أسئلة علوم العقيدة
[سؤال 1]: الأخ يسأل سؤالاً وجيهاً، وهو: أنه جاء في حديث ابن عباس ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) وُصِف اللهُ بأنه ذو معرفة، وأنه يَعرِف.
[الجواب]: وهذا فيه نظر؛ لأن المتقرر في القواعد في الأسماء والصفات: أن باب الأفعال أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الأخبار أوسع من باب الأفعال وباب الصفات وباب الأسماء، فقد يُطلق ويُضاف إلى الله -جل وعلا- فعل ولا يُضاف إليه الصفة، كما أنه قد يوصف الله -جل وعلا- بشيء ولا يُشتق له من الصفة اسماً؛ ولهذا يدخل في هذا كثير مما جاء، مثل ما وصف الله جل وعلا به نفسه: في قوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ، {مُسْتَهْزِءُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ، ((إن الله لا يمل حتى تملُّوا)) .
ونحو ذلك مما جاء مقيداً بالفعل ولم يذكر صفة بالاسم، فهذا يقال فيه أنه يطلق مقيداً، ويمكن أن يحمل عليه حديث ابن عباس هذا: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) .
نقول: إن الله -جل وعلا- يَعرف في الشدة من تعرف عليه الرخاء، على نحو تلك القاعدة، كما يقال: إن الله -جل وعلا- يمكر بمن مكر به، يستهزيء بمن استهزأ به، يخادع من خادعه، ولا يقال: إن الله -جل وعلا- ذو مكرٍ، وذو استهزاءٍ، وذو مخادعةٍ، هكذا مطلقاً بالصفة، وإنما كما هي القاعدة: أن باب الأفعال أوسع من باب الصفات. [شرح الأصول الثلاثة/ درس: بم يعرف العبد ربه؟]
[سؤال 2]: وهذا سؤال، قال: هل يصح أن يقال: (توكلت على الله ثم عليك) ؟
[والجواب]: أن هذا لا يصلح؛ لأن الإمام أحمد وغيره من الأئمة صرحوا بأن التوكل عمل القلب.
ما معنى التوكل؟ هو تفويض الأمر إلى الله جل وعلا، بعد بذل السبب، إذا بُذل السبب؛ فوض العبد أمره إلى الله، فصار مجموع بذله للسبب وتفويضه أمره لله؛ مجموعها التوكل.
ومعلوم أن هذا عمل القلب، كما قال الإمام أحمد.
ولهذا سئل الشيخ محمد بن إبراهيم - مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله تعالى - عن هذه العبارة، فقال: (لا تصح؛ لأن التوكل عمل القلب، لا يقبل أن يقال فيه: توكلت على الله ثم عليك، إنما الذي يقال: فيه (ثم) ما يسوغ أن ينسب للبشر).
بعض أهل العلم في وقتنا قالوا: إن هذه العبارة لا بأس بها (توكلت على الله ثم عليك)، ولا ينظر فيها إلى أصل معناها، وما يكون من التوكل في القلب، وإنما ينظر فيها إلى أن العامة حين تستعملها ما تريد التوكل الذي يعلمه العلماء، وإنما تريد من مثل معنى: اعتمدت عليك؛ ومثل: (وكلتك)، ونحو ذلك، فسهلوا فيها؛ باعتبار ما يجول في خاطر العامة من معناها، وأنهم لا يعنون التوكل الذي هو لله، لا يصلح إلا لله.
لكن الأولى المنع؛ لأن هذا الباب ينبغي أن يسد، ولو فتح باب أنه يُستسهل في الألفاظ لأجل مراد العامة فإنه يأتي من يقول - مثلاً - ألفاظاً شركية، ويقول: أنا لا أقصد بها كذا.
مثل الذين يظهر ويكثر على لسانهم الحلف بغير الله؛ بالنبي أو ببعض الأولياء، ونحو ذلك، يقولون: لا نقصد حقيقة الحلف، فالذي ينبغي وَصد ما يتعلق بالتوحيد، وما ربما يخدشه، أو يضعفه، ينبغي وصد الباب أمامه؛ حتى تخلص القلوب والألسنة لله وحده لا شريك له. [شرح الأصول الثلاثة/ درس: الخوف والرجاء والتوكل]
...
[سؤال 3]: ما حكم من يضع آية الكرسي في السيارة، أو يضع مجسماً فيه أدعية، أدعية ركوب السيارة، وأدعية السفر، وغيرها من الأدعية؟
[الجواب]: نقول: هذا فيه تفصيل:
- فإن كان وضع هذه الأشياء ليتحفظها ويتذكر قراءتها؛ فهذا جائز، كمن يضع المصحف أمام السيارة، أو يضعه معه؛ لأجل أنه إذا صارت عنده فرصة هو، أو من معه، أن يقرأ فيه؛ فهذا جائز لا بأس به.
- لكن إن وضعها تعلقاً؛ لأجل أن تدفع عنه، فهذا هو الكلام في مسألة تعليق التمائم من القرآن؛ فلا يجوز ذلك على الصحيح، ويحرم. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب ما جاء في الرقى والتمائم]
[سؤال 4]: فضيلة الشيخ -حفظه الله تعالى- من يوصي أحداً بالبحث عن راقٍ يرقي له دون أن يطلب الرقية من الراقي بنفسه، هل هذا يدخل من الذين يسترقون ؟
[الجواب]: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، قال:
((هم الذين لا يسترقون)) يعني: لا يطلبون الرقية، وفهم جواب السؤال يتبع فهم التعليل؛ ذلك أن أولئك كانوا لا يسترقون، يعني: لا يطلبون الرقية؛ لأجل ما قام في قلوبهم من الاستغناء بالله، وعدم الحاجة إلى الخلق، ولم تتعلق قلوبهم بالخلق في هذا الأمر الذي سيرفع ما بهم.
وكما ذكرت لك، أن مدار العلة على تعلق القلب بالراقي، أو بالرقية في رفع ما بالمرقي من أذى، أو في دفع ما قد يُتَوقَّع من السوء، وعليه: فيكون الحالان سواءً، يعني: إن كان طلب بنفسه، أو طلب بغيره؛ فإنه طالبٌ، والقلب متعلق بمن طلب منه الرقية:
- إما بالأصالة.
- أو بواسطة. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب ما جاء في الرقى والتمائم]
...
[سؤال 5]: يقول أهلي: اذبح الذبيحة ووزعها على المساكين دفعة بلاء، فهل تجوز تلك النية ؟
[الجواب]: هذا فيه تفصيل، ذلك أن ذبح الذبائح إذا كان من جهة الصدقة، ولم يكن لدفع شيء متوقع، أو لرفع شيء حاصل، ولكن من جهة الصدقة وإطعام الفقراء، فهذا لا بأس به، داخل في عموم الأدلة التي فيها الحض على الإطعام، وفضيلة إطعام المساكين.
وأما إن كان الذبح لأن بالبيت مريضاً، فيذبح لأجل أن يرتفع ما بالمريض من أذى؛ فهذا لا يجوز، ويحرم.
- قال العلماء: (سدّاً للذريعة؛ ذلك لأن كثيرين يذبحون حين يكون بهم مرض، لظنهم أن المرض كان بسبب الجن، أو كان بسبب مؤذٍ من المؤذين إذا ذبح الذبيحة وأراق الدم فإنه يندفع شره، أو يرتفع ما أحدث، وهذا لاشك أنه اعتقاد محرم ولا يجوز).
والذبيحة لرفع المرض والصدقة بها عن المريض، قال العلماء: (هي حرام ولا تجوز سدّاً للذريعة) وللشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق (رسالة خاصة في الذبح للمريض).
كذلك: إذا كان الذبح لدفع أذىً متوقع، مثلاً: كان بالبلد داء معين؛ فذبح لدفع هذا الداء، أو كان في الجهات التي حول البيت ثمَّ شيء يؤذي؛ فيذبح ليندفع ذلك المؤذي: إما لص مثلاً يتسلط على البيوت، أو أذى يأتي للبيوت، فيذبح ويتصدق بها؛ لأجل أن يندفع ذلك الأذى، هذا أيضاً غير جائز، ومنهي عنه سدّاً للذريعة؛ لأن من الناس من يذبح لدفع أذى الجنّ، وهو شرك بالله جل وعلا.
فإذاً تحصّل من ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:((داوو مرضاكم بالصدقة)) فيما رواه أبو داود وغيره، وقد حسّنه بعض أهل العلم، وضعفه آخرون، أن معنى ((داوو مرضاكم بالصدقة)) يعني: بغير إراقة الدم، فيكون إراقة الدم مخصوص من ذلك -من المداواة بالصدقة- لأجل ما فيه من وسيلة إلى الاعتقادات الباطلة، ومعلوم أن الشريعة جاءت بسد الذرائع جميعا، إلا الذرائع الموصلة إلى الشرك، وجاءت أيضاً بفتح الذرائع الموصلة للخير، فما كان من ذريعة يوصل إلى الشرك والاعتقاد الباطل؛ فإنه يُنهى عنه. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 6]: وهذا يقول: ما رأي فضيلتكم ببعض الأواني التي يُكتب عليها بعض الآيات والتي تباع في بعض المحلات التجارية؟
[الجواب]: هذه الأواني يختلف حالها: إن كان يستخدمها لأجل أن يتبرك بما كتب فيها من الآيات؛ فيجعل فيها ماء ويشربه لأجل أن الماء يلابس هذه الآيات؛ فهذا من الرقية غير المشروعة؛ لأن الرقية المشروعة ما كانت الآيات في الماء، وهذه الآيات لم تنحلّ في الماء؛ لأنها من معدن، أو من نحاس، والتصاق الماء بتلك الكتابات -آيات أو أدعية- لا يجعل الماء بذلك مباركاً، أو مقروءاً فيه، فإذا اتخذت لذلك؛ فهذا من الرقية غير المشروعة.
- وأما إذا أخذها للزينة، أو لجعلها في البيت، أو لتعليقها: فهذا كرهه كثير من أهل العلم؛ لأن القرآن ما نزل لتزين به الأواني، أو تزين به الحيطان، وإنما نزل للهداية:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
[شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 7]: وهذا يقول: بعض الناس يضع المصحف في درج السيارة، وذلك بقصد أن للمصحف أثر في ردِّ العين أو البلاء، نرجو منكم التوضيح .
[الجواب]: إذا كان يقصد من وضع المصحف في درج السيارة، أو على طبلون السيارة الأمامي، أو خلف السيارة؛ أن يدفع عنه وجود المصحف العين: فهذا من اتخاذ المصحف تميمة، وقد مر حكم التمائم من القرآن؛ وأن الصحيح أنه
لا يجوز أن يجعل القرآن تميمة، ولا أن يجعل القرآن بوجوده دافعاً للعين.
لكن الذي يدفع العين:
- قراءة القرآن.
- والأدعية المشروعة.
- والاستعاذة بالله جل وعلا، ونحو ذلك مما جاء في الرقية؛ فتحصل أن وضع القرآن لهذه الغاية داخل في المنهي عنه، وهو من اتخاذ التمائم من القرآن.
