12/1264 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ، إلاَّ أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إِنَّهُ لا يُحْتَجُّ بِأَسَانِيدِهِ كُلِّهَا، وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنَّهُ صَحِيحٌ، لا يَتَطَرَّقُ احْتِمَالٌ إلَى مَتْنِهِ، وَلا ضَعْفٌ إلَى سَنَدِهِ، وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ يُعْمَلُ بِهِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ الْعَمَلَ بِهِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتاً بَعْدَ ذَكَاتِهَا فَهُوَ حَلالٌ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ وَلا مِن الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لا يُؤْكَلُ، إلاَّ بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ، إلاَّ مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الْحَدِيثِ فِيهِ، فَفِي لَفْظٍ: ((ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ))،أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ؛ فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ؛ أَيْ: أَنَّ ذَكَاتَهُ حَصَلَتْ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ، أَوْ ظَرْفِيَّةٌ؛ لِيُوَافِقَ مَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَيْضاً: ((ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ)).
وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْعَرَ؛ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعاً: ((إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ))، لَكِنَّهُ قَالَ الْخَطِيبُ: تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَقدْ عُورِضَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَن ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ))، وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِسُوءِ حِفْظِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ))، رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَن ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعاً، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَفْعُهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
قُلْتُ: وَالْمَوْقُوفَانِ عَنْهُ قَدْ صَحَّا وَتَعَارَضَا، فَيُطْرَحَانِ، وَيُرْجَعُ إلَى إطْلاقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ مَيِّتاً مِن الْمُذَكَّاةِ فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ؛ لِعُمُومِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَجَابُوا عَن الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ حَيًّا نَحْوُ ذَكَاةِ أُمِّهِ، قَالَهُ الإمامُ المَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْحَدِيثِ عَن الإِفَادَةِ؛ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَكَاةَ الْحَيِّ مِن الأَنْعَامِ ذَكَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَنِينٍ وَغَيْرِهِ، كَيْفَ وَرِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ: ((ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ))؟! فَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ: ((ذَكَاةِ أُمِّهِ))، وَفِي أُخْرَى: ((بِذَكَاةِ أُمِّهِ)).