رسالة كلمة الإخلاص لابن رجب الحنبلي
أولا: مسائل الرسالة.
الأحاديث الواردة في فضل التوحيد، وما يوجبه من دخول الجنة والنجاة من النار:
أورد ابن رجب عدة أحاديث، منها: حديث معاذ الذي رواه أنس وحديث عتبان وحديث أبي ذر وحديث عبادة، وفي بعضها اقتصر على ذكر شهادة (أن لا إله إلا الله)، والبعض الآخر ذكر الشهادتين معا، وفي بعضها أطلق من غير تقييد، والبعض الآخر قيدها بالإخلاص أو بعدم الشك.
تقسيم الأحاديث -الدالة على أن من شهد شهادة التوحيد فإنه يدخل الجنة أو يحرم على النار- إلى نوعين:
النوع الأول: ما فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها، وهذا النوع ظاهر لا إشكال فيه، لأنه ليس فيها نفي أنه يعذب على قدر ذنوبه، إنما فيها الإخبار بدخول الجنة فحسب، والمؤمن الموحد -وإن عذب- فمآله إلى الجنة، لأن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص.
والنوع الثاني: الأحاديث التي فيها أن من أتى بالشهادتين فإنه يحرم على النار، وهذا النوع من الأحاديث هو موطن الإشكال، لأنه قد دلت النصوص الأخرى على دخول بعض عصاة الموحدين النار.
أقوال أهل العلم الواردة في معنى هذه الأحاديث، وهي أربعة أقوال:
القول الأول: حمل هذه الأحاديث المتضمنة لنفي العذاب أو التحريم على النار على أن المراد بذلك نفي الخلود فيها، أو أن النار المحرم دخولها في هذه الأحاديث هي نار الكافرين لا نار العصاة من الموحدين.
القول الثاني: أن المراد من هذه الأحاديث أن (لا إله إلا الله) سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك، ولكن أي سبب يتوقف حصول مسببه على وجود الشروط وانتفاء الموانع، وهو قول الحسن ووهب ابن منبه كما في الآثار الواردة عنهما، ورجحه ابن رجب بقوله: (وهذا هو الأظهر).
واستدل لهذا القول بالأحاديث التي رتبت دخول الجنة على العمل الصالح كما في حديث أبي أيوب (تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم) ومثله حديث أبي هريرة.
وحديث بشير بن الخصاصية واضح في اعتبار الأعمال، وأن الالتزام بشرائع الإسلام كلها شرط لدخول الإسلام.
وحديث (أمرت أن أقاتل الناس)، وقوله تعالى: {فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} يؤكد اعتبار الأعمال في ثبوت حكم الإسلام، وفي النجاة من العقاب في الدنيا بالقتال أو القتل، وكذلك في النجاة من العذاب في الآخرة.
القول الثالث: أن هذه الأحاديث المذكورة وما في معناها كانت قبل نزول الفرائض والحدود، وهو قول الزهري والثوري وغيرهما، واستبعده ابن رجب لأن كثيرا منها كانت بعد نزول الفرائض والحدود.
وقد صرح الزهري وغيره بأنها منسوخة، وحمل ذلك ابن رجب على أنه إما أن يراد به النسخ على إطلاق السلف للنسخ كالتبيين والإيضاح وتقييد المطلق وتخصيص العام وليس المعنى الاصطلاحي المتأخر من أنه رفع حكم بدليل متأخر عنه، أو أن يكون على قول بعض الأصوليين: إن الزيادة على النص نسخ.
القول الرابع: أن هذه النصوص ليست على إطلاقها، وإنما هي مبينة بالنصوص الأخرى، والتي تفيد بأن ذلك الثواب إنما هو لمن يقولها بصدق وإخلاص ومحبة ويقين ونحو ذلك، وهو قول طائفة من أهل العلم، وفيما يظهر أن ابن رجب يختاره ويرتضيه لاتفاقه مع القول الثاني.
تحقيق معنى (لا إله إلا الله)، ونواقضها:
• مقتضاها أن لا إله للعبد غير الله.
• معنى (الإله): هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له.
• أن الشرك في أي من خصائص الألوهية هو قدح في إخلاص العبد في قوله (لا إله إلا الله).
• إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله.
مثاله: الرياء، والحلف بغير الله، وتسوية المخلوق بالله في المشيئة.
• إطلاق الشرع اسم الكفر والشرك على الذنوب التي مصدرها من اتباع الهوى، وإن كانت هذه الذنوب لا تخرج من الملة.
مثاله: قتال المسلم، أو إتيان الكاهن، أو إتيان المرأة في دبرها، أو إتيان الحائض.
• بيان معنى قول السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك، والمراد بذلك المعاصي، وأنها إشارة إلى نقص كمال التوحيد وضعف الإيمان.
• أن اتباع الهوى مصدر للذنوب، لذلك أطلق القرآن اسم (الإله) على الهوى، كما في قوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}.
مثاله: الإفراط في حب المال حتى يكون القلب معبدا لها، كما في الحديث (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم).
• أن طاعة الشيطان في معصيته عبادة له، وكل معصية لله هي طاعة للشيطان، كما في قوله: {يا أبت لا تعبد الشيطان}.
• الإخلاص في عبادة الله: هو الطريق للخلاص من عبادة الشيطان {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
• من قال كلمة التوحيد بلسانه وكذبها بفعله، نقص من كمال توحيده بقدر معصيته وطاعته للشيطان والهوى، واستدل لذلك بقول أحد العارفين: (لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فردا بفرد).
محبة الله عز وجل:
• أن محبة الله من مقتضيات كلمة التوحيد، فقول (لا إله إلا الله) يتضمن محبة الله.
• من تمام المحبة وصدقها محبة ما يحبه الله، وكراهة ما يكرهه، وبعكس ذلك يكون في العبد من الشرك الخفي بحسب كرهه أو حبه، كما أنه متابعة للهوى.
• حب الطاعة من حب الله، ومن ادعى المحبة ولم توافق أفعاله قوله فليس بصادق.
• أن محبة الله مستلزمه لمحبة رسول الله واتباعه، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، كما أن الله قرن بين طاعته وبين طاعة الرسول في مواطن كثيرة.
• أن كمال المحبة يقتضي كمال الطاعة، كما في الحديث: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
• متى تمكنت محبة الله عز وجل من القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الله، فحركة الجوارح تابعة لما في القلب.
• أن المحب الصادق يعبد الله على مراد الله منه، لا على مراده هو من الله، فمن عبده لما يريده منه من أمر الدنيا فهو ممن قال تعالى فيهم: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}.
• أن المؤمن المحب الصادق تكون جميع تصرفاته لله وفي الله، ولا يريد إلا ما يريده الله.
القلب السليم، وما يمرضه:
• هو القلب الطاهر من أدناس المخالفات، وهو من أسباب النجاة من العذاب يوم القيامة، قال الله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}، وغيره من القلوب التي لم تتكمل بحقيقة التوحيد تتطهر بنار جهنم.
• أن الرياء من أمراض القلوب، وصاحبه أول من تسعر بهم النار.
• سبب الرياء هو جهل العبد بربه وعظمته.
• المرائي يظهر الصلاح وهو بخلافه، وحقيقة عمله تزوير، وقد ضرب ابن رجب مثلين لبيان حاله:
الأول: نقش المرائي على الدرهم الزائف اسم الملك ليروج.
الثاني: يزور التوقيع على اسم الملك ليأخذ البراطيل لنفسه ويوهم أنه من خاصة الملك.
• وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوات، وعبيد الهوى.
• أن أصحاب القلوب السليمة وهم عباد الله المخلصون لا يمسهم من عذاب النار شيئا، وهم أصحاب النفوس المطمئنة المذكورين في قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.
• حال المحبين لله، وقوة محبتهم وصدقها، والآثار عن بعض الصوفية في ذلك.
الصدق في قول (لا إله إلا الله):
• أن من صدق في توحيده، خلا قلبه من العبودية لغير الله، وأن من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها.
• أن من آثار الصدق فيها ألا يحب سواه ولا يرجوا إلا إياه، ولا يخشى إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، فيقدم ما يحبه الله على ما يهواه.
• أن المراد من تحقيق التوحيد ليس أن يكون العبد معصوما، بل ألا يصر على الذنب.
• توفيق الله العبد للتوبة وتيسير أسباب المغفرة، كما في قصة الرجل الذي راود المرأة فأصيب بشجة في وجهه فكان ذلك إيقاظ له حتى يرجع إلى ربه.
• أن العبد معرض للذنوب، لكن مقام المراقبة والخوف يمنعه من الوقوع فيما حرم الله.
• أن مما يعين على غض البصر وكف عن المحرمات وحفظ الجوارح عن المعاصي، هو استحضار اطلاع الله على سمع وبصر عبده، وبقدر يقينه بذلك يكون حاله مع حدود الله.
فضائل كلمة التوحيد، والحث على تحقيقها:
ذكر ابن رجب لها أسماء عديدة:
1. كلمة التوحيد
2. كلمة التقوى
3. كلمة الإخلاص
4. شهادة الحق
5. دعوة الحق
6. براءة من الشرك
7. نجاة هذا الأمر
من فضائل كلمة التوحيد:
1. أنها موجبة لدخول الجنة، والنجاة من النار.
2. أن الله خلق الخلق من أجلها.
3. ومن أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب.
4. ومن أجلها أمرت الرسل بالجهاد.
5. وهي مفتاح دعوة الرسل.
6. وبها كلم الله موسى كفاحا.
7. وهي ثمن الجنة، أي سبب لدخول الجنة.
8. ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة.
9. وهي نجاة من النار.
10. وهي توجب المغفرة.
11. وهي أحسن الحسنات.
12. وهي تمحو الذنوب والخطايا.
13. وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب.
14. وهي أثقل الحسنات في الميزان، فلا يعدلها شيء في الوزن، فلو وزنت بالسموات والأرض رجحت بهن، كما في حديث البطاقة والسجلات.
15. وهي التي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل.
16. وهي التي ينظر الله إلى قائلها ويجيب دعاه.
17. وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها.
18. وهي أفضل ما قاله النبيون، كما ورد ذلك في دعاء يوم عرفة.
19. وهي أفضل الذكر.
20. وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزا من الشيطان، كما وردت بذلك الأحاديث.
21. وهي أمان لقائلها من وحشة القبر ويوم البعث.
22. وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم.
23. وأنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
24. وأن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها.
• أن عذاب الحجاب أعظم من عذاب النار.
• الحث على تحقيق التوحيد والتمسك بأصل الدين، فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه.
ثانيا: المقاصد الفرعيّة.
• الأحاديث الواردة في فضل التوحيد، وما يوجبه من دخول الجنة والنجاة من النار.
• تقسيم الأحاديث -الدالة على أن من شهد شهادة التوحيد فإنه يدخل الجنة أو يحرم على النار- إلى نوعين.
• أقوال أهل العلم الواردة في معنى هذه الأحاديث، وهي أربعة أقوال.
• تحقيق معنى (لا إله إلا الله)، ونواقضها.
• محبة الله عز وجل.
• القلب السليم، وما يمرضه.
• الصدق في قول (لا إله إلا الله).
• فضائل كلمة التوحيد، والحث على تحقيقها.
ثالثا: المقصد الكلّي.
أهمية كلمة التوحيد (لا إله إلا الله، محمدا رسول الله)، ومقتضياتها، وما ورد فيها من أحاديث أُشكل معناها.
رابعا: تلخيص المقاصد.
• الأحاديث الواردة في فضل التوحيد، وخاصة الأحاديث الدالة على أن من شهد شهادة التوحيد فإنه يدخل الجنة أو يحرم على النار، وأنها تنقسم إلى نوعين: ظاهرة ومشكلة، وأقوال أهل العلم في معنى هذه الأحاديث، وبيان هذه الأقوال.
• أن هذه الأحاديث ليست على اطلاقها، فهي مبينة بأحاديث أخرى.
• أهمية تحقيق كلمة التوحيد، وبيان ما ينقضها من الشرك والمعاصي.
• بيان معنى القلب السليم، وبيان بعض أمراضه مثل الرياء.
• أنه متى تمكنت محبة الله عز وجل من القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الله.
• أهمية الصدق في قول لا إله إلا الله، فإذا صدق العبد فيها، طهر القلب من كل ما سوى الله، ومتى بقي في القلب أثر لسوى الله فمن قلة الصدق في قولها، ومن صدق في قوله لم يحب سواه، ولم يرج إلا إياه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه.
• كثرة الأحاديث والآثار الواردة في فضائل كلمة التوحيد، وفي ذلك دليل على أهميتها وعظمتها.
• الحث على تحقيق التوحيد والتمسك بأصل الدين، لأنه لا يوصل إلى الله سواه، ولا ينجي من عذاب الله إلا إياه.