دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 رجب 1441هـ/8-03-2020م, 01:37 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي موضوع نشر تطبيق فهرسة مسائل أحكام المصاحف

موضوع نشر تطبيق فهرسة مسائل أحكام المصاحف

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 رجب 1441هـ/14-03-2020م, 09:21 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

فهرسة القسم الرابع من مسائل أحكام المصاحف

وضع المصحف على الأرض:
حكم وضع المصحف على الأرض إهمالا:
أولا : أجمع أهل العلم على تحريم ترك المصحف على الأرض على سبيل الإهمال له.
- صرح بعضهم بكفر من فعل ذلك استخفافا.
- قال العدوي الخرشي: (ومما يرتد به وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف).

ثانيا : وضع المصحف على الأرض دون حائل لا على سبيل الإهمال:
- اختلف أهل العلم فيه على أربعة أقوال:
القول الأول: تحريم ذلك.
- قاله القرطبي في تذكاره , والهيتمي في الفتاوى الحديثية , وهو قول الشيخ عليش .
قال : قول الفقهاء وضع المصحف على الأرض الطاهره استخفافا به ردة . فعلم منه أن وضعه عليها بلا استخفاف ممنوع.
- جزم الهيتمي في تحفة المحتاج بحرمة ترك رفعه عن الأرض، قال: (وينبغي أن لا يجعله في شق، لأنه قد يسقط فيمتهن).
- احتجوا بما ورد من النهي عن الكتابة على الأرض أو الحيطان:
*قال عمر بن عبد العزيز : "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في الأرض، فقال لشاب من هذيل: "ما هذا؟" قال: من كتاب كتبه يهودي.قال: " لعن الله من فعل هذا، لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه". قال محمد بن الزبير: ".

تخريج الحديث:
رواه أبو داود السجستاني عن عبد اللّه عن أبي الطّاهرعن ابن وهبٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن محمّد بن الزّبير عنه.

*قال محمد بن الزبير: رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه".

- عللوا ذلك لما في وضعه على الأرض من الامتهان وإن لم يكن امتهانه مقصود.

القول الثاني: الكراهة.

القول الثالث: الإباحة لحاجة كالقراءة منه مثلا.
- صرح به ابن مفلح في الآداب الشرعية، وابن عبد الهادي في مغني ذوي الأفهام , وقاله الشرواني
- قال الشروانى فى حاشيته على التحفة الشبراملسى فى أنه لا يحرم وضع المصحف على الأرض حال القراءة فيه.

القول الرابع : الإباحة.
- جزم به غير واحد من الحنابلة بإباحة ترك المصحف على الأرض بغير قصد الاستخفاف.

حكم ترك المصحف على الأرض:
القول الأول: المنع مطلقا .
- صرح بعضهم بوجوب رفع نحو ورقة عليها بسم الله عن مكان الامتهان.
- جزم صاحب التحفة بحرمة ترك رفع المصحف من على الأرض.

حكم رمي المصحف على الأرض:
أولا : أجمع أهل العلم على تحريم رمي المصحف على الأرض استخفافا وامتهانا.
- صرح بعضهم بردة من فعل ذلك .

ثانيا: حكم رمي المصحف على الأرض دون قصد الاستخفاف :
اختف العلماء فيمن فعل ذلك على اقوال:
القول الأول: الكراهة التحريمية , وهو قول القرطبي , وابن مفلح , والبهوتي وإسحاق بن إبراهيم , وهو قول الأكثر.
عللوه بأمور :
- منافاة هذا الفعل ما تقتضيه حرمة المصحف.
- رميه على الأرض يتضمن امتهانه.
- رميه مشعر بعدم التعظيم اللازم للمصحف.
- قال القرطبي: (من حرمته ألا يرمي به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله إياه).
- ألحق ابن مفلح هذه المسالة بمسالة توسد المصحف.

القول الثاني: يفرق بين أمرين:
1- رمي دعت الحاجة إليه كبعد الرامي عن الأرض كما لو كان على سلم مثلا:
حكمه : الكراهة.
- احتجوا بإلقاء موسى عليه السلام بالألواح لما ناله من الغم بسبب اتخاذ قومه من بعده العجل إلها.
- جاء في حاشية على تحفة المحتاج : (وقع السؤال على الفقيه مثلا يضرب الأولاد الذين يتعلمون منه بألواحهم هل ذلك كفر أم لا؟ وإن رماهم بألواح من بعد؟فيه نظر، والجواب عنه أن الظاهر الثاني، لأن الظاهر من حاله أنه لا يريد الاستخفاف بالقرآن.. نعم ينبغي حرمته لإشعاره بعدم التعظيم، كما قالوه فيما لو روح بالكراسة على وجهه).

2- رمي لم تدع الحاجة إليه وكان الكسل أو التساهل هو الحامل عليه.
حكمه : التحريم.

مدّ الرجل إلى جهة المصحف:
أولا: حكم مدّ الرجل إلى جهة المصحف استخفافا وامتهانا:
- أجمع العلماء على تحريم ذلك وكفر فاعله إن قصد امتهان المصحف.

ثانيا : حكم مدّ الرجل إلى جهة المصحف بغير قصد الاستخفاف:
اختلف أهل العلم على ثلاثة اقوال:
القول الأول: التحريم، وهو اختيار الزركشي الشافعي، واستقربه ابن مفلح الحنبلي، وهو ظاهر كلام فقهاء الحنفية.
- قال الزركشي في البرهان: (ويحرم مد الرجلين إلى شيء من القرآن أو كتب العلم، وعلله بأن فيه إذلالا وامتهانا للمصحف.
- فرق فقهاء الأحناف بين ما كان مسامتا للمصحف وبين ما كان منخفضا عنه لانتفاء حصول الامتهان عن الحالة الثانية.
- قال ابن البزاز الحنفي: (ومد الرجل إلى المصحف لو لم يكن بحذاء الرجل لا يكره، وكذا لو معلقا من وتد ومد إلى الأسفل لأنه على العلو فلم يحاذه).

القول الثاني: الكراهة .
- قال ابن الهمام في الفتح: (قالوا يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة).

القول الثالث: ترك ذلك أولى , ذكره ابن مفلح في الفروع ومن تابعه.
- قال ابن مفلح: (ولم يذكر أصحابنا مد الرجلين إلى جهة ذلك وتركه أولى، وكرهه الحنفية).

توسد المصحف:
معنى التوسد لغة :
- قال ابن الأثير في النهاية: ("وسد" الوساد والوسادة: المخدة. والجمع وسائد، وقد وسدته الشيء فتوسده إذا جعلته تحت رأسه، فكنى بالوساد عن النوم لأنه مظنته).

المراد بتوسد القرآن:
حمل العلماء التوسد على أمرين:
الأول: النوم عنه والغفلة عن تدبر معانيه.
الثاني: توسده بجعله تحت الرأس عند النوم، أو تحت الوساد .

حكم توسد المصحف:
أولا: توسد القرآن على وجه الامتهان:
أجمع العلماء على حرمة ذلك.
صرح بعضهم بأن من قصد ذلك كفر, واستدلوا بقوله تعالى: {ولإن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.

ثانيا : إذا انتفى عن التوسد قصد الامتهان والابتذال.
اتفق العلماء على أن توسد المصحف خلاف الأولى , واختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال :
القول الأول : التحريم .
استدلوا بما رواه المهاجر بن حبيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتقنوه وتغنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون").

تخريج الحديث:
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، والبخاري في التاريخ الكبير، والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، والديلمي في الفردوس، وابن كثير في فضائل القرآن، والتبريزي في المشكاة.

وعللوا ذلك بأمور:
- إن صورة الامتهان في التوسد حاصلة، ومعرفة نية الفاعل متعذرة.
- القول بالتحريم يحسم مادة الامتهان ويسد الذرائع لابتذال المصحف.
استثنى اصحاب هذا القول ما وقع لضرورة كالخوف عليه من الغرق أو الخوف من وقوعه بيد كافر أو نجس, بل قد يصبح عند الضرورة واجبا.
قاله جمع من أهل العلم كالنووي، والزركشي، والأنصاري، والهيتمي من الشافعية، وهو وجه عند الحنابلة .
قال النووى: (ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم...).
قال الزركشي :(ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم لأن فيه إذلالا وامتهانا).

القول الثاني: الكراهة مطلقا , واستثنوا ما كان لحفظه.
إلا ما كان بقصد حفظ القرآن من سارق ونحوه .
وهو قول جماعة من أهل العلم كإبراهيم النخعي، والإمام أحمد بن حنبل، وجماعة من أصحابه كالقاضي أبي يعلى، وأبي الوفاء بن عقيل وابن مفلح.
وهو اختيار طائفة من فقهاء الحنفية كقاضي خان، وابن البزاز، وجزم به في الفتاوى الهندية، والحصكفي في الدر، وابن نجيم في الأشباه، والحموي في شرحها، وصرح به ابن عابدين في حاشيته، وهو مقتضى كلام القرطبي في تفسيره وتذكاره.

- الظاهر أن القول بكراهة توسد المصحف هذا إنما يراد به الكراهة التحريمية، وهو الذي جرى عليه فقهاء الحنفية في كل ما كان النهي فيه بحجة ظنية.

القول الثالث: الإباحة إذا دعت الحاجة إليه.
عللوا ذلك بأمور:
- استنادا إلى البراءة الأصلية.
- لو كان التوسد محظورا لبينه صاحب الشرع في حينه إذ أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
- التحريم والكراهة أحكام شرعية تحتاج في إثباتها إلى أدلة ناقلة عن البراءة الأصلية، ولا وجود لمثل هذه الأدلة.

الاتكاء على المصحف:
- قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ: صرح غير واحد من أهل العلم بحرمة الإتكاء على المصحف , لكون ذلك امتهانا وقلة احترام له.
- نص عليه القرطبى فى تفسيره وتذكاره وحكاه غير واحد من أصحابنا الحنابلة عن ابن عبد القوى .
- قال ابن مفلح فى الآداب الشرعية : ( قال ابن عبد القوى فى كتابه مجمع البحرين : أنه يحرم الإتكاء على المصحف , وعلى كتب الحديث , وما فيه شئ من القرآن , اتفاقا ).
- جزم به البهوتى فى غير موضع من كتبه .

الجلوس على المصحف أو على شيء فيه مصحف:
أولا: حكم الجلوس على المصحف مباشرة:
- أجمع أهل العلم على تحريمه إذا كان على وجه الابتذال .
- وأجمعوا على كفر من فعله استخفافا.

ثانيا: حكم الجلوس على شيء فيه مصحف كصندوق مثلا:
اختلف العلماء فيه:
القول الأول: الإباحة لأن الحاجة قد تدعوا إليه.
جاء في الفتاوى البزازية: (وضع القرطاس الذي عليه اسم الله تعالى تحت الطنفسة لا بأس به، لأنه يجوز النوم والقعود على سطح بيت فيه المصاحف. وقال القاضي: ويكره إلا في موضع وهو الركوب على جوالق فيه مصحف للضرورة، والأول أوسع).

القول الثاني: التحريم إن كان على وجه الإزدراء , فجعلوه مناطا للحكم.
- قال الشرواني : (فائدة وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لا على الخرج مثلا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعا عليه حرم، وإلا فلا، فتنبه له فإنه يقع كثيرا).

استدبار المصحف:
حكم استدبار المصحف:
القول الأول : الكراهة قياسا على القول بكراهة مد الرجلين إليه , وقياسا على القول بكراهة استدبار القبلة.
- قال ابن مفلح : ( قد كره أحمد إسناد الظهر إلى القبلة , فهنا أولى ).
- قال الهيتمى الشافعى : ( والأولى أن لا يستدبره , ولا يتخطاه , ولا يرميه بالأرض بالوضع , ولا حاجة تدعو لذلك , بل لو قيل بكراهة الأخير لم يبعد )

القول الثاني : إن كان على وجه الازدراء حرم , بل قد يكفر فاعله.
- قال العبادى الشافعى فى حاشيته على تحفة المحتاج : ( " تنبيه " ظاهر كلامهم عدم حرمة استقبال المصحف أو استدباره ببول أو غائط , وإن كان أعظم حرمة من القبلة , وقد يوجه بأنه يثبت للمفضول ما لا يثبت للفاضل , نعم قد يستقبله أو يستدبره على وجه يعد ازدراء فيحرم بل قد يكفر به ).

وضع المصحف مع النعال:
حكم وضع المصحف على النعال مباشرة:
- أجمع العلماء على منع مباشرة النعال للمصحف.
- ىصرح بعض الشافعية بأنه لا يجوز وضع المصحف على نعل نظيف لم يلبس لأن به نوع استهانة وقلة احترام.
- صرح العدوى على الخرشى بحرمة وضع المصحف على خف أو نعل ولو تحققت طهارتهما لحرمة القرآن .

حكم وضع المصحف مع النعال وبينهما حائل غير مباشر ولا ملاصق فوق المصحف وتحت النعال:
- قال العبادى الشافعى فى حاشيته على التحفة [ " مسألة " وقع السؤال عن خزانتين من خشب إحاهما فوق الأخرى كما فى خزائن مجاورى الجامع الأزهر وضع المصحف فى السفلى فهل يجوز وضع النعال ونحوها فى العليا فأجاب م ر بالجواز لأن ذلك لا يعد إخلالا بحرمة المصحف , قال بل يجوز فى الخزانة الواحدة أن يوضع المصحف فى رفها الأسفل ونحو النعال فى رف آخر فوقه ].

حكم وضع المصحف مع النعال وبينهما حائل مباشر وملاصق فوق النعال وتحت المصحف :
- قال الشبراملسى فى حاشيته على النهاية : [ قلت : وينبغى أن مثل ذلك فى الجواز ما لو وضع النعل فى الخزانة وفوقه حائل كفروة ثم وضع عليه النعل فوقه فمحل نظر , ولا يبعد الحرمة لأن ذلك يعد إهانة للمصحف ].

الآداب مع المصاحف:
- قال الضحاك: لا تتخذوا للحديث كراسي ككراسي المصاحف.
- أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان أنه كره أن تعلق المصاحف.
- قالَ السيوطيُّ :يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي .
- قال الهيثمي: (والأولى أن لا يستدبره ولا يتخطاه .
- جاء فى الفتاوى الهندية ما نصه [وينبغى للمتعلم أن يوقر العلم ولا ينبغى أن يضع الكتاب على التراب ].

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 شوال 1441هـ/4-06-2020م, 10:21 AM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

القسم الثاني
تمكين الصبي والمجنون من مسّ المصحف
تمكين الصغير من المصحف:
أولا: الصغير غير المميز، فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: عدم تمكينه من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهو قول جمهور أهل العلم كالماوردي، والنووي، وابن نجيم، والبهوتي، وهو وجه عند كل من الشافعية والحنابلة؛ وعده بعض الحنابلة رواية عن الإمام أحمد؛ وهو الصحيح من المذهب، وهو وجه عند المالكية على ما ذكره القرطبي؛ وهو مقتضى مذهبهم في غير مقام التعليم، وقول النووي أن هذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.
- توجيه القول الأول:
لعدم الأمن من انتهاكه لحرمة المصحف فلربما عرضه للنجاسة أو القذر، أو امتهنه بنحو رميه على الأرض، أو وطئه برجل، أو تمزيقه عبثا، وهذه مفاسد لا تعارض بتوهم مصالح قد لا تسلم كحفظ القرآن مثلا، ولو سلمت لكان إعمال قاعدة تقديم درء المفاسد على جلب المصالح أمرا متعينا.
القول الثاني: أنه يجوز دفع المصحف للصغير وتمكينه منه إذا اقتضت حاجة التعليم ذلك، وكان مما يتأتى منه التعليم شريطة أن يكون تمكينه من المصحف بحضرة وليه أو من يقوم مقامه وتحت ملاحظته ليمنعه من انتهاكه، ذكره صاحب الإيعاب من الشافعية.
القول الثالث: جواز تمكين الصغير من المصحف مطلقا ولو لم تتأتى طهارته؛ وهو قول أكثر الحنفية، وهو وجه عند الشافعية والمالكية؛ بل هو مقتضى مذهبهم حال التعلم، وهو رواية عن الإمام أحمد وذكرها بعض الحنابلة وجها.
- توجيه القول الثالث:
إعمالا لقاعدة المشقة تجلب التيسير، ولأن في تمكينه من ذلك مصلحة دينية، ولأنه غير ما كلف فلا يتناوله النهي عن مس المصحف على غير طهارة، ولعدم الدليل الخاص في منعه

ثانيا: الصغير المميز، وله حالتان:
الحالة الأولى: إن كان متطهرا، فالظاهر أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز دفع المصحف إليه.
- توجيه القول: لعدم المانع ولوجود المقتضي، وقياسا على البالغ المكلف المسلمين.

الحالة الثانية: إن كان محدثا، ففيه أربعة أقوال:
القول الأول: جواز تمكينه من المصحف في مقام التعليم خاصة، وهو قول جمهور الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو وجه عند الحنابلة.
- توجيه القول الأول:
لأن في المنع من دفع المصحف إليهم تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهر حرج بهم ومشقة وكلفة تلحقهم أو تلحق أوليائهم ومعلميهم، فالترخيص أولى إعمالا لقاعدة المشقة تجلب التيسير، ولأن تكليفهم بالطهارة كلما راموا مس المصحف يتضمن تنفيرا للصغار عن قراءة القرآن، لا سيما في أوقات المكاره كالبرد الشديد مثلا، ولأنه لم ينقل دليل صحيح صريح خاص بالصغار يمنع من مسهم المصاحف حال الحدث، ومعلوم أن طهارتهم لا تحفظ، وقياسا على جوازه في حق غير المميز؛ بل أولى، لأن حاجة المميز إلى التعليم أمس، واحتمال حصول انتهاك حرمة المصحف منه أبعد، ولأن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
القول الثاني: أنه لا يجوز مس المحدث للمصحف، وهو المذهب عند الحنابلة، وقول عند المالكية، والحنفية، والشافعية.
- توجيه القول الثاني:
لأن تكليفه بالطهارة لمس المصحف فيه مصلحة له ليعتاد تعظيم المصحف، والتطهر كلما أراد مسه حتى إذا بلغ صار ذلك أمرا مألوفا لديه، واحترام المصحف راسخا عنده
القول الثالث: أنه يجوز أن يمكن الصغير من مس بعض المصحف دون الكامل، وهو اختيار ابن بشير من المالكية، والقاضي أبو يعلي في مستدركه.
القول الرابع: جواز مسه للمصحف ما لم يكن مجنبا، وهو اختيار الأسنوي من الشافعية واستحسنه الأنصاري والرملي.
- توجيه القول الرابع:
لأن الجنابة نادرة في حقه، وحكمها أغلظ.

مس الألواح
، للإمام أحمد فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز مس الصغير للمكتوب في الألواح خاصة، لأنه الذي تتعلق به حاجة تعليمه، ولأن اللوح لا يسمى مصحفا.
القول الثاني: لا يمكن من مس المكتوب في اللوح، وإن جاز له مس الخالي من الكتابة، وهو مذهب أحمد كما صرح به أكثر الحنابلة.
القول الثالث: يمنع الصغير من مس اللوح أو حمله ما لم يتطهر تعظيما للقرآن أينما كتب.
- توجيه القول الثالث:
لأن حكم المصحف يثبت لبعضه فلا دليل على التفريق بين الكامل وغير الكامل في الحكم، اللهم إلا الآية والآيتان في الرسائل على سبيل الدعوة لدليل يخصها.

في الوجوب على الولي والمعلم بتكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما:
ذكر النووي أن فيه وجهان مشهوران أصحهما عند الشافعية أنه لا يجب للمشقة.

تمكين المجنون من المصحف:
- عدم جواز تمكين المجنون من مس المصحف لانتفاء الطهارة فيه؛ بل وعدم تصورها منه، كما صرح بعض الفقهاء كالنووي.
أدلة هذا الحكم:
- أنه لا تصح من المجنون عبادة أصلا كما ما صرح به جمع السيوطي وابن نجيم في أشباههما.
- عدم الأمن من حصول انتهاك المجنون لحرمة المصحف
- إعمالا لقاعدة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
- لبطلان الطهارة بزوال العقل

آداب كتابة المصحف

ذكر البيهقي والسيوطي من آداب المصحف ما يلي:
- اشتراط الطهارة لملابسته
- التوقي من كل تصرف يشعر بامتهانه ولو صورة كتوسده والاتكاء عليه أو استدباره أو مد الرجلين إليه أو التروح به أو رميه عند وضعه أو استعمال الشمال في تنوله وأخذه أو بل الأصبع بالريق عند تقليب ورقه أو الكتابة في حواشيه أو على جلده أو وضع شيء فوقه أو بين أوراقه أو حمله حال دخول الأماكن الممتهنة أو السفر به إلى أرض الكفار أو تعريضه لأى نوع من أنواع الأقذار أو إضافة شيء إليه أو زخرفته أو تحليته أو كتابته بأحد النقدين أو كتابته بالأعجمية أو اتخاذه متجرا أو استعماله فى غير ما جعل له كالتثقيل به أو تعليقه كحرز أو زينه أو اقتنائه لمجرد التبرك به إلى غير ذلك من أنواع الاستعمالات التي يأذن الشرع بمثلها

شروط كاتب المصحف:
- من الشروط المتفق عليها:
أن يكون كاتب المصحف مسلما أمينا ورعا حسن الخط بصيرا بالكتابة فصيحا بارعا في العربية، وأن يكون حال مباشرته للكتابة على طهارة كامله، حسن الهيئة، طيب الرائحة، بالغ التعظيم للقرآن، محتسبا في عمله لا يأخذ عليه أجرا.
- من الشروط المختلف عليها:
لو اختلت خصلة من هذه الخصال، أو تخلفت خلة من تلك الخلال، فهل يجوز حينئذ أن يتولى كتابة المصحف من لم يستوف تلك الخصال المذكورة بناء على أن هذا العمل قربه من القرب، وأمانة من الأمانات تتضمن معنى الولاية

كتابة غير المسلم للمصحف:
- نقل الشيخ صالح الرشيد إجماع أهل العلم على منعه في حال عدم الحاجة.
- أما عند الحاجة، ففيه قولين:
القول الأول: المنع مطلقا، وهو قول جمهور أهل العلم، وفيهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو رواية عن أحمد.
القول الثاني: الجواز مع الكراهة، ذكره ابن تيمية في شرح العمدة عن الصحابة من غير نسبة، وهو مذهب أحمد على ما ذكره المحققون من الحنابلة كابن مفلح والخلال وابن عقيل، وهو ظاهر كلام السرخسي من أئمة الحنفية في مبسوطه.
- سبب الخلاف:
فيما يظهر يرجع إلى كون كتابة القرآن من الأمانات والولايات والأمور التي يختص أن يكون فاعلها من أهل القربة، أو هو تعارض العمومات المانعة من موالاة الكفار مع الآثار الدالة على استكتاب النصارى ونسخهم للمصاحف ولا سيما نصارى الحيرة، واشتهار ذلك في الصدر الأول.

أدلة القول الأول:
- أن الطهارة شرط في المسلم الناسخ للقرآن، فاشتراطها في الناسخ الكافر أولى، وهي غير متصورة منه.
- كون الكتابة المذكورة ضربا من الولاية، وليس الكافر من أهلها، ولما فيها من مقتضيات الأمانة، وهي منتفيه في غير المسلم، ولأنها عمل يستلزم أن يكون فاعله من أهل القربة
- أن في الكتابة نوع مس للمكتوب، ولا يجوز عن الجمهور أن يمس الكافر القرآن بحال، خلافا لأبى حنيفة ومحمد بن الحسن في جواز ذلك له إذا اغتسل تخفيفا لنجاسته البدنية، وحينئذ لا يبقى إلا نجاسته الاعتقادية وهي في قلبه.
- الاستدلال بعموم آي القرآن الكريم والأحاديث المانعة من الاستعانة بالكفار أو الركون إليهم أو موالاتهم.
- الاحتجاج بالآثار المروية عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم المتضمنة للمنع من استكتاب الكفار واستئمانهم، والزجر عن تمكينهم من كل ما فيه ولاية على المسلمين.

أدلة القول الثاني:
- ما رواه ابن أبى داود في المصاحف بسنده أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه استكتب رجلا من أهل الحيرة نصرانيا مصحفا، فأعطاه ستين درهما.
- وروى عبد الرازق في المصنف، وابن أبى داود في المصاحف أن عبد الرحمن ابن أبى ليلى كتب له نصراني من أهل الحيرة مصحفا بسبعين درهما.
- وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن أبى داود في المصاحف، وابن حزم في المحلى عن علقمة بن قيس أنه أراد أن يتخذ مصحفا فأعطاه نصرانيا فكتبه له
- أن الكتابة عمل معلوم وهو يتحقق من المسلم والكافر، والاستئجار عليه متعارف.
- إعمالا لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

تمكين الكافر من المصحف، وفيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع مطلقا، وهو قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف، وفيهم المالكية والشافعية، والحنابلة، وهو قول الحنفية، اختاره أبو يوسف.
أدلة القول الأول:
لقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)، ولقوله عليه السلام: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، وقياسا على المحدث من المسلمين بل أولى لأن الكافر ليس من أهل الطهارة، ولا يمكن تصورها منه، إذ لا تصح إلا بنية وهو ليس من أهلها؛ بل هو نجس بنص القرآن لقوله سبحانه: (إنما المشركون نجس)، ونقل الشيخ صالح الرشيد تصريح الفقهاء بأنه لا يحل لمسلم أن يمكن كافرا من المصحف أو بعضه أو ما يتضمن قرآنا من كتب الشرع لا ببيع ولا بقرض ولا برهن ولا بإعارة ولا بإجارة ولا بوقف ولا بهبة ولا بوصية ولا بإرث ولا بأي سبب أو عقد يفضي إلى وضع يد الكافر على المصحف أو بعضه، أو كتب الشرع حقيقة أو حكما، "وكان ابن عباس ينهي أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن"، ولأن في تمكين الكافر من مسه تعريضا له بالامتهان والانتهاك، يستثنى من ذلك الآية والآيتان في الرسائل على سبيل الدعوة لكتابته إياهما عليه السلام في كتبه إلى ملوك الكفار.
القول الثاني: أنه يجوز تمكين الكافر من مس المصحف إذا اغتسل ورجي إسلامه، وهو قول أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن، وجزم به قاضي خان في فتاويه ولم يحك فيه خلافا.
أدلة القول الثاني:
لأثر عمر ولأن النجاسة بدنة قد خففت بالغسل فلم يبق إلا نجاسة اعتقاده وهي في قلبه.
القول الثالث: أنه يجوز أن يمكن الكافر من حمل القرآن ومسه، لعدم الدليل الصريح الصحيح على منعه من ذلك، وهو قول طائفة من أهل العلم كابن جبير على ما حكاه عنه جماعة كابن أبي داود، وابن أبي شيبة، والعيني، وهو مروي عن الحكم وحماد بن سليمان وداود بن علي وأتباعه وجمع ممن لا يقول باشتراط الطهارة أصلا.

