التطبيق الأول لدورة التلخيص: تلخيص حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد فهذا تلخيص لشرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه(من رأى منكم منكرا فليغيره....)
وقد قسمت الكلام على هذا الحديث من وُجُوه:
أولها: في التعريف براويه.
ثالثها: في تخريجه.
ثانيها: موضوعه.
رابعها: في تخريجه.
خامسها: في منزلته.
سادسها: في سبب إيراده.
سابعها: شرح الحديث.
ثامنها: فوائد الحديث.
التلخيص:
· التعريف براويه
هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، أبو سعيد الخدري الأنصاري، هو وأبوه صحابيان استشهد أبوه يوم احد، والخدري نسبة إلى جده الأبجر كان يسمى خدرة، وقيل إن خدرة هي أم الأبجر.
غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة أولها الخندق واستصغر يوم أحد وكان ممن بايع تحت الشجرة
كان من فقهاء الصحابة وهو يعد من المكثرين في رواية الحديث مات سنة أربع وسبعين بالمدينة.
· تخريجه
هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث سفيان –هو الثوري-وشعبة عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري
ومن طريق الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه ابن ماجة وأحمد في المسند وابن حبان في صحيحه.
· موضوعه
وجوب إنكار المنكر لمن قدر عليه ودرجات ذلك
· منزلته
هذا حديث عظيم الشأن ففيه بيان كيفية إقامة شعيرة عظيمة من شعائر الدين وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتركها يترتب عليه كثرة الخبث وانتشار الفساد .
وهذا الحديث يرجع إلى قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } فقد ذكرت حيثية الخيرية لهذه الأمة بسبب إقامتها مع الإيمان بالله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن أمما ممن كان قبلنا تركوا وتهاونوا في هذا الشأن فمقتهم الله عز وجل ولعنهم في القرآن قال تعالى{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }
· سبب إيراده
هذا الحديث ذكره أبو سعيد لما أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقال رجل: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر في هذا اليوم ولم يكن يخرج، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، ولم يكن يبدأ بها. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكرا......) وذكر الحديث
وفي رواية البخاري أن الذي أنكر على مروان هو أبو سعيد نفسه
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ - وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا المُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ»، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ: «قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ»، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ»
فيجوز أن تكون واقعتان مختلفتين، أو أنهما واقعة واحدة فأنكر الرجل بلسانه وحاول أبو سعيد أن يغيِّرَه بيده والله أعلم.
· شرح الحديث:
ألفاظه
- (من) اسم شرط جازم(رأى)فعل الشرط، وجوابه (فليغيره)
- (منكرا) المنكر هو كل فعل قبيح منعه الشارع، وهو يشمل ترك المأمورات وفعل المنهيات، فترك الأوامر مثل ترك الصلاة في المساجد أو تركها بالكلية، وفعل النواهي كشرب الخمر والزنا.
- (فليغيره) اللام فيه لام الأمر وهو يفيد الوجوب مع عدم وجود صارف يصرفه عنه.
- (بيده) هي العضو المعروف من الإنسان، وخصت بالذكر لأنها مصدر القوة في الإنسان وبه يكون الأخذ والإعطاء والدفع.
الشرح التحليلي
قوله صلى الله عليه وسلم (من رأي منكم منكرا)
يؤخذ منه أمرين:
أولهما أن يثبت فعلا وجود المنكر عند من أراد الإنكار أخذت من قوله صلى الله عليه وسلم (من رأى) والرؤية هنا أعم من الرؤية البصرية وإن كان ظاهر اللفظ عليها إلا أن إدخال العلم بالمنكر عن طريق إخبار أحد الثقات أو عن طريق السمع وما أشبه ذلك يحتمله أيضا.
وثانيهما: أن يتحقق من أن هذا الفعل من المنكر الواضح المتفق على كونه منكرا، وأن يكون متيقنا من أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكراً في حد ذاته، لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل، كالأكل والشرب في نهار رمضان لا شك أنه منكر في ذاته لكنه قد يكون منكرا بالنسبة لشخص معين كأن يكون مسافرا أو مريضا يحل له الفطر.
ويُشْتَرَطُ في المُنْكِرِ أُمُورٌ، وَهيَ:
1- الإِسلامُ.
2- التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ.
3- الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ.
4- العَدَالَةُ.
5-وجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا.
6- العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ.
قوله صلى الله عليه وسلم (فليغيره)
أي: يحوله ويبدله من صورته التي هو عليها إلى صورةٍ أخرى حسنةٍ، وغاية المقصود أن يتغير ترك الأمر إلى فعله، وفعل النهي إلى تركه، وهكذا. فإذا حصل هذا حصل الإصلاح وتميز الحق من الباطل وبه وتأمن الأمة بأسرها من الهلاك في الدنيا، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين خطورة تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ أن الهلاك لا يقتصر على فاعله بل يتعداه ليشمل جميع أفراد المجتمع فضرب في هذا مثلا فقال صلوات الله وسلامه عليه (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا).
قوله صلى الله عليه وسلم (بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ)
اشتمل هذا الحديث على ذكر درجات تغيير المنكر وعلقت هذه الدرجات بحسب الاستطاعة من الأعلى إلى الأدنى:
الدرجة الأولى: الإنكار باليد
وهي أعلى الدرجات، وهذه الدرجة تكون لولى الأمر صاحب السلطة لقوته وهيبته ومن الأب على ولده، أو ولى ُّعلى أيتام لهم عليه طاعة أو في مكان تقع مسئولية من فيه عليه فحينئذ يجب عليه تغيير المنكر ويأثم بتركه، وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار لأن فيه إزالة المنكر بالكلية والزجر عنه.
- وحكم هذه الدرجة
أنها إما فرض كفاية لقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
ابنُ العربيِّ في تفسيرِهِ لهذه الآيَةِ: (في هذه الآيَةِ والَّتي بعدَهَا - يعني{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس.....} دليلٌ علَى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ فرضُ كفايَةٍ، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ نصرةُ الدِّينِ بإقامةِ الحجَّةِ علَى المخالِفينَ
وإما فرض عين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ)
قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه
- ويشترط لوجوب الإنكار باليد
1- القدرة على إزالة المنكر
2- ألا يترتب علي إزالته منكر أشد
3- وزاد بعض أهل العلم شرطا ثالثا أن يظن المنكر أن المنكرَ عليه ينتفع بهذا الإنكار، أما إذا غلب على ظنَّه أنَّهُ لا ينتفع فإنَّه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا{فذكر إن نفعت الذكرى}فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهُ.
الإنكار الأصل فيه ان يكون علنا بشرط رؤية المنكر فإذا رأى بنفسه المنكر منهم فله الإنكار حينئذ عنده ولم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) ففرَّق السّلف بين المنكر الذي يُفعل أمام الناس، كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة ، وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة والرفق في ذلك.
ويدل عليه أثر ابن عباس قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: آمُرُ السُّلْطَانَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُ عَن الْمُنْكَرِ؟ قالَ: إنْ خِفْتَ أنْ يَقْتُلَكَ فلا. ثُمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مثلَ ذلكَ، وقالَ: إنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.
وصورة تغيير ما فعلوه من المنكر لا يكون بقتالهم والخروج عليهم وإنما، وقد نص الإمام أحمد على أن ذلك يكون باليد لا بالسيف وكيفيته ان يزيل ما فعلوه من المنكرات بيده، مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلكَ، وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا مِن الخروج عليهم الذي وَرَدَ النهي عنه فإن هذا أكثرُ ما يخشى منه أن يُقْتَلَ الآمر وحدهُ.
وأمَّا الخروجُ عليهم بالسَّيفِ، فَيُخْشَى منهُ الفِتَنُ التي تُؤَدِّي إلى سَفْكِ دِمَاءِ المسلمينَ.
الدرجة الثانية: الإنكار باللسان وهي لمن لم يقدر على الدرجة الأولى
الدرجة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي لمن لم يقدر على الدرجة التي قبلها
وبيان هاتين الدرجتين فيما يلي من الحديث.
-قوله صلى الله عليه وسلم (فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ)
هذهِ الدرجةُ الثانية من درجات تغيير المنكر، وهو التغيير باللسان عند من لا يملك سلطة، وهذا التغيير بالقول منْ باب التذكير والترغيب والترهيب، وهو في مقدور أهل العلم، وحاجة الناسِ لهذه المرتبة شديدة جدا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة وقسوة القلوب وكثرة الفتن وانغماس الناسِ في الدنيا ونسيان الآخرة.
- قوله صلى الله عليه وسلم(فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
هذهِ الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛ إذ هي تغيير داخلِي لا يتعدى صاحبها، وهي تألُّمُ القلب لهذا المنكر وكراهيَته له ولأهله وتَمَنِّي زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهذه أضعف درجة، إذ ليس بعدها شيء من الإيمانِ.
وسمِّيت الدرجة الثالثة ضعفا؛ لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعفِ وعدم وجود الغيرة، وَالكراهيَةُ لهذا المُنْكَرِ يَدُلُّ على الإِيمانِ.
· فوائد الحديث
1- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة تركه
2- التثبت من حقيقة وجود المنكر وكونه منكرا في حق من أتى به
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصلة عظيمة من خصال الإيمان ويترتب على الإتيان بها صلاح سائر المجتمع
4- أن من عجز عن خصلة أعلى من خصاله فأتى بالأدنى خير ممن ترك ذلك بالكلية
5- أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف
6- إنكار المنكر بالقلب دليل على سلامة القلب، ومنعة من الإثم
7- فيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاوت درجاته.