المجموعة الثانية:
1. فصّل القول في تفسير قوله تعالى:
{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فصل القول في تفسير قوله تعالى:"وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
سبب النزول:
قيل إنها نزلت في أبي بكر حين حلف ألا ينفق على مسطح بعد ما خاض في قصة حادثة الإفك.
وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر ألا يأكل الطعام.
وقيل إن الرجل كان يحلف بالله على ألا يصل رحمه وألا يصلح بين الناس.
والمعنى في الآية
أن لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم على أن تفعلوا البر والإصلاح بين الناس، ومن حلف على ترك بر فليفعل البر وليكفر عن يمينه.
وفي قوله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ
قال بن عطية:"عرضةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر،
ومقصد الآية: ولا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به، ولا تكثروا من الأيمان فإن الحنث مع الإكثار، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى "
وفي قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ
قال الزجاج:"موضع " أن " نصب بمعنى عرضة المعنى لا تعرضوا باليمين باللّه في أن تبروا "، كما
وقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والربيع وغيرهم: المعنى فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم والبر والإصلاح.
قال الطبري:" التقدير لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا "، وقدره المهدوي: كراهة أن تبروا، وقال بعض المتأولين: المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح،ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه، ويحتمل أن يكون على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا»
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير، وهكذا قال مسروقٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، ومجاهدٌ، وطاووسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، وعكرمة، ومكحولٌ، والزّهريّ، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ.
وثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها"
وثبت فيهما أيضًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة: "يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإنّ أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك".
قال البخاريّ: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة"، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه". وهكذا رواه مسلمٌ، عن محمّد بن رافعٍ عن عبد الرّزّاق، به. ورواه أحمد، عنه، به.
وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ".
والله سميع لأقوالكم عليم بأفعالكم
[لو فسرت كلمات الآيات على حدة، مثلا: تفسير قوله تعالى:(عرضة)....وهكذا، ثم يكون عن الكلام عن المعنى، حتى تتبين تفاصيل الأقوال وأدلتها.]
2. حرّر القول في كل من:
أ: أمد منع إتيان الحائض في قوله تعالى: {ولا تقربوهنّ حتى يطهرن}.
تحرير القول في أمد منع إتيان الحائض:
في قراءة قوله تعالى: {يطهرن}قراءات:
- قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه: «يطهرن» بسكون الطاء وضم الهاء.
- وقرأها حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل عنه «يطهّرن» بتشديد الطاء والهاء وفتحهما.
- وفي مصحف أبيّ وعبد الله حتى يتطهرن، وفي مصحف أنس بن مالك «ولا تقربوا النساء في محيضهن، واعتزلوهن حتى يتطهرن».
وتحرير القول في أمد منع إتيان الحائض من الآية:
قال بن كثير فقوله تعالى: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} تفسير لقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} ونهي عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجود، ومفهومه حله إذا انقطع.
والاشكال في الطهر ما هو؟
- فقال قوم: هو الاغتسال بالماء، المعنى يتطهرن أي: يغتسلن بالماء، بعد انقطاع الدم، وقال ابن عبّاسٍ: {حتّى يطهرن} أي: من الدّم {فإذا تطهّرن} أي: بالماء. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيّان، واللّيث بن سعدٍ، وغيرهم، وقاله الزجاج، ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء وقال: هي بمعنى يغتسلن لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر، وذهب مالك رحمه الله وجمهور العلماء إلى أن الطهر الذي يحل جماع الحائض التي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء كطهور الجنب، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره.
وقال يحيى بن بكير وابن القرظي: إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلّت لزوجها وإن لم تغتسل.
- وقال قوم: هو وضوء كوضوء الصلاة، قاله مجاهد وعكرمة وطاووس: انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ، ذكره بن عطية.
- وقال قوم: هو غسل الفرج وإباحة وطء المرأة بمجرد انقطاع دم الحيض وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة، هذا قول يحيى بن بكيرٍ من المالكية وابن عبد الحكم وحكاه القرطبي عن مجاهد وعكرمة وطاووس، وعن أبي حنيفة إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيام.
[- فاتك توجيه القراءات
-الخلاف بينهم في اشتراط اغتسال المرأة بعد انقطاع دم الحيض ليباح لزوجها جماعها، أم يكفي انقطاع دم الحيض ليباح له ذلك ولو لم تغتسل.
ثم اختلف من قال باشتراط التطهر في كيفيته؛ فمنهم من قال بأن المراد غسل الفرج، ومنهم من قال بأن المراد الوضوء، ومنهم من قال بأن المراد الغسل.....
- لم تبيني الراجح!]
ب: المراد بالمشركات في قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ}.
تحرير القول في المراد بالمشركات، في قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ}:
هو على قولان:
- المشركات بالله عموما ويدخل فيهن الكتابيات
- أنه يخص الوثنيات فقط
القول الأول: قال ابن عباس في بعض ما روي عنه إن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات، وكل من كان على غير الإسلام حرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فعلى هذا هي ناسخة للآية التي في سورة المائدة، وينظر إلى هذا قول ابن عمر في الموطأ: «ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى»، وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا: نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما، ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة.
وقال البخاريّ: وقال ابن عمر: لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول: ربّها عيسى.
القول الثاني: المشركات الوثنيات، وبهذا يحل زواج الكتابيات، قال الزجاج: "ومعنى المشركات: ههنا لكل من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واللغة تطلق على كل كافر إنما يقال له مشرك - وكان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه: "اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم" سورة المائدة"، فيكون هذا تخصيص بحل الكتابيات.
وقال قتادة وسعيد بن جبير: لفظ الآية العموم في كل كافرة، والمراد بها الخصوص أي غير الكتابيات، وبينت الخصوص آية المائدة ولم يتناول قط الكتابيات.
وقال ابن عباس والحسن: تناولهن العموم ثم نسخت آية سورة المائدة بعض العموم في الكتابيات، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ذكره ابن حبيب وقال: «ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحله الله مستثقل مذموم».
وأباح نكاح الكتابيات عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وجابر بن عبد الله وطلحة وعطاء بن أبي رباح وابن المسيب والحسن وطاووس وابن جبير والزهري والشافعي وعوام أهل المدينة والكوفة.
قال أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه، بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيّات: وإنّما كره عمر ذلك، لئلّا يزهد النّاس في المسلّمات، أو لغير ذلك من المعاني، كما حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن إدريس، حدّثنا الصّلت بن بهرام، عن شقيقٍ قال: تزوّج حذيفة يهوديّةً، فكتب إليه عمر: خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنّها حرامٌ فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنّها حرامٌ، ولكنّي أخاف أن تعاطوا المومسات منهنّ، وقال ابن جريرٍ: حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، حدّثنا محمّد بن بشرٍ، حدّثنا سفيان بن سعيدٍ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن زيد بن وهبٍ قال: قال [لي] عمر بن الخطّاب: المسلم يتزوّج النّصرانيّة، ولا يتزوّج النّصرانيّ المسلمة.
قال: وهذا أصحّ إسنادًا من الأول.
وقال أبو بكرٍ الخلّال الحنبليّ: حدّثنا محمّد بن هارون حدّثنا إسحاق بن إبراهيم (ح) وأخبرني محمّد بن عليٍّ، حدّثنا صالح بن أحمد: أنّهما سألا أبا عبد اللّه أحمد بن حنبل، عن قول اللّه: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: مشركات العرب الّذين يعبدون الأوثان.
[/[لو تطرقت لقول من قال من السلف بأن سورة المائدة لم ينسخ منها شيء]جزاكم الله خير ونفع بكم