بابُ الذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلاةِ
للدعاءِ والاستغفارِ بعدَ الصَّلاةِ حِكَمٌ عظيمةٌ، وفوائدُ جليلةٌ، من إظهارِ التقصيرِ والعجزِ عن إكمالِها، وترقيعِ الخللِ الواقعِ فيها، وعَقِبُ الصَّلاةِ منْ مواطنِ استجابةِ الدعاءِ، كما أنَّه دليلٌ على الرغبةِ في الطاعةِ وعدمِ المللِ؛ لأنَّ المتعبِّدَ كالحالِّ المرتحلِ بين العباداتِ، مع ما في الدعاءِ من زيادةِ الحسناتِ، وتكفيرِ السيئاتِ، ورِفعةِ الدرجاتِ.
الحديثُ الرابعُ والعشرونَ بعدَ المائةِ
124- عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُما: " أنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ - حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَة - كانَ عَلَى عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ ".
قال ابنُ عباسٍ: كنتُ أعلمُ إذا انصرفوا بذلك، إذا سَمِعْتُهُ.
وفي لفظٍ: " مَا كنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ إلا بالتّكْبِيرِ ". متَّفقٌ عليهِ.
(124) المعنَى الإجماليُّ:
يذكرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَهُ كانوا يَرفعونَ أصواتَهم بالتكبيرِ وذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بعدَ انصرافِهِم مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ المفروضَةِ؛ ولذا فإنَّه كانَ يَعرفُ انقضاءَ صَلاَتِهم برفعِ أصواتِهم بِهِ.
ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1ـ استحبابُ الذكرِ بعدَ الصَّلاَةِ، لما فِيهِ مِنَ الفوائدِ الجليلةِ والمُتَابَعَةِ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2ـ أنْ يرفعَ الذَّاكرُ صوتَه بالذِّكرِ، لِفعلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفِعلِ أصحابِه معه.
3ـ يُحتملُ أنْ يكونَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَغيراً لم يحضرِ الْجَمَاعةَ، فسَمِع صوتَهم بالتهليلِ وهو خارجُ المسجدِ.
ويُحتملُ أنَّه يَحضرُ الْجَمَاعةَ، ولكنَّ الصُّفُوفَ بَعيدةٌ، وليس هناك مُبلِّغٌ، فكان لا يَعلمُ بانقضاءِ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بسماعِ التهليلِ مِنَ الصُّفُوفِ الأولَى.
***
الحديثُ الخامسُ والعشرونَ بعدَ المائةِ
125- عن وَرَّادٍ مولَى المغيرةِ بنِ شُعبةَ قالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ في كِتَابٍ إلَى مُعَاوِيةَ: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ( لاَ إلهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحْمدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِما أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ).
ثم وفَدْتُ بعدَ ذلك على معاويةَ فسمعتُهُ يأمرُ الناسَ بذلك.
وفي لفظٍ: " كانَ يَنْهَى عَنْ: قيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَكانَ يَنْهَى عَنْ: عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ " .
(125) غريبُ الْحَدِيثِ:
" دُبُرَ كلِّ صَلاَةٍ ": بضمِّ الدَّالِ أو فَتحِهَا مع إسكانِ الباءِ أي: آخِرَهَا، والْمُرَادُ بعدَ السلامِ.
" مَكْتُوبةٍ " أي: مَفروضةٍ، والْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. ومكتوبةٌ قَيدٌ للروايةِ الْمُطْلَقةِ.
"ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ ": الجَدُّ – بفتحِ الجيمِ –
ومعناه، الحَظُّ والغِنَى. أي: لا يَنفعُ صاحبَ الحظِّ والغِنَى منك غِناه وحَظُّه.
"وَوأْدِ البناتِ ": دَفْنُهنَّ وهن علَى قيدِ الحياةِ. وكان بعضُ العربِ يَفعلُ ذلك في الجاهليةِ إمَّا خوفاً مِنَ العارِ أو الفقرِ.
" وَمَنْعِ وَهَات " – أي: بُخلٌ بالمالِ علَى الإنفاقِ في وجوهِهِ المشروعةِ وحِرصٌ شديدٌ علَى جَمْعِهِ.
