فهرسة القسم الرابع من مسائل أحكام المصاحف
وضع المصحف على الأرض:
حكم وضع المصحف على الأرض إهمالا:
أولا : أجمع أهل العلم على تحريم ترك المصحف على الأرض على سبيل الإهمال له.
- صرح بعضهم بكفر من فعل ذلك استخفافا.
- قال العدوي الخرشي: (ومما يرتد به وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف).
ثانيا : وضع المصحف على الأرض دون حائل لا على سبيل الإهمال:
- اختلف أهل العلم فيه على أربعة أقوال:
القول الأول: تحريم ذلك.
- قاله القرطبي في تذكاره , والهيتمي في الفتاوى الحديثية , وهو قول الشيخ عليش .
قال : قول الفقهاء وضع المصحف على الأرض الطاهره استخفافا به ردة . فعلم منه أن وضعه عليها بلا استخفاف ممنوع.
- جزم الهيتمي في تحفة المحتاج بحرمة ترك رفعه عن الأرض، قال: (وينبغي أن لا يجعله في شق، لأنه قد يسقط فيمتهن).
- احتجوا بما ورد من النهي عن الكتابة على الأرض أو الحيطان:
*قال عمر بن عبد العزيز : "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في الأرض، فقال لشاب من هذيل: "ما هذا؟" قال: من كتاب كتبه يهودي.قال: " لعن الله من فعل هذا، لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه". قال محمد بن الزبير: ".
تخريج الحديث:
رواه أبو داود السجستاني عن عبد اللّه عن أبي الطّاهرعن ابن وهبٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن محمّد بن الزّبير عنه.
*قال محمد بن الزبير: رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه".
- عللوا ذلك لما في وضعه على الأرض من الامتهان وإن لم يكن امتهانه مقصود.
القول الثاني: الكراهة.
القول الثالث: الإباحة لحاجة كالقراءة منه مثلا.
- صرح به ابن مفلح في الآداب الشرعية، وابن عبد الهادي في مغني ذوي الأفهام , وقاله الشرواني
- قال الشروانى فى حاشيته على التحفة الشبراملسى فى أنه لا يحرم وضع المصحف على الأرض حال القراءة فيه.
القول الرابع : الإباحة.
- جزم به غير واحد من الحنابلة بإباحة ترك المصحف على الأرض بغير قصد الاستخفاف.
حكم ترك المصحف على الأرض:
القول الأول: المنع مطلقا .
- صرح بعضهم بوجوب رفع نحو ورقة عليها بسم الله عن مكان الامتهان.
- جزم صاحب التحفة بحرمة ترك رفع المصحف من على الأرض.
حكم رمي المصحف على الأرض:
أولا : أجمع أهل العلم على تحريم رمي المصحف على الأرض استخفافا وامتهانا.
- صرح بعضهم بردة من فعل ذلك .
ثانيا: حكم رمي المصحف على الأرض دون قصد الاستخفاف :
اختف العلماء فيمن فعل ذلك على اقوال:
القول الأول: الكراهة التحريمية , وهو قول القرطبي , وابن مفلح , والبهوتي وإسحاق بن إبراهيم , وهو قول الأكثر.
عللوه بأمور :
- منافاة هذا الفعل ما تقتضيه حرمة المصحف.
- رميه على الأرض يتضمن امتهانه.
- رميه مشعر بعدم التعظيم اللازم للمصحف.
- قال القرطبي: (من حرمته ألا يرمي به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله إياه).
- ألحق ابن مفلح هذه المسالة بمسالة توسد المصحف.
القول الثاني: يفرق بين أمرين:
1- رمي دعت الحاجة إليه كبعد الرامي عن الأرض كما لو كان على سلم مثلا:
حكمه : الكراهة.
- احتجوا بإلقاء موسى عليه السلام بالألواح لما ناله من الغم بسبب اتخاذ قومه من بعده العجل إلها.
- جاء في حاشية على تحفة المحتاج : (وقع السؤال على الفقيه مثلا يضرب الأولاد الذين يتعلمون منه بألواحهم هل ذلك كفر أم لا؟ وإن رماهم بألواح من بعد؟فيه نظر، والجواب عنه أن الظاهر الثاني، لأن الظاهر من حاله أنه لا يريد الاستخفاف بالقرآن.. نعم ينبغي حرمته لإشعاره بعدم التعظيم، كما قالوه فيما لو روح بالكراسة على وجهه).
2- رمي لم تدع الحاجة إليه وكان الكسل أو التساهل هو الحامل عليه.
حكمه : التحريم.
مدّ الرجل إلى جهة المصحف:
أولا: حكم مدّ الرجل إلى جهة المصحف استخفافا وامتهانا:
- أجمع العلماء على تحريم ذلك وكفر فاعله إن قصد امتهان المصحف.
