· صبر النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم عظيم الصبر، وقد قال الله تعالى له: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل}
فصبر صبراً عظيماً حتى كان خير الرسل صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فصبر على طاعة الله وتبليغ رسالته واحتمال ما يلقى من أذى قومه، ودأب في طاعة ربّه ليلاً ونهاراً، يدعو قومه ويصبر على أذاهم وما يلقى منهم، ويقوم الليل حتى كان ربما قرأ في الليلة بالسبع الطوال، ويقرأ القرآن آناء الليل وأطراف النهار، وكان كثير الصيام، كثير الصدقة، عظيم الجود حتى وُصف أنه أسرع بالخير من الريح المرسلة، وكان كثير الذكر لله عزّ وجلّ، وربمّا استغفر في المجلس الواحد مائة مرة، وكان أشجع الناس لا يخشى في الله لومة لائم، وإذا اشتدّ القتال وحمي الوطيس كان في مقدّمة أصحابه في وجاه العدوّ، فجمع أنواع الصبر على الطاعات، وكان هديه فيها أحسن الهدي، وهذا صبر على الطاعات عظيم.
وعرض عليه قومه أفضل ما يُرغب فيه من متاع الدنيا على أن يترك دعوتهم إلى الإسلام فلم يتركها، وكان أشدّ الناس تعظيماً لحرمات الله، واجتناباً لمعاصيه.
وابتلي ببلايا شديدة فصبر عليها أحسن الصبر وأجمله.
- قال عاصم بن أبي النجود: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟
فقال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل علي حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلي على حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك)).
قال: ((فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة)). رواه أحمد والدارمي وابن ماجه والترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهم، وبوّب البخاري في صحيحه (باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم».
قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل»
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض، فما سواه إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها» رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود.
والمقصود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إمام الصابرين، وأنّه وفّى مقامات الصبر، وكان هديه فيها أحسن الهدي.