" وعقوقِ الأمَّهاتِ ": قَالَ: في [ِ المُحْكمِ ] عقَّ والدَهُ يَعقُّه عقَّ وعُقوقاً، شَقَّ طَاعتَه، وقد يَعمُّ بلفظِ العقوقِ، جميعَ الرَّحمِ. والْمُرَادُ صُدورُ ما يَتأذَّى بِهِ الوالدُ مِنْ ولدِهِ، وذلك بالقولِ أو الفعلِ.
" عَنْ قِيلَ ": وقالَ: الأشهرُ فتحُ اللامِ في [ِ قِيلَ: ] علَى الحكايةِ.
" مَانِع وَمُعْطِي " - الروايةُ فيهما الفتحُ، وحَقُّهما النَّصبُ، كَحُكمِ المُضافِ. ولكن خَرجَ علَى إجراءِ الشبيِهِ بالمُضافِ إجراءَ المُفردِ.
المعنَى الإجماليُّ:
كتبَ معاويةُ بنُ أبي سُفيانَ إلَى المغيرةِ بْنِ شُعبةَ – وكان أميرَهُ علَى الكوفةِ –
أنِ اكْتُب لي بحَدِيثٍ سَمِعتَه مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكتبَ إِلَيْهِ المغيرةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما بهذا الْحَدِيثِ، الذي جَمعَ أنواعَ التوحيدِ والثناءِ علَى اللَّهِ، وإثباتَ التصرُّفِ والقهرِ بيدِ اللَّهِ. كما اشتمل علَى حِكَمٍ نبويةٍ جليلةٍ.
فذكَرَ المغيرةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –بعدَ الفراغِ مِنَ الصَّلاَةِ المكتوبةِ – يُوحِّدُ اللَّهَ بِنفي كلِّ معبودٍ سواه، ويُثبتُ العبادةَ لِلَّه وحدَه؛ لأنَّه الواحدُ الذي ليس لَهُ شريكٌ في مُلكِهِ وعِبادَتِه، وأسمائِه وصِفاتِه، وأنَّ التدبيرَ كُلَّه بيدِه.
فلا مانِعَ لما أَعْطَى، ولا مُعطِيَ لِما مَنَعَ، ولا يُغْنِي صَاحِبَ الحظِّ، والغِنَى، حَظُّه وغِنَاه، منه شيئاً.
ثم أخبَرَ المغيرةُ معاويةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما، بأن ينهى عَنْ هذِهِ الخصالِ الذَّميمةِ.
فَينهى عَنْ لغوِ الْحَدِيثِ، والكلامِ فيما لا يَنفعُ، وعن إضاعةِ المالِ الذي جَعله اللَّهُ قياماً للناسِ في الطُّرقِ التيِ لا تَعودُ بفائدةٍ دِينيةٍ أو دنيويةٍ، وعن كثرةِ السُّؤَالِ لمَن عِندَه مِنَ المالِ ما يَكفيهِ. وكذلك التعَنُّتُ والجَدلُ في المسائلِ الْعِلْميَّةِ.
كما يَنهَى عَنْ عقوقِ الأمهاتِ، اللاتي يَجِبُ بِرُّهنَّ وإكرامُهُنَّ، لِما لهُنَّ مِنَ الفضلِ الكبيرِ ,
وعن هذهِ العادةِ السيِّئةِ التي هي دَفنُ البناتِ وهن حيَّاتٌ، لِسُوءِ الظنِّ باللَّهِ تَعَالَى، وخَشيةِ الفَقرِ إذا شارَكْنَهُم في طعامِهم.
وهذهِ عادةٌ تدلُّ علَى القَسوةِ والشُّحِّ، وعدمُ الثقةِ باللَّهِ الرَّازقِ لِكافَّةِ المخلوقاتِ.
وينهَى عَنِ الشُّحِّ والبُخلِ بما عندَه في طُرقِ الخيرِ، والحِرْصِ الشديدِ علَى جمْعِ المالِ، والنَّهمِ في تحصيلِهِ مِنْ أيِّ طَريقٍ.
ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- استحبابُ هذا الدُّعَاءِ عَقبَ الصَّلَوَاتِ المكتوبةِ.
