تلخيص مقاصد رسالة (التبيان في نزول القرآن) لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
المقصد الرئيسي للرسالة:
بيان معنى (نزول القرآن) تبعا للغة والشرع, وما يلزم ذلك من إثبات علو الله سبحانه, وكون القرآن كلامه, والرد على أقوال الفرق الباطلة.
المقاصد الفرعية:
- بيان أسباب خطأ الكثير في تفسير (النزول).
- بيان التفاسير الباطلة لأهل البدع لهذا الحرف
- أنواع النزول في كتاب الله سبحانه
- إزالة ما استشكل من لفظ (أنزل):
- كمال بيان القرآن الكريم وإحكامه
- صفات الله سبحانه ليست بائنة منه ولا تحل في غيره
التلخيص:
- بيان أسباب خطأ الكثير في تفسير (النزول):
أولا: اشتباه المعنى في تلك المواضع.
ثانيا: شيوع تفاسير أهل البدع فيه, فاحتج الكثير باشتباه الأمرعليهم للأخذ بتفسير أهل البدع.
- بيان التفاسير الباطلة لأهل البدع لهذا الحرف:
• مسألة النزول لها علاقة بمبحث الصفات, فمن أنكر العلو وأنكر الاستواء وأنكر تكلم الله سبحانه, وأنكر بأن القرآن كلام الله, أو حرف المعنى الحقيقي لهذه الصفات؛ انحرف في تفسير هذا الحرف, لذا:
• ادعت الجهمية بأن (أنزل) بمعنى خلق كما في قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد}, فقالوا: خلقه في مكان عال ثم أنزله من ذلك المكان.
وقصد شيخ الإسلام بالجهمية هنا نفاة الصفات على العموم, كالجهمية الأول والمعتزلة,
فهذا مطرد على أصولهم بنفي الصفات والقول بخلق القرآن, لذا جعل في مقابلهم الكلابية وهم من الصفاتية, أي الذين اثبتوا بعض الصفات فقط على طريقتهم وأصولهم.
• من الكلابية من فسر (النزول) بالإعلام به, وإفهامه للملك, أو نزول الملك بما فهمه, وهذا لأنهم ادعوا بأن القرآن حكاية عن كلام الله, وكلام الله عندهم هو المعنى القائم بالنفس, لذا لم يتكلم به لكن أفهمه لجبريل عليه السلام, ثم نزول جبريل عليه السلام به.وكلا القولين باطل, وكذا غيرها من الأقوال التي خالفت أهل السنة والجماعة.
- صفات الله سبحانه ليست بائنة منه ولا تحل في غيره:
• رد أهل السنة على أبي حسن الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد الذين جعلوا النزول والإتيان والمجيء حدثا يحدثه الله منفصلا عنه, وادعوا بأن هذا الحدث هو إتيانه واستواؤه على العرش, وهذا ليتماشى مع أصولهم بمنع قيام الحوادث في الله, وعدم وقوع الأفعال منه سبحانه.
• فقيل لهم: المعروف أنه لا يجيء شيء من الصفات والأعراض إلا بمجيء شيء, فإذا قالوا: جاء البرد أو جاء الحر فقد جاء الهواء الذي يحمل الحر والبرد وهو عين قائمة بنفسها.
• قال أحمد وغيره: وإليه يعود أي: هو المتكلم به.
• وقال: كلام الله من الله ليس ببائن منه، أي لم يخلقه في غيره فيكون مبتدأ منزلا من ذلك المخلوق؛ بل هو منزل من الله كما أخبر به ومن الله بدأ لا من مخلوق فهو الذي تكلم به لخلقه.
- أنواع النزول في كتاب الله سبحانه:
• حتى يُفهم معنى هذا الحرف, بين شيح الإسلام رحمه الله تعالى معناه في القرآن الكريم, فبين بأن النزول في كتاب الله عز وجل جاء على " ثلاثة أنواع ":
أولا - نزول مقيد بأنه منه سبحانه:
وهذا لم يرد إلا فيما يتعلق بنزول القرآن كما قال تعالى: {والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق,
وقال تعالى {نزله روح القدس من ربك بالحق},
وقال تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}:
وهذه الآية جاء فيها قولان:
1- قوله تعالى: {تنزيل الكتاب} مبتدأ, وخبره:{من الله العزيز الحكيم}, فلا حذف في الكلام.