مشروعية كتابة المصاحف
:
- نقل الشيخ صالح الرشيد اتفاق العلماء على استحباب كتابة المصاحف، وتصريح غير واحد من أهل العلم بأن كتابة المصاحف من أعظم القرب وبابا من أبواب الثواب.
- تصريح أبو إسحاق الشاطبي في غير موضع من كتابه الاعتصام بكون كتابة المصاحف من المصالح المرسلة، ورد قول من قال بأن كتابة المصاحف من البدع الواجبة.

إجادة خطّ المصاحف وتحسين صنعتها، والآثار الواردة في ذلك:
- نقل النووي في التبيان اتفاق العلماء على استحباب كتابة المصاحف، وتحسين كتابتها وتبيانها وإيضاحها، وتحقيق الخط دون مشقة وتعليقه
- وفي الفتاوى الهندية: (وينبغي لمن أراد كتابة القرآن أن يكتبه بأحسن خط، وأبينه، على أحسن ورقة، وأبيض قرطاس، بأفخم قلم، وأبرق مداد، ويفرج بين السطور ويفخم الحروف ويضخم المصحف)
- وقال القرطبي: (ومن حرمته – يعنى المصحف – أن يجلل تخطيطه إذا خطه).
- وحكى القرطبي في تذكاره عن يحيى بن معاذ أنه قال: (أشتهى من الدنيا شيئين: بيتا خاليا، ومصحفا جيد الخط أقرأ فيه القرآن).
- وأخرج ابن الضريس في الفضائل وابن أبي داود في المصاحف كلاهما من طريق مخلد بن الحسين، عن واصلٍ، وهشامٍ، عن ابن سيرين (أنّه كره أن تكتب المصاحف مشقًا...)، زاد المسيّب: قيل لابن سيرين: لم كره ذلك؟ قال: لأنّ فيه نقصٌ، ألا ترى الألف كيف يفرقها ينبغي أن تردّ، وعزاه الشيخ صالح الرشيد لأبي عبيد.
من الآثار الواردة في ذلك:
- أخرج البيهقي عن علي موقوفا قال تنوق رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له.
- وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان وابن أشتة في المصاحف من طريق أبان عن أنس مرفوعا من كتب بسم الله الرحمن الرحيم مجودة غفر الله له.
- وأخرج ابن أشتة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن.
- وأخرج عن زيد بن ثابت أنه كان يكره أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ليس لها سين.
- وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر فكتب بسم الله ولم يكتب لها سنا فضربه عمر فقيل له فيم ضربك أمير المؤمنين قال ضربني في سين.
- وأخرج عن ابن سيرين أنه كان يكره أن تمد الباء إلى الميم حتى تكتب السين.

كتابة القرآن في محل طاهر مكرم، وحكم استعمال المواد النجسة:
- لا نزاع بين أهل العلم في وجوب صيانة المكتوب الشرعي عن كل ابتذال أو امتهان أو إخلال بما يلزم له من تعظيم.
- وروى أبو عبيد في فضائله عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله:(لا تكتبوا القرآن إلا في شيء طاهر...)
- وروي عن عمر بن عبد العزيز: (لا تكتبوا القرآن حيث يُوطأ...)
- ونقل السيوطي عن الشافعية أنه تكره كتابته على الحيطان والجدران وعلى السقوف أشد كراهة لأنه يُوطأ.
- اتفاق أهل العلم على القول بتحريم استعمال المواد النجسة في كتابة شيئا من القرآن أو العلم أو الذكر الشرعي.
- أن من تعمد كتابة شيء من القرآن بالنجس بقصد امتهانه، يكون كافرا مرتدا مباح الدم، كما صرح بعض الفقهاء كأبي الوفاء بن عقيل في فنونه.
- عدم جواز كتابته على شيء نجس أو متنجس كجلود الميتات أو جلود المحكوم بنجاسته من الحيوانات أو أسطح الأشياء المتنجسة كخرق أو ورق أو ألواح تلوثت بالنجاسة.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن سيرين أنه كره أن يكتب المصحف مشقا قيل لم قال لأن فيه نقصا وتحرم كتابته بشيء نجس.
- النقل عن بعض الحنفية، والشافعية عن بعض فقهائهم قولا بجواز الكتابة على جبهة الراعف بدمه.

تصغير المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: تصغير حجم المصحف وخطه.
اتفق أهل العلم على منعه لما فيه من منافاة التعظيم الواجب ولكونه مشعرا بالاحتقار أحيانا، ودليلهم الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، ومنها:
أخرج أبو عبيد عن أبي الأسود: "أن عمر بن الخطاب وجد مع رجل مصحفا قد كتبه بقلم دقيق، فقال: ما هذا؟ قال: القرآن كله. فكره ذلك وضربه، وقال: "عظموا كتاب الله". قال: وكان عمر إذا رأى مصحفا عظيما سر به.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود واللفظ لعبد الرزاق عن إبراهيم أن عليا كان يكره أن تتخذ المصاحف صغارا).
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور كلاهما من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علي رضى الله عنه: (أنه كان يكره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير).
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود وسعيد بن منصور واللفظ لأبي عبيد عن أبي حكيمة العبدي قال: " كنت أكتب المصاحف، فبينا أنا أكتب مصحفا إذ مر بي علي رضي الله عنه، فقام ينظر إلى كتابي فقال: أجلل قلمك. قال: فقضمت من قلمي قضمة ثم جعلت أكتب، فقال: نعم.. هكذا نوره كما نوره الله عز وجل". وعزاه الشيخ صالح الرشيد لابن شيبة والبيهقي والخطيب البغدادي وعبد الرزاق والحكيم الترمذي في النوادر.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن أبي داود واللفظ لعبد الرزاق عن إبراهيم قال: كان يقال: "عظموا القرآن يعني المصاحف ولا تتخذوها صغارا".

والثانية: تصغير اسمه تصغيرا لفظيا كقولهم "مصيحف".
اتفق أهل العلم على منعه، وصرح بعض العلماء بتكفير من صغر اسم المصحف استخفافا.
فإن لم يكن التصغير على سبيل الاستخفاف، ففيه قولين للعلماء: التحريم إذا تضمن التصغير صورة الامتهان، والكراهة في حال عدم قصد الامتهان، ودليلهم الآثار الآتية:
أخرج ابن عدي في الكامل، والديلمي في الفردوس واللفظ له عن أبي هريرة مرفوعا: " لا يقولن أحدكم للمسجد مسيجد، فإنه يبيت يذكر الله فيه، ولا يقولن أحدكم مصيحف فإن كتاب الله أعظم من أن يصغر، ولا يقولن للرجل رويجل ولا للمرأة مرية" وحكم الذهبي في الميزان عليه بالوضع.
وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن أبي داود في المصاحف، والذهبي في السير، واللفظ لابن أبي داود عن العطاف بن خالد بن عبد الرحمن بن حرملة قال: كان ابن المسيب يقول: " لا يقول أحدكم مصيحف ولا مسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل"
وأخرج سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي داود في المصاحف، والبيهقي في الشعب، واللفظ لسعيد بن منصور عن مجاهد أنه كره أن يصغر المصحف والمسجد يقال: مصيحف ومسيجد
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن إبراهيم: أنه كان يكره أن يقال مصيحف أو رويجل.
وقال القرطبي في مقدمة تفسيره، والتذكار له أيضا: (ومن حرمته ألا يصغر المصحف بكتابة ولا اسم).

كتابة كتب العلم على هيئة المصاحف
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن بقية قال: (أخ دفع إليّ بحيرٌ مصحفًا لخالد بن معدان فيه علمه أخذه منه مكتوبًا في تختين وله دفّتي المصحف وله عرًى وأزرارٌ)،
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الضحاك :(لا تتّخذوا للحديث كراريس ككراريس المصحف)
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن مجاهد :(...أنّه كرهها)
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن إبراهيم: (...أنّه كرهها)

كتابة الجنب المصاحف
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن مجاهد أنه (كره أن يكتب الجنب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) ...).
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عامر: ((أنّه كره أن يكتب الجنب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) ...)

حكم أخذ الأجرة على كتابة المصاحف
للسلف في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز ذلك، وهو قول ابن عباس ومالك بن دينار والحسن وعيسى بن حنيف ومطر الوراق وابن المسيب ومجاهد وأبى جعفر، أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، ونسبه الشيخ صالح الرشيد لعلي وجابر بن زيد وأبى حكيمه، وهو اختيار جماهير أهل العلم وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو الذي نصره ابن حزم الظاهري، لكون ذلك في مقابل عمل اليد وليس ثمنا للقرآن، لكن لا يشارط في ذلك بل يأخذ ما يعطاه من غير مشارطه.
أدلة القول الأول:
- الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين.
- لأن بيع المصاحف جائز، فتجوز المعاوضة على كتابتها من طريق الأولى.
- ولأن ما أبيح من الأعمال المعلومة جاز لمن لم يعين الفرض عليه أن يعتاض عنه.
- ولأنه لم يأت في النهى عن ذلك نص.
القول الثاني: كراهة ذلك، وهو قول ابن سيرين، أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، وذكر الشيخ صالح الرشيد أنه مروي عن علقمة وإبراهيم والحسن البصري على ما روى أيوب السختياني، وحكى الماوردي المنع من الإجارة على كتابة المصاحف عن بعض العراقيين وأهل المدينة.
القول الثالث: منع المؤاجرة على كتابة المصاحف، وجواز استكتاب شخص مده معلومة بأجرة معلومة، وهو قول ابن سيرين ومالك وأبو ثور والنعمان، كما نقل الشيخ صالح الرشيد عن ابن المنذر في الإشراف وابن أبى داود في المصاحف والنكت لابن مفلح على المحرر.

حكم بيع المصحف:
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن سيرين: {أنّه كره كتاب المصاحف أن تباع}

- إثبات البسملة في المصحف
- إجماع أهل العلم من السلف والخلف، على تواتر ثبوت البسملة في المصحف في أوائل السور عدا براءة.
- اختلاف أهل العلم في عدم كتالة البسملة أول براءة إما على سبيل الكراهة أو على سبيل التحريم، وماهية الباعث على ذلك الحظر.
- تفريق بعض أهل العلم بين ترك كتابة البسملة في أول براءة في المصاحف، وبين كتابتها في الألواح.
- أقوال أهل العلم في دلالة كتابة البسملة في المصحف وكون ذلك حجة في قرآنيتها أم لا، على قولين:
الأول: القول بقرآنية البسملة، وهو قول الجمهور ومنهم أبو حنيفة والشافعية والحنابلة.
الثاني: عدم قرآنية البسملة في أول كل سورة، وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد.
أدلة القول الأول:
الاستناد إلى الإجماع على تواتر ثبوتها في المصحف في أوائل السور بقلم الوحي في غير براءة، ولقول عائشة رضى عنها: (ما بين دفتي المصحف كلام الله)، وروي عن ابن عباس رضى الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه " بسم الله الرحمن الرحيم “، وحديث أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزلت على آنفا سورة " فقرأ:" بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ *ِإنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ"" حتى ختمها.. الحديث.
- اختلاف الجمهور في كون البسملة آية من كل سورة، أم أنها آية من الفاتحة فحسب، أم أنها آية مستقلة، نزلت للفصل بين السور وللتبرك في أول الفاتحة، والأخير هو الذي عليه الأكثر.
- حكاية القول بعدم قرآنية البسملة في غير النمل عن الحسن البصري والأوزاعي، ونصره ابن الطيب الباقلاني، وهو قول لبعض الحنفية ضعفه محققوهم.

- إملاء المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: الأحقّ بكتابة المصاحف:
اشترط العلماء كون الأصل الذي يعتمد عليه عند الإملاء أصلا مضبوطا متقنا، وأن يكون المملي فصيح اللسان، جيد اللغة حتى يأمن لحنه، ولكيلا يسئ الكاتب عنه الفهم إذا كان نطقه غير فصيح، كما في الآثار الواردة عن الصحابة التابعين:
- أخرج ابن أبى داود في المصاحف عن إبراهيم التيمي: (لا يكتب المصاحف إلّا مضريّ)
- وروى أيضا عن عبد اللّه بن مسعود: (لا يكتب المصاحف إلّا مضريّ) قال أبو بكرٍ: هذا من أجل اللّغات.
- وأخرج ابن أبى داود في المصاحف وعنه الحافظ في الفتح في قصة كتابة المصحف الإمام، وذكر حديثا مطولا وفى آخره: (فلما من ذلك عثمان قال: من أكتب؟ قالوا: كاتب رسول الله يزيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد فكتب زيد) إلى آخر الأثر.
- وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبى داود عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: (لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش، أو غلمان ثقيف) وفى رواية عنه أيضا أنه قال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوه بلغة مضر، فإن القرآن نزل على رجل من مضر).

الثانية: كتابة المصاحف عن ظهر قلب
- إن كان المملي يعول في إملاءه على حفظه فالظاهر من المروى عن عمر أن ذلك لا يجوز لكل أحد حاشا من شهد له النبي بالحفظ والإتقان وأوصى بأخذ القرآن عنه كابن مسعود مثلا، كما ذكر الشيخ صالح الرشيد.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأحمد في مسنده أثر عمر بن الخطاب الذي فيه: (...يملي القرآن عن ظهر قلبه)، كما أخرج ابن أبي داود أثر عمر بن الخطاب الذي فيه: (...وتركت بها رجلًا يملي المصاحف عن ظهر قلبه...).

- تجليد المصحف، وفيه ست مسائل:
الأولى: ماهية جلد المصحف:
- من أهل العلم من لا يفرق بين جلد المصحف وبين غلافه في الماهية، ومنهم من يميز بينهما ويعتبر الغلاف شيئا منفصلا عن المصحف كالخريطة مثلا، كما قال العيني: (واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم هو الجلد الذي عليه. وقال بعضهم هو الكم وقال بعضهم هو الخريطة التي يعني الكيس الذي يوضع فيه المصحف وهو الصحيح).
- المراد بتجليد المصحف تغليفه بغلاف متصل به مشرز عليه يصونه ويحفظه ويكون بمثابة الدفتين له، ويتصل به حتى يتبعه في البيع
- ومال الحصكفي إلى التفريق بين الجلد والغلاف، والظاهر من كلام فقهاء بقية المذاهب أن المراد بجلد المصحف وغلافه شيء واحد.
الثانية: مادة جلد المصحف:
- يتعين أن يكون الجلد المتخذ للمصحف طاهر العين لم يطرأ عليه خبث ولا نجس وأن يكون خاليا عن كل ما لا يليق بالمصحف من تصاوير وكتابات أو نقوش محرمة، فإن كانت النقوش والكتابات مباحة فالظاهر من كلام أهل العلم أنه لا بأس بتغليف المصحف بمثلها على ما صرح به بعض فقهاء الحنفية.
الثالثة: حكم الجلد:
- يأخذ حكم المصحف عند جمهور الفقهاء، فلا يمس حال الحدث ولا يمكن منه كافر بحال حتى ولو كان ذلك التمكين لمصلحة المصحف على ما صرح به بعض فقهاء الشافعية.
- وذهب فريق من الفقهاء إلى القول بأن حكم المصحف لا يثبت لجلده، وإن كان متصلا به، وهو الذي حكاه غير واحد من أهل العلم عن الإمام أبي حنيفة، وهو اختيار الخراسانيين من أصحابه، وحكاه الدرامي الشافعي وجها، وشذذه النووي، وهو مقتضى اختيار أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي في فنونه، وهو ظاهر كلام ابن حمدان في الرعاية.
الرابعة: جلد المصحف المنفصل عنه:
- صرح بعض الفقهاء بأن حرمة المصحف تثبت لجلده، حتى وإن كان منفصلا عنه، وهو الذي صرح به القرافي، وذكره العدوي في حاشيته على الخرشي مقابلا للظاهر، ونقل الزركشي عن عصارة المختصر للغزالي التصريح بتحريم مس جلد المصحف حتى وإن كان منفصلا عنه.
- وقال ابن العماد أنه الأصح، زاد في شرح الروض، وظاهر أن محله إذا لم تنقطع نسبته عن المصحف، فإن انقطعت كأن جعل جلد كتاب لم يحرم مسه قطعا.
الخامسة: جلد المصحف الجامع معه غيره:
- نص فقهاء الشافعية على حرمة مس جلد المصحف المتصل به حال الحدث كالهيتمي في التحفة والرملي في النهاية والشبراملسي في حاشيته على النهاية.
السادسة: من الآداب المتعلقة على من يتعاطى صنعة التجليد:
- نية الإيمان والاحتساب، وإعانة إخوانه المسلمين بصناعته على صيانة مصاحفهم وكتبهم.

- هامش المصحف
أنه يأخذ حكم المصحف فلا يمس للمحدث، وهو ظاهر كلام جمهور أهل العلم، وذكره ابن تيمية في شرح العمدة والشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج للهيتمي.

الزيادة في المصحف:
لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يجوز لأحد أن يزيد في المصحف حرفا واحدا، وأن من تعمد ذلك يكون كافرا، لما أخرجه الترمذي بسنده وابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه من حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي كان، الزائد في كتاب الله.."

- تجريد المصحف، وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: اختلاف أهل العلم في المراد من تجريد القرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تجريده في الخط من النقط والتعشير والفواتح، وهو قول عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وعطاء وأبى رزين ومسروق والحسن وابن سيرين، روى أقوالهم ابن أبي داود في المصاحف، وهو ترجيح الزيلعي.
ووجه أبو عبيد بقوله: أن إبراهيم كره هذا مخافة أن ينشأ نشوء يدركون المصاحف منقوطة فيرى أن النقط من القرآن.
القول الثاني: الحث على ألا يتعلم شيء من كتب الله غيره لأن ما خلا القرآن من كتب الله إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى وليسوا بمأمونين عليها، وهو ترجيح أبي عبيد والبيهقي.
القول الثالث: تعلمه وحده وترك الأحاديث، ذكره أبو عبيد ورده لأن فيه إبطال السنن.

الثانية: فترة بقاء المصحف مجردا:
نقل الشيخ صالح الرشيد في ذلك قولين:
الأول: وهو عن أبى أحمد العسكري وأبى عمرو الداني أن المصحف ظل بضعا وأربعين سنة لم يطرأ عليه أي إضافة في رسمه، فكان خاليا عن النقط والشكل وكافة الرموز والعلامات، حتى جاء عهد عبد الملك بن مروان ومست الحاجة إلى إحداث شيء من ذلك بسبب زيادة العجمة ووقوع الناس في أخطاء لا تغتفر.
الثاني: ذكر الداني في المحكم من الروايات ما يدل على أن ذلك قد حدث في عهد معاوية، وأن الحامل عليه كثرة اللحن الذي سمعه من عبيد بن زياد حتى كتب معاوية بذلك كتابا إلى أخيه زياد يتضمن معاتبة له على ما لمسه في ابنه عبيد الله من كثرة اللحن في القراءة، وأن زيادا قد احتال على أبى الأسود الدؤلي في إعراب المصحف، والذي كان يتمنع عن ذلك ويتحاشاه زمنا.

الثالثة: حكم تجريد المصحف من التعشير والتخميس:
القول الأول: الوجوب، وهو ظاهر الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين أنه واجب وأن التعشير مكروه، وهو قول إبراهيم ومجاهد وابن سيرين وعطاء وأبي العالية وأبي حنيفة وأحمد في رواية، وذكر ابن تيمية أنه معدود في المحاذير التي يفضي الوقوع فيها إلى اختلاط القرآن بغيره والتباسه به ولو بعد حين، وروي أن ابن مسعود رضى الله عنه كان يحك ما يجده من هذه الرموز في المصاحف مخافة أن ينشأ نشوء يخلطون بالقرآن ما ليس منه.
القول الثاني: الاستحباب وجواز التعشير، وهو قول الزركشي في البرهان والحليمي بقوله: يجوز لأن النقط ليس له قراءة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لم يحتاج إليها، وهو قول مالك في رواية، وذكره الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع والحصفكي في الدر مع الحاشية.

- تحشية المصاحف والتفسير فيه، وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: ما ورد في كراهته:
- نقل جمع من العلماء كراهية السلف لذلك، منهم ابن الباقلاني في كتابه الانتصار
- وأخرج ابن أبى شيبة عن عامر الشعبي قال: (كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها، فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين).
- وقال السيوطي في الإتقان: (قال الجرجاني من أصحابنا في الشافي: من المذموم كتابة تفسير كلمات القرآن بين أسطره)
- وقال الحليمي: ومن الآداب ألا يخلط به ما ليس بقرآن كعدد الآي والوقوف واختلاف القراءات ومعاني الآيات وأسماء السور والأعشار
الثانية: ما ورد في جوازه:
- رخص فريقا من أهل العلم في كتابة التفسير في المصحف إذا احتيط للقرآن، واقتصر على ما تمس الحاجة إليه من التفسير.
- وقال الهيتمي في الفتاوى الحديثية: (وأنه يجوز أن يحشى المصحف من التفسير والقراءات كما تحشى الكتب لكن ينبغي أخذا مما مر في تحشية الكتب ألا يكتب إلا المهم المتعلق بلفظ القرآن دون نحو القصص والأعاريب الغربية)
- وقال البيهقي: وكتب الأحاديث المتعلقة بفضائل السور لا بأس به لمن علم أن تلك الأحاديث أصلا.
- وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في شرح الجامع الصغير: (وإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته تحته، روى عن الشيخ الفقيه أبى جعفر أنه لا بأس به في ديارنا، وإنما يكره في ديارهم، لأن القرآن نزل بلغتهم)

الثالثة: توجيه ما روي عن عمر أنه قال: "ألا أنه إن ناسا يقولون ما بال الرجم كذا، وإنما في كتاب الله الجلد وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه، والله لولا أن يقول قائلون زاد عمر في كتاب الله لأثبتها كما أنزلت" على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد كتابتها في الحواشي، وأنه منعه من ذلك تجريد المصحف، ذكره صاحب الكوكب الدري.
القول الثاني: أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه، ذكره الزركشي في البرهان.
القول الثالث: لعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم، ذكره السيوطي في الإتقان
القول الرابع: أن مراد عمر من هذا الكلام المبالغة والحث على العمل بالرجم، لأن معنى الآية باق وإن لم يبق لفظها، وهو ترجيح الزرقاني والشيخ صالح الرشيد.

- نقط المصحف، وفيه أربعة مسائل:
الأولى: ماهية النقط.
النقط مصدر من نقط المكتوب ينقط وبعضهم ضبطه بضم النون وفتح القاف، كما قال العيني.
وذكر أبو عمرو الداني في المحكم أن النقط يطلق على معنيين:
- المعنى الأول: نقط الإعجام، وهو نقط الحروف في سمتها للتفريق بين الحروف المشتبهة في الرسم، كنقط الباء بنقطة من تحت، ونقط التاء باثنتين من فوق ونقط الثاء بثلاث نقط من فوق
- والمعنى الثاني: نقط الإعراب، أو نقط الحركات، وهو نقط الحروف للتفريق بين الحركات المختلفة في اللفظ، كنقط الفتحة بنقطة من فوق الحرف، ونقط الكسرة بنقطة من تحت الحرف، ونقط الضمة بنقطة أمام الحرف أو بين يديه.

والثانية: الباعث عليه وأول من نقط المصاحف.
سببه: ما شاهده السلف من أهل عصرهم، من فساد ألسنتهم واختلاف ألفاظهم، وتغير طباعهم، ودخول اللحن على كثير من خواص الناس وعوامهم، وما خافوه مع مرور الأيام وتطاول الأزمان، من تزيد ذلك وتضاعفه فيمن يأتي بعد.
أما أول من نقط المصاحف، فاختلف فيه على عدة أقوال: أنه كان من الصحابة أم أبو الأسود الدؤلي أم نصر بن عاصم الليثي أم يحي بن يعمر العدواني أم الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وجمع بين أكثر الأقوال أبو عمرو بقوله: (يحتمل أن يكون يحي ونصر أول من نقطاها للناس بالبصرة وأخذ ذلك عن أبي الأسود، إذا كان السابق إلى ذلك والمبتدئ به، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير على ما تقدم في الخبر عنه. ثم جعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام)

والثالثة: جملة ما في المصحف من النقط.
جملة نقط القرآن مائة ألف وخمسون ألفا وستة آلاف وإحدى وثمانون نقطة، كما ذكر الفيروز آبادي في "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"

والرابعة: حكم نقط المصاحف واختلاف أهل العلم في ذلك.
اختلاف أهل العلم في مسألة نقط المصاحف على ثلاثة أقوال:
- القول الأول: المنع، وهو قول ابن عمر وابن مسعود ومحكي عن قتادة وإبراهيم وابن سيرين والحسن البصري في رواية عنهما، وعباد بن عباد الخواص، ورواية عن مالك في المصاحف الأمهات خاصة والتسهيل في المصاحف التي يتعلم منها الغلمان.
- القول الثاني: الكراهة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، لعدم فعله في الصدر الأول.
- القول الثالث: الجواز، وهو قول جمهور أهل العلم منهم ابن تيمية ورواية عن مالك: (الترخيص فيما كان منه بالحبر خاصة دون الحمرة والصفرة)، وصرح النووي في التبيان باستحبابه، لكونه يعين على جودة التلاوة فيها ويقي التالي من الوقوع في اللحن والتصحيف، وعلله أحمد بأن فيه منفعة للناس، وقال الحليمي: فيجوز لأنه ليس له صورة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباته لمن يحتاج إليها.

سبب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة:
- للدلالة على بقاء السبعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها، ذكره أبو عمرو الداني في المحكم، وتبعه ابن تيمية ووجهه بقوله: (لأنهم لا يلحنون).

- الترجمة في المصحف، وفيه تسع مسائل:
المسألة الأولى: ماهية الترجمة على وجه العموم، والترجمة في المصحف على وجه الخصوص.
معنى الترجمة لغة:
ذكر الزرقاني أن الترجمة في اللغة العربية وضعت لتدل على أحد معان أربعة:
1. تبليغ الكلام لمن لم يبلغه، ومنه قول الشاعر: إن الثمانين - وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
2. تفسير الكلام بلغته التي جاء بها، ومنه قيل في ابن عباس: إنه ترجمان القرآن. وقول الزمخشري في كتابه أساس البلاغة:" كل ما ترجم عن حال شيء فهو تفسرته "
3. تفسير الكلام بلغة غير لغته. كما قال في تاج العروس:" والترجمان المفسر للسان، وقد ترجمه وترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر ". وقال الجوهري:" وقيل نقله من لغة إلى لغة أخرى "
4. هو نقل الكلام من لغة إلى أخرى، وهو يطلق على المعنى العرفي أيضا.

أقسام الترجمة العرفية، تنقسم إلى قسمين:
1. الترجمة الحرفية: فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى مع مراعاة الموافقة في النظم والترتيب، والمحافظة على جميع معاني الأصل المترجم، وتسمى ترجمة لفظية أو مساوية.
2. والترجمة التفسيرية: فهي شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى بدون مراعاة لنظم الأصل وتربيته وبدون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه، وتسمى أيضا بالترجمة المعنوية، وسميت تفسيرية، لأن حسن تصوير المعاني والأغراض جعلها تشبه التفسير.

ماهية الترجمة المتعلقة بالقرآن على وجه الخصوص:
ترجمة القرآن أو الترجمة في المصحف مشترك لفظي يصدق على عدة معاني:
1. الترجمة بمعنى التبليغ، وذلك بإيصال ألفاظه ومعانيه إلى من يقع عليه البلاغ.
2. النقل: أي نقل الألفاظ من لغة إلى لغة، ومن لسان إلى لسان.
3. التفسير والبيان، ومنه تسمية ابن عباس بترجمان القرآن.
4. ترجمة التفسير بمعنى نقل معانيه من لغة إلى لغة.
5. كتابة القرآن بغير العربية مع المحافظة على نظمه وترتيبه والاعتياض برموز ومصطلحات عما يترتب على مثل هذه الترجمة من فوات لحروف وحركات ليس لها نظير في رسم اللغة المنقول إليها
وبعض هذه المعاني غير مسلمة، بل يكاد ينعقد الإجماع على استحالتها وتعذرها.

المسألة الثانية: الأثر الوارد في ابن عباس رضى عنهما، وتسميته بترجمان القرآن
ورد الأثر بتسمية ابن عباس بترجمان القرآن مرفوعا وقوفا:
- المرفوع: أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضى الله عنه قال:" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير كثير، وقال: نعم ترجمان القرآن أنت “.
- والموقوف: أخرجه ابن سعد في طبقاته، ويعقوب الفسوي في تاريخه، والحاكم في المستدرك أن عبد الله بن مسعود قال " ولنعم ترجمان القرآن ابن عباس "

المسألة الثالثة: مدى إمكان ترجمة القرآن، وموقف العلماء من ذلك.
- المنقول عن المحققين من أهل العلم وفيهم الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد أن ترجمة القرآن متعذرة مستحيلة، وأن الإقدام عليها أمر محرم، لكون القرآن معجزا بلفظه ومعناه، وقرره الزركشي في البحر المحيط وعنه الزرقاني في المناهل.
- اعتراض الزرقاني ومن تابعه على تعريف الترجمة الحرفية: لأن هذا النوع يولد الاضطراب فعلا، وتنبيها على أن معالجة استحالة الترجمة بهذه الكيفية قد يوقعنا في متناول النقد من الآخرين، وهو موافق لمن سبقهم من علماء الأمة كالإمام الشافعي في الرسالة، وابن قتيبة في مشكل القرآن، وابن تيمية في غير موضع من كتبه، والشاطبي في موافقاته.

والمسألة الرابعة: ما روي عن سلمان الفارسي رضى الله عنه في ترجمة للقرآن، وكيف تأولها أهل العلم.
- قال ابن حجر الهيتمى في الفتاوى الكبرى: وأما ما نقل عن سلمان رضى الله عنه: " أن قوما من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئا من القرآن، فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسية " فأجاب عنه أصحابنا بأنه كتب تفسير الفاتحة لا حقيقتها.
- وقال الرازي "ره" (وما كتب سلمان رضى الله تعالى عنه الفاتحة بالفارسية كان للضرورة لأهل فارس).
- وقال الشيخ محمد بخيت المطيعي: (وفى النهاية والدراية أن أهل فارس كتبوا إلى سلمان الفارسي بأن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكتب فكانوا يقرأون ما كتب في الصلاة حتى لانت ألسنتهم، وقد عرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه).

والمسألة الخامسة: في الفرق بين قراءة القرآن بغير العربية وبين كتابته بالأعجمية
- قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: أنه لا تلازم بينهما، فقد يكتب بالعجمية ويقرأ بالعربية وعكسه.
- فتوى الشيخ محمد بخيت المطيعي في جواز قراءة القرآن بغير العربية لقادر عليها، وجواز القراءة والكتابة بغير العربية للعاجز عنها بشرط ألا يختل اللفظ ولا المعنى، ونقل عن كتب المالكية أن ما كتب بغير العربية ليس بقرآن، بل يعتبر تفسيرا له.

حكم كتابة المصاحف بالحروف الأعجمية:
- حرمة كتابة المصاحف بالحروف الأعجمية، هو إجماع علماء السلف والخلف، كما قال الزركشي لم أر فيه كلاما لأحد من العلماء، وأنه يحتمل الجواز، لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية، والأقرب المنع، كما تحرم قراءته بغير لسان العرب.
- توجيه العلماء للحكم: أن في كتابته بالعجمية تصرف في اللفظ المعجز الذي حصل التحدي به بما لم يرد، بل يوهم عدم الإعجاز، بل الركاكة لأن الألفاظ بالعجمية فيها تقديم المضاف إليه على المضاف ونحو ذلك مما يخل بالنظم ويشوش الفهم.
- وسئل الهيتمي هل يحرم كتابة القرآن بغير العربية؟ " فأجاب " بقوله: أفتى بعضهم بحرمة ذلك، وأطال في الاستدلال له.
- أقدم نص يتطرق لحكم كتابة المصحف بغير العربية هو كلام الحاكم الشهيد الحنفي في كتابه الكافي: إن اعتاد القراءة بالفارسية، أو أراد أن يكتب مصحفا بها يمنع، وإن فعل في آية أو آيتين لا، فإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته جاز.

المسألة السادسة: في ذكر طائفة من النقول عن أهل العلم المقتضية لمنع الترجمة للقرآن مطلقا، وحكم تعاطيها، وأثرها على صحة الصلاة ونحوها.
- ذهب الجمهور من أهل العلم إلى ترجمة القرآن غير جائزة، وأن الصلاة تبطل بها، وأن المترجم على تقدير جواز الترجمة لا يكون قرآنا ولا يثبت له شيء من أحكام القرآن، إذ هو كلام آدميين كسائر كلامهم، والقول بمنع ترجمة القرآن يتناول كافة ضروب الترجمة عند أكثر أهل العلم، ولم يجر فيه خلاف بينهم في الصدر الأول، ولم ينقل تجويز الترجمة عن أحد من فقهاء السلف قبل أبى حنيفة وأصحابه.
- وأن المستحق قراءة القرآن وهو هذا اللفظ المخصوص بالنظم المعجز، والبلاغة الباهرة، وهو الذي تحدى الله به، فأما التفسير فمستحقه للحكم، ولهذا لا يحرم على المحدث مس التفسير ولا قراءته ولا يسمى قرآنا، ولأنه تعالى أمر في الصلاة بالقرآن، وهذا هو المنزل بعينه، ولأن حفظه بهذا النظم المخصوص واجب في الجملة، لأنه حجة النبوة كما أن معناه مقصود للحكم فكان بنظمه ومعناه هو الركم لا غير
- ونقل ابن المنذر في الأوسط مذهب الشافعي في عدم جواز الصلاة بالفارسية لمن يحسن العربية، وكذلك الإمام أبو الحسن الماوردي في كتاب الحاوي الكبير والنووي في التبيان.
- وقال ابن حزم في المحلى: (ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها أو شيئا من القرآن في صلاته مترجما بغير العربية، أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى، عامدا لذلك، أو قدم كلمة أو أخرها عامدا لذلك بطلت صلاته وهو فاسق)
- وقال أبو الخطاب الكلوذاني في كتاب الانتصار في المسائل الكبار (لا تصح الصلاة بترجمة القرآن بالفارسية وغيرها...وبه قال مالك، والشافعي، وأبو يوسف ومحمد).
- وقال فخر الرازي في تفسيره: (قال الشافعي: ترجمة القرآن لا تكفي في صحة الصلاة، لا في حق من يحسن القراءة، ولا في حق من لا يحسنها) ثم ذكر خمسة عشر حجة لذلك.
- كذلك قال الكيا الهراسي في أحكام القرآن وأبو بكر بن العربي في أحكام القرآن وأبو عبد الله القرطبي في تفسيره والقرافي في الذخيرة بعدم إجزاء صلاة من قرأ بغير العربية
- وهو أيضا قول أبي العباس بن تيمية كما في اقتضاء الصراط وشمس الدين بن مفلح في فروعه وابن الحاج في المدخل وهو الذي جزم به الأنصاري الشافعي في شرح الروض، والتاج المحلى في منهاج الطالبين، وهو الذي رجحه العلاء المرداوي في الإنصاف، وجزم به في الإقناع وشرحه، وعبارة ابن جزى المالكي.

المسألة السابعة: في ذكر طائفة من النقول عمن رخص في الترجمة من أهل العلم، وحدود القدر المرخص فيه، وحال من يرخص له، ومستندهم في ذلك.
- نقل جمع من الفقهاء تجويز أبي حنيفة القراءة بالفارسية وإن أحسن العربية، أما أبو يوسف ومحمد فلمن لا يحسن العربية دون من يحسنها، وحجتهم في ذلك.
- وقال الزمخشري في رؤوس المسائل: (إذا عبر فاتحة الكتاب أو القرآن بالفارسية أو بالعجمية فقرأها في الصلاة، فإنه تصح صلاته عندنا، وعند الشافعي لا تصح. دليلنا في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى*صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. وصحف إبراهيم موسى ليست على لسان العرب
- تجويز فقهاء الحنفية لكتابة الآية والآيتين بالفارسية، كما قال العيني في البناية، والتشديد على منع أكثر من ذلك، وحجتهم في ذلك أثر عن سلمان.
- فتوى الشمس الرملي الشافعي بعدم حرمة كتابة المصحف بالقلم الهندي ونحوه لأنها دالة على لفظه العربي، وليس فيها تغيير له بخلاف ترجمته لأن فيها تغييرا له، وتوجيه الشيخ صالح الرشيد لذلك بأنه لا تخرجه عن كونه رسما بحرف عربي فهو كالرسم الكوفي مثلا.
- وتعقيب الشرواني عليه: (“قوله بالقلم الهندي.. إلخ " فيه تأمل فإن المكتوب بالقلم الهندي ونحوه إنما هو ترجمة القرآن لا نفسه).
- قول ابن قاسم العبادي الشافعي في حواشيه على تحفه المحتاج للهيتمي: (أفتى شيخنا المذكور – يعنى الشهاب الرملي – بجواز كتابة القرآن بالقلم الهندي، وقياسه جوازه بنحو التركي أيضا)
- فتوى صاحب الفتاوى التتارخانية: (وإن اعتاد القراءة بالفارسية، أو أراد أن يكتب المصحف بالفارسية منع من ذلك على أشد المنع، وإن فعل ذلك في آية أو آيتين لا يمنع من ذلك).
- قول العيني في كتابه البناية: (ويجوز كتابة الآية والآيتين بالفارسية، والأكثر منها لا يجوز).
- قول السرخسي في شرح الجامع الصغير :( وإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته تحته، روى عن الشيخ الفقيه أبى جعفر أنه لا بأس به في ديارنا، وإنما يكره في ديارهم لأن القرآن نزل بلغتهم).
- وعقد الإمام البخاري في صحيحه بابا فيما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها ذكر فيه ثلاثة أحاديث.

والمسألة الثامنة: في كتابة القرآن بالأعجمية وبشكل يمكن معه قراءة القرآن بالعربية، مع التنويه عن شبهة مروجي هذا التوجه وتفنيد تلك الشبهة.
- أن أصل فكرة الترجمة ومبتدأ نشأتها كانت مكيدة كادها الكفار، وبخاصة الرهبان والأحبار من أهل الكتاب، فقد كانت البيع والكنائس منبتا لفكرة الترجمة، ومنشأ لذلك التوجه حتى يكون ذلك ثغرة ينفذ منها الرهبان والأحبار إلى أغراضهم من الطعن في الدين الإسلامي والتحريف في القرآن إن استطاعوا.
- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا في حكم كتابة القرآن بالحروف الأعجمية
- وفي فتوى اللجنة الدائمة: لا شك أن كتابة القرآن بحروف اللغة التي يتكلم بها الأعاجم فيه تيسير لتلاوة القرآن عليهم، ورفع للحرج عنهم، وتعميم للبلاغ، وإقامة الحجة عليهم، وليس ذلك بدعا، بل هو المناسب لمقاصد الشريعة وله نظائر.

المسألة التاسعة: التمييز بين ترجمة القرآن وبين ترجمة تفسيره ومعانيه، وكون ذلك في حدود ضرورات التبليغ:
- قول الزرقاني في التفريق بين الترجمة والتفسير:" يجوز تفسير الألسن بعضها ببعض لأن التفسير عبارة عما قام في النفس من المعنى للحاجة والضرورة، والترجمة هي إبدال اللفظة بلفظة تقوم مقامها في مفهوم المعنى للسامع المعتبر لتلك الألفاظ، فكأن الترجمة إحالة فهم السامع على الاعتبار، والتفسير تعريف السامع بما فهم المترجم وهذا فرق حسن.
- تجويز ابن تيمية لترجمة معاني القرآن لضرورة التبليغ على أن تقدر تلك الضرورة بقدرها، وذكره لشروط المفسر والمترجم معا.
- وقال الشيخ صالح الرشيد: إذا فهم المعنى فهما صحيحا، وعبر عنه من عالم بما يحيل المعاني باللغات الأخرى تعبيرا دقيقا يفيد المعنى المقصود من نصوص القرآن، وذلك أداء لواجب البلاغ لمن لا يعرف اللغة العربية.
- فتوى صاحب المنار بجواز ترجمة القرآن لأجل الدعوة عند الحاجة إلى ذلك
- ذكر اللجنة الدائمة لستة مبررات لاختيارها بامتناع ترجمة القرآن.
- ذكرت فتوى جماعة كبار العلماء بمصر احدى عشر ضابطا للترجمة.
- ما يتشرط في المترجم لمعاني القرآن.

- تشكيل المصحف، وفيه خمسة مسائل:
الأولى: ماهية التشكيل: قال أبو حاتم (شكلت الكتاب أشكله فهو مشكول إذا قيدته بالإعراب)
الثانية: أول من شكل المصحف: هو أبو الأسود الدؤلي، على اختلاف فيمن أمره بذلك هل كان عمر بن الخطاب، أم زياد بن أبي سفيان، أم عبد الملك بن مروان.
الثالثة: حكم تشكيل المصحف: اختلف أهل العلم ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الاستحباب، لكونه يقي من اللحن ويعين على صحة القراءة، وهو قول النووي ومتأخري الفقهاء.
القول الثاني: المنع، لكونه بدعة لم تفعل في الصدر الأول، وهو قول الشعبي والنخعي.
القول الثالث: التفصيل والتفريق، فجوز التشكيل في مصاحف الصغار، ومنعه في الأمهات من المصاحف، وهو قول الإمام مالك.
الرابعة: توجيه رأي الإمام مالك في التشكيل:
قال محمد بن رشد: (وأما كراهيته لشكل أمهات المصاحف فالمعنى في ذلك أن الشكل مما قد اختلف القراء في كثير منه إذ لم يجيء مجيئا متواترا فلا يحصل العلم بأي الشكلين أنزل، وقد يختلف المعنى باختلافه، فكره أن يثبت في أمهات المصاحف ما فيه اختلاف وبالله التوفيق)
الخامسة: من أسباب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة:
لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء والياء والفتح والضم، ذكره ابن تيمية وأبو عمرو الداني في المحكم

- جمع قراءات شتى وروايات مختلفة في مصحف واحد
- ذكر أبو عمرو الداني في المحكم كراهة جمع قراءات شتى وروايات مختلفة في مصحف واحد، وما يتصل بذلك من المعاني اللطيفة، والنكت الخفية، لأجل التخليط على القارئين، واستدل بأثر عن ابن عباس مع سعيد بن جبير لما أمره بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية، مع علمه بصحة القراءتين في ذلك.
- أشار أبو الحسين بن المنادي إلى اجازة ذلك في كتابه في النقط بقوله: "وإذا نقطت ما يقرأ على الوجهين فأكثر فارسم في رقعة غير ملصة بالمصحف أسماء الألوان، وأسماء القراء ليعرف ذلك الذي يقرأ فيه، ولتكن الأصباغ صوافي لامعات، والأقلام بين الشدة واللين".

- جمع المصحف، وفيه خمسة عشر مسألة:
الأولى: ماهية الجمع المنشود.
- نزول القرآن مفرقا على النبي، وأمره للصحابة بكتابته في الرقاع والأكتاف والعسب.
- جمع القرآن في عهد أبي بكر في صحف مجتمعة بين دفتي المصحف.

الثانية: سبب ترك جمع المصحف في عهد النبوة.
- لأن الله تعالى قد أمنه من النسيان بقوله: (سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله)، كما قال المحاسبي.
- ولأن النسخ كان يرد على بعض، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف واختلاط الدين، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمان النسخ، كما قال الزركشي.

الثالثة: أول من جمع المصحف.
- أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي داود في المصاحف كلاهما من طريق سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي قال: " رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن"
- صحة الروايات الواردة في أن أول من جمع القرآن هو أبو بكر، وضعف رواية جمع عمر للقرآن للانقطاع، وكذلك رواية أن أول من جمعه علي ضعيفة بالانقطاع.

الرابعة: تاريخ جمع أبي بكر والباعث عليه.
- سبب جمع أبي بكر: خوفا من ضياعه بعد أن استحر القتل في القراء يوم اليمامة التي كان في ربيع الأول سنة 12 ه.
- إشارة عمر على أبي بكر بجمع القرآن
- اختيار زيد بن ثابت لهذه المهمة
- توجيه قوله (فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت)

الخامسة: حكم جمع أبي بكر والدليل عليه.
- شبهة الروافض في بدعية كتابة المصحف، وجواب ذلك.
- إذن النبي لكتابة القرآن، ونهيه عن كتابة ما سواه.
- سبب رفض أبي بكر وزيد للجمع في أول الأمر، وبيان جوازه
- توجيه ابن الباقلاني لشرعية فعل أبي بكر في جمع القرآن.
- جمع أبي بكر للقرآن في صحف في مكان واحد.

السادسة: كيفية جمع أبي بكر، والاحتياطات المتبعة لهذه الغاية.
- تتبع زيد ومن معه للقرآن من أوعيته المختلفة، ومن صدور الرجال؛ وكان التعويل على الحفظ أعظم.
- أمر أبو بكر لعمر وزيد بالقعود على باب المسجد وعدم قبول من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان
- المراد بالشاهدين، على ثلاثة أوجه.
- المراد بقوله: "وصدور الرجال"
- قصة وجدان خاتمة التوبة مع أبي خزيمة وتوجيهها
- فائدة التتبع

السابعة: تسمية المصحف وكيف تمت.
- ذكر بعض الأحاديث التي فيها كلمة المصحف
- تسميته بالمصحف بعد جمعه في عهد أبي بكر، وقصة اختيار اسم المصحف.

الثامنة: مآل هذا المصحف بعد جمعه.
- بقاء تلك الصحف عند أبي بكر مدة حياته، ثم عند عمر بن الخطاب مدة حياته، ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها.
- سبب بقائها عند حفصة رضي الله عنها.
- إعطائها لعثمان الصحف ثم ردها إليها بعد جمعه.
- إتلاف مروان بن الحكم لها بعد وفاة حفصة وسبب ذلك.

التاسعة: جمع المصحف الإمام في عهد عثمان، والفرق بينه وبين جمع المصحف الأول.
- اختلاف مصاحف الصحابة مما أدى الى اختلاف قراءة الناس: كان سببا لجمع عثمان.
- الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر وبين جمع القرآن في عهد عثمان:
أن جمع أبي بكر كان ضم ما كان في أوعية متفرقة متفاوتة الحجم في وعاء واحد أو في صحف متماثلة يجمعهما لوحان وتضمهما دفتان.
أما جمع عثمان بمثابة توحيد للمصاحف التي كانت متباينة وفقا لما جرت عليه العرضة الأخيرة

العاشرة: تاريخ جمع المصحف الإمام، والتوفيق بين الروايات المتعارضة في ذلك.
لأهل العلم في تاريخ كتابة المصحف الإمام ثلاثة أقوال، هي:
الأول: سنة ثلاث وعشرين للهجرة.
والثاني: سنة خمس وعشرين.
والثالث: سنة ثلاثين للهجرة، ورده بعض أهل العلم.
ويشهد للقول الأول والثاني ما رواه ابن أبي داود عن مصعب بن سعد.
توفيق الحافظ في الفتح بين روايتي ابن أبي داود للقول الأول والثاني.

الحادية عشرة: الأسباب الحاملة على جمع المصحف الإمام.
- أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، والبخاري في صحيحه، وابن أبي داود في المصاحف، عن أنس بن مالك: وفيها أن سببه شهود حذيفة بن اليمان لاختلاف أهل الشام مع أهل العراق في فتح أرمينية وأذربيجان.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي قلابة: وفيها أن سببه اختلاف الناس في القراءة على المعلمين.

الثانية عشرة: الكيفية التي تم بها هذا الجمع، وذكر الهيئة المكلفة بذلك.
الرجوع إلى صحف أبي بكر.
اختيار زيد بن ثابت للكتابة وأسباب ذلك.
اختيار سعيد بن العاص للإملاء وسبب ذلك.
اختلاف الروايات في عدد من تولى مهمة الجمع، وتوجيه ذلك.
أقوال أهل العلم في الحرف الذي كتب به المصحف، والروايات الواردة في ذلك.
عقد القاضي أبو بكر الباقلاني في الانتصار لباب في ذكر الأدلة على صواب عثمان رضي الله عنه في اختيار حرف زيد دون غيره.
موافقة الجمع للعرضة الأخيرة.

الثالثة عشرة: موقف الصحابة من جمع المصحف الإمام وجمع الناس عليه وإتلاف ما سواه.
إقرار الصحابة رضي الله عنهم لجمع عثمان، وعده من مناقبه.
ما نقل عن كراهة ابن مسعود لما فعله عثمان، ثم رجعوه عن ذلك.
ما روي من أمر عثمان بإتلاف بقية المصاحف.

الرابعة عشرة: عدد نسخ المصحف الإمام، وذكر الأقطار التي وجه بتلك النسخ إليها.
اختلاف الروايات في عدد نسخ المصحف الإمام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها أربعة، فوجه نسخة إلى الكوفة، ونسخة إلى البصرة، ونسخة إلى الشام، وأمسك عند نفسه واحدة، وهو قول الأكثر، وترجيح أبو عمرو الداني في المقنع
القول الثاني: أنها خمسة، فوجه نسخة إلى مكة، ونسخة إلى المدينة، ونسخة إلى البصرة، ونسخة إلى الكوفة، ونسخة إلى الشام، ذكره الحافظ في الفتح.
القول الثالث: أنها سبعة مصاحف، وبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا، أخرجه ابن أبي داود في المصاحف عن أبي حاتم السجستاني.

الخامسة عشر: مصير نسخ المصحف الإمام.
أقوال أهل العلم في مصير نسخ المصحف الإمام:
1. روى ابن أبي داود في المصاحف عن ابن وهب أنه ذهب، وقال الشاطبي (إن مصحف عثمان رضي الله عنه تغيب فلم يجد له خبرا بين الأشياخ).
2. وقال السمهودي: وليس معنا في أمر المصحف الموجود اليوم سوى مجرد احتمال، والله أعلم
3. وذكر ابن قتيبة أنه ورثه عنه ابنه خالد، وعن خالد أبناؤه، وقد درجوا، ونقل عن بعض المشايخ من أهل الشام إن ذلك المصحف الآن في أرض طوس.
4. وقال ابن كثير في الفضائل: (وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة)
5. وقال الدكتور صبحي الصالح: (ويميل بعض الباحثين إلى أن هذا المصحف أمسى زمنا ما في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينجراد، ثم نقل إلى إنجلترا، بينما يرى آخرون أن هذا المصحف بقي في مسجد دمشق حتى احترق فيه سنة 1310 ه).
ونقل ابن زبالة عن مالك بن أنس أن أول من أرسل بالمصاحف إلى أمهات القرى هو الحجاج بن يوسف

- تنكيس المصحف
ماهية التنكيس:
النكس قلب الشيء على رأسه
الآثار الواردة في تنكيس المصحف:
روي أنه قيل لابن مسعود: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا. قال: "ذلك منكوس القلب"
وقال ابن عمر عمن قرأ القرآن منكسا: "لو رآه السلطان لأدبه".

الأقوال في معنى تنكيس المصحف
:
القول الأول: أنه يبدأ الرجل من آخر السورة فيقرأها، وهو ترجيح الباقلاني.
ووجه الباقلاني قول ابن مسعود بقوله: ("ذلك منكوس القلب" إنما خرج على وجه الذم، ولا ذم لمن قرأ النحل ثم ثنى بالبقرة، ولا أدب إلا على من قرأ البقرة ثم ثنى بسورة الحجر)، ولاختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب السور.
ورده أبو عبيدة بقوله: (وهذا شيء ما أحسب أحدا يطيقه ولا كان هذا في زمن عبد الله. قال: ولا أعرفه).
القول الثاني: أن يبدأ بالمعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة، ذكره ابن منظور في اللسان، وهو ترجيح أبي عبيدة.
ووجه أبو عبيد هذا القول بقوله: (وإنما جاءت الرخصة في تعلم الصبي والعجمي المفصل لصعوبة السور الطوال عليهم).

- رسم المصحف الإمام وحكم الالتزام به
ماهية الرسم المقصود:
المراد به الوضع الذي ارتضاه عثمان رضي الله عنه في كتابة كلمات القرآن وحروفه، وهو الذي اتبعه زيد بن ثابت رضي الله عنه وصحبه.
المصنفات في رسم المصحف، على قسمين:
ضمنا: كما صنع ابن أبي داود في كتاب المصاحف.
واستقلالا، ومنه ما يلي:
" المقنع في رسم مصاحف الأمصار" لأبي عمرو الداني
"عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل" لأبي العباس المراكشي الشهير بابن البناء
نظم "اللؤلؤ المنظوم في ذكر جملة المرسوم" للشيخ محمد بن أحمد الشهير بالمتولي،
شرحه الأرجوزة السابقة للشيخ محمد خلف الحسيني شيخ المقارئ بالديار المصرية، وتذييل شرحها بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه في رسم القرآن"

قواعد رسم المصحف:
تنحصر في ست قواعد: الحذف والزيادة، والهمز والبدل، والوصل والفصل، وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما.

مذاهب العلماء في التزام رسم المصحف:
- وجوب التزام رسم المصحف الإمام:
هو إجماع علماء القرون الثلاثة المفضلة، ونقل الإجماع عليه أبو عمرو الداني في المقنع، وهو قول مالك والبيهقي في شعب الإيمان وابن الحاج في المدخل والونشريسي والهيتمي في التحفة، وهو المفتى به لدى فقهاء الحنفية.

- الترخيص بمخالفة رسم المصحف الإمام:
أول من صرح به القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الانتصار، ثم تابعه على ذلك طائفة من علماء الخلف كالعز بن عبد السلام، وابن خلدون، وأبي العباس ابن تيمية، والبدر الزركشي، والقاضي الشوكاني.

تفنيد الشبه التي تعلق بها مخالفو الجمهور

القائلين بالتفريق بين الأمهات من المصاحف، وبين المصاحف التي يتعلم بها الناس:
نسبه الشيخ محمد رشيد رضا إلى الإمام مالك، وذكره علم الدين السخاوي في شرحه لعقيلة الشاطبي.

التزام رسم المصحف هو مقتضى التحقيق:
جريا على القاعدة المعروفة من تقديم الحظر على الإباحة، وترجيح جانب درء المفاسد على جلب المصالح عند التعادل أو رجحان جانب المفسدة

- النقص في المصحف
النقص في المصحف على حالين: إما أن يكون متعمدا أو أن يكون غير متعمد.
- فإن كان متعمدا فقد كفر: كما حكى القاضي عياض في كتابه الشفا إجماع أهل العلم على ذلك.
- وإن كان غير متعمد: فلا يأثم كما صرح غير واحد من أهل العلم، ويتعين استدراك القدر الناقص وإصلاح الخلل الحادث إن كان ذلك ممكنا.
استشكال إسقاط ابن مسعود من مصحفه سورة الفاتحة والمعوذتين وجوابه:
- الآثار الواردة في ذلك.
- الأحاديث والآثار الواردة في ثبوت قرآنية المعوذتين.
- حكاية ابن كثير رجوع ابن مسعود عن القول بعدم قرآنية المعوذتين.
- توجيه العلماء لإسقاط ابن مسعود للمعوذتين على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه ظن أنهما من المعوذات فقط وليسا من القرآن، وهو قول ابن قتيبة.
الثاني: أنها أخبار آحاد لا تقوى على معارضة المتواتر ولا تقاوم بها قواطع الشرع وما انعقد عليه إجماع الأمة، وهو قول ابن الأنباري والقاضي الباقلاني وأبي عبد الله القرطبي والطحاوي وابن حزم في المحلى والقاضي عياض والفخر الرازي في تفسيره والنووي في مجموعه، ورده الحافظ في الفتح.
الثالث: لأنه أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه، نسبه الشيخ صالح الرشيد لبعض أهل العلم.

- إصلاح الخطأ في المصحف وتصويبه
أقوال أهل العلم في حكم إصلاح الخطأ في المصحف:
القول الأول: الوجوب مطلقا وإن لم يفعل مع القدرة كان آثما، وهو قول العبادي الشافعي، ونقله عنه وأقره الإسنوي، والزركشي وغيرهما من علماء الشافعية.
القول الثاني: من جعل لذلك قيودا، واعتبر له شروطا ككون خط المصوب مناسبا، وإذن مالك المصحف بذلك التصويب، وعدم كثرته كثرة تستتبع أجرة للمصوب لم يقل بها مالك المصحف سلفا، وهو قول جماعة منهم البدر بن جماعة، والسراح البلقينى، ومال ابن حجر الهيتمى إلى القول بتحريم التصويب إذا كان بخط سقيم يعيب المصحف وينقصه.

من اشترط لوجوب التصويب وإصلاح الخطأ في المصحف كون الخط مناسبا:
هو قول غير واحد من فقهاء الحنفية كما صرح به الحصكفى في الدر، وابن عابدين في حاشيته عليه، وهو ظاهر اختيار ابن وهبان في نظمه.

أسباب ترجيح القول الأول:
- كما تقرر في الأصول أن ارتكاب أخف المفسدتين لدرء أعظمها أمر متعين.
- ولما أخرجه الطبراني وغيره عن زيد بن ثابت رضى الله عنه في قصة كتابته للوحى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفيها {فإذا فرغت، قال: اقرأه، فاقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس}.
- تصريح الحنابلة بوجوب تصويب الخطأ واللحن في الفتاوى ورقاع المستفتين، فإصلاح الخطأ وتصويبه في المصحف واجب بطريق الأولى.

الحالات التي أوجب فيها بعض أهل العلم بوجوب إتلاف المصحف متى اقتضى إتلافها غرض صحيح تنتفي معه احتمالات العبث والاستخفاف:
- إذا كثر الغلط واللحن فيه، أو كان خطه رديئا يتعذر معه الانتفاع به أو يفضي إلى الوقوع في لبس على قارئه
- وما بلى من المصاحف واندرس وتعطل الانتفاع به.
- أو متى طرأ عليها خلل يتعلق بطهارتها، كما لو تنجست بما يتعذر معه تطهيرها
ودليلهم ما أخرجه أبو عبيد في كتابه فضائل القرآن عن مصعب بن سعد قال: " أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد"). وأخرج أبو عبيد أيضا وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة عن سالم بن عبد الله أنه: (لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة: ليرسلنها، فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان).

كيفية الإتلاف:
لأهل العلم في ذلك عدة أقوال: التحريق أو الغسل والدفن أو التمزيق، والأول جوزه جمهور أهل العلم، والثاني اختلفوا في هيئته، والأخير اختلفوا في جوازه، للآثار الواردة:
- أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن بسنده عن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يأمرون بورق المصحف، إذا بلى أن يدفن).
- وأخرج ابن أبى داود في المصاحف بسنده عن طلحة بن مصرف: (أن عثمان رضى الله عنه دفن المصاحف بين القبر والمنبر).
- وقد ذكر البخاري رحمة الله أن الصحابة حرقت المصاحف بالحاء المهملة.
كيفية الجمع بين روايتي الإحراق والدفن:
قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر الروايات المتعارضة في مسألة إتلاف مروان للصحف التي كانت عند حفصة رضى الله عنها: (ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق ثم غسل ثم تحريق، ويحتمل أن يكون بالخاء أن يكون بالخاء المعجمة فيكون مزقها، ثم غسلها.. والله أعلم)

- عرض المصحف ومراجعته
عرض المصاحف إذا كتبت والآثار في ذلك:
- أخرج ابن أبي داود عن عمر قال: سمعت الأوزاعيّ يحدّث قال: (كان يحيى بن أبي كثيرٍ يصلح المصاحف على قرّائه...)
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي إدريس الخولانيّ، أنّ أبا الدّرداء: (ركب إلى المدينة في نفرٍ من أهل دمشق ومعهم المصحف الّذي جاء به أهل دمشق ليعرضوه...)
- وأخرج ابن أبي داود عن سفيان: (كان زبيدٌ إذا حضر شهر رمضان عرض القرآن فاجتمعوا إليه بالمصاحف)
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي النضرة: (أتينا عمرو بن العاص ليعرض مصحفه على مصاحفنا يوم الجمعة فلما حضرت الجمعة أمر لنا بماء فاغتسلنا ثم تطيبنا ورحنا)
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي ظبيان: (كنّا نعرض المصاحف عند علقمة)
- وأخرج ابن أبي داود عن موسى بن نافع: (دخلت على سعيد بن جبيرٍ وبين يديه مصحفٌ قد عرضه فقال: إن كنت مشتريا مصحفا فاشتراه فإن أهله قد احتاجوا إلى بيعه)
- وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن عن الحكم بن عتيبة: كان مجاهد وعبدة بن أبي أمامة وناس يعرضون المصاحف فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا فيه أرسلوا إلي وإلى سلمة فقالوا: إنا كنا نعرض المصاحف فلما أردنا أن نختم أحببنا أن تشهدوا، لأنه كان يقال: إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته، أو حضرت الرحمة عند خاتمته.

كراهة أخذ الأجرة على عرض المصاحف:
- أخرج ابن أبي داود عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم النخعي: (أنّه كره أن يأخذ على عرض المصاحف أجرًا)
- أخرج ابن أبي داود عن عطية بن قيس: (انطلق ركبٌ من أهل الشّام إلى المدينة يكتبون مصحفًا لهم...)

عدم وجود اللحن في المصحف الإمام:
- نفى غير واحد من أهل العلم الغلط في المصحف الإمام وبين ذلك ابن تيمية، لعدم ثبوت هذه الآثار ولا يصح منها شيء عند المحققين، كما ذكر ابن قتيبة في مشكل القرآن، وابن الأنباري في كتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان “، وأبى بكر الباقلاني في الانتصار لنقل القرآن، وأبى عمرو الداني في المقنع، والسيوطي في الإتقان.
- توجيه ما ذكر أنه لحن في القرآن كقوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ}، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ}، وقوله سبحانه: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ}.

- تجزئة المصحف
- أجزاء المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: ماهية هذه الأجزاء، فيطلق لفظ أجزاء المصحف ويراد به أحد أمرين:
الأمر الأول: ما جرت عليه عادة كثير من نساخ الكتاب العزيز من وضع رموز خاصة في حاشية المصحف تشير إلى أجزاء المصحف الثلاثين التي اشتهرت قسمة الكتاب العزيز إليها، غير أنهم يكتبون ذلك في حاشيته بخط مخالف لخطه، ومداد مخالف لمداده.
الأمر الثاني: الذي تناوله لفظ أجزاء المصحف ويدخل في ماهيته أن المراد بأجزاء المصحف تفريقه في كراريس بعدد أجزائه الثلاثين، بحيث تطبع مستقلة تيسيرا على صغار التلاميذ كما هو شائع في المدارس والكتاتيب، وقد تكون هذه الأجزاء أسداسا أو أسباعا.

الثانية: حكم هذه التجزئة عند الفقهاء
، على قولين:
القول الأول: الكراهة، وهو قول الإمام مالك لكونه محدثا، وروى أبو عبيد عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان الأوراد، وأخرج ابن أبي داود عن الضحاك: (كان يكره الكراريس يعني المصاحف تكتب فيها).
القول الثاني: الجواز، وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها ابنه صالح، وقول طائفة من متأخري أهل العلم، وتوجيهه كون ذلك ضربا من تجويدها ومعينا على سرعة الحفظ وتيسيرا على من رام التلاوة فيها.

- أهم الكتب التي ذكرت تقسيم المصحف:
كتاب المصاحف لابن أبى دواد، وكتاب بصائر ذوي التميز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز ابادى، والبرهان للزركشي.

- تقسيم أجزاء المصحف: ذكر الشيخ صالح الرشيد تقسيمات المصحف، ومنها:
تقسيم كتاب المصاحف القرآن إلى ثلاثين جزءا، وقسموا الجزء إلى حزبين، وقسموا الحزب إلى أربعة أرباع، وقسموا الربع إلى ثمنين.
وذكر المتقدمون تقسيم القرآن إلى نصفين، وأربعة أرباع، وخمسة أخماس، وستة أسداس، وسبعة أسباع، وثمانية أثمان، وتسعة أتساع، وعشرة أعشار.
أسباع القرآن: ويراد به تجزئة القرآن وتقسيمه إلى سبعة أقسام مع تحديد بداية كل سبع ونهايته بذكر السورة والآية والكلمة والحرف أحيانا، وقد يكون هذا التقسيم داخل مصحف واحد وفى ختمة واحده، وقد يكون كل سبع مستقلا بجزء مفرد تسهيلا لحمله وتيسيرا على الصغار خاصة.
تحزيب المصحف: هو تقسيم القرآن إلى طوائف متقاربة ومقادير متماثلة، وأن تحديد تلك الطوائف والمقادير التي يصدق على كل واحد منها لفظة " حزب " تختلف بين السلف والخلف، وأن معنى الحزب في المصحف هو ما اصطلح عليه نساخ المصاحف الستين الأمر الذي يعنى أنهم قد قسموا المصحف الكامل إلى ستين حزبا.
تخميس المصحف: هو ما يجعله كتاب المصاحف من كلمة خمس أو رأس " الخاء " حرفها الأول عند نهاية كل خمس آيات.
أثر إنزال القرآن خمسا خمسا:
أخرج ابن أبى شيبة في مصنفه عن أبى العالية قال (تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذه خمسا خمسا)، وأخرجه البيهقي عن خالد بن دينار.
أما أثر علي: أنزل القرآن خمسا خمسا، ومن حفظه هكذا لم ينسه، قال الذهبي في الميزان: موضوع.

تعشير المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: ماهية التعشير.
التعشير جمع العواشر في المصحف وهو كتابة العلامة عند منتهى عشر آيات، وهذه العلامة عبارة عن كلمة "عشر"، أو رأس "العين" حرفها الأول عند نهاية كل عشر آيات من السورة، ذكره العيني في البناية على الهداية.

والثانية: تاريخ التخميس والتعشير، حكى القرطبي ثلاثة أقوال في ذلك:
الأول: أن المأمون العباسي أمر بذلك، نقله عن ابن عطية.
الثاني: أن الحجاج فعل ذلك، نقله عن ابن عطية.
الثالث: أنه من عمل الصحابة، نقله عن الداني.

- أبعاض المصحف
أن لأبعاض المصحف حكم المصحف الكامل هو قول جمهور أهل العلم
فرق جمع من فقهاء المالكية بين أجزاء المصحف وجملته في باب التعليم فسهل للمعلم والمتعلم مس ما دون الكامل حال الحدث.
رخص بعض فقهاء الحنابلة منهم القاضي أبى يعلى في مس بعض المصحف دون جملته حال الحدث في حق الصغار خاصة دفعا للحرج عنهم وعن أوليائهم في مقام التعليم دون غيره

- حكم تزيين المصاحف
القائلين بجواز التحلية وحجتهم:
روى ابن أبي داود في المصاحف عن عبد اللّه، أنّه كان يسأل عن حلية المصاحف، فيقول: (لا أعلم به بأسًا، وكان يحبّ أن يزيّن المصحف، ويجاد علاقته وصنعته وكلّ شيءٍ من أمره)
وروى أَبُو عُبَيْدٍ في فضائل القرآن عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بأن يزين المصحف ويحلى
وروى ابن الضريس في فضائل القرآن عن حبيب: (رأيت على مصحف ابن عباس مسامير فضة)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد، قال: أتيت عبد الرّحمن بن أبي ليلى بتبرٍ فقال: هل عسيت أن تحلّي به مصحفًا
ونقل الزركشي أن البيهقي روى عن مالك بن أبي عامر الأصبحي: (حدثني أبي عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان وأنهم فضضوا المصاحف على هذا)
وأخرج البيهقي عن الوليد بن مسلم {سألت مالكا عن تفيفض المصاحف فأخرج إلينا مصحفا فقال: حدثني أبى عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان وأنهم فضضوا المصاحف}
وقال الزركشي والسيوطي: (ويجوز تحليته بالفضة إكراماً له على الصحيح وأما بالذهب فالأصح جوازه للمرأة دون الرجل. وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصل عنه والأظهر التسوية).
الحجة العقلية للجواز: ذكر الشيخ صالح الرشيد أن في تحلية المصحف تعظيما له وتكريما.

المانعين من تحلية المصاحف، وحجتهم:
ورد في الأثر (إذا حلّيتم مصاحفكم وزوّقتم مساجدكم فالدّبار عليكم) -مع اختلاف الألفاظ- عن جمع من الصحابة كأبي الدرداء وأبى ذر وأبى بن كعب وأبى هريرة وفيه الوعيد الشديد على تحلية المصاحف وزخرفتها، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي داود وأَبُو عُبَيْد وعبد الرزاق والفِرْيابِيُّ وأبو الفضلِ الرازيُّ فضائل القرآن وتلاوته وسعيد بنُ منصور.
وأخرج أَبُو عُبَيْد وابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي داود عن ابن عباس: (رأى مصحفًا يحلّى فقال: تغرون به السّرّاق، زينته في جوفه)
وأخرج أَبُو عُبَيْدٍ في فضائل القرآن وسعيدُ بنُ منصورٍ وابن أبي شيبة في مصنفه وابن الضريس في فضائل القرآن والفِرْيابِيُّ وابن أبي داود عن عبد الله بن مسعود: (إنّ أحسن ما زيّن به المصحف تلاوته في الحقّ).
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي أمامه: (كره أن يحلّى المصحف)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن إبراهيم النخعي: (كره أن يحلّى المصحف)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي رزين: (...لا تزيدنّ فيه شيئًا من أمر الدّنيا قلّ، ولا كثر).
وروى ابن أبي داود عن برد بن سنان: (ما أساءت أمّةٌ العمل إلّا زيّنت مصاحفها ومساجدها).
وأخرج ابن ماجة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم"

الحجج العقلية للمنع:
إن تحلية المصاحف تتضيع للمال بدون غرض
أنا لا نسلم بأن في تحليتها تعظيما وإكراما لها إذ لو كان الأمر كذلك لجاء الشرع بمثله
أن أقل أحوال المنقول أن يكون قولا لصحابي في أمر ديني، وهو يأخذ حكم المرفوع
عدم المعارضة بقول ابن مسعود بنفي البأس، فلعله رجع عنه ووافق جملة القائلين بالمنع.
التغليب لجانب الحظر:
لكون التحلية من زينة الدنيا فتصان عنا المصاحف قياس على المساجد
ولكون زخرفتها ضربا من التشبه باليهود والنصارى وقد أمرنا بمخالفتهم

اختلاف أهل العلم في تحلية المصاحف بالنقدين على خمسة أقوال:
القول الأول: التحريم استعمال النقدين في تحلية المصحف، وهو قول ابن الزاغوني، وذكره في المهذب وعده في المجموع الأصح، وذكره وجها في الروضة، ونقل التحريم عن نصه في سير الواقدي، وهو الذي جزم به ابن قدامة في المغني، وذكره في الآداب قولا لأصحاب أحمد، وعبر عنه بقيل إشارة إلى تضعيفه، وذكر في الفروع نحوا منه وعزاه إلى الموفق وغيره، وهو مقتضى الوعيد الذي انطوت عليه الآثار السالف ذكرها عن أبى الدرداء وأبى بن كعب وأبى هريرة وأبى ذر وعمر رضى الله عنهم.
ونسبه الشيخ صالح الرشيد للجمهور ووجهه بقوله: (لأن التذهيب لو كان مشروعا لفعلته الصحابة في المصحف الإمام، ثم إن التذهيب من زينة الدنيا وما هذا سبيله تتعين صيانته المصحف عنه كالمسجد)
القول الثاني: الكراهة، وهو مقتضى المروي عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهما، وهو محكي عن أبى أمامه، وإبراهيم النخعي وأبى يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبى حنيفة، ورواية ثانية عن الإمام مالك وهي في مقابل المشهور عنه وهو وجه عند الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، وجزم في الإقناع وشرحه بالكراهة، وذكره البهوتي في الكشاف وجزم به في شرح المنتهى.
القول الثالث: جواز التحلية إذا كانت من الفضة، وهو مذهب المالكية، وقول مرجوح عند الشافعية، والحنابلة، والحنفية.
القول الرابع: الجواز لمصاحف النساء دون الرجال، وهو قول بعض الشافعية وبعض الحنابلة، واعتبره النووي في الروضة أصح الأوجه عند الأكثرين، وجزم به الأنصاري في أسنى المطالب، وذكره الزركشي والعبادي، وجزم الهيتمي في التحفة، وضعفه ابن قدامة في المغني.
القول الخامس: جواز تحلية المصاحف مطلقا، وهو قول جمهور الحنفية واختيار أبى حنيفة، وأحد قولي محمد على ما ذكره قاضى خان، وحكاه الكاساني وابن البزاز رواية عن أبى يوسف، وهو الذي جزم به ابن الهمام، والعيني، والحصفكى لما فيه من تعظيمه، وذكر الونشريسى أنه المشهور من مذهب مالك، وجزم به ابن جزى في قوانينه، وعده الخرشي المشهور في المذهب إذا كان على جلده الخارجي، ومال إلى جوازه من الداخل أيضا دون تجزئته وتعشيره فيكره، وجوزه البرزلي على ما ذكره العدوى، وجزم به الخرشى، وحكى الزرقانى الجواز في المصحف خاصة، وهو الذى اختاره خليل، وصرح به شراحه كالحطاب في المواهب، وصاحب الجواهر، وذكره الدردير في الشرح الصغير، وتابعه الصاوي في حاشيته عليه، وجوز النفراوي تحلية المصحف من الخارج بالنقدين، وكرهها من الداخل، وكذا كره كتابته وتعشيره بهما، وذكر في الروضة الحل مطلقا وجها عند الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد على ما ذكره ابن مفلح في آدابه وفروعه.

تمويه المصاحف بالنقدين، فيه قولين:
القول الأول: المنع، وهو قول جمهور أهل العلم، وقيده العبادي في حق الرجل بما إذا كان يحصل منه شيء بالعرض على النار.
القول الثاني: الجواز، وهو قول الحنفية، وبعض الشافعية.

كتابة المصحف بالذهب
، لأهل العلم فيه قولين:
القول الأول: الكراهة، لما رواه أَبُو عُبَيْد في فضائل القرآن وسعيدُ بنُ منصور وابن أبي داود عن إبراهيم النخعي: (...وكان يكره أن يكتب بالذهب...)، وحكاه الطرطوشي في الحوادث عن الإمام مالك، وهو الذي صرح به جمهور فقهاء المالكية خلافا للبرزلي، وصرح ابن الزغواني أن قول الحنابلة هو التحريم.
القول الثاني:الجواز، ذكر السيوطي عن الغزالي استحسانه.

زكاة حلية المصاحف، لأهل العلم فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: الوجوب وهو مذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة، وبه جزم ابن حزم في المحلى.
القول الثاني: أنها غير واجبة، وهو مذهب المالكية وبه أفتى الغزالي من الشافعية.
القول الثالث: التفريق بين ما تباح تحليته وبين ما تحرم، فأوجبوا الزكاة في الثاني دون الأول، وهو اختيار ابن جزى المالكي.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 4 ذو القعدة 1441هـ/24-06-2020م, 02:51 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين مشاهدة المشاركة
فهرسة القسم الرابع من مسائل أحكام المصاحف

وضع المصحف على الأرض:
حكم وضع المصحف على الأرض إهمالا:
أولا : أجمع أهل العلم على تحريم ترك المصحف على الأرض على سبيل الإهمال له.
- صرح بعضهم بكفر من فعل ذلك استخفافا.
- قال العدوي الخرشي: (ومما يرتد به وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف).

