س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.
المصادر :
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة:
كتاب التفسير في صحيح البخاري
صحيح مسلم
السنن الكبرى للنسائي
المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث:
مجمع الزوائد للهيثمي
الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي
الدر المنثور للسيوطي
المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة :
. تفسير القرآن العزيز، لمحدّث اليمن عبد الرزاق بن همام الصنعاني .
2: وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، لإمام المفسّرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري .
3. وتفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي .
4: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي .
5. معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي .
المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها
المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة
المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير:
1. الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسي
2. النكت والعيون للماوري.
3. المحرر الوجيز لابن عطية.
4. زاد المسير لابن الجوزي .
5. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
6. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي
المرتبة السابعة: كتب تخريج أحاديث التفسير
المرتبة الثامنة: شروح الأحاديث
فتح الباري لابن حجر
المنهاج للنووي
التفاسير اللغوية :
- معاني القرآن للفراء وهو من أهم كتب التفسير اللغوي.
- ومعاني القرآن لأبي جعفر النحاس.
تفاسير أخرى :
مفاتيح الغيب للرازي
البحر المحيط لأبي حيان
تفسير شيخ الإسلام
تفسير ابن عاشور
روح المعاني للألوسي
محاسن التأويل للقاسمي
كتب أسباب النزول:
أسباب النزول للواحدي
الصحيح المسند من اسباب النزول لمقبل الوادعي
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على قولين , وقام خلافهم -غالبا- على ما ورد في الآية من أسباب النزول:
القول الأول :
أن الكلام في الآية والمقارنة معقودة بين أهل الكتاب وأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
فيكون المعنى : لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد ﷺ
وهو قول ابن مسعود والسدي.
الأدلة :
1- عمدة أصحاب هذا القول ما رواه ابن مسعود-رضي الله عنه- في نزول الآية حيث قال:
أخر رسول الله ﷺ صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة: فقال: "أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: وأنزلت هذه الآيات: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ﴾ إلى قوله ﴿والله عليم بالمتقين﴾ .
رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي النضر وحسن بن موسى عن شيبان، عن عاصم، عن زر، عنه.
وخرجه يعقوب بن شيبة في ( مسنده ) ، وقال : صالح الإسناد .
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى
وأخرجه ابن حبان في صحيحه , وأبو نعيم في الحلية .
وأصل الحديث في الصحيحين , ولفظ البخاري : ( ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم ) ، وقد فهمت منه عائشة - رضي الله عنها - أن الصلاة لم يكن يجتمع لها بغير المدينة .
قال ابن حجر : وقد خرجه البخاري في موضع آخر ، وفيه : قال : ( ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة ) ، ولعل هذا مدرج من قول الزهري أو عروة ، وقد كان يصلى بالمدينة في غير مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كمسجد قباء وغيره من مساجد قبائل الأنصار .
ولفظ مسلم : ( إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم )
2- كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول في قوله:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمةُ محمد ﷺ.
رواه الطبري وابن أبي حاتم بطرق عن ابن أبي نجيح، عن الحسن بن يزيد العجلي، عنه.
3- قال السدي:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود، كمثل هذه الأمة التي هي قائمة.
رواه الطبري وابن أبي حاتم بطرق عن أحمد بن المفضل عن أسباط، عنه.
4- كما جاء في وقت نزولها ما رواه الثوري , حيث قال : بلغني-كان يحدث عن منصور- أنها نزلت في قوم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء.
رواه عبدالرزاق الصنعاني عن الثوري عن منصور .
وأخرجه الطبري وابن ابي حاتم بسنده عن الثّوريّ، عنه.
توجيه القول :
فقوله: ﴿ليسوا سواء﴾ كلام تام، وقوله: ﴿من أهل الكتاب أمة قائمة﴾ كلام مستأنف لبيان قوله: ﴿ليسوا سواء﴾ ,
والمعنى: ليس أهل الكتاب وأمة محمد ﷺ سواء.
قال الفراء : وقوله: {ليسوا سواء مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ...}
ذكر أمّه ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبنيّ على أخرى يراد؛ لأن سواء لا بدّ لها من اثنين فما زاد.
ثم قال : أمة رفع بسواء، والتقدير: ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة.
ورد هذا القول النحاس فقال : وهذا القول خطأ من جهات... ثم ذكرها .
ورده ابن جرير كذلك .
أما الشوكاني فقد ذهب إلى ما ذهب إليه الفراء فقال: (وعندي أن ما قاله الفراء قوي قويم، وحاصله أن معنى الآية: لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا، وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس ... ثم رد كلام النحاس ).
- فعلى هذا القول يكون الضمير في (ليسوا) عائد على اليهود وأمة محمد ﷺ؛ إذ تقدم ذكر اليهود وذكر هذه الأمة في قوله: ﴿كنتم خير أمة﴾.
- أيضا على هذا القول : يكون المراد بالكتاب جنس الكتاب , فيشمل كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان، فيكون المسلمون من جملتهم، كما في قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾ ويدل عليه حديث ابن مسعود السابق.
- يكون الغرض من الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدا لما تقدم من قوله : ﴿كنتم خير أمة﴾,
فسماهم الله بأهل الكتاب، كأنه قيل: أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب، حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة، والمسلمون الذين سماهم الله بأهل الكتاب حالهم وصفتهم هكذا، فهل يستويان؟!
قال ابن عطية :
وهو أصح التأويلات. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: معنى الآية: ليس اليهود وأمة محمد سواء، وقاله السدي.
فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله: ﴿كنتم خير أمة﴾ وذكر أيضا اليهود قال الله لنبيه: "ليسوا سواء"، والكتاب على هذا جنس كتب الله، وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط. والمعنى: من أهل الكتاب وهم أهل القرآن أمة قائمة..
القول الثاني :
إن الكلام في الآية والمقارنة معقودة بين أهل الكتاب فيما بينهم , فليس أهل الكتاب كلهم سواء، بل فيهم من هو قائم بأمر الله.
وهو قول ابن عباس، وقتادة , وابن جريج , وأبو الأشهب .
الأدلة:
1- قال ابن عباس :
لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام، ورسخوا فيه، قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله" إلى قوله:"وأولئك من الصالحين".
رواه الطبري وابن أبي حاتم بطرق عن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عنه
قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني ورجاله ثقات .
وقد ضعفه الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول .
2- قال قتادة:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة" الآية، يقول: ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية.
رواه الطبري عن بشر عن يزيد عن سعيد، عنه
3- قال ابن جريج:"أمة قائمة"، عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سلام أخوه، وسعية، ومبشر، وأسيد وأسد ابنا كعب.
رواه الطبري عن القاسم عن الحسين عن حجاج عنه
4- قال أبو الأشهب، قال: ليس كل القوم هلك.
رواه ابن ابي حاتم عن ابيه عن سعيد بن سليمان النشيطي عنه .
مناقشة القول وتوجيهه :
وقد اختلفوا في المراد بأهل الكتاب :
1- هم من كانوا مؤمنين قبل بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- وهلكوا قبلها , لأن من آمن بالنبي-عليه الصلاة والسلام- لا يلحق بأهل الكتاب بعد إسلامه , كما لا يلحق من أسلم من كفار العرب بهم بعد إسلامه , لهذا قال تعالى عنهم لما ذكرهم : {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} فأخبر بأن منهم مؤمنين , وهم من ثبت على الشريعة التي أنزلها الله عليهم , ولم يقبلوا بالتحريف , ولعلهم أخفوا إيمانهم ولم يظهروه كحال النجاشي أو كحال مؤمن آل فرعون .
ذكره ابن تيمية ورجحه , وذكره ابن عاشور .
وهذا القول مناسب لسياق الآيات كونها في الكلام عن أهل الكتاب قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.
2- إن المراد بهم من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام عموما من أهل الكتاب : يهودا كانوا أو نصارى .
قال القفال : ولا يبعد أن يقال: أولئك الحاضرون كانوا نفرا من مؤمني أهل الكتاب، فقيل: ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد ﷺ فأقاموا صلاة العتمة في الساعة التي ينام فيها غيرهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا.
3- إن المراد بهم من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام- من اليهود خاصة , لأثر ابن عباس السابق .
4- أو أن يكون المراد بهم من آمن من وفد نجران , فيكون المقصود بأهل الكتاب : النصارى .
قال عطاء في الآية : يريد أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا محمدا ﷺ وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي ﷺ منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن سلمة ومحمود ابن مسلمة وأبو قيس صرمة( بن أنس كانوا موحدين، يغتسلون من الجنابة، ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله تعالى بالنبي ﷺ فصدقوه ونصروه.
ذكره البغوي والثعلبي والرازي : جميعهم بدون إسناد.
وعلى هذا القول (الثاني) يكون الضمير في "ليسوا" لمن تقدم ذكرهم من أهل الكتاب في قوله: ﴿منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون﴾.
فيكون المعنى أن أهل الكتاب الذين سبق ذكرهم ليسوا سواء، وهذا وقع تأكيدا لقوله: ﴿منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون﴾، ثم ابتدأ فقال: ﴿من أهل الكتاب أمة قائمة﴾ .
قال الزجاج: لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة، لأن ذكر الأمة المذمومة قد جرى فيما قبل هذه الآيات فلا حاجة إلى إضمارها مرة أخرى.
ومثله قوله تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما} ولم يذكر الضد لأنّ قوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} دل عليه .
الراجح :
ذكر بعض العلماء جواز تعدد أسباب النزول , وعلى قولهم يجوز حمل الآية على القول الأول والقول الثاني ، هذا إن ثبت أن كلام ابن مسعود رضي الله عنه نص في سبب النزول , فقد قال ابن تيمية في مقدمة التفسير :
(قولهم: نزلت الآية في كذا، يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب؛ كما تقول: عني بهذه الآية كذا، وقد تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله فيه، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد، وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه الآية، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند).
فعلى هذا تكون العبارة ليست نصا في السببية بل محتملة , أو تكون من قبيل تفسير الآية بالمثال من قبل ابن مسعود رضي الله عنه .
فإذا كانت الاية تحتمل هذا المعنى , ولا يحصل بذلك تعارض أو إشكال : فلا مانع من حمله عليها .
أما القول الثاني : فهو الأليق بالسياق السابق واللاحق , فسياق الآيات في الكلام عن أهل الكتاب , وهذا القول هو المشهور عند المفسرين كما قال ابن كثير , ورجحه ابن جرير وغيره .
ويدخل فيه جميع أصناف أهل الكتاب التي ذكرت من اليهود والنصارى الذين ثبتوا على إيمانهم قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- وماتوا عليه , فالعبادات المذكورة في الآيات من العبادات المشتركة التي شرعها الله لجميع الأمم التي نعرف , كما ثبتت بذلك النصوص , وقد عرف عن الرهبان كثرة الصلاة , وثبت كون الركوع والسجود مما كان بتعبد به بنو إسرائيل , فلا منافاة .
ويدخل أيضا اليهود والنصارى الذين آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام من باب أولى .