بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفاتحة
هي فاتحة الكتاب , لأن القرآن افتتح بها لفظاً وخطاً , لا وحياً .
لا تخفى منزلتها العظيمة على أهل العقول السليمة , وقد أمر الله - تعالى – عباده المؤمنين بما ورد عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرؤوها في كل ركعة في صلواتهم فرضها ونفلها .
قال ابن عاشور : الفاتحة مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكان مقصودٍ ولوجه " أي دخوله "
فهي المفتاح الأعظم الذي يفتح لك كل باب للخير فهي مفتاحك لعلم الكتاب وهي مفتاح الحجب بينك وبين الله فهي تفتحها شيئا فشيئا لمن وفقه الله , فتعلم كيف يفتح لك الله بالفاتحة تلك الأبواب المغلقة
من أسمائها :
1- الفاتحة : وكما ذكرنا لافتتاح كتاب الله بها .
2- أم الكتاب , وأم القرآن : وقيل سميت بذلك , لأنه يبدأ بها في المصاحف , ولرجوع جميع معانيه إلى ما تتضمنه من معاني .
3- سورة الحمد : لابتدائها به .
4- سورة الصلاة : لأن الصلاة الفرض والنفل لا تصح بدون قراءتها .
5- سورة الشفاء , والرقية , والواقية : لأنها شفاء لمن تداوى بها .
6- والكافية : لأنها تكفي عن غيرها من سور القرآن في الصلاة , ولا يكفي غيرها عنها . وإن كان هناك من قال أنه لا تتعين قراءتها بل يجزئ عنها غيرها من القرآن .
7- السبع المثاني : وقيل لأن آياتها سبع , وقيل لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة .
عدد آياتها :
آياتها : سبع آيات . اشتملت على حمد الله وتمجيده بأسمائه الحسنى وصفاته العلا . وعلى التضرع إليه بطلب الهداية , والتبرؤ من الحول والقوة . والرغبة في سلوك طريق أهل الصلاح .
وكلماتها : خمس وعشرين كلمة .
وحروفها : مائة وثلاثة عشر حرفاً . – ويا سبحان الله ! أعدادها كلها وترية . !
مقصود السورة :
السورة هي أم القرآن كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك , فهي جامعة لكل العلوم , ولذا كانت الفاتحة مبنية على معاني الكمال والشمول لحق الخالق ومصلحة المخلوق , فتأمل – سلمك الله – هذه المعاني في أم القرآن :
1- نصفها الأول : مبني على إثبات استحقاق الله تعالى واختصاصه بالكمال المطلق , فإن قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين ) يتضمن الأصل الأول وهو معرفة الرب تعالى , ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله .
2- نصفها الثاني : مبني على ما يحقق للعبد كماله البشري ويوفي له بقضاء حاجاته ونيل سعادته في الدنيا والآخرة . وهذا ظاهر بما حققته من المعاني والوجوه التي تضمنها قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم ) فهو بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم وأنه لاسبيل له إلى الاستقامة إلا بهداية ربه له .
ويتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد , والانحراف إلى الطرف الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل .
3- وبينهما : بيان الطريق الموصلة إليه وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على عبادته : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فهو لا سبيل له إلى عبادته إلا بمعونته .
ولذا كان مقصودها أعظم المقاصد وهو تحقيق كمال العبودية لله : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) سورة الذاريات 56
مما ورد في فضلها :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أبي بن كعب – رضي الله عنه – وهو يصلي , فقال : " يا أبي , فالتفت , ثم لم يجبه , ثم قال : أبي , فخفف أبي , ثم انصرف إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : السلام عليك يا رسول الله , فقال : وعليك السلام , ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ فقال : أي رسول الله إني كنت في الصلاة , قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) قال : بلى يا رسول الله , لا أعود , قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة , ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم أي رسول الله , قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن لا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها , قال : فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني , وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث , فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه أم القرآن , قال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني " رواه الإمام أحمد و كذا الترمذي والنسائي . وهو حديث صحيح .