ثانيا : وضع المصحف على الأرض دون حائل لا على سبيل الإهمال:
- اختلف أهل العلم فيه على أربعة أقوال:
القول الأول: تحريم ذلك.
- قاله القرطبي في تذكاره , والهيتمي في الفتاوى الحديثية , وهو قول الشيخ عليش .
قال : قول الفقهاء وضع المصحف على الأرض الطاهره استخفافا به ردة . فعلم منه أن وضعه عليها بلا استخفاف ممنوع.
- جزم الهيتمي في تحفة المحتاج بحرمة ترك رفعه عن الأرض، قال: (وينبغي أن لا يجعله في شق، لأنه قد يسقط فيمتهن).
- احتجوا بما ورد من النهي عن الكتابة على الأرض أو الحيطان:
*قال عمر بن عبد العزيز : "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في الأرض، فقال لشاب من هذيل: "ما هذا؟" قال: من كتاب كتبه يهودي.قال: " لعن الله من فعل هذا، لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه". قال محمد بن الزبير: ".

تخريج الحديث:
رواه أبو داود السجستاني عن عبد اللّه عن أبي الطّاهرعن ابن وهبٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن محمّد بن الزّبير عنه.

*قال محمد بن الزبير: رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه".

- عللوا ذلك لما في وضعه على الأرض من الامتهان وإن لم يكن امتهانه مقصود.

القول الثاني: الكراهة.

القول الثالث: الإباحة لحاجة كالقراءة منه مثلا.
- صرح به ابن مفلح في الآداب الشرعية، وابن عبد الهادي في مغني ذوي الأفهام , وقاله الشرواني
- قال الشروانى فى حاشيته على التحفة الشبراملسى فى أنه لا يحرم وضع المصحف على الأرض حال القراءة فيه.

القول الرابع : الإباحة.
- جزم به غير واحد من الحنابلة بإباحة ترك المصحف على الأرض بغير قصد الاستخفاف.

حكم ترك المصحف على الأرض:
القول الأول: المنع مطلقا .
- صرح بعضهم بوجوب رفع نحو ورقة عليها بسم الله عن مكان الامتهان.
- جزم صاحب التحفة بحرمة ترك رفع المصحف من على الأرض.

حكم رمي المصحف على الأرض:
أولا : أجمع أهل العلم على تحريم رمي المصحف على الأرض استخفافا وامتهانا.
- صرح بعضهم بردة من فعل ذلك .

ثانيا: حكم رمي المصحف على الأرض دون قصد الاستخفاف :
اختف العلماء فيمن فعل ذلك على اقوال:
القول الأول: الكراهة التحريمية , وهو قول القرطبي , وابن مفلح , والبهوتي وإسحاق بن إبراهيم , وهو قول الأكثر.
عللوه بأمور :
- منافاة هذا الفعل ما تقتضيه حرمة المصحف.
- رميه على الأرض يتضمن امتهانه.
- رميه مشعر بعدم التعظيم اللازم للمصحف.
- قال القرطبي: (من حرمته ألا يرمي به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله إياه).
- ألحق ابن مفلح هذه المسالة بمسالة توسد المصحف.

القول الثاني: يفرق بين أمرين:
1- رمي دعت الحاجة إليه كبعد الرامي عن الأرض كما لو كان على سلم مثلا:
حكمه : الكراهة.
- احتجوا بإلقاء موسى عليه السلام بالألواح لما ناله من الغم بسبب اتخاذ قومه من بعده العجل إلها.
- جاء في حاشية على تحفة المحتاج : (وقع السؤال على الفقيه مثلا يضرب الأولاد الذين يتعلمون منه بألواحهم هل ذلك كفر أم لا؟ وإن رماهم بألواح من بعد؟فيه نظر، والجواب عنه أن الظاهر الثاني، لأن الظاهر من حاله أنه لا يريد الاستخفاف بالقرآن.. نعم ينبغي حرمته لإشعاره بعدم التعظيم، كما قالوه فيما لو روح بالكراسة على وجهه).

2- رمي لم تدع الحاجة إليه وكان الكسل أو التساهل هو الحامل عليه.
حكمه : التحريم.

مدّ الرجل إلى جهة المصحف:
أولا: حكم مدّ الرجل إلى جهة المصحف استخفافا وامتهانا:
- أجمع العلماء على تحريم ذلك وكفر فاعله إن قصد امتهان المصحف.

ثانيا : حكم مدّ الرجل إلى جهة المصحف بغير قصد الاستخفاف:
اختلف أهل العلم على ثلاثة اقوال:
القول الأول: التحريم، وهو اختيار الزركشي الشافعي، واستقربه ابن مفلح الحنبلي، وهو ظاهر كلام فقهاء الحنفية.
- قال الزركشي في البرهان: (ويحرم مد الرجلين إلى شيء من القرآن أو كتب العلم، وعلله بأن فيه إذلالا وامتهانا للمصحف.
- فرق فقهاء الأحناف بين ما كان مسامتا للمصحف وبين ما كان منخفضا عنه لانتفاء حصول الامتهان عن الحالة الثانية.
- قال ابن البزاز الحنفي: (ومد الرجل إلى المصحف لو لم يكن بحذاء الرجل لا يكره، وكذا لو معلقا من وتد ومد إلى الأسفل لأنه على العلو فلم يحاذه).

القول الثاني: الكراهة .
- قال ابن الهمام في الفتح: (قالوا يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة).

القول الثالث: ترك ذلك أولى , ذكره ابن مفلح في الفروع ومن تابعه.
- قال ابن مفلح: (ولم يذكر أصحابنا مد الرجلين إلى جهة ذلك وتركه أولى، وكرهه الحنفية).

توسد المصحف:
معنى التوسد لغة :
- قال ابن الأثير في النهاية: ("وسد" الوساد والوسادة: المخدة. والجمع وسائد، وقد وسدته الشيء فتوسده إذا جعلته تحت رأسه، فكنى بالوساد عن النوم لأنه مظنته).

المراد بتوسد القرآن:
حمل العلماء التوسد على أمرين:
الأول: النوم عنه والغفلة عن تدبر معانيه.
الثاني: توسده بجعله تحت الرأس عند النوم، أو تحت الوساد .

حكم توسد المصحف:
أولا: توسد القرآن على وجه الامتهان:
أجمع العلماء على حرمة ذلك.
صرح بعضهم بأن من قصد ذلك كفر, واستدلوا بقوله تعالى: {ولإن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.

ثانيا : إذا انتفى عن التوسد قصد الامتهان والابتذال.
اتفق العلماء على أن توسد المصحف خلاف الأولى , واختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال :
القول الأول : التحريم .
استدلوا بما رواه المهاجر بن حبيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتقنوه وتغنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون").

تخريج الحديث:
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، والبخاري في التاريخ الكبير، والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، والديلمي في الفردوس، وابن كثير في فضائل القرآن، والتبريزي في المشكاة.

وعللوا ذلك بأمور:
- إن صورة الامتهان في التوسد حاصلة، ومعرفة نية الفاعل متعذرة.
- القول بالتحريم يحسم مادة الامتهان ويسد الذرائع لابتذال المصحف.
استثنى اصحاب هذا القول ما وقع لضرورة كالخوف عليه من الغرق أو الخوف من وقوعه بيد كافر أو نجس, بل قد يصبح عند الضرورة واجبا.
قاله جمع من أهل العلم كالنووي، والزركشي، والأنصاري، والهيتمي من الشافعية، وهو وجه عند الحنابلة .
قال النووى: (ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم...).
قال الزركشي :(ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم لأن فيه إذلالا وامتهانا).

القول الثاني: الكراهة مطلقا , واستثنوا ما كان لحفظه.
إلا ما كان بقصد حفظ القرآن من سارق ونحوه .
وهو قول جماعة من أهل العلم كإبراهيم النخعي، والإمام أحمد بن حنبل، وجماعة من أصحابه كالقاضي أبي يعلى، وأبي الوفاء بن عقيل وابن مفلح.
وهو اختيار طائفة من فقهاء الحنفية كقاضي خان، وابن البزاز، وجزم به في الفتاوى الهندية، والحصكفي في الدر، وابن نجيم في الأشباه، والحموي في شرحها، وصرح به ابن عابدين في حاشيته، وهو مقتضى كلام القرطبي في تفسيره وتذكاره.

- الظاهر أن القول بكراهة توسد المصحف هذا إنما يراد به الكراهة التحريمية، وهو الذي جرى عليه فقهاء الحنفية في كل ما كان النهي فيه بحجة ظنية.

القول الثالث: الإباحة إذا دعت الحاجة إليه.
عللوا ذلك بأمور:
- استنادا إلى البراءة الأصلية.
- لو كان التوسد محظورا لبينه صاحب الشرع في حينه إذ أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
- التحريم والكراهة أحكام شرعية تحتاج في إثباتها إلى أدلة ناقلة عن البراءة الأصلية، ولا وجود لمثل هذه الأدلة.

الاتكاء على المصحف:
- قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ: صرح غير واحد من أهل العلم بحرمة الإتكاء [الاتكاء] على المصحف , لكون ذلك امتهانا وقلة احترام له.
- نص عليه القرطبى فى تفسيره وتذكاره وحكاه غير واحد من أصحابنا الحنابلة عن ابن عبد القوى .
- قال ابن مفلح فى الآداب الشرعية : ( قال ابن عبد القوى فى كتابه مجمع البحرين : أنه يحرم الإتكاء على المصحف , وعلى كتب الحديث , وما فيه شئ من القرآن , اتفاقا ).
- جزم به البهوتى فى غير موضع من كتبه .

الجلوس على المصحف أو على شيء فيه مصحف:
أولا: حكم الجلوس على المصحف مباشرة:
- أجمع أهل العلم على تحريمه إذا كان على وجه الابتذال .
- وأجمعوا على كفر من فعله استخفافا.

ثانيا: حكم الجلوس على شيء فيه مصحف كصندوق مثلا:
اختلف العلماء فيه:
القول الأول: الإباحة لأن الحاجة قد تدعوا إليه.
جاء في الفتاوى البزازية: (وضع القرطاس الذي عليه اسم الله تعالى تحت الطنفسة لا بأس به، لأنه يجوز النوم والقعود على سطح بيت فيه المصاحف. وقال القاضي: ويكره إلا في موضع وهو الركوب على جوالق فيه مصحف للضرورة، والأول أوسع).

القول الثاني: التحريم إن كان على وجه الإزدراء , فجعلوه مناطا للحكم.
- قال الشرواني : (فائدة وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لا على الخرج مثلا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعا عليه حرم، وإلا فلا، فتنبه له فإنه يقع كثيرا).

استدبار المصحف:
حكم استدبار المصحف:
القول الأول : الكراهة قياسا على القول بكراهة مد الرجلين إليه , وقياسا على القول بكراهة استدبار القبلة.
- قال ابن مفلح : ( قد كره أحمد إسناد الظهر إلى القبلة , فهنا أولى ).
- قال الهيتمى الشافعى : ( والأولى أن لا يستدبره , ولا يتخطاه , ولا يرميه بالأرض بالوضع , ولا حاجة تدعو لذلك , بل لو قيل بكراهة الأخير لم يبعد )

القول الثاني : إن كان على وجه الازدراء حرم , بل قد يكفر فاعله.
- قال العبادى الشافعى فى حاشيته على تحفة المحتاج : ( " تنبيه " ظاهر كلامهم عدم حرمة استقبال المصحف أو استدباره ببول أو غائط , وإن كان أعظم حرمة من القبلة , وقد يوجه بأنه يثبت للمفضول ما لا يثبت للفاضل , نعم قد يستقبله أو يستدبره على وجه يعد ازدراء فيحرم بل قد يكفر به ).

وضع المصحف مع النعال:
حكم وضع المصحف على النعال مباشرة:
- أجمع العلماء على منع مباشرة النعال للمصحف.
- ىصرح بعض الشافعية بأنه لا يجوز وضع المصحف على نعل نظيف لم يلبس لأن به نوع استهانة وقلة احترام.
- صرح العدوى على الخرشى بحرمة وضع المصحف على خف أو نعل ولو تحققت طهارتهما لحرمة القرآن .

حكم وضع المصحف مع النعال وبينهما حائل غير مباشر ولا ملاصق فوق المصحف وتحت النعال:
- قال العبادى الشافعى فى حاشيته على التحفة [ " مسألة " وقع السؤال عن خزانتين من خشب إحاهما فوق الأخرى كما فى خزائن مجاورى الجامع الأزهر وضع المصحف فى السفلى فهل يجوز وضع النعال ونحوها فى العليا فأجاب م ر بالجواز لأن ذلك لا يعد إخلالا بحرمة المصحف , قال بل يجوز فى الخزانة الواحدة أن يوضع المصحف فى رفها الأسفل ونحو النعال فى رف آخر فوقه ].

حكم وضع المصحف مع النعال وبينهما حائل مباشر وملاصق فوق النعال وتحت المصحف :
- قال الشبراملسى فى حاشيته على النهاية : [ قلت : وينبغى أن مثل ذلك فى الجواز ما لو وضع النعل فى الخزانة وفوقه حائل كفروة ثم وضع عليه النعل فوقه فمحل نظر , ولا يبعد الحرمة لأن ذلك يعد إهانة للمصحف ].

الآداب مع المصاحف:
- قال الضحاك: لا تتخذوا للحديث كراسي ككراسي المصاحف.
- أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان أنه كره أن تعلق المصاحف.
- قالَ السيوطيُّ :يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي .
- قال الهيثمي: (والأولى أن لا يستدبره ولا يتخطاه .
- جاء فى الفتاوى الهندية ما نصه [وينبغى للمتعلم أن يوقر العلم ولا ينبغى أن يضع الكتاب على التراب ].

التقويم: أ+
أحسنتِ، وتميزتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 5 ذو القعدة 1441هـ/25-06-2020م, 07:16 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيثم محمد مشاهدة المشاركة
القسم الثاني
تمكين الصبي والمجنون من مسّ المصحف
تمكين الصغير من المصحف:
أولا: الصغير غير المميز، فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: عدم تمكينه من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهو قول جمهور أهل العلم كالماوردي، والنووي، وابن نجيم، والبهوتي، وهو وجه عند كل من الشافعية والحنابلة؛ وعده بعض الحنابلة رواية عن الإمام أحمد؛ وهو الصحيح من المذهب، وهو وجه عند المالكية على ما ذكره القرطبي؛ وهو مقتضى مذهبهم في غير مقام التعليم، وقول النووي أن هذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.
- توجيه القول الأول:
لعدم الأمن من انتهاكه لحرمة المصحف فلربما عرضه للنجاسة أو القذر، أو امتهنه بنحو رميه على الأرض، أو وطئه برجل، أو تمزيقه عبثا، وهذه مفاسد لا تعارض بتوهم مصالح قد لا تسلم كحفظ القرآن مثلا، ولو سلمت لكان إعمال قاعدة تقديم درء المفاسد على جلب المصالح أمرا متعينا.
القول الثاني: أنه يجوز دفع المصحف للصغير وتمكينه منه إذا اقتضت حاجة التعليم ذلك، وكان مما يتأتى منه التعليم شريطة أن يكون تمكينه من المصحف بحضرة وليه أو من يقوم مقامه وتحت ملاحظته ليمنعه من انتهاكه، ذكره صاحب الإيعاب من الشافعية.
القول الثالث: جواز تمكين الصغير من المصحف مطلقا ولو لم تتأتى طهارته؛ وهو قول أكثر الحنفية، وهو وجه عند الشافعية والمالكية؛ بل هو مقتضى مذهبهم حال التعلم، وهو رواية عن الإمام أحمد وذكرها بعض الحنابلة وجها.
- توجيه القول الثالث:
إعمالا لقاعدة المشقة تجلب التيسير، ولأن في تمكينه من ذلك مصلحة دينية، ولأنه غير ما كلف فلا يتناوله النهي عن مس المصحف على غير طهارة، ولعدم الدليل الخاص في منعه

ثانيا: الصغير المميز، وله حالتان:
الحالة الأولى: إن كان متطهرا، فالظاهر أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز دفع المصحف إليه.
- توجيه القول: لعدم المانع ولوجود المقتضي، وقياسا على البالغ المكلف المسلمين.

الحالة الثانية: إن كان محدثا، ففيه أربعة أقوال:
القول الأول: جواز تمكينه من المصحف في مقام التعليم خاصة، وهو قول جمهور الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو وجه عند الحنابلة.
- توجيه القول الأول:
لأن في المنع من دفع المصحف إليهم تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهر حرج بهم ومشقة وكلفة تلحقهم أو تلحق أوليائهم ومعلميهم، فالترخيص أولى إعمالا لقاعدة المشقة تجلب التيسير، ولأن تكليفهم بالطهارة كلما راموا مس المصحف يتضمن تنفيرا للصغار عن قراءة القرآن، لا سيما في أوقات المكاره كالبرد الشديد مثلا، ولأنه لم ينقل دليل صحيح صريح خاص بالصغار يمنع من مسهم المصاحف حال الحدث، ومعلوم أن طهارتهم لا تحفظ، وقياسا على جوازه في حق غير المميز؛ بل أولى، لأن حاجة المميز إلى التعليم أمس، واحتمال حصول انتهاك حرمة المصحف منه أبعد، ولأن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
القول الثاني: أنه لا يجوز مس المحدث للمصحف، وهو المذهب عند الحنابلة، وقول عند المالكية، والحنفية، والشافعية.
- توجيه القول الثاني:
لأن تكليفه بالطهارة لمس المصحف فيه مصلحة له ليعتاد تعظيم المصحف، والتطهر كلما أراد مسه حتى إذا بلغ صار ذلك أمرا مألوفا لديه، واحترام المصحف راسخا عنده
القول الثالث: أنه يجوز أن يمكن الصغير من مس بعض المصحف دون الكامل، وهو اختيار ابن بشير من المالكية، والقاضي أبو يعلي في مستدركه.
القول الرابع: جواز مسه للمصحف ما لم يكن مجنبا، وهو اختيار الأسنوي من الشافعية واستحسنه الأنصاري والرملي.
- توجيه القول الرابع:
لأن الجنابة نادرة في حقه، وحكمها أغلظ.

مس الألواح
، للإمام أحمد فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز مس الصغير للمكتوب في الألواح خاصة، لأنه الذي تتعلق به حاجة تعليمه، ولأن اللوح لا يسمى مصحفا.
القول الثاني: لا يمكن من مس المكتوب في اللوح، وإن جاز له مس الخالي من الكتابة، وهو مذهب أحمد كما صرح به أكثر الحنابلة.
القول الثالث: يمنع الصغير من مس اللوح أو حمله ما لم يتطهر تعظيما للقرآن أينما كتب.
- توجيه القول الثالث:
لأن حكم المصحف يثبت لبعضه فلا دليل على التفريق بين الكامل وغير الكامل في الحكم، اللهم إلا الآية والآيتان في الرسائل على سبيل الدعوة لدليل يخصها.

في الوجوب على الولي والمعلم بتكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما:
ذكر النووي أن فيه وجهان مشهوران أصحهما عند الشافعية أنه لا يجب للمشقة.

تمكين المجنون من المصحف:
- عدم جواز تمكين المجنون من مس المصحف لانتفاء الطهارة فيه؛ بل وعدم تصورها منه، كما صرح بعض الفقهاء كالنووي.
أدلة هذا الحكم:
- أنه لا تصح من المجنون عبادة أصلا كما ما صرح به جمع السيوطي وابن نجيم في أشباههما.
- عدم الأمن من حصول انتهاك المجنون لحرمة المصحف
- إعمالا لقاعدة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
- لبطلان الطهارة بزوال العقل

آداب كتابة المصحف

ذكر البيهقي والسيوطي من آداب المصحف ما يلي:
- اشتراط الطهارة لملابسته
- التوقي من كل تصرف يشعر بامتهانه ولو صورة كتوسده والاتكاء عليه أو استدباره أو مد الرجلين إليه أو التروح به أو رميه عند وضعه أو استعمال الشمال في تنوله وأخذه أو بل الأصبع بالريق عند تقليب ورقه أو الكتابة في حواشيه أو على جلده أو وضع شيء فوقه أو بين أوراقه أو حمله حال دخول الأماكن الممتهنة أو السفر به إلى أرض الكفار أو تعريضه لأى نوع من أنواع الأقذار أو إضافة شيء إليه أو زخرفته أو تحليته أو كتابته بأحد النقدين أو كتابته بالأعجمية أو اتخاذه متجرا أو استعماله فى غير ما جعل له كالتثقيل به أو تعليقه كحرز أو زينه أو اقتنائه لمجرد التبرك به إلى غير ذلك من أنواع الاستعمالات التي يأذن الشرع بمثلها

شروط كاتب المصحف:
- من الشروط المتفق عليها:
أن يكون كاتب المصحف مسلما أمينا ورعا حسن الخط بصيرا بالكتابة فصيحا بارعا في العربية، وأن يكون حال مباشرته للكتابة على طهارة كامله، حسن الهيئة، طيب الرائحة، بالغ التعظيم للقرآن، محتسبا في عمله لا يأخذ عليه أجرا.
- من الشروط المختلف عليها:
لو اختلت خصلة من هذه الخصال، أو تخلفت خلة من تلك الخلال، فهل يجوز حينئذ أن يتولى كتابة المصحف من لم يستوف تلك الخصال المذكورة بناء على أن هذا العمل قربه من القرب، وأمانة من الأمانات تتضمن معنى الولاية

كتابة غير المسلم للمصحف:
- نقل الشيخ صالح الرشيد إجماع أهل العلم على منعه في حال عدم الحاجة.
- أما عند الحاجة، ففيه قولين:
القول الأول: المنع مطلقا، وهو قول جمهور أهل العلم، وفيهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو رواية عن أحمد.
القول الثاني: الجواز مع الكراهة، ذكره ابن تيمية في شرح العمدة عن الصحابة من غير نسبة، وهو مذهب أحمد على ما ذكره المحققون من الحنابلة كابن مفلح والخلال وابن عقيل، وهو ظاهر كلام السرخسي من أئمة الحنفية في مبسوطه.
- سبب الخلاف:
فيما يظهر يرجع إلى كون كتابة القرآن من الأمانات والولايات والأمور التي يختص أن يكون فاعلها من أهل القربة، أو هو تعارض العمومات المانعة من موالاة الكفار مع الآثار الدالة على استكتاب النصارى ونسخهم للمصاحف ولا سيما نصارى الحيرة، واشتهار ذلك في الصدر الأول.

أدلة القول الأول:
- أن الطهارة شرط في المسلم الناسخ للقرآن، فاشتراطها في الناسخ الكافر أولى، وهي غير متصورة منه.
- كون الكتابة المذكورة ضربا من الولاية، وليس الكافر من أهلها، ولما فيها من مقتضيات الأمانة، وهي منتفيه في غير المسلم، ولأنها عمل يستلزم أن يكون فاعله من أهل القربة
- أن في الكتابة نوع مس للمكتوب، ولا يجوز عن الجمهور أن يمس الكافر القرآن بحال، خلافا لأبى حنيفة ومحمد بن الحسن في جواز ذلك له إذا اغتسل تخفيفا لنجاسته البدنية، وحينئذ لا يبقى إلا نجاسته الاعتقادية وهي في قلبه.
- الاستدلال بعموم آي القرآن الكريم والأحاديث المانعة من الاستعانة بالكفار أو الركون إليهم أو موالاتهم.
- الاحتجاج بالآثار المروية عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم المتضمنة للمنع من استكتاب الكفار واستئمانهم، والزجر عن تمكينهم من كل ما فيه ولاية على المسلمين.

أدلة القول الثاني:
- ما رواه ابن أبى داود في المصاحف بسنده أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه استكتب رجلا من أهل الحيرة نصرانيا مصحفا، فأعطاه ستين درهما.
- وروى عبد الرازق في المصنف، وابن أبى داود في المصاحف أن عبد الرحمن ابن أبى ليلى كتب له نصراني من أهل الحيرة مصحفا بسبعين درهما.
- وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن أبى داود في المصاحف، وابن حزم في المحلى عن علقمة بن قيس أنه أراد أن يتخذ مصحفا فأعطاه نصرانيا فكتبه له
- أن الكتابة عمل معلوم وهو يتحقق من المسلم والكافر، والاستئجار عليه متعارف.
- إعمالا لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

تمكين الكافر من المصحف، وفيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع مطلقا، وهو قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف، وفيهم المالكية والشافعية، والحنابلة، وهو قول الحنفية، اختاره أبو يوسف.
أدلة القول الأول:
لقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)، ولقوله عليه السلام: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، وقياسا على المحدث من المسلمين بل أولى لأن الكافر ليس من أهل الطهارة، ولا يمكن تصورها منه، إذ لا تصح إلا بنية وهو ليس من أهلها؛ بل هو نجس بنص القرآن لقوله سبحانه: (إنما المشركون نجس)، ونقل الشيخ صالح الرشيد تصريح الفقهاء بأنه لا يحل لمسلم أن يمكن كافرا من المصحف أو بعضه أو ما يتضمن قرآنا من كتب الشرع لا ببيع ولا بقرض ولا برهن ولا بإعارة ولا بإجارة ولا بوقف ولا بهبة ولا بوصية ولا بإرث ولا بأي سبب أو عقد يفضي إلى وضع يد الكافر على المصحف أو بعضه، أو كتب الشرع حقيقة أو حكما، "وكان ابن عباس ينهي أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن"، ولأن في تمكين الكافر من مسه تعريضا له بالامتهان والانتهاك، يستثنى من ذلك الآية والآيتان في الرسائل على سبيل الدعوة لكتابته إياهما عليه السلام في كتبه إلى ملوك الكفار.
القول الثاني: أنه يجوز تمكين الكافر من مس المصحف إذا اغتسل ورجي إسلامه، وهو قول أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن، وجزم به قاضي خان في فتاويه ولم يحك فيه خلافا.
أدلة القول الثاني:
لأثر عمر [ما هو؟] ولأن النجاسة بدنة قد خففت بالغسل فلم يبق إلا نجاسة اعتقاده وهي في قلبه.
القول الثالث: أنه يجوز أن يمكن الكافر من حمل القرآن ومسه، لعدم الدليل الصريح الصحيح على منعه من ذلك، وهو قول طائفة من أهل العلم كابن جبير على ما حكاه عنه جماعة كابن أبي داود، وابن أبي شيبة، والعيني، وهو مروي عن الحكم وحماد بن سليمان وداود بن علي وأتباعه وجمع ممن لا يقول باشتراط الطهارة أصلا.