لَمَّا كان القرآن غير مخلوق، وهو كلام الله جل وعلا، لم تصر هذه التميمة شركية، وإنما يُنهى عنها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستعمل هذا، ولم يجعل في عنق أحد من الصحابة، لا الصغار ولا الكبار، ولا أذن، ولا وجَّه بأن يجعل القرآن في شيء من صدورهم، أو في عضد أحدهم، أو في بطنه، ومعلوم أن مثل هذا لو كان دواءً مشروعاً، أو رقية سائغة، أو تميمة مأذوناً بها؛ لرخص فيها، سيما مع شدة حاجة الصحابة إلى ذلك.
وتعليق القرآن أيسر من البحث عن راقٍ يرقي، ويُطلب منه، وربما يكافأ على رقيته، فلما كان هذا أيسر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرشدهم إلى الأيسر، وقد بُعث ميسراً؛ عُلِم -مع ضميمة الأدلة التي ذكرت لكم بالأمس- أن هذا من جنس غير المشروع، والله أعلم. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 8]: وهذا يقول: قوله: ((وعامرهن غيري)) قد يستدل به أهل البدع على أن الله في كل مكان، نرجو التوضيح بارك الله فيكم.
[الجواب]: في قوله -جل وعلا- في الحديث القدسي: ((يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري)) السماوات السبع معروفة طباق، بعضها فوق بعض، ((وعامرهن)) هي من العمارة المعنوية، يعني: من عمرها بالتسبيح والتهليل وذكر الله وعبادته، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أطّت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع)) ففيها عُمَّار كثيرون.
- عمروها بعبادة الله جل وعلا، وقد قال -جل وعلا- في أول سورة الأنعام:{وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون}، فالله -جل وعلا- هو المعبود سبحانه في السماوات، وهو المعبود سبحانه في الأرض، فقوله هنا: ((لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري)) يعني من يعمر السماوات، والله -جل وعلا- في هذا الاستثناء في قوله ((غيري)) يعني: إلا أنا، هذا يحتمل أن يكون الاستثناء راجع إلى الذات، وراجع إلى الصفات.
ومعلوم أن الأدلة دلت على أن الله جل وعلا على عرشه مستوٍ عليه، بائن من خلقه جل وعلا؛ والسماوات من خلقه سبحانه وتعالى، فعُلم من ذلك أن قوله: (وعامرهن غيري) راجع إلى عمارة السماء بصفات الله جل وعلا، وبما يستحقه سبحانه من التأله والعبودية، وما فيها من علم الله، ورحمته، وقدرته، وتصريفه للأمر، وتدبيره، ونحو ذلك من المعاني. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 9]:وهذا يقول: رجل عنده ولد مريض مرضاً لم يجد له علاجاً، فقال: اذهب إلى مكة وأضع ولدي عند البيت، أدعو له بالشفاء، ثم وقت الظهر سوف أعزم مائة شخص من فقراء الحرم على الغداء، وأقول: ادعوا الله أن يشفي ولدي، فما رأيكم في هذا العمل؟ [مسألة: طلب الدعاء من الآخرين]
[الجواب]: هذا العمل فيه تصدق ودعوة الفقراء إلى الطعام.
- وفيه طلب الدعاء منهم لولده، والتصدق بالطعام: هذا من جنس المشروع كما ذكرت لكم، فإن كان فيه من الذبائح فعلى التفصيل الذي مر من قبل، سواء كانت دجاجاً، أو كان ضأناً، أو غير ذلك مما يذبح، يعني: مما فيه إراقة دم.
- وإن كان أطعمهم طعاماً لإشباعهم والتصدق عليهم، هذا هو القصد؛ وطلب منهم الدعاء وهي المسألة الثانية؛ فهذا راجع إلى هل يشرع طلب الدعاء من الغير بهذه الصفة؟ والظاهر أن هذا من جنس ما هو غير مشروع، وإذا قلنا غير مشروع، يعني: مما ليس بمستحب، ولا واجب، وهل يجوز ذلك أم لا ؟
طلب الدعاء من الآخرين: قال العلماء فيه: (الأصل فيه الكراهة).
والذي يتأمل ما رُوي عن الصحابة، وعن التابعين فيمن طلب منهم الدعاء، أنهم كهروه ونهوه، وقالوا: (أنحن أنبياء؟) كما قال حذيفة، وكما قال معاذٌ، وكما قال غيرهما.
ومالك بن أنس -رضي الله عنه، ورحمه، إمام دار الهجرة- كان ربما طلب منه الدعاء فنهى من طلب منه الدعاء، لِمَ ؟
لأنه إذا عُرِف عند الناس أن فلاناً يُطلَب منه الدعاء بخصوصه؛ فإن القلوب تتعلق بذلك، وإنما يُتعلق في طلب الدعاء بالأنبياء، أما من دونهم؛ فلا يتعلق بهم في هذا الأمر، لهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن طلب الدعاء من المسلم الحي يكون مشروعاً إذا قُصِد به:
- نفع الداعي.
- ونفع المدعو له.
إذا قَصَد الطالب أن ينفع الجهتين -ينفع الداعي، وينفع المدعو له- فهذا محسن وطالب لنفسه؛ فهذا من المشروع.
وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء في السنة؛ فيما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر: لما أراد أن يعتمر، قال له: ((لا تنسنا يا أخي من دعائك)) وهذا الحديث إسناده ضعيف، وقد احتج به بعض أهل العلم، وظاهر أن معناه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن ينفع عمر بهذه الدعوة؛ فالطالب للدعاء محتاج إلى غيره.
المقصود من هذا: أن فعل هذا السائل لأجل ولده، الأولى تركه؛ لأجل ألاّ يتعلق قلبه بأولئك في دعائهم.
ومن العلاج المناسب: أن يلتزم بين الركن والمقام، يعني: بين الحجر الأسود، وبين آخر حَدِّ باب الكعبة وهو الملتزم، يلتزم، ويُلْصِق بطنه، وصدره، وخده ببيت الله جل وعلا، ويقف بالباب مُخبتاً، مُنيباً، سائلاً الله جل وعلا، منقطعاً عن الخلق، عالماً أنه لا يشفي من الداء في الحقيقة؛ إلا الله جل جلاله، وأنه -جل وعلا- هو الذي يشفي، وهو الذي يعافي؛ كما قال: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده} فهذا أعظم أثراً، إن شاء الله مِنْ فعله الذي يريد أن يفعله من دعوة أولئك.
- فالتضرع لله في أوقات الإجابة.
- وفي الأماكن الفاضلة.
- وفي الأزمنة الفاضلة،: نرجو أن يكون معه إجابة الدعاء، وشفاء المرض. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 10]: وهذا يقول: فضيلة الشيخ لماذا لم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الشرك للصحابة قبل أن يقعوا فيه في حديث ذات أنواط؟
[الجواب]: من المعلوم أن الشريعة جاءت بالإثبات المفصَّل، والنفي المجمل، والنفي إذا كان مجملاً ؛ فإنه يندرج تحته صور كثيرة، يُدخِلها مَن فهم النفي في الدلالة، فلا يُحتاج مع النفي أن يُنبه على كل فرد فرد، ولهذا نقول من فهم (لا إله إلا الله) لم يحتج إلى أن يُفصل له كل مسألة من المسائل.
فمثلاً: النذر لغير الله: ليس فيه حديث (النذر لغير الله شرك) والذبح لغير الله: ليس فيه حديث (الذبح لغير الله شرك) ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة.
وهكذا في العكوف عند القبور.
- أو العكوف والتبرك عند الأشجار، والأحجار، لم يأت فيها شيء صريح، ولكن نفي إلاهية غير الله -جل وعلا- يدخل فيها -عند من فهم معنى العبادة- كل الصور الشركية.
ولهذا الصحابة رضي الله عنهم فهموا ما دخل تحت هذا النفي، ولم يطلب ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، إلا من كان حديث عهدٍ بكفر، يعني: لم يسلم إلا قريباً، وهم قلة ممن كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسيره إلى حُنين.
والإثبات يكون مفصلاً، وتفصيل الإثبات:
- تارة يكون بالتنصيص.
- وتارة يكون بالدلالة العامة من وجوب إفراد الله جل وعلا بالعبادة مثلاً: {اعبدوا ربكم}{ما لكم من إله غيره} ونحو ذلك من الآيات.
- والأدلة الخاصة بالعبادة كقوله: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً} وكقوله: {فصلِّ لربك وانحر} وكقوله: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} فهذه أدلة إثبات، تثبت أن تلك المسائل من العبادات، وإذا كانت من العبادات فقول (لا إله إلا الله) يقتضي بالمطابقة أنه لا تُصرف العبادة؛ إلا لله جل وعلا.
إذاً فيكون ما طلبه أولئك من القول الذي لم يعملوه، راجع إلى عدم فهمهم أن تلك الصورة داخلة فيما نفي لهم مجملاً بقول: (لا إله إلا الله). [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 11]: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، ما حكم التبرك بالصالحين وبماء زمزم والتعلق بأستار الكعبة؟
[الجواب]: التبرك بالصالحين قسمان:
1- تبرك بذواتهم:
- بعرقهم.
- بسورهم يعني بقية الشراب.
- بلعابهم الذي اختلط بالنوى مثلاً، أو ببعض الطعام.
- أو التبرك بشعرهم، أو نحو ذلك.
فهذا لا يجوز، وهو من البدع المحدثة.
وقد ذكرت لكم أن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يكونوا يعملون مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي- وهم سادة أولياء هذه الأمة - شيئاً من ذلك، وإنما فعله الخلوف الذين يفعلون ما لا يؤمرون، ويتركون ما أُمروا به.
2- والقسم الثاني:
بركة عمل وهي: الإقتداء بالصالحين في صلاحهم.
والاستفادة من أهل العلم، والتأثر بأهل الصلاح، وهذا أمر مطلوب، والتبرك بالصالحين بهذا المعنى مطلوب شرعاً.
أما التبرك بالذات
-كما كان يُفعل مع النبي صلى الله عليه وسلم- فهذا ليس لأحد، إلا للنبي عليه الصلاة والسلام.
- أما التبرك بماء زمزم: فإن شرب ماء زمزم بما جاء به الدليل، ولِمَا جاء به الدليل لا بأس به، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال في ماء زمزم: ((إنها طعام طعم وشفاء سُقم)) فمن شربها طعاماً أو شفاء سقم، شرب بما دلّ عليه الدليل.
كذلك:شربها لغرض من الأغراض التي يريد أن يحققها لنفسه؛ فهذا أيضاً جائز؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ماء زمزم لما شُرب له)) فإذاً: أن يجعل ماء زمزم سببًا لأشياء يريدها؛ فهذا راجع إلى أنه سبب أُذن به شرعاً، ولو شرب ماءً آخر مثلاً، ماء صحة، وأراد بشرب هذا الماء أن يحفظ القرآن؛ فيكون هذا اعتقاداً خاطئاً؛ لأن ما جاء فيه الدليل هو الذي يجعل ذلك السبب مؤثراً، أو جائزاً أن يُعتقد أنه مؤثر.
