إعراب (إن هذان لساحران) طه 63
القراءات في إن:
اختلف القراء في تشديد (إن) وتخفيفها
فخففها ابن كثير وحفص فسلما من مخالفة المصحف ,
وقرأ باقي القراء( نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي )بالتشديد: في إنَّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف خلافا للعربية
وقرأ أبو عمرو وحده خروجا من الخلاف : "إن هذين لساحران وكتب " هذان" فخالف بقراءته رسم المصحف ووافق به العربية "
*وإنما وقع الخلاف في قراءة الجمهور لمخالفتها العربية ووقد توسع النحاة في تأويل ذلك كما سيأتي تفصيله
-وقد ذكرت في الآية قراءات أخرى : فقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران , وقرأ ابن مسعود: أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى
وكذلك قرأت :"إن ذان لساحران"، -"ما هذان إلا ساحران"،-"إن هذانَّ" بتشديد النون من "هذان"
تحرير الأقوال في إعراب "إن هذان لساحران":
فقد اختلفت الأفوال في توجيه تشديد إن في (إن هذان لساحران) كالتالي :
1-قال أهل البصرة أن مخففة في معنى الثقيلة تفيد التوكيد وهي لغة قوم يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي في معنى ما , واللام للابتداء ووقوعها في الخبر جائز مثال(إن زيد لمنطلق)
و"إن" المخففة يجوز إعمالها ويجوز إهمالها؛ فإعمالها بنصب اسمها، وإهمالها برفع اسمها
فمثال الإعمال قراءة ابن كثير ونافع ورواية أبي بكر عن عاصم [وإنْ كلا لما ليوفينّهم ربّك أعمالهم ] بتخفيف "إن" ونصب "كلا , ومثال الإهمال قول الله تعالى: {وإن كل لما جميع لدينا محضرون}
وفي الشعر: أمّ الـحـلـيــس لــعــجــوز شــهــربــه.......ترضى من الشاة بعظم الرّقبه
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
ذكر ذلك من أهل التفسير: ابن جريروابن عطية والقرطبي..... وغيرهم
وحكاه كم أهل اللغة :أبو عبيدة معمر بن المثنى والزمخشري..... وغيرهم
______________________________________________________________________________
2-وقال أهل الكوفة هي لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم (كنانة بن زيد وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن) ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف
فقيل : يقولون أتاني الزيدان , ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان.
وقيل : هذا خطّ يدا أخي أعرفه ومثله
وفي الشعر : إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
ومثلها (كلا الرجلين) في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين قال الفراء وهي قبيحة قليلة
ذكره من أهل التفسير : ابن جرير والثعلبي ومكي أبو طالب القيسي والماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير..... وغيرهم
وذكره كذلك أهل اللغة : الفراء وأبو عبيدة معمر بن المثنى والأخفش وابن قتيبة والزجاج والزمخشري وأبو منصور الهروي..... وغيرهم
توجيه القول : فإن قيل انه لا يجوز حمل القرآن على ما اعتل من لغة العرب , نقول لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك وإنما نزل القرآن بلغتهم ولا يصح أن نننكر شيء من القرآن بحجة انه قليل غير متواتر في لغة العرب
______________________________________________________________________
3-وقال آخرون الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية وهي نظير(الّذي),فلما جمعت زادوا عليه نونا لتدل على الجمع فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، وكذلك تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه
*وقال بعضهم بل هي مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير
ذكر ذلك من أهل التفسير: ابن جرير ورجحه وذكره كذلك الثعلبي ومكي أبو طالب القيسي والماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي..... وغيرهم
وحكاه من أهل اللغة :الفراء والزجاج والنحاس وأبو منصور الهروي..... وغيرهم
_________________________________________________________________
4-وقيل إن المخففة بمعنى ما نافية واللام بمعنى إلا فيكون المعنى(ما هذان إلا ساحران)
ومثال ذلك من الكتاب: قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
ذكره من أهل التفسير : ذكره الثعلبي ومكي أبو طالب القيسي والماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي..... وغيرهم
وذكره من أهل اللغة : الفراهيدي وأبو منصور الهروي..... وغيرهم
