المتن:
(فصل: ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم).
الشرح:
لما ذكر المؤلف رحمه الله ,أن من صفات الله جل وعلا الكلام , وهو صفة فعلية يتكلم سبحانه وتعالى متى شاء,وبما شاء ,بكلام يسمع ,سمعه جبريل وبلغه للنبي صلى الله عليه وسلم ,وسمعه موسى عليه الصلاة والسلام بدون واسطة ,وقد ذكر المؤلف رحمه الله هذا مبسوطاً ,وذكر الآيات الدالة على ذلك من كتاب الله سبحانه وتعالى.
فهو يتكلم جل وعلا بكلام حقيقي ,يسمع , وبحرف وصوت ,يسمع ويتلى ويقرأ ويكتب , ويتكلم إذا شاء سبحانه وتعالى ,وكلامه قديم النوع حادث الآحاد ,فلا يجوز إطلاق القول بأن كلام الله قديم ,بل يقال: كلام الله قديم النوع ,ولكنه حادث الآحاد ,بمعنى أنه يتعلق بالمشيئة ,فهو يتكلم إذا شاء سبحانه وتعالى ,وبما شاء ,ومن ذلك القرآن , فهو من أفراد كلام الله جل وعلا ,وإلا كلام الله جل وعلا لا يحصيه إلا هو , يخلق ويرزق ويدبر بالكلام: { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون }.
فلا يحصي كلامه إلا هو سبحانه وتعالى: { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } , { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم }.
فهو جل وعلا يتكلم بما يشاء,يخلق ويزرق ,ويحيي ويميت , ويدبر بلا بداية ولا نهاية ,سبحانه وتعالى ,ولا يعلم ويحصي كلامه جل وعلا إلا هو.
ومن كلامه العظيم القرآن ,الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ,كما قال الله سبحانه وتعالى: { نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين } .
{ نزل به الروح } ,جبريل عليه السلام هو الروح .
{ الأمين } ,وصفه بالأمانة في أنه عليه الصلاة والسلام أمين على وحي الله لا يزيد فيه ولا ينقص ,بل يبلغه كما أمره الله جل وعلا ,وصفه الله بالأمانة , وهذا توثيق لسند القرآن ,أنه من رواية جبريل الأمين عن ربه سبحانه وتعالى ,بلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم ,وبلغه محمد لأمته ,وروته أمته عنه كما في الآية الأخرى: { إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم .
{ ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين } يعني: بالقوة ,وأهلكناه ,{ ثم لقطعنا منه الوتين } وهو عرق الحياة، لانتقم الله جل وعلا منه أشد الانتقام ,لو تقوَّل على الله جل وعلا , فهو عليه الصلاة والسلام أمين ,{ إنه لقول رسول كريم، ذي قوة } يعني: جبريل عليه السلام ,{ عند ذي العرش مكين، مطاع ثم } في الملأ الأعلى , تطيعه الملائكة , { أمين } وصف له بالأمانة.
ثم قال: { وما صاحبكم } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم , { وما صاحبكم بمجنون } كما تقولون ,بل هو أعقل البشر ,وأكمل البشر ,عليه الصلاة والسلام.
فهذا توثيق لسند القرآن ,أنه من رواية محمد صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله سبحانه وتعالى: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }.
فهو كلام الله ,منه بدأ , أي: تكلم الله به سبحانه ,فهو بدأ منه ,لا من اللوح المحفوظ ,كما تقوله الجهمية ,بل من الله جل وعلا ,منه بدأ ,وإليه يعود في آخر الزمان ,حينُ يهجر العمل بالقرآن يرفع من المصاحف ,ومن صدور الرجال ,فلا يوجد منه شيء في الأرض ,وذلك إذا عُطل العمل به في آخر الزمان عند قيام الساعة ,فهو كلام الله جل وعلا ,لا كلام غيره , حروفه ومعانيه.
المتن:
(ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم ,وهو كتاب الله المبين).
الشرح:
هو كتاب الله ,وهو كلام الله ,وهو القرآن , أسماء كثيرة له ,فهو كتاب الله؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ ,ومكتوب في المصاحف ,وهو كلام الله ؛لأن الله تكلم به جل وعلا ,لا كلام غيره ,وهو القرآن ,وهو الفرقان ,وهو,الذكر الحكيم ,وهو الهدى والبيان إلى آخر أسماء القرآن العظيم ,مما يدل على عظمته؛لأن الشيء إذا كثرت أسماؤه وصفاته دل على عظمته.
المتن:
(وهو كتاب الله المبين).
الشرح:
المبين , كتاب الله المبين , الذي بين فيه سبحانه وتعالى ما يحتاجه العباد ,فهو مبين ,بمعنى بين واضح فصيح ,وهو مبين, بمعنى مبين لما يحتاجه الناس من أمور دينهم ودنياهم , فهو كتاب عظيم ,شامل جامع ,لا تفنى عجائبه ,ولا تنفد علومه.
المتن:
(وهو حبله المتين).
الشرح:
" وهو حبله المتين "، الحبل معروف ,وهو ما يتعلق به للنجاة والسلامة من الخطر ,فالقرآن حبل الله ،قال الله تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ,حبل الله هو القرآن ,أو هو الإسلام , وفي الحديث: (هو حبل الله المتين ,الذي طرفه بيد الله ,وطرفه بأيدينا) بمعنى: من سار على نهجه وصل إلى الله جل وعلا ونجا.
المتن:
(وحبله المتين ,وصراطه المستقيم).
الشرح:
وهو الصراط المستقيم ,قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } ,وقوله تعالى: { وأن هذا صراطي مستقيماً } ,فالصراط هو الطريق في اللغة .
والمراد به هنا قيل: القرآن ,وقيل: الرسول ,وقيل: الإسلام ,والكل حق ؛فالقرآن صراط الله ,والإسلام صراط الله ,والرسول صلى الله عليه وسلم صراط الله ,أي: الطريق الموصل إليه سبحانه وتعالى.
المتن:
(وتنزيل رب العالمين).
الشرح:
" تنزيل رب العالمين " ,قال جل وعلا: { وإنه } أي: القرآن ,{ لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين } ,هذه أوصاف القرآن، { تنزيل رب العالمين } نزل من عند الله { تنزيل من حكيم حميد } ,{ تنزيل الكتاب من الله } فهو منزل من الله ,غير مخلوق ,كما تقول الجهمية ,قبحهم الله ,منزل من الله ,تكلم الله به ,وأنزله على رسوله بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام.
المتن:
(نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان).
الشرح:
{ على قلبك } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ,{ لتكون من المنذرين } لتنذر الناس بهذا القرآن العظيم ,القرآن حجة الله جل وعلا على عباده ,{ وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } فهو حجة الله على عباده ,فمن بلغه القرآن قامت عليه الحجة ,ولا عذر له.
المتن:
(بلسان عربي مبين).
الشرح:
بلغة العرب ,التي هي أفصح اللغات ,بل بلغة قريش التي هي أفصح لغات العرب ,فهو فصيح، فلا أفصح من القرآن العظيم في ألفاظه وكلماته ومعانيه.
المتن:
(منزل غير مخلوق).
الشرح:
منزل من الله جل وعلا ,من الله ,لا من اللوح المحفوظ ,بل من الله جل وعلا؛لأن الله ذكر هذا في آيات كثيرة: { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } ,{ تنزيل من حكيم حميد } ,{ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم }.
منه بدأ وإليه يعود في آخر الزمان كما سمعت.
المتن:
(وهو سور محكمات).
الشرح:
القرآن سور وآيات ,وكلمات وحروف , والسور جمع سورة ,وهي القطعة من القرآن المبتدأة ببسم الله الرحمن الرحيم ,وبسم الله نزلت للفصل بين كل سورتين ,ما عدا براءة والأنفال ,أول هذه السور فاتحة الكتاب ,وهي الفاتحة: { الحمد لله رب العالمين } ,وآخرها سورة الناس ,وهو مائة وأربع عشرة سورة ,منها الطويل ,ومنها المتوسط ,ومنها القصير ,هذه هي السور ,والسورة في الأصل الشيء المحمي الرفيع كما يقول النابغة في مدح النعمان بن المنذر:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ***** ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذب
والسورة المنزلة الرفيعة ,ومنه سميت سور القرآن؛لرفعتها ولأنها منيعة , لا أحد يرومها بزيادة أو نقص أو تحريف ,فالقرآن محفوظ كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ,لم يبدل ,ولم يغير منه شيء؛لأن الله تكفل بحفظه ,قال جل وعلا: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ,فلا أحد -على كثرة الأعداء والحاقدين-تجرأ على أن يغير في كلام الله أو يزيد أو ينقص ,هذا من آيات الله سبحانه وتعالى ,حفظ الله كتابه من العبث ,وسيحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ,لا يتطاول عليه أحد ,مع كثرة خصومه وكثرة أعدائه ,ولو حاول أحد شيئاً من ذلك لفضحه الله سبحانه وتعالى وأخزاه ,كما حصل لمسيلمة الكذاب ,الذي زعم أنه ينزل عليه قرآن ,ففضحه الله وأخزاه.
وكذلك كل من حاول أن يحاكي القرآن؛فإن الله جل وعلا يفضحه ويخزيه ,بل ويهلكه كما حصل لمسيلمة وغيره.
المتن:
(وهو سور محكمات).
الشرح:
عرفنا معنى السور ,محكمات: يعني: متقنات من الإحكام ,وهو االإتقان ,فالقرآن كله محكم ,بمعنى: أنه متقن ,{ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت } ,وكله متشابه ,بمعنى: أنه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصدق وحلاوة اللفظ وفي الإتقان والإحكام والبلاغة والفصاحة ,كما قال الله تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً }.
ومنه محكم ومنه متشابه ,والمراد بالإحكام الجزئي والتشابه الجزئي ,المحكم كما عرفنا سابقاً هو الذي لا يحتاج في تفسيره إلى غيره ,فهو واضح في نفسه.والمتشابه هو اللفظ المجمل ,الذي يحتاج في تفسيره إلى غيره:{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ,فعرفنا إذاً أن القرآن يطلق عليه كله أنه محكم ,ويطلق عليه كله أنه متشابه ,ويطلق على بعضه أنه محكم ,وعلى بعضه أنه متشابه ,وهذا ما يسمى بالإحكام والتشابه العام ,والإحكام والتشابه الخاص ,ولكل منهما معنى خاص به.
المتن:
(وآيات بينات).
الشرح:
{ بل هو آيات بينات } , آيات جمع آية ,والآية في اللغة العلامة ,سميت آية القرآن آية؛ لأنها دلالة وعلامة على عظمة الله سبحانه وتعالى ,الآية في اللغة الدلالة والعلامة ,وهي على نوعين: آية متلوة وآية مخلوقة.
الآية المتلوة آيات القرآن ,والآيات المخلوقة مثل الشمس والقمر والليل والنهار والشجر والبشر والبحار والأنهار , هذه آياتسميت آيات؛لأنها دلالات وعلامات على قدرة الله جل وعلا ,آيات مخلوقة كونية.
وأما الآيات المتلوة فهي الوحي المنزل من عند الله جل وعلا ,وسُمي الجميع آية؛لأنه يدل على عظمة الله جل وعلا ,وعلى أحكامه وتشريعاته سبحانه وتعالى.
المتن:
(وآيات بينات وحروف وكلمات).
الشرح:
هو حروف وكلمات وآيات , الحروف حروف الهجاء المعروفة: ألف ,باء ,تاء... إلى آخر حروف الهجاء الثمانية والعشرين ,وهذه الحروف سميت حروفاً من الحرف ,وهو الطرف؛لأنها قِطَعٌ ,وهي لا تدل على معنى في نفسها ,إلا إذا ركبت مع غيرها ,فإذا تركبت الحروف تكونت الكلمة ,وإذا تكونت الكلمة مع الكلمة ,تكونت الجملة اسمية كانت أو فعلية ,فهو حروف وكلمات وآيات.
فالقرآن متكون من هذه الحروف العربية ,تكونت من هذه الحروف كلمات القرآن ,وتكونت من كلمات القرآن آيات القرآن ,وتكونت من آيات القرآن سور القرآن ,فتكون من هذه السور القرآن العظيم ,والكتاب المبين ,فهو حروف وكلمات وآيات وسور.
المتن:
(من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات).
الشرح:
" من قرأه فأعربه ". يعني: قرأه قراءة صحيحة ليس فيها لحن ,فالإعراب معناه السلامة من اللحن ,فمن قرأ القرآن قراءة سليمة من اللحنفله بكل حرف عشر حسنات؛لأن الحسنة بعشر أمثالها ,ومن قرأه ولم يعربه؛ لعجزه عن ذلك , فله أجر ,لكنه دون أجر من يتقن القراءة.
لهذا جاء في الحديث: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ,والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) فجعل صلى الله عليه وسلم الذي يتقن القراءة ,ويقيمها من اللحن والخطأ مع السفرة الكرام البررة ,أعظم من الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه ويشق عليه.
المتن:
(له أول وآخر).
الشرح:
القرآن له أول وآخر ,يعني: له بداية ونهاية ,أوله سورة الفاتحة , وآخره سورة الناس.
المتن:
(وأجزاء وأبعاض).
الشرح:
القرآن أجزاء كما هو معروف ثلاثون جزءاً ,كل جزء عشر ورقات ,وهو أيضاً أحزاب ,والأحزاب معناها مايقرأه القارئ في صلاة الليل ,الصحابة كانوا يحزبون القرآن في صلاة الليل.
المتن:
(متلو بالألسنة).
الشرح:
متلو بالألسنة , ومحفوظ في الصدور ,ومكتوب في المصاحف ,وهو كلام الله جل وعلا لأي اعتبار ,سواء كان متلواً , أو كان مكتوباً في المصاحف ,أو كان محفوظاً في الصدور , فالقارئ إذا قرأ إنما يقرأ كلام الله جل وعلا ,الصوت صوت القارئ ,ولكن المقروء والمتلو هو كلام الله جل وعلا ,والمكتوب هو كلام الله ,حروفه ومعانيه ,لكن الورق والحبر والكتابة هذه من عمل البشر , فهي مخلوقة ,وصوت الذي يقرأ القرآن ,الصوت مخلوق ,لكن المقروء والمتلو هو كلام الله جل وعلا.
ولهذا يقولون: الصوت صوت القارئ ,والكلام كلام الباري سبحانه وتعالى ,فهو كلام الله لأي اعتبار ,مكتوباً في الألواح ,أو في الأوراق والمصاحف ,أو مكتوباً فيما هو أعلى من ذلك ,وهو اللوح المحفوظ؛لأن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم } ,وأم الكتاب هي اللوح المحفوظ { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ } , يعني: اللوح المحفوظ ,الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق.
المتن:
(متلو بالألسنة ,محفوظ في الصدور ,مسموع بالآذان ,مكتوب في المصاحف).
الشرح:
في أي اعتبار هو كلام الله , المقروء والمسموع ,الذي تسمعه الآذان ,والمكتوب في المصاحف ,والمحفوظ في صدور أهل العلم ,هو كلام الله { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } ,لأن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئاً ,لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً ,فليس هو كلام جبريل ,ولا كلام محمد صلى الله عليه وسلم ,ولا كلام القارئ ,وإنما هو كلام الله جل وعلا ,وإنما هذه وسائل أداء فقط ,والمؤدى والمبلغ هو كلام الله.
المتن:
(فيه محكم ومتشابه).
الشرح:
سبق هذا ,قلنا: القرآن يطلق عليه كله أنه محكم ,ويطلق عليه كله أنه متشابه ,ويطلق على بعضه أنه محكم وبعضه متشابه ,ولكل قسم معنى خاص.
المتن:
(وناسخ ومنسوخ).
الشرح:
فيه ناسخ ومنسوخ ,في هذا رد على الذين ينكرون النسخ كاليهود ومن شابههم , فالقرآن فيه ناسخ ومنسوخ؛وذلك لحكمة الله جل وعلا؛فإن الله يشرع شيئاً في وقتٍ لمصالح العباد في ذلك الوقت ,ثم تتغير حالهم وتنتهي حاجتهم إلى ذلك ,فينسخ الله ما سبق بحكم جديد ,والنسخ عند الأصوليين هو: رفع حكم ثابت بدليل بحكم آخر بدليل متراخ عنه ,فالنسخ ثابت في القرآن؛وذلك من رحمة الله بعباده ولطفه بهم ,وإحسانه إليهم ,أنه يشرع لهم في كل وقت ما يناسبهم.
وذلك كما في قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } ,كانت عدة الوفاة في الأول سنة كاملة ,ثم نسخ الله ذلك بقوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ,فنسخ الحول بأربعة أشهر وعشرة أيام ,هذا ناسخ ومنسوخ في القرآن.
قال الله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } الله جل وعلا ينسخ ما يشاء من كلامه وأحكامه وتشريعاته؛لمصالح العباد ,وحاجة العباد إلى ذلك ,فهو يشرع في كل وقت ما يناسبه ,فإذا انتهت الحاجة إلى ذلك التشريع أبدله الله بتشريع آخر يليق بحاجة الناس.
والنسخ في القرآن واقع كما في القبلة , كانوا يصلون في أول الإسلام إلى بيت المقدس ,ثم نسخ ذلك إلى استقبال الكعبة المشرفة , هذا من النسخ في القرآن العظيم.
وهذا معنى قوله: منه ناسخ ومنسوخ.ولا ينكر النسخ في القرآن أو الأحكام الشرعية إلا أهل الضلال.
المتن:
(وخاص وعام).
الشرح:
في القرآن خاص وعام ,العام: هو اللفظ الشامل لكل الأفراد ,والخاص: هو اللفظ الخاص بطائفة ,مثال ذلك قوله تعالى: { إن الإنسان لفي خسر } هذا لفظ عام لجميع الإنسان - جميع البشر - { إلا الذين آمنوا } هذا خاص؛لأن المخصصات أنواع: منها مخصصات متصلة ,ومنها مخصصات منفصلة ,كما هو معلوم في كتب الأصول ,فخصص أول الآية بآخرها , { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.القرآن منه عام ومنه خاص ,والعام يحمل على الخاص.
المتن:
(وأمر ونهي).
الشرح:
فيه أمر ,والأمر طلب الفعل , مثل: { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ,طلب للصلاة ,وطلب للزكاة ,والنهي طلب الكف ,مثل: { ولا تقربوا الزنى } هذا نهي عن وسائل الزنى؛ من النظر ,وكشف العورة ,والخلوة بالأجنبية ,وسفر المرأة بدون محرم ,كل هذه من وسائل الزنى ,ومن الأمور الموصلة إليه ,فنهى عنه الشارع ,قال: { ولا تقربوا الزنى } ,لم يقل: ولا تزنوا ,فقط ,بل قال: لا تقربوا إذن نهى عن الشيء وعن أسبابه ,فهو أبلغ مما لو نهى عن الشيء نفسه فقط , { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } هذا نهي , { لا تأكلوا أموالكم } أي: أموال بعضكم البعض.
{ بالباطل } يعني: بغير طريق شرعي ,وبغير إذن صاحب المال المالك.
{ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي التي في القرآن ,الأمر بكل خير والنهي عن كل شر، أوامر ونواهي.
المتن:
({ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }).
الشرح:
{ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز } كتاب عزيز يعني: منيع الجانب ,لا أحد يصل إليه ,{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ليس قبله شيء يكذبه ولا بعده شيء يكذبه , { لا يأتيه الباطل } أي: التكذيب , { من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ,وهو الله جل وعلا.
المتن:
(وقوله تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } ).
الشرح:
الله تعالى لما أنزل القرآن تكلم الأعداء والكفرة ,قالوا: إن هذا القرآن أساطير الأولين ,اكتتبها ,يعني: أخبار الأمم الماضية كتبها محمد , وصار يقرؤها عليكم ,ما نزل عليه شيء من الله , وإنما هي أساطير وهي الأكاذيب السابقة والتي يسمونها أساطير.
وبعضهم قال: هذا القرآن شعر ,وبعضهم قال: إن هذا القرآن سحر ,وقالوا وقالوا , وبعضهم قالوا: لو شئت لأنزلت مثل ما أنزل الله ,وقالوا: إن القرآن هذا ليس هو من عند الله بل من عند محمد ,ووصفوه بهذه الأوصاف: { إن هو إلا قول البشر } أي: قول محمد , { إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلماً وزورا، وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا }.
الله جل وعلا تحداهم , فقال: ما دمتم تقولون: إن هذا القرآن من عند محمد ,وأنه من كلام البشر ,ومحمد بشر مثلكم ,وهذا القرآن مكون من حروف , ومن كلمات ,ومن آيات ,من لغتكم التي تتخاطبون بها ,فما دمتم تقولون: إن هذا القرآن من كلام البشر ,فأنتم بشر ,بل أنتم أفصح البشر في وقتكم ,هاتوا مثل هذا القرآن ,تحداهم الله أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا , { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } هذه الآية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة قبل الهجرة ,قبل أن تكون له شوكة ,ولا دولة ولا قوة ,ومع هذا يتحداهم هذا التحدي ,مع شدة عداوتهم له ,وما استطاعوا.
ثم تحداهم الله أن يأتوا بعشر سور: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله } استعينوا بمن تشاؤون من الجن والإنس ,وهاتوا عشر سور مثل هذا القرآن ,فلم لم يستطيعوا ,تحداهم الله بأن يأتوا بسورة واحدة ,بل بأقصر سورة كسورة { إنا أعطيناك الكوثر } , أو{ إذا جاء نصر الله } تحداهم أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن { وإن كنتم في ريب ممن نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } استعينوا بمن شئتم ,وهاتوا من يشهد إن هذه السورة التي جئتم بها مثل القرآن ,فلم يستطيعوا.
فعند ذلك تبين وثبت أن القرآن كلام الله جل وعلا؛لأنه لو كان من كلام البشر لاستطاعوا أن يأتوا بمثله ,فدل على أنه ليس من كلام البشر ,وإنما هو من كلام الخالق جل وعلا , هذه آية عظيمة ومعجزة من معجزات الرسول.
ولهذا القرآن هو أعظم معجزة لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ,وهو معجزة باقية على مر الدهور ,التحدي لا يزال قائماً لكل أحد إلى أن تقوم الساعة ,ما أحد استطاع ,ولن يستطيع , { فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } هذا إخبار عن المستقبل إلى أن تقوم الساعة ,تحدي ,{ ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين }.
فالقرآن قائم يتحدى العالم ,البشر كلهم؛ الجن والإنس على أن يأتوا بمثل أقصر سورة من سور القرآن ,فهذا برهان واضح على أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد ,وأنه كلام الله جل وعلا؛لأن أحداً يستطيع أن يأتي بمثل كلام الله جل وعلا.
المتن:
(وهذا هو الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: { لن نؤمن بهذا القرآن } ).
الشرح:
هذا من جملة مقالاتهم ,قالوا: { لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه } لن نؤمن ,هذا من باب العناد - والعياذ بالله – والمكابرة.
المتن:
(وقال بعضهم: { إن هذا إلا قول البشر } ,فقال الله سبحانه: { سأصليه سقر }).
الشرح:
قال بعضهم وهو الوليد بن المغيرة المخزومي من أشد خصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ,هو الذي قال { إن هذا إلا قول البشر } ,قال الله جل وعلا متوعداً له: { سأصليه سقر } ,وهي جهنم , { وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر } ,لأنه قال هذه المقالة وهو يعلم أن هذا القرآن ليس من كلام البشر ,وإنما هو من كلام الله ,اعترف بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من كلام البشر ,لكن لما رأى تغير قومه عليه , وإنكارهم عليه؛فإنه تظاهر أمامهم فقال: { إن هذا إلا قول البشر }.
{ إنه فكر وقدر، فقتل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر } ,يعني: القرآن ,{ إن هذا إلا قول البشر }.
هذا هو الوليد بن المغيرة المخزومي ,فضحه الله سبحانه وتعالى وأخزاه ,وبين كذبه وتناقضه في نفسه.
المتن:
(وقال بعضهم: هو شعر ,فقال الله تعالى: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } ).
الشرح:
بعضهم قال: هذا القرآن شعر ,والله جل وعلا نفى ذلك فقال: { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } , وقال: { وما علمناه الشعر } الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر ولا عُرف عنه ,أنه يقول الشعر ,فكيف يكون هذا القرآن شعراً , والرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر؟! هذا من الكذب الواضح.
المتن:
فلما نفي الله عنه أنه شعر ,وأثبته قرآناً ,لم يبق شبهة لذي لب بأن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات.
الشرح:
" لم يبق شبهة لذي لب " ,يعني: لذي عقل ,فاللب معناه العقل ,أن هذا القرآن هو كلام الله جل وعلا , لا كلام غيره ,وأما جبريل ومحمد عليهم الصلاة والسلام ,وأما الأمة حينما تتلوا القرآن أو تكتبه أو تحفظه فإنما هو كلام الله جل وعلا ,يحفظونه ويكتبونه ويقرؤونه.
المتن:
(بأن القرآن هو هذا الكتاب العربي ,الذي هو كلمات وحروف وآيات؛لأن ما ليس كذلك لا نقول أبداً إنه شعر ,وقال الله عز وجل: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله } ).
الشرح:
{ وإن كنتم في ريب } إن كنتم أيها الكفار في ريب ,يعني: في شك { مما نزلنا على عبدنا } ,وهو محمد صلى الله عليه وسلم , { فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله } ,استعينوا بمن شئتم ليشهدوا معكم يعينوكم, { إن كنتم صادقين } ,أنه من كلام البشر , { فإن لم تفعلوا } ,أي: لم تقدروا على الإتيان بسورة { ولن تفعلوا } في المستقبل إلى أن تقوم الساعة ,فاعلموا أنه كلام الله جل وعلا ,وأنكم كذبتم على الله وعلى رسوله { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } لأن هذا جزاء من عاند وكابر وجحد بآيات الله سبحانه وتعالى وجادل فيها.
المتن:
(ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل مالا يدري ما هو ولا يعقل).
الشرح:
الله ما تحداهم إلا بشيء من جنس كلامهم ,حروف وكلمات وجمل من جنس كلامهم ,يعرفون معانيه ويعرفون تراكيبه بحكم أنهم عرب فصحاء , فهو تحداهم أن يأتوا بشيء يشبه هذا القرآن العظيم ,مما هو من كلامهم , لم يتحداهم بشيء لا يقدرون على حروفه أو شيء لا يعلمون معناه ,هو كلام عربي فصيح ,تراكيب من حروف وكلمات وجمل ,ومعانيه معروفة لديهم؛لأنه بلغتهم وبلسانهم الذي يتخاطبون به فيما بينهم.
قال الله سبحانه وتعالى: { ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين } , { ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } ,كيف ينزل قرآناً أعجمياً على نبي عربي ,فالله جل وعلا من حكمته أنه أنزل القرآن بلغة النبي صلى الله عليه وسلم ,وبلغة المرسَل إليهم ,والمبعوث فيهم , { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } الرسول ,يكون بلسان قومه وبلغتهم ,يخاطبهم بما يعرفون ,ومن ذلك أنه خاطبهم بهذا القرآن المكون من الحروف والكلمات والجمل والتراكيب التي هي موجودة في لغتهم ,فما الذي منعهم أن يأتوا بمثله؟
الذي منعهم هو أن هذا القرآن معجز؛لأنه كلام الله ,ولا يمكن لأحد أن يأتي بكلام يشبه كلام الله؛لأن كلام الله من صفاته جل وعلا ,وصفاته لا يشبهها صفات خلقه ,كما قال تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ,ولا يمكن أن يأتي كلام يشبه كلام الله؛لأن صفات المخلوقين لا تشبه صفات الخالق سبحانه ,كلام المخلوقين لا يشبه كلام الخالق سبحانه وتعالى ,فدل على أن هذا القرآن منزل من عند الله ,وأن الرسول إنما هومبلغ عن الله جل وعلا.
المتن:
(وقال الله تعالى: { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } ,فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم).
الشرح:
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } , { آياتنا } يعني: القرآن , { بينات } : واضحات الألفاظ والمعاني والدلالات، ليس فيها لبس ولا غموض , { قال الذين لا يرجون لقاءنا } يعني: لا يؤمنون بالبعث والنشور والحساب , للرسول صلى الله عليه وسلم ,{ ائت بقرآن غير هذا أو بدله } يقولون: نريد غير هذا القرآن ونسلم ونؤمن ,إذا أحضرت لنا غير هذا القرآن نحن على استعداد أننا نسلم؛لأنهم يظنون أن هذا القرآن ,أو أنهم يلبسون إنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم , { أو بدله } ,قال الله جل وعلا لنبيه: { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } ,أنا مبلغ فقط ,أما الذي يبدله وينسخه وينسخ منه ما يشاء فهو الله جل وعلا الذي تكلم به.
{ إن أتبع إلا ما يوحى إلي } أنا مجرد مبلغ ,متبع , واسطة بينكم وبين الله سبحانه وتعالى في تبليغ رسالته ,{ قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم }.
لو تصرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن , وبدل منه شيئاً ,لعذبه الله سبحانه وتعالى: { ولو تقَّول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين } , فالرسول لا يتصرف في القرآن ,وإنما يبلغه كما جاء من عند الله عز وجل ,هذه الأمانة.
ثم قال: { قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون } الرسول صلى الله عليه وسلم بقي في مكة أربعين سنة قبل البعثة , يعيش معهم ويعرفونه ,ولا يعرفون أنه تعلم ولا أنه حتى سافر إلى بلاد أخرى ,بل كان موجوداً معهم في مكة - عليه الصلاة والسلام -يعرفون أمانته , ويعرفون أخلاقه- عليه الصلاة والسلام - { لبثت فيكم عمراً } أربعين سنة ,وما تحدثت إليكم بشيء من هذا القرآن ,ما تحدثت إليكم خلال أربعين سنة كاملة بشيء منه.
ولما أراد الله سبحانه وتعالى أن يبعثه وأن يرسله أنزل عليه هذا القرآن ,فبلغه كما جاء { فقد لبثت فيكم عمراً من قبل أفلا تعقلون } ما الذي جعلني أربعين سنة ما تكلمت بشيء من هذا , وبعد الأربعين تكلمت بهذا؟إلا أنه الله جل وعلا { قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون }.
المتن:
(وقال تعالى: { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } ).
الشرح:
{ بل هو } أي: القرآن { وما كنت تتلو من قبله من كتاب } الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب , { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون } كان أمياً عليه الصلاة والسلام ,وأنزل الله عليه هذا القرآن العظيم الذي أعجز الخلق؛الجن والإنس ,فهو أمي عليه الصلاة والسلام ,ما تعلم ولا قرأ ولا اطلع على أخبار الأولين , { وما كنت تتلو من قبله من كتاب } ما قرأ في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور , { ولا تخطه بيمينك } ما كان يكتب عليه الصلاة والسلام حتى يقال: إنه كتب هذا القرآن من أخبار الناس , { إذًا لارتاب المبطلون }.
ثم قال جل وعلا: { بل هو آيات بينات } دلالات واضحة على أنه من عند الله جل وعلا , { في صدور الذين أوتوا العلم } يحفظونه في صدورهم , ويتلونه من صدورهم ,فحفظه وسهولة حفظه وتلاوته كلها دلالات على أنه من عند الله سبحانه وتعالى.
الشريط السادس
المتن:
(وقال تعالى: { إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون } ) بعد أن أقسم على ذلك.
الشرح:
{ فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } يقسم بمواقع النجوم، قيل: المراد نجوم السماء، وكانوا في الجاهلية يعتقدون فيها أنها تنزل المطر ,أو أنها تؤثر في نزول المطر ,من اعتقاد الجاهلية، الاستسقاء بالنجوم، ونسبة المطر إلى طلوع النجم أو غروبه ,الله جل وعلا أقسم بمواقع النجوم؛لأن هذه النجوم ليس لها تصرف ,وإنما هي من مخلوقاته سبحانه وتعالى , { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } وقيل: المراد بمواقع النجوم: نجوم القرآن؛ لأن القرآن نزل منجماًعلى الرسول صلى الله عليه وسلم حسب الوقائع والحوادث، من حين بعثته صلى الله عليه وسلم ,إلى أن توفاه الله ,والقرآن ينزل عليه مجزءاً حسب الوقائع والحوادث ,خلال ثلاث وعشرين سنة، هذا وقت نزول القرآن ,ومنه المكي ومنه المدني.
{ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } هذا من جملة اعتراضاتهم الباطلة، فإنهم إنما أمروا باتباع القرآن، ولم يؤمروا بالتنقيب عن طرائق نزوله، { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } ,هذه هي الحكمة في تنجيم القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم ,ولأن هذا أسهل على الأمة أيضاً، التكاليف والأوامر والنواهي، لو نزلت الأوامر والنواهي جملة واحدة لشق ذلك على الأمة، فالله جل وعلا نزَّل هذا الشرع شيئاً فشيئاً؛لأن هذا أرفق بالأمة.
{ لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } ,وهنا يقول جل وعلا: { فلا أقسم بمواقع النجوم } .أي: نجوم القرآن , { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن } هذا جواب القسم { إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون } وهو اللوح المحفوظ , { لا يمسه إلا المطهرون }وهم الملائكة الكرام ,عليهم الصلاة والسلام ,{ تنزيل من رب العالمين } أي: هذا القرآن تنزيل من الله جل وعلا ,لا من اللوح المحفوظ ,ولا من جبريل ولا من محمد، وإنما هو منزل من الله جل وعلا.
المتن:
(وقال الله تعالى: { كهيعص } ,وقال تعالى: { حم.عسق } وافتتح تسعاً وعشرين سورة بالحروف المقطعة).
الشرح:
القرآن جاءت فيه حروف مقطعة في أوائل السور ,مثل: { الم } , ومثل: { الر } ,مثل: { المص } ,{ المر } ,ومثل: { طه } , { يس } , { ص } , { ق } , { ن }، { حم.عسق } ,تارة تكون حرفاً واحداً ,وتارة تكون حرفين ,وتارة تكون ثلاثة حروف وأكثر ,وهي من القرآن بلا شك , ومن كلام الله سبحانه وتعالى.
فكلام الله يتكون من حروف ومن كلمات ومن آيات؛لأنه بلسان عربي , والعربية تتكون من حروف، ومع هذا أعجز الفصحاء أن يأتوا بمثله ,مع أنه من هذه الحروف التي يتكلمون بها , ويتخاطبون بها، وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان ,ومع هذا عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثل القرآن ,مع أنهم الخطباء، يتكلم الخطيب منهم , فيجزل الكلام , ويطيل الخطب ,مثل سحبان بن وائل، ومثل إياس أو مثل قس بن ساعدة وغيرهم من خطباء العرب المشهورين.
فإذا كانوا عجزوا عن أن يأتوا بسورة قصيرة مثل القرآن، فهذا دليل على أن القرآن ليس من كلام البشر ,ولا هو من كلام الملائكة ,ولا من كلام الخلق ,وإنما هو كلام الخالق سبحانه وتعالى.
والحروف المقطعة من العلماء من يقول: الله أعلم بمراده بها ,فلا يتكلمون فيها ,ومنهم من يقول: إن هذه الحروف المقطعة في أوائل السور إشارة إلى الإعجاز ,أي: أن القرآن مركب من مثل هذه الحروف ,وأنتم عجزتم أن تأتوا بأقصر سورة من سور القرآن، قالوا: ولذلك الغالب أن الحروف المقطعة يأتي بعدها ذكر القرآن في الغالب , مثل: { الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه } , فأشار إلى القرآن الكريم , وأنه لا ريب فيه { هدى للمتقين } ,ومثل: { ص.والقرآن ذي الذكر } ,{ ق.والقرآن المجيد } ,{ حم.عسق.كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم } , { الر.كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } ,{ الر.تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآناً عربياً } إلى غير ذلك.
فغالباً ما يأتي ذكر الكتاب، وذكر القرآن بعد هذه الحروف المقطعة؛إشارة إلى الإعجاز، هذا الرأي الثاني ,وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم، على أن لها معنى وهو: الإشارة إلى إعجاز هذا القرآن؛بدليل أنه في الغالب ما يأتي ذكر الحروف المقطعة إلا ويأتي بعدها ذكر الكتاب وذكر القرآن وذكر التنزيل: { حم.تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب } وهكذا.
فهذه الحروف إشارة إلى إعجاز القرآن ,وتحدي القرآن ,أنه مركب من مثل هذه الحروف التي تتخاطبون بها، ومع هذا عجزتم أن تأتوا بسورة ولو قصيرة من أقصر السور، فدل هذا على أن هذا القرآن هو كلام الله ,وليس من كلام البشر؛ إذ لو كان من كلام البشر لاستطعتم أن تأتوا بمثله؛لأنهم بشر مثلكم ,تقولون: إن هذا كلام بشر ,{ إن هذا إلا قول البشر }، فلماذا وأنتم بشر لا تأتون بسورة من مثل هذا القرآن؟!.
المتن:
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة). حديث صحيح.
الشرح:
(من قرأ القرآن فأعربه) أعربه يعني: أقامه على الوجه العربي من غير لحن فيه، بل يرفع المرفوع وينصب المنصوب ويخفض المخفوض ,كما جاء على الوجه العربي، ويعربه على النحو العربي، فهذا متقن للقرآن ,ودليل على عنايته به ,(فله بكل حرف عشر حسنات)؛لأن الحسنة بعشر أمثالها، فهذا فيه دليل على فضل إتقان قراءة القرآن والسلامة من اللحن فيه.
وأما من قرأه ولم يعربه؛بأن كان لا يحسن العربية ,فقد يرفع المنصوب وينصب المخفوض، فهذا له أجر على قدر استطاعته ,وتكلفه له أجر واحد ,وخطؤه مغفور؛لأن هذا منتهى جهده وطاقته.
وقد جاء في الحديث الآخر: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران). فدل على أنه مطلوب تلاوة القرآن حسب استطاعة المسلم، يتلوه حسب استطاعته، فإن كان يستطيع أن يتعلم وأن يعدل القراءة وجب عليه ذلك ,ولا يبقى جاهلاً بالقراءة ,وإن كان لا يستطيع أن يعدل فإنه يقرأ على حسب استطاعته ,لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فلا يترك القرآن وتلاوته، بل يحاول حسب استطاعته ,هذا من ناحية.
والناحية التي ساق المصنف الحديث من أجلها هي أن قارئ القرآن ليس له إلا التلاوة والقراءة ,أما المقروء فهو كلام الله سبحانه وتعالى , والقراءة هذه عمل القارئ، ولذلك يتلوه بصوت حسن وبصوت غير حسن، فاختلاف القراءة بألسنة الناس دليل على أن القراءة من علم الناس، وأما المقروء والمتلو فهو كلام لله سبحانه وتعالى ,فلهذا يقولون: الصوت صوت القارئ والكلام كلام الباري، فالتلاوة عمل الإنسان ,والمتلو هو القرآن ,كلام الله سبحانه، من الناس من يحسنه ويتقنه ,ومنهم من هو دون ذلك.
المتن:
وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم ,لا يجاوز تراقيهم ,يتعجلون أجره ولا يتأجلونه).
الشرح:
هذا بعد الحديث الأول الذي فيه فضل من قرأ القرآن فأعربه ,وأقامه على الوجه اللغوي الصحيح الذي نزل به فله عشر حسنات بكل حرف , لكن في هذا الحديث يبين أنه ليس المقصود مجرد التلاوة، وإنما المقصود التلاوة للعمل، بالقرآن ,فالتلاوة وسيلة , والغاية هي العمل بالقرآن الكريم، فلا تحسبن هذا الأجر للتالي على مجرد التلاوة فقط ,وإن لم يعمل بالقرآن ,بل هذا الأجر لمن يتلو القرآن ويعمل به.
ولهذا يقول جل وعلا: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } ,لم يقتصر على: { يتلون كتاب الله } ,بل قال: { وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية } ,لا بد مع القراءة من العمل بالقرآن الكريم، أما مجرد التلاوة للرياء أو للسمعة أو للمدح ,فهذا لا ينفع صاحبه شيئاً ,أو قراءة القرآن للتأكل به كما يفعل بعض المنتفعين من تأجير أنفسهم للتلاوة في المآتم وفي الحفلات وهم من أبعد الناس عن العمل بالقرآن، بل بعضهم قد لا يصلي، فهو حسن التلاوة وحسن الصوت ,ولكنه لا يعمل بالقرآن ,ولا يصلي ,وإنما اتخذ تلاوة القرآن حرفة يتأكل بها، هذا عليه الوعيد الشديد , (لا يتجاوز القرآن تراقيهم) يعني: لا يصل إلى قلوبهم ,يتلونه بألسنتهم لغرض من الأغراض ,ولا يصل إلى قلوبهم والعياذ بالله.
وأيضاً بعض الناس يتلو القرآن ويتقن التلاوة ,ويقيمه إقامة السهم ,فهو يتقن القراءة جداً، ولكن لا يفهم المعنى ,ولا يتفقه في كتاب الله ,ولا يهتم بالتفسير حتى يعمل، وإنما مجرد يؤدي اللفظ فقط ,فهو لا يعرف المعاني، أو يستدل بالقرآن على غير وجهه ,كما تفعل الخوارج، الخوارج من أكثر الناس تلاوة للقرآن ,ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ لأنهم لا يتفقهون في القرآن ,ولا يتعلمون معاني القرآن على الوجه المطلوب , القرآن لا يتجاوز حناجرهم؛ لأنهم لا يفقهونه ولا يعلمونه.
فلا بد من أمور:
أولاً: التلاوة والعناية بها.
ثانياً: معرفة المعاني والتفسير ,ومعرفة مراد الله جل وعلا بكلامه.
الثالث: وهو الوسيلة هو الغايةالعمل ,أما التلاوة وفهم المعنى فهذه وسائل ,لكن الغاية والمطلوب هو العمل بالقرآن الكريم على ما أراده الله سبحانه وتعالى , واعتقاد ما فيه، فيوجد من يتلو القرآن، ويتقن القراءة ,لكن يعتقد خلاف ما يدل عليه القرآن ,مثل الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، يقولون: القرآن ظواهر لفظية، ونحن لا نبني عقيدتنا إلا على القواعد اليقينية المنطقية، فهؤلاء ليسوا من أهل القرآن ,وإن كانوا يتقنونه؛ لأنهم لا يبنون عقيدتهم عليه، وإنما يبنونها على علم الكلام ,فأين هؤلاء من القرآن ,فمجرد التلاوة وتحسين التلاوة ليس هو المطلوب، بل إن هذه التلاوة تكون حجة عليهم يوم القيامة ,كما قال صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) ,حجة لك إن عملت به ,وحجة عليك إن لم تعمل به، لم تعمل به في العقيدة، لم تعمل به في الصلاة والصيام، والحج , لم تعمل به فيما يطلب منك، تجنب المحرمات وفعل الواجبات ,وكل على حسب تقصيره مقل ومستكثر ,كلنا كذلك ,ما منا أحد إلا عنده تقصير ,نستغفر الله.
ولكن يحب الالتفات إلى كتاب الله والعناية به؛ لأنه ليس المقصود التغني بالقرآن وتحسين الأصوات، وجلب المستمعين , المقصود العمل والخشية والخوف من الله عز وجل: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } ,التلاوة إذا سمعها المؤمن زادته إيماناً، التلاوة إذا سمعها المؤمن أبكته من خشية الله سبحانه وتعالى , وأثرت فيه.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن في الصلاة يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ,عليه الصلاة والسلام ,ولما استمع إلى قراءة ابن مسعود من سورة النساء ووصل إلى قوله: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } ,قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حسبك) ,يعني: قف، قال: فالتفت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام.
هكذا يعمل القرآن في قلوب المؤمنين ,إذا سمعوه أو تلوه أثر فيهم خشيةً وخوفاً وبكاءً , وأثر فيهم عملاً صالحاً وقدوةً صالحة، أما مجرد التلاوة وتحسين التلاوات ومعرفة القراءات السبع والعشر والخمس عشرة،فهذا ليس هو المطلوب ,ولو أن الإنسان يتلوه بسبع القراءات أو عشر القراءات،ليس هذا هو المطلوب، المطلوب العمل بالقرآن، وهذا هو الغاية من القرآن ,وأما تعلم القراءات , وإتقان التلاوة وتحسين التلاوة، فإنما هذه وسائل فقط.
المتن:
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.
الشرح:
معناه: أن إتقان القراءة وعدم اللحن أحسن من الحفظ الكثير الذي فيه لحن وفيه خطأ، وكونك تحفظ قليلاً من القرآن تتقنه وتعربه على الوجه المطلوب ,أحسن من كونك تقرأ كثيراً لكنك لا تحسن قراءته على الوجه المطلوب.
المتن:
وقال علي رضي الله عنه من كفر بحرف منه.
الشرح:
... أو قال: (ن) ليست من القرآن ,أو (طه) ليست من القرآن , حرف واحد أو حرفين ,يكفر بالله عز وجل؛لأن الله أنزل هذا القرآن هكذا ,وفيه هذه الحروف المقطعة في أوائل السور، فهي من القرآن ,فمن جحد شيئاً منها وقال: إنه ليس قرآناً، فإنه يكفر بذلك؛لأنه أنكر شيئاً من القرآن الكريم، فكيف إذا أنكر آية أو أنكر سورة أو سوراً من القرآن ,فكفره أشد والعياذ بالله ,أو أنكر كلمة من القرآن ,كفره أشد؛لأنه جحد كلام الله سبحانه وتعالى.
وبالمناسبة بعض الناس يظن أن (طه) اسم ,وأنه من أسماء الرسول , و(يس) يظنون أنه من أسماء الرسول، هذا غلط ,(طه) حروف مقطعة: ط ,هـ حرفان، كذلك (يس), (ي) هذا حرف ,و (س) حرف ,وليس هو من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم ,ولذلك يسمون أولادهم (يس) و (طه)؛زعماً منهم أن هذه أسماء، مع أنها حروف مقطعة.
المتن:
واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه.
الشرح:
لا شك أن القرآن معروف عدد آياته وعدد سوره وعدد حروفه، ومن أراد معرفة ذلك فليراجع كتب علوم القرآن مثل كتاب (الإتقان) للإمام السيوطي وغيره من كتب أصول التفسير , المسماة علوم القرآن الكريم.
المتن:
ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورةأو آية أوكلمة أو حرفاًمتفقاً عليه؛أنه كافر ,وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف.
الشرح:
من أنكر القرآن أوأنكر سورة منه أو آية منه أو حرفاً منه فإنه كافر بإجماع المسلمين، لكن بشرط أن يكون هذا الحرف متفق عليه بين القراء، القرآن ثبت بالتواتر ,فالقراءات المتواترة هي العشر أو السبع هذه متواترة ,وما زاد عليها فهو آحاد.