مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة فضائل القرآن
المجموعة الثانية:
س1: دلل على تفاضل سور القرآن؟
قوله تعالى:"مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" البقرة:106
قوله تعالى:"وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" الحجر :87
فالسبع المثانى من القرآن العظيم، ولكن تخصيصها يدل على تفضيلها على غيرها من القرآن العظيم.
-عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟"
قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال :"يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟"
قال: قلت :"الله لا إله إلا هو الحي القيوم". قال: فضرب في صدري، وقال :"والله ليهنك العلم، أبا المنذر". رواه مسلم.
س2: بيّن بإيجاز فضائل ما يلي:
1: آية الكرسي
شأن الآية: أعظم آية من كتاب الله تعالى
الدليل:عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟"
قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال :"يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟"
قال: قلت :"الله لا إله إلا هو الحي القيوم". قال: فضرب في صدري، وقال :"والله ليهنك العلم، أبا المنذر". رواه مسلم.
وفي رواية في غير صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :"والذي نفسي بيده إنَّ لها للساناً وشفتين تقدّسَان للملك عند ساق العرش".
خصائصها: تحفظ من الشيطان
الدليل: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان؛ فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته؛ فقلت لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث -، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدقك وهو كذوب ذاك شيطان".رواه البخاري.
ثواب قراءتها: مُوجبة لدخول الجنة إذا قُرأت دبر كلّ صلاة ولكن بشروط:
1- محافظة صاحبها على الصلوات كلّها، ومن حافظ عليها كانت له نجاة ونوراً يوم القيامة
2- صحّة إيمانه باعتقاده ما دلّت عليه هذه الآية العظيمة التي هي أعظم آية في القرآن.
3- كثرة الذكر؛ بتكرار هذه الآية بإيمان ويقين في مواقيت الصلوات صباحاً ومساءً.
الدليل: حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". رواه النسائي في السنن الكبرى وفي عمل اليوم والليلة له.
عظم معانيها وسعة دلالاتها: لتعلقها بالكلام عن أسماء الله تعالى وصفاته.
2: سورة آل عمران.
شأن السورة:
1- عِظم شأن قارئها
الدليل: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا"يعني عَظُم.
رواه أحمد ، وأصله في الصحيحين.
2- تتقدم القرآن وأهله يوم القيامة.
الدليل: حديث النواس بن سمعان الآتى فى خصائصها.
خصائصها:
1- تظل صاحبها وتحاج عنه يوم القيامة.
الدليل: حديث النواس بن سمعان الكلابي، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول :"يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران"، وضرب لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: "كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف، تحاجان عن صاحبهما"رواه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم .
2- مُنجية
الدليل: قال أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه-: "إن أخا لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وعر طويل وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان يهتفان: هل فيكم من يقرأ سورة البقرة؟ هل فيكم من يقرأ سورة آل عمران؟ ,فإذا قال الرجل: نعم، دنتا منه بأعذاقهما حتى يتعلق بهما فتخطرانه الجبل". رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، والدارمي في سننه.
عظم معانيها وسعة دلالاتها: فيها اسم الله الأعظم.
الدليل: حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه" رواه ابن ماجه والطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير، وحسّنه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة.
3: سورة النساء
شأن السورة ومنزلتها عند الله تعالى:
1- تخصيصها بالذكر فى الإمتنان بالقرءان.
الدليل: قوله تعالى:" وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ"
والمراد بالسبع المثانى: السبع الطوال، قاله ابن عباس –رضى الله عنهما- وهو أحد القولين المشهورين في تفسير هذه الآية، والقول الآخر أنها فاتحة الكتاب.
المراد بالسبع الطوال: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس.
2- عِظم شأن قارئها.
الدليل: حديث عائشة -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من أخذ السبع فهو حبر".رواه أبو عبيد ، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، وغيرهم.
عِظم معانيها وسعة دلالاتها.
الدليل: قول حارثة بن مضرب: كتب إلينا عمر أنْ تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
خصائصها:
1- زينة وجمال لصاحبها.
