السؤال الثاني: ما الجمع بين تقييدكم الأحكام الشرعية بالعملية، في حد الفقه، وتقييد الحكم بفعل المكلف، مع أن الاعتقادات الدينية كأصول الدين أحكام؟ وهل تسمى الاعتقادات والنيات والأقوال أفعالاً حقيقة أو مجازاً؟ وإن قلتم: مجازاً، فهل يجوز إدخال المجاز في الحد أو لا؟
. . .
وأما قولنا في حد الفقه: (العملية)، مع قولنا: (الحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلف) فلا منافاة فيه.
وقولكم: (الاعتقادات الدينية كأصول الدين أحكام):
جوابه: أن أصول الدين، منه ما يثبت بالعقل وحده كوجود الباري، ومنه ما لا يثبت إلاَّ بكل من العقل والسمع، وهذان خرجا بقولنا (الشرعية) وتفسيرنا إياها نحن وغيرنا بما يتوقف على الشرع.
ومنه ما لا يثبت إلاَّ بالسمع كمسألة أن الجنة مخلوقة، ونحوها. فنقول: المراد بالحكم الإنشائي لا الخبري. وما لا يثبت إلاَّ بالسمع ينظر إليه من جهتين.
إحداهما: أصل ثبوته، وذلك ليس بإنشاء، لأن السمع فيه مخبر لا منشئ، كقولنا: الجنة مخلوقة والصراط حق.
والثانية: وجوب اعتقاده وذلك حكم شرعي إنشائي وهو عندنا عملي من مسائل الفقه، وهو داخل في قولنا (الحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلف).
وقولكم: هل تسمى الاعتقادات والنيات والأقوال أفعالاً؟
جوابه: أنها تسمى.
وأما كون ذلك بالحقيقة أو المجاز فيتوقف على نقل اللغة، والأظهر عندي أنه بالحقيقة.
ومن هنا يعلم أن عدول الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عن لفظ العملية إلى لفظ الفرعية احتجاجاً بأن النية من مسائل الفروع وليست عملاً ليس بجيد؛ لأنها عمل، فإن قلت فلفظ الفرعية أوضح من العملية فلم لا= اخترتموه؟ قلت: لأنه لا يدخل فيه وجوب اعتقاد مسائل الديانات التي لا تثبت إلاَّ بالسمع فإنها عندي فقه وليست فرعية.
وفي كلام الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى في (شرح المنهاج) ما يقتضي أن لفظ الفرعية أجود، وأن الأظهر أن وجوب اعتقاد ما ثبت من الديانات بالسمع لا يسمى فقهاً، ولكني لست أوافق على ذلك.
المجاز إذا اشتهر يجوز دخوله في الحدود:
وأما دخول المجاز في الحد فجائز إذا كان مشهوراً.
وأنا أقول: إني لم أر تعريفاً إلى الآن لا مجاز فيه، لا في المنطق ولا في الكلام، ولا الأصول وهي العلوم التي تحرر التعاريف فيها أكثر من غيرها، فما ظنك بغيرها؟!