اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سفيان
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل,
انتفعت كثيرا بماكتبت.
شيخنا , قلت : وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل.
فهل توقع فشل أمر معين , لوجود بعض الإشارات والعلامات لذلك , ووقع, هل يعتبر مثل هذا من سوء الظن بالله؟
بارك الله في علمك وعملك.
|
آمين، ولك بمثل، وجزاك الله عني خيراً.
توقع الفشل وعدم نجاح بعض الأسباب المادية لقرائن وأمور معقولة تشير إلى ذلك: ليس من سوء الظن بالله .
سوء الظن بالله يكون في مثل هذه الأمور في جانبين:
الجانب الأول: أن يظن أن الأسباب الشرعية التي وعد الله بالنفع بها لا تنفعه، مثل الدعاء والتوكل والتقوى ونحو ذلك، وهذه الحال قد تعرض لبعض المسلمين ليس عن اعتقاد جازم، وإنما هي إلقاءٌ من الشيطان يساكنه فيؤثر فيه ويحصل بذلك ما يحصل له من سوء الظن بالله جل وعلا، ولو أنه سُئل : هل تعتقد أن الدعاء ينفع؟ لأجاب بنعم.
أما من أنكر استجابة الله للدعاء وأن النفع والضر بيد الله فهذا مكذب لله تعالى خارج عن الملة، فهذا الاعتقاد لا يصدر من مسلم.
وإنما الشائع لدى المحبطين هو ما تقدم من تأثرهم بما يلقي الشيطان، وأما من جاهد وساوس الشيطان وطهر قلبه من سوء الظن بالله؛ فهو مؤمن مجاهد.
الجانب الآخر: أن يظن أن الله يختصه بأن يضيق عليه في الأسباب المادية حتى لا يجعل له مخرجاً فيكون في قلبه سوء ظن بالله وسخط واعتراض على قضائه وقدره،
كما قال المعري:
إذا كان من يشقى برزقك عاقل = وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب العباد على امرئ = رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
فهذا الصنف هو الذي وقع في الحرج والضيق وسوء الظن بالله جل وعلا، والسنة الكونية أنهم يعاقبون على سوء ظنهم بالله جل وعلا في الدنيا قبل الآخرة.
وسوء ظنهم بالله إنما كان سببه ما في قلوبهم من التعلق بالدنيا والرقِّ لها، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أصحاب هذا الصنف فقال: (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)). رواه البخاري.
قال العلماء: هذا دعاء عليه بالتعاسة والانتكاسة فهو من نكبة إلى نكبة، وكلما أصابه بلاء لم يهتد للخروج منه، كما يتعسر على من غارت الشوكة في قدمه أن يستخرجها.
وهذا من صفات المنافقين كما قال الله تعالى فيهم: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}.
فالذي يعتقد أن الله لا ينفعه بالأسباب الشرعية أو يختصه بأن لا ينفعه بالأسباب المادية حتى يضيق عليه ولا يجعل له مخرجاً فهو مسيء للظن بالله جل وعلا.
وهذا لا يعارضه من يبتلى ببعض الابتلاءات فيطول عليه أمدها؛ فإن طول أمد البلاء يكون خيراً للمؤمن إذا صبر ورضي، وما يفتحه الله له من فضله ورحمته وبركاته خير له مما فاته.
فإذا أتاه الفرج كان فيه من العوض ما هو خير له مما فاته، فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، والمعونة من الله على قدر المؤونة.