بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الرابعة:
إجابة السؤال الأول:ما سبب خنوس الوسواس؟ وكيف يوسوس؟
سبب خنوس الوسواس سببان:
الأول:إذا ذُكر الله خنس ، وهو المشهور من كلام المفسرين ، وهو قول ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وقتادة.
الثاني:إذا دعا الشيطان العبد إلى معصية الله فأطاعه واستجاب إليه خنس.
فهو كما قال ابن جرير الطبري في كلا حالتيه وسواس خناس ، قد يوسوس بالدعاء إلى معصية الله فإذا أُطيع فيها خنس، وقد يوسوس بالنهي عن طاعة الله فإذا ذكر العبد أمر ربه فأطاعه فيه وعصى الشيطان خنس.
كيفية وسوستة:
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم؛ فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس).
وورد في الصحيحين عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين من الأنصار رأياه مع زوجته صفية رضي الله عنها ((على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي)) .فقالا: (سبحان الله يا رسول الله).
قال:((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا)).
وهذا الحديث دليل على أن الشيطان له اتصال بقلب الإنسان يقذف فيه شروره ووساوسه، والقلب محل لتلقي ذلك والمعصوم من عصمه الله.
وقد وردت الآثار الضعيفة والتي يمكن أن يتقوى بعضها ببعض والتي تدل على أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، ومنها(أن عيسى عليه السلام دعا ربه تبارك وتعالى أن يريه موضع إبليس من بني آدم، فتجلى له إبليس، فإذا رأسه مثل رأس الحية، واضعاً رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه عز وجل، خنس إبليس برأسه، وإذا ترك الذكر، مناه وحدثه).
وخلاصة ذلكأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وأنه يقذف شروره ووساوسه في قلب ابن آدم ، ويدعوه لطاعته ومعصية الله بكلام خفي يصل مفهومه إلى القلب ، فإذا ذكر العبد الله خنس وانتكس.
--------
إجابة السؤال الثاني : بيّن متعلّق الجار والمجرور في قوله تعالى: {من الجنّة والنّاس}.
في متعلق الجار والمجرور أقوال :
الأول:"الوسواس " وهو الشيطان ، وقوله تعالى { من الجنة} بيان أنه من الجن ، والناس معطوف على الوسواس ، والمعنى على هذا القول:" قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس الذي هو من الجنة "، ومن شر الناس ، وعلى هذا أُمرالعبد أن يستعيذ من شر الإنس والجن ، وهو قول الزجاج.
الثاني:أن إبليس الذي هو الشيطان ؛ يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الإنس ، فعلى هذا القول يكون في صدور الناس عاماً في الجميع ، ومن الجنة والناس بيان لمن يُوسوَسُ في صدره ، والمعنى على هذا القول "يكون الوسواس موسوساً للجن، كما يوسوس للإنس "، وهو قول الفراء .
الثالث:"الوسواس" وهو الشيطان الموسوس قد يكون من الجن وقد يكون من الناس ، ومعنى الآية على هذا القول : الذي يوسوس من شياطين الجن ومن شياطين الإنس في صدور الناس ، ويدخل في ذلك وسوسة النفس الأمارة بالسوء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(فالذي يوسوس في صدور الناس: نفوسهم وشياطين الجنّ وشياطين الإنس، و"الوسواس الخناس" يتناول وسوسة الجنة ووسوسة الإنس ، وإلا أي معنى للاستعاذة من وسوسة الجنّ فقط مع أن وسوسةَ نفسه وشياطين الإنس هي مما تضره، وقد تكون أضر عليه من وسوسة الجن).
وتشمل الآية أيضاً ما يوسوس به الإنسان لغيره، فهذا يكون خطيراً عليه بل ويجر عليه وعلى أخيه المسلم شراً عظيماً يكون عليه وزره وتبعاته .
وتشمل أيضا الاستعاذة من شر وسوسة غيره له ،وتشمل أيضاً الاستعاذة مما يُوسوَسُ به عنه؛ فإن العبد قد يوسوس عنه بأمور يكون بسببها ما يكون من الشر أو حجب الخير فيؤثر ذلك عليه، ومبدأ ذلك وسوسة من الشياطين لغيره عنه.
------------
إجابة السؤال الثالث:اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من سورة الناس.
1- استفدت أن الشيطان يوسوس في صدر الإنسان بأنواع كثيرة منها إفساد الإيمان والتشكيك في العقائد فإن لم يقدر على ذلك أمره بالمعاصي ، فإن لم يقدر على ذلك ثبطه عن الطاعات ، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليه الرياء ليحبط طاعاته ، فإن سلم من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه ، واستكثار عمله ، فعلينا الحذر من خطواته ومكايده.
2- لابد من استحضار عداوة الشيطان للإنسان في كل وقت ، والاستعاذة من شره ، فكل ما يوسوس به غايته أن يهلك الإنسان ويجعل مصيره قعر جهنم ، وإذا استحضر المرء ذلك اتخذه عدوا وخاف من اتباع خطواته.
3- الشيطان له مداخل للتسلط على الإنسان ينبغي علينا معرفتها والاحتراز منها :كالغَضَبِ الشديدِ، والفَرَحِ الشَّديدِ، والانْكِبابِ على الشَّهواتِ، والشُّذُوذِ عن الجماعةِ، والوَحْدةِ، ولا سِيَّما في السَّفَرِ، ونَقْلِ الحديثِ بينَ الناسِ، وخَلْوةِ الرجُلِ بالمرأةِ، والظنِّ السَّيِّئِ، وغِشْيانِ مَواضِعِ الرِّيَبِ، فإذا عرف العبد مداخله تيقظ عندها واستعاذ بالله من شره وابتعد عنها
.
4- من الفوائد وجوب التسمية في كل شأن من شئون الإنسان ؛ فقد شُرِعت التسميةُ لحُصولِ البَرَكةِ والحِفْظِ من كيدِ الشيطانِ، فيجب على العبد أن يُسَمِّي إذا أكَلَ، وإذا شَرِبَ، وإذا دخَلَ المَنْزِلَ، وإذا خَرَجَ منه، وإذا أَصْبَحَ، وإذا أمْسَى، وإذا رَكِبَ، وإذا جَامَعَ، وإذا دخَلَ الخَلاءَ، وإذا أرادَ النَّوْمَ
.
5- من الفوائد أن اتباع هدى الله يفضي إلى العاقبة الحسنة، فإذا اتبع الإنسان هدى الله فإنه يعان على كيد الشيطان ووسوسته وأذيته ما دام متبعاً لهدى الله جل وعلا ، فلا ضمان للعبد ولا أمان له إلا بذلك ، فعلينا ألا نغفل عن ذلك طرفة عين.
6- الاستعاذة عبادة عظيمة يجب علينا إخلاصها لله جل وعلا، واستحضار لوازمها عند التلفظ بها حتى لا تكون مجرد كلمات ، فهي تستلزم الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العليا فالمستعيذ يؤمن بسعة علم الله عز وجل وسمعه وبصره وقدرته ورحمته وعزته وملكه وغيرها من الصفات الجليلة .
7- شر الشيطان يبدأ بالوسوسة وما يتبعها وينتهي بتسلط الشيطان على الإنسان ، وذكر الله والبعد عن الغفلة فيهما النجاة ، فعلى العبد ملازمة ذلك فيتذكر العبد ما ينبغي لله تعالى من المحبة والطاعة والتسليم؛ فينفعه هذا التذكر، كما يتذكر ثواب الطاعة وعقاب المعصية فيترك ما يُسخِط اللهَ محبةً لله تعالى وخوفاً من عذابه ورجاءً في ثوابه.
------------