مشروعية كتابة المصاحف
:
- نقل الشيخ صالح الرشيد اتفاق العلماء على استحباب كتابة المصاحف، وتصريح غير واحد من أهل العلم بأن كتابة المصاحف من أعظم القرب وبابا من أبواب الثواب.
- تصريح أبو إسحاق الشاطبي في غير موضع من كتابه الاعتصام بكون كتابة المصاحف من المصالح المرسلة، ورد قول من قال بأن كتابة المصاحف من البدع الواجبة.

إجادة خطّ المصاحف وتحسين صنعتها، والآثار الواردة في ذلك:
- نقل النووي في التبيان اتفاق العلماء على استحباب كتابة المصاحف، وتحسين كتابتها وتبيانها وإيضاحها، وتحقيق الخط دون مشقة وتعليقه
- وفي الفتاوى الهندية: (وينبغي لمن أراد كتابة القرآن أن يكتبه بأحسن خط، وأبينه، على أحسن ورقة، وأبيض قرطاس، بأفخم قلم، وأبرق مداد، ويفرج بين السطور ويفخم الحروف ويضخم المصحف)
- وقال القرطبي: (ومن حرمته – يعنى المصحف – أن يجلل تخطيطه إذا خطه).
- وحكى القرطبي في تذكاره عن يحيى بن معاذ أنه قال: (أشتهى من الدنيا شيئين: بيتا خاليا، ومصحفا جيد الخط أقرأ فيه القرآن).
- وأخرج ابن الضريس في الفضائل وابن أبي داود في المصاحف كلاهما من طريق مخلد بن الحسين، عن واصلٍ، وهشامٍ، عن ابن سيرين (أنّه كره أن تكتب المصاحف مشقًا...)، زاد المسيّب: قيل لابن سيرين: لم كره ذلك؟ قال: لأنّ فيه نقصٌ، ألا ترى الألف كيف يفرقها ينبغي أن تردّ، وعزاه الشيخ صالح الرشيد لأبي عبيد.
من الآثار الواردة في ذلك:
- أخرج البيهقي عن علي موقوفا قال تنوق رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له.
- وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان وابن أشتة في المصاحف من طريق أبان عن أنس مرفوعا من كتب بسم الله الرحمن الرحيم مجودة غفر الله له.
- وأخرج ابن أشتة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن.
- وأخرج عن زيد بن ثابت أنه كان يكره أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ليس لها سين.
- وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر فكتب بسم الله ولم يكتب لها سنا فضربه عمر فقيل له فيم ضربك أمير المؤمنين قال ضربني في سين.
- وأخرج عن ابن سيرين أنه كان يكره أن تمد الباء إلى الميم حتى تكتب السين.

كتابة القرآن في محل طاهر مكرم، وحكم استعمال المواد النجسة:
- لا نزاع بين أهل العلم في وجوب صيانة المكتوب الشرعي عن كل ابتذال أو امتهان أو إخلال بما يلزم له من تعظيم.
- وروى أبو عبيد في فضائله عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله:(لا تكتبوا القرآن إلا في شيء طاهر...)
- وروي عن عمر بن عبد العزيز: (لا تكتبوا القرآن حيث يُوطأ...)
- ونقل السيوطي عن الشافعية أنه تكره كتابته على الحيطان والجدران وعلى السقوف أشد كراهة لأنه يُوطأ.
- اتفاق أهل العلم على القول بتحريم استعمال المواد النجسة في كتابة شيئا من القرآن أو العلم أو الذكر الشرعي.
- أن من تعمد كتابة شيء من القرآن بالنجس بقصد امتهانه، يكون كافرا مرتدا مباح الدم، كما صرح بعض الفقهاء كأبي الوفاء بن عقيل في فنونه.
- عدم جواز كتابته على شيء نجس أو متنجس كجلود الميتات أو جلود المحكوم بنجاسته من الحيوانات أو أسطح الأشياء المتنجسة كخرق أو ورق أو ألواح تلوثت بالنجاسة.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن سيرين أنه كره أن يكتب المصحف مشقا قيل لم قال لأن فيه نقصا وتحرم كتابته بشيء نجس.
- النقل عن بعض الحنفية، والشافعية عن بعض فقهائهم قولا بجواز الكتابة على جبهة الراعف بدمه.

تصغير المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: تصغير حجم المصحف وخطه.
اتفق أهل العلم على منعه لما فيه من منافاة التعظيم الواجب ولكونه مشعرا بالاحتقار أحيانا، ودليلهم الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، ومنها:
أخرج أبو عبيد عن أبي الأسود: "أن عمر بن الخطاب وجد مع رجل مصحفا قد كتبه بقلم دقيق، فقال: ما هذا؟ قال: القرآن كله. فكره ذلك وضربه، وقال: "عظموا كتاب الله". قال: وكان عمر إذا رأى مصحفا عظيما سر به.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود واللفظ لعبد الرزاق عن إبراهيم أن عليا كان يكره أن تتخذ المصاحف صغارا).
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور كلاهما من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علي رضى الله عنه: (أنه كان يكره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير).
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود وسعيد بن منصور واللفظ لأبي عبيد عن أبي حكيمة العبدي قال: " كنت أكتب المصاحف، فبينا أنا أكتب مصحفا إذ مر بي علي رضي الله عنه، فقام ينظر إلى كتابي فقال: أجلل قلمك. قال: فقضمت من قلمي قضمة ثم جعلت أكتب، فقال: نعم.. هكذا نوره كما نوره الله عز وجل". وعزاه الشيخ صالح الرشيد لابن شيبة والبيهقي والخطيب البغدادي وعبد الرزاق والحكيم الترمذي في النوادر.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن أبي داود واللفظ لعبد الرزاق عن إبراهيم قال: كان يقال: "عظموا القرآن يعني المصاحف ولا تتخذوها صغارا".

والثانية: تصغير اسمه تصغيرا لفظيا كقولهم "مصيحف".
اتفق أهل العلم على منعه، وصرح بعض العلماء بتكفير من صغر اسم المصحف استخفافا.
فإن لم يكن التصغير على سبيل الاستخفاف، ففيه قولين للعلماء: التحريم إذا تضمن التصغير صورة الامتهان، والكراهة في حال عدم قصد الامتهان، ودليلهم الآثار الآتية:
أخرج ابن عدي في الكامل، والديلمي في الفردوس واللفظ له عن أبي هريرة مرفوعا: " لا يقولن أحدكم للمسجد مسيجد، فإنه يبيت يذكر الله فيه، ولا يقولن أحدكم مصيحف فإن كتاب الله أعظم من أن يصغر، ولا يقولن للرجل رويجل ولا للمرأة مرية" وحكم الذهبي في الميزان عليه بالوضع.
وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن أبي داود في المصاحف، والذهبي في السير، واللفظ لابن أبي داود عن العطاف بن خالد بن عبد الرحمن بن حرملة قال: كان ابن المسيب يقول: " لا يقول أحدكم مصيحف ولا مسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل"
وأخرج سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي داود في المصاحف، والبيهقي في الشعب، واللفظ لسعيد بن منصور عن مجاهد أنه كره أن يصغر المصحف والمسجد يقال: مصيحف ومسيجد
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن إبراهيم: أنه كان يكره أن يقال مصيحف أو رويجل.
وقال القرطبي في مقدمة تفسيره، والتذكار له أيضا: (ومن حرمته ألا يصغر المصحف بكتابة ولا اسم).

كتابة كتب العلم على هيئة المصاحف
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن بقية قال: (أخ دفع إليّ بحيرٌ مصحفًا لخالد بن معدان فيه علمه أخذه منه مكتوبًا في تختين وله دفّتي المصحف وله عرًى وأزرارٌ)،
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الضحاك :(لا تتّخذوا للحديث كراريس ككراريس المصحف)
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن مجاهد :(...أنّه كرهها)
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن إبراهيم: (...أنّه كرهها)

كتابة الجنب المصاحف
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن مجاهد أنه (كره أن يكتب الجنب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) ...).
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عامر: ((أنّه كره أن يكتب الجنب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) ...)

حكم أخذ الأجرة على كتابة المصاحف
للسلف في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز ذلك، وهو قول ابن عباس ومالك بن دينار والحسن وعيسى بن حنيف ومطر الوراق وابن المسيب ومجاهد وأبى جعفر، أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، ونسبه الشيخ صالح الرشيد لعلي وجابر بن زيد وأبى حكيمه، وهو اختيار جماهير أهل العلم وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو الذي نصره ابن حزم الظاهري، لكون ذلك في مقابل عمل اليد وليس ثمنا للقرآن، لكن لا يشارط في ذلك بل يأخذ ما يعطاه من غير مشارطه.
أدلة القول الأول:
- الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين.
- لأن بيع المصاحف جائز، فتجوز المعاوضة على كتابتها من طريق الأولى.
- ولأن ما أبيح من الأعمال المعلومة جاز لمن لم يعين الفرض عليه أن يعتاض عنه.
- ولأنه لم يأت في النهى عن ذلك نص.
القول الثاني: كراهة ذلك، وهو قول ابن سيرين، أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، وذكر الشيخ صالح الرشيد أنه مروي عن علقمة وإبراهيم والحسن البصري على ما روى أيوب السختياني، وحكى الماوردي المنع من الإجارة على كتابة المصاحف عن بعض العراقيين وأهل المدينة.
القول الثالث: منع المؤاجرة على كتابة المصاحف، وجواز استكتاب شخص مده معلومة بأجرة معلومة، وهو قول ابن سيرين ومالك وأبو ثور والنعمان، كما نقل الشيخ صالح الرشيد عن ابن المنذر في الإشراف وابن أبى داود في المصاحف والنكت لابن مفلح على المحرر.

حكم بيع المصحف:
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن سيرين: {أنّه كره كتاب المصاحف أن تباع}
[هذه المسألة مفصلة في موضوع آخر منفصل]
- إثبات البسملة في المصحف
- إجماع أهل العلم من السلف والخلف، على تواتر ثبوت البسملة في المصحف في أوائل السور عدا براءة.
- اختلاف أهل العلم في عدم كتالة البسملة أول براءة إما على سبيل الكراهة أو على سبيل التحريم، وماهية الباعث على ذلك الحظر.
- تفريق بعض أهل العلم بين ترك كتابة البسملة في أول براءة في المصاحف، وبين كتابتها في الألواح.
- أقوال أهل العلم في دلالة كتابة البسملة في المصحف وكون ذلك حجة في قرآنيتها أم لا، على قولين:
الأول: القول بقرآنية البسملة، وهو قول الجمهور ومنهم أبو حنيفة والشافعية والحنابلة.
الثاني: عدم قرآنية البسملة في أول كل سورة، وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد.
أدلة القول الأول:
الاستناد إلى الإجماع على تواتر ثبوتها في المصحف في أوائل السور بقلم الوحي في غير براءة، ولقول عائشة رضى عنها: (ما بين دفتي المصحف كلام الله)، وروي عن ابن عباس رضى الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه " بسم الله الرحمن الرحيم “، وحديث أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزلت على آنفا سورة " فقرأ:" بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ *ِإنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ"" حتى ختمها.. الحديث.
- اختلاف الجمهور في كون البسملة آية من كل سورة، أم أنها آية من الفاتحة فحسب، أم أنها آية مستقلة، نزلت للفصل بين السور وللتبرك في أول الفاتحة، والأخير هو الذي عليه الأكثر.
- حكاية القول بعدم قرآنية البسملة في غير النمل عن الحسن البصري والأوزاعي، ونصره ابن الطيب الباقلاني، وهو قول لبعض الحنفية ضعفه محققوهم.

- إملاء المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: الأحقّ بكتابة المصاحف:
اشترط العلماء كون الأصل الذي يعتمد عليه عند الإملاء أصلا مضبوطا متقنا، وأن يكون المملي فصيح اللسان، جيد اللغة حتى يأمن لحنه، ولكيلا يسئ الكاتب عنه الفهم إذا كان نطقه غير فصيح، كما في الآثار الواردة عن الصحابة التابعين:
- أخرج ابن أبى داود في المصاحف عن إبراهيم التيمي: (لا يكتب المصاحف إلّا مضريّ)
- وروى أيضا عن عبد اللّه بن مسعود: (لا يكتب المصاحف إلّا مضريّ) قال أبو بكرٍ: هذا من أجل اللّغات.
- وأخرج ابن أبى داود في المصاحف وعنه الحافظ في الفتح في قصة كتابة المصحف الإمام، وذكر حديثا مطولا وفى آخره: (فلما من ذلك عثمان قال: من أكتب؟ قالوا: كاتب رسول الله يزيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد فكتب زيد) إلى آخر الأثر.
- وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبى داود عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: (لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش، أو غلمان ثقيف) وفى رواية عنه أيضا أنه قال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوه بلغة مضر، فإن القرآن نزل على رجل من مضر).

الثانية: كتابة المصاحف عن ظهر قلب
- إن كان المملي يعول في إملاءه على حفظه فالظاهر من المروى عن عمر أن ذلك لا يجوز لكل أحد حاشا من شهد له النبي بالحفظ والإتقان وأوصى بأخذ القرآن عنه كابن مسعود مثلا، كما ذكر الشيخ صالح الرشيد.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأحمد في مسنده أثر عمر بن الخطاب الذي فيه: (...يملي القرآن عن ظهر قلبه)، كما أخرج ابن أبي داود أثر عمر بن الخطاب الذي فيه: (...وتركت بها رجلًا يملي المصاحف عن ظهر قلبه...).

- تجليد المصحف، وفيه ست مسائل:
الأولى: ماهية جلد المصحف:
- من أهل العلم من لا يفرق بين جلد المصحف وبين غلافه في الماهية، ومنهم من يميز بينهما ويعتبر الغلاف شيئا منفصلا عن المصحف كالخريطة مثلا، كما قال العيني: (واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم هو الجلد الذي عليه. وقال بعضهم هو الكم وقال بعضهم هو الخريطة التي يعني الكيس الذي يوضع فيه المصحف وهو الصحيح).
- المراد بتجليد المصحف تغليفه بغلاف متصل به مشرز عليه يصونه ويحفظه ويكون بمثابة الدفتين له، ويتصل به حتى يتبعه في البيع
- ومال الحصكفي إلى التفريق بين الجلد والغلاف، والظاهر من كلام فقهاء بقية المذاهب أن المراد بجلد المصحف وغلافه شيء واحد.
الثانية: مادة جلد المصحف:
- يتعين أن يكون الجلد المتخذ للمصحف طاهر العين لم يطرأ عليه خبث ولا نجس وأن يكون خاليا عن كل ما لا يليق بالمصحف من تصاوير وكتابات أو نقوش محرمة، فإن كانت النقوش والكتابات مباحة فالظاهر من كلام أهل العلم أنه لا بأس بتغليف المصحف بمثلها على ما صرح به بعض فقهاء الحنفية.
الثالثة: حكم الجلد:
- يأخذ حكم المصحف عند جمهور الفقهاء، فلا يمس حال الحدث ولا يمكن منه كافر بحال حتى ولو كان ذلك التمكين لمصلحة المصحف على ما صرح به بعض فقهاء الشافعية.
- وذهب فريق من الفقهاء إلى القول بأن حكم المصحف لا يثبت لجلده، وإن كان متصلا به، وهو الذي حكاه غير واحد من أهل العلم عن الإمام أبي حنيفة، وهو اختيار الخراسانيين من أصحابه، وحكاه الدرامي الشافعي وجها، وشذذه النووي، وهو مقتضى اختيار أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي في فنونه، وهو ظاهر كلام ابن حمدان في الرعاية.
الرابعة: جلد المصحف المنفصل عنه:
- صرح بعض الفقهاء بأن حرمة المصحف تثبت لجلده، حتى وإن كان منفصلا عنه، وهو الذي صرح به القرافي، وذكره العدوي في حاشيته على الخرشي مقابلا للظاهر، ونقل الزركشي عن عصارة المختصر للغزالي التصريح بتحريم مس جلد المصحف حتى وإن كان منفصلا عنه.
- وقال ابن العماد أنه الأصح، زاد في شرح الروض، وظاهر أن محله إذا لم تنقطع نسبته عن المصحف، فإن انقطعت كأن جعل جلد كتاب لم يحرم مسه قطعا.
الخامسة: جلد المصحف الجامع معه غيره:
- نص فقهاء الشافعية على حرمة مس جلد المصحف المتصل به حال الحدث كالهيتمي في التحفة والرملي في النهاية والشبراملسي في حاشيته على النهاية.
السادسة: من الآداب المتعلقة على من يتعاطى صنعة التجليد:
- نية الإيمان والاحتساب، وإعانة إخوانه المسلمين بصناعته على صيانة مصاحفهم وكتبهم.

- هامش المصحف
أنه يأخذ حكم المصحف فلا يمس للمحدث، وهو ظاهر كلام جمهور أهل العلم، وذكره ابن تيمية في شرح العمدة والشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج للهيتمي.

الزيادة في المصحف:
لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يجوز لأحد أن يزيد في المصحف حرفا واحدا، وأن من تعمد ذلك يكون كافرا، لما أخرجه الترمذي بسنده وابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه من حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي كان، الزائد في كتاب الله.."

- تجريد المصحف، وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: اختلاف أهل العلم في المراد من تجريد القرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تجريده في الخط من النقط والتعشير والفواتح، وهو قول عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وعطاء وأبى رزين ومسروق والحسن وابن سيرين، روى أقوالهم ابن أبي داود في المصاحف، وهو ترجيح الزيلعي.
ووجه أبو عبيد بقوله: أن إبراهيم كره هذا مخافة أن ينشأ نشوء يدركون المصاحف منقوطة فيرى أن النقط من القرآن.
القول الثاني: الحث على ألا يتعلم شيء من كتب الله غيره لأن ما خلا القرآن من كتب الله إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى وليسوا بمأمونين عليها، وهو ترجيح أبي عبيد والبيهقي.
القول الثالث: تعلمه وحده وترك الأحاديث، ذكره أبو عبيد ورده لأن فيه إبطال السنن.

الثانية: فترة بقاء المصحف مجردا:
نقل الشيخ صالح الرشيد في ذلك قولين:
الأول: وهو عن أبى أحمد العسكري وأبى عمرو الداني أن المصحف ظل بضعا وأربعين سنة لم يطرأ عليه أي إضافة في رسمه، فكان خاليا عن النقط والشكل وكافة الرموز والعلامات، حتى جاء عهد عبد الملك بن مروان ومست الحاجة إلى إحداث شيء من ذلك بسبب زيادة العجمة ووقوع الناس في أخطاء لا تغتفر.
الثاني: ذكر الداني في المحكم من الروايات ما يدل على أن ذلك قد حدث في عهد معاوية، وأن الحامل عليه كثرة اللحن الذي سمعه من عبيد بن زياد حتى كتب معاوية بذلك كتابا إلى أخيه زياد يتضمن معاتبة له على ما لمسه في ابنه عبيد الله من كثرة اللحن في القراءة، وأن زيادا قد احتال على أبى الأسود الدؤلي في إعراب المصحف، والذي كان يتمنع عن ذلك ويتحاشاه زمنا.

الثالثة: حكم تجريد المصحف من التعشير والتخميس:
القول الأول: الوجوب، وهو ظاهر الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين أنه واجب وأن التعشير مكروه، وهو قول إبراهيم ومجاهد وابن سيرين وعطاء وأبي العالية وأبي حنيفة وأحمد في رواية، وذكر ابن تيمية أنه معدود في المحاذير التي يفضي الوقوع فيها إلى اختلاط القرآن بغيره والتباسه به ولو بعد حين، وروي أن ابن مسعود رضى الله عنه كان يحك ما يجده من هذه الرموز في المصاحف مخافة أن ينشأ نشوء يخلطون بالقرآن ما ليس منه.
القول الثاني: الاستحباب وجواز التعشير، وهو قول الزركشي في البرهان والحليمي بقوله: يجوز لأن النقط ليس له قراءة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لم يحتاج إليها، وهو قول مالك في رواية، وذكره الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع والحصفكي في الدر مع الحاشية.

- تحشية المصاحف والتفسير فيه، وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: ما ورد في كراهته:
- نقل جمع من العلماء كراهية السلف لذلك، منهم ابن الباقلاني في كتابه الانتصار
- وأخرج ابن أبى شيبة عن عامر الشعبي قال: (كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها، فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين).
- وقال السيوطي في الإتقان: (قال الجرجاني من أصحابنا في الشافي: من المذموم كتابة تفسير كلمات القرآن بين أسطره)
- وقال الحليمي: ومن الآداب ألا يخلط به ما ليس بقرآن كعدد الآي والوقوف واختلاف القراءات ومعاني الآيات وأسماء السور والأعشار
الثانية: ما ورد في جوازه:
- رخص فريقا من أهل العلم في كتابة التفسير في المصحف إذا احتيط للقرآن، واقتصر على ما تمس الحاجة إليه من التفسير.
- وقال الهيتمي في الفتاوى الحديثية: (وأنه يجوز أن يحشى المصحف من التفسير والقراءات كما تحشى الكتب لكن ينبغي أخذا مما مر في تحشية الكتب ألا يكتب إلا المهم المتعلق بلفظ القرآن دون نحو القصص والأعاريب الغربية)
- وقال البيهقي: وكتب الأحاديث المتعلقة بفضائل السور لا بأس به لمن علم أن تلك الأحاديث أصلا.
- وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في شرح الجامع الصغير: (وإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته تحته، روى عن الشيخ الفقيه أبى جعفر أنه لا بأس به في ديارنا، وإنما يكره في ديارهم، لأن القرآن نزل بلغتهم)

الثالثة: توجيه ما روي عن عمر أنه قال: "ألا أنه إن ناسا يقولون ما بال الرجم كذا، وإنما في كتاب الله الجلد وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه، والله لولا أن يقول قائلون زاد عمر في كتاب الله لأثبتها كما أنزلت" على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد كتابتها في الحواشي، وأنه منعه من ذلك تجريد المصحف، ذكره صاحب الكوكب الدري.
القول الثاني: أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه، ذكره الزركشي في البرهان.
القول الثالث: لعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم، ذكره السيوطي في الإتقان
القول الرابع: أن مراد عمر من هذا الكلام المبالغة والحث على العمل بالرجم، لأن معنى الآية باق وإن لم يبق لفظها، وهو ترجيح الزرقاني والشيخ صالح الرشيد.

- نقط المصحف، وفيه أربعة مسائل:
الأولى: ماهية النقط.
النقط مصدر من نقط المكتوب ينقط وبعضهم ضبطه بضم النون وفتح القاف، كما قال العيني.
وذكر أبو عمرو الداني في المحكم أن النقط يطلق على معنيين:
- المعنى الأول: نقط الإعجام، وهو نقط الحروف في سمتها للتفريق بين الحروف المشتبهة في الرسم، كنقط الباء بنقطة من تحت، ونقط التاء باثنتين من فوق ونقط الثاء بثلاث نقط من فوق
- والمعنى الثاني: نقط الإعراب، أو نقط الحركات، وهو نقط الحروف للتفريق بين الحركات المختلفة في اللفظ، كنقط الفتحة بنقطة من فوق الحرف، ونقط الكسرة بنقطة من تحت الحرف، ونقط الضمة بنقطة أمام الحرف أو بين يديه.

والثانية: الباعث عليه وأول من نقط المصاحف.
سببه: ما شاهده السلف من أهل عصرهم، من فساد ألسنتهم واختلاف ألفاظهم، وتغير طباعهم، ودخول اللحن على كثير من خواص الناس وعوامهم، وما خافوه مع مرور الأيام وتطاول الأزمان، من تزيد ذلك وتضاعفه فيمن يأتي بعد.
أما أول من نقط المصاحف، فاختلف فيه على عدة أقوال: أنه كان من الصحابة أم أبو الأسود الدؤلي أم نصر بن عاصم الليثي أم يحي بن يعمر العدواني أم الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وجمع بين أكثر الأقوال أبو عمرو بقوله: (يحتمل أن يكون يحي ونصر أول من نقطاها للناس بالبصرة وأخذ ذلك عن أبي الأسود، إذا كان السابق إلى ذلك والمبتدئ به، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير على ما تقدم في الخبر عنه. ثم جعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام)

والثالثة: جملة ما في المصحف من النقط.
جملة نقط القرآن مائة ألف وخمسون ألفا وستة آلاف وإحدى وثمانون نقطة، كما ذكر الفيروز آبادي في "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"


والرابعة: حكم نقط المصاحف واختلاف أهل العلم في ذلك.
اختلاف أهل العلم في مسألة نقط المصاحف على ثلاثة أقوال:
- القول الأول: المنع، وهو قول ابن عمر وابن مسعود ومحكي عن قتادة وإبراهيم وابن سيرين والحسن البصري في رواية عنهما، وعباد بن عباد الخواص، ورواية عن مالك في المصاحف الأمهات خاصة والتسهيل في المصاحف التي يتعلم منها الغلمان.
- القول الثاني: الكراهة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، لعدم فعله في الصدر الأول.
- القول الثالث: الجواز، وهو قول جمهور أهل العلم منهم ابن تيمية ورواية عن مالك: (الترخيص فيما كان منه بالحبر خاصة دون الحمرة والصفرة)، وصرح النووي في التبيان باستحبابه، لكونه يعين على جودة التلاوة فيها ويقي التالي من الوقوع في اللحن والتصحيف، وعلله أحمد بأن فيه منفعة للناس، وقال الحليمي: فيجوز لأنه ليس له صورة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباته لمن يحتاج إليها.

سبب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة:
- للدلالة على بقاء السبعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها، ذكره أبو عمرو الداني في المحكم، وتبعه ابن تيمية ووجهه بقوله: (لأنهم لا يلحنون).

- الترجمة في المصحف، وفيه تسع مسائل:
المسألة الأولى: ماهية الترجمة على وجه العموم، والترجمة في المصحف على وجه الخصوص.
معنى الترجمة لغة:
ذكر الزرقاني أن الترجمة في اللغة العربية وضعت لتدل على أحد معان أربعة:
1. تبليغ الكلام لمن لم يبلغه، ومنه قول الشاعر: إن الثمانين - وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
2. تفسير الكلام بلغته التي جاء بها، ومنه قيل في ابن عباس: إنه ترجمان القرآن. وقول الزمخشري في كتابه أساس البلاغة:" كل ما ترجم عن حال شيء فهو تفسرته "
3. تفسير الكلام بلغة غير لغته. كما قال في تاج العروس:" والترجمان المفسر للسان، وقد ترجمه وترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر ". وقال الجوهري:" وقيل نقله من لغة إلى لغة أخرى "
4. هو نقل الكلام من لغة إلى أخرى، وهو يطلق على المعنى العرفي أيضا.

أقسام الترجمة العرفية، تنقسم إلى قسمين:
1. الترجمة الحرفية: فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى مع مراعاة الموافقة في النظم والترتيب، والمحافظة على جميع معاني الأصل المترجم، وتسمى ترجمة لفظية أو مساوية.
2. والترجمة التفسيرية: فهي شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى بدون مراعاة لنظم الأصل وتربيته وبدون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه، وتسمى أيضا بالترجمة المعنوية، وسميت تفسيرية، لأن حسن تصوير المعاني والأغراض جعلها تشبه التفسير.

ماهية الترجمة المتعلقة بالقرآن على وجه الخصوص:
ترجمة القرآن أو الترجمة في المصحف مشترك لفظي يصدق على عدة معاني:
1. الترجمة بمعنى التبليغ، وذلك بإيصال ألفاظه ومعانيه إلى من يقع عليه البلاغ.
2. النقل: أي نقل الألفاظ من لغة إلى لغة، ومن لسان إلى لسان.
3. التفسير والبيان، ومنه تسمية ابن عباس بترجمان القرآن.
4. ترجمة التفسير بمعنى نقل معانيه من لغة إلى لغة.
5. كتابة القرآن بغير العربية مع المحافظة على نظمه وترتيبه والاعتياض برموز ومصطلحات عما يترتب على مثل هذه الترجمة من فوات لحروف وحركات ليس لها نظير في رسم اللغة المنقول إليها
وبعض هذه المعاني غير مسلمة، بل يكاد ينعقد الإجماع على استحالتها وتعذرها.

المسألة الثانية: الأثر الوارد في ابن عباس رضى عنهما، وتسميته بترجمان القرآن
ورد الأثر بتسمية ابن عباس بترجمان القرآن مرفوعا وقوفا:
- المرفوع: أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضى الله عنه قال:" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير كثير، وقال: نعم ترجمان القرآن أنت “.
- والموقوف: أخرجه ابن سعد في طبقاته، ويعقوب الفسوي في تاريخه، والحاكم في المستدرك أن عبد الله بن مسعود قال " ولنعم ترجمان القرآن ابن عباس "

المسألة الثالثة: مدى إمكان ترجمة القرآن، وموقف العلماء من ذلك.
- المنقول عن المحققين من أهل العلم وفيهم الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد أن ترجمة القرآن متعذرة مستحيلة، وأن الإقدام عليها أمر محرم، لكون القرآن معجزا بلفظه ومعناه، وقرره الزركشي في البحر المحيط وعنه الزرقاني في المناهل.
- اعتراض الزرقاني ومن تابعه على تعريف الترجمة الحرفية: لأن هذا النوع يولد الاضطراب فعلا، وتنبيها على أن معالجة استحالة الترجمة بهذه الكيفية قد يوقعنا في متناول النقد من الآخرين، وهو موافق لمن سبقهم من علماء الأمة كالإمام الشافعي في الرسالة، وابن قتيبة في مشكل القرآن، وابن تيمية في غير موضع من كتبه، والشاطبي في موافقاته.

والمسألة الرابعة: ما روي عن سلمان الفارسي رضى الله عنه في ترجمة للقرآن، وكيف تأولها أهل العلم.
- قال ابن حجر الهيتمى في الفتاوى الكبرى: وأما ما نقل عن سلمان رضى الله عنه: " أن قوما من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئا من القرآن، فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسية " فأجاب عنه أصحابنا بأنه كتب تفسير الفاتحة لا حقيقتها.
- وقال الرازي "ره" (وما كتب سلمان رضى الله تعالى عنه الفاتحة بالفارسية كان للضرورة لأهل فارس).
- وقال الشيخ محمد بخيت المطيعي: (وفى النهاية والدراية أن أهل فارس كتبوا إلى سلمان الفارسي بأن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكتب فكانوا يقرأون ما كتب في الصلاة حتى لانت ألسنتهم، وقد عرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه).
[وهذه المسألة تحتاج إلى تحقيق زائد على ما ورد في الموضوع، فلعلكم تبحثون فيها للفائدة]

والمسألة الخامسة: في الفرق بين قراءة القرآن بغير العربية وبين كتابته بالأعجمية
- قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: أنه لا تلازم بينهما، فقد يكتب بالعجمية ويقرأ بالعربية وعكسه.
- فتوى الشيخ محمد بخيت المطيعي في جواز قراءة القرآن بغير العربية لقادر عليها، وجواز القراءة والكتابة بغير العربية للعاجز عنها بشرط ألا يختل اللفظ ولا المعنى، ونقل عن كتب المالكية أن ما كتب بغير العربية ليس بقرآن، بل يعتبر تفسيرا له.

حكم كتابة المصاحف بالحروف الأعجمية:
- حرمة كتابة المصاحف بالحروف الأعجمية، هو إجماع علماء السلف والخلف، كما قال الزركشي لم أر فيه كلاما لأحد من العلماء، وأنه يحتمل الجواز، لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية، والأقرب المنع، كما تحرم قراءته بغير لسان العرب.
- توجيه العلماء للحكم: أن في كتابته بالعجمية تصرف في اللفظ المعجز الذي حصل التحدي به بما لم يرد، بل يوهم عدم الإعجاز، بل الركاكة لأن الألفاظ بالعجمية فيها تقديم المضاف إليه على المضاف ونحو ذلك مما يخل بالنظم ويشوش الفهم.
- وسئل الهيتمي هل يحرم كتابة القرآن بغير العربية؟ " فأجاب " بقوله: أفتى بعضهم بحرمة ذلك، وأطال في الاستدلال له.
- أقدم نص يتطرق لحكم كتابة المصحف بغير العربية هو كلام الحاكم الشهيد الحنفي في كتابه الكافي: إن اعتاد القراءة بالفارسية، أو أراد أن يكتب مصحفا بها يمنع، وإن فعل في آية أو آيتين لا، فإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته جاز.

المسألة السادسة: في ذكر طائفة من النقول عن أهل العلم المقتضية لمنع الترجمة للقرآن مطلقا، وحكم تعاطيها، وأثرها على صحة الصلاة ونحوها.
- ذهب الجمهور من أهل العلم إلى ترجمة القرآن غير جائزة، وأن الصلاة تبطل بها، وأن المترجم على تقدير جواز الترجمة لا يكون قرآنا ولا يثبت له شيء من أحكام القرآن، إذ هو كلام آدميين كسائر كلامهم، والقول بمنع ترجمة القرآن يتناول كافة ضروب الترجمة عند أكثر أهل العلم، ولم يجر فيه خلاف بينهم في الصدر الأول، ولم ينقل تجويز الترجمة عن أحد من فقهاء السلف قبل أبى حنيفة وأصحابه.
- وأن المستحق قراءة القرآن وهو هذا اللفظ المخصوص بالنظم المعجز، والبلاغة الباهرة، وهو الذي تحدى الله به، فأما التفسير فمستحقه للحكم، ولهذا لا يحرم على المحدث مس التفسير ولا قراءته ولا يسمى قرآنا، ولأنه تعالى أمر في الصلاة بالقرآن، وهذا هو المنزل بعينه، ولأن حفظه بهذا النظم المخصوص واجب في الجملة، لأنه حجة النبوة كما أن معناه مقصود للحكم فكان بنظمه ومعناه هو الركم لا غير
- ونقل ابن المنذر في الأوسط مذهب الشافعي في عدم جواز الصلاة بالفارسية لمن يحسن العربية، وكذلك الإمام أبو الحسن الماوردي في كتاب الحاوي الكبير والنووي في التبيان.
- وقال ابن حزم في المحلى: (ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها أو شيئا من القرآن في صلاته مترجما بغير العربية، أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى، عامدا لذلك، أو قدم كلمة أو أخرها عامدا لذلك بطلت صلاته وهو فاسق)
- وقال أبو الخطاب الكلوذاني في كتاب الانتصار في المسائل الكبار (لا تصح الصلاة بترجمة القرآن بالفارسية وغيرها...وبه قال مالك، والشافعي، وأبو يوسف ومحمد).
- وقال فخر الرازي في تفسيره: (قال الشافعي: ترجمة القرآن لا تكفي في صحة الصلاة، لا في حق من يحسن القراءة، ولا في حق من لا يحسنها) ثم ذكر خمسة عشر حجة لذلك.
- كذلك قال الكيا الهراسي في أحكام القرآن وأبو بكر بن العربي في أحكام القرآن وأبو عبد الله القرطبي في تفسيره والقرافي في الذخيرة بعدم إجزاء صلاة من قرأ بغير العربية
- وهو أيضا قول أبي العباس بن تيمية كما في اقتضاء الصراط وشمس الدين بن مفلح في فروعه وابن الحاج في المدخل وهو الذي جزم به الأنصاري الشافعي في شرح الروض، والتاج المحلى في منهاج الطالبين، وهو الذي رجحه العلاء المرداوي في الإنصاف، وجزم به في الإقناع وشرحه، وعبارة ابن جزى المالكي.

المسألة السابعة: في ذكر طائفة من النقول عمن رخص في الترجمة من أهل العلم، وحدود القدر المرخص فيه، وحال من يرخص له، ومستندهم في ذلك.
- نقل جمع من الفقهاء تجويز أبي حنيفة القراءة بالفارسية وإن أحسن العربية، أما أبو يوسف ومحمد فلمن لا يحسن العربية دون من يحسنها، وحجتهم في ذلك.
- وقال الزمخشري في رؤوس المسائل: (إذا عبر فاتحة الكتاب أو القرآن بالفارسية أو بالعجمية فقرأها في الصلاة، فإنه تصح صلاته عندنا، وعند الشافعي لا تصح. دليلنا في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى*صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. وصحف إبراهيم موسى ليست على لسان العرب
- تجويز فقهاء الحنفية لكتابة الآية والآيتين بالفارسية، كما قال العيني في البناية، والتشديد على منع أكثر من ذلك، وحجتهم في ذلك أثر عن سلمان.
- فتوى الشمس الرملي الشافعي بعدم حرمة كتابة المصحف بالقلم الهندي ونحوه لأنها دالة على لفظه العربي، وليس فيها تغيير له بخلاف ترجمته لأن فيها تغييرا له، وتوجيه الشيخ صالح الرشيد لذلك بأنه لا تخرجه عن كونه رسما بحرف عربي فهو كالرسم الكوفي مثلا.
- وتعقيب الشرواني عليه: (“قوله بالقلم الهندي.. إلخ " فيه تأمل فإن المكتوب بالقلم الهندي ونحوه إنما هو ترجمة القرآن لا نفسه).
- قول ابن قاسم العبادي الشافعي في حواشيه على تحفه المحتاج للهيتمي: (أفتى شيخنا المذكور – يعنى الشهاب الرملي – بجواز كتابة القرآن بالقلم الهندي، وقياسه جوازه بنحو التركي أيضا)
- فتوى صاحب الفتاوى التتارخانية: (وإن اعتاد القراءة بالفارسية، أو أراد أن يكتب المصحف بالفارسية منع من ذلك على أشد المنع، وإن فعل ذلك في آية أو آيتين لا يمنع من ذلك).
- قول العيني في كتابه البناية: (ويجوز كتابة الآية والآيتين بالفارسية، والأكثر منها لا يجوز).
- قول السرخسي في شرح الجامع الصغير :( وإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته تحته، روى عن الشيخ الفقيه أبى جعفر أنه لا بأس به في ديارنا، وإنما يكره في ديارهم لأن القرآن نزل بلغتهم).
- وعقد الإمام البخاري في صحيحه بابا فيما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها ذكر فيه ثلاثة أحاديث.

والمسألة الثامنة: في كتابة القرآن بالأعجمية وبشكل يمكن معه قراءة القرآن بالعربية، مع التنويه عن شبهة مروجي هذا التوجه وتفنيد تلك الشبهة.
- أن أصل فكرة الترجمة ومبتدأ نشأتها كانت مكيدة كادها الكفار، وبخاصة الرهبان والأحبار من أهل الكتاب، فقد كانت البيع والكنائس منبتا لفكرة الترجمة، ومنشأ لذلك التوجه حتى يكون ذلك ثغرة ينفذ منها الرهبان والأحبار إلى أغراضهم من الطعن في الدين الإسلامي والتحريف في القرآن إن استطاعوا.
- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا في حكم كتابة القرآن بالحروف الأعجمية
- وفي فتوى اللجنة الدائمة: لا شك أن كتابة القرآن بحروف اللغة التي يتكلم بها الأعاجم فيه تيسير لتلاوة القرآن عليهم، ورفع للحرج عنهم، وتعميم للبلاغ، وإقامة الحجة عليهم، وليس ذلك بدعا، بل هو المناسب لمقاصد الشريعة وله نظائر.

المسألة التاسعة: التمييز بين ترجمة القرآن وبين ترجمة تفسيره ومعانيه، وكون ذلك في حدود ضرورات التبليغ:
- قول الزرقاني في التفريق بين الترجمة والتفسير:" يجوز تفسير الألسن بعضها ببعض لأن التفسير عبارة عما قام في النفس من المعنى للحاجة والضرورة، والترجمة هي إبدال اللفظة بلفظة تقوم مقامها في مفهوم المعنى للسامع المعتبر لتلك الألفاظ، فكأن الترجمة إحالة فهم السامع على الاعتبار، والتفسير تعريف السامع بما فهم المترجم وهذا فرق حسن.
- تجويز ابن تيمية لترجمة معاني القرآن لضرورة التبليغ على أن تقدر تلك الضرورة بقدرها، وذكره لشروط المفسر والمترجم معا.
- وقال الشيخ صالح الرشيد: إذا فهم المعنى فهما صحيحا، وعبر عنه من عالم بما يحيل المعاني باللغات الأخرى تعبيرا دقيقا يفيد المعنى المقصود من نصوص القرآن، وذلك أداء لواجب البلاغ لمن لا يعرف اللغة العربية.
- فتوى صاحب المنار بجواز ترجمة القرآن لأجل الدعوة عند الحاجة إلى ذلك
- ذكر اللجنة الدائمة لستة مبررات لاختيارها بامتناع ترجمة القرآن.
- ذكرت فتوى جماعة كبار العلماء بمصر احدى عشر ضابطا للترجمة.
- ما يتشرط في المترجم لمعاني القرآن.
[الأفضل تفصيل هذه النقاط لأهميتها]
- تشكيل المصحف، وفيه خمسة مسائل:
الأولى: ماهية التشكيل: قال أبو حاتم (شكلت الكتاب أشكله فهو مشكول إذا قيدته بالإعراب)
الثانية: أول من شكل المصحف: هو أبو الأسود الدؤلي، على اختلاف فيمن أمره بذلك هل كان عمر بن الخطاب، أم زياد بن أبي سفيان، أم عبد الملك بن مروان.
الثالثة: حكم تشكيل المصحف: اختلف أهل العلم ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الاستحباب، لكونه يقي من اللحن ويعين على صحة القراءة، وهو قول النووي ومتأخري الفقهاء.
القول الثاني: المنع، لكونه بدعة لم تفعل في الصدر الأول، وهو قول الشعبي والنخعي.
القول الثالث: التفصيل والتفريق، فجوز التشكيل في مصاحف الصغار، ومنعه في الأمهات من المصاحف، وهو قول الإمام مالك.
الرابعة: توجيه رأي الإمام مالك في التشكيل:
قال محمد بن رشد: (وأما كراهيته لشكل أمهات المصاحف فالمعنى في ذلك أن الشكل مما قد اختلف القراء في كثير منه إذ لم يجيء مجيئا متواترا فلا يحصل العلم بأي الشكلين أنزل، وقد يختلف المعنى باختلافه، فكره أن يثبت في أمهات المصاحف ما فيه اختلاف وبالله التوفيق)
الخامسة: من أسباب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة:
لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء والياء والفتح والضم، ذكره ابن تيمية وأبو عمرو الداني في المحكم

- جمع قراءات شتى وروايات مختلفة في مصحف واحد
- ذكر أبو عمرو الداني في المحكم كراهة جمع قراءات شتى وروايات مختلفة في مصحف واحد، وما يتصل بذلك من المعاني اللطيفة، والنكت الخفية، لأجل التخليط على القارئين، واستدل بأثر عن ابن عباس مع سعيد بن جبير لما أمره بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية، مع علمه بصحة القراءتين في ذلك.
- أشار أبو الحسين بن المنادي إلى اجازة ذلك في كتابه في النقط بقوله: "وإذا نقطت ما يقرأ على الوجهين فأكثر فارسم في رقعة غير ملصة بالمصحف أسماء الألوان، وأسماء القراء ليعرف ذلك الذي يقرأ فيه، ولتكن الأصباغ صوافي لامعات، والأقلام بين الشدة واللين".

- جمع المصحف، وفيه خمسة عشر مسألة:
الأولى: ماهية الجمع المنشود.
- نزول القرآن مفرقا على النبي، وأمره للصحابة بكتابته في الرقاع والأكتاف والعسب.
- جمع القرآن في عهد أبي بكر في صحف مجتمعة بين دفتي المصحف.

الثانية: سبب ترك جمع المصحف في عهد النبوة.
- لأن الله تعالى قد أمنه من النسيان بقوله: (سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله)، كما قال المحاسبي.
- ولأن النسخ كان يرد على بعض، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف واختلاط الدين، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمان النسخ، كما قال الزركشي.

الثالثة: أول من جمع المصحف.
- أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي داود في المصاحف كلاهما من طريق سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي قال: " رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن"
- صحة الروايات الواردة في أن أول من جمع القرآن هو أبو بكر، وضعف رواية جمع عمر للقرآن للانقطاع، وكذلك رواية أن أول من جمعه علي ضعيفة بالانقطاع.

الرابعة: تاريخ جمع أبي بكر والباعث عليه.
- سبب جمع أبي بكر: خوفا من ضياعه بعد أن استحر القتل في القراء يوم اليمامة التي كان في ربيع الأول سنة 12 ه.
- إشارة عمر على أبي بكر بجمع القرآن
- اختيار زيد بن ثابت لهذه المهمة
- توجيه قوله (فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت)

الخامسة: حكم جمع أبي بكر والدليل عليه.
- شبهة الروافض في بدعية كتابة المصحف، وجواب ذلك.
- إذن النبي لكتابة القرآن، ونهيه عن كتابة ما سواه.
- سبب رفض أبي بكر وزيد للجمع في أول الأمر، وبيان جوازه
- توجيه ابن الباقلاني لشرعية فعل أبي بكر في جمع القرآن.
- جمع أبي بكر للقرآن في صحف في مكان واحد.

السادسة: كيفية جمع أبي بكر، والاحتياطات المتبعة لهذه الغاية.
- تتبع زيد ومن معه للقرآن من أوعيته المختلفة، ومن صدور الرجال؛ وكان التعويل على الحفظ أعظم.
- أمر أبو بكر لعمر وزيد بالقعود على باب المسجد وعدم قبول من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان
- المراد بالشاهدين، على ثلاثة أوجه.
- المراد بقوله: "وصدور الرجال"
- قصة وجدان خاتمة التوبة مع أبي خزيمة وتوجيهها
- فائدة التتبع

السابعة: تسمية المصحف وكيف تمت.
- ذكر بعض الأحاديث التي فيها كلمة المصحف
- تسميته بالمصحف بعد جمعه في عهد أبي بكر، وقصة اختيار اسم المصحف.

الثامنة: مآل هذا المصحف بعد جمعه.
- بقاء تلك الصحف عند أبي بكر مدة حياته، ثم عند عمر بن الخطاب مدة حياته، ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها.
- سبب بقائها عند حفصة رضي الله عنها.
- إعطائها لعثمان الصحف ثم ردها إليها بعد جمعه.
- إتلاف مروان بن الحكم لها بعد وفاة حفصة وسبب ذلك.

التاسعة: جمع المصحف الإمام في عهد عثمان، والفرق بينه وبين جمع المصحف الأول.
- اختلاف مصاحف الصحابة مما أدى الى اختلاف قراءة الناس: كان سببا لجمع عثمان.
- الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر وبين جمع القرآن في عهد عثمان:
أن جمع أبي بكر كان ضم ما كان في أوعية متفرقة متفاوتة الحجم في وعاء واحد أو في صحف متماثلة يجمعهما لوحان وتضمهما دفتان.
أما جمع عثمان بمثابة توحيد للمصاحف التي كانت متباينة وفقا لما جرت عليه العرضة الأخيرة
[لا بأس بالإجمال هنا، لأن هذه المسائل من مباحث علم جمع القرآن، لكن حبذا لو فصلتم في شأن تسمية المصحف]
العاشرة: تاريخ جمع المصحف الإمام، والتوفيق بين الروايات المتعارضة في ذلك.
لأهل العلم في تاريخ كتابة المصحف الإمام ثلاثة أقوال، هي:
الأول: سنة ثلاث وعشرين للهجرة.
والثاني: سنة خمس وعشرين.
والثالث: سنة ثلاثين للهجرة، ورده بعض أهل العلم.
ويشهد للقول الأول والثاني ما رواه ابن أبي داود عن مصعب بن سعد.
توفيق الحافظ في الفتح بين روايتي ابن أبي داود للقول الأول والثاني.

الحادية عشرة: الأسباب الحاملة على جمع المصحف الإمام.
- أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، والبخاري في صحيحه، وابن أبي داود في المصاحف، عن أنس بن مالك: وفيها أن سببه شهود حذيفة بن اليمان لاختلاف أهل الشام مع أهل العراق في فتح أرمينية وأذربيجان.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي قلابة: وفيها أن سببه اختلاف الناس في القراءة على المعلمين.

الثانية عشرة: الكيفية التي تم بها هذا الجمع، وذكر الهيئة المكلفة بذلك.
الرجوع إلى صحف أبي بكر.
اختيار زيد بن ثابت للكتابة وأسباب ذلك.
اختيار سعيد بن العاص للإملاء وسبب ذلك.
اختلاف الروايات في عدد من تولى مهمة الجمع، وتوجيه ذلك.
أقوال أهل العلم في الحرف الذي كتب به المصحف، والروايات الواردة في ذلك.
عقد القاضي أبو بكر الباقلاني في الانتصار لباب في ذكر الأدلة على صواب عثمان رضي الله عنه في اختيار حرف زيد دون غيره.
موافقة الجمع للعرضة الأخيرة.

الثالثة عشرة: موقف الصحابة من جمع المصحف الإمام وجمع الناس عليه وإتلاف ما سواه.
إقرار الصحابة رضي الله عنهم لجمع عثمان، وعده من مناقبه.
ما نقل عن كراهة ابن مسعود لما فعله عثمان، ثم رجعوه عن ذلك.
ما روي من أمر عثمان بإتلاف بقية المصاحف.

الرابعة عشرة: عدد نسخ المصحف الإمام، وذكر الأقطار التي وجه بتلك النسخ إليها.
اختلاف الروايات في عدد نسخ المصحف الإمام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها أربعة، فوجه نسخة إلى الكوفة، ونسخة إلى البصرة، ونسخة إلى الشام، وأمسك عند نفسه واحدة، وهو قول الأكثر، وترجيح أبو عمرو الداني في المقنع
القول الثاني: أنها خمسة، فوجه نسخة إلى مكة، ونسخة إلى المدينة، ونسخة إلى البصرة، ونسخة إلى الكوفة، ونسخة إلى الشام، ذكره الحافظ في الفتح.
القول الثالث: أنها سبعة مصاحف، وبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا، أخرجه ابن أبي داود في المصاحف عن أبي حاتم السجستاني.