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : انتهيت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد أهرق الماء , فقلت : السلام عليك يا رسول الله , فلم يرد علي , ثلاثاً , فلم يرد علي , قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي , وأنا خلفه , حتى دخل رحله ودخلت أنا المسجد , فجلست كئيباً حزيناً , فخرج علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد تطهر , فقال : عليك السلام ورحمة الله وبركاته , وعليك السلام ورحمة الله وبركاته , وعليك السلام ورحمة الله وبركاته , ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ قلت : بلى يا رسول الله , قال : اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها " رواه الإمام أحمد , وإسناده جيد .
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : كنا في مسير لنا , فنزلنا , فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم , وإن نفرنا غيب , فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبه برقيته , فرقاه , فبرأ , فأمر له بثلاثين شاة , وسقانا لبناً , فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن الرقية أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب , قلنا : لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما قدمنا المدينة , ذكرناه للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : وما كان يدريه أنها رقية ! اقسموا واضربوا لي بسهم " رواه البخاري .
وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : بينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعنده جبريل , إذ سمع نقيضاً فوقه , فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط , قال : فنزل منه ملك , فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك , فاتحة الكتاب , وخواتيم سورة البقرة , لم تقرأ حرفاً منها إلا أوتيته . " رواية النسائي , ورواه سلم في صحيحه .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من صلى صلاة فلم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج – ثلاثاً – غير تمام " فقيل لأبي هريرة : إنا نكون خلف الإمام فقال : اقرأ بها في نفسك , فإني سمعت رسول اله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " قال الله – عز وجل – قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين , ولعبدي ما سأل , فإذا قال : ( الحمد لله رب العالمين ) قال : حمدني عبدي , وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال: أثنى علي عبدي , فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال الله : مجدني عبدي , وقال مرة فوض إلى عبدي , فإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال هذا بيني وبين عبدي , ولعبدي ما سأل , فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " صحيح مسلم .
معناها :
( الحمد لله ) : هو ثناء على الله بصفات الكمال وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل فله الحمد الكامل بجميع الوجوه .
بدأت كلمة الحمد بلام الاستغراق , أي أن كل الحمد لله سبحانه وتعالى . واللام السابقة للفظ الجلالة , هي لام الاستحقاق .
والمعنى لا يستحق الحمد الكامل إلا الله تعالى . وذلك بما أنعم على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى , بداية من نعمة الخلق من عدم , وتفضيل البشر على سائر خلقه , وتمكينهم من جميع الوسائل الموصلة لمعرفته قبل أن يكلفهم بعبادته , وسخر لهم جميع خلقه , وأرسل إليهم رسله , كل ذلك من غير استحقاق لهم , ولا سؤال منهم . ومع غناه عنهم .
والخبر منه سبحانه دليل على ثنائه على نفسه سبحانه , وهذا يتضمن الأمر لخلقه بأن يثنوا عليه بما يستحق .
ومما ورد في القرآن من ثناء الله – تعالى – على نفسه قوله تعالى : ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ) [ الأنعام : 1 ] وقوله تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ) [ الكهف : 1 ] وقوله تعالى : ( الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً ) [ فاطر : 1 ]
وقد جاءت في القرآن كثير من الآيات عن أحوال الصالحين في مواقف شتى , تجمعهم نتيجة واحدة هي حمد الله تعالى . فهاهو إبراهيم عليه السلام يحمد ربه على نعمة الذرية بعد الحرمان , في قوله تعالى : ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ) [ إبراهيم : 39 ] . وقد علم الله تعالى نبيه نوح عليه السلام أن يقولها عند الاستواء على الفلك – وهي نعمة جليلة أن ينجيه الله ومن معه من المؤمنين من الطوفان – وذلك في قوله تعالى : ( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين)
[ المؤمنون : 28 ] . وعلمها لنبيه داود وابنه سليمان عليهما السلام ليقولانها حمداً على فضل الله ونعمه في قوله تعالى : ( ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) [ النمل : 15 ] . وغيرها من المواقف القرآنية التي يتعلم منها قارئ القرآن حقيقة الحمد .
وأصول الحمد أربعة :
1- حمده سبحانه على ذاته المقدسة وأسمائه الحسنى وصفاته العلى .
2- حمده على خلقه ونعمه .
3- حمده على وحيه وهدايته .
