تفسير قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) }
تفسير قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض الملك القدّوس العزيز الحكيم (1) هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ (2) وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم (3) ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (4) }
يخبر تعالى أنّه يسبّح له ما في السّموات وما في الأرض، أي: من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها، كما قال: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} [الإسراء: 44]
ثمّ قال: {الملك القدّوس} أي: هو مالك السموات والأرض المتصرّف فيهما بحكمه، وهو {القدّوس} أي: المنزّه عن النّقائص، الموصوف بصفات الكمال {العزيز الحكيم} تقدّم تفسيره غير مرّةٍ).[تفسير القرآن العظيم: 8/115]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *}.
(1) {الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}؛ أيْ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ ويَنقادُ لأمْرِه ويَتأَلَّهُه ويَعبُدُه جَميعُ ما في السماواتِ والأرضِ؛ لأنَّه الكامِلُ الْمَلِكُ، الذي له مُلْكُ العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ؛ فالجميعُ مَمَالِيكُه وتحتَ تَدبيرِه,القُدُّوسُ المُعظَّمُ الْمُنَزَّهُ عن كُلِّ آفةٍ ونَقْصٍ.
العزيزُ القاهرُ للأشياءِ كلِّها, الحكيمُ في خلْقِه وأَمْرِه؛ فهذهِ الأوصافُ العظيمةُ تَدْعُو إلى عِبادةِ اللَّهِ وحْدَه لا شريكَ له). [تيسير الكريم الرحمن: 862]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1- {الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ}. القُدُّوسُ: الْمُنَزَّهُ عن كلِّ نقْصٍ). [زبدة التفسير: 553]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم} الأمّيّون هم: العرب كما قال تعالى: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد} [آل عمران: 314] وتخصيص الأمّيّين بالذّكر لا ينفي من عداهم، ولكنّ المنّة عليهم أبلغ وآكد، كما في قوله: {وإنّه لذكرٌ لك ولقومك} [الزّخرف: 44] وهو ذكرٌ لغيرهم يتذكّرون به. وكذا قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشّعراء: 214] وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158] وقوله: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19] وقوله إخبارًا عن القرآن: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17]، إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على عموم بعثته صلوات اللّه وسلامه عليه إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم، وقد قدّمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام، بالآيات والأحاديث الصّحيحة، ولله الحمد والمنة.
وهذه الآية هي مصداق إجابة اللّه لخليله إبراهيم، حين دعا لأهل مكّة أن يبعث اللّه فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة. فبعثه اللّه سبحانه وتعالى وله الحمد والمنّة، على حين فترةٍ من الرّسل، وطموس من السّبل، وقد اشتدّت الحاجة إليه، وقد مقت اللّه أهل الأرض عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب -أي: نزرًا يسيرًا-ممّن تمسّك بما بعث اللّه به عيسى ابن مريم عليه السّلام؛ ولهذا قال تعالى: {هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ} وذلك أنّ العرب كانوا [قديمًا] متمسّكين بدين إبراهيم [الخليل] عليه السّلام فبدّلوه وغيّروه، وقلبوه وخالفوه، واستبدلوا بالتّوحيد شركًا وباليقين شكًّا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها اللّه وكذلك أهل الكتابين قد بدّلوا كتبهم وحرّفوها وغيّروها وأوّلوها، فبعث اللّه محمّدًا صلوات اللّه وسلامه عليه بشرعٍ عظيمٍ كاملٍ شاملٍ لجميع الخلق، فيه هدايتهم، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم، والدّعوة لهم إلى ما يقرّبهم إلى الجنّة، ورضا اللّه عنهم، والنّهي عمّا يقرّبهم إلى النّار وسخط اللّه. حاكمٌ، فاصلٌ لجميع الشّبهات والشّكوك والرّيب في الأصول والفروع. وجمع له تعالى، وله الحمد والمنّة، جميع المحاسن ممّن كان قبله، وأعطاه ما لم يعط أحدًا من الأوّلين، ولا يعطيه أحدًا من الآخرين، فصلوات اللّه وسلامه عليه [دائمًا] إلى يوم الدّين).[تفسير القرآن العظيم: 8/115-116]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ *}.