2- اشتملَ هذا الدُّعَاءُ علَى توحيدِ اللَّهِ ونَفْي الشريكِ معه، وإثباتِ المُلكِ الْمُطْلَقِ، والحمدِ الكاملِ , والقدرةِ التامَّةِ لَهُ سبحانَه وتَعَالَى، كما أنَّ فِيهِ تَوْحُّدَه بالتصَرُّفِ والقهرِ، وأنَّ كلَّ شيءٍ بيده، فقد جَمعَ توحيدَ الإلهيَّةِ والربوبِيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ.
3- النَّهْيُ عَنْ هذِهِ الخصالِ الذميمةِ، لما تَشتملُ عَلَيْهِ مِنْ مفاسدَ دِينيةٍ ودنيويةٍ.
4- إذا عَرف المؤمنُ أنَّ اللَّهَ هو المُعطي المانعُ، تَعلَّقَ قَلبُه باللَّهِ تَعلُّقاً تَاماًّ، وَصرَف النَّظرَ عَنْ غيرِهِ.
5- مُسارعةُ الصَّحَابَةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم إلَى تنفيذِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنَّ معاويةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لمَّا بَلغَه هذا الدُّعَاءُ، أَمَر الناسَ بالعملِ بِهِ.
6ـ فِيهِ العملُ بالحَظِّ المعروفِ، وهو مَسألةٌ اتفاقِيَّةٌ في جميعِ الأغراضِ وأنَّ اللَّهَ لم يأمُرْ بالعملِ بهَا إلا لِيُعملَ بهَا.
7ـ قبولُ خبرِ الواحدِ.
8ـ النَّهْيُ عَنْ إضاعةِ المالِ، أي: إنفاقِه في غيرِ الطرقِ المشروعَةِ، فقد جَعلَ اللَّهُ الأموالَ لِقيامِ مصالحِ الناسِ، وفي تَبذِيرِها تفويتٌ لتلك المصالحِ،
وطُرقُ الإنفاقِ ثلاثٌ: فهناك الإنفاقُ المذمومُ وهو بذلُ المالِ في الأمورِ المذمومةِ شَرْعاً سواءً أكانَ قليلاً أمْ كَثِيراً. والإنفاقُ المحمودُ هو بَذلُه في الخيرِ والبِرِّ، ما لم يُفوِّتْ حقاًّ آخرَ أهَمَّ مِنْهُ، أمَّا الثالثُ فهو الإنفاقُ في المُباحاتِ ومَلاذِّ النفسِ المُباحةِ، فالجائزُ أنْ يُنفِقَ كلٌّ علَى قدرِ حالِه بدونِ إسرافٍ.
***
الحديثُ السادسُ والعشرونَ بعدَ المائةِ
126- عن سُمَيٍّ مولَى أبي بكرِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، عن أبي صالحٍ السّمَّانِ، عن أبي هريرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّ فُقَرَاءَ المهاجرينَ أتَوْا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثورِ بالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعيمِ المُقيمِ. قالَ: ( وَمَا ذَاكَ؟ ) قالوا: يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ.
فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: ( أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِه مَنْ سَبَقَكُمْ، وتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ ) قالوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قال: ( تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ، ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ مَرَّةً ).
قال أبو صالحٍ: فرجعَ فقراءُ المهاجرينَ إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ.
فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ "
قال سُمَيٌّ: فحدّثتُ بعضَ أهلي بهذا الحديثِ، فقالَ: وَهِمْتَ، إنَّما قالَ: ( تُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثلاثينَ، وَتَحْمَدُ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ ).
فرجعتُ إلى أبي صالحٍ، فذكرتُ له ذلك، فقالَ: " قلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحمدُ للَّهِ، حتى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ، ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ “ رواهُ مسلمٌ .
(126) المعنَى الإجماليُّ:
معنَى هذا الْحَدِيثِ الجليلِ هو أنَّ فقراءَ الصَّحَابَةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم، شَعروا بِسبقِ إخوانِهم الأغنياءِ بالأعمالِ الصالحةِ، بفضلِ قِيامِهم بحُقوقِ أموالِهم الشرعيَّةِ فَغبَطوهم وتَمَنَّوا لو كانَ لهم مِنَ العملِ مِثلُ ما لأولئك الأغنياءِ.
فجاءوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشكونَ مُصيبَتَهم في فقدِ الأجرِ، فأرشَدَهم إلَى هذا الذِّكْرِ، الذي يَنالونَ بِهِ أكثرَ مما فَاتَهم مِنَ العباداتِ الماليَّةِ ,
فلما قَاموا بهذا الذِّكْرِ، سَمِعهم الأغنياءُ ففعلوا مِثْلَهم.
فجاءَ الفُقراءُ مرَّةً أخرَى، يَشكونَ حالَهم، بأنَّ الفضيلةَ التي اخْتُصُّوا بهَا وأرَادُوا أنْ يُعوِّضوا بهَا نَقْصَ العباداتِ الماليَّةِ فَعَلهَا الأغنياءُ، فأصْبحوا يُشاركُونَهم في العباداتِ القَلْبِيَّةِ والبدنِيَّةِ ويَمتازونَ عليهم فَى العباداتِ الماليَّةِ.
فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) فَهُوَ الَّذِي يَقْسِمُ الأَرْزَاقَ وَالْهِدَايَةَ، حَسَبَ حِكْمَتِهِ، وَهُو الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ.
ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1ـ رَغبةُ الصَّحَابَةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم الشَّديدَةُ في الخيرِ، وتَنافُسِهم بالأعمالِ الصالحةِ.
فالفقراءُ، شَقَّ عليهم حِرمانُهم مِنَ العباداتِ الماليَّةِ، والأغنياءُ لم يَكتفوا بغِناهُم عَنْ مشاركةِ الفُقراءِ في كُلِّ أبوابِ الخيرِ. ولعلَّ اللَّهَ يُعطِي الفُقراءَ بِفَضْلِه وكَرَمِه مِنَ الأجرِ علَى قَدْرِ نِيَّتِهم الطَّيَّبَةِ.
2ـ الْحَدِيثُ يدلُّ علَى فضلِ الغَنِيِّ الشاكرِ علَى الفقيرِ الصابرِ؛ لما لَهُ مِنَ الأعمالِ.
وهذهِ مسألةٌ طويلةُ الخلافِ، بينَ الْعُلَمَاءِ.
3ـ أنَّ الإنفاقَ في سبيلِ الخيرِ سببُ رَفْعِ الدرجاتِ. قَالَ ابْنُ القيِّمِ: فالغَنِيُّ إذا اتَّقَى اللَّهَ في مالِهِ وأنْفقَه في وجوهِهِ، وليس مَقصوراً علَى الزَّكاةِ بل مما حَقُّه إشباعُ الجائعِ وكسوةُ العارِي وإغاثةُ المَلهوفِ ورعايةُ المحتاجِ والمُضطرِّ، فطريقُه طريقُ الغنيمةِ وهي فوقَ السلامةِ فالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقرَّ الفُقراءَ علَى ما للأغنياءِ مِنْ هذِهِ الرِّفعةِ بسببِ إنْفاقِهم.
4ـ فضْلُ هذا الذِّكرِ المذكورِ في هذا الْحَدِيثِ. حيث كانَ سبباً في سَبْقِ مَنْ يقولُهُ في أدبارِ الصَّلَوَاتِ في الثَّوابِ، وأنه لا يَلحقُه أحدٌ، إلا مَنْ عَمِلَ مثلَ عمَلِه، لِما يحصلُ لنفْسِه مِنْ تطهيرٍ ولأخلاقِهِ مِنْ رياضةٍ.
5ـ أنَّ الهِدايةَ والرِّزقَ بيدِ اللَّهِ، فهو الذي يَقسِمُهَا بينَ عِبادهِ، فينبَغِي أنْ يرضَى بقسمةِ اللَّهِ تَعَالَى.