- أما التعلق بأستار الكعبة رجاء البركة؛ فهذا من وسائل الشرك، ومن الشرك الأصغر إذا اعتقد أن ذلك التبرك سبب.
- أما إذا اعتقد أن الكعبة ترفع أمره إلى الله، أو أنه إذا فعل ذلك عظُم قدره عند الله، وأن الكعبة يكون لها شفاعة عند الله، أو نحو تلك الاعتقادات التي فيها اتخاذ الوسائل إلى الله جل وعلا، فهذا يكون التبرك على ذاك النحو شرك أكبر.
ولهذا يقول كثير من أهل العلم:(إن أنواع التبرك بحيطان المسجد الحرام، وبالكعبة، أو نحو ذلك، أو بمقام إبراهيم: التمسح بذلك رجاء البركة من وسائل الشرك، بل هو من الشرك) من وسائل الشرك: الأكبر.
بل هو من الشرك، يعني: الشرك الأصغر؛ كما قرر ذلك الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]
...
[سؤال 12]: يقول: فضيلة الشيخ: مما يقع فيه كثير من الناس أنه إذا حصل له أمر ونجا منه فإنه يجب عليه أن يتصدق.
[الجواب]: الصدقة في مثل هذا ليس لها حكم الوجوب، والشكر لله -جل وعلا- على نعمه إذا نُجِّيَ العبد من بلاء، أو حصلت له مسرة: يكون تارة بالسجود، وتارة بالصلاة، أو بالصدقة، شكراً لله -جل وعلا- على نعمه، وهذا كله من المستحب وليس من الواجب، إلا إذا كان ثَمَّ نذر، نذر أنه إن نُجي من كذا وكذا فإنه سيتصدق، فهنا يكون ألزم نفسه بعبادة ألا وهي الصدقة إذا حصل له كذا وكذا، فتكون واجبة بالنذر، أما أصل الصدقة فهو مستحب، وإذا كانت في مقابلة نعمة، أو اندفاع نقمة، فهي أيضاً مستحبة وليست بواجبة، لا تجب إلا إذا نذر وتحقق المشروط.[شرح كتاب التوحيد/ درس: باب ما جاء في الذبح لغير الله]
...
[سؤال 13]: وهذا يقول: عندنا عادة وهي أن من حصل بينه وبين شخص عداوة أو بغضاء بتعدٍّ من أحدهما على الآخر، فيطلبون من أحدهما أن يذبح، ويسمون ذلك (ذبح صلح)، فيذبح ويحضرون من حصلت معه العداوة، فما حكم ذلك؟
[الجواب]: ذبح الصلح الذي تعمله بعض القبائل في صورته المشتهرة المعروفة: لا يجوز؛ لأنهم يجعلون الذبح أمام من يريدون إرضاءه، و يريقون الدم تعظيماً له، أو إجلالاً لإرضائه، وهذا يكون محرماً؛ لأنه لم يرق الدم لله جل وعلا، وإنما أراقه لأجل إرضاء فلان، وهذا الذبح محرم، والذبيحة أيضاً لا يجوز أكلها؛ لأنها لم تُهَلَّ أولم تذبح لله جل وعلا، وإنما ذبحت لغيره، فإن كان الذبح الذي هذا صفته من جهة التقرب والتعظيم، صار شركاً أكبر؛ وإن لم يكن من جهة التقرب والتعظيم، صار محرماً؛ لأنه لم يَخْلُص من أن يكون لغير الله.
فصار عندنا في مثل هذه الحالة، وكذلك في الذبح للسلطان ونحوه: المسألة التي مرت علينا بالأمس، أن يكون الذبح في مَقْدَمِه، وأن يراق الدم لقدومه وبحضرته، هذا قد يكون على جهة التقرب والتعظيم؛ فيكون الذبح حينئذ شركاً أكبر بالله جل وعلا؛ لأنه ذبح وأراق الدم تعظيماً للمخلوق وتقرباً إليه، وإن لم يذبح تقرباً، أو تعظيماً؛ وإنما ذبح لغاية أخرى، مثل: (الإرضاء) ولكنه شابه أهل الشرك فيما يذبحونه تقرباً وتعظيماً؛ فنقول: (الذبيحة لا تجوز ولا تحل، والأكل منها حرام).
ويمكن الإخوة الذين يشيع عندهم في بلادهم أو في قبائلهم مثل هذا المسمّى (ذبح الصلح) ونحوه، أن يبدلوه بخير منه، وهو أن تكون وليمة للصلح فيذبحون للضيافة، يعني: يذبحون لا بحضرة من يريدون إرضاءه، ويدعونهم ويكرمونهم، وهذا من الأمر المرغَّب فيه، فيكون الذبح كما يذبح المسلم عادة لضيافة أضيافه ونحو ذلك. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب ما جاء في الذبح لغير الله]
...
[سؤال 14]: وهذا يقول: هناك رجل في منطقتنا يأتي إليه الناس عند فقد أموالهم فيعطيهم خيطاً معقداً ويقرأ عليه ويطلب منهم أن يضعوه في المكان الذي فقده، فما حكم ذلك؟ وما حكم الصلاة خلفه؟
[الجواب]: هذا من الكهانة؛ لأن هذا الذي يعمل هذه الأشياء عرّاف أو كاهن، وقد يكون ساحراً أيضاً؛ فلا يجوز عمل مثل هذا العمل، ولا يحل لأحد أن يعين أحداً يدَّعي معرفة شيء من علم الغيب.
والصلاة خلفه لا تجوز؛لأن هذا إما أن يكون عرافاً، أو كاهناً، أو ساحراً، وهؤلاء لا تجوز الصلاة خلفهم. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب ما جاء في الذبح لغير الله]
...
[سؤال 15]: وهذا يقول: فضيلة الشيخ: ما معنى قولهم: (الشرك الأصغر أكبر من الكبائر) وكيف يكون كذلك والشرك الأكبر يعتبر من الكبائر إذ هو أكبر الكبائر؟ فنرجو إزالة الإشكال.
[الجواب]: هذا أيضاً أوضحته بالأمس، وهو أن الكبائر قسمان:
- قسم منها راجع إلى جهة الاعتقاد، والعمل الذي يصحبه اعتقاد.
- وقسم منها راجع إلى جهة العمل الذي لا يصحبه اعتقاد.
مثال الأول الذي يصحبه الإعتقاد:
أنواع الشرك بالله:
- من الاستغاثة بغيره.
- ومن الذبح لغير الله.
- ومن النذر لغير الله، ونحو ذلك؛ فهذه أعمال ظاهرة، ولكن هي كبائر يصحبها اعتقاد جعلها شركاً أكبر، فهي في ظاهرها صرف عبادة لغير الله جل وعلا، وقام بقلب صاحبها الشرك بالله بتعظيم هذا المخلوق وجعله يستحق هذا النوع من العبادة: إما على جهة الاستقلال، أو لأجل أن يتوسط.
والقسم الثاني: الكبائر العملية التي تعمل لا على وجه اعتقاد، مثل: (الزنا) و(شرب الخمر) و(السرقة) و(أكل الربا) و(أكل مال اليتيم) و(التولي يوم الزحف) ونحو ذلك من الكبائر والموبقات، فهذه تعمل دون اعتقاد، وبهذا صارت الكبائر على قسمين.
نقول: الشرك الأصغر - ومن باب أولى الشرك الأكبر - هذا جنسه أكبر من الكبائر -يعني: العملية- فأنواع الشرك الأصغر ولو كان لفظياً، مثل:
- قول: ما شاء الله وشئت.
- ومثل: الحلف بغير الله.
- أو نسبة النعم إلى غير الله.
- أو نسبة اندفاع النقم لغير الله جل وعلا.
- أو تعليق التمائم ونحو ذلك، هذه من حيث الجنس أعظم، من كبائر العمل الذي لا يصاحبه اعتقاد، وذاك لأن الأعمال تلك: (كالزنا) و(السرقة) ونحوها من الكبائر العملية، هذه ليس فيها سوء ظنٍّ بالله جل وعلا، وليس فيها صرف عبادة لغير الله، أو نسبة شيء لغير الله جل وعلا؛ وإنما هي من جهة الشهوات، والأخرى هي من جهة الاعتقاد بغير الله، وجَعْل غير الله -جل وعلا- نداًّ لله سبحانه وتعالى، وأعظم الذنب: أن يجعل المرء لله ندّاً وهو خلقه جل وعلا. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب ما جاء في الذبح لغير الله]
...
[سؤال 16]: ما الفرق بين التوسل والشفاعة، نرجو التوضيح وجزاكم الله خيراً ؟
[الجواب]: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
التوسّل: هو اتخاذ الوسيلة.
والوسيلة: هي الحاجة نفسها، أو مَنْ يُوصل إلى الحاجة.
قد يكون ذلك التوسل باستشفاع،
يعني: بطلب شفاعة، يعني: يصل إلى حاجته بحسب ظنّه بالاستشفاع.
وقد يصل إلى حاجته بحسب ظنه بغير الاستشفاع، فيتوسل مثلاً بالذوات:
- يسأل الله بالذات.
- يسأل الله بالجاه.
- يسأل الله بُحرمة فلان.
مثل أن يقول: أسألك اللهم بنبيك محمد -بعد وفاته عليه الصلاة والسلام- أو يقول: أسألك اللهم بأبي بكر، أو بعمر، أو بالإمام أحمد، أو بابن تيمية، أو إلى آخره، بالولي الفلاني، بأهل بدر، بأهل بيعة الرضوان: يسأله بهم، هذا هو الذي يُسمُّونه توسلاً، وهذا التوسل معناه: أنه جعل أولئك وسيلة، وأحياناً يقول لفظ الحُرْمَة: أسألك بحُرمتهم، أسألك بجاههم، ونحو ذلك.
أما الاستشفاع: فهو أن يسألهم الشفاعة،
يطلب منهم أن يشفعوا له، فتحصَّل من ذلك أن التوسّل يختلف عن الاستشفاع، فإن المُستشفع طالب للشفاعة، والشفاعة إذا طلبها من العبد، فيكون قد سأل غير الله.
- وأما المتوسل -بحسب العُرف؛ عُرف الاستعمال- المُتوسل يَسأل الله، لكن يجعل ذلك بوسيلة أحد، فالاستشفاع سؤال لغير الله.
- وأما الوسيلة: فهي سؤال الله بفلان، بحُرمته، بجاهه؛ والتوسل بالذوات، وبالجاه، وبالحرمة لا يجوز؛ لأنه اعتداء في الدعاء، ولأنه بدعة مُحدثة، وهو وسيلة إلى الإشراك.
وأما الاستشفاع بالمخلوق الذي لا يملك الدعاء، وهو الميت أو الغائب أو نحو ذلك: فهذا طلب ودعاء بغير الله، وهو شرك أكبر؛ فالتوسل بحسب العرف، هذا من البدع المُحدثة، ومن وسائل الشرك؛ وأما طلب الشفاعة من غير الله فهو دعاء غير الله، وهو شرك أكبر.