______________________________________________________________________
5-وقال آخرون إن المشددة (بمعنى أي نعم) بمعنى الإبتداء والإيجاب فيكون معنى (إن هذان لساحران) أي نعم ,هذان ساحران
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وراكبها، يعني نعم
ذكر ذلك من أهل التفسير : ابن جرير والثعلبي ومكي أبو طالب القيسي والماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي..... وغيرهم
وحكاه من أهل اللغة : الفراهيدي أبو عبيدة معمر بن المثنى والزجاج والنحاس ورجحاه وذكره كذلك الزمخشري..... وغيرهم
_______________________________________________________________________________________
6-وقيل الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، قال ابن عطية ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر
ذكر ذلك من أهل التفسير : مكي أبو طالب القيسي والماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي..... وغيرهم
وذكره من أهل اللغة : الفراهيدي والزجاج والنحاس وأبو منصور الهروي..... وغيرهم
__________________________________________________________________
7-ادّعي بعضهم أنه لحن في القرآن قال أبو عمرو "اني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان"
وروى عن عروة بن الزبيرعن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إنّ هذان لساحران} فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران
وروي عن أبان عن عثمان أن هذه الآية عنده فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال: دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلال
ذكر ذلك من أهل التفسير : الثعلبي ومكي أبو طالب القيسي وابن الجوزي والقرطبي ..... وغيرهم ورده غير واحد منهم
وحكاه من أهل اللغة :الفراء وابن قتيبة..... وغيرهم ورده غير واحد واحد منهم
*************************************************************************************************************************
توجيه الأقول :
أما القول بأنه لحن في القرآن فهذا مردود جملة وتفصيلا
-لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط
-وإن المصحف ما كتب إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه
وما كتب إلاّ بعد أن قرأ المسلمون القرآن نيّفاً وعشرين سنة في أقطار الإسلام ، وما كتبت المصاحف إلاّ من حفظ الحفّاظ ، وما أخذ المسلمون القرآن إلاّ من أفواه حُفّاظه قبل أن تكتب المصاحف ، وبعد ذلك إلى اليوم فلو كان في بعضها خطأ في الخطّ لما تبعه القراء
-وقد ثبت في الصحيح البخاري عن عثمان أنه قال: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقال للرهط الثلاثة القرشيين (عبـد اللّه بن الزبير، وسـعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام) هم وزيد إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم، ولم يختلفوا إلا في حرف، وهو (التابوت) فرفعوه إلى عثمان، فأمر أن يكتب بلغة قريش.
--أما ما تقدم من آثار مروية عن عائشة عثمان ففي سندها مقال ولا تصح بحال
وأما القول بأنها لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم فمردود أيضا , فإنه لا يجوز حمل القرآن على ما اعتل من لغة العرب
لأن القرآن إنما نزل بلغة العرب ولم ينزل بلغة جيرانهم
وقد ثبت عن عثمان في الصحيح كما تقدم أنه قال : إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش،
وكذلك قال عمر لابن مسعود: أقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل؛ فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل
وأما القول بأنها بمعنى نعم فقد اعترض بدخول اللام في الخبر فإن أجيب بأنه للتقديم ,والتقدير(إن هذان لهما الساحران) وحذفت (هما) فمردود كما قال ابن جنى بأنه (يقبح أن تحذف المؤَكد وتترك المؤِكد)
وإقرب الأقوال للصحة ما ذكره ابن تيمية من أن الألف في (هذا) دعامة وليست ألف التثنية وإنما هي ألف (هذا) وجلبت النون لتدل على الاثنين كما جلبت النون في الذي لتدل على الجماعة في الذين
وأخطأ من ألحق (هذان) بالمثنى فقال (هذين) لأنها إسم إشارة مبني غير معرب
ومثلها (ذا) اسم إشارة مبني , تثنى على (ذان) في قوله تعالى : {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} [القصص:32] والكاف للخطاب
وهي غير ذا بمعنى صاحب الملحقة بالمثني ترفع وتنصب وتجر على (ذو,ذا,ذي)