الملف الثاني
آداب الدعوة
1- من آداب الداعية في نفسه: أن يكون ممتثلاً ما يدعو إليه، ملتزماً تقوى الله تعالى ظاهراً وباطناً، متحلياً بمكارم الأخلاق مجتنباً مساوءها، فإن وقع في شيء من المعاصي والتقصير بادر إلى التوبة والاستغفار وإتباع السيئة الحسنة فإنها تمحوها، فالداعية ليس بمعصوم بل قد يقع في الذنوب والمعاصي، لكن يجب عليه أن يتوب إلى الله إذا وقع في شيء من تلك المعاصي حتى لو كانت كبيرة من الكبائر، فالتوبة تجب ما قبلها، والله تعالى يفرح بتوبة عبده، {والله يحب التوابين}، فلا يمنعنه وقوعه في الذنب من مواصلة الدعوة.
2- ومن آداب الداعية في دعوته: أن يبدأ بالأهم، وأن يحدث الناس بما يناسب أفهامهم، ويستعملَ الحكمة في جميع أموره فيلين في موضع اللين، ويغلظ حين يحسن أن يغلظ، وإذا وعظ أحسن الموعظة واقتصد فيها فلا يكثر فيملهم ولا يجفو فيطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا) متفق عليه.
- الدعوة لها مراتب لكل حال مرتبة تناسبها كما تدل على ذلك أدلة الشريعة، ولا يقتضي أن تكون على التدرج مطلقاً ، بل قد يقدم تلك المراتب على بعض لمصلحة شرعية تقتضيه ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فبدأ بالإنكار باليد وذلك حين يكون للإنسان ولاية أو وجاهة تخوله الإنكار باليد ولم يخش فتنة أكبر
أحياناً يناسب أن يكون بالغلظة والشدة بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وإن كان الغالب أن الرفق مقدم على الشدة، وهذا أصل أن الرفق مقدم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه). رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.
أ) أحوال جواز الإغلاظ في الدعوة:
1) عامة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة في الإنكار تجده لبيان مراعاة حد من حدود الله ، وحرمة من حرماته ليزجر المدعو عن ذلك ويبين له عظم شان تلك القضية، كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر في قصة صحيفة أهل الكتاب ، وكما أنكر على أسامة بن زيد في شفاعته في حد من حدود الله ، وكما أنكر عليه أيضاً قتله من قال لا إله إلا الله في المعركة حتى تمنى أسامة أنه لم يسلم إلا ذلك اليوم .
2) للكفار والمنافقين كما قال الله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}
وهؤلاء إنما شرع الإغلاظ في حقهم لبغيهم طغيانهم ومشاقتهم لله ولرسوله، وإلا لو أنهم استجابوا لله ورسول لما جاز الإغلاظ عليهم كما قال الله تعالى في المنافقين: { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً، ولهديناهم صراطاً مستقيماً }
ب) أحوال لا يجوز فيها الإغلاظ بالدعوة:
لا يجوز أن يفضيَ به الإغلاظُ إلى السب والشتم وقولِ ما لا يجوز قوله، ولا يجوز له أن يكون قصده الإضرار بالمنكر عليه، لأن الأصل في الإغلاظ أنه متضمن لمعنى الرحمة لأن سببه و الداعي له نصحُ المنكر عليه وزجرُه عما يضرُّه في دينه.
أنواع الدعوة
1) دعوة الكافر إلى الإسلام، 2) ودعوة المسلم إلى مزيد من الهداية، 3) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 4) وتعليم العلم الشرعي، 5)والنصيحة لكل مسلم.
وسائل الدعوة
1) أن يتمثل الداعية ما يدعو إليه فيكونَ إماماً يؤتم به ويقتدى به في الخير.
2) إلقاء الخطب والدروس والمواعظ وكتابة المقالات والرسائل وتأليف الكتب النافعة واستخدام تقنيات العصر في الدعوة إلى الله كالإذاعات والفضائيات ومواقع الانترنت وغيرها.
حكم الدعوة
وأما حكم الدعوة إلى الله تعالى فهو فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين لقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
مواضع تجب فيها الدعوة:
1) فمن رأى منكراً وجب عليه تغييره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه.
2) ومن سئل عن علم وجب عليه بيانه وحرم عليه كتمانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) رواه أبو داوود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3) ومن استنصحه أخوه المسلم وجبت عليه نصيحته.
4) وكذلك إذا دعت الحاجة إلى البيان لم يجز تأخيره.
وما هو القدر الذي إذا أداه العبد يكون داعياً إلى الله ؟
- الجواب: إذا قام بالقدر الواجب من الدعوة فهو من الدعاة إلى الله؛ وكلما ازداد تقرباً إلى الله تعالى بالدعوة إليه زاد نصيبه من فضل الله والزلفى لديه، ومن وقع في شيء من التقصير فيما وجب عليه من الدعوة فتاب وأناب وأتبع السيئة الحسنة فهو من الدعاة إلى الله.
مقاصد الدعوة
المقصد الأول: إقامة حجة الله تعالى على خلقه كما قال الله تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
المقصد الثاني: براءة ذمة الداعية والإعذار إلى الله بامتثاله أمر الدعوة وقيامه بما وجب عليه كما دل عليه قوله تعالى: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}.
فقدموا المقصد الأول وهو الإعذار إلى الله تعالى، وبراءة ذمتهم.
المقصد الثالث: رجاء أن ينتفع المدعو بالدعوة فيستجيبَ لما ينجيه من العذاب ويوفق بسببه لنيل الثواب كما دل عليه قوله تعالى في الآية السابقة: {ولعلهم يتقون} ولعل حرف ترجي، والتقوى تكون بامتثال الأمر واجتناب ما نهي عنه.
فائدة فقه مقاصد الدعوة: يفيد في الحكم على وسائل الدعوة المعاصرة فما كان منها يحقق هذه المقاصد فهو من الوسائل المشروعة، وكل وسيلة تتضمن محذوراً في نفسها أو يترتب عليها مفسدة أعظم فإنها لا تحقق مقاصد الدعوة.
(فريق المعالي)