الجاهليون، والخُرافيون، والقُبوريون: يُسمون عباداتهم جميعاً؛ من طلب الشفاعة، ومن الذبح، والنذر، ومن الاستغاثة، ومن دعاء الموتى: يسمونها توسلاً، وهذا غلط على اللغة وعلى الشرع، فالكلام في أصل ما يصح المعنى به لغةً، وبين التوسل والشفاعة في أصل ما يصح لغة، أما إذا أخطأ الناس وسمّوا العبادات المختلفة توسلاً، فهذا غلط من عندهم. [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب الشفاعة]
[سؤال 17]: بعض أصحاب السيارات الخاصة كالليموزين، وسيارات النقل الكبيرة: يضعون على أطراف السيارة خرقاً سوداء اعتقاداً منهم بأنها حروز تمنعهم الحوادث، فهل نقوم بنزعها أو ماذا نفعل؟
[الجواب]: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: إذا كان الأمر كما وصفه السائل، من جهة وضع تلك الشارات أو الخرق، ومن جهة اعتقاد أهلها فيها، فيجب نزعها، ومن نزعها فله فضل نزع التمائم من أماكنها؛ أو تخليص أصحابها منها، لكن هذا متوقف على أن يعلم أنهم وضعوها لهذا الغرض: فإن وضع الشارات مثل هذه لهذا الغرض غير معروف أنه لأجل دفع التمائم، فإذا كان بعض الناس يستعملها لدفع الشر؛ ويستعملها لأنها تمائم، فهذه يجب نزعها، ومن رآها لا يحلّ له أن يتعداها حتى ينزعها؛ لأنها اعتقاد في غير الله؛ ولأنها نوع من أنواع المنكر؛ واعتقاد ذلك فيها كبيرة من الكبائر، وشرك أصغر بالله جل وعلا. [شرح كتاب التوحيد/ درس:بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَ وَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الْغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ]
[سؤال 18]: وهذا سائل يقول: كيف نخرِّج قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا أنا لكان عمي في الدرك الأسفل من النار))؟
[الجواب]:
هذا يأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ضبط القاعدة في ذلك، وهو أن قول القائل: (لولا فلان لكان كذا) مُنِع منه وصار شركاً لفظياً، ونوع تشريك؛ لأنه نسبةٌ للنعمة لغير الله جل وعلا.
يقول: (لولا فلان لأصابني كذا) و(لولا فلان أنه كان جيداً معي لكان حصل لي كذا وكذا) أو (لولا السيارة أنها قوية لكان هلكت) أو (لولا كذا لكان كذا) مما فيه تعليق دفع النقم، أو حصول النعم بأحدٍ من المخلوقين، والواجب على العباد أن ينسبوا النعم إلى الله جل وعلا، لأنه هو الذي يُسدي النعم.
قال -جل وعلا- في سورة الأنعام:{وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}.
وقال -جل وعلا- أيضاً في السورة نفسها: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}. فالواجب على العبد المسلم أن ينسب النعم: إسداءً، وتفضلاً، وإنعاماً لله جل وعلا؛ وأن يتعلق قلبه بالذي جعل تلك النعم تصل إليه.
والناس، أو الخلق والأسباب: إنما هي فضل من الله -جل وعلا- جعلها أسباباً،
ففلان من الناس جعله الله سبباً لكي يصل إليك النفع عن طريقه، أما النافع في الحقيقة فهو الله جل وعلا، إذا اندفعت عنك نقمة، فالذي دفعها هو الله جل وعلا، بواسطة سبب ذلك المخلوق: إمّا آدمي؛ وإمّا غير آدمي؛ فيجب نسبة النعم إلى الله جل وعلا، فلا تنسب نعمة لغيره سبحانه، ومن نسبها لغيره سبحانه فهو داخل في قول الله جل وعلا: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}.
وأما الحديث الذي في (الصحيح) من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِل: هل نفعتَ عَمَّك أبا طالب بشيء؟
قال: ((هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)).
قوله عليه الصلاة والسلام: ((لولا أنا)) هذا فيه ذكر لعمله عليه الصلاة والسلام، وافترق عن قول القائل: لولا فلان لحصل كذا، من جهتين:
الجهة الأولى:أن ذلك القائل هو الذي حصلت له النعمة أو اندفعت عنه النقمة،
والنبي -صلى الله عليه وسلم- هنا يُخبر عن صنيعه بعمّه؛ وأن عمّه اندفعت عنه النقمة، فذاك في المتحدث الذي تعلق قلبه بالذي نفعه أو دفع عنه الضرّ، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو إخبار عن نفعه لغيره، فليس فيه تعلق القلب في اندفاع النقمة، أو حصول النعمة بغير الله جل وعلا، هذا وجه.
فيكون إذاً معنى ذلك: أن الوجه الذي نُهي عنه العلة التي من أجلها نُهي عن قول: ((لو لا أنا)) أن يكون فيها نسبة النعمة إلى غير الله من جهة تعلق القلب بذلك الذي حصّل له النعمة، وهذا غير وارد في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لولا أنا، لكان في الدرك الأسفل من النار))لأنه -عليه الصلاة والسلام- ليس هو الذي حصلت له النعمة، وإنما هو مخبر عن فعله لعمّه.
الوجه الثاني في ذلك:
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد بين أن نفعه لعمّه من جهة الشفاعة، فهو يشفع لعمه حتى يكون في ضَحْضَاح من نار، فقوله: ((لولا أنا، لكان في الدرك الأسفل من النار))يعني: لولا شفاعتي، ومعلوم بنصوص الشرع أنه -عليه الصلاة والسلام- يُكْرَمُ بالشفاعة؛ ويُعطى الشفاعة، فهو سائل؛ وهو سببٌ من الأسباب.
والمتفضل حقيقةً: هو الله جل وعلا، فكأنه قال عليه الصلاة والسلام- بضميمة علمنا أنه يشفع لعمه- كأنه قال: (لولا أن الله شفَّعَني فيه لكان في الدرك الأسفل من النار) فليس فيه -بالوجهين جميعاً- تعليق للقلب بغير الله -جل وعلا- في حصول النعم أو اندفاع النقم، مما يكون في قول القائل: (لولا فلان لحصل كذا) أو (لولا السيارة لحصل كذا) أو (لولا الطيار لحصل كذا) أو (لولا البيت كان مُحَصَّناً لحصل كذا) ونحو ذلك مما فيه تعلق قلب من حصلت له النعمة بالمخلوقين، والله أعلم. [شرح كتاب التوحيد/ درس:بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَ وَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الْغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ]
[سؤال 19]: هذا سؤال جيد، يقول: هل تقسيم الدعوة إلى التوحيد تقسيم لك أم هناك من سبقك؟
[الجواب]:التقسيم ليس حكماً، التقسيم للإفهام، فالتقسيم الذي هو حكم هذا يحتاج إلى أن يكون هناك من يسبق المرء؛ لأن الأحكام لا تكون مستأنفة، لا تقل في مسألة ليس لك فيها إمام.
أما التقسيم الذي هو للإيضاح فإن هذا وظيفة المعلم.
والقرآن فيه هذا وهذا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} هذا إجمال، وتفصيله في آيات آخر.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أجمل وفصل، دعوة العلماء، دعوة الشيخ محمد إجمال وتفصيل، (كتاب التوحيد) إجمال وتفصيل في النوعين جميعاً.
فالتقسيم هذا من جهة الاستقراء، وهو تقسيم للإفهام، لا للحكم. [شرح كتاب كشف الشبهات/ المقدمة]
[سؤال 20]: هل بيان الشبهات للعامة والرد عليها أسلوب من أساليب حفظ التوحيد وصيانته ؟
[الجواب]:لا، مثل ما ذكرت لكم، الشبهة لا تورد، الشبهة بلاء، وردها دواء، فأنت ما تأتي بالبلاء وترده، واحد يأتي بالمرض ويقول: سأعالجه ؟! ما يصلح، فالشبهة لا توردها، وليست هي من المجالات التي يتعالم فيها بعض الناس، يأتي واحد يقول: الشبهة هذه كيف ترد عليها؟ بعض الناس يورد شبهة وما هناك حاجة للكلام أصلاً، إلا إذا احتيج إليها عند أهل العلم وعند طلاب العلم.
وأصل كتاب (كشف الشبهات) كان يمكن أن يمر إمراراً سريعاً، ويُسمع سماعاً مع تعليقات وجيزة، لكن كثير من الناس اليوم وطائفة من الشباب من عنده شبهات في التوحيد، عنده شبهات في الشرك، وعنده شبهات في تكفير المشركين، فلابد من إيضاح المقام. [شرح كتاب كشف الشبهات/ المقدمة]
[سؤال 21]: نود الفرق بين الإشكال والشبهة ؟
[الجواب]: الإشكال: شيء يرد على فهم الكلام، لكن الشبهة: شيء يرد يصرف الحكم إلى غيره، الشبهة ترد تقول: الحكم ليس هو كذا، بل كذا.
أما الإشكال:مع بقاء الأصل، تقول: أنا مقتنع بكذا وكذا، لكن إشكال يراد أن يجاب عنه.
فالإشكال من الموافق والشبهة من غير الموافق. [شرح كتاب كشف الشبهات/ المقدمة]
[سؤال 22]:هل يكفي قاعدة لهذا الدرس حفظ (الأصول الثلاثة) وشرحها ؟
[الجواب]:لا، (الأصول الثلاثة) سهلة، أذكر الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، ذكرت له مرة وكنا نتكلم في (كشف الشبهات) وأسأله عن بعض الأشياء، فقال: (كشف الشبهات) رسالة صغيرة، لكن هي أصc
[شرح كتاب كشف الشبهات/ المقدمة]
[سؤال 23]: مسألة الكفر الظاهر والكفر الباطن.
[الجواب]: هنا سؤال فيه طول بعض الشيء، ونقل قول بعضهم.
الكفر الظاهر والباطن هو الذي ذكرت لكم تفصيله، وأن الجاهل قد يكفر، قد يكون جهله عن إعراضٍ مع وجود من ينبه، مثل -مثلاً- واحد في هذه البلاد يجهل التوحيد، ويعمل الشرك مع قيام الحجة وقيام الدعوة، وكلٌّ يبلغ، وأهل العلم يبلغون، وهم موجودون في المجلات وفي الصحف وفي مناهج التعليم، وفي كلماتٍ، وفي الإذاعة، إلى آخره.
فهذا، من أعرض مع تمكنه من السؤال وطلب الحق، هذا لا شك أنه لا يعذر بالجهل في هذه المسألة؛ لأن جهله لا بسبب عدم وجود من ينبهه، ولكن بسبب إعراضه أصلاً عن هذا الأمر، أما إذا جهل لأجل أنه لم يأت من ينبهه فهذا هو الذي ذكرنا لكم قول الشيخ رحمه الله فيه: (وإن كنا لا نكفر من عند قبة الكواز؛ لأجل عدم وجود من ينبههم).