2- أن قوله تعالى:{تنزيل الكتاب}خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أي هذا.
وعلى كلا القولين فقد ثبت أنه منزل من الله سبحانه.
النوع الثاني: نزول مقيد بأنه من السماء:
وهذا كما في قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء} والسماء اسم جنس لكل ما علا, فهنا قوله:(السماء) مطلق أي في العلو, لكنه قد بُين في مواضع أخرى من القرآن كقوله تعالى: {أأنتم أنزلتموه من المزن}, وقوله {فترى الودق يخرج من خلاله}.
أما قوله تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده} فالنزول هنا يشبه نزول القرآن, لأن نزول الملائكة هو نزولهم بالوحي من أمره الذي هو كلامه.
النوع الثالث: نزول غير مقيد لا بهذا ولا بهذا:
وهذا في مثل قوله تعالى من إنزال السكينة بقوله: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين},
وقوله: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين},
ومثله " إنزال الميزان ": وفسر جمهور المفسرين الميزان بالعدل, وفسره مجاهد - رحمه الله - بالميزان المحسوس, ولا منافاة بين القولين.
فالملائكة قد
تنزل بعلى قلوب المؤمنين بالأمور المعنوية كالإيمان والعدل والثبات وهو السكينة, وقد ينزل الله الملك بالإلهام بالسداد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده}, أيضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله أنزل الأمانة في جذر قلوب الرجال فعلموا من القرآن وعلموا من السنة}.
كذلك ذكر تعالى إنزال النعاس في قوله: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم} .
• فالصفات التي تقوم بالعباد مثل : العدل والسكينة والنعاس والأمانة؛ إنما تكون إذا أفضى بها إليهم, فالأعيان القائمة توصف بالنزول كما توصف الملائكة بالنزول بالوحي والقرآن, فإذا نزل بها الملائكة قيل إنها نزلت، وكذلك لو نزل غير الملائكة كالهواء الذي نزل بالأسباب فيحدث الله منه البخار الذي يكون منه النعاس فكان قد أنزل النعاس سبحانه بإنزال ما يحمله.
- إزالة ما استشكل من لفظ (أنزل):
1
- بيان معنى قوله تعالى:{وأنزلنا الحديد}:
• ذكر سبحانه إنزال الحديد والحديد يخلق في المعادن, وجعل بعضهم نزول الحديد بمعنى الخلق, لأنه أخرجه من المعادن, والمعادن تكون في الجبال, فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبال لينتفع به بنو آدم, والمقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد التي بها ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
• الآلات بذاتها لم تنزل من السماء, لذلك؛
ما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والمنقعة والمطرقة والإبرة فهو كذب لا يثبت مثله.
ومثله الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم {أن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض فأنزل الحديد والماء والنار والملح} حديث موضوع مكذوب.
والمشاهَد الأكيد أن هذه الآلات تصنع من حديد المعادن.
لا يصح قول من قال بأن آدم عليه السلام نزل معه جميع الآلات؛ فهذا لا يقبله لا العقل ولا الحس ولا جاء دليل له من الشرع.
ومثله قول من قال بأن آلة واحدة نزلت معه وهي الإبرة! فأي فائدة في هذا لسائر الناس؟!
لا نفع لهذه الآلات إذا لم يكن ثم حديد موجود يطرق بهذه الآلات؟! فالآلة وحدها لا تكفي بل لا بد من مادة يصنع بها آلات الجهاد.
والمأثور: {أن أول من خط وخاط إدريس عليه السلام} وآدم عليه السلام لم يخط ثوبا فما يصنع بالإبرة.
