بابُ شُرُوطِ الصَّلاةِ
الشَّرْطُ: ما لا يُوجَدُ المَشْرُوطُ معَ عَدَمِه، ولا يَلْزَمُ أنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِه.
(شُرُوطُهَا)؛ أي: ما يَجِبُ لها (قَبْلَهَا)؛ أي: تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وتَسْبِقُهَا, إلاَّ النِّيَّةَ, فالأَفْضَلُ مُقَارَنَتُها للتَّحْرِيمَةِ, ويجبُ استِمْرَارُهَا؛ أي: الشُّرُوعُ فيها، وبهذا المَعْنَى فَارَقَتِ الأَرْكَانَ.
(مِنْهَا)؛ أي: مِن شُرُوطِ الصَّلاةِ: الإسلامُ، والعَقْلُ، والتَّمْيِيزُ، وهذه شُرُوطٌ في كُلِّ عبادةٍ, إلاَّ التَّمْيِيزَ في الحَجِّ, ويأتِي؛ ولذلك لم يَذْكُرْهَا كَثِيرٌ مِن الأصحابِ هنا.
ومِنْهَا: (الوَقْتُ), قالَ عُمَرُ: الصَّلاةُ لها وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لها, لا تَصِحُّ إلا بهِ، وهو حديثُ جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ في الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ثُمَّ قالَ: (يَا مُحَمَّدُ، هذا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ)، فالوَقْتُ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلاةِ؛ لأنَّها تُضَافُ إليهِ, وتَتَكَرَّرُ بتَكَرُّرِه.
(و) منها: (الطَّهَارَةُ مِن الحَدَثِ)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)). مُتَّفَقٌ عليه.
(و) الطَّهَارَةُ مِن (النَّجَسِ), فلا تَصِحُّ الصَّلاةُ معَ نَجَاسَةِ بَدَنِ المُصَلِّي أو ثَوْبِه أو بُقْعَتِه, ويَأْتِي.
والصَّلَوَاتُ المَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ، ولا يجبُ غَيْرُها إلا لعَارِضٍ؛ كالنَّذْرِ، (فوَقْتُ الظُّهْرِ)- وهي الأُولَى- (مِن الزَّوَالِ)؛ أي: مَيْلِ الشَّمْسِ إلى المَغْرِبِ, ويَسْتَمِرُّ (إلى مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ) الشَّاخِصِ (فَيْئَهُ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ)؛ أي: بعدَ الظِّلِّ الذي زَالَتْ عليهِ الشَّمْسُ.
اعْلَمْ أنَّ الشَّمْسَ إذا طَلَعَتْ رُفِعَ لكُلِّ شَاخِصٍ ظِلٌّ طَوِيلٌ مِن جَانِبِ المَغْرِبِ، ثُمَّ ما دَامَتِ الشَّمْسُ تَرْتَفِعُ فالظِّلُّ يَنْقُصُ، فإذا انتَهَتِ الشَّمْسُ إلى وَسَطِ السَّمَاءِ –وهي حَالَةُ الاستِوَاءِ- انتهَى نُقْصَانُه، فإذا زادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ؛ فهو الزَّوَالُ، ويَقْصُرُ الظِّلُّ في الصَّيْفِ لارتِفَاعِهَا إلى الجَوِّ، ويَطُولُ في الشِّتَاءِ, ويَخْتَلِفُ بالشَّهْرِ والبَلَدِ.
(وتَعْجِيلُها أَفْضَلُ), وتَحْصُلُ فَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ لتَأَهُّبِ أوَّلِ الوَقْتِ, (إلاَّ في شِدَّةِ الحَرِّ), فيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُها إلى أن يَنْكَسِرَ؛ لحديثِ: ((أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ)).
(ولو صَلَّى وَحْدَهُ) أو في بَيْتِه (أو معَ غَيْمٍ, لِمَن يُصَلِّي جَمَاعَةً)؛ أي: ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُها معَ غَيْمٍ إلى قُرْبِ وَقْتِ العَصْرِ لمَن يُصَلِّي جَمَاعَةً؛ لأنَّه وَقْتٌ يُخَافُ فيه المَطَرُ والرِّيحُ، فطَلَبَ الأَسْهَلَ بالخُرُوجِ لهما معاً، وهذا في غَيْرِ الجُمُعَةِ, فيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقاً.
(ويَلِيهِ)؛ أي: يَلِي وَقْتَ الظُّهْرِ (وَقْتُ العَصْرِ) المُخْتَارُ مِن غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا ويَسْتَمِرُّ (إلى مَصِيرِ الفَيْءِ مِثْلَيْهِ بعدَ فَيْءِ الزَّوَالِ)؛ أي: بَعْدَ الظِّلِّ الذي زَالَت عليه الشَّمْسُ.
(و) وَقْتُ (الضَّرُورَةِ إلى غُرُوبِهَا)؛ أي: غُرُوبِ الشَّمْسِ، فالصَّلاةُ فيهِ أَدَاءٌ، لكنْ يَأْثَمُ بالتَّأْخِيرِ إليهِ لغَيْرِ عُذْرٍ, (ويُسَنُّ تَعْجِيلُها) مُطْلقاً، وهي الصَّلاةُ الوُسْطَى.
(ويليه وَقْتُ المَغْرِبِ), وهي وِتْرُ النَّهَارِ,ويَمْتَدُ (إلى مَغِيبِ الحُمْرَةِ)؛ أي: الشَّفَقِ الأَحْمَرِ، (ويُسَنُّ تَعْجِيلُها إلاَّ لَيْلَةَ جَمْعٍ)؛ أي: مُزْدَلِفَةَ, سُمِّيَتْ جَمْعاً؛ لاجتِمَاعِ النَّاسِ فيها، فيُسَنُّ (لمَن) يُبَاحُ له الجَمْعُ و(قَصَدَها مُحْرِماً), تَأْخِيرُ المَغْرِبِ؛ ليَجْمَعَهَا معَ العِشَاءِ تَأْخِيراً قَبْلَ حَطِّ رَحْلِه.
(ويَلِيهِ وَقْتُ العِشَاءِ إلى) طُلُوعِ (الفَجْرِ الثَّانِي), وهو الصَّادِقُ, (وهو البَيَاضُ المُعْتَرِضُ) بالمَشْرِقِ ولا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ، والأوَّلُ مُسْتَطِيلٌ أَزْرَقُ له شُعَاعٌ, ثُمَّ يُظْلِمُ، (وتَأْخِيرُهَا إلى) أن يُصَلِّيَهَا في آخِرِ الوَقْتِ المُخْتَارِ، وهو (ثُلُثُ اللَّيْلِ, أَفْضَلُ إِنْ سَهُلَ), فإن شَقَّ- ولو بَعْضَ المَأْمُومِينَ- كُرِهَ، ويُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا والحديثُ بَعْدَها, إلاَّ يَسِيراً، أو لشُغْلٍ, أو معَ أَهْلٍ ونَحْوِه، ويَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ الثُّلُثِ بلا عُذْرٍ؛ لأنَّه وَقْتُ ضَرُورَةٍ، (ويَلِيهِ وَقْتُ الفَجْرِ) مِن طُلُوعِه (إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ) مُطْلَقاً، ويجبُ التَّأخيرُ لتَعَلُّمِ فَاتِحَةٍ أو ذِكْرٍ وَاجِبٍ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُه في الوَقْتِ، وكذا لو أَمَرَهُ وَالِدُه به؛ ليُصَلِّيَ به، ويُسَنُّ لِحَاقِنٍ ونَحْوِه معَ سَعَةِ الوَقْتِ.