(2) {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً}: المرادُ بالأُمِّيِّينَ الذينَ لا كتابَ عندَهم، ولا أثَرَ رِسالةٍ مِن العرَبِ وغيرِهم مِمَّن لَيسوا مِن أهلِ الكتابِ، فامْتَنَّ اللَّهُ تعالى عليهم مِنَّةً عَظيمةً أعظَمَ مِن مِنَّتِه على غيرِهم؛ لأنَّهم عادِمونَ للعلْمِ والخيْرِ.
وكانوا في {ضَلاَلٍ مُبِينٍ}؛ يَتَعَبَّدُونَ للأصنامِ والأشجارِ والأحْجارِ، ويَتَخَلَّقُونَ بأخلاقِ السِّباعِ الضارِيَةِ، يَأكُلُ قَوِيُّهم ضَعِيفَهم، وقدْ كانوا في غايةِ الجَهْلِ بعُلومِ الأنبياءِ، فبَعَثَ اللَّهُ فيهم رَسولاً مِنهم يَعْرِفونَ نَسَبَه وأَوصافَه الجميلةَ وصِدْقَه، وأَنْزَلَ عليهِ كتابَه.
{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} القاطعةَ الموجِبَةَ للإيمانِ واليَقِينِ.
{وَيُزَكِّيهِمْ}؛ بأنْ يُفَصِّلَ لهم الأخلاقَ الفاضلةَ، ويَحُثَّهم عليها ويَزْجُرَهم عن الأخلاقِ الرَّذيلةِ.
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}؛ أيْ: عِلْمَ الكتابِ والسُّنَّةِ المُشتَمِلَ علَى عُلومِ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، فكانوا بعدَ هذا التعليمِ والتَّزْكيةِ مِن أعْلَمِ الخَلْقِ، بل كانوا أئمَّةَ أهلِ العلْمِ والدِّينِ، وأكمَلَ الخَلْقِ أخلاقاً وأَحسنَهم هَدْياً وسَمْتاً.
اهْتَدَوْا بأنْفُسِهم، وهَدَوْا غيرَهم، فصارُوا أئمَّةَ المُهتدِينَ وقَادةَ الْمُتَّقِينَ، فلِلَّهِ تعالى عليهم ببَعثةِ هذا الرسولِ أكمَلُ نِعمةٍ وأجَلُّ مِنْحةٍ). [تيسير الكريم الرحمن: 862]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2- {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ} المرادُ بالأُمِّيِّينَ: العرَبُ، مَن كانَ يُحْسِنُ الكِتابةَ مِنهم ومَن لا يُحْسِنُها؛ لأنهم لم يَكونوا أهْلَ كِتابٍ، والأُمِّيُّ في الأصْلِ الذي لا يَكتُبُ ولا يَقرأُ المكتوبَ، وكانَ غالِبُ العرَبِ كذلك.
{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} يَعنِي القرآنَ؛ مع كونِه أُمِّيًّا لا يَقرأُ ولا يَكتبُ، ولا تَعلَّمَ ذلك مِن أحَدٍ.
{وَيُزَكِّيهِمْ} أيْ: يُطَهِّرُهم مِن دَنَسِ الكفْرِ والذنوبِ وسَيِّئِ الأخلاقِ، وقيلَ: يَجعلُهم أزكياءَ القلوبِ بالإيمانِ.
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الكتابُ القرآنُ، والحكمةُ السنَّةُ، وقيلَ: الكتابُ الخطُّ بالقلَمِ، والحكمَةُ الفقْهُ في الدِّينِ، كذا قال مالِكُ بنُ أنَسٍ.
{وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} أيْ: في شرْكٍ وذَهابٍ عن الحقِّ). [زبدة التفسير: 553]
تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم} قال الإمام أبو عبد اللّه البخاريّ رحمه اللّه.
حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه، حدّثنا سليمان بن بلالٍ، عن ثورٍ، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: كنّا جلوسًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزلت عليه سورة الجمعة: {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم} قالوا: من هم يا رسول اللّه؟ فلم يراجعهم حتّى سئل ثلاثًا، وفينا سلمان الفارسيّ، فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده على سلمان ثمّ قال: "لو كان الإيمان عند الثّريّا لناله رجالٌ -أو: رجلٌ-من هؤلاء".
ورواه مسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن أبي حاتمٍ، وابن جرير، من طرق عن ثور بن زيدٍ الدّيلي عن سالمٍ أبي الغيث، عن أبي هريرة، به
ففي هذا الحديث دليلٌ على أنّ هذه السّورة مدنيّةٌ، وعلى عموم بعثته صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جميع النّاس؛ لأنّه فسّر قوله: {وآخرين منهم} بفارس؛ ولهذا كتب كتبه إلى فارس والرّوم وغيرهم من الأمم، يدعوهم إلى اللّه عزّ وجلّ، وإلى اتّباع ما جاء به؛ ولهذا قال مجاهدٌ وغير واحدٍ في قوله: {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم} قال: هم الأعاجم، وكلّ من صدّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من غير العرب.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن العلاء الزّبيديّ حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا أبو محمّدٍ عيسى بن موسى، عن أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ في أصلاب أصلاب أصلاب رجالٍ [من أصحابي رجالًا] ونساءً من أمّتي يدخلون الجنّة بغير حسابٍ" ثمّ قرأ: {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم} يعني: بقيّةٌ من بقي من أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {وهو العزيز الحكيم} أي: ذو العزّة والحكمة في شرعه وقدره).[تفسير القرآن العظيم: 8/116-117]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (3) وقولُه: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}؛ أيْ: وامْتَنَّ على آخَرِينَ مِن غيرِهم؛ أيْ: مِن غيرِ الأُمِّيِّينَ ممَّن يَأتِي بعدَهم ومِن أهلِ الكتابِ, {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}؛ أيْ: فيمَن باشَرَ دعوةَ الرسولِ، يَحْتَمِلُ أنَّهم لَمَّا يَلْحَقُوا بهم في الفَضْلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكونوا لَمَّا يَلْحَقُوا بهم في الزمانِ.
وعلَى كُلٍّ، فكِلاَ الْمَعْنَيَيْنِ صحيحٌ؛ فإنَّ الذينَ بَعَثَ اللَّهُ فيهم رَسولَه وشَاهَدُوه وباشَرُوا دَعوتَه حَصَلَ لهم مِن الخَصائصِ والفَضائلِ ما لا يُمَكِّنُ أحداً أنْ يَلْحَقَهم فيها). [تيسير الكريم الرحمن: 862]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3- {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} أيْ: لم يَلْحَقُوا بهم في ذلك الوقتِ، وسيَلحقونَ بهم مِن بعدُ، أيْ: يُزَكِّيهِم ويُزَكِّي آخَرينَ منهم، وهم مَن جاءَ بعدَ الصحابةِ مِن مُسْلِمِي العرَبِ وغيرِهم إلى يومِ القيامةِ.
أخْرَجَ البخاريُّ وغيرُه عن أبي هُريرةَ قالَ: كُنَّا جُلوساً عندَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ نَزلتْ سُورةُ الْجُمُعَةِ، فتَلاها، فلَمَّا بَلَغَ {وَآخَرِينَ مِنهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قالَ له رجلٌ: يا رسولَ اللهِ, مَن هؤلاءِ الذين لم يَلْحَقُوا بنا؟ فوضَعَ يَدَه على سَلمانَ الفارسيِّ وقالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ)).
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أيْ: بَليغُ العِزَّةِ والحكْمَةِ). [زبدة التفسير: 553]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم} يعني: ما أعطاه اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من النّبوّة العظيمة، وما خصّ به أمّته من بعثته صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم).[تفسير القرآن العظيم: 8/117]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (4) وهذا مِن عِزَّتِه وحِكمتِه؛ حيثُ لم يَتْرُكْ عِبادَه هَمَلاً ولا سُدًى، بل ابتَعَثَ فيهم الرُّسُلَ وأمَرَهم ونَهاهُم، وذلكَ مِن فضْلِ اللَّهِ العظيمِ الذي يُؤتِيهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِه، وهو أفْضَلُ مِن نِعمتِه عليهم بعَافيةِ البَدَنِ وسَعَةِ الرِّزْقِ وغيرِ ذلك مِن النِّعَمِ الدُّنيويَّةِ، فلا أفْضَلَ مِن نِعمةِ الدِّينِ التي هي مادَّةُ الفَوْزِ والسعادةِ الأَبَدِيَّةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 862]
* للاستزادة ينظر: هنا