والكفر إنما قلنا كفر ظاهر وباطن تبع لقول بعض أئمة الدعوة،كالشيخ ابن معمر وغيره، وهو ظاهر كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض المواضع، وتفصيل هذه المسألة يأتي إن شاء الله تعالى في مسألة الإباء والإعراض وأشباه ذلك. [شرح كشف الشبهات/درس: أهمية معرفة التوحيد الذي دعت إليه الرسل]
[سؤال 24]: هل هناك فرق بين المشرك والكافر؟
[الجواب]: نعم، الكافر قد يكون كافراً بلا شرك، مثل: من ارتكب شيئاً من الأمور التي يرتد بها - غير الشرك - فإنه يكون كافراً ولولم يحصل منه شرك، فالشرك كالشرك في العبادة، والكفر قد يكون ببعض ما يحكم عليه بالكفر والردة، ولكن ليس ثم تشريك.
إذاً: لو راجعت باب حكم المرتد في كتب أهل العلم لوجدت أن من أحوال الردة الشرك، قد يكفر بغير ذلك، طريقة أئمة الدعوة -رحمهم الله- والعلماء أنهم يحكمون عليهم بالشرك، يقول: هؤلاء مشركون قبوريون خرافيون، لكن الحكم بالكفر هذا أدق، فإذا حكمت عليهم بالشرك: عبدة القبور مشركون، أو نقول: هؤلاء الذين عند قبة كذا، أو عند مشهد كذا، هؤلاء مشركون، خرافيون قبوريون، وما أشبه ذلك.
أما التعبير بالكفر فهذا أخص، لهذا يحتاج إليه في الحكم، فهو لأهل العلم، فطالب العلم يستعمل لفظ الشرك والخرافة والقبورية؛ كما هو طريقة أهل العلم في ذلك.
أما التكفير فله شروطه وله ضوابطه، والتفصيل ما بين الكفر الظاهر والباطن في مثل هذه الأحوال، طبعاً فيه فرق بين القاعدة المعروفة عندكم أن هناك فرقاً بين تكفير الجنس وتكفير المعين.
تكفير الجنس نقول: عباد القبور الذين يعبدونها ويتقربون إلى المشاهد بأنواع العبادات، نقول: هؤلاء كفار، لكن إذا احتجنا الكلام على معين لابد أن يكون ثم تفصيل فيه.
فإذاً: الحكم على الجنس غير الحكم على المعين.
كذلك الحكم على الفعل غير الحكم على الفاعل، وليس كل من قام به الكفر كافر، وليس كل من قام به الفسق فاسق، من جهة الحكم الأخروي هو فاسق من جهة الظاهر، مشرك من جهة الظاهر، كافر من جهة الظاهر، لكن قد لا يكون فاسقاً من جهة الحكم التام، يعني: الدنيوي والأخروي، إلى آخره.
فإذاً: هناك فرق بين الأحكام الدنيوية الظاهرة والأحكام الباطنة، في أمثال ذلك. [شرح كشف الشبهات/درس: أهمية معرفة التوحيد الذي دعت إليه الرسل]
>>>[سؤال 25]:يقول: في هذا العصر نجد من الدعاة إلى الله من مكث سنين طويلة يكتب للإسلام بنية صالحة حتى وفاته، وعليه بعض الأخطاء في العقيدة والمنهج، هل يمكن أن نقول بعد كل ما فعل بأن منهجه غير إسلامي؟
[جواب]: بالنسبة للذين يكتبون وعليهم أخطاء، ننظر فيه -يعني: فيما يخص بحثنا اليوم- ننظر: هل هو معادٍ للتوحيد؟ هل هو يحسِّن الشرك أو يهون من شأنه؟ فإن كان كذلك: فلا كرامة، أو على الأقل نقول مثل ما يقول علماؤنا الأوائل، إذا واحد - مثلاً - ما يعرفونه بتحقيق التوحيد، ولا بنصرة التوحيد، يقولون: ما نعرفه بشيء، يسكتون عنه، لا يمدحون ولا يذمون، إذا ما حقق التوحيد ولا دعا إليه في بلدٍ فيها الشرك بالله جل وعلا.
وكلمة (منهجه غير إسلامي) لأن كلمة إسلامي هذه دخل فيها فئات كثيرة، دخل فيها أصناف من الناس، منهم من هو قريب، ومنهم من هو متوسط، ومنهم من هو بعيد، فهي كلمة لا تقال، يعني: منهجه غير إسلامي كلمة فيها سعة. [كشف الشبهات/درس:كشف الشبهة الثامنة]
>>>[سؤال 26]: لقد قلت: إن أحمد زيني دحلان من الذين يدافعون عن الشرك، لهذا المذكور كتب في علوم الآلة مثل النحو، فهل ننتفع بها؟
[جواب]: لا، علماء المشركين لا تنتفع منهم بشيء؛ لأن الانتفاع منهم بشيء يجعل في القلب شيئاً من التعاطف معهم، وهذا مخالف لما يجب من البراءة منهم، فمثل كتاب أحمد زيني دحلان هذا في النحو ليس بشيء، وثَّم كتب كثيرة جداً بالمئات تغني عنه.
أحمد زيني دحلان له كتاب سماه (الدرر السنية في الرد على الوهابية) وكان مفتي الشافعية في مكة، وبسببه - بسبب هذا الكتاب وبسبب مؤلفه - انتشرت الدعايات السيئة على هذه الدعوة وعلى إمامها رحمه الله تعالى.
كان إذا أتى الناس إلى الحج جمعهم مفتي الشافعية، يجمع الجاوه مثلاً، ويجمع أهل مصر، ويجمع أهل الشام، ويجمع أهل أفريقيا، ويجمع ويجمع، ويعطيهم نسخاً من هذا الكتاب، ويقول: ظهر في جهتنا رجل يقال له كذا، أصحابه يقال لهم الوهابية، هؤلاء خوارج وهؤلاء يدعون إلى كذا، إلى آخره.
ولهذا يردد الناس جميعاً ما كتبه أحمد زيني دحلان في كتابه هذا (الدرر السنية) وقد قال عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وكان هذا الرجل يأمر النساء اللاتي يتبعنه بحلق رؤوسهن، وكان يختار منهن الزوجة التي يريد، والظاهر من حاله بالقرائن أنه يدعي النبوة - هذا في الكتاب - وقد روى بعضهم حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه: يخرج في ثاني عشر قرن من الزمان رجل يلعق براطمه، يحدث فتنة، يعتز فيها الأراذل والسفل، ويذل فيها أهل الفضل والكمل - أو شيء من هذا - وهي فتنة تتجارى بها الأهواء، وما شابه ذلك.
قال بعدها: وهذا الحديث وإن لم يعرف من خرجه، لكن شواهد الصحة تدل عليه، وما هو بموجود إلا في كتابه ومن نقل عنه، فهؤلاء علماء مشركون حقيقة، يعني: حسنوا الشرك، دافعوا عنه، ردوا على أهل التوحيد، طعنوا في الدعوة، وفي أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى، فماذا يبقى في حالهم؟ لا شك أنه أقل ما يجب العداوة القوية والمفاصلة والبراء منهم، إذ هذا هو معنى قوله: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. [كشف الشبهات/درس:كشف الشبهة الثامنة]
>>>[سؤال 27]: إذا مات عالم يروج شبهة فما موقف أهل السنة والجماعة منه؟
[جواب]: هذه الشبهة التي يروجها إن كانت في الشرك، يحسِّن الشرك: فهو مشرك، فهذا يُتبرأ منه وليس بموحد، لأن كل عالم حسَّن الشرك ودعا إليه فهو مشرك؛ لأن الحجة قامت عليه، لكونه عالماً بالقرآن وبالسنة والقوة عنده قريبة، فلا يعذر بعدم بحثه، أو يعذر إذا كان حسن الشرك ودعا إليه، مثل تحسين الاستغاثة بغير الله، ومثل الدعاء إلى الإشراك بالموتى، وأشباه ذلك. بخلاف من عنده شبهة راجت عليه في مسائل يعظم الاشتباه فيها، مثل مسألة الشفاعة في سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فهذا لا يتبع فيما وقع فيه وما أورده، وإن دعا إلى ذلك فيرد عليه، إلا إذا كانت الشبهة - كما ذكرنا - في التوحيد فإنه يخرج من الدين، إذا كان حسن الشرك ورد على التوحيد. [كشف الشبهات/درس:كشف الشبهة الثامنة]
>>>[سؤال 28]: هناك من العلماء من أخطأ في توحيد الأسماء والصفات، وقد أولوا بعض الصفات، وهؤلاء العلماء لهم جهود كبيرة في خدمة هذا الدين والعلم والعلماء، فهل نحكم عليهم حكمنا على أهل الشرك من العلماء؟
[جواب]: لا، حاشا وكلا، الذي يخطئ في توحيد الأسماء والصفات، يؤول بعض الصفات لا نحكم عليه بالكفر، بل هو مبتدع، مخالف عاصي، فهو ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ويجب النهي عما أخطأ فيه، إذا كان مما أخطأ فيه متعدياً على الناس، بمعنى منتشر في الناس، يجب التحذير من ذلك إنكاراً للمنكر حتى لا يقتدي الناس به فيما أخطأ فيه. وبعض الأئمة، منهم أحمد وغيره، قيل له: ترد على فلان وفلان ولهم من المقامات كذا وكذا؟ يعني من الصلاح والطاعة، فقال: (ويلك، أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، ألا ترى كيف أدفع عنه من يقتدي به في سوئه، حتى لا تعظم عليه ذنوبه يوم القيامة)؟
يقول: أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، ألا ترى كيف أدفع عنه الاقتداء بهم في السوء حتى لا تعظم ذنوبهم يوم القيامة، هذا فقه عظيم؛ لأن النصيحة لأئمة المسلمين ولعامتهم توجب أن يبين خطأ المخطئ حتى لا يتبعه الناس في خطئه، الذي صنف أو الذي دعا إذا أخطأ وأخطأ بخطئه، اقتدى به أمم مع قرب الحق منهم وإمكان الوصول إليه، فلم يقتنعوا بالحق ولم يأخذوا به؛ فكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)) وقال أيضاً في الحديث الآخر: ((من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها)).
فإذاً: التحذير من خطأ المخطئ في توحيد الأسماء والصفات، أو بدعة المبتدع أو ضلال من ضل في بعض المسائل هذا في مصلحته، والإسلام أغلى من فلان أو فلان، حتى ولو كان ممن يشار إليهم من المصنفين القدماء أو المحدثين، لأن المقصود حجر التأثير فيما أخطأ فيه عن أن يتبع في ذلك. فالتنبيه لا بد منه، وكل رد له مقام، فأحياناً يكون المقام بذكر حسنات وسيئات، وتارة يكون المقام لا يجوز فيه أن تذكر حسناته في مقام الرد.