الخامسة عشر: مصير نسخ المصحف الإمام.
أقوال أهل العلم في مصير نسخ المصحف الإمام:
1. روى ابن أبي داود في المصاحف عن ابن وهب أنه ذهب، وقال الشاطبي (إن مصحف عثمان رضي الله عنه تغيب فلم يجد له خبرا بين الأشياخ).
2. وقال السمهودي: وليس معنا في أمر المصحف الموجود اليوم سوى مجرد احتمال، والله أعلم
3. وذكر ابن قتيبة أنه ورثه عنه ابنه خالد، وعن خالد أبناؤه، وقد درجوا، ونقل عن بعض المشايخ من أهل الشام إن ذلك المصحف الآن في أرض طوس.
4. وقال ابن كثير في الفضائل: (وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة)
5. وقال الدكتور صبحي الصالح: (ويميل بعض الباحثين إلى أن هذا المصحف أمسى زمنا ما في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينجراد، ثم نقل إلى إنجلترا، بينما يرى آخرون أن هذا المصحف بقي في مسجد دمشق حتى احترق فيه سنة 1310 ه).
ونقل ابن زبالة عن مالك بن أنس أن أول من أرسل بالمصاحف إلى أمهات القرى هو الحجاج بن يوسف

- تنكيس المصحف
ماهية التنكيس:
النكس قلب الشيء على رأسه
الآثار الواردة في تنكيس المصحف:
روي أنه قيل لابن مسعود: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا. قال: "ذلك منكوس القلب"
وقال ابن عمر عمن قرأ القرآن منكسا: "لو رآه السلطان لأدبه".

الأقوال في معنى تنكيس المصحف
:
القول الأول: أنه يبدأ الرجل من آخر السورة فيقرأها، وهو ترجيح الباقلاني.
ووجه الباقلاني قول ابن مسعود بقوله: ("ذلك منكوس القلب" إنما خرج على وجه الذم، ولا ذم لمن قرأ النحل ثم ثنى بالبقرة، ولا أدب إلا على من قرأ البقرة ثم ثنى بسورة الحجر)، ولاختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب السور.
ورده أبو عبيدة بقوله: (وهذا شيء ما أحسب أحدا يطيقه ولا كان هذا في زمن عبد الله. قال: ولا أعرفه).
القول الثاني: أن يبدأ بالمعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة، ذكره ابن منظور في اللسان، وهو ترجيح أبي عبيدة.
ووجه أبو عبيد هذا القول بقوله: (وإنما جاءت الرخصة في تعلم الصبي والعجمي المفصل لصعوبة السور الطوال عليهم).

- رسم المصحف الإمام وحكم الالتزام به
ماهية الرسم المقصود:
المراد به الوضع الذي ارتضاه عثمان رضي الله عنه في كتابة كلمات القرآن وحروفه، وهو الذي اتبعه زيد بن ثابت رضي الله عنه وصحبه.
المصنفات في رسم المصحف، على قسمين:
ضمنا: كما صنع ابن أبي داود في كتاب المصاحف.
واستقلالا، ومنه ما يلي:
" المقنع في رسم مصاحف الأمصار" لأبي عمرو الداني
"عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل" لأبي العباس المراكشي الشهير بابن البناء
نظم "اللؤلؤ المنظوم في ذكر جملة المرسوم" للشيخ محمد بن أحمد الشهير بالمتولي،
شرحه الأرجوزة السابقة للشيخ محمد خلف الحسيني شيخ المقارئ بالديار المصرية، وتذييل شرحها بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه في رسم القرآن"

قواعد رسم المصحف:
تنحصر في ست قواعد: الحذف والزيادة، والهمز والبدل، والوصل والفصل، وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما.

مذاهب العلماء في التزام رسم المصحف:
- وجوب التزام رسم المصحف الإمام:
هو إجماع علماء القرون الثلاثة المفضلة، ونقل الإجماع عليه أبو عمرو الداني في المقنع، وهو قول مالك والبيهقي في شعب الإيمان وابن الحاج في المدخل والونشريسي والهيتمي في التحفة، وهو المفتى به لدى فقهاء الحنفية.

- الترخيص بمخالفة رسم المصحف الإمام:
أول من صرح به القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الانتصار، ثم تابعه على ذلك طائفة من علماء الخلف كالعز بن عبد السلام، وابن خلدون، وأبي العباس ابن تيمية، والبدر الزركشي، والقاضي الشوكاني.

تفنيد الشبه التي تعلق بها مخالفو الجمهور

القائلين بالتفريق بين الأمهات من المصاحف، وبين المصاحف التي يتعلم بها الناس:
نسبه الشيخ محمد رشيد رضا إلى الإمام مالك، وذكره علم الدين السخاوي في شرحه لعقيلة الشاطبي.

التزام رسم المصحف هو مقتضى التحقيق:
جريا على القاعدة المعروفة من تقديم الحظر على الإباحة، وترجيح جانب درء المفاسد على جلب المصالح عند التعادل أو رجحان جانب المفسدة

- النقص في المصحف
النقص في المصحف على حالين: إما أن يكون متعمدا أو أن يكون غير متعمد.
- فإن كان متعمدا فقد كفر: كما حكى القاضي عياض في كتابه الشفا إجماع أهل العلم على ذلك.
- وإن كان غير متعمد: فلا يأثم كما صرح غير واحد من أهل العلم، ويتعين استدراك القدر الناقص وإصلاح الخلل الحادث إن كان ذلك ممكنا.
استشكال إسقاط ابن مسعود من مصحفه سورة الفاتحة والمعوذتين وجوابه:
- الآثار الواردة في ذلك.
- الأحاديث والآثار الواردة في ثبوت قرآنية المعوذتين.
- حكاية ابن كثير رجوع ابن مسعود عن القول بعدم قرآنية المعوذتين.
- توجيه العلماء لإسقاط ابن مسعود للمعوذتين على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه ظن أنهما من المعوذات فقط وليسا من القرآن، وهو قول ابن قتيبة.
الثاني: أنها أخبار آحاد لا تقوى على معارضة المتواتر ولا تقاوم بها قواطع الشرع وما انعقد عليه إجماع الأمة، وهو قول ابن الأنباري والقاضي الباقلاني وأبي عبد الله القرطبي والطحاوي وابن حزم في المحلى والقاضي عياض والفخر الرازي في تفسيره والنووي في مجموعه، ورده الحافظ في الفتح.
الثالث: لأنه أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه، نسبه الشيخ صالح الرشيد لبعض أهل العلم.

- إصلاح الخطأ في المصحف وتصويبه
أقوال أهل العلم في حكم إصلاح الخطأ في المصحف:
القول الأول: الوجوب مطلقا وإن لم يفعل مع القدرة كان آثما، وهو قول العبادي الشافعي، ونقله عنه وأقره الإسنوي، والزركشي وغيرهما من علماء الشافعية.
القول الثاني: من جعل لذلك قيودا، واعتبر له شروطا ككون خط المصوب مناسبا، وإذن مالك المصحف بذلك التصويب، وعدم كثرته كثرة تستتبع أجرة للمصوب لم يقل بها مالك المصحف سلفا، وهو قول جماعة منهم البدر بن جماعة، والسراح البلقينى، ومال ابن حجر الهيتمى إلى القول بتحريم التصويب إذا كان بخط سقيم يعيب المصحف وينقصه.

من اشترط لوجوب التصويب وإصلاح الخطأ في المصحف كون الخط مناسبا:
هو قول غير واحد من فقهاء الحنفية كما صرح به الحصكفى في الدر، وابن عابدين في حاشيته عليه، وهو ظاهر اختيار ابن وهبان في نظمه.

أسباب ترجيح القول الأول:
- كما تقرر في الأصول أن ارتكاب أخف المفسدتين لدرء أعظمها أمر متعين.
- ولما أخرجه الطبراني وغيره عن زيد بن ثابت رضى الله عنه في قصة كتابته للوحى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفيها {فإذا فرغت، قال: اقرأه، فاقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس}.
- تصريح الحنابلة بوجوب تصويب الخطأ واللحن في الفتاوى ورقاع المستفتين، فإصلاح الخطأ وتصويبه في المصحف واجب بطريق الأولى.

الحالات التي أوجب فيها بعض أهل العلم بوجوب إتلاف المصحف متى اقتضى إتلافها غرض صحيح تنتفي معه احتمالات العبث والاستخفاف:
- إذا كثر الغلط واللحن فيه، أو كان خطه رديئا يتعذر معه الانتفاع به أو يفضي إلى الوقوع في لبس على قارئه
- وما بلى من المصاحف واندرس وتعطل الانتفاع به.
- أو متى طرأ عليها خلل يتعلق بطهارتها، كما لو تنجست بما يتعذر معه تطهيرها
ودليلهم ما أخرجه أبو عبيد في كتابه فضائل القرآن عن مصعب بن سعد قال: " أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد"). وأخرج أبو عبيد أيضا وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة عن سالم بن عبد الله أنه: (لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة: ليرسلنها، فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان).

كيفية الإتلاف:
لأهل العلم في ذلك عدة أقوال: التحريق أو الغسل والدفن أو التمزيق، والأول جوزه جمهور أهل العلم، والثاني اختلفوا في هيئته، والأخير اختلفوا في جوازه، للآثار الواردة:
- أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن بسنده عن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يأمرون بورق المصحف، إذا بلى أن يدفن).
- وأخرج ابن أبى داود في المصاحف بسنده عن طلحة بن مصرف: (أن عثمان رضى الله عنه دفن المصاحف بين القبر والمنبر).
- وقد ذكر البخاري رحمة الله أن الصحابة حرقت المصاحف بالحاء المهملة.
كيفية الجمع بين روايتي الإحراق والدفن:
قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر الروايات المتعارضة في مسألة إتلاف مروان للصحف التي كانت عند حفصة رضى الله عنها: (ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق ثم غسل ثم تحريق، ويحتمل أن يكون بالخاء أن يكون بالخاء المعجمة فيكون مزقها، ثم غسلها.. والله أعلم)

- عرض المصحف ومراجعته
عرض المصاحف إذا كتبت والآثار في ذلك:
- أخرج ابن أبي داود عن عمر قال: سمعت الأوزاعيّ يحدّث قال: (كان يحيى بن أبي كثيرٍ يصلح المصاحف على قرّائه...)
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي إدريس الخولانيّ، أنّ أبا الدّرداء: (ركب إلى المدينة في نفرٍ من أهل دمشق ومعهم المصحف الّذي جاء به أهل دمشق ليعرضوه...)
- وأخرج ابن أبي داود عن سفيان: (كان زبيدٌ إذا حضر شهر رمضان عرض القرآن فاجتمعوا إليه بالمصاحف)
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي النضرة: (أتينا عمرو بن العاص ليعرض مصحفه على مصاحفنا يوم الجمعة فلما حضرت الجمعة أمر لنا بماء فاغتسلنا ثم تطيبنا ورحنا)
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي ظبيان: (كنّا نعرض المصاحف عند علقمة)
- وأخرج ابن أبي داود عن موسى بن نافع: (دخلت على سعيد بن جبيرٍ وبين يديه مصحفٌ قد عرضه فقال: إن كنت مشتريا مصحفا فاشتراه فإن أهله قد احتاجوا إلى بيعه)
- وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن عن الحكم بن عتيبة: كان مجاهد وعبدة بن أبي أمامة وناس يعرضون المصاحف فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا فيه أرسلوا إلي وإلى سلمة فقالوا: إنا كنا نعرض المصاحف فلما أردنا أن نختم أحببنا أن تشهدوا، لأنه كان يقال: إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته، أو حضرت الرحمة عند خاتمته.

كراهة أخذ الأجرة على عرض المصاحف:
- أخرج ابن أبي داود عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم النخعي: (أنّه كره أن يأخذ على عرض المصاحف أجرًا)
- أخرج ابن أبي داود عن عطية بن قيس: (انطلق ركبٌ من أهل الشّام إلى المدينة يكتبون مصحفًا لهم...)

عدم وجود اللحن في المصحف الإمام:
- نفى غير واحد من أهل العلم الغلط في المصحف الإمام وبين ذلك ابن تيمية، لعدم ثبوت هذه الآثار ولا يصح منها شيء عند المحققين، كما ذكر ابن قتيبة في مشكل القرآن، وابن الأنباري في كتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان “، وأبى بكر الباقلاني في الانتصار لنقل القرآن، وأبى عمرو الداني في المقنع، والسيوطي في الإتقان.
- توجيه ما ذكر أنه لحن في القرآن كقوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ}، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ}، وقوله سبحانه: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ}.

- تجزئة المصحف
- أجزاء المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: ماهية هذه الأجزاء، فيطلق لفظ أجزاء المصحف ويراد به أحد أمرين:
الأمر الأول: ما جرت عليه عادة كثير من نساخ الكتاب العزيز من وضع رموز خاصة في حاشية المصحف تشير إلى أجزاء المصحف الثلاثين التي اشتهرت قسمة الكتاب العزيز إليها، غير أنهم يكتبون ذلك في حاشيته بخط مخالف لخطه، ومداد مخالف لمداده.
الأمر الثاني: الذي تناوله لفظ أجزاء المصحف ويدخل في ماهيته أن المراد بأجزاء المصحف تفريقه في كراريس بعدد أجزائه الثلاثين، بحيث تطبع مستقلة تيسيرا على صغار التلاميذ كما هو شائع في المدارس والكتاتيب، وقد تكون هذه الأجزاء أسداسا أو أسباعا.

الثانية: حكم هذه التجزئة عند الفقهاء
، على قولين:
القول الأول: الكراهة، وهو قول الإمام مالك لكونه محدثا، وروى أبو عبيد عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان الأوراد، وأخرج ابن أبي داود عن الضحاك: (كان يكره الكراريس يعني المصاحف تكتب فيها).
القول الثاني: الجواز، وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها ابنه صالح، وقول طائفة من متأخري أهل العلم، وتوجيهه كون ذلك ضربا من تجويدها ومعينا على سرعة الحفظ وتيسيرا على من رام التلاوة فيها.

- أهم الكتب التي ذكرت تقسيم المصحف:
كتاب المصاحف لابن أبى دواد، وكتاب بصائر ذوي التميز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز ابادى، والبرهان للزركشي.

- تقسيم أجزاء المصحف: ذكر الشيخ صالح الرشيد تقسيمات المصحف، ومنها:
تقسيم كتاب المصاحف القرآن إلى ثلاثين جزءا، وقسموا الجزء إلى حزبين، وقسموا الحزب إلى أربعة أرباع، وقسموا الربع إلى ثمنين.
وذكر المتقدمون تقسيم القرآن إلى نصفين، وأربعة أرباع، وخمسة أخماس، وستة أسداس، وسبعة أسباع، وثمانية أثمان، وتسعة أتساع، وعشرة أعشار.
أسباع القرآن: ويراد به تجزئة القرآن وتقسيمه إلى سبعة أقسام مع تحديد بداية كل سبع ونهايته بذكر السورة والآية والكلمة والحرف أحيانا، وقد يكون هذا التقسيم داخل مصحف واحد وفى ختمة واحده، وقد يكون كل سبع مستقلا بجزء مفرد تسهيلا لحمله وتيسيرا على الصغار خاصة.
تحزيب المصحف: هو تقسيم القرآن إلى طوائف متقاربة ومقادير متماثلة، وأن تحديد تلك الطوائف والمقادير التي يصدق على كل واحد منها لفظة " حزب " تختلف بين السلف والخلف، وأن معنى الحزب في المصحف هو ما اصطلح عليه نساخ المصاحف الستين الأمر الذي يعنى أنهم قد قسموا المصحف الكامل إلى ستين حزبا.
تخميس المصحف: هو ما يجعله كتاب المصاحف من كلمة خمس أو رأس " الخاء " حرفها الأول عند نهاية كل خمس آيات.
أثر إنزال القرآن خمسا خمسا:
أخرج ابن أبى شيبة في مصنفه عن أبى العالية قال (تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذه خمسا خمسا)، وأخرجه البيهقي عن خالد بن دينار.
أما أثر علي: أنزل القرآن خمسا خمسا، ومن حفظه هكذا لم ينسه، قال الذهبي في الميزان: موضوع.

تعشير المصحف، وفيه مسألتين:
الأولى: ماهية التعشير.
التعشير جمع العواشر في المصحف وهو كتابة العلامة عند منتهى عشر آيات، وهذه العلامة عبارة عن كلمة "عشر"، أو رأس "العين" حرفها الأول عند نهاية كل عشر آيات من السورة، ذكره العيني في البناية على الهداية.

والثانية: تاريخ التخميس والتعشير، حكى القرطبي ثلاثة أقوال في ذلك:
الأول: أن المأمون العباسي أمر بذلك، نقله عن ابن عطية.
الثاني: أن الحجاج فعل ذلك، نقله عن ابن عطية.
الثالث: أنه من عمل الصحابة، نقله عن الداني.

- أبعاض المصحف
أن لأبعاض المصحف حكم المصحف الكامل هو قول جمهور أهل العلم
فرق جمع من فقهاء المالكية بين أجزاء المصحف وجملته في باب التعليم فسهل للمعلم والمتعلم مس ما دون الكامل حال الحدث.
رخص بعض فقهاء الحنابلة منهم القاضي أبى يعلى في مس بعض المصحف دون جملته حال الحدث في حق الصغار خاصة دفعا للحرج عنهم وعن أوليائهم في مقام التعليم دون غيره

- حكم تزيين المصاحف
القائلين بجواز التحلية وحجتهم:
روى ابن أبي داود في المصاحف عن عبد اللّه، أنّه كان يسأل عن حلية المصاحف، فيقول: (لا أعلم به بأسًا، وكان يحبّ أن يزيّن المصحف، ويجاد علاقته وصنعته وكلّ شيءٍ من أمره)
وروى أَبُو عُبَيْدٍ في فضائل القرآن عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بأن يزين المصحف ويحلى
وروى ابن الضريس في فضائل القرآن عن حبيب: (رأيت على مصحف ابن عباس مسامير فضة)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد، قال: أتيت عبد الرّحمن بن أبي ليلى بتبرٍ فقال: هل عسيت أن تحلّي به مصحفًا
ونقل الزركشي أن البيهقي روى عن مالك بن أبي عامر الأصبحي: (حدثني أبي عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان وأنهم فضضوا المصاحف على هذا)
وأخرج البيهقي عن الوليد بن مسلم {سألت مالكا عن تفيفض المصاحف فأخرج إلينا مصحفا فقال: حدثني أبى عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان وأنهم فضضوا المصاحف}
وقال الزركشي والسيوطي: (ويجوز تحليته بالفضة إكراماً له على الصحيح وأما بالذهب فالأصح جوازه للمرأة دون الرجل. وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصل عنه والأظهر التسوية).
الحجة العقلية للجواز: ذكر الشيخ صالح الرشيد أن في تحلية المصحف تعظيما له وتكريما.

المانعين من تحلية المصاحف، وحجتهم:
ورد في الأثر (إذا حلّيتم مصاحفكم وزوّقتم مساجدكم فالدّبار عليكم) -مع اختلاف الألفاظ- عن جمع من الصحابة كأبي الدرداء وأبى ذر وأبى بن كعب وأبى هريرة وفيه الوعيد الشديد على تحلية المصاحف وزخرفتها، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي داود وأَبُو عُبَيْد وعبد الرزاق والفِرْيابِيُّ وأبو الفضلِ الرازيُّ فضائل القرآن وتلاوته وسعيد بنُ منصور.
وأخرج أَبُو عُبَيْد وابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي داود عن ابن عباس: (رأى مصحفًا يحلّى فقال: تغرون به السّرّاق، زينته في جوفه)
وأخرج أَبُو عُبَيْدٍ في فضائل القرآن وسعيدُ بنُ منصورٍ وابن أبي شيبة في مصنفه وابن الضريس في فضائل القرآن والفِرْيابِيُّ وابن أبي داود عن عبد الله بن مسعود: (إنّ أحسن ما زيّن به المصحف تلاوته في الحقّ).
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي أمامه: (كره أن يحلّى المصحف)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن إبراهيم النخعي: (كره أن يحلّى المصحف)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي رزين: (...لا تزيدنّ فيه شيئًا من أمر الدّنيا قلّ، ولا كثر).
وروى ابن أبي داود عن برد بن سنان: (ما أساءت أمّةٌ العمل إلّا زيّنت مصاحفها ومساجدها).
وأخرج ابن ماجة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم"

الحجج العقلية للمنع:
إن تحلية المصاحف تتضيع للمال بدون غرض
أنا لا نسلم بأن في تحليتها تعظيما وإكراما لها إذ لو كان الأمر كذلك لجاء الشرع بمثله
أن أقل أحوال المنقول أن يكون قولا لصحابي في أمر ديني، وهو يأخذ حكم المرفوع
عدم المعارضة بقول ابن مسعود بنفي البأس، فلعله رجع عنه ووافق جملة القائلين بالمنع.
التغليب لجانب الحظر:
لكون التحلية من زينة الدنيا فتصان عنا المصاحف قياس على المساجد
ولكون زخرفتها ضربا من التشبه باليهود والنصارى وقد أمرنا بمخالفتهم

اختلاف أهل العلم في تحلية المصاحف بالنقدين على خمسة أقوال:
القول الأول: التحريم استعمال النقدين في تحلية المصحف، وهو قول ابن الزاغوني، وذكره في المهذب وعده في المجموع الأصح، وذكره وجها في الروضة، ونقل التحريم عن نصه في سير الواقدي، وهو الذي جزم به ابن قدامة في المغني، وذكره في الآداب قولا لأصحاب أحمد، وعبر عنه بقيل إشارة إلى تضعيفه، وذكر في الفروع نحوا منه وعزاه إلى الموفق وغيره، وهو مقتضى الوعيد الذي انطوت عليه الآثار السالف ذكرها عن أبى الدرداء وأبى بن كعب وأبى هريرة وأبى ذر وعمر رضى الله عنهم.
ونسبه الشيخ صالح الرشيد للجمهور ووجهه بقوله: (لأن التذهيب لو كان مشروعا لفعلته الصحابة في المصحف الإمام، ثم إن التذهيب من زينة الدنيا وما هذا سبيله تتعين صيانته المصحف عنه كالمسجد)
القول الثاني: الكراهة، وهو مقتضى المروي عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهما، وهو محكي عن أبى أمامه، وإبراهيم النخعي وأبى يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبى حنيفة، ورواية ثانية عن الإمام مالك وهي في مقابل المشهور عنه وهو وجه عند الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، وجزم في الإقناع وشرحه بالكراهة، وذكره البهوتي في الكشاف وجزم به في شرح المنتهى.
القول الثالث: جواز التحلية إذا كانت من الفضة، وهو مذهب المالكية، وقول مرجوح عند الشافعية، والحنابلة، والحنفية.
القول الرابع: الجواز لمصاحف النساء دون الرجال، وهو قول بعض الشافعية وبعض الحنابلة، واعتبره النووي في الروضة أصح الأوجه عند الأكثرين، وجزم به الأنصاري في أسنى المطالب، وذكره الزركشي والعبادي، وجزم الهيتمي في التحفة، وضعفه ابن قدامة في المغني.
القول الخامس: جواز تحلية المصاحف مطلقا، وهو قول جمهور الحنفية واختيار أبى حنيفة، وأحد قولي محمد على ما ذكره قاضى خان، وحكاه الكاساني وابن البزاز رواية عن أبى يوسف، وهو الذي جزم به ابن الهمام، والعيني، والحصفكى لما فيه من تعظيمه، وذكر الونشريسى أنه المشهور من مذهب مالك، وجزم به ابن جزى في قوانينه، وعده الخرشي المشهور في المذهب إذا كان على جلده الخارجي، ومال إلى جوازه من الداخل أيضا دون تجزئته وتعشيره فيكره، وجوزه البرزلي على ما ذكره العدوى، وجزم به الخرشى، وحكى الزرقانى الجواز في المصحف خاصة، وهو الذى اختاره خليل، وصرح به شراحه كالحطاب في المواهب، وصاحب الجواهر، وذكره الدردير في الشرح الصغير، وتابعه الصاوي في حاشيته عليه، وجوز النفراوي تحلية المصحف من الخارج بالنقدين، وكرهها من الداخل، وكذا كره كتابته وتعشيره بهما، وذكر في الروضة الحل مطلقا وجها عند الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد على ما ذكره ابن مفلح في آدابه وفروعه.

تمويه المصاحف بالنقدين، فيه قولين:
القول الأول: المنع، وهو قول جمهور أهل العلم، وقيده العبادي في حق الرجل بما إذا كان يحصل منه شيء بالعرض على النار.
القول الثاني: الجواز، وهو قول الحنفية، وبعض الشافعية.

كتابة المصحف بالذهب
، لأهل العلم فيه قولين:
القول الأول: الكراهة، لما رواه أَبُو عُبَيْد في فضائل القرآن وسعيدُ بنُ منصور وابن أبي داود عن إبراهيم النخعي: (...وكان يكره أن يكتب بالذهب...)، وحكاه الطرطوشي في الحوادث عن الإمام مالك، وهو الذي صرح به جمهور فقهاء المالكية خلافا للبرزلي، وصرح ابن الزغواني أن قول الحنابلة هو التحريم.
القول الثاني:الجواز، ذكر السيوطي عن الغزالي استحسانه.

زكاة حلية المصاحف، لأهل العلم فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: الوجوب وهو مذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة، وبه جزم ابن حزم في المحلى.
القول الثاني: أنها غير واجبة، وهو مذهب المالكية وبه أفتى الغزالي من الشافعية.
القول الثالث: التفريق بين ما تباح تحليته وبين ما تحرم، فأوجبوا الزكاة في الثاني دون الأول، وهو اختيار ابن جزى المالكي.

التقويم: أ+
بارك الله فيكم، وشكر لكم مجهودكم في هذه الفهرسة.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
موضوع, نشر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir