالامتنان ، ومن اللطائف التي ذكرها الشيخ طنطاوي في الوسيط ، قدم- سبحانه- الأمر بالذكر على الأمر بالشكر، لأن في الذكر اشتغالا بذاته- تعالى-، وفي الشكر اشتغالا بنعمته، والاشتغال بذاته أولى بالتقديم من الاشتغال بنعمته.
استغفر الله واتوب اليه