والسلف - رحمهم الله تعالى - في ردودهم على المخالفين تارة يذكرون ما لهم، وتارة لا يذكرون ما لهم بل يذكرون ما عليهم، وهذا لأجل تنوع المقام، فإن كان ذكر ماله في مقام الرد عليه يغري به ويوقع الشبهة بتحسين كلامه فإنه يكون ذلك شبهة توقعها في الناس، مثلاً: ترد على الرازي - مثلاً - في الأسماء والصفات، أو في التوحيد بعامة، أو ترد على فلان؛ فتقول: (كان إماماً مبرزاً وكان ذا علوم وكان العلماء لا يَصِلون إلى شيءٍ من علومه، وحفظ كذا وكذا)، الذي سيقرؤه سيمدحه، يقول: (كل هذا ثم بعد ذلك تريدني أصدقك أنه أخطأ، أنت من أنت؟ هل أنت في مقامه؟)وهذا وقع في بعض من كتب في ردوده مدحاً لمن رد عليه، يأتي القارئ له، ولا تتصور القارئ طالب علم، الشيء إذا نشر يقرؤه العامي، ربما يقرؤه واحد في بيته، أو يقرؤه مثقف عادي يقول: (طيب، العلماء، أجل ما دام هذا عالماً وأنت الآن مجدته هذا التمجيد وأخطأ، إذاً: أنا لماذا آخذ كلامك ولا آخذ كلامه؟) فتقع الشبهة.
لهذا: هدي السلف في الردود أنه بحسب المقام، تارة يذكرون ما له وما عليه، مثل ما ذكر شيخ الإسلام في مقامات ما للمخالفين، وما عليهم، وتارة لا يحسن أن يذكر ما له؛ لأنه قد يغري ذلك الجاهل بالاقتداء به أو بأن تكون المسألة فيها قولان واختلاف علماء، وكل يأخذ ما يشتهي.
هذا تحقيق في مسألة ما أشيع أو كثر الكلام فيه، في مسألة الحسنات والسيئات، وفي ذكر الحسنات والسيئات.
فيكون تحقيق المقام أن هذا يختلف، فإذا كان المقام مقام تقييم له فيذكر ما له وما عليه، وإذا كان المقام مقام رد عليه فلا تذكر حسناته إذا كان في ذكرها إغراء بقبول ما قال ولو عند بعض الجهلة؛ لأن هذا يحجز عن قبول الحق الذي يأتي به الراد. [كشف الشبهات/درس:كشف الشبهة الثامنة]
>>>[سؤال 29]: من المعلوم أن العقيدة من الأمور التي لا يجوز فيها التقليد البتة، وهناك من العلماء من أراد الوصول إلى الحق ولم يعرف بعدائه للتوحيد، ولكن لمعرفته بأن العقيدة لابد فيها التحرير حصل ما كان مخالفاً للصواب، فهل نحمل ذلك على التأويل وأنه كان متأولاً؟ أرجو البيان، علماً أن من أعداء الدعوة من قصد الوصول إلى الحق، ولعل منهم من رجع وتاب، إلى آخره.
[جواب]: هذا راجع إلى تفصيل الكلام في مسألة الظاهر والباطن. بالنسبة إلى اجتهاده في الوصول إلى الحق: هذا بينه وبين الله جل وعلا، لكن إذا كان مشركاً، دعا إلى الشرك وحسَّنه، وأبطل حجج أهل التوحيد، وعادى التوحيد وأهله، فلا شك أنه مشرك كافر، ولا كرامة إذا كان من العلماء؛ لأن الحجة عليه قامت والقوة عنده قريبة يمكن أن يبحث ويبحث، والحق موجود في الكتب، بل هناك من قال من أهل العلم في هؤلاء: إن الله -جل جلاله- قال في القرآن: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وهؤلاء العلماء بلغهم القرآن وفهموا معناه، فإن كانوا أعرضوا عن القرآن مع علمهم فهؤلاء قد قامت عليهم الحجة.
فالمقصود: أن الرؤساء هؤلاء - رؤساء الضلال والكفر والشرك من الذين حسنوا الشرك ودعوا إليه وأبطلوا التوحيد أو أبطلوا حجج أهل التوحيد ودعوا الناس لمعاداة أهل التوحيد - هؤلاء طواغيت مشركون.
[كشف الشبهات/درس:كشف الشبهة الثامنة]
[سؤال 30]: هل يكفر قوم بأن عندهم عادة سب الدين والرسول ومنهم جاهل بأن ذلك كفر وأنه منكر، هل يكفر بالجهل ؟
[جواب]: من سب الإسلام الذي أنزله الله -جل وعلا- على محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر ولا يعذر بالجهل، ولا بأن يقول: أنا قلته على وجه المزاح واللعب، أو غضبت ما علمت، إلى آخر ذلك.كذلك سب الله جل وعلا، كذلك سب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن تعظيم الله جل وعلا، وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم القرآن، وتعظيم دين الإسلام، هذا واجب من الواجبات، ويُعْلَمُ بالضرورة من دين الإسلام، فإذا سب فمعناه أنه نافى ذلك التعظيم وهذا كفر بمجرده.
أما سب دين فلان: فهذا لا يكفر به، إذا سب دين معين من الناس، مثلاً: تخاصم اثنان، فقال أحدهما للآخر: كذا دينك، فسب دينه فهذا لا يكفر؛ لأن هذا يحتمل أن يريد تدينه والديانة التي هو عليها، فلا يكفر إلا إذا سب الإسلام مطلقاً، أما إذا سب الدين المضاف إلى بعض الناس فإنه لا يكفر به؛ لأن هذا فيه شبهة، لكن يعزر ويؤدب. [كشف الشبهات/درس: الجواب التاسع: ...]
[سؤال 31] : ما رأيكم فيمن يزور أماكن الشرك للوقوف على حقيقة الشرك دون أن ينكر عليهم بحجة أنه سيتعرض للخطر إذا هو أنكر ؟
[جواب]: لا يجوز له أن يحضر مكاناً يعبد فيه غير الله، يستغاث فيه بغير الله، يُصلى فيه للميت، يتجه إليه في القبلة، يطاف على قبره، ويسكت ولا ينكر؛ لأن هذا أعظم المنكر وهو الشرك، لكن كيف ينكر، هذا يحتاج إلى بيان. فالشيخ رحمه الله، إمام الدعوة لما كان يحضر عند الذين يعبدون زيد بن الخطاب كان يقول لهم في أول الدعوة: (الله خير من زيد)، فينبههم أن دعوة الله -جل وعلا- وحده أفضل، وهذا من التدرج في الدعوة، فإذا كان يرى أن الإنكار عليهم لن ينفعهم وأنه إذا قال مثل هذه الكلمة أنها أنفع لهم، فهذا بما يرى أن المصلحة الشرعية فيه. أما أن يحضر مثل هذه الأماكن ولا ينكر البتة فهذا حرام عليه ولا يجوز، ونسأل الله لنا ولإخواننا العفو والعافية والمغفرة. السياحة يتفرج على الذين يعبدون غير الله، لا، أعوذ بالله، هذا شرك، يتغيظ الواحد من رؤية قبة من دون أن يعرف ماذا تحتها، فكيف يذهب وينظر ويجلس معهم ويسكت؟ طبعاً مفهوم الشرك بالصور المختلفة هذا يختلف فيه الناس، لكن ينبغي بل يجب أن لا يأخذ الشباب هذه المسائل من غير الراسخين في العلم؛ لأن كون صورة ما صورة شركية، هذه إنما يعلمها أهل العلم في المسائل الحادثة الجديدة. [كشف الشبهات/درس: الجواب التاسع: ...]
[سؤال 32]: هذا يسأل عن بعض ما يذكر من الأنظمة الرأسمالية والشيوعية والوطنية وتمجيد الماضي، إلى آخره، وغيرها من الصور.
[جواب]: فهذه تعرض المسألة على أهل العلم فإن قالوا: إن هذا حكمه كذا فيصار إليه؛ لأن المسائل تختلف والأوضاع تختلف، وليس كل ما ظنه المرء شركاً يكون شركاً، بل قد رأيت في بعض الكتب -كتاب أظن اسمه (الأوثان) أو نحوه- أن مؤلفه جعل التلفاز وثناً، وأن حال الجالسين أمامه لينظروا أنهم عاكفون عند هذا الوثن، فكل من فعل هذا بأن عكف عند هذا الجهاز الساعات الطويلة فإن هذا عبادة لغير الله جل وعلا، وهذا لا شك أنه افتئات على الدين، وقول بلا علم، وخروج عما يجوز، فإن القول على الله بلا علم أكبر من الكبائر العملية. [كشف الشبهات/درس: الجواب التاسع: ...]
[سؤال 33]: ذكرت أن من سجد للصنم فإنه كافر ؟ هل هذا يكون بعد الاستفصال ؟
[جواب]: لا شك من سجد للصنم فإنه كافر ظاهراً، السجود للصنم من الكفر العملي الذي يضاد الإيمان، فإن الكفر قسمان:
1-كفر اعتقادي، يكون بالاعتقاد.
2- وكفر عملي.
والكفر العملي قسمان، كما ذكره ابن القيم في أول كتابه الصلاة:
- قسم يضاد الإيمان من أصله، كَسَبِّ الدين، يعني: الإسلام، أو سب الله، أو سب رسوله، أو السجود للصنم، أو إلقاء المصحف في القاذورات متعمداً عالماً، وأشباه ذلك، فهذا كفر عملي، يعني: كفر بعمله، وهو مخرج من الملة؛ لأنه مضاد للإيمان.
-وقسم آخر من الكفر العملي: ما لا يضاد الإيمان مثل المسائل التي ذكروها: ترك الصلاة عند طائفة كثيرة من أهل العلم، ومثل الحكم بغير ما أنزل الله، ومثل سباب المسلم، قتاله ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) قتال المسلم، يعني: تَقاتل المسلمين، وأشباه ذلك مما جاء في الشريعة أنه كفر.
فإذاً: من فهم أن تقسيم الكفر إلى اعتقادي وعملي، أن العملي لا يكفِّر، فهذا غلط عظيم حتى غَلَط على ابن القيم رحمه الله، فإن ابن القيم في (كتابه الصلاة) الذين نقلوا عنه هذا التقسيم قال: (وكفر عملي مثل السجود للصنم) كذا، وهذا يضاد الإيمان، ومثل كذا، وقال: (وكفر عملي ومنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم) ومثّل إلى آخره (ومنه ما لا يضاد الإيمان، كترك الصلاة، والحكم بغير ما أنزل الله) إلى آخر كلامه.
فالعلماء حين يقسمون الكفر إلى اعتقادي وعملي، هذا تقسيم لمورد الكفر، فإن الكفر مورده قد يكون جهة الاعتقاد، وقد يكون جهة العمل، والاعتقاد منه الشك أيضاً، والكفر العملي منه القول والفعل، ومنه ما لا يكفر.
فإذاً: قول العلماء: إن الردة تكون باعتقاد، أو قول، أو فعل، أو شك، راجع إلى هذين القسمين: اعتقاد أو عمل، ولكن الكفر العملي منه ما يضاد الإيمان من أصله كما ذكرنا، ومنه ما لا يضاد الإيمان من أصله، فليس معنى كفر اعتقادي وكفر عملي أنها مساوية للكفر الأكبر والأصغر كما يظنه طائفة، هذا غلط عظيم على أهل العلم، فإن الكفر قسمان:
1-كفر أكبر.
2-وأصغر، باعتبار.
