سؤال عن إعراب (لا) في قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة}
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليكم وبارك فيكم اشتبه علينا موضع ((لا)) من الإعراب في قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة} فهل من توضيح؟ وجزاكم الله خيرا. |
اقتباس:
الجواب على هذا السؤال قائم على جواب مسألتين: الأولى: هل هذه الصيغة تفيد القسم؟ والثانية: ما تحرير معنى (لا) على القول بأنها تفيد القسم؟ والجواب على المسألة الأولى اختصاره أنّ النصّ وإجماع المفسّرين قدّ دلّا على أنّ هذه الصيغة مفيدة للقسم. فأما دلالة النصّ ففي قول الله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم . وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم}. وأما دلالة الإجماع ففيما حكاه ابن جرير في تفسيره بقوله: ( الجميع من الحجّة مجمعون على أنّ قوله: {لا أقسم بيوم القيامة} قسمٌ). وقال أبو إسحاق الزجاج في قول الله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} وأشكالها في القرآن: (لا اختلاف بين الناس أن معناه: أقسم بيوم القيامة، واختلفوا في تفسير "لا"). وروى ابن جرير في تفسيره والحاكم في مستدركه عن سعيد بن جبير أنّ رجلاً سأل ابن عباس عن قول الله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} فقال: (يقسم ربّك بما شاء من خلقه). وقال سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة وأبو بكر بن عياش في معنى قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} أقسم. وقال أبو منصور الأزهري: (قرأ ابن كثير (لَأُقْسِمُ) ليس بين (لا) وبَيْنَ القاف ألف، وقرأ الباقون (لَا أُقْسِمُ) بألف المقسم عن نفسه). قال ابن عاشور: ( وهي رواية عنه ذكرها الشيخ علي النوري في «غيث النفع» ولم يذكرها الشاطبي). وذكر ابن جرير قراءة حذف الألف عن الحسن والأعرج، وهذه القراءة موافقة لإثبات القسم. وعلى ذلك يكون ما ذكره الزمخشري من أن (لا) نافية للقسم قول غير صحيح، وكذلك توجيهه إياه بقوله: (والوجه أن يقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدلك عليه قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فكأنه بإدخال حرف النفي يقول: إنّ إعظامى له بإقسامي به كلا إعظام، يعنى أنه يستأهل فوق ذلك)ا.هـ.. وهذا التوجيه على ما فيه من تكلف مخالف لظاهر النصّ والإجماع. وأما جواب المسألة الثانية فقد اختلف فيه العلماء على أقوال: القول الأول: "لا" ههنا زائدة، ومنهم من يقول "صلة"، وهو قول الخليل بن أحمد، والكسائي، ونسبه الفراء إلى كثير من النحويين، وقال به ابن شقير وابن خالويه وجماعة. قال الخليل بن أحمد: (لا: حرف يُنْفَى به ويُجْحَد، وقد تَجيءُ زائدةً، وإنّما تَزيدها العَرَبُ مع اليَمين، كقولك: لا أُقْسِمُ باللَّه لأُكْرِمَنّك، إنّما تُريد: أُقْسِمُ باللَّه.. وقد تَطْرَحُها العَرَبُ وهي مَنْويّة، كقولك، واللَّهِ أَضْرِبُك، تريد: واللَّه لا أضربك، قالت الخنساء: فآليتُ آسَى على هالك ... وأسأل باكية مالها أي: آلت لا آسَى، ولا أسأل). والقول الثاني: هي نافية لمنفيّ مقدّر، يُفسَّر في كلّ موضع بما يناسبه، وهو قول الفراء ورجّحه ابن جرير. قال الفراء: (ألا ترى أنك تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحق، فإذا قلت: لا والله إن الرسول لحق، فكأنك أكذبت قوما أنكروه، فهذه جهة (لا) مع الإقسام، وجميع الأيمان في كل موضع ترى فيه "لا" مبتدأ بها، وهو كثير في الكلام)ا.هـ. وقال ابن قتيبة: (وأما زيادة (لا) في قوله: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}. وقوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}، و: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}: فإنها زيدت في الكلام على نية الرّد على المكذبين، كما تقول في الكلام: لا والله ما ذاك كما تقول. لو قلت: والله ما ذاك كما تقول، لكان جائزا، غير أن إدخالك (لا) في الكلام أوّلا، أبلغ في الرّدّ)ا.هـ. وقَالَ أبو إسحاق الزجاج في تفسير قول الله تعالى: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}: (وَاعْلَم أَن (لَا) لَا تكون صلَة إلاّ فِي معنى الإباء، وَلَا تكون فِي معنى الإنْعام)ا.هـ. يريد أنها تزاد في مقام النفي لا مقام الإثبات. فقال أبو منصور الأزهري معقباً: (وَافق قولُ أبي إِسْحَاق قولَ الفَرّاء فِي تَفسير {لَا أُقْسم} وقَالَ الفرّاء: العربُ تَجعل (لَا) صلَة إِذا اتّصلت بجَحْد قبلهَا؛ قَالَ الشَّاعِر: مَا كَانَ يَرْضَى رسولُ الله دِينَهُم … والأَطْيبان أَبُو بَكر وَلَا عُمَرُ أَرَادَ: (والطيبان) أَبُو بكر وعُمر)ا.هـ. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "دفع إيهام الاضطراب": (وهذا القول وإن قال به كثير من العلماء فليس بوجيه عندي لقوله تعالى في سورة " القيامة ": {ولا أقسم بالنفس اللوامة} ، لأن قوله تعالى: {لا أقسم بالنفس اللوامة} يدلّ على أنه لم يرد الإثبات المؤتَنف بعد النفي)ا.هـ. والقول الثالث: هي توكيدٌ للقسم، وهو قول أبي بكر بن عياش، قال: كقولك: (لا والله)، ذكره ابن جرير، وهو قول قطرب والزجاج وجماعة. قال أبو إسحاق الزجاج في تفسير قول الله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} : ( معناه أقسم، ودخلت (لا) توكيدا كما قال عزّ وجل: {لئلّا يعلم أهل الكتاب}: معناه لأن يعلم أهل الكتاب)ا.هـ. وهذا القول أظهر الأقوال. وقيل في هذه المسألة أقوال أخرى لا أطيل بذكرها كالقول بأنها للتنبيه مثل (ألا) ، والقول بأنها لام الابتداء أشبعت فتحتها. |
الساعة الآن 02:06 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir