المجموعة الرابعة:
1. حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى استفهام الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}.
مما لا شك فيه أن استفهام الملائكة لم يكن على وجه الاعتراض أو الانكار على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما توهمه بعض المفسرين، فقد امتدحهم تعالى بقوله: "لا يسبقونه بالقول": أي لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه، وقال تعالى: "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون". فمن المؤكد أن الله قد أذن لهم أن يسألوه عن ذلك.
ولقد جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معنى استفهام الملائكة ذلك، يمكن اختصارها إلى ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: للتعجب.
فتعجبت الملائكة من استخلاف الله في الأرض من يعصيه، كما تعجبت من عصيان من يستخلف الله في الأرض وهو خالقهم الذي أنعم الله عليهم!
وقد ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: للاستعظام والإكبار لكلا من: الاستخلاف والعصيان.
ذكره ابن عطية.
القول الثالث: للاستفهام المحض استكشافا واسترشادا واستعلاما.
هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا؟ هل هذا الخليفة هو الذي أعلمهم الله به من قبل أم غيره؟ ما الحكمة من خلق هؤلاء مع أن منهم من سيفسد في الأرض ويفك الدماء؟ وهل سنبقى نحن نسبح بحمدك ونقدس لك أم سنتغير عن هذه الحال؟
فكأنهم يتساءلون: إن كان هذا هو ظننا فعرفنا وجه الحق فيه؟
اختاره ابن جرير وذكره كلا من الزجاج وابن عطية وابن كثير.
ب: معنى قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون}.
جاء لأهل التفسير عدة أقوال في معنى الآية، يمكن اختصارها إلى ستة أقوال، هي:
القول الأول: كانوا نطفا في الأرحام (أمواتا) ثم جعلوا حيوانا (أحياكم) ثم أميتوا (موتة البرزخ) ثم أحيوا (البعث يوم القيامة)، أي كنتم أمواتا في أصلاب آبائكم حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم.
قاله ابن عباس وابن مسعود وذكره الزجاج وابن عطية وصححه ابن كثير.
الأدلة والشواهد:
- قال تعالى: "أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون * أم خلقوا السّماوات والأرض بل لا يوقنون".
- وقال تعالى: "هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا".
- قال تعالى: "قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين".
ذكر الأدلة ابن كثير.
القول الثاني: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم (بكون أبيكم آدم من طين) فهذه ميتة، ثم أحياكم بحياة أبيكم آدم (فهذه حياة) ثم يميتكم فترجعون إلى القبور (فهذه ميتة أخرى) ثم يبعثكم يوم القيامة (فهذه حياة أخرى)، فهما ميتتان وحياتان. أي كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا دارسين – كما يقال للشيء الدارس ميت – ثم أخرجكم للدنيا ثم يميتكم الموت المعهود، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة.
ذكره ابن عطية ورجحه، وذكره ابن كثير.
وقد رجحه ابن عطية لسببين، هما:
1. أن الكفار يقرون بربوبية الله في أول ترتيبه.
2. أن "كنتم أمواتا" الأولى أعقبها نسبة الموت إلى الله في الثانية "ثم يميتكم" وبذلك يقوى هذا القول، فإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتا معدومين ثم الإحياء في الدنيا ثم الإماتة سيقوى عندهم قدرته سبحانه على البعث.
القول الثالث: كنتم امواتا في الأرحام قبل نفخ الروح، ثم أحياكم بالإخراج للدنيا ثم تموتون ثم تبعثون.
ذكره ابن عطية.
القول الرابع: كنتم نسما في ظهر أبيكم آدم أمثال الذر - حين أخذ عليكم الميثاق - ثم أماتكم بعد ذلك (أمواتا) ثم أحياكم بخلقكم بالأرحام لإخراجكم للدنيا، ثم يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.
ذكره ابن عطية، وقال عنه ابن كثير أنه غريب.
القول الخامس: كنتم امواتا بالموت المعهود ثم أحياكم للسؤال في القبور ثم يميتكم فيها مرة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة.
ذكره ابن عطية وقال عنه ابن كثير أنه غريب.
القول السادس: كنتم أمواتا بالخمول، فأحياكم بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم ثم تموتون فتبعثون.
ذكره ابن عطية.
3. بيّن ما يلي:
أ: لم خصّ آدم بالتلقّي والتوبة في قوله تعالى: {فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه}.
في الآية أعلاه لم يذكر سبحانه اسم زوج آدم (حواء)، وقد ذكر ابن عطية سببين لذلك:
السبب الأول: لأن آدم هو المخاطب في أول القصة بقوله سبحانه: "ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة.. الآيات"، لذلك كملت القصة بذكره وحده.
السبب الثاني: لأن المرأة حرمة ومستورة، فأراد الله الستر لها، لذلك لم يذكرها في المعصية.
ومثلها في قوله تعالى: "وعصى آدم ربه فغوى".
ب: متعلّق الخوف والحزن في قوله تعالى: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
جاء في متعلق الخوف والحزن في الآية السابقة ثلاثة أقوال للمفسرين، هي:
القول الأول: (لا خوف عليهم) فيما بين أيديهم من الدنيا، (ولا هم يحزنون) على ما فاتهم من الدنيا. ذكره ابن عطية.
القول الثاني: (لا خوف عليهم) فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، (ولا هم يحزنون) على ما فاتهم من أمور الدنيا. ذكره ابن كثير.
القول الثالث: (لا خوف عليهم) (ولا هم يحزنون) يوم القيامة في الجنة. ذكره ابن عطية.
ج: دليلا على صدق النبوة مما درست.
ذكر سبحانه قصة آدم عليه السلام لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.. الآيات"، يحتج بها على أهل الكتاب بتثبيت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: وذلك لأن خبر آدم وما أمره الله به من سجود الملائكة له معلوم عندهم، وهذا ليس من علم العرب الذي كانت تعلمهن فعند إخبار النبي صلى الله عليه وسلم للعرب قصة آدم فهذا الخبر لا يعلمه إلا من قرأ الكتاب أو أوحي إليه به. ذكره الزجاج.