• قال قطرب في الآية: معناه جعله نزلا كما يقال أنزل الأمر على فلان نزلا حسنا أي جعله نزلا. قال ومثله قوله تعالى {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج}:
ما ذهب إليه قطرب ضعيف؛ فإن النزل إنما يطلق على ما يؤكل لا على ما يقاتل به قال الله تعالى {فنزل من حميم} والضيافة سميت نزلا لأن العادة أن الضيف يكون راكبا فينزل في مكان يؤتى إليه بضيافته فيه, ولهذا قال نوح عليه السلام {رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} لأنه كان راكبا في السفينة.
2- بيان معنى قوله تعالى:{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج }:
اختلف الناس فيها؛
منهم من فسر حرف (وأنزل) بجعل.
ومنهم من فسره بخلق, لكونها تخلق من الماء, فإن به يكون النبات الذي ينزل أصله من السماء وهو الماء.
• الصواب أنه لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة؛
فالإنزال هنا على حقيقته, فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها, ومن أصلاب آبائها تأتي بطون أمهاتها, لذا يقال للرجل: قد أنزل الماء, مع أن الرجل غالب إنزاله وهو على جنب؛ إما وقت الجماع وإما بالاحتلام, فكيف بالأنعام التي غالب إنزالها مع قيامها على رجليها وارتفاعها على ظهور الإناث ؟!
ومما يزيد الأمر بيانا أن حرف (النزول) لم يستعمل فيما خلق من السفليات؛ فلم يقل أنزل النبات, ولا أنزل المرعى, وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام.
3- بيان معنى قوله تعالى {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا}:
اختلف الناس في معنى (أنزلنا):
فقيل: خلقناه.
وقيل أنزلنا أسبابه.
وقيل ألهمناهم كيفية صنعته.
وجميع هذه الأقوال ضعيفة.
وقالوا في تفسير (وريشا):
الريش والرياش المراد به اللباس الفاخر كلاهما بمعنى واحد مثل اللبس واللباس.
وقيل: هما المال والخصب والمعاش وارتاش فلان حسنت حالته.
وهذه الأقوال ضعيفة أيضا.
• والصحيح أن " الريش " هو الأثاث والمتاع:
قال أبو عمر: والعرب تقول: أعطاني فلان ريشه أي كسوته وجهازه.
وقال غيره: الرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من المتاع والثياب والفرش ونحوها.
• والصواب في معنى (أنزلنا) في الآية:
أن الاية جاء فيها قراءتان:
إحداهما بالنصب فيكون لباس التقوى أيضا منزلا.
قراءة بالرفع فلا يكون لباس التقوى منزلا.
وكلاهما صواب.
ومقصود القرآن الإشارة إلى جنس اللباس الذي يلبس على البدن وفي البيوت, فامتن سبحانه عليهم بما ينتفعون به من الأنعام في اللباس والأثاث وهذا معنى إنزاله؛
فإنه ينزله من ظهور الأنعام وهو كسوة الأنعام من الأصواف والأوبار والأشعار, وكسوة الأنعام منزلة من الأصلاب والبطون, فهو منزل من الجهتين؛ فإنه على ظهور الأنعام لا ينتفع به بنو آدم حتى ينزل.
- كمال بيان القرآن الكريم وإحكامه:
• ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف المتبادر إلى الذهن, فالقرآن كتاب مبين: هو بنفسه واضح بيّن, وهو مبين لغيره.
• القرآن نزل بلغة العرب, ولا تعرف العرب نزولا إلا بهذا المعنى.
• لو كان معنى (النزول) يختلف عما تعرفه العرب في خطابها: لكان
القرآ خطابا بغير لغتها.
• استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان؛ لا يجوز ولا يحصل به البيان, وليس من الفصاحة في شيء.
• الله تعالى أخبر أنه بين القرآن, وجعله هدى للناس, وبهذا يحصل مقصود القرآن واللغة؛ وهذا لا يحصل إلا بحمل حروفه على ظاهرها مما تعرفه العرب في خطابها.