{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ}؛ أي: فُسَّاقٌ وفُجَّارٌ وكُفَّارٌ، {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً}؛ أي: فِرَقاً مُتَنَوِّعَةً وأهواءً متَفَرِّقَةً، كلُّ حزْبٍ لِمَا لَدَيْهِم فَرِحونَ.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً}؛ أي: وأَنَّا في وَقْتِنا الآنَ تَبَيَّنَ لنا كَمالُ قُدرةِ اللَّهِ وكمالُ عَجْزِنا، وأنَّ نَوَاصِيَنا بِيَدِ اللَّهِ، فلنْ نُعْجِزَه في الأرضِ، ولَنْ نُعْجِزَه إنْ هَرَبْنا وسَعَيْنَا بأَسبابِ الفِرارِ والخروجِ عن قُدرتِه، لا مَلجأَ منه إلاَّ إليه.
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} وهو القرآنُ الكريمُ، الهادِي إلى الصراطِ المُستقيمِ، وعَرَفْنا هِدايتَه وإرشادَه أَثَّرَ في قُلُوبِنا فـ {آمَنَّا بِهِ}، ثم ذَكَرُوا ما يُرَغِّبُ المؤمنَ فقالوا: {فَمَن يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ} إيماناً صادِقاً {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً}؛ أي: لا نَقْصاً ولا طُغياناً ولا أَذًى يَلْحَقُه.
وإذا سَلِمَ مِن الشرِّ حَصَلَ له الخيرُ، فالإيمانُ سببٌ داعٍ إلى حُصولِ كلِّ خَيْرٍ وانتفاءِ كلِّ شَرٍّ.
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ}؛ أي: الجائِرُونَ العادِلُونَ عن الصراطِ المستقيمِ.
{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً}؛ أي: أَصَابُوا طريقَ الرَّشَدِ، الْمُوَصِّلَ لهم إلى الجَنَّةِ ونَعِيمِها.
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}؛ وذلك جزاءٌ على أعمالِهم، لا ظُلْمٌ مِن اللَّهِ لهم, فإِنَّهم {لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} الْمُثْلَى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}؛ أي: هَنِيئاً مَرِيئاً، ولم يَمْنَعْهُم ذلك إلاَّ ظُلْمُهم وعُدوانُهم {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}؛ أي: لِنَخْتَبِرَهم فيه ونَمْتَحِنَهم لِيَظْهَرَ الصادِقُ مِن الكاذبِ.
{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً}؛ أي: مَن أَعْرَضَ عن ذِكْرِ اللَّهِ، الذي هو كِتابُه فلم يَتَّبِعْه ويَنْقَدْ له، بل غَفَلَ عنه ولَهَى، يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً؛ أي: شَديداً بَليغاً.