29/280 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: ((سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)) حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِن الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ))، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِداً، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِن اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلاَةِ) أي: إذَا قَامَ فِيهَا.
(يُكَبِّرُ) أي: تَكْبِيرةَ الْإِحْرَامِ.
(حِينَ يَقُومُ) فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لاَ يَتَوَجَّهُ وَلاَ يَصْنَعُ قَبْلَ التَّكْبِيرةِ شَيْئاً.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ) تَكْبِيرَةَ النَّقْلِ.
(ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أي: أَجَابَ اللَّهُ مَنْ حَمِدَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى مُتَعَرِّضاً لِثَوَابِهِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَأَعْطَاهُ مَا تَعَرَّضَ لَهُ، فَنَاسَبَ بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ.
(حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِن الرُّكُوعِ) فَهَذَا فِي حَالِ أَخْذِهِ فِي رَفْعِ صُلْبِهِ مِنْ هُوِيِّهِ لِلْقِيَامِ.
(ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ: أي: رَبَّنَا أَطَعْنَاكَ وَحَمِدْنَاكَ، أَوْ لِلْحَالِ، أَوْ زَائِدَةٌ، وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِهَا، وَهِيَ نُسْخَةٌ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِداً) تَكْبِيرَ النَّقْلِ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ) أي: مِن السُّجُودِ الْأَوَّلِ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ) أي: السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ) أي: مِن السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ. هَذَا كُلُّهُ تَكْبِيرُ النَّقْلِ.
(ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أي: مَا ذُكِرَ مَا عَدَا التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى الَّتِي لِلْإِحْرَامِ.
(فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا) أي: رَكَعَاتِهَا كُلِّهَا.
(وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِن اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) لِلتَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِن الْأَذْكَارِ، فَأَمَّا أَوَّلُ التَّكْبِيرِ: فَهِيَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا مَا عَدَاهَا مِن التَّكْبِيرِ الَّذِي وَصَفَهُ فَقَدْ كَانَ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ تَرْكُهُ تَسَاهُلاً، وَلَكِنَّهُ اسْتَقَرَّ الْعَمَلُ مِن الْأُمَّةِ عَلَى فِعْلِهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، كَمَا عَرَفْتَه مِنْ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيَزِيدُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلاَثِيَّةِ تَكْبِيرَ النُّهُوضِ مِن التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ، فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ تَكْبِيرَةً، وَمِنْ دُونِهَا تِسْعٌ وَثَمَانُونَ تَكْبِيرَةً.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ تَكْبِيرِ النَّقْلِ؛ فَقِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَرُوِيَ قَوْلاً لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاوَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى نَدْبِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صَلاَتَهُ، وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؛ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيَانِ لِلْوَاجِبِ، وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ تَكْبِيرَةَ النَّقْلِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَإِنَّهُ سَاقَهُ وَفِيهِ: ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ. وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَه: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَبَقِيَّةَ تَكْبِيرَاتِ النَّقْلِ. وَأَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ إلَى وُجُوبِ تَكْبِيرةِ النَّقْلِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يُكَبِّرُ حينَ كَذَا وَحِينَ كَذَا. أَنَّ التَّكْبِيرَ يُقَارِنُ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ، فَيَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ لِلرُّكْنِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمُدُّ التَّكْبِيرَ حَتَّى يُتِمَّ الْحَرَكَةَ، كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ فَلاَ وَجْهَ لَهُ، بَلْ يَأْتِي بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى أَدَائِهِ، وَلاَ نُقْصَانٍ مِنْهُ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: ((ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ)) أَنَّهُ يُشْرَعُ ذَلِكَ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ؛ إذْ هُوَ حِكَايَةٌ لِمُطْلَقِ صَلاَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِصَلاَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَاماً؛ إذِ الْمُتَبَادِرُ مِن الصَّلاَةِ عِنْدَ إطْلاَقِهَا الْوَاجِبَةُ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاجِبَةُ جَمَاعَةً، وَهُوَ الْإِمَامُ فِيهَا، إلاَّ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ هَذَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) أَمْرٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ كَصَلاَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إمَامٍ ومُنْفَرِدٍ.
وإليه ذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ التَّسْمِيعَ مُطْلَقاً لِمُتَنَفِّلٍ أَوْ مُفْتَرِضٍ، لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَالْحَمْدَ لِلْمُؤْتَمِّ ؛ لِحَدِيثِ: ((إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ((إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ)) لاَ يَنْفِي قَوْلَ الْمُؤْتَمِّ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ الْمُؤْتَمُّ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، عَقِبَ قَوْلِ الإمامِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.
وَالْوَاقِعُ هُوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي حَالِ انْتِقَالِهِ، وَالْمَأْمُومَ يَقُولُ التَّحْمِيدَ فِي حَالِ اعْتِدَالِهِ، وَاسْتُفِيدَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِن الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَن الشَّعْبِيِّ: لاَ يَقُولُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّعْبِيِّ، فَلاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.
وَقَد ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى كَوْنِ الْمُنْفَرِدِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَحْمَدُ الْمُؤْتَمُّ، قَالُوا: وَالْحُجَّةُ جَمْعُ الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا؛ لِاتِّحَادِ حُكْمِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ.
30/281 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ قَالَ: ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ , وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ , اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ).
لَمْ أَجِدْ لَفْظَ ((اللَّهُمَّ)) فِي مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، وَوَجَدْتُهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ) بِنَصْبِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ: ((وَمِلْءَ الْأَرْضِ))، وَهِيَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ لَفْظَ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ لفظِ ((اللَّهُمَّ)) فِي أَوَّلِهِ، وَلاَ لَفْظَ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِوُجُودِ ((مِلْءَ الْأَرْضِ)) فِيهَا.
(وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْبِنَاءِ ؛ لِلْقَطْعِ عَن الْإِضَافَةِ وَنِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ.
(أَهْلَ) بِنَصْبِهِ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ رَفْعِهِ؛ أي: أَنْتَ أَهْلُ.
(الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ) بِالرَّفْعِ ، خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، تَقْدِيرُهُ هَذَا: أي: قَوْلُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ أَحَقُّ قَوْلِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ (لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ) خَبَراً وَ (أَحَقُّ) مُبْتَدَأً؛ لِأَنَّهُ مَحْذُوفٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَجَعَلْنَاهُ جُمْلَةً اسْتِئْنَافِيَّةً، إذَا حُذِفَ تَمَّ الْكَلاَمُ مِنْ دُونِ ذِكْرِهِ.
وَفِي الشَّرْحِ جَعَلَ (أَحَقُّ) مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ ((لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ)). وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَقْلاً عَن ابْنِ الصَّلاَحِ: مَعْنَاهُ: أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ قَوْلُهُ: لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ إلَى آخِرِهِ؛ وَقَوْلُهُ: ((وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ)) اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ. قَالَ: أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ: ((أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ)) خَبَراً لِمَا قَبْلَهُ أي: قَوْلِهِ: ((رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ)) إلَى آخِرِهِ ((أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ)). قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ: لِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاعْتِرَافِ بِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَانْفِرَادِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَتَدْبِيرِ مَخْلُوقَاتِهِ. انْتَهَى.
(مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ). ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الذِّكْرِ فِي هَذَا الرُّكْنِ لِكُلِّ مُصَلٍّ، وَقَدْ جَعَلَ الْحَمْدَ كَالْأَجْسَامِ، وَجَعَلَهُ سَادًّا لِمَا ذَكَرَهُ مِن الظُّرُوفِ؛ مُبَالَغَةً فِي كَثْرَةِ الْحَمْدِ، وَزَادَ مُبَالَغَةً بِذِكْرِ مَا يَشَاؤُهُ تَعَالَى مِمَّا لاَ يَعْلَمُهُ الْعَبْدُ، وَالثَّنَاءُ: الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ، وَالْمَدْحُ وَالْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَنِهَايَةُ الشَّرَفِ.
وَالْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَعْنَاهُ الْحَظُّ؛ أي: لاَ يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ مِنْ عُقُوبَتِك حَظُّهُ، بَلْ يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَرُوِيَ بالكَسْرِ للجِيمِ؛ أَيْ: لاَ يَنْفَعُهُ جِدُّهُ وَاجْتِهَادُهُ، وَقَدْ ضُعِّفَتْ رِوَايَةُ الْكَسْرِ.