كفر أكبر، يعني: مخرج من الملة، وكفر أصغر، يعني: غير مخرج من الملة، فباعتبار حكم هذا الكفر: فإنه يكون أكبر ويكون أصغر، وباعتبار مورد الكفر: قد يكون اعتقادياً وقد يكون عملياً، والاعتقادي أكبر، وقد يكون بعض أقسامه أصغر، والعملي قطعاً منه أكبر ومنه أصغر. فقول بعض أهل العلم: (الكفر العملي هو الكفر الأصغر) هذا غلط، بل الكفر العملي منه أكبر ومنه أصغر، فتقسيمات العلماء متداخلة، مثل ما نقول في الشرك: أكبر وأصغر، والشرك يكون بالاعتقاد ويكون بالعمل، فإن من ذبح لغير الله فهو مشرك بالعمل، ومن نذر لغير الله فهو مشرك بالعمل، ومن استغاث بغير الله فهو مشرك بالعمل، وهذا الفعل منه قد يؤول إلى اعتقاد وقد لا يؤول إلى اعتقاد، فالمكفرات العملية، الكفر الأكبر أو الأصغر من الكفر العملي قد ترجعها إلى اعتقاد، وقد ترجعها إلى عمل مجرد.
فإذاً: ليس كل ما قيل فيه إنه كفر عملي يساوي الكفر الأصغر، بل قد يكون هذا وقد يكون هذا. [كشف الشبهات/درس: الجواب التاسع: ...]
[سؤال 34] : نرى بعض الأشخاص يستشهد بما يحصل له من مواقف في حياته اليومية ببعض الآيات والأحاديث فيضحك من حوله، وهو في تلك الحالة ليس بمستهزئ وإنما قالها لمناسبة الموقف، ما حكم هذا الفعل ؟ وبماذا ينصح هؤلاء؟
[جواب]: أما من جهته: فإذا كان أوردها إيراداً عادياً وهم الذين ضحكوا؛ فهو ليس عليه حرج إذا لم يتعمد إضحاكهم بما أورده. هم على قسمين:
1-إن ضحكوا لفعله: فهذا مما هو سائغ، مما هو مباح.
2-وإن ضحكوا على استشهاده بالآية أو ضحكوا على الآيات: فهذا يدخل في الاستهزاء.
فهنا يستفصل: ضحكوا لأي شيء؟ هل ضحكوا لفعله؟ لما حصل له؟ أو ضحكوا على الآيات؟ إن ضحكوا على الآية: فهذا داخل في الاستهزاء بالآيات، وإذا ضحكوا على استدلاله: فهذا ضحك على فعله، قد يكون ذلك من خلاف الأدب فقط. [كشف الشبهات/درس: الجواب التاسع: ...]
[سؤال 35] : من يمثل في مسرح أو تمثيلية، يمثل دور أحد الكفار فيسب الممثل النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يكفر بذلك ؟
[جواب]: هذا من المنكر الأعظم، يمثل سب النبي صلى الله عليه وسلم! هذا لا شك أنه منكر أعظم وصاحبه إن لم يكن له شبهة في ذلك فإنه يجب أن يعزر؛ لأنه لا يجوز أن يمثل بسب النبي صلى الله عليه وسلم، هذا من الاستهزاء. [كشف الشبهات/درس: الجواب التاسع: ...]
[سؤال 31]: هذا يقول: من فسر كلمة التوحيد بقوله (لا حاكمية إلا لله) متعلقاً بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} وهل هذا التفسير مستقيم أم هو غير ذلك؟ نرجو التوضيح.
[جواب]: من فسر كلمة التوحيد بقوله: (لا حاكمية إلا لله) ويقول: هذا هو معناها، فهذا من جنس قول الخوارج؛ لأنهم هم فسروا التوحيد بتوحيد الحكم؛ لقول الله جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}ولقوله جل وعلا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}.
والحكم يجب إفراد الله -جل وعلا- به، وهو من مفردات توحيد الإلهية؛ لأن الحكم بالشرع، الحكم بالقرآن، هذا تحكيم لله، فهو قصد لله -جل وعلا- طلباً للحكم، فهو من هذه الجهة فيه القصد - قصد القلب - والعمل لطلب حكمه فيها، فمن قال: معنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله - كما هو تفسير أهل العلم - فإنه يدخل فيه هذا المفرد من المفردات وهو إفراد الله -جل وعلا- بأنه هو المستحق للتحاكم إليه.
لهذا إمام هذه الدعوة جعل من أبواب (كتاب التوحيد) أبواباً تخص هذه المسألة، وهي مسألة التحاكم، تحليل الحلال وتحريم الحرام، وعدم طاعة أحد في تحليل الحرام أو تحريم الحلال في أبوابٍ معروفة.
فالمقصود: أن تفسير (لا إله إلا الله) بـ: (لا حاكمية إلا لله) هذا من جنس تفاسير المبتدعة؛ لأن (لا حاكمية) مساويةٌ لـ (لا إله) فيعني: أن الإله هو الحاكم، وهذا غلط؛ لأن (الإله) لا في اللغة، ولا في العرف، ولا في ما جاء به القرآن، أن (الإله) هو الحاكم، وإنما (الإله) هو الذي يستحق العبادة، ومن العبادة القصد لأحدٍ لتحكيمه بغير شرع الله أو بشرع الله، إذا قصد أحداً لتحكيمه راضياً بذلك مختاراً فإنه قد عبده، بهذا هناك فرق بين مسألة الحكم والتحكيم، قال -جل وعلا- في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}.
قال طائفة من أهل العلم: قوله هنا: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا}فيه اعتبار الإرادة، وذلك أن يتحاكم عن رغبة ورضى بحكم الطاغوت، بخلاف ما لو أكره عليه أو أجبر أو اضطر إلى ذلك غير راغبٍ ولا مريد، في أشباه هذه الحالات.
المقصود من هذا: أنه يكون عابداً لغير الله إذا تحاكم راغباً في ذلك معظماً له كحال العابد المحكم لله -جل وعلا- في ذلك، فالحكم لله تبارك وتعالى، تحكيم القرآن تحكيم لله، تحكيم السنة تحكيم لله جل وعلا؛ ولهذا لا يطلق الحاكم إلا على من حكم بشرع الله جل جلاله. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال 32]: هناك بعض الناس في بلادٍ أخرى يأتون إلى بعض الناس يزعمون أنهم أولياء؛ فيطلبون منهم أن يدعوا لهم الله عز وجل، فما حكم هذا العمل ؟
[جواب]: إذا أتى إلى ميت ولي أو نبي أو نحو ذلك فطلب منه أن يدعو الله له، يعني: قال: يا فلان ادع الله لي - هذا الميت - هذا هو معنى الشفاعة، كأنه سأله الشفاعة، فمعنى طلب الشفاعة من الميت: طلب أن يدعو الله له، أن يسأل الله له.
فإذاً: قول القائل للميت: (ادع الله لي) أو يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- خارج الحجرة والأسوار ويقول: (يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني بكذا) هو معنى هذا: اشفع لي بهذا المطلب، لهذا: معنى ادع الله لي: اشفع، وحكمها حكم الشفاعة.
وقد مر معنا في هذا الكتاب أن أولئك ما قصدوا إلا الشفاعة، فهم حين يتقربون للموتى يريدون في النهاية أن الموتى يشفعون لهم إذا طلبوا منهم شيئاً، فيأتي يذبح له، ينذر له في المواسم، وبين الحين والآخر؛ لظنه أن هذا الميت، أو هذا الولي أو هذا النبي أو هذا الجني، أو إلى آخره يعرفه بأنه يتقرب إليه، فإذا سأله عند حاجته فإنه مباشرة يرفع حاجته، ويدعو له، ويطلب له ما سأل؛ لأنه يتقرب إليه، فهم ما عبدوا إلا للقربى، ولا ذبحوا ولا نذروا ولا استغاثوا ولا عملوا هذه الأشياء من أنواع العبادات إلا لأجل أن يشفع لهم، يعني: أن يشفع لهم من سئل.
فإذاً: من طلب من الميت أن يدعو له هذا معناه أنه طلب منه أن يشفع له، والشفاعة لا تصلح إلا لله. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال 33]: هل في إجابة دعاء من كان يدعو عند القبر فيه ابتلاء لهذا الداعي؛ لأنه سوف يظن بأن المجيب له صاحب القبر؟
[جواب]: هذا لا شك، والابتلاء وقع في هذه المسألة وفي غيرها، فإذا أجيب دعاء من دعا عند القبر فإنه وقع له هنا المخالفة وابتلي بسببها؛ لأنه لو أجيب لظن أن سبب الإجابة صاحب القبر أو بركة المكان، وهذا ابتلاء وشبهة ووقع فيها؛ لأنه فرط في الحق، وكما ذكرت لك أنه يكون الإجابة لسرٍ، لسبب تعلق بدعائه، وهو يظن أن السبب هو القبر، وهذه المسألة مذكورة في (شرح الطحاوية) في أواخرها. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال34]: ذكرت أن المنافقين قالوا: لا إله إلا الله مع أنها لا تقبل منهم، ولكن يمكن أن يجيب عليها فيقول: إن المنافق لا تقل له إنه كافر في الدنيا بل نقول: إنه مسلم ونرد علمه إلى الله، وهؤلاء الذين يصلون إلى القبر ويعبدون عبد القادر مثلاً لا نطلق عليهم لفظ الكفار بل هم مسلمون، ونرد أمرهم إلى الله.
[جواب]: هذا يعطينا الدخول في بحث وأنا أريد أن تتنبهوا له فيما تسمعون أو تقرؤون، يكون هناك تنظير شيء بشيء لمعنى من المعاني، أو لقدرٍ من الاحتجاج، فلا توسِّع أنت ذاك إلى شيء أوسع مما كان الكلام فيه؛ لأن هذا يعطيك لبساً في الفهم وأيضاً يوقعك في إشكالات علمية دائماً.
فالتنظير لا يكون دائماً على جهة التكامل أو التماثل ما بين الأول والثاني، وإنما قد يكون لجهة من الجهات، مثل ما ذكرنا في ورود الشَّبَه بين المنافقين وبين من يقول: (لا إله إلا الله) ولا يعرف، أو بين من يقول: (لا إله إلا الله) ويريد الاكتفاء بلفظها، وجه المشابهة: قلنا: إنه بالإجماع المنافق لم تفده كلمة (لا إله إلا الله) لم تفده في الظاهر أو في الباطن؟
هذا كلام معروف أنها لم تفده في الباطن، لكن هي لم تفده، ولو أفادته لنجا بها من النار، لكن لم تفده.
كذلك من قالها ولم يعلم معناها فإنها لا تفيده من باب أولى؛ لأنه اشترك مع المنافق في القول، والمنافق زاد عليه في العلم، وذاك جهل، فهذا قال لفظاً ظاهراً وجهل المعنى وذاك قال لفظاً وعلم المعنى، ومع ذلك في الدرك الأسفل من النار، لا يعني هذا أن ترتب جميع اللوازم على هذا التنظير، من أن تقول هؤلاء مسلمون ظاهراً فهل نحكم لهؤلاء بالإسلام الظاهر، إلى أشباه هذه الكلمة، وإنما هو القصد أن نمثل للقول بالقول. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال 35]: نسمع في كتب العقيدة كثيراً ما يكررون قولهم: هذه المسألة شرك أصغر؛ لأنها اعتقاد السببية فيما لم يجعله الله سبباً لا قدراً ولا شرعاً كالحال في التمائم والطيرة، فهل هذه قاعدة مضطردة ؟
[جواب]: هذه مسألة طويلة والجواب عليها يحتاج إلى وقت، لكن تلخيصها: أن في مسائل الشرك الأصغر نُرجع كثيراً ما يُحكم عليه بأنه شرك أصغر بالتعلق بالأسباب.
الأسباب منها شيء أَذن الله -جل وعلا- به، ومنها شيءٌ لم يأذن الله -جل وعلا- به شرعاً، هذا واحد.
والأسباب منها ما جعله الله -جل وعلا- كوناً وقدراً - يعني: في كونه وما جعل سنته عليه في الأشياء - ما جعله يعطي المسبب، ينتج النتيجة، ومنها ما جعله لا ينتج النتيجة التي يظنها الظان، مثلاً: الماء سبب لإزالة العطش أليس كذلك، الماء الحلو ؟ لكن الماء المالح لم يجعله الله سبباً كونياً لإزالة العطش، وإنما جعل الله -جل وعلا- الماء العذب هو سبب إزالة العطش، الماء والنار، الماء تطفئ النار، فإذا احتجت إلى إطفاء النار لا تأتي بنارٍ أخرى، وإنما تأتي بماء، يعني: جعل الله -جل وعلا- لكل شيء سبباً وجعل هذه الأسباب تنتج المسببات.
فمن جعل شيئاً من الأشياء سبباً لشيءٍ آخر لم يكن في الشرع سبباً له: فهذا مشرك الشرك الأصغر، بمعنى: في الشرع ليس هذا السبب جائزاً، أو لم يجعل في الشرع التعلق بهذا السبب أو استعماله جائزاً، فإنه يكون ذلك منه تعلق بسبب ليس بسبب شرعي فيكون شركاً أصغر مع ضميمة الشيء الثاني، وهو: أن يكون هذا السبب لا ينتج المسبب كوناً؛ لأن الأسباب قد تكون تنتج المسببات قدراً، ولكنها ممنوعة شرعاً، مثل الشفاء أو الاستشفاء بالمحرمات، يشرب الخمر فيتداوى بها، يسمع الموسيقى فينتفع بها في الدواء، هذه أسباب كونية قد تكون تؤثر في إنتاج مسبباتها، لكنها شرعاً ممنوع.
فمن استعمل سبباً كونياً في إنتاج المسبب الذي هو النتيجة فيما نعلمه كوناً أنه ينتج هذا السبب، نقول: هذا لا يجوز شرعاً وليس بشرك، لكن من جعل سبباً ليس بسبب كوني ولا شرعي وتعلق به فإنه يكون مشركاً الشرك الأصغر.
نرجع في تلخيص هذا: أن الأسباب:
منها: ما ينتج المسبب.
ومنها: ما لا ينتجه.
فإذا كان ينتج المسبب كوناً - يعني فيما تعارفه الناس - فتنظر هل أباحته الشريعة أم لم تبحه؟
فإن أباحته الشريعة: فهذا جائز استعماله؛ لأنه سبب شرعي وقدري، هذا نوع.
إذا لم تجزه الشريعة فيكون سبباً كونياً، مثل التداوي بالمحرمات ولكنه ليس بسبب شرعي فهذا نقول: غير جائز.
والحالة الثالثة: ما ليس بسببٍ، لا شرعي ولا كوني، فإن هذا يكون التعلق به شركاً أصغر، مثل تعليق خيط، يعلق خيطاً ويتعلق قلبه به ليدفع عنه العين.
ما علاقة خيط من حبال أو من قطن، ما علاقته بدفع العين؟
هذا ليس في الكون ما يثبت هذه السببية، وليس في الشرع أيضاً ما يجعل هذا السبب مأذوناً به، فيكون التعلق به شركاً، كذلك تميمة، تميمة طلاسم، أو تميمة بأشياء، أو تميمة وضع خرز، أو تميمة وضع جلد، أو إلى آخره، هل هذا السبب ينتج المسبب قدراً؟
لا ينتجه وهو غير مأذون به شرعاً، فإذاً اجتمع في أنه ليس بمأذون به شرعاً، وأنه لا ينتج المسبب قدراً، فصار التعلق به شركاً أصغر، يوضحه التميمة من القرآن، التميمة من القرآن هل هي شرك؟
ليست بشرك مع أنها تميمة، لكن اختلف العلماء هل يجوز تعليق التميمة من القرآن أم لا؟
هو بالاتفاق لا تسمى شركاً؛ لأن التعلق بالقرآن من جهة كونه شفاء سبب كوني وسبب شرعي، صحيح تعلق بالقرآن، لكن تعليق القرآن وإن كان سبباً كونياً لكنه ليس بسبب شرعي، فلهذا لا يصح أن يطلق على تعليق التمائم من القرآن إنها شرك، ولكن نقول: الصحيح أنها لا تجوز. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال35]: يقول: أليس شرك أهل هذا العصر أعظم من شرك المشركين الأولين؛ لأنهم يعتقدون فيها أنها تنفع وتضر بذاتها؟
[جواب]: لا شك، طائفة من أهل هذا العصر زادوا على المشركين - مشركي الجاهلية - بأشياء، كما ذكر ذلك الشيخ محمد رحمه الله في (القواعد الأربع) - في آخرها- القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أعظم شركاً من المشركين الأولين؛ لأن الأولين يشركون بالله -جل وعلا- في الرخاء، أما في الضراء إذا أصابتهم الشدة توجهوا إلى الله وحده:
- كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
-قال جل وعلا: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}.
-وقال -جل وعلا- في سورة يونس: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} إلى أن قال: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وشرك المشركين الأولين، يشركون في الرخاء، أما في الضراء فالمتجه إلى الله وحده، وأما أهل هذا الزمان فإنهم يشركون بغير الله في السراء والضراء. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال36]: هل عبادة الهوى شرك ؟
[جواب]: عبادة الهوى من التأليه، من تأليه يعني تُؤله، لكن ليس كل طاعة للهوى شرك أكبر أو شرك أصغر، قد تكون طاعة الهوى معصية فقط، فإذا صارت طاعة الهوى هي عبادة غير الله مع ظهور الحجة - حجة التوحيد - صارت هنا شركاً أكبر، وذلك برجوعها إلى عبادة غير الله جل جلاله: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} تأليه الهوى أنواع، المعصية من طاعة الهوى، ولكن لا تسمى شركاً. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال37]: ما هو الإسلام العام الذي ذكرت بأن إبراهيم أتى به؟ وما الإسلام الخاص الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم ؟
[جواب]: الدين عند الله -جل جلاله- الإسلام؛ كما قال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} والله -جل وعلا- لا يرضى إلا الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}فآدم-عليه السلام- كان مسلماً، وجميع الرسل كانوا مسلمين، وجاءوا بالإسلام العام.
والإسلام العام معناه: التوحيد:هو الاستسلام لله -جل وعلا- بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
وهذا هو الذي تشترك فيه جميع الرسل، والإسلام الخاص المقصود به: ما شمل الإستسلام ذاك، ما شمل الإسلام الذي هو التوحيد والعقيدة والشريعة أيضاً التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الكلام -الإسلام العام والخاص- تجده في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة وفي أوائل (الفتاوى) تجد ذلك ماثلاً، يعني: الإسلام الخاص هو العقيدة والشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، والإسلام العام: هو الذي لا يرضى الله -جل وعلا- من أي أحدٍ من الخلق حتى قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يكون مسلماً ذلك الإسلام العام {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً}. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال38]: من تقرب لغير الله بدون اعتقاد، فما حكمه في الإسلام ؟
[جواب]: يكون مجنوناً، كيف يتقرب بدون ما يعتقد؟! يعني: يتحرك حركات وهو لا يعتقدها، ما الذي حركه؟ ما يمكن حركة تصدر من عاقل إلا بإرادة قلب، إرادة القلب هي المحركة، محبة القلب للشيء وإرادته هي المحركة.
معلوم أنه لا يحصل أي عمل من الأعمال إلا بشيئين:
- بإرادةٍ متميزة خاصة بهذا العمل.
- وقدرة تامة.
إذا صار عندك لأي عمل تريده إرادة واضحة متميزة، وعندك قدرة حصل العمل، وأما إذا تخلفت الإرادة وثَمَّ قدرة لم يحصل العمل.
حصل عندك قدرة وليس ثَمَّ إرادة ما حصل العمل أصلاً.
فإذا حصل عملٌ ما من المكلف: عُلم أنه أراده وكان قادراً عليه فأحدثه.
إذا عمل عملاً وصار غير مؤاخذ به: إما أن يكون من جهة أن إرادته لم تكن متمحضة، يعني: إما يكون مجنوناً أو ساهياً أو غافلاً أو نائماً، إلى آخره من عوارض الأهلية التي يرفع معها الحكم التكليفي، وإما أن يكون من جهة عدم إرادته للفعل، وأما القدرة فكانت من جهة الإكراه، والمكره أيضاً مرفوع عنه الحكم التكليفي في أكثر المسائل. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال39]: الذين يُحضِّرون الأرواح هل هم كفار؟ وبماذا يختلفون عن السحرة؟
[جواب]: تحضير الأرواح هذا باب واسع، يزعم أنهم يحضرون الأرواح في الشرق والغرب، وتحضير الأرواح: يأتي واحد مثلاً لهذا ويقول له: أريد أن أرى أبي وأسمعه وأسأله، فَيُحَضِّر له روح أبيه فينظر تارة إلى صورة أبيه - شكل روح لا شكل جسم - وتارةً يسمع صوت أبيه دون رؤية، يسمع صوت أبيه المعروف، وهذا يكون من جهة الشياطين، هو تحضير للأرواح لكن لأرواح الشياطين التي تعلم ذلك من أبيه.
[كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]
[سؤال40]: هل الذي يخاف من الجن ومن أذيتهم يعتبر مشركاً؟
[جواب]: هذا فيه تفصيل، الخوف الطبيعي لا حرج على المرء فيه، لكن إذا خافهم خوف السر أن يصيبوه بشيءٍ سراً بقدرتهم عليه وبقدرتهم على ذلك، أن يميتوه بدون أسباب، بشيء سري كما يقدر عليه الله -جل وعلا- هذا هو الشرك.
أما الخوف الطبيعي من أن يضروه: فهذا ليس بشرك، الخوف الطبيعي، لكن الخوف الطبيعي يكون له أسبابه الظاهرة، لكن هو يخاف هكذا من دون شيء، إنما خوف من أرواح الجن بدون أسباب ظاهرة تدل على ذلك، هذا لا شك أنه قد يكون شركاً أصغر، وقد يكون شركاً أكبر، بحسب الحال.
والشرك الأكبر في الخوف هو خوف السر، يعني: أن يخاف أن يصيبه ذاك سراً، بما لا يقدر عليه إلا الله جلّ وعلا. [كشف الشبهات/أسئلة وردت في الدروس]