4- حمده على قضائه وقدره .
ما الفرق بين الحمد والشكر ؟
المعروف أن معناهما واحد , لكن هناك فرق في استعمال اللفظين :
- فالحمد ثناء على الذات والصفات اللازمة والمتعدية – ولا يستحق ذلك إلا الله - , والشكر يكون على الفعل الذي أولاه المشكور للشاكر . ولا يكون إلا على صفة متعدية , وقد يقع الشكر مع البغض حين يكون بسبب إكراه أو خوف أو حقد مثل من يشكر عدوا أو سلطانا جائر خوفا من بطشه .
- الحمد ثناء مرة بعد مرة , لا ينقطع أمده . والشكر ثناء على ما أولى من نعمة عند إسدائها .
- الحمد شكر على كل الصفات الحميدة الكاملة , والأفعال الجليلة , والشكر على الصفة أو العمل المستحق .
- الحمد يكون باللسان والقلب وجميع الجوارح . أما الشكر فيكون باللسان فقط .
لذلك لا يستحق الحمد الكامل إلا الله !
فأين حق غيره في الحمد ؟
كل خير أو معروف يسديه مخلوق لغيره من المخلوقات , فهو من توفيق الله , وقضائه وقدره , ولولا أن الله – تعالى – وفقه لإسدائه ما استطاع أن يفعل ذلك , لذلك يشكر هو , ويحمد الله تعالى .
فالحمد لله نعمة لمن وفق إليها , ومن وفق إليها فقد وفق لفعل يحبه الله – تعالى – ويثني على نفسه به .
أيهما أعم الحمد أو الشكر ؟
من خلال ما ذكرنا عرفنا أن الحمد أعم من الشكر , لأنه يقع على كل الصفات والأفعال اللازمة والمتعدية , والشكر لا يقع إلا على الصفات المتعدية .
كيف أحقق عبادة الشكر ؟
كل نعمة أحقق حمدها بأن اسعى بما يرضي الله بها ..
متى نحمد الله ؟
قال تعالى : ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ) القصص { 70 } .
أين المكان الذي نحمد الله فيه ؟
قال تعالى : ( وله الحمد في السموات والأرض ) الروم 18
أحاديث في الحمد :
- عن الأسود بن سريع – رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى: فقال : " أما إن ربك يحب الحمد " رواه الإمام أحمد .
- عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الذكر لا إله إلا الله , وأفضل الدعاء الحمد لله " رواه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن غريب .
- عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطي أفضل مما أخذ " رواه ابن ماجه .
- عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله , لكان الحمد أفضل من ذلك " رواه القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول . وقال القرطبي وغيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا , لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى – من تفسير ابن كثير -.
- عن ابن عمر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حدثهم : " أن عبداً من عباد الله قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك , فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها , فصعدا إلى الله فقالا : يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها , قال الله – وهو أعلم بما قال عبده : ما ذا قال عبدي ؟ قالا : يا رب إنه قال : لك يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . فقال لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها " سنن ابن ماجه .
( رب العالمين ) : الرب في اللغة هو : المالك المتصرف , لكن هذه الكلمة لا تطلق على أحد غير الله , إلا في حالة الإضافة , كقول : رب الدار , رب الأسرة .
والرب هو الذي ربى جميع خلقه بنعمه الظاهرة والباطنة , لذا لا يستحق الحمد غيره .
وتربيته تعالى لخلقه نوعان :
تربية عامة : هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا .
تربية خاصة : هي تربيته لأوليائه فيربيهم على الإيمان ويوفقهم له , وهي في حقيقتها تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .
والعالمين : بمعنى كل ما وجد في الكون سوى الخالق . سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة .
وكلمة العالمين مفردها العالم مشتقة من العلامة , فالعالمين كلهم علامة على وجود خالقهم
فصار الحمد لله الذي خلق ما في الكون مما نعلمه ومما لا نعلمه . ( رب العالمين ) هو الرب المنعم المتفضل .