ثانيا : حكم مدّ الرجل إلى جهة المصحف بغير قصد الاستخفاف:
اختلف أهل العلم على ثلاثة اقوال:
القول الأول: التحريم، وهو اختيار الزركشي الشافعي، واستقربه ابن مفلح الحنبلي، وهو ظاهر كلام فقهاء الحنفية.
- قال الزركشي في البرهان: (ويحرم مد الرجلين إلى شيء من القرآن أو كتب العلم، وعلله بأن فيه إذلالا وامتهانا للمصحف.
- فرق فقهاء الأحناف بين ما كان مسامتا للمصحف وبين ما كان منخفضا عنه لانتفاء حصول الامتهان عن الحالة الثانية.
- قال ابن البزاز الحنفي: (ومد الرجل إلى المصحف لو لم يكن بحذاء الرجل لا يكره، وكذا لو معلقا من وتد ومد إلى الأسفل لأنه على العلو فلم يحاذه).
القول الثاني: الكراهة .
- قال ابن الهمام في الفتح: (قالوا يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة).
القول الثالث: ترك ذلك أولى , ذكره ابن مفلح في الفروع ومن تابعه.
- قال ابن مفلح: (ولم يذكر أصحابنا مد الرجلين إلى جهة ذلك وتركه أولى، وكرهه الحنفية).
توسد المصحف:
معنى التوسد لغة :
- قال ابن الأثير في النهاية: ("وسد" الوساد والوسادة: المخدة. والجمع وسائد، وقد وسدته الشيء فتوسده إذا جعلته تحت رأسه، فكنى بالوساد عن النوم لأنه مظنته).
المراد بتوسد القرآن:
حمل العلماء التوسد على أمرين:
الأول: النوم عنه والغفلة عن تدبر معانيه.
الثاني: توسده بجعله تحت الرأس عند النوم، أو تحت الوساد .
حكم توسد المصحف:
أولا: توسد القرآن على وجه الامتهان:
أجمع العلماء على حرمة ذلك.
صرح بعضهم بأن من قصد ذلك كفر, واستدلوا بقوله تعالى: {ولإن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
ثانيا : إذا انتفى عن التوسد قصد الامتهان والابتذال.
اتفق العلماء على أن توسد المصحف خلاف الأولى , واختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال :
القول الأول : التحريم .
استدلوا بما رواه المهاجر بن حبيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتقنوه وتغنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون").
تخريج الحديث:
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، والبخاري في التاريخ الكبير، والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، والديلمي في الفردوس، وابن كثير في فضائل القرآن، والتبريزي في المشكاة.
وعللوا ذلك بأمور:
- إن صورة الامتهان في التوسد حاصلة، ومعرفة نية الفاعل متعذرة.
- القول بالتحريم يحسم مادة الامتهان ويسد الذرائع لابتذال المصحف.
استثنى اصحاب هذا القول ما وقع لضرورة كالخوف عليه من الغرق أو الخوف من وقوعه بيد كافر أو نجس, بل قد يصبح عند الضرورة واجبا.
قاله جمع من أهل العلم كالنووي، والزركشي، والأنصاري، والهيتمي من الشافعية، وهو وجه عند الحنابلة .
قال النووى: (ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم...).
قال الزركشي :(ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم لأن فيه إذلالا وامتهانا).
القول الثاني: الكراهة مطلقا , واستثنوا ما كان لحفظه.
إلا ما كان بقصد حفظ القرآن من سارق ونحوه .
وهو قول جماعة من أهل العلم كإبراهيم النخعي، والإمام أحمد بن حنبل، وجماعة من أصحابه كالقاضي أبي يعلى، وأبي الوفاء بن عقيل وابن مفلح.
وهو اختيار طائفة من فقهاء الحنفية كقاضي خان، وابن البزاز، وجزم به في الفتاوى الهندية، والحصكفي في الدر، وابن نجيم في الأشباه، والحموي في شرحها، وصرح به ابن عابدين في حاشيته، وهو مقتضى كلام القرطبي في تفسيره وتذكاره.
- الظاهر أن القول بكراهة توسد المصحف هذا إنما يراد به الكراهة التحريمية، وهو الذي جرى عليه فقهاء الحنفية في كل ما كان النهي فيه بحجة ظنية.
القول الثالث: الإباحة إذا دعت الحاجة إليه.
عللوا ذلك بأمور:
- استنادا إلى البراءة الأصلية.
- لو كان التوسد محظورا لبينه صاحب الشرع في حينه إذ أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
- التحريم والكراهة أحكام شرعية تحتاج في إثباتها إلى أدلة ناقلة عن البراءة الأصلية، ولا وجود لمثل هذه الأدلة.
الاتكاء على المصحف:
- قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ: صرح غير واحد من أهل العلم بحرمة الإتكاء على المصحف , لكون ذلك امتهانا وقلة احترام له.
- نص عليه القرطبى فى تفسيره وتذكاره وحكاه غير واحد من أصحابنا الحنابلة عن ابن عبد القوى .
- قال ابن مفلح فى الآداب الشرعية : ( قال ابن عبد القوى فى كتابه مجمع البحرين : أنه يحرم الإتكاء على المصحف , وعلى كتب الحديث , وما فيه شئ من القرآن , اتفاقا ).
- جزم به البهوتى فى غير موضع من كتبه .
الجلوس على المصحف أو على شيء فيه مصحف:
أولا: حكم الجلوس على المصحف مباشرة:
- أجمع أهل العلم على تحريمه إذا كان على وجه الابتذال .
- وأجمعوا على كفر من فعله استخفافا.
ثانيا: حكم الجلوس على شيء فيه مصحف كصندوق مثلا:
اختلف العلماء فيه:
القول الأول: الإباحة لأن الحاجة قد تدعوا إليه.
جاء في الفتاوى البزازية: (وضع القرطاس الذي عليه اسم الله تعالى تحت الطنفسة لا بأس به، لأنه يجوز النوم والقعود على سطح بيت فيه المصاحف. وقال القاضي: ويكره إلا في موضع وهو الركوب على جوالق فيه مصحف للضرورة، والأول أوسع).
القول الثاني: التحريم إن كان على وجه الإزدراء , فجعلوه مناطا للحكم.
- قال الشرواني : (فائدة وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لا على الخرج مثلا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعا عليه حرم، وإلا فلا، فتنبه له فإنه يقع كثيرا).
استدبار المصحف:
حكم استدبار المصحف:
القول الأول : الكراهة قياسا على القول بكراهة مد الرجلين إليه , وقياسا على القول بكراهة استدبار القبلة.
- قال ابن مفلح : ( قد كره أحمد إسناد الظهر إلى القبلة , فهنا أولى ).
- قال الهيتمى الشافعى : ( والأولى أن لا يستدبره , ولا يتخطاه , ولا يرميه بالأرض بالوضع , ولا حاجة تدعو لذلك , بل لو قيل بكراهة الأخير لم يبعد )
القول الثاني : إن كان على وجه الازدراء حرم , بل قد يكفر فاعله.
- قال العبادى الشافعى فى حاشيته على تحفة المحتاج : ( " تنبيه " ظاهر كلامهم عدم حرمة استقبال المصحف أو استدباره ببول أو غائط , وإن كان أعظم حرمة من القبلة , وقد يوجه بأنه يثبت للمفضول ما لا يثبت للفاضل , نعم قد يستقبله أو يستدبره على وجه يعد ازدراء فيحرم بل قد يكفر به ).
وضع المصحف مع النعال:
حكم وضع المصحف على النعال مباشرة:
- أجمع العلماء على منع مباشرة النعال للمصحف.
- ىصرح بعض الشافعية بأنه لا يجوز وضع المصحف على نعل نظيف لم يلبس لأن به نوع استهانة وقلة احترام.
- صرح العدوى على الخرشى بحرمة وضع المصحف على خف أو نعل ولو تحققت طهارتهما لحرمة القرآن .
حكم وضع المصحف مع النعال وبينهما حائل غير مباشر ولا ملاصق فوق المصحف وتحت النعال:
- قال العبادى الشافعى فى حاشيته على التحفة [ " مسألة " وقع السؤال عن خزانتين من خشب إحاهما فوق الأخرى كما فى خزائن مجاورى الجامع الأزهر وضع المصحف فى السفلى فهل يجوز وضع النعال ونحوها فى العليا فأجاب م ر بالجواز لأن ذلك لا يعد إخلالا بحرمة المصحف , قال بل يجوز فى الخزانة الواحدة أن يوضع المصحف فى رفها الأسفل ونحو النعال فى رف آخر فوقه ].
حكم وضع المصحف مع النعال وبينهما حائل مباشر وملاصق فوق النعال وتحت المصحف :
- قال الشبراملسى فى حاشيته على النهاية : [ قلت : وينبغى أن مثل ذلك فى الجواز ما لو وضع النعل فى الخزانة وفوقه حائل كفروة ثم وضع عليه النعل فوقه فمحل نظر , ولا يبعد الحرمة لأن ذلك يعد إهانة للمصحف ].
الآداب مع المصاحف:
- قال الضحاك: لا تتخذوا للحديث كراسي ككراسي المصاحف.
- أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان أنه كره أن تعلق المصاحف.
- قالَ السيوطيُّ :يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي .
- قال الهيثمي: (والأولى أن لا يستدبره ولا يتخطاه .
- جاء فى الفتاوى الهندية ما نصه [وينبغى للمتعلم أن يوقر العلم ولا ينبغى أن يضع الكتاب على التراب ].