الدليل: قول ابن مسعود -رضي الله عنه- :"من قرأ آل عمران فهو غنيّ، والنساءُ مُحبِّرة". رواه أبو عبيد والدارمي وقال: (محبِّرة: مزيِّنة). أي أنها زينة وجمال لصاحبها.
2- فيها خمس آيات خير من الدنيا وما فيها
الدليل: قول عبد الله بن مسعود –رضى الله عنه- :"إن في النساء خمس آيات، ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها:
قوله –عزوجل-:"إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا"
وقوله:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"
وقوله:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا"
وقوله:"وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا"
وقوله:"وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا"
والحديث حسن
ثواب قراءتها: فيها إحدى الآيتين اللاتى ما أذنب عبد ذنبا، ثم تلاهما واستغفر الله إلا غفر له.
الدليل: ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن الأسود وعلقمة، عن عبد الله، قال:(إني لأعلم آيتين في كتاب الله عز وجل، لا يقرأهما عبد عند ذنب يصيبه ثم يستغفر الله منه إلا غفر له) قلنا: أي شيء في كتاب الله؟ فلم يخبرنا، ففتحنا المصحف فقرأنا البقرة فلم نصب شيئا، ثم قرأنا النساء وهو في تأليف عبد الله على إثرها فانتهينا إلى هذه الآية {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}، قلت: أمسك هذه، ثم انتهينا إلى آل عمران إلى هذه الآية التي يذكر فيها {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فأطبقنا المصحف فأخبرنا بها عبد الله فقال: "هما هاتان".
س3: اذكر ثلاثة أحاديث ضعيفة مما اشتهر في فضائل السور التالية مع بيان سبب الحكم بضعفها:
1: سورة الفاتحة
- حديث يوسف بن عطية، عن سفيان، عن زاهر الأزدي، عن أبي الدرداء مرفوعاً:"فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان، وجعل القرآن في الكفة الأخرى، لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات".في مسند الفردوس،
سبب الحكم بضعفه: أن يوسف بن عطية الصفار كثير الوهم والخطأ متروك الحديث.
قال فيه البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي: متروك الحديث، وليس بثقة.
وقال الفلاس: كان يهم وما علمته يكذب.
- حديث سليمان بن أحمد الواسطي عن علي بن الحسين الأحول، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن" رواه الطبراني في الأوسط.
سبب الحكم بضعفه: أن سليمان بن أحمد الواسطي متروك الحديث.
- حديث الوليد بن جميل، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" أربع آيات نزلن من كنز تحت العرش، لم ينزل منهن شيء غيرهن: أم الكتاب، فإنه يقول:{وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم}، وآية الكرسي، وسورة البقرة، والكوثر". رواه ابن الضريس في فضائل القرآن، والطبراني في المعجم الكبير، والمستغفري في فضائل القرآن وغيرهم.
سبب الحكم بالضعف: أن الوليد بن جميل القرشي ليّن الحديث، قال فيه أبو حاتم الرازي: شيخ يروي عن القاسم أحاديث منكرة.
وقد ضعّف الألباني هذا الحديث في السلسلة الضعيفة.
2: سورة البقرة
- حديث حكيم بن جبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن، هي آية الكرسي". رواه عبد الرزاق والحميدي وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
سبب الحكم بالضعف: حكيم بن جبير الأسدي متروك الحديث لسوء حفظه وغلوّه في التشيع.
- حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً:" ما خيَّب الله امرأ قام في جوف الليل، فافتتح سورة البقرة وآل عمران". رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية من طريق ليث بن أبي سليم عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود به.
سبب الحكم بالضعف: أن ليث ضعيف الحديث.
- حديث معاوية بن صالح، أن أبا الزاهرية، حدثه عن جبير بن نفير، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهما، وعلموهما نساءكم وأبناءكم، فإنهما صلاة وقرآن ودعاء". رواه أبو عبيد في فضائل القرآن وأبو داوود في المراسيل عن جبير بن نفير مرسلاً
سبب الحكم بضعفه: ضعّفه الألباني في ضعيف الجامع.
س4: ما هي شروط صحّة الحديث؟
شروط صحة الحديث :
1- صحة السند:
ولابد لها من ثلاثة أمور:
- أن يكون رجال السند ممن تُقبل روايتهم.( فالكذابين لا تُقبل روايتهم، أما أهل الصدق ضعيفى الضبط فيُجبر ضعف روايتهم برواية غيرهم)
- أن يكون الإسناد متصل غير منقطع. ( إنقطاع السند موجب للحكم بضعف الحديث)
- انتفاء العلة القادحة فى صحة الإسناد، كالمخالفة ( مخالفة الراوى من هو أوثق منه)، والتدليس (اسقاط راو ضعيف من الإسناد)، والإضطراب (اختلاف الرواة فى الإسناد اختلافا شديدا).
2- صحة المتن.
ولا بد لها من أمرين:
- صحة الإسناد إليه.
- انتفاء العلة القادحة فى المتن، كالمخالفة والنكارة والإضطراب والرواية بالمعنى المُخل والتحريف).
مع ملاحظة أن ضعف الإسناد المعيّن لا يقتضي ضعف المتن مطلقاً ؛ فقد يروى بإسناد آخر صحيح.
س5: بيّن درجات المرويات في فضائل القرآن.
المرويات فى فضائل القرآن على خمس درجات:
الأولى: المرويّات الصحيحة لذاتها، صحيحة المتن والسند.
الثانية: المرويات الصحيحة لغيرها، صحيحة المتن، ولكن فى السند بعض الضعف يُجبر بالشواهد وتعدد الطرق.
حكمهما: المرويات من هاتين الدرجتين يُحتج بهما.
الثالثة: المرويات الضعيفة ضعفاً محتملاً، وهي التي لا يكون فى متنُها نكارة من جهة المعنى، وفي اسنادها ضعف قابلٌ للتقوية.
حكمها: اختلف فيها أهل العلم،
فمنهم من يُحتج بها فى الفضائل والرقاق والأخبار.
ومنهم من لا يحتج بها وإنما يستأنس بها فقط.
ومنهم من يذكرها للفائدة أو للتنبيه على ضعفها.
الرابعة: المرويات الواهية، وهي التي يكون في متنها نكارة مخالفة للنصوص الصحيحة، وفى إسنادها ضعف شديد.
حكمها: لا يجوز أن تُذكر إلا لبيان ضعفها وبيان عللِها.
الخامسة: المرويّات الموضوعة، المكذوبة المُختلقة.
حكمها: لا تحلّ روايتها إلا للتنبيه على حالها.
س6: بيّن حال الحديث الطويل المرويّ عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه في فضائل سور القرآن.
يُعدّ من أشهر الموضوعات في فضائل القرآن، ومما يدل على أنه موضوع ركاكة ألفاظه التى لا تتناسب مع كلام الرّسول –صلى الله عليه وسلم-.
و روى ابن الجوزي بإسناده عن محمود بن غيلان شيخ الترمذي أنه قال: (سمعت مؤمّلا يقول حدثني شيخ بفضائل سور القرآن الذي يروي عن أبي بن كعب، فقلت للشيخ من حدثك؟ فقال حدثني رجل بالمداين وهو حي فصرت إليه فقلت من حدثك؟ فقال حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت إليه، فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه، فقال حدثني شيخ بعبَّادان فصرت إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت يا شيخ من حدثك؟ فقال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا من القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم إلى القرآن).
قال الحافظ العراقي: (كلّ من أودع حديث أبيّ - المذكور - تفسيره، كالواحدي، والثعلبي والزمخشري مخطئ في ذلك؛ لكن من أبرز إسناده منهم، كالثعلبي، والواحدي فهو أبسط لعذره، إذ أحالَ ناظرَه على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه، وأما من لم يبرز سنده، وأورده بصيغة الجزم فخطؤه أفحش، كالزمخشري).
س7: عدّد دلائل معرفة خواصّ القرآن مع التمثيل بمثال واحد لكلّ دلالة.
الدلالة الأولى: دلالة نصوص الكتاب والسنة الصحيحة على تأثير بعض السور والآيات في أحوال مخصوصة.
مثال ذلك من القرآن: قول الله تعالى في شأن يونس -عليه السلام-، :"فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين"
وقوله تعالى:"فلولا أنه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون".
فتبيّن بدلالة الآيتين: أثر التسبيح والتوحيد في النجاة من الغمّ والكرب.
ودلّ قوله تعالى:"وكذلك ننجي المؤمنين" على عدم خصوصية الأمر بيونس –عليه السلام- ولكن بكل عبد مؤمن إذا دعا واستغاث بالله مقرا بذنبه.
مثاله من السنة: ما ثبت من أثر فواتح سورة الكهف في العصمة من فتنة الدجال. كما في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال:"من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".
الدلالة الثانية: ما ثبت عن الصحابة -رضوان الله عليهم- .
والآثار التي تصحّ عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب محمولة على أحد أمرين:
الأول: أن تكون مما تعلّموه من النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن تكون مما فعلوه اجتهاداً بناء على أصل الإذن الشرعي.
مثال ذلك: عن أبو زميل، قال: سألت ابن عباس، فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل: "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك"الآية ، قال فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئا فقل: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}. رواه ابو داوود والبيهقى وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
الدلالة الثالثة: ما ثبت عن الصالحين من التابعين وتابعيهم.
مثال ذلك: ما رواه سعيد بن منصور والدارمي، عن المغيرة بن سبيع العجلي أنه قال:"من قرأ عند منامه آيات من البقرة لم ينسَ القرآن: أربع آيات من {إلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}، وآية الكرسي، والثلاث آيات من آخرها".
والمغيرة تابعي ثقة من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، والإسناد إليه صحيح.
الدلالة الرابعة: الاجتهاد في إدراك التناسب بين الآيات والأحوال المخصوصة.
كأن يرقي الراقي كلَّ حالة بما يناسبها من الآيات، ويقرأ صاحب كلّ بلاء ما يناسب بلاءه من السور والآيات؛ فيجد فيما يقرأ ما يشفي صدره، ويطمئن قلبه، ويتبصّر به سبيل الهدى فيما هو فيه، ويتوسّل إلى الله تعالى بآياته الباهرة، وقدرته الظاهرة، وعزّته القاهرة، ورحمته وإحسانه على أن يذهب عنه ما يجد ويحاذر، وأن يحفظه ويلطف به.
مثال ذلك:
1- قال ابن القيّم -رحمه الله- في مدارج السالكين: (كان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة. وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها - من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة - قال: فلما اشتد علي الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرءوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قَلَبَة.
وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه. فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته)ا.هـ.
2- يقرأ من يجد ضيقاً في صدره سورة الشرح فيجد راحة وانشراحاً.
س8: بيّن خطر الغلو في باب خواصّ القرآن.
الغلوّ في هذا الباب يقود إلى فساد كبير، وضلال مبين، وانحلال من الدين، ومن أمثلة ذلك:
1- ما ابتدعه بعض غلاة الصوفية وأدخلوا على الأمّة من هذا الباب شرّا عظيماً، فابندعوا في خواصّ القرآن من دعاوى وضلالات موّهوا بها على أتباعهم، وسموّا الأمور بغير أسمائها، وروّجوا أباطيلهم وأسحارهم باسم خواصّ القرآن مما يدلّ على ضلالهم وتضليلهم وبعدهم عن هدى القرآن، وتلبيسهم على الناس.
وكان منهم من يكتب الحُجب والتمائم ويبيعها، ويزعم أنّ فيها من الخواصّ ما يدفع البلاء، ويجلب السعد، ويحفظ من العين والعدوّ، وأكلوا أموال الناس بالباطل، ولم يكتف هؤلاء بهذا، بل اتجه كبار الصوفية لعمل مؤلفات فيما يدّعون أنّه من "خواصّ القرآن" فيها غلوّ وضلال مبين، وجميع ما يذكرونه لا يخرج عن أمرين:
أحدهما: سحر وتقرب للشياطين بأعمال بدعية وعزائم واستغاثات.
ثانيها: مجرد دعاوى وأكاذيب.
2- من غير الصوفية ممن خلط وأساء، ولم يتحر الصحة فيما يجمع، بل يأتى بدعاوى منكرة، باطلة مكذوبة تحت مُسمى "خواص القرآن"، كما فعل الشاه ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي في كتابه "الفوز الكبير في أصول التفسير"