6ـ مشروعيَّةُ هذا الذِّكْرِ، بعدَ الصلواتِ المكتوباتِ، كما وَردَ في بعضِ الرواياتِ تَقييدُهُ بالمكتوبةِ، وأنْ يكونَ بهذهِ الصيغةِ. فالتسبيحُ يتضمَّنُ نَفْيَ النقائصِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، ثم التحميدُ المُثْبِتُ لَهُ الكمالَ ثم التكبيرُ المُثبتُ لَهُ صفاتِ العظمةِ. واستظْهَرَ ابنُ القيِّمِ أنْ تَكُونَ الثلاثُ والثلاثونَ مِنْ جميعِ كلِماتِ التسبيحِ والتحميدِ والتكبيرِ.
* الذكرُ بعدَ الصلاةِ *
[وهو فَقراتٌ مِنْ كَلاَمِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ، قَالَ رحمه اللَّهُ تَعَالَى في الصحيحِ إنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ قبلَ أنْ ينصرفَ يَستعيذُ ثلاثاً، ويقولُ: ( اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) وفي الصَّحِيحَينِ أنَّه كانَ يَقُولُ: ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يِنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ويُعلِّمُهم أنْ يُسبِّحوا ثلاثاً وثلاثينَ، ويَحمدوا ثلاثاً وثلاثينَ، ويُكبِّروا ثلاثاً وثلاثين، فتلك تِسعٌ وتسعونَ، وتمامُ المائةِ: ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وله الحمدُ، وهوَ علَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ ) ولا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعواتِ مِنْ أَفْضَلِ العباداتِ، والأدعيةُ والأذكارُ النَّبَويَّةُ هي أَفْضَلُ ما يَتَحرَّاه المُتحرِّي مِنَ الذِّكرِ والدُّعَاءِ، وما سِواهَا مِنَ الأذكارِ قد يكونُ مكروهاً، وقد يكونُ مُحرَّماً، وقد يكونُ فِيهِ شِركٌ لا يِهتدِي إِلَيْهِ أكثرُ الناسِ.
والذِّكْرُ مِنْ أَفْضَلِ العباداتِ؛ ولذا قَالَتْ عَائِشَةُ: الذِّكرُ بعدَ الانصرافِ مِنَ الصَّلاَةِ هو مِثلُ مسحِ الْمِرْآَةِ بعدَ صِقالِها. فإنَّ الصَّلاَةَ تُصقلُ القلبَ. وليس الذِّكرُ عقبَ الصَّلاَةِ بواجبٍ، فمَن أرادَ أنْ يَقُومَ قَبْلَه فلا يُنكرُ عَلَيْهِ، ولكن يَنبغي للمأمومِ ألا يَقُومَ حتَّى ينصرفَ الإمامُ عَنِ الْقِبْلَةِ، ولا ينبغي للإمامِ أنْ يَقعدَ بعدَ السلامِ مُستقبلَ الْقِبْلَةِ إلا بمقدارِ ما يَستغفرُ ثلاثاً ويقولُ: اللَّهمَّ أنتَ السلامُ ومنك السلامُ تباركْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ. وعُدَّ التسبيحُ بالأصابعِ سُنَّةً، فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساءِ: ( سَبِّحْنَ وَاعْقِدْنَ بِالأَصَابِعِ، فَإنَّهُنَّ مَسْئُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ ).
***
بابُ الخشوعِ في الصَّلاةِ
الخشوعُ في الصَّلاةِ هو رُوحُها ولبُّها، ويَكثُرُ ثوابُها أو يقلُّ حسبما عقَلَهُ المصلِّي منها؛ ولذا أثنَى اللَّهُ تعالى على الذينَ هم في صلاتهم خاشعونَ، بأنَّهم الذين يرثونَ الفردوسَ هم فيها خالدونَ.
ولإحضارِ القلبِ في الصَّلاةِ أسبابٌ:
منها: الاستعاذةُ من الشيطانِ، وتدبُّرُ قراءةِ الصَّلاةِ، وأنواعُ الذِّكْرِ فيها.
ومنها: جعْلُ السُّترةِ، وجعلُ النظرةِ موضعَ السجودِ، كما أنَّ دخولَ الإنسانِ فيها بعدَ الفراغِ من الشاغلاتِ عنها، كالنومِ، وشهوةِ الطعامِ والشرابِ، من أقوى أسبابِ إحضارِ القلبِ.
ولذا نُهِيَ عن الصَّلاةِ حالَ حضورِ الطعامِ، أو مدافعةِ الأخبثيْنِ، لأنَّ في ذلكِ مشْغلةً عن الصَّلاةِ.
وذهبَ الجمهورُ من العلماءِ إلى صحَّةِ صلاةِ مَن غلبتْ على صلاتِهِ الوساوسُ، ولكنْ مع نقْصِ ثوابِها.
وذهبَ أبو حامدٍ الغزاليُّ وابنُ الجوزيِّ إلى بطلانِها.
الحديثُ السابعُ والعشرونَ بعدَ المائةِ
127- عن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنهُا، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إلى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: ( اذْهَبُوا بخَمِيصَتِي هَذِه إلى أبي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفاً عَنْ صَلاَتِي ) .
(127) غريبُ الْحَدِيثِ:
1ـ " خَميصةٌ لهَا أعلامٌ ": كِساءٌ مُربَّعٌ مُخطَّطٌ بألوانٍ مُختلفةٍ. وقالَ ابنُ الأثيرِ: هي ثوبُ خَزٍّ أو صوفٌ مُعلَّمٌ. وقيل: لا تُسمَّى خَمِيصةً إلا أنْ تَكُونَ سوداءَ مُعلَّمةً.
2ـ " الأنْبِجَانيَّةُ ": كِساءٌ غليظٌ، ليس لَهُ أعلامٌ، وهي بِفتحِ الهمزةِ وسكونِ النونِ، وكسرِ الباءِ الموحَّدةِ، وبعدَ الألفِ نونٌ مكسورةٌ، بَعْدَهَا ياءٌ مشدَّدةٌ، ثم تاءُ التأنيثِ.
منسوبةٌ إلَى بلدٍ تُسمَّى " أَنْبِجانَ ". وقد وَرَدَت هذهِ الكلمةُ بفتحِ الباءِ وهي نِسبةً علَى غيرِ قياسٍ إلَى مَنْبِجَ البلدِ المعروفِ في بلادِ الشامِ. ومِثلُهَا مَنْبِجَانيٌّ. وهي كساءٌ مِنَ الصُّوفِ لَهُ خَملٌ وليس لَهُ عَلمٌ وتُعدُّ مِنْ أدونِ الثيابِ الغليظةِ.
3ـ " آنِفاً ": - يعنِي: الآنَ.
المعنَى الإجماليُّ:
أهدَى [ أبو جَهمٍ ] إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَميصةً لهَا أعلامٌ.
وكان مِنْ مكارمِ أخلاقِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّه يقبلُ الهديَّةَ جَبراً لخاطرِ المُهدِي، فَقبِلهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وصَلَّى بهَا.
ولكونِهَا ذاتَ أعلامٍ يَتعلَّقُ بهَا النَّظرُ، أَلْهتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كاملِ الحضورِ في صَلاَتِهِ، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاملٌ، لا يَصدرُ عَنْهُ مِنَ الأعمالِ إلا الكاملُ.
فأمرَهم أنْ يُعيدوا هذهِ الْخَمْيصةَ المُعلَّمةَ إلَى المُهْدِيِ [ أبي جهمٍ ].
وحتَى لا يكونَ في قلبِ أبي جهمٍ شيءٌ مِنَ ردِّ الهديَّةِ، ولِيطمَئنَّ قَلبُه، أمَرَهُم أنْ يأتوه بكساءِ أبي جهمٍ، الذي لم يُعلَّمْ.
وهذا مِنْ كمالِ هَدْيِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1ـ مشروعيَّةُ الخشوعِ في الصَّلاَةِ، وفِعلِ الأسبابِ الجالِبةِ لَهُ، والابتعادِ عَنْ كُلِّ ما يُشغلُ في الصَّلاَةِ.
2ـ أنَّ اشتغالَ القلبِ اليسيرَ، لا يَقدحُ في الصَّلاَةِ.
3ـ كراهةُ تزويقِ المساجدِ، ونَقشِهَا، والكتابةِ فيهَا؛ لِما يُجلبُه مِنَ اشتغالِ المُصلِّينَ في النظرِ إليهَا.
4ـ فِيهِ جوازُ لُبسِ الملابسِ المُعلَّمة للرجالِ.
5ـ وفيهِ استحبابُ قبولِ الهديَّةِ، جَبراً لقلبِ المُهدِي، وتوَدُّداً إِلَيْهِ.
6ـ وفيهِ أنَّه لا بأسَ مِنْ ردِّ الهَديَّةِ لسببٍ، ولكن مع بيانِ السببِ لصاحبِهَا،حتَى لا يقعَ فِي قَلْبِه شيءٌ.
7ـ وفيهِ حُسنُ أخلاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ رَدَّ عَلَيْهِ الكساءَ المُعلَّمَ، وطلبَ الكساءَ الذي ليس فِيهِ أعلامٌ، لِيُعلِمَه أنَّه غيرُ مُترفِّعٍ عَنْ هَدِيَّتِهِ.
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ:
ولا ريبَ أنَّ الوسواسَ كُلَّما قَلَّ في الصَّلاَةِ كانَ أكملَ، والذي يُعينُ علَى ذلك شيئانِ:
قوةُ المُقتَضِي، وضعفُ الشاغلِ.
أما الأَوَّلُ: فاجتهادُ العبدِ في أنِ يَعقلَ ما يقولُه ويَفعلُه، ويَتدبَّرَ القراءةَ والذِّكْرَ والدُّعَاءَ، ويستحضرَ أنَّه مُناجٍ لِلَّهِ تَعَالَى كأنه يَراهُ، فإنَّ الْمُصَلِّيَ يُناجي ربَّهُ، والإحسانُ أنْ تعْبُدَ اللَّهَ كأنك تراهُ، فإِنْ لَمْ تكن تَراهُ فإنَّه يَراكَ، ثم كُلَّما ذَاقَ العبدُ حلاوةَ الصَّلاَةِ كانَ انْجذَابُه إليهَا أوْكدَ، وهذا يكونُ بحسبِ قوةِ الإيمانِ، والأسبابُ المُقويَّةُ للإيمانِ كثيرةٌ.
فإنَّ ما في القلبِ مِنْ مَعرفةِ اللَّهِ ومحَبَّتِه وَخشيَتهِ وإخلاصِ الدينِ لَهُ وَخَوْفِهِ ورَجائِهِ والتصديقِ بأخبارِهِ وغيرِ ذلكَ مما يَتباينُ الناسُ فِيهِ ويتفاضَلونَ تَفاضُلاً عظيماً.
ويَقُوِّي ذلك كُلَّما ازدادَ العبدُ تَدبُّراً للقرآنِ، وفَهْماً ومعرفةً بأسماءِ اللَّهِ وصفاتِهِ وعظمَتِهِ وأظْهرَ فقْرَه إِلَيْهِ في عِبادتِهِ، واشتغالِهِ بِهِ، فإنَّه لا صَلاَحَ لَهُ إلا بأنْ يكونَ اللَّهُ هو معبودَهُ الذي يَطمئنُّ إِلَيْهِ، ويأنسُ بِهِ، ويَلْتذُّ بِذكْرِه، ولا حصولَ لهذا إلا بإعانةِ اللَّهِ، ومتَى لم يُعنْهُ اللَّهُ علَى ذلك لم يُصلِحْهُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللَّهِ.
الثاني: زوالُ العوارضِ، وهو الاجتهادُ في دفعِ ما يَشغلُ القلبَ مِنْ تفكُّرِ الإنسانِ فيما لا يُفيدُه في عِبادتِهِ، وتَدبُّرُ الجواذبِ التي تَجذبُ القلبَ عَنْ مقصودِ الصَّلاَةِ، وهذا في كُلِّ عبدٍ بِحَسبِه، فإنَّ كثْرَةَ الوساوسِ بِحسبِ كثرةِ الشُّبهاتِ والشَّهواتِ، وتعليقِ القلبِ بالمحبوباتِ التي يَنصرفُ القلبُ إلَى طلبِهَا، والعبدُ الكَيِّسُ يَجتهدُ في كمالِ الحضورِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللَّهِ العليِّ العظيمِ.