والرب من أسماء الله – تعالى – وهو الذي يدعو به أنبيائه , ومن ذلك قوله تعالى : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ) [ إبراهيم : 40 ] وهذا الدعاء جاء على لسان أبو الأنبياء , الخليل إبراهيم عليه السلام . وقوله تعالى : ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) [ المائدة : 114 ] وقوله تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ) [ يونس : 88 ]
وقوله تعالى : ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ) [ نوح : 28 ]
وكذلك الملائكة كما في قوله تعالى : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) [ غافر : 7 ] .
وكثيرة هي الآيات التي جاء الدعاء فيها تعليما من الله تعالى لعبده بأن يدعوه به , من ذلك قوله تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ الأحقاف : 13 ] أو منهم ابتداء , كما في قوله تعالى : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ) [ الفرقان : 74 ] . وأكثر من ذلك أن يدعو به المشركين , كما في قوله تعالى : ( ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ) [ القصص : 47 ] .
( رب العالمين ) كل العوالم خلقها رب واحد , وكلها تقر له بالربوبية , لأنها مطمئنة أن من خلقها لا يضيعها أبداً , وأن من خلقها متكفل برعايتها , ورعايته لن تنقطع عنهم .
إذن لا يستحق العبادة سواه سبحانه .
فائدة : أصل الإيمان علم وعمل .
وتجمعهما سورة الفاتحة !
في قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) العلم هو معرفة استحقاق الله للحمد المطلق .والعمل هو تحقيق عبادة الحمد بجميع الجوارح قولا وفعلا .
( الرحمن الرحيم ) : اسمان من أسماء الله – تعالى – الحسنى , مشتقان من صفة الرحمة , فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .
واسم " الرحمن " يختص به الله – تعالى – لا يطلق على غيره , وهو يعني الرحمة العامة التي تشمل جميع الخلق برهم وفاجرهم من البشر , وكذلك غيرهم من المخلوقات التي نعرفها أو لا نعرفها , ونشاهدها أو لا نشاهدها.
وقد وردت عدة آيات سمى الله بها نفسه في القرآن بالرحمن , منها قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ) وقوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )
" والرحيم " يسمى به الله ويسمى به غيره , فيقال : أب رحيم , وأم رحيمة . وقد وصف الله – تعالى – نبيه بها في قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
فالله رحيم لطيف بمن يشاء من عباده . والمؤمن تشمله رحمة الله العامة مع الخلق , وينال الرحمة الخاصة بإيمانه , لذلك يحمد الله على ذلك .
وقد جاء وصف الله تعالى لنفسه بالرحمة العامة والخاصة , بعد الإخبار بأنه رب العالمين ليرغب المؤمن لنيل رحمته , ويحذر الكافر من شدة عقوبته بحرمانه من تلك الرحمة .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد , ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد " صحيح مسلم .
( الرحمن الرحيم ) تشمل كل معاني الرحمة الواسعة , ووردت في سورة الفاتحة تأكيداً على أن الصفة الأساسية في الربوبية هي الرحمة .
وهذا المعنى يقوي الصلة بين الرب والمربوب , فعندما يشعر العبد أن الله المتصف بالرحمة هو الذي يدعوه يسرع إليه , ويتقرب له بكل ما يحب .
وعندما تشعر النفس برحمة الله تعالى بها تطمئن , لكن عليها أن تدرك أن هناك رحمة أوسع وأشمل , لا بد أن تسعى إليها لتنالها . إنها رحمة يوم الدين . فتجاهد معتمدة على توجيهات رب العالمين لها فيما يأمر وينهى .
( مالك يوم الدين ) : المالك المتصف بصفة الملك المطلق لا بد ان يأمر فيطاع وينهي فيعظم ويتجنب مانهى عنه . وله الحق أن يثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويتصرف بملكه كيف يشاء .
هنا ذكر الخاص بعد العام , حيث قوله تعالى : ( رب العالمين ) عام ويتضمن معناها كل ملك لله تعالى في الدنيا والآخرة , وقوله ( مالك يوم الدين ) الملك بيوم القيامة , وهذا يدل على أهمية ذلك اليوم وعظم شأنه .- وهذا الأسلوب يسميه المفسرون ذكر خاص بعد عام , وهو من القواعد القرآنية - والملك في ذلك اليوم أخص منه من ملك الدنيا , حيث في الدنيا تطلق كلمة الملك مجازاً على من يحوز شيئاً من الدنيا يفوق غيره فيه . أما في الآخرة فلا ملك إلا لله . وكما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) . وسمي بيوم الدين لأنه يوم الجزاء والحساب . فيدين الله – تعالى – الخلق بأعمالهم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً .
في ذلك اليوم لا يتساوى المؤمن بيوم الدين مع غيره في حياته الدنيوية , من حيث شعوره النفسي بقرب الله منه , وشعوره بالخوف من الوقوف بين يديه , وبذل الجهد في الاستعداد لذلك , فلا يعمل إلا ما يجعله من الفائزين بيوم الدين . وينعكس ذلك على سلوكه وتعامله مع الناس . ولا في آخرته حيث الجزاء والحساب , لأن الجزاء من جنس العمل .
إذن كيف أكون ممن يعمل من أجل الفوز يوم الدين ؟
هل أستطيع بقوتي – وأنا العبد الضعيف - ؟
بمن أستعين ؟
( إياك نعبد وإياك نستعين ) : قدمت كلمة " إياك " للحصر , فلا يعبد غيرك , ولا يستعان بسواك .
ومعنى " نعبد " في اللغة من عبَّد الشيء أي جعله مذللاً , يسهل معالجته , وطريق معبد أي مذلل للسير عليه .
وهذا يعني أن المؤمن يعبد الله : أي يمشي في طريق العبادات المذلل الذي يوصله إلى رضا ربه بسهولة . وعبوديتي لله تحررني من عبودية المخلوقات , وتحررني من خوف الوهم بأن غير الله يضر أو ينفع .
وفي قول " إياك نعبد " تحقيق معنى لاإله إلا الله , فإياك نعبد تثبت العبودية لله وتنفيها عمن سواه , ولاإله إلا الله هي اثبات ونفي .
(وإياك نستعين ) كررت كلمة إياك للتأكيد على أن لا نطلب العون إلا منك كما أننا لا نعبد سواك .
وجمع بين العبادة والاستعانة لأنهما مدار الدين , وأساس اليقين . فالأولى نفي للشرك وتحقيق لعبودية , والثانية تبرؤ من الحول والقوة وتفويض الأمر لحول الله وقوته . وبها اعتراف العبد بافتقاره إلى ربه في كل حاله .
وقدم العبادة على الاستعانة لأن الغاية التي خلق لها الإنسان هي العبادة , والاستعانة هي الوسيلة التي يحقق بها الغاية , لذلك قدم الأهم فالأهم .
وعلم الله – تعالى – عبده الاستعانة بعد العبادة رغم أنها نوع من أنواع العبادة , لأن كل أنواع العبادات إن لم يعنه الله تعالى على أدائها فلن يؤديها ولو استعان بجميع فنون العلم .
ومهما بلغت قوة الجبروت والتسلط من المخلوقين فهي بضلالهم عن خالقهم قد فقدت قوتها الحقيقية , وفقدت نبع العون الدائم , فتصبح حقيقتها ضعف لا قوة .
حكم الاستعانة بغير الله :
طلب العون من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك , ومن يستعين بهم في أمور الحياة التي في مقدور البشر فلا بأس . لأن الله جعل الحياة البشرية حياة اجتماعية لا تقوم إلا على التعاون .
فائدة : يقول بعض العلماء : إياك نعبد تطرد الرياء, وإياك نستعين تطرد الكبرياء .
( اهدنا الصراط المستقيم ) دعاء وتوسل إلى الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم . والدعاء هو الحبل القوي الذي يربط المرء بمن أنعم عليه .
والمرء هنا عندما يقول : ( اهدنا ) يدعو لنفسه ولجميع إخوانه المؤمنين .
أي حب ! وأي إخاء أعظم من أن يشرك المؤمن أخيه المؤمن في الخير ! وأي خير خير من الهداية .
وأيضا قيل للتواضع حيث يرى بأنه لا يستحق أن يذكر نفسه وحدها فما هي الا واحدة من هؤلاء الذين شرفهم الله بعبوديته .
والهداية نوعان : 1- هداية التوفيق وهذه بيد الله عز وجل كما في قوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) سورة الأنعام { 125}
2- هداية دلالة وإرشاد وعلم وعمل , فمن أدلة هداية الإرشاد قوله تعالى : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ودليل هداية العلم كما في قوله تعالى : ( عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) في القصص { 22} وقوله تعالى : ( قال كلا إن معي ربي سيهدين ) سورة الشعراء{ 62} أما هداية العمل في قوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) سورة العنكبوت 69
والدعاء هنا يشملهما جميعاَ , أي : أرشدنا ووفقنا وعلمنا ما يرضيك عنا , ثم اهدنا لعمله على الوجه الذي يرضيك عنا .
فائدة : نيل الهدى على الصراط المستقيم يكون بأمرين :
- نفي ما لا ينبغي , كما في عبادة غير الله .
- تحصيل ما ينبغي , كما في الأعمال الصالحة التي ترضي الله . ونجده واضحا في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم )
والصراط في اللغة بمعنى الطريق الواسع الرحب , وهذا يعني أن طريق الدين واسع رحب, سهل ميسر , لا ضيق على من يتبعه , ولا مشقة على من يسير عليه . ومع صفة الاستقامة يكون طريق الكمال حيث لا عوج فيه .
والمقصود بالصراط المستقيم الذي نسأل الله تعالى أن يهدينا إليه هو : كتاب الله , وشرع نبيه – صلى الله عليه وسلم – اللذان يرشداننا إلى الإسلام الحقيقي , الذي هو دين الله القويم .
وعن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً , وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة , وعلى الأبواب ستور مرخاة , وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا , وداع يدعو من فوق الصراط , فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه , فإنك إن تفحته تلجه . فالصراط الإسلام , والسوران حدود الله , والأبواب المفتحة محارم الله , وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله , والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " رواه الترمذي والنسائي وإسناده صحيح .
ماالفرق بين الطريق والسبيل والصراط ؟
هذه الكلمات الثلاث تعبر عن معنى واحد وهو مكان العبور غير أنها ليست مترادفة .
- الطريق : هو المسلك الذي نسلكه وقد يكون ضيق أو واسع , معوج أو مستقيم , وذكر في القرآن في قوله تعالى : ( إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا )
- السبيل : مسلك لا بد أن يكون واسع وواضح , ومن ذلك قوله تعالى : ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا )
- الصراط : لا بد أن يكون واسع وواضح ومستقيم , " اهدنا الصراط المستقيم ) ويعرفه ابن القيم بقوله : يسمى الطريق صراطا إذا كان مستقيما يوصل إلى المقصود وأن لا طريق سواه يوصل على المقصود وأن يتسع الجميع وأن يكون أقرب طريق يوصل إلى المقصود .
ما الحكمة من طلب الهداية في كل صلاة – وتتكرر في اليوم - من المؤمن الذي هو من المهتدين ؟
يقول ابن كثير في تفسيره عن ذلك : ولولا احتياجه ليلاً ونهاراً إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك , فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها , وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها , فإن العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله , فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة , والثبات , والتوفيق , فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله , فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه , ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار . .. اهـ
إذن الهداية في القلب مثل الزرع الذي يحتاج إلى الماء لينمو , ويثمر , فهي محتاجة إلى طلبها من الله لتستمر وتثمر أعمالاً صالحة .
( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) :
كثير من معاني القرآن يأتي تفسير الكلمة أو الأمر بعده ويسمى في النحو " عطف بيان " , وعند المفسرين " تفسير القرآن بالقرآن " .
وهنا الله تعالى يفسر حقيقة الصراط المستقيم , الذي يسأل المؤمن ربه الهداية له . بأنه صراط من أنعم الله عليهم بطاعته وعبادته على الوجه الذي يرضيه , وهم النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , وقد ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى ( أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ) [ سورة النساء ] .
( غير المغضوب عليهم ) أي : ليس طريق من غضب الله عليهم لشدة كفرهم , وفساد عقائدهم , وقد غضب الله عليهم لأنهم عرفوا الحق , وجاءتهم الرسل , فلم يستجيبوا لله ولا لرسله .
( ولا الضالين ) أي : المنغمسون في الضلال , لا يرفعون رأساً لنور الحق , ولا يصيغون أذناً لصوته , ولا يديرون فكراَ في جنباته .
وجاءت " ولا " للتأكيد . وهذا التأكيد يدل على أن جهلهم ليس بعذر لهم , فضلالهم من أنفسهم .
• ذكرنا سابقا فائدة : نيل الهدى يكون بامرين : نفي ما لاينبغي وتحصيل ما ينبغي . ففي قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) نفي ما لا ينبغي وهو طريق المغضوب عليه والضالين , وتحصيل ما ينبغي وهو الهداية للطريق المستقيم .
وقفات مع عموم السورة :
- يستحب لمن يقرأها أن يقول بعد الفراغ من قراءتها " آمين "
ومعنى ذلك : أي اللهم استجب . فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إذا أمَّن الإمام فأمنوا , فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " في الصحيحين .
- ( الحمد لله ) معها يفيض قلب المؤمن بالحب لله – تعالى – الذي يقولها حباً وتعلقاً بالله. لذلك كانت كلمة أهل الجنة عندما فاضت مشاعرهم بما عجزت الكلمات عن التعبير عنه إلا بحمد الله تعالى , كما قال عنهم في قوله تعالى : ( وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) [ الأعراف : 43 ] . وقوله تعالى : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس: 10 ]
- ( رب العالمين ) هو الرب المنعم المتفضل . وتربيته لخلقه تربية عامة لجميع الخلق, وتتمثل في خلقه لهم , ورزقه الذي لا ينقطع عنهم , وهدايته لهم للانتفاع من كل ما في الكون . وتربية خاصة لأوليائه الصالحين بالتوفيق لطريق الإيمان , والعمل الصالح , حيث يدلهم ويهديهم إلى كل ما ينفعهم ويصرف عنهم كل ما يضرهم , ويدفع عنهم كل العوائق التي تحول بينهم وبين فعل الخيرات .
والرب من أسماء الله – تعالى – وهو الذي يدعو به أنبيائه , ومن ذلك قوله تعالى : " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ) [ إبراهيم : 40 ] وهذا الدعاء جاء على لسان أبو الأنبياء , الخليل إبراهيم عليه السلام . وقوله تعالى : ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) [ المائدة : 114 ] وقوله تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ) [ يونس : 88 ]
( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ) [ نوح : 28 ]
وكذلك الملائكة كما في قوله تعالى : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) [ غافر : 7 ] .
-عند التدبر في قوله تعالى :( الحمد لله رب العالمين ) وقوله تعالى :( الرحمن الرحيم ) وقوله تعالى : ( مالك يوم الدين ) ثم قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وما بعدها من الآيات , تحول الأسلوب من أسلوب الغائب إلى أسلوب المخاطبة , وهو ما يسمى في اللغة العربية " الالتفات " , وهو من أنواع البديع , وفيه نقل الكلام من أسلوب لآخر , وفائدة ذلك حمل المخاطب على الانتباه بسبب تغير الأسلوب ,ويحمله ذلك على التفكير في السبب .
- أن البداية في السورة ثناء على الله تعالى , ثم السؤال ( اهدنا ) , وهذا من كمال حال السائل , وأدعى لقبول دعوته والاستجابة له .
- من السورة يتضح لنا أن الطرق ثلاث :
1- طريق أهل الأيمان – الطريق المستقيم – وهم الذين عرفوا الحق وعملوا به .
2- طريق المغضوب عليهم – اليهود – وهم الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به .
3- طريق أهل الضلال – النصارى - وهم الذين لم يتعلموا ولم يعملوا .
- تضمنت سورة الفاتحة أنواع التوحيد الثلاثة :
1- توحيد الربوبية في قوله تعالى : ( رب العالمين )
2- توحيد الألوهية , في قوله تعالى : ( الحمد لله ) و قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
3- توحيد الأسماء والصفات , في " الله , رب , الرحمن , الرحيم , مالك "
- وتضمنت أيضاً :
1- عقيدة الإخلاص ( إياك نعبد وإياك نستعين )
2- إثبات النبوة ( اهدنا الصراط المستقيم ) وهذه لا يمكن معرفتها , دون اتباع دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم –
3- إثبات الحساب ( مالك يوم الدين )
- وتحوي مقامات الإيمان الثلاثة :
المحبة والرجاء والخوف والتي لا يستقيم إيمان المسلم إلا بها , فالمحبة في قوله : ( الحمد لله ) والرجاء في قوله : ( الرحمن الرحيم ) والخوف في قوله : ( مالك يوم الدين ) .
- وتحوي مفاتيح سعادتك في يومك وليلتك وهي سبعة :
المفتاح الأول : بدء يومك بالاستعاذة وأمورك بالبسملة , كما بدئت سورة الفاتحة ب " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " فالعاقل يبدأ يومه بالدخول في حمى الله بقراءة المعوذات . ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( وقل أعوذ برب الناس ) قراءة قلب ولسان معا .
وبالبسملة يفتتح المسلم عمله كله بها طلبة للبرطة والعون من الله فيفتح الله له بها مغاليق الأمور . فالبسملة من هدي الأنبياء السابقين , وفي كتاب الله على لسان نوح عليه السلام : ( بسم الله مجرئها ومرساها ) سورة هود 41 , وابتدأ بها سليمان عليه السلام في كتابه : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) سورة النمل 30 و كذلك القرآن فصار البدء بها سنة إلى يومنا هذا . .................
المفتاح الثاني : الثقة بسعة رحمة الله ( الرحمن الرحيم ) فقد تكررت " الرحمة صريحة في السورة مع قصر آياتها اربع مرات , في البسمله وداخل السورة , وجاء التنبيه عليها ضمنا في ( الحمد لله رب العالمين ) و ( إياك نستعين ) و ( اهدنا الصراط المستقيم ) وهذا لم يكن لأي صفة أخرى في سورة الفاتحة إلا الرحمة , فإياك وطريق القانطين ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) سورة الحجر 56 . ....................
المفتاح الثالث : المدوامة على حمد الله بالقلب واللسان والجوارح في كل الأحوال والأزمان والأماكن , والفاتحة واحدة من سور خمس كلها افتتحت بالحمد وهي : الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر .........................................
المفتاح الرابع : تذكير النفس بيوم الدين والجزاء ( مالك يوم الدين ) فالنفس علاجها الذي لا تفلح إلا به أنها إن أقبلت على الطاعة فذكرها بالجنة , وإن أقبلت على المعصية فخوفها بالنار , ألا ترى كيف ملأ الله كتابه العظيم بالتذكير بيوم القيامة وما بعده .........................
المفتاح الخامس : إخلاص العبادة مع تمام التذلل لله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ..................... فإياك نعبد تدفع الرياء , وإياك نستعين تدفع الكبرياء .
المفتاح السادس : الألحاح في الدعاء , فكم نكرر الدعاء بقولنا ( اهدنا الصراط المستقيم ) ....................... وسورة الفاتحة نصفها دعاء ولذا كان من أسمائها سورة الدعاء . وفيها الحوائج الأصلية التي لا بد للعبد منها .
المفتاح السابع : الحب في الله والبغض في الله ( صراط الذين أنعمت عليهم ) و ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فهذه أوثق عرى الإيمان ...................... ومن أعظم التوفيق أن يرزق المسلم محبة الصالحين وإن لم يعمل عملهم .
- سورة الفاتحة سورة تخلية وتحلية :
فهي تخلية من الشيطان الرجيم وتحلية للحياة بالانصراف لرب العالمين .
هي تخلية من كفر النعمة بنسيانها وتحلية الحياة بحمدها وشكرها .
هي تخلية من قنوط اليأس وتحلية بتذكر رحمة الرحمن الرحيم . هي تخلية من الشرك وتحلية بالإخلاص لرب العالمين .
تخلية من تشتت الهمم وتحلية بالاستعانة بالمنعم .
تخلية من طرق الاعوجاج وتحلية بطريق الاعتدال .
تخلية من الجهل وتحلية بالعلم
تخلية من العناد وتحلية بالانقياد .
هي تخلية من صحبة من يجلب النقم وتحلية بصحبة من تمم الله عليهم النعمة .
المراجع : 1- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
2- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ السعدي .
3 – أضواء البيان للشيخ الشنقيطي
4 – المحرر الوجيز لابن عطية
5 – تفسير الشيخ ابن عثيمين
6 – بعض اصدارات مركز تدبر للدراسات والاستشارات