معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   صفحات الدراسة (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=947)
-   -   صفحة الطالبة ليلى باقيس للملخصات والواجبات (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=21761)

ليلى باقيس 22 محرم 1433هـ/17-12-2011م 07:57 AM

صفحة الطالبة ليلى باقيس للملخصات والواجبات
 
بسم الله الرحمن الرحيم

صفحة ملخصات الطالبة : ليلى باقيس


ملخصات الدورة الأولى
1: تفسير سورة الفاتحة وجزء عم

2: مادة معالم الدين
القسم الأول:

القسم الثاني:

القسم الثالث:

3: كتاب حلية طالب العلم

ملخصات الدورة الثانية:
1: ثلاثة الأصول وأدلتها بشرح الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله
2:كتاب الأربعون النووية

3: كتاب الطهارة
4: الآجرومية

ملخصات الدورة الثالثة:
1: كتاب التوحيد

2: كتاب الصلاة
3: المقدمة الجزرية
4: مختصر عبد الغني

المستوى الثاني

ملخصات الدورة الأولى
1: تفسير جزء تبارك
2: كتاب الزكاة
3: كتاب الصيام
4:كشف الشبهات

5: نخبة الفكر


ملخصات الدورة الثانية:
1: كتاب الحج
2: كتاب الجهاد
3: العقيدة الواسطية
4: الورقات

ملخصات الدورة الثالثة:
1: تفسير جزء قد سمع
2: مقدمة التفسير

ليلى باقيس 29 صفر 1433هـ/23-01-2012م 10:27 PM

صفحة الطالبة ليلى باقيس للملخصات والواجبات
 
ثلاثة الأصول وأدلتها بشرح الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم


ملخص المحاضرة التمهيدية


حاجة الأمة إلى العلم الرباني ملحة وماسة:
وذلك لأن الهداية أصلها ومبناها على:
العلم النافع
واتباع رضوان الله بطاعة أمره وتصديق وعده والحذر من الشيطان وحزبه.
قال تعالى: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كُتب عليه أنه من تولّاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير"
وأهمية الهداية:
لا نجاة للأمة إلا بما يهديهم الله به، وذلك في كل ما يحتاجون للهداية فيه في صغير الأمور وكبيرها.
قال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)
وأول وصية وصى الله بها الناس عند بدء هذه الحياة، قال تعالى: "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينّكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
فضمن الله لمن اتبع هداه: أن لا يخاف ولا يحزن، ولا يضل ولا يشقى، وأن يخرجه من الظلمات إلى النور ويهديه سبل السلام وينجيه مما يخاف، وهذا وعد صادق من الله للفرد والأمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأمة الإسلام هي أعظم الأمم هداية، فقد أنزل الله إلينا خير كتبه القرآن الكريم، وبعث فينا خير رسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن أسباب الخروج عن الهداية تولّي الشياطين؛
وذلك باتباع خطواتها، وتصديق ما تعدُ به وتمنّي، وفعل ما تزيّنه من المعاصي.
قال تعالى: "ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"
ومن كان من أولياء الشيطان فهو عدو لله.
فقد أخبر سبحانه أن الناس حزبان؛ حزب مع الله، وحزب مع الشيطان.
وبين سبحانه للناس عداوة الشيطان لبني آدم وحرصه على إضلاله، قال تعالى: "ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون"
ولكن من آمن بالله واتبع هداه، وقاه الله وعصمه وكفاه.
وقد وعد الله المؤمنين أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور" والظلمات هي كل ما يعتري الإنسان من المحن والفتن والهموم والغموم والشك والحيرة والجهل ..
ولم يترك سبحانه أمرا يحتاج الناس في دينهم أو دنياهم إلا بيّنه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأكمل الله الدين وأتمّه، قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"
ومن تفقّه في الكتاب والسنة وتمسّك بهما، كانتا له عصمة من الضلال، قال صلى الله عليه وسلم: (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما، كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)
وهذا التفقه وهذا التمسك بالكتاب والسنة هو العلم النافع.
فضل طلب العلم النافع:
هو من أفضل القربات إلى الله تعالى.
هو أصل كل عبادة، فشرطي العبادة؛ الإخلاص وتحقيق المتابعة، ومعرفة ذلك يستدعي قدرا من العلم.
وكذلك معرفة ما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه تفصيلا وإجمالا؛ لا تكون إلا بالعلم.
الأدلة والآثار الواردة في بيان فضل العلم وأهله، وما رتّب لهم من الثناء والثواب العظيم:
قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"
وقال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)
ومن الآثار:
عن الزهري قال: ما عُبد الله بمثل الفقه.
وقال مطرف بن عبدالله الشخير: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع.
- وقد صنف العلماء في بيان فضل العلم وأهله مصنفات عظيمة القدر والنفع؛
فمنهم من أفرد له أبوابا في كتبهم، مثل كتاب العلم في صحيح البخاري وضمّنه باب فضل العلم وكذلك فعل الإمام مسلم وأبوداود وغيرهم.
ومنهم من صنّف كتبا مفردة في بيان فضل العلم، كابن رجب وابن عبدالبر وغيرهم.
وقد اعتنت هذه الأمة بتعلّم أحكام دينها، وبلغت فيها غاية لم تبلغها أمة من قبلها.
نصيحة لطالب العلم:
1) على طالب العلم أن يعتني بتحصيل العلم الذي ينفعه في دينه ودنياه، ويحفظ وقته مما لا ينفعه.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها) مسلم
- ومن أبرز علامات العلوم التي لا تنفع: مخالفة مؤداها لهدي الكتاب والسنة؛ فكل علم يصد عن طاعة الله، ويزيّن فعل المعصية، ويحسن ما جاءت الشريعة بتقبيحه، ويقبح ما حسّنته الشريعة، فهو علم غير نافع.
2) وعلى طالب العلم أن يحرص على سلوك المنهج الصحيح في طلب العلم، فإن ذلك مما يحفظ لطالب العلم وقته وجهده، ويعرفه بمعالم كل علم، فيأتيه من بابه، ويتعلمه على وجهه الصحيح، فإن سار فيه وصل ونجح، وإن تذبذب وانقطع لم يصل فيه إلى ما كان يؤمله.
ومسارات طلب العلم لدى العلماء لها ثوابت محددة تجمعها، وإن كانت متنوعة وهي:
أن كل علم يؤخذ عن أهله.
ولكل علم مصادره التي ينهل منها العلماء.
وأن طالب العلم في بادئ الأمر يحتاج إلى من يرشده حتى يصلب عوده ويشتد، فيعرف ما يأتي وما يذر.
ومن يريد تعلم العقيدة: يأخذها عن أهلها من الأئمة المعتبرين.
فيقرأ كتبهم وسيرهم المعتمدة المشهود لها بالمتانة العلمية.
ويستعين على فهم تلك الكتب بالشروح النافعة.
المنهج المقترح لدراسة العقيدة:
ما يحتاجه طالب العلم في دراسة العقيدة: أن يتأنّى في دراستها.
يفهمها جيدا.
يحفظ ما يحسن حفظه من المسائل.
يسير فيه بالتدرج دون استعجال، فلو مكث في الباب الواحد أياما حتى يضبطه جيدا لما كان كثيرا، لأن الرسوخ في فهمه يعينه على فهم ما بعده من الأبواب.
- ومسائل الاعتقاد لا تخرج عن بابين عظيمين من أبواب الاعتقاد وهما:
1- الشهادتان ولوازمها.
2- مراتب الدين المذكورة في حديث جبريل الطويل.
والشهادتان من أركان الإسلام المذكورة في حديث جبريل، ولكنها أفردت:
للاهتمام بتقديمهما، لتحقيق التدرج في التعلم.
التسلسل المقترح في دراسة التوحيد:
مرحلة(1): دراسة معنى الشهادتين، ومعنى مراتب الدين، دراسة جيدة مؤصّلة.
ويكفيه هنا؛ دراسة رسالة (ثلاثة الأصول وأدلتها)
والمقاصد التعليمية المرجو تحقيقها في هذه المرحلة:
دراسة شهادة أن لا إله إلا الله دراسة جيدة، يستفاد منها في:
معرفة معنى التوحيد وأقسامه وآدابه وواجباته وما يقدح فيه، وهو الشرك.
ومعرفة معنى العبادة وأنواعها وكيف يكون دخول الشرك إليها.
دراسة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم دراسة جيدة، يستفاد منها في:
معرفة معنى المتابعة وشروطها وواجباتها وآدابها.
ومعرفة البدعة وحكمها.
ومعرفة ما ينقض الشهادتين.
مرحلة(2): يدرس بشيء من التفصيل كلا من الإيمان بالله عزوجل والتوحيد وما يناقضه وهو الشرك.
ويكفيه هنا؛ دراسة كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب
وأن يقرأ معه: شرحا ميسّرا للأسماء الحسنى؛ لما في دراستها من فوائد منها: تعرّف الطالب بربه سبحانه وتعالى.
وكذلك يقرأ: في أشراط الساعة، فإن ذلك مما يعين على الزهد في الدنيا وإيثار الآخرة عليها.
مرحلة(3): يدرس أصول الرد على شبهات الطاعنين في عقيدة التوحيد.
ويكفيه هنا؛ كتاب كشف الشبهات.
مرحلة(4): يدرس نواقض الإسلام وأحكام التكفير.
- وينبغي أن تكون همة الطالب متوجهة:
لفهم هذه الموضوعات المهمة
ودراسة هذه المسائل دراسة جيدة
وأن يعتني بفهم المقاصد أولا
فإذا حقق ذلك: كان ما يحصله بعد من العلم فهو خير على خير
وسهل عليه أن يدرس في الفن الواحد متونا كثيرة
لذا على طالب العلم الجاد: أ- أن يحذر من الانتقال والتذبذب بين المتون والكتب.
ب- وألا ينشغل بجزئيات المسائل الجانبية.
مراحل دراسة مسائل الاعتقاد:
1) يبدأ بمتن مختصر سهل العبارة يعرضها على سبيل الإجمال.
ويكفيه هنا، كتاب لمعة الاعتقاد لموفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله
2) ثم يتوسع في دراسة مسائل الاعتقاد أكثر
فيدرس العقيدة الواسطية
وبعدها العقيدة الطحاويّة.
3) فإذا أراد التوسّع أكثر
درس الفتوى الحمويّة
والرسالة التدمريّة
ويقرأ القصيدة النونية لابن القيم وشرحها
وكتاب الصواعق المرسلة
وغيرها من كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله.
أهمية القراءة في تاريخ الدعوات الإصلاحية، وسير المجددين من الأئمة:
أ‌) وذلك مما يعين على فهم العقيدة فهما حسنا.
ب‌) يعرف الطالب على ما اعترضهم من ابتلاءات ومحن وكيف صبروا وثبتوا.
ت‌) وما جرت به سنة الله من نصر من ينصر دينه، وجعل العاقبة لأوليائه.
ث‌) ويتعرفوا على أسباب نجاح دعوة أولئك المجددين وانتفاع الناس بدعوتهم.
ج‌) يتعرفوا على مكائد أعداء الدين في المكر بها لردها وتنفير الناس عنها، وهذه إذا ضبطها الطالب، فهم كثيرا من مسائل الدعوة المعاصرة، وتكشفت له بعض مكائد أعداء الدين اليوم.
ح‌) يتعرفوا على مناهج الأئمة في معالجة هذا الأمر وكيف كان هديهم في مواجهة تلك التحديات من أعداء الداخل(المنافقين) وأعداء الخارج(الكفار).
لذا على طالب العلم أن يقرأ (قراءة المعتني بفهم وفقه المقصود) في كتب التراجم والسير
وما ألف من مصنفات مفردة في سير بعض المجددين، ليطلع على هذه المادة التاريخية.
وأول السير قراءة:
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
ففي سيرته وهديه نبراس للأئمة يهتدون به في الملمات والشدائد التي تمر بهم
وقلّ أن يمر على عالم مكيدة إلا وجد لها أصلا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
سيرة علماء الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"
حاجة الناس إلى السؤال:
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا"
فحاجة الناس إلى السؤال باقية، وعلى طالب العلم أن يفقه هذه المسألة جيدا؛ فهم شباب اليوم وغدا تحتاجهم الأمة، فعليهم أن يتأصّلوا بالعلم المفيد.
حتى إذا كانوا في القدر والسن الذي يؤهلهم للافتاء والتعليم والدعوة كانوا خير من يقوم بهذا الأمر.
ورُوي عن عبدالله بن عمر أنه قال في أواخر حياته: لو كنت أعلم أنكم تحتاجون إلي لتفقهت لكم، وهو من فقهاء الصحابة.
لكنه رضي الله عنه أراد أن يزداد من التفقه لينفعهم، ويزداد من الخير بنشر العلم النافع.
- ومع اختلاف كلام العلماء في المجددين، إلا أن من المجددين من كان له أثره العظيم في الأمة، وكانت لدعوته الإصلاحية أثرها الظاهر.
ومن أشهر هذه الدعوات: دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.
ترجمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي
ولد في العيينة (1115هـ - 1206هـ)
حفظ القرآن قبل بلوغه عشر سنين، وتتلمذ على يد والده قاضي العيينة
ظهرت عليه أمارات النبوغ: من حدة الذهن، وقوة الحفظ، وحسن الفهم، وعلو الهمة، وكان سريع الكتابة.
قرأ كتبا كثيرة في التفسير والعقيدة والحديث والفقه.
وأقبل على كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم وفهم مقاصدها واختصر بعضها.
رحل في طلب العلم إلى الحرمين والإحساء والبصرة والزبير.
اتفق مع أمير الدرعية محمد بن سعود على الدعوة إلى التوحيد ونصرة الدين بالحجة والسنان وتبايعا على ذلك.
أقام مدرسة لتعليم التوحيد وعلوم الشريعة وألف لهم المناهج ورتّب لهم الدروس فوفد إليه طلاب العلم وانتشرت دعوة الشيخ.
رفعت راية الجهاد 1158هـ ففتح الله لهم القلوب والبلاد وأعلا الله كلمته ونصر أولياءه.
1188هـ انقطع الشيخ للعبادة والتعليم إلى أن توفاه الله في الدرعية 1206هـ.

ليلى باقيس 15 ربيع الأول 1433هـ/7-02-2012م 07:59 PM

معالم الدين: القسم الثانى
بسم الله الرحمن الرحيم


الدرس الخامس: بيان معنى الإسلام

مما سبق دراسته: معنى الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله.
وبهما يكون العبد مسلما.
ومن لوازم الشهادتين: وجوب طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يدرك العبد فضائل التوحيد
= ومما ينبغي للعبد معرفته: معنى دين الإسلام. {ليتعرف على دينه ويعبد الله على بصيرة، فالحمدلله أن جعلنا مسلمين}
قال تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام"
والإسلام معناه: إخلاص الدين لله عزوجل، والانقياد لأوامره وأحكامه.
فهو عقيدة (مبناها على العلم الصحيح) وشريعة (وهي الأحكام)
قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"
والمسلم من حقق الأمرين:
الإخلاص (فالمشرك غير مسلم لأنه لم يخلص)
والانقياد (فالمستكبر عن عبادة الله غير مسلم لأنه غير منقاد)
قال تعالى: "وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما"
ويتفاضل المسلمون في حسن إسلامهم:
بتفاضلهم في الإخلاص
وحسن الانقياد
على مراتب الدين الثلاثة المذكورة في حديث جبريل الطويل.
1- مرتبة الإسلام:
وأركان الإسلام خمسة
قال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)
2- مرتبة الإيمان:
ومعنى الإيمان: التصديق بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح، وهو يزيد وينقص.
والمؤمنون يتفاضلون في إيمانهم بحسب:
تصديقهم
وحسن قولهم وعملهم
ومدى تحقيقهم لخصال وشعب الإيمان
وينقص الإيمان بالمعاصي، ومن تاب وأصلح تاب الله عليه.
واستكمال الإيمان: يكون لمن جعل حبه لله، وبغضه لله، وعطاؤه ومنعه لله.
قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)
وأصول الإيمان ستة.
قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)
هذه الأصول يجب على المسلم الإيمان بها، ومن كفر بأصل منها فهو كافر.
وللإيمان شعب تتفرع عن هذه الأصول.
قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)
وشعب الإيمان (أي خصاله وأجزاؤه) منها:
قلبي (الحياء عمل القلب)
وقولي (قول لا إله إلا الله)
وعملي (إماطة الأذى عن الطريق عمل)
- وقد يجمع العبد بين الإيمان والنفاق.
وذلك بأن تكون فيه بعض خصال النفاق حتى يدعها.
قال صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)
3- مرتبة الإحسان: (وهي أعلى المراتب)
معنى الإحسان:
قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
وخلقنا الله ليبلونا أينا أحسن عملا.
قال تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
والعمل لا يكون حسنا إلا:
بالإخلاص
والمتابعة، فمتابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعصم العبد من الغلو والتفريط.
فنواقض الإحسان:
الشرك
البدعة
الغلو
التفريط
ودرجتي الإحسان:
الإحسان الواجب: وهو أداء العبادات الواجبة بإخلاص ومتابعة.
الإحسان المستحب: وهو التقرب إلى الله بالنوافل، وتكميل مستحبات العبادات وآدابها، والتورع عن المشتبهات والمكروهات.
والإحسان في كل عبادة بحسبها، يجمع ذلك:
قوة الإخلاص
وحسن الاتباع
أمثلة:
فالإحسان في الوضوء بإسباغه واستكمال فروضه وسننه وآدابه.
والإحسان في الصلاة بأدائها في أول وقتها مستكملا فروضها وسننها مع الخشوع وحضور القلب، فتصلي صلاة مودع كأنك ترى الله تعالى.
والإحسان في الصدقة بأن تخرجها قربة لله، لا تريد جزاء ولا شكورا، فلا تتبعها بالمن والأذى، ولا تسمّع ولا ترائي بها، وأخرج الطيب من مالك دون الردئ.
ومن الأسباب الموصلة إلى مرتبة الإحسان:
تحري الإحسان
والحرص عليه
وسؤال الله الإعانة على ذلك.
قال أبو الدرداء: (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه)
وأبواب الإحسان كثيرة، فالإحسان مكتوب على كل شيء، وإحسان كل شيء بحسبه.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)
فالإحسان في الذبح: بحد الشفرة، وإراحة الذبيحة، ومن خالف هذا الهدي، فهو لم يحقق الإحسان في ذبحه.
ولنصل إلى درجة الإحسان، لا بد له من الفقه في الدين، لنتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور.
حقيقة مهمة:
لا يدرك العبد مرتبة الإحسان إلا بتوفيق الله وإعانته.
لهذا شرع هذا الدعاء في دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

الدرس السادس: بيان معنى العبادة


وهي الغاية التي خلقنا لأجلها، ولا تقبل العبادة إلا من الموحدين من أهل الاتباع


معنى العبادة:
لغة: التذلل والخضوع والانقياد.
وكل عمل يتقرب به إلى المعبود فهو عبادة.
شرعا: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وتكون بالقلب واللسان والجوارح.
شرطي العبادة:
الإخلاص (وهو عبادة الله وحده لا شريك له)، قال تعالى: "هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين"
والمتابعة (وهو اتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في أداء العبادة)، قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
والغاية التي خلقنا لأجلها:
هي عبادة الله وحده لا شريك له
قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
درجات تحقيق العبودية:
1- درجة الإسلام:
وهو من اجتنب الشرك، وأخلص العبادة لله تعالى، واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم
فهو مسلم موعود بدخول الجنة والنجاة من النار.
2- درجة الإيمان:
وهو من أدّى العبادات الواجبة، واجتنب المحرمات.
فهو من عباد الله المتقين الذين كتب الله لهم الأمن من العذاب، ووعدهم الفضل العظيم في الدنيا والآخرة.
3- مرتبة الإحسان:
وهو من كمّل العبادات الواجبة والمستحبة، واجتنب المحرّمات والمكروهات، وعبد الله كأنه يراه.
فهذا من عباد الله المحسنين الذين وعدهم الله الدرجات العُلى من الجنة.
والقوادح في عبودية العبد لربه عزوجل على ثلاث درجات:
الدرجة1: الشرك الأكبر
وهو عبادة غير الله تعالى.
فمن صرف عبادة من العبادات لغير الله فهو مشرك كافر.
كالذين يدعون الأصنام والأولياء والأشجار، ويذبحون لهم ويسألونهم قضاء الحاجات ودفع البلاء.
هؤلاء كفار مشركون، من مات منهم ولم يتب فهو خالد مخلد في نار جهنم.
الدرجة2: الشرك الأصغر
ومنه: أ) الرياء والسمعة: فيزين عبادته من صلاة وصدقة لينال مدح الناس وثناءهم، فهذا لم يخلص لله الإخلاص الذي ينجو به من العذاب.
بيانه: أنه وإن كان في الحقيقة لم يعبد غير الله، إلا أنه بطلبه مدح الناس وثناءهم يكون قد ابتغى ثواب العبادة من غير الله عزوجل، فهو مشرك شركا أصغر يُحبط تلك العبادة.
قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزوجل أنه قال: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه"
وأيضا منه: ب) تعلّق قلب العبد بالدنيا: فتكون الدنيا أكبر همّه، ويضيّع بسببها الواجبات ويرتكب المحرمات، فيكون في قلبه عبودية للدنيا، ولا يكون قلبه سليما لله.
قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أُعطي رضي وإن لم يُعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيّك فلا انتقش) فالضابط: أنه إذا أُعطي رضي، وإن لم يُعط ظل ساخطا.
وهذا حاله كحال المنافقين.
قال تعالى: "ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون"
وهذا يشاهد: فيمن تعلّق قلبه بمال أو رئاسة أو محبة شخص.
فيتعلق قلبه بذلك الشيء مع رق وخضوع يصاحبه خوف ورجاء، فهذه من عبودية الدنيا وهي من الشرك الأصغر.
درجة3: فعل المعاصي
بارتكاب بعض المحرمات أو التفريط في بعض الواجبات.
وكلما عصى العبد ربه نقص من تحقيقه العبودية لله تعالى.
- وأكمل العباد عبودية لله أحسنهم استقامة على أمر الله عزوجل.
قال تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون"
- ومدار عبودية القلب على ثلاثة أمور عظيمة هي:
المحبة: وهي التي تدفعه للتقرب إلى الله
والأنس بذكره
والشوق إلى لقائه
فيحب الله محبة عظيمة
قال تعالى: "والذين آمنوا أشد حبا لله"
الخوف: وخوفه من الله يزجره عن فعل المعاصي أو ترك الواجبات.
ويجتنب أسباب سخط الله وعقابه.
الرجاء: فيرجو رحمة الله وفضله وإحسانه.
مما يحفزه على فعل الطاعات ابتغاء رضوان الله تعالى.
ويجب الإخلاص في هذه العبادات، مع الجمع بينها جميعا، فلا ييأس من روح الله، ولا يأمن مكر الله.
قال تعالى: "وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين"

الدرس السابع: معنى الكفر بالطاغوت

- لا يكون المرء مسلما موحّدا حتى يكفر بالطاغوت.
قال تعالى: "لا إكره في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى"
معنى الطاغوت:
هو كل ما يعبد من دون الله.
سواء كانت عبادته:
بدعائه أو الاستعانة به أو الذبح والنذر له.
أو كانت باتباعه في تحليل الحرام وتحريم الحلال.
أو كانت بالتحاكم إليه والرضى بحكمه.
وأشهر أصناف الطواغيت وأكثرها إضلالا ثلاثة:
(1) الشيطان الرجيم
وهو أصل كل طغيان وشرك.
قال تعالى: "ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين"
- وجعل الله عقوبة من أعرض عن ذكره: تسليط الشياطين عليه.
قال تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين* وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون"
ومن مظاهر تولّي الشياطين:
اتباع خطوات الشيطان
وتصديق وعوده
واستشراف أمانيه
وفعل ما يزيّنه من المعاصي
والإعراض عن هدى الله
قال تعالى: "كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضلّه ويهديه إلى عذاب السعير"
ولاجتناب الشيطان:
الاستعاذة بالله منه
والحذر من كيده
وعدم اتباع خطواته
وتحقيق الاستعاذة من الشيطان يكون:
بصدق الالتجاء إلى الله تعالى منه
واتباع هدى الله تعالى العاصم من كيد الشيطان، ومن ذلك:
1- تكرار الاستعاذة بالله منه
2- صدق الإيمان والتوكل على الله
3- الإخلاص
4- كثرة ذكر الله
5- التعويذات الشرعية
6- مشروعية التسمية في الأمور كلها
7- الحذر مما يتسلط به الشيطان (وهو نقيض كل ما سبق)
8- الحذر من اتباع خطوات الشيطان
ومن مداخل تسلط الشيطان على الإنسان:
في حال الغضب أو الفرح الشديد، أو الغفلة أو الفزع.
الانكباب على الشهوات
الشذوذ عن الجماعة
الوحدة، لا سيما في السفر
خلوة الرجل بالمرأة
غشيان مواضع الريب
الظن السيئ
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل في فيه"
(2) الأوثان التي تعبد من دون الله
وهي أنواع:
أ‌- الأصنام والتماثيل التي تنحت على شكل صور.
وهذه يعتقد فيها المشركون أنها تنفع وتضر، وأنها تشفع لمن دعاها عند الله تعالى.
قال تعالى: "أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون"
ب‌- الأشجار والأحجار المعظّمة.
وفيها يعتقد المشركون أنها تنفع وتضر، وأنها تشفع لمن دعاها عند الله تعالى.
وقد كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما حطمها الرسول صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة.
وكانت بعض أحياء العرب تحوي أحجارا وأصناما كثيرة تُعبد وتُعظم من دون الله تعالى.
ت‌- القبور والمشاهد والأضرحة والمقامات.
التي تعبد من دون الله تعالى: فيُطاف حولها، ويذبح وينذر لها، ويكون لبعضها سدنة يأكلون أموال الناس بالباطل، ويزيّنون لهم الشرك بالله.
قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد"
ونهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد: "... ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"
ومعنى اتخاذ القبور مساجد يتضمن ثلاثة أمور:
الصلاة إليها، أو الصلاة عليها، أو أن يُبنى عليها مسجدا.
ث‌- التعاليق والشعارات التي ترمز للشرك.
قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم وكان لابسا صليبا من ذهب: "يا عدي اطرح عنك هذا الوثن"
(3) من يحكم بغير ما أنزل الله
من كان له سلطان على الناس فأعرض عن تحكيم شرع الله فيهم، وحكمهم بأحكام من تلقاء نفسه فأحلّ الحرام وحرّم الحلال، فهذا طاغوت يريد أن يُعبد من دون الله تعالى، وعبادته طاعته في تحليل الحرام وتحريم الحلال.
قال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله"
قال عدي: إنا لسنا نعبدهم يا رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرم الله فتستحلونه"
قال: بلى
قال: "فتلك عبادتهم"
- والإعراض عن حكم الله، والتحاكم إلى الطواغيت والرضى بحكمهم هذا من أعمال المنافقين.
قال تعالى: "ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون"
ومن الطواغيت:
الكهان والعرافون والسحرة الذين يدّعون علم الغيب.
قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد"
ومن رضي أن يُعبد من دون الله، أو دعا إلى عبادة نفسه، فهذا طاغوت.
قال تعالى في قصة موسى مع فرعون: "فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحشر فنادى* فقال أنا ربكم الأعلى"
أما من عُبد من دون الله وهو لا يرضى بذلك، فهو برئ من هذا الشرك والطغيان.
قال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون"
الخلاصة:
قال تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"
من آمن بالله واتبع هداه، وكفر بالطاغوت: يخرجه الله من الظلمات إلى النور ويهديه فهو في أمن وطمأنينة وراحة وسكينة، فالله هو وليه وكافيه.
ومن اتبع الطاغوت: زاده ضلالا وخسارة، فهو في ظلمات الشك والحيرة والمعيشة الضنك، ويوم القيامة يقذفون جميعا في نار جهنم: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون"

الدرس الثامن: التحذير من الشرك وبيان أنواعه

قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا"
عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم. قال: "أن تجعل لله ندّا وهو خلقك"
معنى الشرك:
عبادة غير الله تعالى.
فالعبادة حق لله وحده.
قال تعالى: "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه"
فمن دعا مع الله أحدا فهو مشرك كافر (قد اتخذ لله شريكا وندّا في عبادته)
قال تعالى: "ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون"
مفاسد الشرك:
هو أعظم ذنب عُصي الله به
وهو أكبر الكبائر
وهو أعظم الظلم
وهو نقض لعهد الله وميثاقه
وهو خيانة لأعظم الأمانات وأكبر الحقوق، وهو حق الله عزوجل في استحقاقه أن يفرد بالعبادة سبحانه
ولهذا كان الشرك أعظم ما نهى الله عنه.
وكانت عقوبة فاعله أعظم العقوبة في الدنيا والآخرة.
ففي الدنيا:
مقت الله وسخطه، قال تعالى: "إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون"
مع ما يصيبهم من عقوبات في الدنيا: من الضلال والشقاء والخوف والحزن والمعيشة الضنك.
وأما ما يمتعون به في الدنيا فهو إلى أجل ثم هو عليهم عذاب وبال، قال تعالى: "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد"
وفي الآخرة:
فهم من حين قبض أرواحهم وهم في عذاب شديد متتابع بسبب لعنة الله لهم.
فيعذّبون: بالنزع الشديد لأرواحهم، ورؤية ملائكة العذاب، وفي قبورهم، وعند البعث، وطول الموقف يوم القيامة، وفي عرصات يوم القيامة، وفي نار جهنم لهم أشد العذاب.
- ومما يدل على عظيم خطر الشرك ووجوب الحذر منه: أن من أشرك بالله من بعد إسلامه حبط عمله وكان من الكافرين الخاسرين.
قال تعالى: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين"
فالأنبياء على صلاحهم وشرفهم لا يغفر لهم الشرك بالله، مع علمنا أنهم معصومون من ذلك، ولكن بقي لنا الخطاب لنتأمله ونتدبره ونفهم منه عظيم جُرم الشرك.
والشرك على قسمين:
(1) الشرك الأكبر: [وهو مخرج من الملة، من مات ولم يتب منه فهو خالد مخلد في نار جهنم]
ويكون في الربوبية: بأن تعتقد أن مع الله شريكا في أفعاله من الخلق والملك والتدبير.
وفي الألوهية: بأن تعبد غير الله.
فتدعو مع الله أحدا غيره.
ويكون الشرك الأكبر بالقلب والقول والعمل
مثال الشرك الأكبر القلبي:
اعتقاد أن الأوثان تنفع وتضر
وأن لها تصرف في الكون
وأنها تعلم الغيب
ودعاءها من دون الله والاستعانة والتوكل عليها
فمن صرف شيئا من هذه العبادات القلبية لغير الله فهو مشرك كافر
مثال الشرك الأكبر القولي:
دعاء الأوثان
والأقوال الكفرية من مدحها وتعظيمها
وافتراء الكذب على الله
مثال الشرك الأكبر العملي:
الذبح والنذر لغير الله
السجود لغير الله
(2) الشرك الأصغر: [لا يخرج من الملة، ولا يوجب الخلود في النار، لكنه ذنب عظيم]
وهو ما كان وسيلة للشرك الأكبر، وسمّي في النصوص شركا، مع عدم تضمنه صرفا للعبادة لغير الله عزوجل.
ويكون بالقلب والقول والعمل
مثال الشرك الأصغر القلبي:
وهو اعتقاد السببية فيما لم يجعله الله سببا لا شرعا ولا قدرا.
كاعتقاد النفع في التمائم، والطيرة
مثال الشرك الأصغر العملي:
ومنه الرياء: بتحسين أداء الصلاة لطلب مدح الناس وثناءهم على عبادته لله عزوجل.
فهو شرك أصغر: لأنه لم يخلص القصد لله عزوجل [حيث ابتغى ثواب عبادته من الناس]
وليس بشرك أكبر: لأنه لم يعبد غير الله [فهو في الحقيقة صلى لله]
مثال الشرك الأصغر القولي:
كقول: ما شاء الله وشئت، ومطرنا بنوء كذا
والحلف بغير الله
وباعتبار آخر: يقسم الشرك إلى:
(1) الشرك الجلي: وهو الشرك البين الظاهر (سائر أفعال وأقوال الشرك الظاهرة)
كدعاء غير الله، والذبح والنذر للأوثان.
(2) الشرك الخفي: ومنه أكبر وأصغر
فالشرك الخفي الأكبر: هو كل أعمال الشرك الأكبر الخفية.
كتعلق القلب بغير الله تعلقا أكبر، فيقدّم طاعة غير الله على طاعة الله من غير قصد عبادة غير الله.
قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "يا أبابكر للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل"
فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر.
فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره"
قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم"
هذا الدعاء النبوي سبب عظيم:
للبراءة منه، وذهاب أثره، ومغفرة الله لصاحبه.
والشرك الخفي لا يكاد أحد يسلم منه إلا من عصمه الله:
لأن منه:
1- تقديم هوى النفس على طاعة الله.
2- وطاعة المخلوقين في معصية الخالق.

ليلى باقيس 11 ربيع الثاني 1433هـ/4-03-2012م 03:47 PM

حلية طالب العلم
بسم الله الرحمن الرحيم


الفصل الأول: آداب طالب العلم في نفسه

مقدمة المصنف رحمه الله ومما جاء فيها:
الطموح إذا لم يُضبط فإنه يكون دمارا، ومن أمثلة ذلك:
- الخوارج لديهم محبة بكون المسلمين على الحق، لكن هذا قد زاد حتى كفّروا المسلمين وأئمتهم وخرجوا عليهم، فكانوا كما قال صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة"
- الاستعجال في التصدّر قبل التأهل.
- أن يكلّف الطالب نفسه في طلب العلم ما لا تطيق.
مقدمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ومما جاء فيها:
طالب العلم إذا لم يتحلّ بالأخلاق الفاضلة فطلبه للعلم لا فائدة فيه.
فينبغي لطالب العلم كلما علم شيئا من الفضائل أو العبادات أن يعمل به، فإن لم يفعل فهو والجاهل سواء.
بل الجاهل قد يكون أحسن حالا منه:
1- لأن هذا ترك الفضل عن عمد بخلاف الجاهل.
2- ولأن الجاهل قد يعلم فيعمل وينتفع، وهذا علم ولم ينتفع.
ومن الآداب التي يتحلى بها الطالب في نفسه:
1) أن تعلم أن طلب العلم عبادة من أجل وأفضل العبادات.
قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"
وشرطي العبادة:
· الإخلاص
قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"
ويتحقق الإخلاص في طلب العلم:
بأن تنوي بذلك امتثال أمر الله، وتنوي حفظ الشريعة، وحمايتها والدفاع عنها، وتنوي متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يفسد النية ويذهب بركة العلم:
الرياء والتسميع، وحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعل العلم سلما لأغراض وأعراض.
ومن هنا حرص السلف على سلامة النية وحمايتها:
فنهوا عن الطبوليّات: وهي المسائل التي يُراد بها الشهرة.
وكانوا يتحرّزون من عطايا السلطان.
والذي يحفظ لك نيتك من هذه الشوائب:
بذل الجهد في الإخلاص، والخوف الشديد من نواقضه، وأن تكون عظيم الافتقار والالتجاء إلى الله.
· متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
وبها تحقق الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة: وهي محبة الله تعالى، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2) كن على جادة السلف الصالح في جميع أبواب الدين.
- باتباع الصحابة ومن بعدهم ممن قفا أثرهم.
- ملتزما آثار الرسول صلى الله عليه وسلم عاملا بالسنة.
- تاركا الجدال والمراء والخوض في علم الكلام.
3) ملازمة خشية الله تعالى.
4) ودوام المراقبة.
ومن آثار خشية الله تعالى:
- أن يعمر ظاهره وباطنه من خشية الله.
- يحافظ على شعائر الإسلام.
- يعمل بالسنة ويدعو إليها وينشرها.
- ويدل على الله بسمته وعلمه وعمله.
والخشية: هي الخوف من الله المبني على العلم والتعظيم.
قال تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"
ومن عمل بعلمه: زاده الله هدى، وتقوى، وأورثه علم ما لم يعلم، وهو سبب لثبات العلم وعدم نسيانه.
ومن لم يعمل بعلمه: كان أول من تسعّر به النار، وأورثه ذلك الفشل وعدم البركة في العلم، والنسيان.
- والخوف والرجاء وأيهما يغلّب:
قول الإمام أحمد رحمه الله: أن يكون خوفه ورجاؤه واحد.
من العلماء من يفصل أنه بحسب الحال؛ فإن همّ بعمل طاعة غلّب الرجاء، وإن همّ بعمل معصية غلّب الخوف.
بحسب الحال ولكن باعتبار آخر؛ في حال المرض يغلّب الرجاء، وفي حال الصحة يغلّب الخوف.
5) خفض الجناح ونبذ الكبرياء والخيلاء.
تحلّ بآداب النفس من:
- العفاف
- الحلم
- الصبر
- التواضع للخلق
- السكون والوقار والرزانة
وتجنّب نواقض هذه الآداب من:
- الخيلاء: وهي نفاق وكبرياء، وتعني: اعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن.
وفي الحديث: "من جرّ ثوبه خيلاء ... "
- داء الجبابرة (الكبر)
ومن مظاهره: تطاولك على معلمك، استنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك، تقصيرك عن العمل بالعلم.
قال صلى الله عليه وسلم: "الكبر بطر الحق وغمط الناس"
كيفية التخلص من الكبرياء والخيلاء والكبر:
الزم اللصوق بالأرض
والإزراء على نفسك وهضمها
ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة
وكلما ازددت علما أو رفعة فالزم ذلك.
6) القناعة والزهادة
7) هجر الترفه
هناك زهد وورع، والزهد أعلى مقاما من الورع
فالورع: ترك ما يضر في الآخرة، والزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة.
(فلا تسترسل في التنعّم والرفاهيّة) فذلك مخالف لإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم.
والإنسان إذا اعتاد الرفاهيّة صعب عليه مواجهة الأمور.
(إياكم والتنعّم) المعنى: أحذركم مع التنعم، أي كثرته.
لأن التنعم بما أحل الله على وجه لا إسراف فيه من الأمور المحمودة.
ومن ترك التنعّم بما أحلّ الله من غير سبب شرعي فهو مذموم.
(اخشوشنوا) هو من الخشونة التي هي ضد الليونة والتنعم.
وكن حذرا في لباسك (قيود اللباس):
- فهو يُعبّر عن انتمائك وتكوينك وذوقك
- والناس يُصنّفونك من لباسك
- وخُذ من اللباس ما يُزيّنك ولا يُشينك
- وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك.
ومما يُجتنب من اللباس:
- لباس التصابي
- اللباس الإفرنجي
- اللباس المشوّه مما يُظهر الزهد، أو يكون هُزُوا في حقّه.
فيلبس ما وافق رسم الشرع، محفوفا بالسمت الصالح، والهدي الحسن.
8) التحلّي برونق العلم
- دوام السكينة والوقار
- الخشوع والتوضع
- ولزوم المحجّة بعمارة الظاهر الباطن
عن ابن سيرين: "كانوا يتعلّمون الهدي كما يتعلّمون العلم"
وعلى طالب العلم أن يجتنب:
اللعب (إلا ما جاءت به الشريعة، كاللعب بالرمح والفرس والسيف)
والعبث (أن يفعل أو يقول ما لا داعي له)
والتبذل في المجالس (بالسخف والضحك والقهقهة وكثرة التنادر وإدمان المزاح والإكثار منه)
فإنه يضع القدر ويُزيل المروءة ويُذهب الهيبة من قلوب الناس.
وقال عمر بن الخطاب: "من تزيّن بما ليس فيه شانه الله"
فمن تزيّن بأنه طالب علم أو صاحب عبادة وليس كذلك، فهذا يفتضح أمره ويكشف.
9) التحلّي بالمروءة
10)التمتع بخصال الرجولة
المروءة: هي فعل ما يُجمّله ويزيّنه، واجتناب ما يدنّسه ويشينه.
فهي كل سبب للثناء عليه، من:
- مكارم الأخلاق
- وطلاقة الوجه
- وإفشاء السلام
- وتحمّل الناس
- والعزّة من غير جبروت، والشهامة من غير عصبيّة، والحميّة من غير جاهلية.
ومن خوارم المروءة:
حرفة مهينة، وخلة رديئة، والرياء، والبطر، والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب.
وخصال الرجولة منها:
الشجاعة: وهي الإقدام في محل الإقدام مسبوق برأي وتفكير.
شدة البأس في الحق
مكارم الأخلاق
والبذل في سبيل المعروف
11)الإعراض عن مجالس اللغو
12)الإعراض عن الهيشات
واللغو نوعان:
لغو ليس فيه فائدة ولا مضرّة، فهذا خسارة مضيعة للوقت.
لغو ليس فيه مضرّة، فهذا منكر ومحرّم أن يمضي أن الإنسان فيه وقته، وهو المراد هنا.
قال تعالى: "وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم"
ويصون الطالب نفسه من اللغط والهيشات، كهيشات الأسواق.
13)التحلّي بالرفق
14)التأمّل وهو التأنّي
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"
ولكن يكون رفيقا من غير ضعف، رفيقا في مواضع الرفق، وعنيفا في مواضع العنف.
وينبغي التأمّل عند الكلام، وعند المذاكرة، وعند السؤال والجواب.
وإذا دار الأمر بين التأنّي والتعجّل، فيقدّم التأنّي.
15)الثبات والتثبّت
متشابهان لفظا، مختلفان معنى
الثبات: معناه الصبر والمصابرة على الطلب والتلقي، وألّا يملّ ولا يتضجّر .
والتثبت: فيما يُنقل من الأخبار، وفيما يصدر منك من الأحكام.

ليلى باقيس 23 ربيع الثاني 1433هـ/16-03-2012م 09:31 AM

معالم الدين: القسم الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس التاسع


التحذير من النفاق (1 – 3)

معنى النفاق
هو مخالفة الظاهر للباطن
وهو على قسمين:
1- النفاق الأكبر: وهو مخرج من الملة، وهو إظهار الإسلام وإضمار الكفر.
2- النفاق الأصغر: وهو غير مخرج من الملة، وهو أن يكون لدى العبد بعض خصال المنافقين التي لا تخرج من الملة لذاتها.
قال صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"
- وأصحاب النفاق الأكبر المخرج من الملة على صنفين:
1) من لم يُسلم على الحقيقة؛
وإنما أظهر الإسلام خديعة ومكرا ليكيد الإسلام وأهله.
فهو في الباطن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.
قال تعالى: "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون"
2) من يرتدّ بعد إسلامه
بارتكاب ما ينقض الإسلام ويُخرج من الملّة مع إظهاره للإسلام.
ومنهم من يُعلم بكفره وإنسلاخه من الدين.
ومنهم من يحسب أنه يحسن صنعا.
قال تعالى: "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى يُراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا"
فهم مذبذبون مترددون ليسوا كالكفار ظاهرا وباطنا، ولا من المؤمنين ظاهرا وباطنا.
قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة"
- وبين الله تعالى في الكتاب والسنة:
- خصال المنافقين وأعمالهم
- وعلاماتهم
- وعقوباتهم في الدنيا والآخرة
- وأحكام معاملتهم
- وما يجب على المؤمن من الحذر من النفاق والمنافقين فهم ألد الأعداء وأشّدهم خطرا
قال تعالى: "هم العدو فاحذرهم"
فيحذر المؤمن:
من كيدهم ومكرهم
ومن الاغترار بما يزيّنون من أعمال الكفر والفسوق والعصيان
ومن التخلق بأخلاقهم أو الاتصاف بصفاتهم
- والمنافقون من الصنفين متفاوتون في نفاقهم فبعضهم أشد كفرا ونفاقا من بعض.
فمنهم:
(1) الماردون على النفاق
وهم شديدو العداوة والكيد للإسلام والمسلمين
- يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويسعون للفتنة بينهم، وتوهينهم، وتهويل شأن الكفار وتمكينهم.
- يؤذون المسلمين في أنفسهم وأعراضهم بطرق ماكرة دنيئة.
- يسعون للتضييق على المسلمين في أمور دينهم ودنياهم بكل ما تستطيعون.
- يُنفرون من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
- وينفرون من تحكيم الشريعة، ويريدون التحاكم إلى الطاغوت.
ويجمع هذه الأعمال: أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم.
وإذا أصاب المسلمين شر وبلاء سرّهم ذلك وفرحوا به.
وإذا أصاب المسلمين خير ورفعة ساءهم ذلك.
ولذلك من ألزم وألصق صفاتهم: أنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
قال تعالى: "بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإن العزة لله جميعا* وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا* الذين يتربصون بكم .."
(2) ومن المنافقين من هو متردد بين الإسلام والكفر.
فتارة يعمل بأعمال المسلمين ظاهرا وباطنا
وتارة يرتكب ما يخرج به من دين الإسلام، فهو متردد متذبذب لم يخلص دينه لله.
وهؤلاء يبيّن الابتلاء حالهم ويكشف عوارهم ونفاقهم
ويعاقبون بالطبع على قلوبهم وبالشك والريبة في أحوالهم وأعمالهم.
قال تعالى: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون"
وهؤلاء يقعون في أعمال كفرية مخرجة من الملة:
- كموالاة الكفار في الشدائد والفتن
- الاستهزاء بالدين وسب الله والرسول صلى الله عليه وسلم
- النفور من تحكيم الشريعة وإرادة التحاكم إلى الطاغوت
خطر الكلمة:
أن العبد قد يكفر بكلمة يقولها
والدليل:
1- قال تعالى: "يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم" فهم كفروا بكلمة قالوها بعدما كانوا مسلمين
2- عن علقمة عن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه" فكان علقمة يقول: كم من كلام منعنيه حديث بلال بن الحارث
3- وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقا وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات.
لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير، أو ليسحتنكم الله جميعا بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يُستجاب لكم" أحمد
- فخطر اللسان عظيم وشأنه كبير:
أ‌- ومن عدّ كلامه من عمله، احترز في منطقه، وظهرت عليه أمارات التقوى.
ب‌- ومن تهاون في منطقه، مع رقة ديانته، لم يأمن أن يتكلم بكلمة توجب له سخط الله ومقته، أو يتكلم بكلمة يكفر بها.
وهذا الأمر يكثر وقوعه عند الفتن، ولا سيّما في آخر الزمان.
قال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا" متفق عليه
- ولهذا اشتد خوف الصحابة والتابعين من الوقوع في شيء من خصال المنافقين وأعمالهم.
قال ابن أبي مليكة: (أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول أنه على إيمان جبريل وميكائيل).

الدرس العاشر


التحذير من النفاق (2 – 3)

- وسبيل السلامة والبراءة من النفاق هو اتباع هدى الله تعالى.
قال تعالى في المنافقين: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشدّ تثبيتا * وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما * ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما"
فالمنافقون خسروا الخسران العظيم بسبب إعراضهم عن هُدى الله:
فخسروا رضوان الله
وفضله ورحمته وثوابه العظيم
ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
ووقعوا في شر أعمالهم من:
تكذيبهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وسوء ظنّهم بالله
واتباعهم ما يسخطه الله
وكراهيتهم لما يحبه ويرضاه
وسعيهم في محاربة دين الله بأقوالهم وأعمالهم
وتولّيهم للكافرين من أهل الكتاب والمشركين
ومظاهرتهم لهم على المسلمين
وإيذائهم للمؤمنين
فاستحقوا العذاب الشديد على إجرامهم
قال تعالى: "ويعذّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانّين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا"
- وهم بسبب مخالفة ظواهرهم لبواطنهم وقعوا في أعمال قبيحة وذميمة، من:
الكذب، والغدر، والخيانة، والفجور، وإخلاف الوعد، وكانت هذه أخلاقهم التي يُعرفون بها.
فأعمال المنافقين على صنفين:
الصنف الأول: أعمال كفرية
من وقع فيها فهو كافر بالله، خارج عن دين الإسلام، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.
مثل: تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبغض والسب والاستهزاء بالله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم.
هذه الأعمال ونحوها هي من نواقض الإسلام، من وقع فيها فهو غير مؤمن بالله جلّ وعلا، بل هو كافر خارج عن دين الإسلام.
فإن كان يُظهر الإسلام فهو منافق النفاق الأكبر.
وهذا الصنف يسميه بعض أهل العلم: النفاق الاعتقادي.
بسبب انطواء القلب على الكفر، وإلا فإن القلب المؤمن لا تصدر منه هذه الأعمال والأقوال الكفرية،
وليس مرادهم حصر أعمال النفاق الأكبر في الأمور الاعتقاديّة.
الصنف الثاني: أعمال وخصال ذميمة.
وهي وإن لم تكن مكفّرة لذاتها، إلا أنها لا تجتمع إلا في المنافق الخالص.
قال صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاثة؛ إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"
· فالذي يكون من شأنه أنه إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، فهو منافق خالص.
و(إذا) غير الغائية، للتكرار والكثرة.
· فيخرج منه من يفعل ذلك على وجه الندرة والقلة، فيكون قد أذنب وأتى بعمل من أعمال المنافقين،
لكنه لا يصير بذلك منافقا، أو صاحب خصلة من خصال النفاق، حتى يكون ذلك شأنه الذي يعتاده أو يُعرف عنه.
من يكون في قلبه إيمان ونفاق:
- أما النفاق الأكبر فلا يجتمع مع الإيمان
فصاحبه كافر بالله، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، لأن الكفر محبط للعمل.
قال تعالى: "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين"
- وأما النفاق الأصغر
الذي لا يخرج من الملة فقد يكون في قلب المسلم بعض خصاله، كما دلّ على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق"
فالمسلم قد يكون لديه نفاق يكثر ويقل بحسب مبلغ إيمانه وطاعته لله تعالى:
· فمنهم من يكون فيه شوائب من نفاق فتقع منه الكذبة والكذبتان، ويقع منه إخلاف الوعد أحيانا ونحو ذلك.
· ومنهم من يكثر منه الوقوع في هذه الأعمال مع قلة ذكر الله، وكثرة تجاوز حدود الله بانتهاك الحرمات والتفريط في الواجبات، والانكباب على الشهوات، فيكون في قلبه نفاق كثير وإيمان قليل.
· ومن المسلمين من لا يكاد يصلّي إلا على عجلة، مع تأخيره للصلاة إلى وقت الكراهة، وإساءته في أدائها.
قال صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا"
فهذا غلب على قلبه النفاق فاستحق أن يسمى منافقا، مع وجود إيمان في قلبه منعه من ترك الصلاة مطلقا.
ويكثر في هذا الصنف وقوعه في: الرياء والتسميع، وما يُحبط بعض الأعمال كالمن والإيذاء في النفقة، وطلب الدنيا بعمل الآخرة، وانتهاك الحرمات في الخلوات.
فهم على خطر عظيم أن يؤدي بهم هذا التهاون إلى الانسلاخ من الدين.
ومن مات منهم على ذلك؛ فهو من أهل الكبائر المتوعد بالعذاب الشديد، ولكن لا يخلد في النار لبقاء إسلامه.
قال صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء مُلتوية"
وأما من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام فهو كافر خارج من الإسلام.
توبة المنافق:
إذا تاب المنافق قبل موته وأصلح عمله واعتصم بالله وأخلص دينه لله عزوجل فتوبته صحيحة مقبولة.
قال تعالى: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما"
وكذلك المسلم الذي فيه بعض خصال النفاق إذا تاب منها وتركها، تاب الله عليه وبرئ من النفاق.
سبل النجاة من النفاق:
تكرار التوبة والاستغفار
رعاية حدود الله وتعظيم أوامره
البراءة من الشرك وأهله
إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
محبة الجهاد، وتحديث النفس بذلك
الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
التواصي بالحق، والتواصي بالصبر
التحاض على طعام المسكين، والإنفاق في سبيل الله إيمانا واحتسابا
قال صلى الله عليه وسلم: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن"

ليلى باقيس 2 رجب 1433هـ/22-05-2012م 05:33 PM

تفسير الفاتحة وجزء عم
بسم الله الرحمن الرحيم


ملخصات من كتاب الضوء المنير على التفسير للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله جمعه الشيخ: علي الحمد المحمد الصالحي

* جزء عم *

(سورة النازعات)
ومما جاء في تفسيرها:
· قوله تعالى: {والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا} فهذه خمسة أمور؛ وهي صفات الملائكة.
فأقسم سبحانه بالملائكة الفاعلة لهذه الأفعال، وحذف مفعول النزع والنشط، وأن القسم على نفس الأفعال الصادرة من هؤلاء الفاعلين، فكان نفس النزع هو المقصود لا عين المنزوع.
والنزع هو اجتذاب الشيء بقوة، والإغراق في النزع هو أن يجتذبه إلى آخره.
قلت: النازعات اسم فاعل من نزع.
وهذا إنما توصف به النفوس التي لها حركة إرادية للميل إلى الشيء أو الميل عنه، وأحق ما صدق عليه هذا الوصف الملائكة، لأن هذه القوة فيها أكمل.
والنفس الإنسانية أيضا لها هذه القوة، والنجوم أيضا تنزع من أفق إلى أفق، فالنزع حركة شديدة، سواء كانت من ملك، أو نفس إنسانية، أو نجم، والنفوس تنزع إلى أوطانها، وعند الموت تنزع إلى ربها، والملائكة تنزع من مكان إلى مكان.
فالصفة واقعة على كل من له هذه الحركة التي هي آية من آيات الرب تعالى؛ وإن كانت الملائكة أحق من تناوله هذا الوصف.

· إن الملائكة موكّلة بالعالم العلوي والسفلي، تدبره بأمر الله عزوجل كما قال تعالى: {فالمدبرات أمرا}.
وقد وكل الله سبحانه بالأفلاك والشمس والقمر ملائكة تحرّكها، ووكّل بالرياح ملائكة تصرّفها بأمره وهم خزنتها، قال تعالى: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية}، وقال غير واحد من السلف: عتت على الخُزّان فلم يقدروا على ضبطها (ذكره البخاري في صحيحه).
ووكل بالقطر ملائكة وبالسحاب ملائكة تسوقه إلى حيث أمرت به.
ووكل الله سبحانه بالجبال ملائكة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه ملك الجبال يسلّم عليه ويستأذنه في هلاك قومه إن أحبّ، فقال: بل أستأني لهم لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا.
ووكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة؟ يا رب علقة؟ يا رب مضغة؟ يا رب ذكر أو أنثى؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ وشقي أم سعيد؟
ووكل بكل عبد أربعة من الملائكة في هذه الدنيا؛ حافظان عن يمينه وعن شماله يكتبان أعماله، ومعقبات من بين يديه ومن خلفه أقلهم اثنان يحفظونه من أمر الله.
ووكل بالموت ملائكة، ووكل بمساءلة الموتى ملائكة في القبور، ووكل بالرحمة ملائكة، وبالعذاب ملائكة، وبالمؤمن ملائكة يثبتونه ويؤزونه إلى الطاعات أزّا.
ووكّل بالنار ملائكة يبنونها ويوقدونها، ويصنعون أغلالها وسلاسلها، ويقومون بأمرها.
ووكّل بالجنة ملائكة يبنونها ويفرشوها، ويصنعون أرائكها وسُررها وصحافها ونمارِقها وزرابيها.
فأمر العالم العلوي والسفلي والجنة والنار بتدبير الملائكة بإذن ربهم تبارك وتعالى وأمره {لا يسْبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}
وكذلك البحار قد وكّلت بها ملائكة تسجرها وتمنعها أن تفيض على الأرض فتغرق أهلها.
وإذا عُرف ذلك؛ عُرف أن كل حركة في العالم فسببها الملائكة، وحركتهم طاعة الله بأمره وإرادته، فيرجع الأمر كله إلى تنفيذ مراد الرب تعالى شرعا وقدرا، والملائكة هم المنفذون ذلك بأمره، ولذلك سمّوا ملائكة من الألوكة وهي الرسالة، فهم رسل الله في تنفيذ أوامره.

· من تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس، فإن النفس المذمومة ذكرت في قوله: {إن النفس لأمارة بالسوء}، واللوامة في قوله: {ولا أقسم بالنفس اللوامة}، وذكرت النفس المذمومة في قوله: {ونهى النفس عن الهوى}
وأما الشيطان فذُكر في عدة مواضع، فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس.
وقد أمر الله سبحانه بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك، وهذا لشدة الحاجة إلى التعوّذ منه، ولم يأمر بالاستعاذة من النفس في موضع واحد، وإنما جاءت الاستعاذة من شرها في خطبة الحاجة في قوله صلى الله عليه وسلم: "ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا"
فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك، قال تعالى: {فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه، ونهي النفس عن الهوى، والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة، وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، والأمّارة بالسوء، واللوّامة.
فاختلف الناس: هل النفس واحدة، وهذه أوصاف لها، أم للعبد ثلاث أنفس؟
والتحقيق: ... أنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها.

· وأما مخالفة الهوى؛ فلم يجعل الله للجنة طريقا غير مخالفته، ولم يجعل للنار طريقا غير متابعته، قال تعالى: {فأمّا من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}

(سورة عبس)
ومما جاء في تفسيرها:
· وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الفكر فيه؛ أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى، وبوحدانيته، وصفات كماله، ونعوت جلاله، من عموم قدرته، وعلمه، وكمال حكمته، ورحمته، وإحسانه، وبرّه، ولطفه، وعدله، ورضاه، وغضبه، وثوابه، وعقابه، فبهذا تعرّف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته.
ومن ذلك خلق الإنسان، وقد ندب سبحانه إلى التفكر فيه والنظر في غير موضع من كتابه؛ كقوله تعالى: {فلينظر الإنسان ممّ خلق} وقوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}
وهذا كثير في القرآن يدعو العبد إلى النظر والفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره، إذ نفسه من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه، وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه، وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه، ولو فكّر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن كفره، قال تعالى: {قُتل الإنسان ما أكفَرَهُ * من أي شيء خَلقهُ * من نطفة خلقه فقدرهُ * ثم السبيل يسرهُ * ثم أماته فأقبرهُ * ثم إذا شاء أنشرهُ}

(سورة التكوير)
ومما جاء في تفسيرها:
· قرأ قارئ: {إذا الشّمسُ كورت * وإذا النّجوم انكدرتْ * وإذا الجبالُ سيرت}؛ وفي الحاضرين أبو الوفاء بن عقيل، فقال له قائل: يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية، وسير الجبال، ودكّ الأرض، وفطر السماء، ونثر النجوم، وكوّر الشمس؟ فقال: إنما بنى لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها، وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه بحسن التأمل والتذكر، فلما انقضت مدة السكنى، وأجلاهم من الدار خربها لانتقال الساكن منها، فأراد أن يعلمهم بأن السكونين كانت معمورة بهم، وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة وتكذيب لأهل الإلحاد وزنادقة المنجمين وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالها قد تشققت، وظهرت فضائحهم، وتبيّن كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث مدبر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم، فكم لله من حكمة في هدم هذه الدار، ودلالة على عظم عزته وقدرته وسلطانه وانفراده بالربوبية وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره وإذعانها لمشيئته، فتبارك الله رب العالمين.

· قوله تعالى: {إِنّه لقولُ رسولٍ كريمٍ * ذي قوة عند ذِي العرش مكينٍ * مطاعٍ ثم أمين}
ووصف رسوله الملكي في هذه السورة بأنه؛ كريم، قوي، مكين عند الرب تعالى، مطاع في السموات، أمين، فهذه خمس صفات تتضمن تزكية سند القرآن، وأنه سماع محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسماع جبريل من رب العالمين، فناهيك بهذا السند علوّا وجلالة؛ قول الله سبحانه بنفسه تزكيته.
الصفة الأولى كون الرسول الذي جاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم كريما، ليس كما يقول أعداؤه: إن الذي جاء به شيطان، فإن الشيطان خبيث مخبث لئيم، قبيح المنظر، عديم الخير، باطنه أقبح من ظاهره، وظاهره أشنع من باطنه، وليس فيه ولا عنده خير فهو أبعد شيء عن الكرم.
والرسول الذي ألقى القرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم كريم، جميل المنظر، بهي الصورة، كثير الخير، طيب مطيب، معلم الطيبين، وكل خير في الأرض من هدى وعلم ومعرفة وإيمان وبر، فهو مما أجراه ربه على يده، وهذا غاية الكرم الصوري والمعنوي.
الوصف الثاني أنه ذو قوة كما قال في موضع آخر: {علّمه شديد القوى}؛ وفي ذلك تنبيه على أمور:
أحدها: أنه بقوته يمنع الشياطين أن تدنو منه، وأن ينالوا منه شيئا، وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، بل إذا رآه الشيطان هرب منه ولم يقربه.
الثاني: أنه موال لهذا الرسول الذي كذبتموه، ومعاضد له، ومواد له ومناصر، كما قال تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}، ومن كان هذا القوي وليّه، ومن أنصاره، وأعوانه، ومعلمه، فهو المهدي المنصور، والله هاديه وناصره.
الثالث: أن من عادى هذا الرسول، فقد عادى صاحبه ووليه جبريل، ومن عادى ذا القوة والشدة فهو عرضة للهلاك.
الرابع: أنه قادر على تنفيذ ما أمر به لقوته، فلا يعجز عن ذلك، مؤد له كما أمر به لأمانته، فهو القوي الأمين.
وهذا يدل على عظمة شأن المرسل، والرسول، والرسالة، والمرسل إليه، حيث انتدب له الكريم القوي المكين عنده، المطاع في الملأ الأعلى، الأمين حق الأمين، فإن الملوك لا ترسل في مهماتها إلا الأشراف، ذوي الأقدار والرتب العالية.

· قوله تعالى: {فأينَ تذْهبُون}
قلت: هذا من أحسن اللازم وأبينه، أن تبيّن للسامع الحق ثم تقول له: إيش تقول خلاف هذا؟ وأين تذهب خلاف هذا؟ قال تعالى: {فَبِأي حديث بعده يؤمنون} وقال: {فبِأي حديثٍ بعد الله وآياته يُؤمنون}، فالأمر منحصر في الحق والباطل، والهدى والضلال، فإن عدلتم عن الهدى والحق، فأين العدول؟ وأين المذهب؟ [6 : 261-293]

(سورة الانفطار)
ومما جاء في تفسيرها:
· إذا أذنب العبد الموحّد المتبع سبيل الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم استغفر له حملة العرش ومن حوله، وإذا نام العبد المؤمن بات في شعاره ملك، فملك المؤمن من يرد عليه، ويحارب، ويدافع عنه، ويعلّمه، ويثبته، ويشجعه، فلا يليق به أن ينسى جواره، ويبالغ في أذاه وطرده عنه وإبعاده، فإنه ضيفه وجاره.
وإذا كان إكرام الضيف من الآدميين والإحسان إلى الجار من لزوم الإيمان وموجباته، فما الظن بإكرام أكرم الأضياف، وخير الجيران وأبرهم؟
وإذا آذى العبد الملك بأنواع المعاصي والظلم والفواحش دعا عليه ربه وقال: "لا جزاك الله خيرا"، كما يدعو له إذا أكرمه بالطاعة والإحسان، قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: "إن معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم وأكرموهم"
وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: {وإنّ عليكُم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تَفعلون} أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام وأكرموهم وأجلّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟
· وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وإعراضه عن الله والدار الآخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله؟
وكل شيء تعلّق به وأحبه من دون الله، فإنه يسومه سوء العذاب، فكل من أحب شيئا غير الله عُذّب به ثلاث مرات في هذه الدار، فهو يُعذّب به قبل حصوله حتى يحصل، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته والتنغيص والتنكيد عليه وأنواع المعارضات، فإذا سلبه اشتدّ عذابه عليه، فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار.
وأما في البرزخ فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجى عوده، وألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده، وألم الحجاب عن الله، وألم الحسرة التي تقطع الأكباد.
... فقلوب أهل البدع، والمعرضين عن القرآن، وأهل الغفلة عن الله، وأهل المعاصي في جحيم قبل الجحيم الأكبر، وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر، {إنّ الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم} وإنما كان تمام وكمال ظهور ذلك في الدار الآخرة.

(سورة المطففين)
ومما جاء في تفسيرها:
· قال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}
قال أبو عبيدة: غلب عليها.
وقال أبو معاذ النحوي: الرين أن يسود القلب من الذنوب. والطبع: أن يطبع على القلب وهو أشد من الرين. والأقفال أشد من الطبع وهو أن يقفل على القلب.
وقال الفراء: كثرت الذنوب والمعاصي منهم فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها.
وأما الرين والران فهو من أغلظ الحجب على القلب وأكثفها.
... فالقبائح تسود القلب وتطفئ نوره، والإيمان هو نور في القلب، والقبائح تذهب به أو تقلله قطعا.
فالحسنات تزيد نور القلب والسيئات تطفئ نور القلب.
ثلاث فوائد من فوائد تجنب القبائح:
إحداها: صون النفس. وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها عند الله عزوجل وملائكته، وعباده المؤمنين وسائر خلقه، فإن من كرمت عليه نفسه وكبرت عنده صانها وحماها، وزكاها وعلاها، ووضعها في أعلى المحال. وزاحم بها أهل العزائم والكمالات. ومن هانت عليه نفسه وصغرت عنده ألقاها في الرذائل... ودساها ولم يصنها عن قبيح.
الثاني: ملاطفة الخلق. وهي معاملتهم بما يحب أن يعاملوه به من اللطف. ولا يعاملهم بالعنف والشدة والغلظة. فإن ذلك ينفرهم عنه، ويفسد عليه قلبه وحاله مع الله ووقته. فليس للقلب أنفع من معاملة الناس باللطف.
الثالث: مراقبة الحق سبحانه. وهي الموجبة لكل صلاح وخير عاجل وآجل...
فمراقبة الحق سبحانه وتعالى: توجب إصلاح النفس، واللطف بالخلق.

(سورة الانشقاق)
ومما جاء في تفسيرها:
· قوله تعالى: {لتركبن طبقا عن طبق}
... وهو تنقل الإنسان حالا بعد حال، من حين كونه نطفة إلى مستقره من الجنة أو النار، فكم بين هذين من الأطباق والأحوال للإنسان.

(سورة البروج)
ومما جاء في تفسيرها:
· قال تعالى: {إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود}
ثم وصف حالهم القبيحة بأنهم قعود على جانب الأخدود، شاهدين ما يجري على عباد الله تعالى وأوليائه عيانا، ولا تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة، ولا يعيبون عليهم دينا سوى إيمانهم بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السموات والأرض.
وهذا الوصف يقتضي إكرامهم وتعظيمهم ومحبتهم، فعاملوهم بضد ما يقتضى أن يعاملوا به. وهذا شأن أعداء الله دائما. ينقمون على أوليائه ما ينبغي أن يحبوا ويكرموا لأجله، كما قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون}...
وكذلك أهل الإشراك ينقمون من الموحدين تجريدهم التوحيد، وإخلاص الدعوة والعبودية لله وحده.
وكذلك أهل البدع ينقمون من أهل السنة تجريد متابعتها وترك ما خالفها.
وكذلك المعطلة ينقمون من أهل الإثبات إثباتهم لله صفات كماله ونعوت جلاله.
وكذلك الرافضة ينقمون على أهل السنة محبتهم للصحابة جميعهم، وترضيهم عنهم وولايتهم إياهم، وتقديم من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وتنزيلهم منازلهم التي أنزلهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بها.
وكذلك أهل الرأي المحدث ينقمون على أهل الحديث وحزب الرسول صلى الله عليه وسلم أخذهم بحديثه وتركهم ما خالفه.
· قال تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}
... يدعوهم إلى التوبة، وقد حاربوه، وعذبوا أولياءه، وأحرقوهم بالنار.
وقال بعض السلف: انظروا إلى كرمه كيف عذبوا أولياءه وحرقوهم بالنار، ثم هو يدعوهم إلى التوبة ...
فلا ييأس العبد من مغفرته وعفوه، ولو كان منه ما كان، فلا عداوة أعظم من هذه العداوة، ولا أكفر ممن حرّق بالنار من آمن بالله وحده، وعبده وحده، ومع هذا فلو تابوا لم يعذّبهم، وألحقهم بأوليائه.
· قال تعالى: {بل الذين كفروا في تكذيب * والله من ورائهم محيط}
ثم أخبر عن أعدائه بأنهم مكذبون بتوحيده ورسالاته مع كونهم في قبضته، وهو محيط بهم. ولا أسوأ حالا ممن عادى من هو في قبضته، ومن هو قادر عليه من كل وجه، وبكل اعتبار.

(سورة الطارق)
ومما جاء في تفسيرها:
· قال تعالى: {يوم تبلى السرائر}
أي تختبر. وقال مقاتل: تظهر وتبدو، وبلوت الشيء إذا اختبرته ليظهر لك باطنه، وما خفي منه. والسرائر جمع سريرة، وهي سرائر الله التي بينه وبين عبده في ظاهره وباطنه لله. فالإيمان من السرائر، وشرائعه من السرائر. فتختبر ذلك اليوم، حتى يظهر خيرها من شرها، ومؤدّيها من مضيعها. وما كان لله مما لم يكن له.
وفي التعبير عن الأعمال بالسر لطيفة، وهو أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحا، فتبدو سريرته على وجهه نورا وإشراقا وحياء، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعا لسريرته، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة وشينا.[الضوء المنير على التفسير:6/ 294- 333]

(سورة الأعلى)
ومما جاء في تفسيرها:
· قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى}
الهداية لها أربع مراتب وهي مذكورة في القرآن.
المرتبة الأولى: الهداية العامة؛ وهي هداية كل مخلوق من الحيوان والآدمي لمصالحه التي بها قام أمره، قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوّى * والذي قدّر فهدى}
... فسوى خلقه، وأتقنه، وأحكمه، ثم قدّر له أسباب مصالحه في معاشه وتقلباته وتصرفاته وهداه إليها.
المرتبة الثانية: هداية البيان والدلالة التي أقام بها حجته على عباده، وهذه لا تستلزم الاهتداء التام.
قال تعالى: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهُدى}؛ يعني بيّنا لهم ودللناهم وعرفناهم فآثروا الضلالة والعمى.
المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام؛ قال تعالى: {والله يدْعُو إلى دار السّلام ويهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مُستَقيم}
{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} مع قوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} فأثبت هداية الدعوة والبيان، ونفى هداية التوفيق والإلهام.
وهذه الهداية الثالثة هي الهداية الموجبة المستلزمة للاهتداء، وأما الثانية فشرط لا موجب.
المرتبة الرابعة: الهداية في الآخرة إلى طريق الجنة والنار، قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم}.
· والهداية هي العلم بالحق مع قصده وإيثاره على غيره؛ فالعبد محتاج إلى معرفة الحق الذي يرضي الله في كل حركة ظاهرة وباطنة، فإذا عرفها فهو محتاج إلى من يلهمه قصد الحق، فيجعل إرادته في قلبه ثم إلى من يقدره على فعله.
ومعلوم أن ما يجهله العبد أضعاف أضعاف ما يعلمه، وأن كل ما يعلم أنه حق لا تطاوعه نفسه على إرادته ولو أراده لعجز عن كثير منه، فهو مضطر كل وقت إلى هداية تتعلق بالماضي وبالحال والمستقبل.
أما الماضي فهو محتاج إلى محاسبة نفسه عليه، وهل وقع على السداد فيشكر الله عليه ويستديمه، أم خرج فيه عن الحق؛ فيتوب إلى الله تعالى منه، ويستغفره، ويعزم على أن لا يعود.
وأما الهداية في الحال فهي مطلوبة منه، فإنه ابن وقته، فيحتاج أن يعلم حكم ما هو متلبس به من الأفعال، هل هو صواب أم خطأ.
وأما المستقبل فحاجته في الهداية أظهر ليكون سيره على الطريق.
ومن أحاط علما بحقيقة الهداية وحاجة العبد لها علم أن الذي لم يحصل له منها أضعاف ما حصل له، وأنه كل وقت محتاج إلى هداية متجددة، لا سيما والله تعالى خالق أفعال القلوب والجوارح، فهو كل وقت محتاج أن يخلق الله له هداية خاصة.
ومعلوم أن وساوس العبد وخواطره وشهوات الغي في قلبه؛ كل منها مانع وصول أثر الهداية إليه، فإن لم يصرفها الله عنه لم يهتد هدى تاما، فحاجته إلى هداية الله له مقرونة بأنفاسه، وهي أعظم حاجة للعبد.

(سورة الغاشية)
ومما جاء في تفسيرها:
قال تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت}
تأمل الحكمة العجيبة في الجبال، الذي يحسبها الجاهل الغافل فضلة في الأرض لا حاجة إليها، وفيها من المنافع مالا يحصيه إلا خالقها وناصبها.
هذا وإذا تأملت خلقتها العجيبة البديعة على هذا الوضع، وجدتها في غاية المطابقة للحكمة، فإنها لو طالت واستدقت كالحائط لتعذر الصعود عليها، والانتفاع بها وسترت عن الناس الشمس والهواء، فلم يتمكنوا من الانتفاع بها، ولو بسطت على وجه الأرض لضيقت عليهم المزارع والمساكن ولملأت السهل، ولما حصل لهم بها الانتفاع من التحصن والمغارات والأكنان، ولما سترت عنهم الرياح ولما حجبت السيول ولو جعلت مستديرة شكل الكرة لم يتمكنوا من صعودها، ولما حصل لهم بها الانتفاع التام، فكان أولى الأشكال والأوضاع بها وأليقها وأوقعها على وفق المصلحة هذا الشكل الذي نصبت عليه.
ولقد دعانا الله سبحانه في كتابه إلى النظر فيها وفي كيفية خلقها فقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت}
هذا مع أنها تسبح بحمده، وتخشع له وتسجد وتشقق وتهبط من خشيته، وهي التي خافت من ربها وفاطرها وخالقها على شدتها وعظم خلقها من الأمانة، إذ عرضها عليها وأشفقت من حملها.
ومنها الجبل الذي كلم الله عليه موسى كليمه ونجيه.
ومنها الجبل الذي حبب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليه، وأحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ومنها الجبلان اللذان جعلهما الله سورا على بيته، وجعل الصفا في ذيل أحدهما والمروة في ذيل الآخر وشرع لعباده السعي بينهما ... .
ومنها جبل الرحمة المنصوب عليه ميدان عرفات.
فلله كم به من ذنب مغفور، وعثرة مقالة وزلة معفو عنها، وحاجة مقضية وكربة مفروجة، وبلية مرفوعة ونعمة متجددة ... كيف وهو الجبل المخصوص بذلك الجمع الأعظم، والوفد الأكرم، الذين جاءوا من كل فج عميق، وقوفا لربهم مستكينين لعظمته خاشعين لعزته، شعثا غبرا حاسرين عن رءوسهم يستقيلونه عثراتهم ويسألونه حاجاتهم، فيدنو منهم ثم يباهي بهم الملائكة، فلله ذاك الجبل وما ينزل عليه من الرحمة والتجاوز عن الذنوب العظام.
ومنها جبل حراء الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلو فيه بربه حتى أكرمه الله برسالته، وهو في غاره فهو الجبل الذي فاض منه النور على أقطار العالم، فإنه ليفخر على الجبال وحقّ له ذلك.
فسبحان من اختص برحمته وتكريمه من شاء من الجبال والرجال ... هذا وإنها لتعلم أن لها موعدا، ويوما تنسف فيها نسفا، وتصير كالعهن من هوله وعظمه، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد منتظرة له.
فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته وقد أخبر عنها فاطرها وباريها إنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت ولتصدعت من خشية الله.
فيا عجبا من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال تسمع آيات الله تتلى عليها ويذكر الرب تبارك وتعالى فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، فليس بمستنكر على الله عزوجل ولا يخالف حكمته أن يخلق لها نارا تذيبها إذ لم تلن بكلامه وذكره وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن لله في هذه الدار قلبه ولم ينب إليه ولم يذبه بحبه، والبكاء من خشيته فليتمتع قليلا فإن أمامه الملين الأعظم وسيرد إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم.

(سورة الفجر)
ومما جاء في تفسيرها:
قوله تعالى: {والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي حجر} قيل جوابه: {إن ربك لبالمرصاد} وهذا ضعيف من وجهين:
أحدهما: طول الكلام والفصل بين القسم وجوابه بجمل كثيرة.
والثاني: قوله: {إن ربك لبالمرصاد} ذكر لتقرير عقوبة الله الأمم المذكورة ... فلا نرى تعلقه بذلك... .
وأحسن من هذا أن يقال: إن الفجر في الليالي العشر زمن يتضمن أفعالا معظمة، من المناسك، وأمكنة معظمة، وهي محلها، وذلك من شعائر الله، ... .
والفجر إن أريد به جنس الفجر، كما هو ظاهر اللفظ، فإنه يتضمن وقت صلاة الصبح، التي هي أول الصلوات، وختمه بقوله: {والليل إذا يسر} المتضمن لآخر الصلوات.
وإن أريد بالفجر فجر مخصوص، فهو فجر يوم النحر وليلته، التي هي ليلة عرفة، فتلك الليلة من أفضل ليالي العام، وما رؤي الشيطان في ليلة أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فيها.
وذلك الفجر: فجر يوم النحر الذي هو أفضل الأيام عند الله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر" رواه أبو داود بإسناد صحيح، وهو آخر أيام العشر، وهو يوم الحج الأكبر، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره.
وهو اليوم الذي أذن فيه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله برئ من المشركين ورسوله، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان"
وعلى هذا فقد تضمن القسم: المناسك والصلوات، وهما المختصان بعبادة الله، والخضوع له والتواضع لعظمته، ...
وعرف الفجر باللام إذ كل أحد يعرفه، ونكر الليالي العشر، لأنها إنما تعرف بالعلم. وأيضا فإن التنكير تعظيم لها. فإن التنكير يكون للتعظيم.
... ولهذا اعتبر القسم بقوله تعالى: {هل في ذلك قسم لذي حجر}، فإن عظمة هذا المقسم به يعرف بالنبوة، وذلك يحتاج إلى حجر يحجر صاحبه عن الغفلة واتباع الهوى، ويحمله على اتباع الرسل، لئلا يصيبه ما أصاب من كذب الرسل كعاد، وفرعون، وثمود.
· قال تعالى: {فأمّا الإنْسَان إذا مَا ابْتَلاه ربّه فَأكْرمَه ونعّمَه فيَقول رَبي أكْرمَن * وأمّا إذَا مَا ابتَلاه فقَدر عَليه رزقَه فيَقول رَبي أهَانن * كَلا بَل لا تُكرمون اليَتيم * ولا تَحاضون عَلى طَعام المِسْكين * وتَأكُلون التّراثَ أكلا لمّا * وتحبّون المَال حبّا جَمّا *}
ثم ذكر سبحانه حال الإنسان في معاملته لمن هو أضعف منه، كاليتيم والمسكين، فلا يكرم هذا، ولا يحض على طعام هذا، ثم ذكر حرصه على جمع المال وأكله، وحبه له، وذلك هو الذي أوجب له عدم رحمته لليتيم والمسكين.
من علامات السعادة والفلاح؛ أن العبد كلما زيد في علمه، زيد في تواضعه ورحمته، وكلما زيد في عمله؛ زيد في خوفه وحذره، وكلما زيد في عمره؛ نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله؛ زيد في سخائه وبذله، وكلما زيد في قدره وجاهه؛ زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم.
وعلامات الشقاوة: أنه كلما زيد في علمه؛ زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله؛ زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه، وكلما زيد في عمره، زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله، زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في كبره وتيهه.
وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده؛ فيسعد بها أقوام ويشقي بها أقوام.
وكذلك الكرامات امتحان وابتلاء: كالملك، والسلطان، والمال، قال تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام لما رأى عرش بلقيس عنده: {هذا مِن فضْلِ ربي ليبلُوني أأشكر أم أكفرُ}، فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور، كما أن المحن بلوى منه سبحانه فهو تعالى يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب، قال تعالى: {فأمّا الإنْسَان إذا مَا ابْتَلاه ربّه فَأكْرمَه ونعّمَه فيَقول رَبي أكْرمَن * وأمّا إذَا مَا ابتَلاه فقَدر عَليه رزقَه فيَقول رَبي أهَانن *}
فرد الله سبحانه على من ظنّ أن سعة الرزق إكرام، وأن الفقر إهانة، فقال: لم أبتل عبدي بالغنى لكرامته علي، ولم أبتله بالفقر لهوانه عليّ، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرزق وتقديره، فإنه سبحانه يوسّع على الكافر لا لكرامته، ويقتّر على المؤمن لا لإهانته، إنما يكرم من يكرمه بمعرفته ومحبته وطاعته، ويهين من يهينه بالإعراض عنه ومعصيته، فله الحمد على هذا وعلى هذا، وهو الغني الحميد، فعادت سعادة الدنيا والآخرة إلى {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
· قال تعالى: {يا أيتها النفسُ المطمئنّة * ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة * فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي*}
ثم ختم السورة بمدح النفس المطمئنة، وهي الخاشعة المتواضعة لربها، ... وكان من دعاء بعض السلف: "اللهم هب لي نفسا مطمئنة إليك"
فالنفس إذا سكنت إلى الله، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه، فهي مطمئنة، وهي التي يقال لها عند الوفاة : {يا أيتها النفسُ المطمئنّة * ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة }
قال ابن عباس: {يا أيتها النفسُ المطمئنّة} يقول: المصدقة، وقال قتادة: "هو المؤمن، اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله"... وقال مجاهد: "هي المنيبة المخبتة التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشا لأمره وطاعته، وأيقنت بلقائه"
وحقيقة الطمأنينة: السكون والاستقرار،... فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، واطمأنت إلى الرضى به ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى كفايته وحسبه وضمانه، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله، وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين.
وإذا كانت بضد ذلك فهي أمارة بالسوء تأمر صاحبها بما تهواه؛ من شهوات الغيّ، واتباع الباطل، فهي مأوى كل سوء، وإن أطاعها قادته إلى كل قبيح وكل مكروه، وقد أخبر سبحانه أنها أمارة بالسوء، ... وأنه عادتها ودأبها إلا إذا رحمها الله وجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير، فذلك من رحمة الله، لا منها، فإنها بذاتها أمارة بالسوء؛ لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة، إلا من رحمه الله، والعدل والعلم طارئ عليها بإلهام ربها وفاطرها لها ذلك، فإذا لم يلهمها رشدها بقيت على ظلمها وجهلها، ... فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة.
وبهذا يعلم أن ضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة، ولا تشبهها ضرورة تقاس بها، فإنه إن أمسك عنه رحمته وتوفيقه وهدايته طرفة عين خسر وهلك ... .
وأكثر الناس الغالب عليهم الأمارة، وأما المطمئنة فهي أقل النفوس البشرية عددا وأعظمها عند الله قدرا، وهي التي يقال له: { ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة * فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي*}.
والله سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة أن يجعل نفوسنا مطمئنة إليه، عاكفة بهمتها علية، راهبة منه، راغبة فيما لديه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن لا يجعلنا ممن أغفل قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا، ولا يجعلنا من: {الأَخسرين أَعمالا الذينَ ضلّ سعْيهم في الحيَاة الّدنيا وهُم يَحْسبون أنهم يُحسنون صُنعا}، إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [الضوء المنير على التفسير:6، 334 - 359]

(سورة البلد)
· وأما سورة {لا أُقسِم بهَذا البَلد} فذكر فيها جواب القسم،وهو قوله تعالى:{لقدْ خَلَقنا الإنسانَ في كَبد}
قال الحسن: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم، وقال سعيد بن أبي الحسن: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، وقال قتادة: يكابد أمر الدنيا والآخرة، فلا تلقاه إلا في مشقة.
... فإن الإنسان مخلوق في شدة، بكونه في الرحم، ثم في القماط والرباط، ثم هو على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف، ومكابدة المعيشة، والأمر والنهي، ثم مكابدة الموت، وما بعده في البرزخ، وموقف القيامة، ثم مكابدة العذاب في النار ولا راحة له إلا في الجنة.
· قوله تعالى: {فَلا اقتَحَم العقَبة}
واختلف في هذه العقبة، هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟
فقالت طائفة: العقبة ههنا مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر، وحكوا ذلك عن الحسن ومقاتل.
قال الحسن: عقبة والله شديدة: مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان.
وقال مقاتل: هذا مثل ضربه الله؛ يريد أن المعتق رقبة، والمطعم اليتيم والمسكين، يقاحم نفسه وشيطانه، مثل أن يتكلف صعود العقبة، فشبه المعتق رقبة في شدته عليه بالمكلف صعود العقبة، وهذا قول أبي عبيدة.
وقالت طائفة: بل هي عقبة حقيقة، يصعدها الناس، قال عطاء: هي عقبة جهنم، وقال الكلبي: هي عقبة بين الجنة والنار، وهذا قول مقاتل: إنها عقبة جهنم.
وفي أثر معروف "إن بين أيديكم عقبة كؤودا لا يقتحمها إلا المخفون" ... وقال بعض الصحابة وقد حضره الموت، فجعل يبكي، ويقول: (مالي لا أبكي وبين يدي عقبة كؤود، أهبط منها إما إلى جنة، وإما إلى نار).
فهذا القول أقرب إلى الحقيقة، والآثار السلفية، والمألوف من عادة القرآن في استعماله "وما أدراك" في الأمور الغائبة العظيمة.

(سورة الشمس)
· قوله تعالى: {وَنفْس ومَا سوّاها * فألْهمَها فُجورها وتقْواهَا * قَد أفلَح مَن زكّاها * وقَد خَابَ من دَسّاها}
فإن الله سبحانه هيّأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعداد، التي جعلها فيه كامنة، كالنار في الزناد، فألهمه ومكّنه، وعرفه وأرشده، وأرسل إليه رسله، وأنزل إليه كتبه لاستخراج تلك القوة التي أهّله بها لكماله إلى الفعل.
قال تعالى: {ونَفسٍ ومَا سَواها * فألهَمَها فُجورها وَتقوَاها * قَد أفْلح مَن زكّاهَا * وقَد خَاب مَن دسّاهَا} فعبّر عن خلق النفس بالتسوية والدلالة على الاعتدال والتمام، ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى، وأن ذلك نالها منه امتحانا واختبارا، ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها، ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياءه وأولياءه؛ وهي التقوى، ثم حكم بالشقاء على من دساها، فأخفاها وحقرها، وصغرها وقمعها بالفجور.
فالطاعة والبر يكبّر النفس ويعزّها ويعليها حتى تصير أشرف شيء وأكبره وأزكاها وأعلاه، ومع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله تعالى، وبهذا الذل حصل لها هذا العز والشرف والنمو، فما صغّر النفس مثل معصية الله، وما كبّرها وشرّفها ورفعها مثل طاعة الله.
· قال تعالى: {كَذبَت ثَمُود بِطغْواها * إذ انبَعثَ أشقَاهَا}
وقد يظهر في تخصيص ثمود ههنا بالذكر، دون غيرهم، معنى آخر؛ وهو أنهم ردوا الهدى بعد ما تيقنوه وكانوا مستبصرين به، قد ثلجت له صدورهم، واستيقظت له أنفسهم، فاختاروا عليه العمى والضلالة، كما قال تعالى في وصفهم: {وأمّا ثَمُود فَهديناهم فَاستحبّوا العَمَى عَلى الهُدى}، وقال تعالى: {وَآتينا ثَمُود النّاقة مبْصرة} أي: موجبة لهم التبصرة واليقين، وإن كان جميع الأمم المهلكة هذا شأنهم، فإن الله لم يهلك أمة إلا بعد قيام الحجة عليها، لكن خصّت ثمود في ذلك الهدى والبصيرة بمزيد.
... فردوا الهدى بعد تيقنه والبصيرة التامة، فكان في تخصيصهم بالذكر تحذير لكل من عرف الحق ولم يتبعه، وهذا داء أكثر الهالكين، وهو أعم الأدواء وأغلبها على أهل الأرض.

(سورة الليل)
· قال تعالى: {وَالليْل إذَا يَغشَى * والنّهارِ إذَا تجَلّى * ومَا خَلقَ الذكَرَ وَالأنثَى * إنّ سعْيَكُم لشتّى}
وأقسم سبحانه بزمان السعي، وهو الليل والنهار، وبالساعي وهو الذكر والأنثى، على اختلاف السعي، كما اختلف الليل والنهار، والذكر والأنثى، وسعيه وزمانه مختلف، وذلك دليل على اختلاف جزائه وثوابه، وأنه سبحانه لا يسوّي بين من اختلف سعيه في الجزاء، كما لم يسو بين الليل والنهار والذكر والأنثى.
ثم أخبر عن تفريقه بين عاقبة سعي المحسن وعاقبة سعي المسئ.
· فقال تعالى: {فَأمّا مَن أعْطَى واتقَى * وصَدّق بِالحُسنى * فسَنيسّره لليُسْرى * وأمّا مَن بَخِل واسْتغْنى * وكَذّب بالحُسْنى * فسَنيسّره للعُسْرى}
وذكر للتيسير لليسرى ثلاثة أسباب:
أحدها: إعطاء العبد؛ ... أي: أعطى ما أمر به وسمحت به طبيعته، وطاوعته نفسه، وذلك يتناول إعطاءه من نفسه الإيمان والطاعة، والإخلاص، والتوبة، والشكر، وإعطاءه الإحسان، والنفع بماله، ولسانه وبدنه، ونيته، وقصده، فتكون نفسه نفسا مطيعة باذلة، لا لئيمة مانعة.
فالنفس المطيعة هي النافعة المحسنة، التي طبعها الإحسان وإعطاء الخير اللازم والمتعدّي، فتعطي خيرها لنفسها ولغيرها، فهي بمنزلة العين التي ينتفع الناس بشربهم منها، وسقي دوابهم وأنعامهم وزرعهم، فهم ينتفعون بها كيف شاءوا، فهي ميسرة لذلك، وهكذا الرجل المبارك ميسر للنفع حيث حل، فجزاء هذا أن ييسره الله لليسرى كما كانت نفسه ميسّرة للعطاء.
السبب الثاني: التقوى؛ وهي اجتناب ما نهى الله عنه، وهذا من أعظم أسباب التيسير، وضده من أسباب التعسير، فالمتقي ميسّرة عليه أمور دنياه وآخرته، وتارك التقوى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه تعسّر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى.
وأما تيسير ما تيسّر عليه من أمور الدنيا، فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم.
وقال تعالى: {وَمن يتق الله يَجْعل لَه مِن أمْره يُسرا} فأخبر أنه ييسر على المتقي مالا ييسر على غيره، وقال تعالى: {ومَن يتق الله يَجْعل لَه مخْرجا ويَرزقه مِن حَيثُ لا يَحتسِب} وهذا أيضا ييسر عليه بتقواه، وقال تعالى: {ومَن يتق الله يُكفّر عَنه سَيئاتِه ويُعظِم لَه أجرا} وهذا يتيسر عليه بإزالة ما يخشاه، وإعطائه ما يحبّه ويرضاه.
السبب الثالث: التصديق بالحسنى؛ وفسّرت بلا إله إلا الله، وفسّرت بالجنة، وفسرت بالخلف، وهي أقوال السلف.
والأقوال الثلاثة ترجع إلى أفضل الأعمال، وأفضل الجزاء؛ فمن فسّرها بلا إله إلا الله فقد فسرها بمفرد يأتي بكل جمع.
فإن التصديق الحقيقي بلا إله إلا الله يستلزم التصديق بشعبها وفروعها كلها، وجميع أصول الدين وفروعه من شعب هذه الكلمة.
... وكذلك التصديق بها يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقها، وهي شرائع الإسلام التي هي تفصيل هذه الكلمة بالتصديق بجميع أخباره، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وهو تفصيل لا إله إلا الله.
ومن فسّر الحسنى بالجنة فسرها بأعلى أنواع الجزاء وكماله، ومن فسرها بالخلف ذكر نوعا من الجزاء، ... والتحقيق أنها تتناول الأمرين.
وتأمل ما اشتملت عليه هذه الكلمات الثلاث - وهي: الإعطاء، والتقوى، والتصديق بالحسنى- من العلم والعمل، وما تضمنته من الهدى ودين الحق ... فقد تضمنت هذه الكلمات الثلاث مراتب الدين أجمعها: فالإعطاء فعل المأمور، والتقوى ترك المحظور، والتصيق بالحسنى تصديق الخبر، فانتظم ذلك الدين كله.
وأكمل الناس من كملت له هذه القوى الثلاث.
قال ابن عباس: {فَسَنيسّرُه لليسْرَى}أي: نهيئه لعمل الخير، نيسر عليه أعمال الخير.
وحقيقة اليسرى أنها الخلة والحالة السهلة النافعة الواقعة له، وهي ضد العسرى، وذلك يتضمن تيسيره للخير وأسبابه، فيجري الخير، وييسر على قلبه، ويديه ولسانه، وجوارحه، فتصير خصال الخير ميسرة عليه، مذللة له منقادة، لا تستعصي عليه، ولا تستعصب، لأنه مهيّأ لها، ميسّر لفعلها، يسلك سبلها ذللا، وتقاد له علما وعملا، فإذا خاللته قلت هو الذي قيل فيه:
مبـــــــــــــــــــــارك الطـلعـــــــــة ميـــــــــمــونهـــــــــــــــا * * * يـصــــلـح لـلـدنيـــــــــــــــــــــــــــــــا ولـلــــديـــــــن
{وأمّا مَن بَخِل} فعطّل قوة الإرادة والإعطاء عن فعل ما أمر به، {وَاسْتغْنى} بترك التقوى عن ربه، فعطّل قوة الانكفاف والترك عن فعل ما نهي عنه، {وَكذّبَ بِالحُسْنى} فعطّل قوة العلم والشعور عن التصديق بالإيمان وجزائه، {فَسَنيسّره للعُسْرى} قال عطاء: سوف أحول بين قلبه وبين الإيمان بي وبرسولي.
والتيسير للعسرى يكون بأمرين:
أحدهما: أن يحول بينه وبين أسباب الخير، فيجري الشر على قلبه ونيته ولسانه وجوارحه.
والثاني: أن يحول بينه وبين الجزاء الأيسر، كما حال بينه وبين أسبابه.
وقد تضمنت هاتان الآيتان فصل الخطاب في مسألة القدر، وإزالة كل لبس وإشكال فيها، وذلك بيّن بحمد الله لمن وفق لفهمه؛ ولهذا أجاب بها النبي صلى الله عليه وسلم من أورد عليه السؤال، الذي لا يزال الناس يلهجون به في القدر، فأجاب بفصل الخطاب وأزال الإشكال.
ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما منكم من أحد إلا وقد عُلم مقعده من الجنة والنار".قيل: يا رسول الله، أفلا ندع العمل، ونتكل على الكتاب؟ قال: "اعملوا، فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ: {فَأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى * وصدّقَ بالحُسْنى * فَسَنُيسّره لليُسْرى}...
وفي الحديث استدلال النبي صلى الله عليه وسلم على مسائل أصول الدين بالقرآن، وإرشاده الصحابة لاستنباطها منه، خلافا لمن زعم أن كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يفيد العلم بشيء من أصول الدين.
وفي الحديث بيان أن من الناس من خلق للسعادة، ومنهم من خلق للشقاوة.
وفيه إثبات الأسباب، وأن العبد ميسّر للأسباب الموصلة له إلى ما خلق له.
· ثم قال تعالى:{إِنّ عَلينَا للْهُدَى * وَإِنّ لنَا للآخِرَة وَالأولَى}
وقيل المعنى: من سلك الهدى فعلى الله سبيله، كقوله: {وَعَلى الله قصْد السّبيل} وهذا قول مجاهد، وهو أصح الأقوال في الآية.
قال الواحدي: علينا للهدى؛ أي: إن الهدى يوصل صاحبه إلى الله، وإلى ثوابه وجنته.
وهذا المعنى في القرآن في ثلاثة مواضع: ههنا، وفي النحل في قوله: {وَعَلى الله قصْد السّبيل}، وفي الحجر في قوله: {هَذا صِراط عَلي مُستقِيم}، وهو معنى شريف جليل، يدل على أن سالك طريق الهدى يوصله طريقه إلى الله ولابد.
والهدى هو: الصراط المستقيم، فمن سلكه أوصله إلى الله، فذكر الطريق والغاية؛ فالطريق الهدى، والغاية الوصول إلى الله تعالى.
فهذه أشرف الوسائل، وغايتها أعلى الغايات، ولما كان مطلوب السالك إلى الله تحصيل مصالح دنياه وآخرته لم يتم له هذا المطلوب إلا بتوحيد طلبه والمطلوب منه، فأعلمه سبحانه أن سواه لا يملك من الدنيا والآخرة شيئا، وأن الدنيا والآخرة جميعا له وحده؛ فإذا تيقّن العبد ذلك اجتمع طلبه ومطلوبه على من يملك الدنيا والآخرة وحده.
فتضمنت الآيتان أربعة أمور؛ هي المطالب العالية:
ذكر أعلى الغايات: وهو الوصول إلى الله سبحانه .
وأقرب الطريق والوسائل إليه: وهي طريق الهدى.
وتوحيد الطريق فلا يعدل عنها إلى غيرها.
وتوحيد المطلوب؛ وهو الحق، فلا يعدل عنه إلى غيره.
فاقتبس هذه الأمور من مشكاة هذه الكلمات، فإن هذه غاية العلم والفهم، وبالله التوفيق.
... فالشركة في المطلوب تنافي التوحيد والإخلاص، والشركة في الطلب تنافي الصدق والعزيمة، والشركة في الطريق تنافي اتباع الأمر.
فالأول: يوقع في الرياء.
والثاني: يوقع في المعصية والبطالة.
والثالث: يوقع في البدعة ومفارقة السنة.
فتوحيد المطلوب يعصم من الشرك، وتوحيد الطلب يعصم من المعصية، وتوحيد الطريق يعصم من البدعة، والشيطان إنما ينصب فخّه بهذه الطرق الثلاثة.
· قال تعالى: {وَسَيجنّبهَا الأتْقى * الذِي يُؤتي مَالهُ يَتزكّى}
وفي الآية إرشاد إلى أن صاحب التقوى لا ينبغي له أن يتحمّل من الخلق ونعمهم، وإن حمل منهم شيئا بادر إلى جزائهم عليه، لئلا يتبقّى لأحد من الخلق عليه نعمة تجزى، فيكون بعد ذلك عمله كله لله وحده، ليس للمخلوق جزاء على نعمته.
ونبه بقوله: {تُجْزى} على أن نعمة الإسلام التي لرسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأتقى لا تجزى؛ فإن كل ذي نعمة يمكن جزاء نعمته إلا نعمة الإسلام، فإنها لا يمكن المنعم بها عليه أن يجزي بها. [الضوء المنير على التفسير: 6 /360-394]

(سورة الضحى)
· قال تعالى: {والضّحَى * واللْيل إذا سَجَى}
ومن ذلك إقسامه سبحانه: {والضّحَى * واللْيل إذا سَجَى} على إنعامه على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإكرامه له، وإعطائه ما يرضيه، ... فهو قسم على صحة نبوته، وعلى جزائه في الآخرة.
... وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته دالتين على ربوبيته، وحكمته، ورحمته، وهما الليل والنهار.
وأيضا فإن الذي اقتضت رحمته أن لا يترك عباده في ظلمة الليل سرمدا، بل هداهم بضوء النهار إلى مصالحهم ومعايشهم، لا يليق به أن يتركهم في ظلمة الجهل والبغي، بل يهديهم بنور الوحي والنبوة إلى مصالح دنياهم وآخرتهم.
· قوله تعالى: {وأما بنعمة ربّك فحدّث}
والفرق بين التحدث بنعم الله والفخر بها؛ إن المتحدث بالنعمة مخبر عن صفات وليها ومحض جوده وإحسانه، فهو مثن عليه بإظهارها والتحدث بها شاكر له ناشر لجميع ما أولاه، مقصوده بذلك إظهار صفات الله ومدحه والثناء وبعث النفس على الطلب من دون غيره، وعلى محبته ورجائه فيكون راغبا إلى بإظهار نعمه، ونشرها والتحدث بها.
وأما الفخر بالنعم فهو أن يستطيل بها على الناس ويريهم أنه أعز منهم وأكبر، فيركب أعناقهم ويستعبد قلوبهم ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة.
قال النعمان بن بشير: إن للشيطان مصالي وفخوخا؛ وإن من مصاليه وفخوخه البطش بنعم الله والكبر على عبادالله، والفخر بعطية الله، والهون في غير ذات الله.

(سورة الشرح)
· قال تعالى: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا}
فالعسر وإن تكرر مرتين فتكرر بلفظ المعرفة فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين: يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين.

(سورة التين)
· ومن ذلك إقسامه: قال تعالى: {وَالتينِ والزّيتُون * وطُور سِينين * وهَذا البَلدِ الأمِين}
فأقسم سبحانه بهذه الأمكنة الثلاثة العظيمة التي هي مظاهر أنبيائه ورسله، أصحاب الشرائع العظام، والأمم الكثيرة.
فالتين والزيتون المراد به نفس الشجرتين المعروفتين، ومنبتهما، وهو أرض بيته المقدس، فإنها أكثر البقاع زيتونا وتينا.
كما أن طور سينين مظهر عبده ورسوله وكليمه موسى، فإنه الجبل الذي كلمه عليه وناجاه، وأرسله إلى فرعون وقومه.
ثم أقسم بالبلد الأمين، وهو مكة مظهر خاتم أنبيائه ورسله، سيد ولد آدم.
ونظير هذا بعينه في التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى: (جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران)، فمجيئه من طور سيناء بعثته لموسى بن عمران، وبدأ به على حكم الترتيب الواقع، ثم ثنى بنبوة المسيح، ثم ختمه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل نبوة موسى بمنزلة مجئ الصبح، ونبوة المسيح بعده بمنزلة طلوع الشمس وإشراقها، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعليهما بعدهما بمنزلة استعلائها وظهورها للعالم.
فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم.
وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة:{وَالتينِ والزّيتُون * وطُور سِينين * وهَذا البَلدِ الأمِين}
· قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين}
ثم لما كان الناس في إجابة هذه الدعوة فريقين، منهم من أجاب، ومنهم من أبى، ذكر حال الفريقين، فذكر حال الأكثرين، وهم المردودون إلى أسفل سافلين؛ والصحيح أنه النار، قاله مجاهد، والحسن، وأبوالعالية.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هي النار بعضها أسفل من بعض)، وقالت طائفة منهم قتادة، وعكرمة، وعطاء، والكلبي، وإبراهيم: إنه أرذل العمر، وهو مروي عن ابن عباس.
والصواب القول الأول لوجوه:
أحدها: أن أرذل العمر لا يسمى أسفل سافلين، لا في لغة ولا عرف، وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الفجار، كما أن عليين مكان الأبرار.
الثاني: أن المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جدا، فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر.
الثالث: أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر فليس ذلك مختصا بالكفار.
الرابع: أن الله سبحانه قال: {ومنكم من يُتوفى ومنكم من يُردّ إلى أرذل العُمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا}، فجعلهم قسمين: قسما متوفى قبل الكبر، وقسما مردودا إلى أرذل العمر، ولم يسمّه أسفل سافلين.
الخامس: أنه لا تحسن المقابلة بين أرذل العمر وبين جزاء المؤمنين، وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان، فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين، وجزاء المؤمنين أجرًا غير ممنون.
السادس: أن قول من فسّره بأرذل العمر يستلزم خلو الآية عن جزاء الكفار وعاقبة أمرهم، ويستلزم تفسيرها بأمر محسوس، فيكون قد ترك الإخبار عن المقصود الأهم، وفي ذلك هضم لمعنى الآية وتقصير بها عن المعنى اللائق بها.
السابع: أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في مبدئه ومعاده، فمبدؤه خلقه في أحسن تقويم، ومعاده ردّه إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير ممنون.
الثامن: أن أرباب القول الأول مضطرون إلى مخالفة الحس، وإخراج الكلام عن ظاهره والتكلف البعيد له، فإنهم إن قالوا: إن الذي يردّ إلى أرذل العمر هم الكفار دون المؤمنين كابروا الحس، وإن قالوا: إن من النوعين من يردّ إلى أرذل العمر احتاجوا إلى التكلف لصحة الاستثناء.
التاسع: أنه سبحانه ذكر نعمته على الإنسان بخلقه في أحسن تقويم، وهذه النعمة توجب عليه أن يشكرها بالإيمان وعبادته وحده لا شريك له، فينقله حينئذ من هذه الدار إلى أعلى عليين، فإذا لم يؤمن به، وأشرك به، وعصى رسله، نقله منها إلى أسفل سافلين، وبدله بعد هذه الصورة التي هي في أحسن تقويم صورة من أقبح الصور في أسفل سافلين.
العاشر: أن نظير هذه الآية قوله تعالى: {فبشّرهم بعذاب أليم * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}، فالعذاب الأليم هو أسفل سافلين، والمستثنون هنا هم المستثنون هناك، والأجر غير الممنون هناك هو المذكور هنا، والله أعلم.

(سورة العلق)
· قال تعالى: {اقرأ باسْم ربّك الذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ علقٍ * اقرأ وربّك الأكرمُ * الذي علّم بالقلمِ * علّم الإنسانَ ما لم يعلمْ}
أول سورة أنزلها الله في كتابه سورة القلم فذكر فيها ما منّ به على الإنسان من تعليمه ما لم يعلم، فذكر فيها فضله بتعليمه، وتفضيله الإنسان بما علّمه إياه، وذلك يدل على شرف التعليم والعلم.
... ثم ذكر ثالثا التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمه على عباده، إذ به تخلد العلوم وتثبت الحقوق، وتعلم الوصايا وتحفظ الشهادات، ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس، وبه تقيّد أخبار الماضين للباقين اللاحقين، ولولا الكتابة لانقطعت أخبار بعض الأزمنة عن بعض، ودرست السنن وتخبطت الأحكام، ولم يعرف الخلف مذاهب السلف.
وكان معظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم إنما يعتريهم من النسيان الذي يمحو صور العلم من قلوبهم، فجعل لهم الكتاب وعاءا حافظا للعلم من الضياع؛ كالأوعية التي تحفظ الأمتعة من الذهاب والبطلان.
فنعمة الله عزوجل بتعليم القلم بعد القرآن من أجل النعم.
فهو سبحانه الذي أعطاه الذهن الذي يعي به، واللسان الذي يترجم به، والبنان الذي يخط به، وهو الذي هيّأ ذهنه لقبول هذا التعليم دون سائر الحيوانات، وأنطق لسانه وحرك بنانه، ...
فكم لله من آية نحن غافلون عنها في التعليم بالقلم، فقف وقفة في حال الكتابة، وتأمل حالك وقد أمسكت القلم وهو جماد، وضعته على القرطاس وهو جماد، فتولد من بينهما أنواع الحكم وأصناف العلوم، وفنون المراسلات والخطب والنظم والنثر وجوابات المسائل، فمن الذي أجرى فلك المعاني على قلبك ورسمها في ذهنك، ثم أجرى العبارات الدالة عليها على لسانك، ثم حرك بها بنانك حتى صارت نقشا عجيبا، معناه أعجب من صورته، فتقضي به مآربك، وتبلغ به حاجة في صدرك، وترسله إلى الأقطار النائية والجهات المتباعدة، فيقوم مقامك ويترجم عنك، ويتكلم على لسانك، ويقوم مقام رسولك، ويجدي عليك مالا يجدي من ترسله، سوى من علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم.

(سورة القدر)
· قال تعالى: {إنّا أنْزلنَاه فِي ليْلَة القَدر * ومَا أدْراكَ ما ليْلة القَدْر * ليْلَة القَدر خَيْر مِن ألْف شَهر*}
سألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها: إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: ((قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".)). حديث صحيح.

(سورة البينة)
قال تعالى: {وَمَا أمِروا إلا لِيعْبُدوا الله مُخْلصين لَه الدّين حُنفَاء}
فنفى سبحانه أن يكون أمر عباده بغير العبادة التي قد أخلص عاملها له فيها النيّة.
ومعلوم أن إخلاص النية للمعبود أصل لنية أصل العبادة، ... فالنية جزء من العبادة، بل هي روح العبادة، كما تبيّن علم أن العمل الذي لم ينو ليس بعبادة ولا مأمور به، فلا يكون فاعله متقرّبا به إلى الله تعالى، وهذا مما لا يقبل نزاعا.
ومن نكت المسألة أن يفرق بين الأفعال التي لا تقع إلا منوية عادة وبين الأفعال التي تقع منوية وغير منوية.
فالأولى كالوضوء المرتب عضوا بعد عضو، فإنه لا يكاد يتصور وقوعه من غير نية، فإن علم الفاعل بما يفعله وقصده له هو النية، والعاقل المختار لا يفعل فعلا إلا مسبوقا بتصوره وإرادته، وذلك حقيقة النية، فليست النية أمرا خارجا عن تصور الفاعل وقصده لما يريد أن يفعله.
وبهذا يعلم غلط من ظن أن للتلفظ مدخلا في تحصيل النية، فإن القائل إذا قال: نويت رفع الحدث، إما أن يكون مخبرا أو منشئا.
فإن كان مخبرا فإما أن يكون إخباره لنفسه أو لغيره وكلاهما عبث لا فائدة فيه؛ لأن الإخبار إنما يفيد إذا تضمن تعريف المخبر مالم يكن عارفا به، وهذا محال في إخباره لنفسه.
وإن كان إخبارا لغيره بالنية فهو عبث محض، وهو غير مشروع ولا مفيد، وهو بمثابة إخباره له بسائر أفعاله من صومه وصلاته وحجّه وزكاته، ...
ولا يصح أن يكون ذلك إنشاء، فإن اللفظ لا ينشئ وجود النية وإنما إنشاؤها إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها، فعلم بهذا أن التلفظ بها عبث محض فتأمل هذه النكتة البديعة ... . [الضوء المنير على التفسير: 6 /395-425]

(سورة العاديات)
· قال تعالى: {وَالعاديات ضَبْحا * فَالموريات قدحا * فَالمغيراتِ صُبحا}
الله سبحانه وتعالى أقسم بالخيل في كتابه؛ وذلك يدل على شرفها وفضلها، فالخيل تعدو في سبيله.
والضبح صوت في أجوافها عند جريها، قال أهل اللغة: الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت.
{فالموريات قدحا} توري النار بحوافرها عندما تصك الحجارة.
{فأثرن به نقعا} النقع: الغبار تثيره الخيل عند عدوها.
وقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في ذلك، فقال علي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما: هي إبل الحاج، تعدو من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى، وهذا اختيار محمد بن كعب، وأبي صالح، وجماعة من المفسرين.
وقال عبدالله بن عباس: هي خيل الغزاة، وهذا قول أصحاب ابن عباس، والحسن وجماعة، واختاره الفراء، والزجاج.
قال أصحاب الإبل: السورة مكية، ولم يكن ثم جهاد ولا خيل تجاهد، وإنما أقسم بما يعرفونه ويألفونه، وهي إبل الحاج إذا عدت من عرفة إلى مزدلفة، فهي عاديات، والضبح والضبع مد الناقة ضبعها في السير.
قال أصحاب الخيل: المعروف في اللغة أن الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدون.
قالوا: والخيل هي التي تضبح في عدوها ضبحا، وهو صوت يسمع من أجوافها، ليس بالصهيل ولا الحمحمة.
وقال الجرجاني: كلا القولين قد جاء في التفسير، إلا أن السياق يدل على أنها الخيل، وهو قوله تعالى: {فالموريات قدحا} والإيراء لا يكون إلا للحافر لصلابته، وأما الخف فيه لين واسترخاء. انتهى.
قالوا: والنقع هو الغبار، وإثارة الخيل بعدوها له أظهر من إثارة أخفاف الإبل.
قالوا: وأما قولكم إنه لم يكن بمكة حين نزول الآية جهاد ولا خيل تجاهد، فهذا لا يلزم؛ لأنه سبحانه أقسم بما يعرفونه من شأن الخيل إذا كانت في غزو، فأغارت فأثارت النقع، وتوسطت جمع العدو، وهذا أمر معروف.
... وهذا هو شأن خيل المقاتلة، وأشرف أنواع الخيل: خيل المجاهدين، والقسم إنما وقع بما تضمنه شأن هذه العاديات من الآيات البينات من خلق هذا الحيوان الذي هو من أكرم البهيم وأشرفه.
كما ذكرهم سبحانه بنعمه عليهم في خلق الإبل التي تحمل أثقالهم من بلد إلى بلد، فالإبل أخص بحمل الأثقال، والخيل أخص بنصرة الرجال، فذكرهم بنعمه بهذا وهذا.
· قوله تعالى: {إن الإنسان لربّه لكنود}
وهذا شأن القسم، وأما شأن المقسم عليه فهو حال الإنسان: وهو كون الإنسان كنودا بشهادته على نفسه، أو شهادة ربه عليه.
وأصل اللفظ منع الخير والحق، ورجل كنود إذا كان مانعا لما عليه من الحق، وعبارات المفسرين تدور على هذا المعنى.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: "كفور جحود لنعم الله"، وقال أبوعبيدة: "هو قليل الخير".
· قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد}
والخير هنا المال باتفاق المفسرين.
فوصف سبحانه وتعالى الإنسان بكفران نعم ربّه، وبخله بما آتاه من الخير فلا هو شكور للنعم، ولا محسن إلى خلقه، بل بخيل بشكره، بخيل بماله، وهذا ضد المؤمن الكريم، فإنه مخلص لربه، محسن إلى خلقه، فالمؤمن له الإخلاص والإحسان، والفاجر له الكفر والبخل.

(سورة التكاثر)
· قال تعالى: {ألهاكم التكاثر }
أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد، وكفى بها موعظة لمن عقلها.
والتكاثر تفاعل من الكثرة، ...، وإن كل ما يكاثر به العبد غير سوى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر.
فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم، ولا سيما إذا لم يحتج إليه.
فأخبر سبحانه أن التكاثر في جمع المال وغيره ألهى الناس وشغلهم عن الآخرة والاستعداد لها وتوعدهم على ذلك، فقال تعالى: {ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون}
فأخبر سبحانه أن التكاثر شغل أهل الدنيا وألهاهم عن الله والدار الآخرة حتى حضرهم الموت، فزاروا المقابر.
وجعل الغاية زيارة المقابر دون الموت إيذانا بأنهم غير مستوطنين ولا مستقرين في القبور، وأنهم فيها بمنزلة الزائرين يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها، كما كانوا في الدنيا كذلك زائرين لها غير مستقرين فيها، ودار القرار هي الجنة أو النار.
فأوعد سبحانه من ألهاه التكاثر وعيدا مؤكّدا إذا عاين تكاثره هباءا منثورا، وعلم دنياه التي كاثر بها إنما كانت خدعا وغرورا فوجد عاقبة تكاثره عليه لا له، وخسر هنالك تكاثره كما خسره أمثاله، وبدا له من الله مالم يكن في حسابه، وصار تكاثره الذي شغله عن الله والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه، فعذّب بتكاثره في دنياه، ثم عذّب به في البرزخ، ثم يعذّب به يوم القيامة، فكان أشقى بتكاثره إذ أفاد منه العطب دون الغنيمة والسلامة.
· قوله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم}
فكل أحد يُسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا: هل ناله من حلال ووجهه أم لا؟
فإذا تخلّص من هذا السؤال سئل سؤالا آخر: هل شكر الله تعالى عليه فاستعان به على طاعته أم لا؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس، عن: عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وفي ماذا عمل فيما علم)).
والإلهاء بالتكاثر وقع من المسلمين كثيرا، بل أكثرهم قد ألهاه التكاثر، وخطاب القرآن عام لمن بلغه، وإن كان أولُ من دخل فيه المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متناول لمن بعدهم.
وقوله تعالى: {ألهاكم التكاثر} خطاب لكل من اتصف بهذا الوصف، وهم في الإلهاء والتكاثر درجات لا يحصيها إلا الله، فإن قيل: فالمؤمنون لم يلههم التكاثر، ولهذا لم يدخلوا في الوعيد المذكور لمن ألهاه.
قيل: وهذا الذي أوجب لأرباب هذا القول تخصيصه بالكفار، لأنه لم يمكنهم حمله على العموم، ورأوا أن الكفار أحق بالوعيد فخصّوهم به.
وجواب هذا: أن الخطاب للإنسان من حيث هو إنسان على طريقة القرآن في تناول الذم له من حيث هو إنسان كقوله: {وكان الإنسان عجولا}، {وكان الإنسان قتورا}، {إن الإنسان لربه لكنود}.
فالإنسان من حيث هو عار عن كل خير من العلم النافع والعمل الصالح، وإنما الله سبحانه هو الذي يكمّله بذلك، ويعطيه إيّاه، وليس له ذلك من نفسه.
وكل علم وعدل وخير فيه فمن ربه لا من نفسه، فإلهاء التكاثر طبيعته وسجيته التي هي له من نفسه، ولا خروج له عن ذلك إلا بتزكية الله له، وجعله مريدا للآخرة مؤثرا لها على التكاثر بالدنيا، فإن أعطاه ذلك وإلا فهو ملتهٍ بالتكاثر في الدنيا ولابد.
وتأمل ما في هذا العتاب الموجع لمن استمر على إلهاء التكاثر له مدة حياته كلها إلى أن زار القبور، ولم يستيقظ من نوم الإلهاء، بل ارقد التكاثر قلبه فلم يستفق منه إلا وهو في عسكر الأموات، وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق يتبيّن لك أن العموم مقصود.
والنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية إنما تكاثر بما يدوم عليها نفعه، وتكمل به، وتزكو، وتصير مفلحة فلا تحب أن يكثرها غيرها في ذلك، وينافسها في هذه المكاثرة، ويسابقها إليها، فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد.وضده تكاثر أهل الدنيا بأسباب دنياهم، فهذا تكاثر ملهٍ عن الله والدار الآخرة وهو صائر إلى غاية القلة فعاقبة هذا التكاثر قل وفقر وحرمان.
فالله ما أعظمها من سورة وأجلها وأعظمها فائدة وأبلغها موعظة وتحذيرا وأشدّها ترغيبا في الآخرة وتزهيدا في الدنيا على غاية اختصارها وجزالة ألفاظها وحسن نظمها، فتبارك من تكلّم بها حقّا وبلغها رسوله صلى الله عليه وسلم عنه وحيا.

(سورة العصر)
· قال تعالى: {وَالعَصر * إن الإنسان لَفي خُسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحاتِ وتَواصَوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر}
قال الشافعي رحمه الله: "لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم".
وبيان ذلك: أن المراتب أربع وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله.
إحداها: معرفة الحق.
الثانية: عمله به.
الثالثة: تعليمه من لا يحسنه.
الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به، وتعليمه.
فذكر تعالى المراتب الأربع في هذه السورة.
وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر: أن كل أحد في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم الذين عرفوا الحق، وصدقوا به، فهذه مرتبة.
وعملوا الصالحات، وهم الذين عملوا بما علموه من الحق، فهذه مرتبة أخرى.
وتواصوا بالحق، وصّى بعضهم به بعضا: تعليما وإرشادا، فهذه مرتبة ثالثة.
وتواصوا بالصبر، صبروا على الحق ووصّى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات، فهذه مرتبة رابعة.
وهذا نهاية الكمال، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملا في نفسه مكمّلا لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل.
فهذه السورة على اختصارها هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره، والحمدلله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه، شافيا من كل داء هاديا إلى كل خير.
- فأقسم سبحانه أن كل أحد خاسر إلا من كمّل قوته العلمية بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكمّل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه، فالحق هو الإيمان والعمل، ولا يتمان إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما، كان حقيقيا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية ويخلص به من الخسران، وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره، واستخراج كنوزه وإثارة دفائنه وصرف العناية إليه والعكوف بالهمة عليه.
وهذا المعنى في القرآن في مواضع كثيرة: يخبر سبحانه أن أهل السعادة هم الذين عرفوا الحق واتبعوه، وأن أهل الشقاوة هم الذين جهلوا الحق وضلوا عنه، أو علموه وخالفوه، واتبعوا غيره.
- والاجتماع بالإخوان قسمان:
أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.
الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر؛ فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها.
ولكن فيه ثلاث آفات:
إحداها: تزين بعضهم لبعض.
الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.
- والعصر المقسم به، وأكثر المفسرين على أنه الدهر، وهذا هو الراجح.
فأقسم بالعصر الذي هو زمان أفعال الإنسان ومحلها، على عاقبة تلك الأفعال وجزائها، ... وأن حكمته التي اقتضت خلق الزمان وخلق الفاعلين وأفعالهم، وجعلها قسمين خيرا وشرّا تأبى أن يسوي بينهم، وأن لا يجازي المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته، وأن يجعل النوعين رابحين أو خاسرين، بل الإنسان من حيث هو إنسان خاسر، إلا من رحمه الله، فهداه ووفقه للإيمان والعمل الصالح في نفسه، وأمر غيره.
· قوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق تواصوا بالصبر}
فالصبر بدون الإيمان والتقوى بمنزلة قوة البدن الخالي عن الإيمان والتقوى، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصبر على المقدور، وقال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفّنك الذين لا يوقنون}
فأمره أن يصبر ولا يتشبه بالذين لا يقين عندهم في عدم الصبر.
فمن قل يقينه قل صبره، ومن قل صبره خف واستخف، فالموقن الصابر رزين، لأنه ذو لب وعقل، ومن لا يقين له ولا صبر عنده خفيف طائش تلعب به الأهواء والشهوات، كما تلعب الرياح بالشيء الخفيف. والله المستعان. [الضوء المنير على التفسير: 6 /429- 455]

(سورة الماعون)
· قال تعالى: {فَويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون *}
وقد اختلف السلف في معنى السهو عنها، فقال سعد بن أبي وقاص ومسروق بن الأجدع وغيرهما: هو تركها حتى يخرج وقتها، وروى في ذلك حديث مرفوع، قال محمد بن نصر المروزي: حدثنا سفيان بن أبي شيبة حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثنا عبدالملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن {الذين هم عن صلاتهم ساهون} قال: ((هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها)).
وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قول الله: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} أينا لا يسهو؟ أيّنا لا يحدّث نفسه؟ قال: إنه ليس ذلك، ولكنه إضاعة الوقت.
ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة:
قوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} فعلق إخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة، فلا يكونون مؤمنين لقوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}
قوله تعالى: {فلا صدق ولا صلّى * ولكن كذب وتولى}
فلما كان الإسلام وتصديق الخبر والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة.
وقابل التصديق بالتكذيب، والصلاة بالتولي فقال: {ولكن كذب وتولى} فكما أن المكذب كافر، فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب، يزول بالتولي عن الصلاة.
على أنا نقول: لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها أصلا، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها؛ هذا من المستحيل قطعا، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها.
· قال تعالى: {الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون}
قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة: (هو إعارة القدر والدلو والفأس ونحوهما).
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)).

(سورة الكافرون)
· قال تعالى: {قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم *}
مسألة: فائدة تكرار الأفعال، فقيل فيه وجوه:
أحدها: أن قوله: {لا أعبد ما تعبدون} نفي للحال والمستقبل، وقوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} مقابلة أي: لا تفعلون ذلك.
وقوله: {ولا أنا عابد ما عبدتم} أي: لم يكن مني ذلك قط قبل نزول الوحي، ولهذا أتى في عبادتهم بلفظ الماضي، فقال: ما عبدتم، فكأنه قال: لم أعبد قط ما عبدتم.
وقوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}مقابله أي: لم تعبدوا قط في الماضي ما أعبده أنا دائما، وعلى هذا فلا تكرار أصلا وقد استوفت الآيات أقسام النفي ماضيا وحالا ومستقبلا عن عبادته وعبادتهم بأوجز لفظ وأخصره وأبينه.
مسألة: تكرير الأفعال بلفظ المستقبل حين أخبر عن نفسه وبلفظ الماضي حين أخبر عنهم، ففي ذلك سر وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله له عن الزيغ والانحراف عن عبادة معبوده والاستبدال به غيره، وأن معبوده واحد في الحال والمآل على الدوام لا يرضى به بدلا، ولا يبغي عنه حولا بخلاف الكافرين، فإنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم في الدين وأغراضهم، فهم بصدد أن يعبدوا اليوم معبودا وغدا غيره، فقال: {لا أعبد ما تعبدون} يعني الآن {ولا أنتم عابدون ما أعبد}أنا الآن أيضا. ثم قال: {ولا أنا عابد ما عبدتم} يعني ولا أنا فيما يستقبل يصدر مني عبادة لما عبدتم أيها الكافرون.
مسألة: أنه لم يأت النفي في حقهم إلا باسم الفاعل، وفي جهته جاء بالفعل المستقبل تارة وباسم الفاعل أخرى، فذلك والله أعلم لحكمة بديعة؛ وهي أن المقصود الأعظم براءته من معبوديهم بكل وجه وفي كل وقت، فأتى أولا بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد، ثم أتى في هذا النفي بعينه بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت، فأفاد في النفي الأول أن هذا لا يقع مني، وأفاد في الثاني أن هذا ليس وصفي ولا شأني، فكأنه قال: عبادة غير الله لا تكون فعلا لي ولا وصفا.
وأما في حقهم، فإنما أتى بالاسم الدال على الوصف والثبوت دون الفعل، أي إن الوصف الثابت اللازم العائد لله منتف عنكم، فليس هذا الوصف ثابتا لكم، وإنما ثبت لمن خصّ الله وحده بالعبادة لم يشرك معه فيها أحدا، وأنتم لما عبدتم غيره فلستم من عابديه، وإن عبدوه في بعض الأحيان، فإن المشرك يعبد الله ويعبد معه غيره.
ومن عبد غير الله لم يكن ثابتا على عبادة الله موصوفا بها ... فلا يوصف بأنه عابد الله، وعبده، إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتّل إليه تبتيلا، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدا في عبادته، وأنه عبده وأشرك به غيره، فليس عابدا لله ولا عبدا له، وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة التي هي إحدى سورتي الإخلاص التي تعدل ربع القرآن كما جاء في بعض السنن.
مسألة: اشتمال هذه السورة على النفي المحض، فهذا هو خاصة هذه السورة العظيمة، فإنها سورة براءة من الشرك، كما جاء في وصفها أنها براءة من الشرك، فمقصودها الأعظم هو البراءة المطلوبة بين الموحدين والمشركين، ولهذا أتي بالنفي في الجانبين تحقيقا للبراءة المطلوبة، هذا مع أنها متضمنة للإثبات صريحا، فقوله: {لا أعبد ما تعبدون} براءة محضة، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} إثبات أن له معبودا يعبده وأنتم بريئون من عبادته، فتضمنت النفي والإثبات، ... فانتظمت حقيقة لا إله إلا الله.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرنها بسورة: {قل هو الله أحد} في سنة الفجر وسنة المغرب، فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص، وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما، وهو توحيد العلم والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر والولد والوالد وأنه إله أحد صمد، لم يلد فيكون له فرع، ولم يولد فيكون له أصل، ولم يكن له كفوا أحد، فيكون له نظير، ومع هذا فهو الصمد الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها.
مسألة: إثباته هنا بلفظ: {يا أيها الكافرون}دون يا أيها الذين كفروا، فسره والله أعلم إرادة الدلالة على أن من كان الكفر وصفا ثابتا له لازما لا يفارقه فهو حقيقي أن يتبرأ الله منه، ويكون هو أيضا بريئا من الله، فحقيق بالموحد البراءة منه، ... فكأنه يقول كما أن الكفر لازم لكم ثابت لا تنتقلون عنه فمجانبتكم والبراءة منكم ثابتة دائما أبدا.
· قوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين}
هذه البراءة اقتضت أنا اقتسمنا خطتنا بيننا، فأصابنا التوحيد والإيمان، فهو نصيبنا وقسمنا الذي نختص به، لا تشركونا فيه، وأصابكم الشرك بالله والكفر به، فهو نصيبكم وقسمكم الذي تختصون به، لا نشرككم به.
فتبارك من أحيا قلوب من شاء من عباده بفهم كلامه.

(سورة النصر)
· قال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا * }
ما صلى عليه الصلاة والسلام صلاة قط بعد إذ أنزلت عليه {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخرها؛ إلا قال فيها: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)).
وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة: (ما تقولون في: {إذا جاء نصر الله والفتح} السورة؟ قالوا: أمر نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره، فقال لابن عباس: ما تقول أنت؟ قال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه إياه، فقال: ما أعلم منها غير ما تعلم)، وهذا من أدق الفهم وألطفه، ولا يدركه كل أحد، فإنه سبحانه لم يعلق الاستغفار بعمله، بل علقه بما يحدثه هو سبحانه من نعمة فتحه على رسوله صلى الله عليه وسلم ودخول الناس في دينه، وهذا ليس بسبب للاستغفار، فعلم أن سبب الاستغفار غيره، وهو حضور الأجل الذي من تمام نعمة الله على عبده توفيقه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه ليلقى ربه طاهرا مطهرا من كل ذنب، فيقدم عليه مسرورا راضيا مرضيا عنه، ويدل عليه أيضا قوله: {فسبّح بحمد ربك واستغفره}، وهو صلى الله عليه وسلم كان يسبح بحمده دائما، فعلم أن المأمور به من ذلك التسبيح بعد الفتح ودخول الناس في هذا الدين أمر أكبر من ذلك المتقدم، وذلك مقدمة بين يدي انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وأنه قد بقيت عليه من عبودية التسبيح والاستغفار التي ترقيه إلى ذلك المقام بقية فأمره بتوفيتها. [الضوء المنير على التفسير: 6 /457- 478]

(سورة الإخلاص)
· قال تعالى: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد}
الصمد: قال ابن عباس: هو السيد الذي كمل في سؤدده.
وقال عكرمة: الذي ليس فوقه أحد.
وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم.
واشتقاقه يدل على هذا، فإنه من الجمع والقصد الذي اجتمع القصد إليه، واجتمعت فيه صفات السؤدد، وهذا أصله في اللغة.
والعرب تسمي أشرافها بالصمد، لاجتماع القاصدين إليه، واجتماع صفات السيادة فيه.
· وهو سبحانه قد وصف نفسه بأنه {لم يكن له كفوا أحد} بعد وصف نفسه بأنه الصمد، ... فالصمد من تصمد نحوه القلوب بالرغبة والرهبة، وذلك لكثرة خصال الخير فيه.
وقوله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}هو سلب عن المخلوق مكافأته ومماثلته للخالق سبحانه.
فسورة {قل هو الله أحد}متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى: من الأحدية المنافية لمطلق المشاركة بوجه من الوجوه، والصمدية المثبتة لجميع صفات الكمال التي لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصمدية وغناه وأحديته، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والتنظير، فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه، ونفي إثبات شبيه أو مثيل له في كماله، ونفي مطلق الشريك عنه.
وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي، الذي يباين معتقده جميع فرق الضلال والشرك، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن.
فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء؛ والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة {قل هو الله أحد} الخبر عنه وعن أسمائه وصفاته.

(سورة الفلق)
· قال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق}
الإعاذة من الشيطان الرجيم ليست بإماتته ولا تعطيل آلات كيده، وإنما هي بأن يعصم المستعيذ من أذاه له، ويحول بينه وبين فعله الاختياري له.
فأمره أن يستعيذ به من الشر الذي في المخلوق، فهو الذي يعيذ منه وينجّي منه.
وإذا أخلى العبد قلبه من محبته والإنابة إليه وطلب مرضاته، وأخلى لسانه من ذكره والثناء عليه، وجوارحه من شكره وطاعته فلم يرد من نفسه ذلك ونسي ربه، لم يرد الله سبحانه أن يعيذه من ذلك الشر، ونسيه كما نسيه، فإذا أمسك العبد عما ينال ربه منه، أمسك الرب عما ينال العبد من توفيقه.
قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}
· روى مسلم في صحيحه من حديث قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس))
فهاتان السورتان لا يستغني عنهما أحد قط؛ لشدة الحاجة والضرورة إليهما، وأن لهما تأثيرا خاصّا في دفع السحر والعين وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النفس والطعام والشراب واللباس.
· ولفظ (عاذ) وما تصرف منها تدل على التحرز والتحصن والنجاة وحقيقة معناها الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه.
والعائذ قد هرب من عدوه الذي يبغي هلاكه إلى ربه ومالكه، وفر إليه، وألقى بنفسه بين يديه، واعتصم به، واستجار به، والتجأ إليه.
والمستعاذ به وهو الله وحده: رب الفلق، ورب الناس، ملك الناس، إله الناس، الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه، بل هو الذي يعيذ المستعيذين، ويعصمهم ويمنعهم من شرّ ما استعاذوا من شره.
والشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين:
إما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها، فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه، ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها، وهو أعظم الشرين وأدومهما وأشدهما اتصالا بصاحبه.
وإما شر واقع به من غيره وذلك الغير، إما مكلف أو غير مكلف، والمكلف إما نظيره وهو الإنسان، أو ليس نظيره وهو الجني، وغير المكلف مثل الهوام وذوات الحمى وغيرها.
وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة:
أحدها: شر المخلوقات التي لها شر عموما.
الثاني: شر الغاسق إذا وقب.
الثالث: شر النافاثات في العقد.
الرابع: شر الحاسد إذا حسد.
· قوله تعالى: {من شر ما خلق}
· دخل فيه الاستعاذة من كلّ شرّ في أيّ مخلوق قام به الشرّ.
· قوله تعالى: {ومن غاسق إذا وقب}
قال أكثر المفسرين إنه الليل، قال ابن عباس: الليل إذا أقبل بظلمته من الشرق، ودخل في كل شيء وأظلم.
وكذلك قال الحسن ومجاهد: الغاسق إذا وقب: الليل إذا أقبل ودخل.
والوقوب: الدخول، وهو دخول الليل بغروب الشمس.
والسبب الذي لأجله أمر الله تعالى بالاستعاذة من شرّ الليل وشر القمر إذا وقب هو: أن الليل إذا أقبل فهو محل سلطان الأرواح الشريرة، وفيه تنتشر الشياطين؛ وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشمس إذا غربت انتشرت الشياطين، ولهذا قال: ((فاكفوا صبيانكم واحبسوا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء)).
وفي حديث آخر: ((فإن الله يبث من خلقه ما يشاء))، والليل هو محل الظلام، وفيه تتسلط شياطين الإنس والجن مالا تتسلط بالنهار، فإن النهار نور، والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات والمواضع المظلمة على أهل الظلمة، وروي أن سائلا سأل مسيلمة: كيف يأتيك الذي يأتيك؟ فقال: في ظلماء حندس.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك؟ فقال: ((في مثل ضوء النهار)).
ومن هنا تعلم السر في الاستعاذة برب الفلق في هذا الموضع، فإن الفلق: الصبح الذي هو مبدأ ظهور النور، وهو الذي يطرد جيش الظلام وعسكر المفسدين في اليل، ... فأمر الله عباده أن يستعيذوا برب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها ويقهر عسكرها وجيشها، ولهذا ذكر سبحانه في كل كتاب أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور، ويدع الكفار في ظلمات كفرهم، قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}
فالإيمان كله نور ومآله إلى نور، ومستقرّه في القلب المضئ المستنير، والكفر والشرك كله ظلمة ومآله إلى الظلمات، ومستقره في القلوب المظلمة.
والله عزوجل فالق الإصباح، وفالق الحب والنوى، وفالق الأرض عن النبات، والجبال عن العيون، ... وكما أن في خلقه فلقا وفرقا، فكذلك أمره كله فرقان يفرق بين الحق والباطل، فيفرّق ظلام الباطل بالحق، كما يفرق ظلام الليل بالإصباح، ولهذا سمي كتابه الفرقان، ونصره فرقانا، فظهرت حكمة الاستعاذة برب الفلق في هذه المواضع.
· قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد}
وهذا الشر هو شر السحر.
والسحر الذي يؤثر مرضا وثقلا وحلا وعقدا وحبا وبغضا ونزيفا، وغير ذلك من الآثار الموجودة تعرفه عامة الناس، وكثير منهم قد علمه ذوقا بما أصيب به منه.
وقوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه، ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهرا لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يستعاذ منه.
· قوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}
دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود، فنفس حسده شر يتصل بالمحسود من نفسه وعينه وإن لم يؤذه بيده ولا لسانه، فإن الله تعالى قال: {ومن شر حاسد إذا حسد}.
ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
أحدها: التعوذ بالله من شره والتحصّن به واللجوء إليه، وهو المقصود بهذه السورة، والله تعالى سميع لاستعاذته عليم بما يستعيذ منه.
فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب عليم بكيد عدوه، يراه، ويبصره لينبسط أمل المستعيذ، ويقبل بقلبه على الدعاء.
السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، ((احفظ الله يحفظك)).
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل: الصبر عليه، والتوكل على الله.
السبب الرابع: التوكل على الله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}
فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجا من ذلك، وكفاه، ونصره.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له فلا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.
فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر والاشتغال بما هو أنفع له وأولى به، وهذا باب عظيم النفع لا يلقاه إلا أصحاب النفوس الشريفة والهمم العالية؛ التي رضيت بوكالة الله لها، وعلمت أن نصره لها خير من انتصارها هي لنفسها، فوثقت بالله، وسكنت إليه، واطمأنت به، وعلمت أن ضمانه حق، ووعده صدق، وأنه لا أوفى بعهده من الله، ولا أصدق منه قيلا، فعلمت أن نصره لها أقوى وأثبت وأدوم وأعظم فائدة من نصرها هي لنفسها.
السبب السادس: الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئا فشيئا، حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه؛ فإن الله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}
وعلامة سعادة العبد أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها، وبالتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولابد، فما أسعده من عبد!
وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن أثرها عليه، ولكن التوفيق والرشد بيد الله، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا، ولا معرفة به، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه.
فالمحسن والمتصدق يستخدم جندا وعسكرا يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه، فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو، فإنه يوشك أن يظفر به عدوه، وإن تأخرت مدة الظفر، والله المستعان.
السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرّا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا وله نصيحة وعليه شفقة.
قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}
والذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به، أن تعلم: أن لك ذنوبا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفو عنها، ويغفرها لك، ويهبها لك، ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله.
فإن كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم، ليعاملك الله هذه المعاملة، فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك، يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقا، فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن أو اترك، فكما تدين تدان، وكما تفعل مع عباده يفعل معك.
فمن تصور هذا المعنى، وشغل به فكره، هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه.
السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب: وهو تجريد التوحيد.
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله تعالى.

(سورة الناس)
· قال تعالى: {قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس}
فذكر ربوبيته للناس، وملكه إياهم، وإلاهيته لهم، ومناسبة ذكر ذلك في الاستعاذة من الشيطان:
إضافة الربوبية المتضمنة لخلقهم وتدبيرهم، وتربيتهم، وإصلاحهم، وذلك يتضمن قدرته التامة، ورحمته الواسعة، وإحسانه، وعلمه بتفاصيل أحوالهم، وإجابة دعواتهم، وكشف كرباتهم.
إضافة الملك فهو ملكهم المتصرف فيهم، الذي إليه مفزعهم عند الشدائد والنوائب، وهو مستغاثهم ومعاذهم وملجأهم.
إضافة الإلهية فهو إلههم الحق، ومعبودهم الذي لا إله لهم سواه، ولا معبود لهم غيره.
وإذا كان وحده هو ربنا وملكنا وإلهنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه.
وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب، وأخّر الإلهية لخصوصها لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده واتخذه دون غيره إلها.
ووسط صفة الملك بين الربوبية والإلهية؛ لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره، فهو المطاع إذا أمر، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم، فملكه من كمال ربوبيته، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه، فهو الرب الحق الملك الحق، الإله الحق.
فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام وأحسن سياق: رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى.
فكان المستعيذ بها جديرا بأن يعاذ ويحفظ ويمنع من الوسواس الخناس، ولا يسلط عليه، وأسرار كلام الله أجل وأعظم من أن تدركها عقول البشر.
· قوله تعالى: {من شر الوسواس الخناس}
فإن العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان، وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، فإذا ذكر العبد ربه، واستعاذ به، انخنس، وانقبض، كما ينخنس الشيء ليتوارى.
· قوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس}
قد جعل الله تعالى للشيطان دخولا إلى جوف العبد، ونفوذا إلى قلبه وصدره، فهو يجري منه مجرى الدم، وقد وكل بالعبد فلا يفارقه إلى الممات.
ولا يمكن حصر أجناس شره فضلا عن آحادها، إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه، ولكن ينحصر شره في ستة أجناس:
الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
المرتبة الثانية من الشر: وهي البدعة، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي؛ لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد وهي ذنب لا يتاب منه.
المرتبة الثالثة من الشر: وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها.
المرتبة الرابعة: وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها.
المرتبة الخامسة: وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها.
المرتبة السادسة: وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل، وقل من ينتبه لهذا من الناس.
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه، وأرضاها له، وأنفعها للعبد.
فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل، فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب ولا يضعها عنه إلا الموت، ومتى وضعها أسر أو أصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله عزوجل. [الضوء المنير على التفسير: 6 /480- 553]





للاستزادة:
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=19430
http://www.afaqattaiseer.com/vb/forumdisplay.php?f=653

ليلى باقيس 7 رجب 1433هـ/27-05-2012م 07:41 PM

كتاب التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله- في بيان فضل العلم، وطبقات الناس في أخذ العلم، وتوجيهه لطالب العلم.

ابتدأ الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ [باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]؛ بمقدمة بيّن فيها فضل العلم وأهله، وطبقات الناس في أخذ العلم، وضمّنها توجيها لطالب العلم، وهذا ملخصه:

فضل العلم وأهله
الاهتمام بالعلم والرغبة فيه والحرص عليه والاقبال عليه دليل صحة القلوب، قال تعالى في مدح أهل العلم: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}
فالعلم هو الشرف الأعظم في هذه الحياة

طبقات الناس في العلم
العلم يشترك كثيرون في الاهتمام به، لكن لا يستوون في أخذه، ولا في طريقة أخذه؛ وهم طبقات:
1)المتعجّل: من أنه يحصّل العلم في أسابيع أو في أشهر أو في سنين معدودة؛ وهذا بعيد عن الصواب.
لأن العلم لا ينتهي حتى يموت المرء، وبقي من العلم أشياء كثيرة لم يعلمها، فالعلم واسع الأطراف، فينبغي لطالب العلم أن يكون متدرّجا فيه.
والتدرج سنة لا بد منها، هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سنة الصحابة، وهي سنة أهل العلم من بعدهم.
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله: "من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، إنما يُطلب العلم على مرّ الأيام والليالي" فالمتعجّلون لا يُحصّلون العلم.
2) المتذوّقون؛ وهم أهل التذوق في أخذ العلم، يأتي ويطلب علما ما مدّة قليلة، ثم يأتي ويحكم على هذا العلم، أو يحكم على من يعلّم ذاك العلم، ثم ينتقل إلى آخر، وهكذا.
وهذا النوع لا يحصّل علما كثيرا، والتذوق بمعنى كثرة التنقّل.
فطالب العلم الذي أراد صحّة العلم، وصحّة السلوك فيه، لا يصلح أن يكون متذوّقا.
3) المؤصّل نفسه المتدرج في العلم؛ تأصيل العلم، وتأصيل طلبه، وأن يحفظ كما حفظ الأوّلون.
فحفظ المتون وقراءة المختصرات هي طريقة العلم، وهذه سنة العلماء، ومن تركها فقد ترك سنة العلماء في العلم والتعليم.

توجيهات لطالب العلم
· التأني؛ ينبغي أن تكون حريصا على التأني في طلب العلم.
· الإحكام؛ وأن تُحكم ما تسمع وما تقرأ شيئا فشيئا.
· الفهم الصحيح؛ أن لا تُدخل عقلك إلا صورة صحيحة من العلم،
فلا تهتم بكثرة المعلومات، بقدر ما تهتم بألّا يدخل العقل إلا صورة صحيحة للعلم.

- فالعلم أن تكون الصورة في الذهن للمسألة العلمية منضبطة من جهة:
= صورة المسألة
= حكم المسألة
= دليلها
= وجه الاستدلال

والذي يحيط بذلك: الاهتمام باللغة العربية، والاهتمام بألفاظ أهل العلم، فمن لم يهتم بألفاظ أهل العلم وبلغة العلم، لم يدرك مراداتهم من كلامهم*.



*للرجوع إلى أصل كلام الشيخ: http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=8

كذلك ابتدأ الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ [باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]؛ بمقدمة بيّن فيها النفسية الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها طالب العلم حال أخذه للعلم، وهذا ملخصه:

المستمعون للعلم يختلفون من جهة رغبتهم فيما يسمعون
ويختلفون أيضا من جهة استعداداتهم
فالرغبات والاستعدادات ليست واحدة
· فمنهم من يستمع للعلم رغبة في تحصيله، وهذا هو الغالب، والحمدلله.
· ومنهم من يستمع للعلم رغبة في تقييم المعلّم، أو في معرفة مكانته وحُسْنِ تعليمه.
· ومنهم من يأتي مرة ويترك عشر مرات.

ويهمّنا من هؤلاء: من يأتي للعلم رغبة في العلم؛ فهذا يوجّه إلى أن يكون:
** على نفسية وحالة قلبية وعقلية خاصّة؛ وهي؛

- الإخلاص في العلم: فالإخلاص فيه واجب لكونه عبادة، ويتحقق بأن يكون قصده من العلم رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
فإذا لم ينو أحد هذين أو لم ينوهما معا؛ فليس بصاحب نيّة صحيحة.

- العمل بالعلم: يستحضر مع نيته؛ أن الله تعالى خلقه وعليه أمر ونهي في أصل الأصول وهو التوحيد، وكذلك في الحلال والحرام، وأن سبب الإقدام على المنهيات في العقائد وفي السلوك هو الجهل، فإذا علم استعان بالله عزوجل بعد ذلك في امتثال المرادات الشرعية.

- الثقة بعلم المعلّم: فيكون في نفسه أن الأصل في المعلّم؛ أنه يعلّم على الصواب.
أما من دخل وفي نفسه أن المعلّم يعلّم غلطا، أو أنه كذا وكذا، فإنه لن يستفيد، لأنه سيستمع بنفس المعارض؛ وهذا مما يَحْرِم المستمع العلم.

والتصرف الصحيح عند ورود الإشكال:
*إذا عند طالب العلم فيما يسمع إشكال؛ فليكتب الإشكال على ورقة.
*ولا يفكّر فيه وهو يستمع العلم.
*ثم إذا فرغ من هذا الدرس؛ يذهب ويبحث هذه المسألة أو يسأل عنها.
لأنه من المعلوم أنه ليس من شرط المعلّم أن يكون محققا، لكن الشأن أن يكون المعلّم مشهودا له بالعلم، مؤصّلا في العلم، لكن قد يكون عنده غفلة في مسألة، فيغلط مرة، أو في تصوّر ونحو ذلك، وهذا ليس بعجيب، لأن المعلم بشر.
= ومن يتلقى العلم بنفسية السؤال، بنفسية من يستشكل؛ هذا لا يكون مجيدا في حلقات العلم.
قال الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله-لمن كان يكثر من السؤال عنده مرة-: (العلم لا يؤتى هكذا، وإنما يؤتى بدراسته)
بل إن هذه النفسية تؤثّر على الذهن وعلى صفائه، وعلى تصوّر العلوم أثناء الدرس.
فينبغي لنا أننا حين نتلقّى العلم، أن نتلقّاه بنفسيّة من ليس عنده علم البتة، يسمع، ويسمع، ويسمع، فإذا استشكل عليه، يقيّد ثم يبحث، أو يسأل عن ذلك(1).

ومن كلام الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في الثناء على كتاب التوحيد؛ قوله: (احرص على تعلّم هذا الكتاب ومدارسته، وعلى كثرة مذاكرته، وفهم ما فيه من الحجج والبيّنات؛ لأنه هو خير ما يكون في صدرك بعد كتاب الله جلّ وعلا، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ...)

وأثنى كذلك على إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بقوله: (... وإن مؤلفات الشيخ إنما كانت للحاجة، ليست للتكاثر أو الاستكثار أو للتفنن، وإنما كتب فيما الناس بحاجة إليه، لم يكتب لأجل أن يكتب، ولكن كتب لأجل أن يدعو، وبين الأمرين فرق)




(1) للرجوع إلى أصل كلام الشيخ: http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=101

ليلى باقيس 7 شعبان 1433هـ/26-06-2012م 03:22 AM

كتاب الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص الدروس: كتاب الزكاة، شروط وجوب الزكاة، زكاة الإبل والبقر والغنم.
مكانة الزكاة:
· هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي من مبانيه العظام بدليل الكتاب والسنة.
قال صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ..."
· قرنها الله بالصلاة في كتابه في اثنين وثمانين موضعا؛ مما يدل على عظم شأنها وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة.
قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة}
· أجمع المسلمون على فرضيتها، وعلى كفر من جحد وجوبها، وقتال من منع إخراجها.
فرضها:
فرضت في السنة 2 هــ
الحكمة من مشروعيتها:
· الزكاة إحسان إلى الخلق
· وهي طهرة للمال من الدنس
· وعبودية للرب سبحانه
قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}

وقدر المخرج في الزكاة على حسب التعب في المال الذي تخرج منه:
- ففي الركاز: الخمس 1/5
- وما فيه التعب من طرف واحد (وهو ما سقي بلا مؤنة): نصف الخمس؛ ½ الــ1/5 = 1/10 العشر
- وما وجد فيه التعب من طرفين: ربع الخمس؛ ¼ الـــ1/5 = 1/20
- وما يكثر فيه التعب والتقلب (كالنقود وعروض التجارة): ثمن الخمس؛ 1/8 الــ1/5 =1/40

سمّاها الله بالزكاة: لأنها تزكي النفس والمال
قال صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة"
شرعا: هي حق واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص؛ وهو؛
تمام الحول: في الماشية والنقود وعروض التجارة
عند اشتداد الحب وبدو الصلاح: في الثمار
حصول ما تجب فيه: من العسل، والمستخرج من المعادن
غروب الشمس ليلة العيد: في زكاة الفطر

شروط وجوب الزكاة على المسلم:
1- الحرية
2- أن يكون صاحب المال مسلما
3- امتلاك النصاب
4- استقرار الملكية
5- مضي الحول على المال
عن عائشة رضي الله عنها: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"

ومن له دين:
· على معسر >>> يخرج زكاته إذا قبضه لعام واحد على الصحيح
· على ملئ باذل >> يزكيه كل عام

- وما أعد من الأموال للقينة والاستعمال(كدور السكنى وثياب البذلة ..) >> فلا زكاة فيه
- وما أعد للكراء(كالسيارات والدكاكين ..) >> فلا زكاة في أصله، وإنما تجب الزكاة في أجرته: إذا بلغت النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها، وحال عليها الحول.
- ومن وجبت عليه الزكاة؛ ثم مات قبل إخراجها >> وجب إخراجها من تركته، فلا تسقط بالموت؛ لأنها حق واجب، قال صلى الله عليه وسلم: "فدين الله أحق بالوفاء" متفق عليه

زكاة بهيمة الأنعام
تجب الزكاة فيها بشرطين:
· أن تتخذ لدر ونسل لا للعمل
· أن تكون سائمة؛ أي راعية
قال صلى الله عليه وسلم: "في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون" أحمد

زكاة الإبل
النصاب = خمس من الإبل
يجب في كل:
· خمس من الإبل --> شاة
· عشـر من الإبل --> شاتان
· خمس عشرة من الإبل --> ثلاث شياه
· عشرون من الإبل --> أربع شياه
فإذا بلغت الإبل:
· [خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين (25 –35)] --> فيها بنت مخاض (ما تم لها سنة ودخلت في الثانية) فإن عدمها أجزأ ابن لبون
· [36 – 45] --> فيها بنت لبون (ما تم لها سنتان)
لحديث أنس: "فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون"
· [46 -- 60] --> فيها حقة (ما تم لها ثلاث سنين)
· [61 – 75] --> فيها جذعة (ما تم لها أربع سنين)
قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة" صحيح
· [76 – 90] --> فيها بنتا لبون
للحديث: "فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون" صحيح
· [91 – 120] --> فيها حقتان
للحديث: "فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة ففيها حقتان طروقتا الفحل"
· [ فإذا زاد مجموع الإبل عن مئة وعشرين بواحدة] --> فيها ثلاث بنات لبون
" ... ثم يجب على كل أربعين بنت لبون، وعن كل خمسين حقة"

زكاة البقر
النصاب = ثلاثون من البقر
فإذا بلغت:
[ثلاثين] ç فيها تبيع أو تبيعة (ما تم لها سنة ودخل في الثانية)
[أربعين] ç فيها بقرة مسنة (ما تم لها سنتان)
فإن زاد ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة

زكاة الغنم
النصاب = أربعون شاة
فإذا بلغت:
[40-- 120] --> فيها شاة واحدة
[121— 200] --> فيها شاتان
[201 – 300 ] --> فيها ثلاث شياه
ثم تستقر الفريضة بعد هذا المقدار
فيتقرر في كل مئة شاة
ففي كل أربع مئة --> أربع شياه ... وهكذا
ففي كتاب الصدقات: "وفي الغنم من أربعين شاة؛ شاة، إلى عشرين ومئة،
فإذا زادت شاة؛ ففيها شاتان إلى مئتين،
فإذا زادت واحدة؛ ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مئة،
فإذا زادت بعد، فليس فيها شيء، حتى تبلغ أربع مئة،
فإذا كثرت الغنم ففي كل مئة شاة"
ولا تؤخذ:
1) هرمة، ولا معيبة، ولا الحامل، ولا الربي التي تربي ولدها، ولا طروقة الفحل.
لحديث أبي بكر: "لا يخرج في الصدقة؛ هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس؛ إلا أن يشاء المصدق"
2) ولا كريمة وهي النفيسة، ولا الأكولة السمينة المعدة للأكل.
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "إياك وكرائم أموالهم"
- وتؤخذ المريضة من نصاب كله مراض، والصغيرة من نصاب كله صغار، من الغنم خاصة.
- وإن كان المال مختلطا من كبار وصغار أو صحاح ومعيبات أو ذكور وإناث؛ أخذت أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين؛
فيقوّم المال كبارا ويعرف ما يجب فيه، ثم يقوم صغارا كذلك، ثم يؤخذ بالقسط، وهكذا الأنواع الأخرى من صحاح ومعيبات أوذكور وإناث.

ليلى باقيس 10 شعبان 1433هـ/29-06-2012م 03:59 PM

الآجرومية
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص الشرحين المقررين لدراسة الآجرومية [الدروس: مقدمات إلى تعريف الإعراب]
نسبة إلى ابن آجروم؛ وهو أبو عبدالله بن محمد بن داود الصنهاجي [672هـ - 723هـ المغرب]
تعريف النحو
لغة: يطلق على الجهة، وعلى الشبه والمثل "ذهبت نحو فلان، علي نحو محمد"
اصطلاحا: هو العلم بالقواعد التي يعرف بها أحكام أواخر الكلمات العربية في حال تركيبها من الإعراب والبناء ونحو ذلك.
حكم تعلمه: فرض كفاية، وربما تعيّن على واحد فصار عليه فرض عين.
تعريف الكلام
لغة: هو ما تحصل بسببه فائدة؛ سواء أكان لفظا أم إشارة أم كتابة
اصطلاحا: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع
لفظا: أي أن يكون صوتا مشتملا على بعض الحروف الهجائية.
مركبا: أي مؤلفا من كلمتين فأكثر؛ سواء كان هذا الانضمام حقيقة أم تقديرا، ويخرج منه التركيب الإضافي "مثل عبدالله"، والمزجي "مثل سيبويه"
مفيدا: أي يحسن السكوت عليه، فلا يبقى السامع منتظرا لشيء آخر.
موضوع بالوضع العربي: أي أن تكون الألفاظ المستعملة في الكلام من الألفاظ التي وضعتها العرب للدلالة على معنى من المعاني.

تدريبات:
1)ضع علامة (√ ) أمام الكلام النحوي فيما يلي وعلامة ( x) فيما عداه؛ مع بيان السبب :
1-إنما ينال العلم بالأدب.
2-الراحة في.
3-إذا جاءالشيخ.
4-أشهدأنَّ محمدًا رسولَ الله.
5-يقول محمد بن آجروم.
6- النحو حلية البيان.
الحل:
1-صح، لأنه لفظ مركب مفيد بالوضع
2-خطأ، لأنه غير مفيد
3-خطأ، لأنه غير مفيد
4-صح، لأنه لفظ مركب مفيد بالوضع
5-خطأ، لأنه غير مفيد
6-صح، لأنه لفظ مركب مفيد بالوضع

2)- حدد نوع الكلمة التي تحتها خط،مع بيان الدليل عليه، وبيان ما يمكن أن تقبله من علامات فيمايلي:
1-قال بعضهم : حرامٌ على قلبٍ أنْ يدخله العلمُ وفيه شيءٌ مما يكره الله – عزَّ وجلَّ..
2-اشدُدْ يديك بغَرزه.

الحل:
1-حرامٌ: اسم؛ لأنه منون (ويقبل: الخفض، (أل)، دخول حرف الخفض)
العلم: اسم؛ لدخول (أل) (ويقبل: التنوين، الخفض، دخول حرف الخفض)
شيء: اسم؛ لأنه منون (ويقبل: الخفض، (أل)، دخول حرف الخفض)
2-اشدد: فعل أمر؛ لدلالته على الطلب (ويقبل: دخول ياء المخاطبة المؤنثة، ونون التوكيد الثقيلة والخفيفة)

3)ضع كل كلمة من الكلمات الآتية في كلام مفيد يحسن السكوت عليه:-
الثمرةُ. الفاكِهة. يَحْصُدُ.
الحل:
سقطت الثمرة على الأرض
الفاكهة مفيدة
يحصد المزارع المحصول


أقسام الكلام ثلاثة
·اسم
لغة: ما دل على مسمى
اصطلاحا: كلمة دلت على معنى في نفسها غير مقترن بزمن
·فعل
لغة: الحدث
اصطلاحا: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة (الماضي، الحال، المستقبل)
·حرف جاء لمعنى
الحرف لغة: الطرف
اصطلاحا: كلمة دلت على معنى في غيرها

تدريبات:
1)ضع في المكان الخالي من كل مثال من الأمثلة الآتية كلمةً يتم بها المعني، بيِّن بعد ذلك عددأجزاء كل مثال، ونَوْعَ كل جزءٍ:-.
(ح)الْوَلَدُالْمؤَدَّبُ ...
(ط) ... السَّمَك في الماءِ.
الحل:
الولد المؤدب محبوب
(الولد، المؤدب، محبوب، جميعها أسماء)
يسبح السمك في الماء
(يسبح: فعل مضارع، السمك والماء: أسماء، في: حرف جر)

علامات الاسم
·الخفض
وهو عبارة عن الكسرة -أو ما ينوب عنها- التي يحدثها العامل
-ما معنى قبوله للخفض؟
أي أن تظهر عليه علامة الجر الأصلية (وهي الكسرة) أو الفرعية (كالياء في جمع المذكر السالم والمثنى والأسماء الخمسة)، فالجر لا يدخل على الأفعال ولا على الحروف، وإنما الخفض من خصائص الأسماء فقط.
·التنوين
وهو نون ساكنة تتبع الاسم لفظا، وتفارقه خطا للاستغناء عنها بتكرار الشكلة عند الضبط بالقلم.
·دخول الألف واللام
في أول الكلمة؛ والمراد منها التعريف؛ والتعريف والتنكير من خصائص الأسماء.
·دخول حرف من حروف الخفض
وهي: من / إلى / عن / على / في / رب / الباء / الكاف / اللام / حروف القسم: الواو، الباء، التاء
-هل يمكن أن يأتي الجر من غير حروف الجر؟
نعم؛ في حالات الإضافة، أو المجرور بالتبعية الذي يقع نعتا أو توكيدا أو معطوفا.
فنحكم على الكلمة أنها اسم: إذا دخلت عليها حروف الجر، أو ظهرت عليها علامة الجر الأصلية أو الفرعية وإن لم تسبق بحرف جر.
·ومن العلامات أيضا:
-النداء
فالأفعال لا يمكن أن تنادى؛ فالنداء هو طلب الإقبال
-التصغير
فالكلمة التي تصغر نحكم عليها بأنها اسم
= ليس المراد أن تأتي هذه العلامات مجتمعة؛ فيكفي منها علامة واحدة فقط لنحكم على الكلمة بأنها اسم.

تدريبات:
1)ميِّز الأسماءَ التي في الجمل الآتية مع ذكر العلامة التي عرفتَ به اسميتها:-
- {قل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمرتُ وَأَنَا أَوَّل ُالمسْلِمينَ}.

الحل:
صلاتي، نسكي، محياي، مماتي (أسماء لقبولها دخول (أل): الصلاة، النسك، المحيا، الممات)
لله (اسم؛ لدخول حرف الخفض)
رب (اسم؛ للخفض بالتبعية)
العالمين (اسم؛ للخفض بالإضافة)
شريك (اسم؛ لقبوله (أل): الشريك)
أول (اسم؛ لقبوله (أل): الأول)
المسلمين (اسم؛ للخفض بالإضافة، ودخول (أل))


علامات الفعل
·قد
وتدخل على الفعل الماضي (بمعنى التحقيق أو التقريب)، والمضارع (بمعنى التقليل أو التكثير)
·السين، وسوف
وتدخلان على الفعل المضارع وحده
·تاء التأنيث الساكنة
وتدخل على الفعل الماضي دون غيره

= علامة فعل الأمر؛ مركبة من شيئين لابد من اجتماعهما معا:
الدلالة على الطلب
قبول ياء المخاطبة أو نون التوكيد (الثقيلة أو الخفيفة)
التعليل:
إذا قلنا دلالة الطلب ووقفنا؛ دخل معها اسم فعل الأمر وهو من الأسماء، مثل: صه، ومه
وإذا قلنا دخول ياء المخاطبة أو نون التوكيد ووقفنا؛ لاشترك معها فيه الفعل المضارع.
فالعلامة لكي تصدق على فعل الأمر ولا يدخل معه فيه شيء، لابد أن تكون مركبة من هذا الشيئين.

تدريبات:
1) بين الأفعال الماضية،والأفعال المضارعة، وأفعال الأمر، والأسماءوالحروف، من العبارات الآتية:-
- {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
الحل:
الحروف: قد، حرف العطف(و)
الأفعال الماضية: أفلح، خاب (لدخول قد، وقبوله تاء التأنيث الساكنة أفلحتْ، خابتْ)
زكاها، دساها (لقبولها دخول قد (قد زكاها، قد دساها)، قبولها لدخول تاء التأنيث الساكنة زكت ودست))
** من هنا اسم موصول وليست حرفا، في محل رفع فاعل

علامة الحرف
الكلمة التي لا تقبل شيئا من علامات الاسم، ولا تقبل شيئا من علامات الفعل؛ هي الحرف
فعلامة الفعل والاسم: وجودية؛ أي لا بد من وجود ولو علامة واحدة.
وعلامة الحرف: عدمية؛ أي لابد أن تنعدم فيه كل العلامات المتقدمة، لكي يكون حرفا.

تعريف الإعراب
لغة: الإظهار والإبانة.
اصطلاحا: هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها، لفظا أو تقديرا.
-ما المراد بكلمة (لفظا أو تقديرا)؟
أي أن تغير أواخر الكلمات؛
تارة يكون تغيرا في اللفظ ظاهرا؛ (لا يمنع من النطق به مانع)، كـ محمد
وتارة يكون هذا التغير تقديريا فقط لا يظهر؛ (أي يمنع من التلفظ به مانع من تعذّر، أو استثقال، أو مناسبة)، وذلك في الأسماء المقصورة تقدّر عليه جميع الحركات للتعذر كـ الفتى، والمنقوصة تقدر عليه الضمة والكسرة للثقل وتظهر عليه الفتحة لخفتها كـ القاضي، وما كان آخره ياء المتكلم فإنه يلزم صورة واحدة وتقدّر عليه حركات الإعراب الثلاث كـ كتابي.
= أما البناء: فهو لزوم أواخر الكلمة حالة واحدة وعدم تغيرها بتغير العوامل الداخلة.

ليلى باقيس 12 ذو الحجة 1433هـ/27-10-2012م 02:34 PM


كتاب الأربعون النووية
الحديث الأول:
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه.)).متفق عليه.

- قال الإمام أحمد: (ثلاثة أحاديث يدور عليها الإسلام:
حديث عمر: "إنما الأعمال بالنيات"، وحديث عائشة: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وحديث النعمان بن بشير: "إن الحلال بين وإن الحرام بين")
وذلك: أن عمل المكلف دائر على امتثال الأور واجتناب النهي، وهذا هو الحلال والحرام، وبين الحلال والحرام مشبّهات، وهو القسم الثالث.
ومن أراد فعل الأمر واجتناب النهي لابد أن يكون عمله بنية حتى يكون صالحا.
ثم إن ما فرض الله جل جلاله من الواجبات، أو شرع من المستحبّات، لابد فيه من ميزان ظاهر حتى يصلح العمل، وهذا يحكمه حديث: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
- والمقصود بقوله: (إنما الأعمال بالنيات) للعلماء في ذلك أقوال:
الأول: أن الأعمال وقوعها مقبولة أو صحيحة بالنية، وقوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) يعني: وإنما يثاب المرء على العمل الذي عمله بما نواه.
الثاني: المقصود بها سبب العمل لا سبب قبوله؛ يعني: أن منشأ الأعمال سواء كانت صالحة أو فاسدة هو إرادة القلب لهذا العمل، وقوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) فيه أن ما يحصل للمرء من عمله ما نواه نية صالحة، فإذا كانت النية صالحة صار ذلك العمل صالحا، فصار له ذلك العمل.
والقول الأول أصح؛ لأن تقرير مبعث الأعمال، وأنها راجعة لعمل القلب، هذا ليس هو المراد بالحديث، وإنما المراد اشتراط النية للعمل، وأن النية هي المصححة للعمل.
- والنية في الشريعة بعامة يراد بها أحد معنيين:
الأول: نية متجهة للعبادة؛ وهي التي يستعملها الفقهاء في الأحكام حين يشترطون في العبادات النية.
وهي تمييز القلب فيما يأتي ما بين عبادة وعبادة.
الثاني: نية متجهة للمعبود؛ وهي التي يُتحدّث عنها باسم الإخلاص: إخلاص القصد والنية.
والحديث شمل نوعي النية.
- والعمل إذا خالطته نية فاسدة؛ فإنه يبطل، ويكون ذلك على قسمين:
الأول: أن ينشئ العبادة للخلق، فدخل في الصلاة لا لإرادة الصلاة، ولكن ليراه فلان، فعمله باطل مردود، وهو مشرك.
الثاني: أن يحدث تغيير النية في أثناء العبادة، وهذا له أحوال:
- أن يُبطل نيته الأصلية، فيجعل العبادة للمخلوق، وهذا تكون عبادته قد فسدت.
- أن يزيد في الصلاة لأجل رؤية أحد الناس، فبدل أن يسبّح ثلاثا، أطال الركوع على خلاف عادته.
فهذا العمل الزائد الذي نواه للمخلوق يبطل، ولكن أصل العمل صالح.
- أن يعرض له حب الثناء وحب الذكر بعد تمام العبادة.
فهذا لايخرم أصل العمل، لأنه نواه لله تعالى، وإنما وقع بعد تمامه.
- الأعمال التي يتعلق بها نية مع نيتها لله تعالى على قسمين:
الأول: أعمال يجب ألا يريد بها ثواب الدنيا أصلا، وهذه أكثر العبادات والأعمال الشرعية.
الثاني: عبادات حض عليها الشارع بذكر ثوابها في الدنيا؛ مثل صلة الرحم.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه)).
فمن وصل الرحم يريد وجه الله تعالى، ويريد أيضا أن يُثاب في الدنيا بكثرة الأرزاق، وبالنسء في الأثر، فهذا جائز، ولا يكون مشركا بذلك.

الحديث الثاني:
عن عمر رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا.))
قال: صدقت.
فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرني عن الإيمان.
قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.))
قال: صدقت.
قال: فأخبرني عن الإحسان.
قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.))
قال: فأخبرني عن الساعة.
قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل.))
قال: فأخبرني عن أماراتها.
قال: ((أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.)).
ثم انطلق، فلبث مليّا، ثم قال: ((يا عمر أتدري من السائل؟))
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: ((فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.)).) مسلم

- هذا الحديث سماه بعض أهل العلم (أم السنة.
لأن جميع السنة تعود إليه، ففيه بيان العقيدة، والعقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة.
وفيه بيان الشريعة، بذكر أركان الإسلام الخمسة.
وفيه ذكر آداب السلوك والعبادة وصلاح توجه القلب والوجه إلى الله تعالى بذكر الإحسان.
وفيه ذكر الغيبيّات والأمارات.
- مراتب دين الإسلام:
- الإسلام.
- الإيمان.
- الإحسان.
فالإسلام الذي هو الدين جمع هذه الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان،
والاسم العام غير الاسم الخاص
فالاسم العام للإسلام، ليس هو الاسم الخاص إذا جاء مع الإيمان ومع الإحسان .
والسلف فرّقوا ما بين الإسلام والإيمان إذا اجتمعا، وأما إذا افترقا فالإسلام يشمل الدين جميعا، والإيمان يشمل الدين جميعا.
- (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه): فيه التعليم، فجبريل عليه السلام أتى متعلما ومعلما.
متعلما: من جهة الهيئة والسؤال والأدب.
معلما: حيث سأل لأجل أن يستفيد الصحابة وتستفيد الأمة من بعدهم.
وفيه: القرب من العالم والمسئول حتى يكون أبلغ في أداء السؤال، ويكون أفهم للجواب.
- (ووضع كفيه على فخذيه): ويستفاد منه: أن طالب العلم ينبغي له أن يكون مهيئا نفسه، ومهيئا المسئول للإجابة على سؤاله:
1) في حسن الجلسة.
2) وفي حسن وضع الجوارح، وفي القرب منه.
فإنه كلما كان المتعلم أكثر أدبا في جلسته، ولفظه، وسؤاله، كان أوقع في نفس المسئول، فيحرص ويتهيأ نفسيا لجوابه؛ لأنه من احترم احْتُرم.
- (أخبرني عن الإسلام): الإسلام هنا هو المتعلّق بالأعمال الظاهرة.
ودخول الشهادتين في الإسلام الذي هو الأعمال الظاهرة راجع لمعنى الشهادة؛ وهو أن معنى الشهادة بعد الاعتقاد: الإظهار والإعلام.
والإسلام الذي هو الأعمال الظاهرة؛ لا يصح إلا بقدر مصحح له من الإيمان؛ وهو الإيمان الواجب بالأركان الستة، وهذا مشمول في قول: "أن تشهد أن لا إله إلا الله"؛ لأن الشهادة معناها: الاعتقاد والنطق والإخبار.
والاعتقاد يرجع إليه أركان الإيمان الستة.
- والإيمان فسره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل بالاعتقادات الباطنة.
1- فالذي عليه عامة أهل السنة والجماعة أن الإسلام غير الإيمان، وأنهما إذا اجتمعا افترقا، فجعل الإسلام للأعمال الظاهرة والإيمان للاعتقادات الباطنة.
وإذا افترقا شمل الإيمان الدين كله، وشمل الإسلام الدين كله.
2- ومن أهل العلم من رأى أن الإسلام والإيمان واحد.
3- ومنهم من رأى أن الإسلام والإيمان يختلفان ولو تفرّقا أيضا.
- أهل السنة والجماعة يقولون: (إن الإيمان يزيد وينقص) مع أنه متعلق بالاعتقادات، ولا يطلقون هذه العبارة على الإسلام مع تعلقه بالأعمال الظاهرة.
الجواب: الإيمان إذا أريد به عامة أمور الدين فالأعمال باتفاق أهل السنة والجماعة داخلة في مسمّى الإيمان.
فقولهم الإيمان يزيد وينقص؛ يرجع في هذه الزيادة إلى الاعتقاد وإلى الأعمال الظاهرة وهو الإسلام.
والإيمان الذي يزيد وينقص هو إيمان القلب وإيمان الجوارح.
وإيمان القلب هو اعتقاده بقوة إيمانه بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وهذا الناس ليسوا فيه سواء، بل يختلفون وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والأعمال الظاهرة التي هي من الإيمان أيضا تزيد وتنقص.
ولكن القول المعتمد عند السلف أنهم يعبرون في الزيادة والنقصان عن الإيمان دون الإسلام؛ لأن في ذلك مخالفة للمرجئة الذين يجعلون الناس في أصل الإيمان سواء.
فيؤخذ بتعبيرات السلف ولا تُطلق العبارة الأخرى لأنها غير مستعملة عندهم، مع أنها إن أطلقت فهي صحيحة.
- قيل في الإسلام: هذه هي أركان الإسلام الخمسة، والعلماء لم يتفقوا على أن من ترك الحج والصيام أنه ليس بمسلم.
واتفقوا على أن من ترك ركنا من أركان الإيمان فإنه ليس بمؤمن أصلا.
- الجواب:
هذا يرجع إلى أن اصطلاح الركن لم يرد في شيء من النصوص، وإنما هو اصطلاح حادث أتى به العلماء لأجل إفهام الناس، فلا ينبغي أن تحكّم الاصطلاحات على النصوص.
ففي فهم أركان الإسلام نجعل هذه الأركان تختلف في تعريف الركن عن فهم أركان الإيمان، فيُكتفى في الإسلام بوجود الشهادتين والصلاة وفي غيرهما خلاف.
وأمّا في أركان الإيمان فمن تخلف منه ركن من أركان الإيمان فإنه ليس بمؤمن.
- الركن الأول: (الإيمان بالله) يشمل أربعة أمور:
- أن يؤمن العبد بأن له ربّا موجودا.
- أن يؤمن بأن هذا الذي له هذا الملك واحد في ربوبيته.
- الإيمان بأن هذا الذي له ملكوت كل شيء، له الأسماء الحسنى والصفات العُلى.
- الإيمان بأن هذا الرب الذي له الملك وحده دونما سواه، والذي له نعوت الجلال والجمال والكمال على وجه الكمال أنه هو المستحق للعبادة وحده دونما سواه.
- الركن الثاني: (الإيمان بالملائكة) وهو مرتبتان:
- الإيمان الإجمالي: أن يؤمن بأن الملائكة خلق من خلق الله تعالى، خلقهم الله من نور، وهم أرواح مطهرة مكرمة، جعلهم الله تعالى عنده.
- الإيمان التفصيلي: وهو الإيمان بكل ما أخبر به الله تعالى في كتابه، أو أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في السنة من أحوال الملائكة وصفاتهم وخلقهم ومميزاتهم.
الركن الثالث: (الإيمان بالكتب) وهو مرتبتان:
- إيمان إجمالي: فيؤمن أن الله تعالى أنزل كتبا مع رسله إلى خلقه، وجعل في هذه الكتب الهدى والنور والبيّنات، وأن فيها القرآن الذي هو كلام الله تعالى، وأن هذه الكتب التي أنزلت مع الرسل كلها حق.
- إيمان تفصيلي: يوقن ويؤمن إيمانا خاصا بأن القرآن آخر هذه الكتب، وأنه كلام الله تعالى منه بدأ وإليه يعود.
وأنه حجّة الله على الناس إلى قيام الساعة، وأنه به نُسخت جميع الرسالات وجميع الكتب التي قبله.
وأنه مهيمن على جميع الكتب.
وأن ما فيه من الأخبار يجب تصديقها، وما فيه من الأحكام يجب امتثالها.
ويؤمن بجميع الكتب السابقة: التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى.
- الركن الرابع: (الإيمان بالرسل) وهو مرتبتان:
- إيمان إجمالي: يؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلا يدعون أقوامهم إلى التوحيد، وأنهم بلّغوا ما أمروا به.
وأيّدهم الله تعالى بالمعجزات والبراهين.
وأنهم كانوا أتقياء بررة.
ويؤمن إيمانا خاصّا بمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم الرسل.
- إيمان تفصيلي: يتبع العلم التفصيلي بأحوال الرسل وأسمائهم ونحو ذلك.
- الركن الخامس: (الإيمان باليوم الآخر): وهو الإيمان بالموت وما بعده إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
وهو مرتبتان:
- إيمان إجمالي: يوقن العبد بغير شك أنّ ثم ّ يوما يعود الناس إليه، يُبعثون فيه من قبورهم للحساب على ما عملوا، وأنّ كل إنسان مجزي بما فعل.
- إيمان تفصيلي: يتبع العلم بما جاء في الكتاب والسنة من أحوال القبور، وأحوال ما يكون يوم القيامة.
- الركن السادس: (الإيمان بالقدر خيره وشرّه) على مرتبتين:
- إيمان إجمالي: أن يؤمن العبد بأن كل شيء يحدث في هذا الملكوت قد سبق به قدر الله، وأنه تعالى عالم بهذه الأحوال وتفصيلاتها بخلقه قبل أن يخلقهم، وكتب ذلك.
- إيمان تفصيلي: على مرتبتين:
· الإيمان بالقدر السابق لوقوع المقدر، ويشمل درجتين:
العلم السابق، والكتابة.
· ما يقارن وقوع المقدر، ويشمل درجتين:
المشيئة، والخلق.
والإحسان هو: إحسان العمل.
وهو على درجتين:
- الإحسان المجزئ (الواجب): ما يكون به العمل حسنا، أي يكون خالصا صوابا.
- الإحسان المستحب: أن يكون قائما في عمله على مقام المراقبة أو مقام المشاهدة.
فالإحسان المستحب فيه:
- مرتبة المراقبة: وهي مقام أكثر الناس، فيعبدون الله تعالى ويعلمون أنه مطلع عليهم "فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
- مرتبة المشاهدة: والمقصود بها مشاهدة الصفات لا مشاهدة الذات، ومشاهدة الصفات يُعنى بها: مشاهدة آثار صفات الله تعالى في خلقه.
- وأشراط الساعة قسمها العلماء إلى:
· كبرى
· صغرى
- (أن تلد الأمة ربتها): المقصود أن يكثر ذلك بحيث يكون ظاهرة وعلامة، وقد حصل هذا لمّا كثرت الفتوح وكثر الرقيق، فكان لأحدهم عشر أو عشرون من الإماء.
- (أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان): يعني ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى، لما جعلهم الله تعالى عليه من الأمور من رعي للشياه أو تتبع للجمال ونحو ذلك، أنهم يتركون هذا الذي هو لهم، ويتجهون للتطاول في البنيان.
وفيه ذم للذين يتطاولون في البنيان وهم ليسوا أصلا بأهل لذلك، وهذا فيه تغيّر الناس، وكثرة المال بأيدي من ليس له بأهل.

ليلى باقيس 8 محرم 1434هـ/21-11-2012م 10:52 AM


كشف الشبهات
بسم الله الرحمن الرحيم


ملخص مقدمة الشيخ: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم للكتاب الذي جمعه من تقريرات شيخه محمد بم إبراهيم آل الشيخ على كشف الشبهات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذا شرح لكتاب (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، من تقريرات شيخنا الشيخ/ محمد بن إبراهيم رحمه الله، كتبتها حال إلقائه الدروس في مسجده، وفي بيته، من عام ستة وستين وثلاثمائة وألف إلى عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف هجرية.
وقد تكررت كتاباتي لهذا الشرح ست مرات، أكتب لفظه من فيه في حينه حرصا على تقييد الفوائد، ومحافظة على أمانة النقل.
ووضعت عناوين في الهامش للشبه وأجوبتها، وجعلت المتن في أعلى كل صفحة، وفصلت بين المتن والشرح، وذكرت بعض من روى الأحاديث، وقدمت للكتاب بمقدمة؛ وصفت فيها طريقة الشيخ محمد بن إبراهيم في افتتاح الدروس، وبينت حرصه على تعليم التوحيد، وذكرت الفرق بين دين قريش ودين محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرت موضوع الكتاب، ثم نص الشبه وملخص الجواب عنها.
طريقة الشيخ في افتتاح الدروس:
كان شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يستفتح الدروس في هذا الكتاب وغيره؛ بالثناء على الله سبحانه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم يترحم على المؤلفين.
حرصه على تعليم التوحيد، وحث الطلاب على تعلمه:
قال شيخنا رحمه الله: لا يُزهد في التوحيد، فإن بالزهد فيه يوقع في ضده.
دين قريش ودين محمد صلى الله عليه وسلم:
عقيدة المشركين ودينهم: قريش أناس يتعبدون، ويحجون، ويعتمرون، ويتصدقون، ويصلون الرحم، ويكرمون الضيف، ويعترفون أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والتدبير، ويخلصون لله العبادة في الشدائد، ولكنهم يتخذون وسائط بينهم وبين الله يدعونهم ويذبحون لهم وينذرون لهم، ليشفعوا لهم، ويسألوا الله لهم، زعما منهم أنهم أقرب منهم إلى الله وسيلة.
فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله، وأن فعلهم هذا أفسد جميع ما هم عليه من العبادات، وصاروا بذلك كفارا مرتدين حلال الدم والمال.
وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون الدعاء كله لله، والذبح والنذر كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله.
وانتقد المؤلف والشارح رحمهما الله من يدعي الإسلام، بل يدعي العلم والإمامة في الدين وهو لا يعرف من كلمة (لا إله إلا الله) إلا مجرد التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، وأن الحاذق منهم من يظن أن معناها: أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله.
فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بأصل الإسلام، هذا أجهل من أبي جهل وأضرابه.
وقال الشارح أيضا: كثير ممن ينتسب إلى الإسلام من هذه الأمة ليسوا على الدين، إنما معهم اسمه فقط، ولا يعرفون شرك الأولين، وشرك أهل هذا الزمان، ولو عرفوه لوجدوه هو هو؛ بل شرك مشركي هذه الأزمنة أعظم بكثير.
ومن أسباب بقاء العامة على الشرك: أن كثيرا ممن يدعي العلم والإمامة في الدين منهم، يشارك عبّاد القبور في عباداتهم واحتفالاتهم، ويأكل من نذورهم.
ويعتذر بعضهم عن عامتهم: بأنهم جهال، أو خرافيون، أو أنهم ما قصدوا بعبادة أصحاب القبور إلا الله، فلا يخرجون من دائرة الإسلام بهذه الأفعال، وفي هذا التهوين من شأن الشرك أو تسويغه.
ولم يصرح لهم بالتوحيد الذي بعث الله تعالى به الرسل، ولا بأن ما يفعلونه مثل ما كان يفعل عند اللات والعزى وهبل، بل أعظم.
موضوع كتاب (كشف الشبهات):
عبر عنه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بقوله:
(هذا الكتاب جواب لشبه اعترض بها بعض المنتسبين للعلم في زمانه عليه؛ فإن الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لما تصدى لبيان التوحيد، والدعوة إليه، وتفصيل أنواعه، والموالاة والمعاداة فيه، ومصادمة من ضاده، وكشف شبه من شبّه عليه، ...، اعترض عليه بعض الجهلة المتمعلمين، أزّهم إبليس فجمعوا شبها شبّهوا بها على الناس، وزعموا أن الشيخ رحمه الله يكفر المسلمين وحاشاه ذلك؛ بل لا يكفر إلا من عمل مكفرا، وقامت عليه الحجة، فأجابهم المصنف بهذا الكتاب، ...، وقدم مقدمة في بيان حقيقة دين المرسلين وما دعوا إليه، وحقيقة دين المشركين وما كانوا عليه، وبين أن مشركي زمانه هم أتباع دين المشركين.)
ملخص الشبهات وأجوبتها:
الشبهة الأولى:أن من أقر بتوحيد الربوبية، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن غيره، وإنما قصد من الصالحين الجاه والشفاعة، فليس بمشرك.
الجواب: أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت، وإنما أرادوا مثل ما أردت.
الشبهة الثانية: إن الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام.
الجواب: الكفار منهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الأولياء، ومنهم من يعبد الملائكة، ولا فرق بين المعبودات، فالكل شرك.
الشبهة الثالثة: أن طلب الشفاعة منهم ليس بشرك.
الجواب: أن هذا هو قول الكفار سواء بسواء {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، وأنه كفرهم بذلك.
الشبهة الرابعة: نفيهم عبادة الصالحين مع أنهم يدعونهم، أو يذبحون لهم، ويقرون بأن هذا عبادة، وأن المشركين الأولين هكذا كانت عبادتهم.
الجواب: أنهم إن أنكروا أن هذا عبادة أو جهلوا فهذه الآيات والأحاديث تبين ذلك.
الشبهة الخامسة: أن من ينكر طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم والصالحين فهو منكر لشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنتقص للأولياء.
الجواب: الأمر بالعكس، فالشفاعة ملك لله تعالى، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد، وأن طلبها من غير الله تعالى شرك وسبب حرمانها.
الشبهة السادسة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنها تطلب منه.
الجواب: إن إعطاءه الشفاعة إعطاء مقيدا لا مطلقا، وشفاعته للعصاة لا للمشركين، فلا يدل على أنه يعطيها من سألها، ولا أنها تطلب منه.
الشبهة السابعة: أن الالتجاء للصالحين ليس بشرك.
الجواب بالتحدي: يسأل عن الشرك ما هو؟ وعبادة الله ما هي؟
الشبهة الثامنة: قوله: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.
الجواب: يقال: هل يعتقدون في الأصنام أنها تخلق وترزق؟
وإنما هو من قصد خشبة أو حجرا يدعوه ويذبح له، ويقول: إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع الله عنا ببركته.
وهذا تفسير صحيح لعبادة الأصنام وهو فعلكم بعينه.
الشبهة التاسعة: قولهم: إنكم تكفرون المسلمين وتجعلوننا مثل المشركين الأولين، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ونصدّق بالبعث.
الجواب: أجاب بتسعة أجوبة، بيّن فيها أن هذه الفروق غير مؤثرة بالكتاب والسنة والإجماع.
فليس من شروط الردة أن يجمع أطراف الردة
الشبهة العاشرة: أن من قال: لا إله إلا الله لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل، واستدلوا بأحاديث.
الجواب: أنها لا تدل على ما زعم المشبه، من أن مجرد قول لا إله لا الله يمنع من التكفير، بل يقولها ناس كثير وهم كفار.
ومثل ذلك بأن اليهود يقولونها، وأصحاب مسيلمة الذين قاتلهم الصحابة، وكذلك الذين أحرقهم علي رضي الله عنه، فقولها باللسان لا يكفي في عصمة الدم والمال.
الشبهة الحادية عشرة: قولهم: أن الاستغاثة بغير الله ليست شركا لجواز الاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة.
بين المؤلف جهلهم، حيث لم يفرقوا بين الاستغاثتين.
الشبهة الثانية عشرة: استدلالهم على أن الاستغاثة بالأموات والغائبين ليست شركا بعرضها على إبراهيم من جبريل.
الجواب: هذه الاستغاثة جنس وتلك جنس آخر.
الخاتمة:
بين أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما.

ملخص مقرر الاختبار الأول: (من المقدمة إلى درس: أول الرسل نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين)
[من المخاطب بهذا الكتاب]
الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لما دعا إلى التوحيد مجملا ومفصّلا جاءته الرسائل والكتب بتضليله وإيراد الشبه على أقواله، فصنّف رسالة (كشف الشبهات).
الشيخ رحمه الله كتب كشف الشبهات للمسلمين، أي: كشف الشبهات عن المسلمين.
فصنّفها رحمه الله للمسلم الموحّد؛ لأن الموحّد يحتاج إلى أن يكون مكشوف الشبهة، فلا تبقى الشبهة معه.
والصواب: أن المنهج الصحيح أن لا تورد الشبهات؛ لأن بعض الناس قد لا يكون عنده في قلبه شبهة أصلا، فإذا وردت الشبهة وبعدها الرد، قد تعلق الشبهة ولا يفهم الرد، خاصّة أن الشبهات هذه التي يوردها خصوم التوحيد نجدها عاطفية ورد الشبهة علمي.
والمتقرر في قواعد الدعوة: أن إثارة الناس والتأثير عليهم بالعاطفة يقوى، في حين أن مخاطبة القلب بالبراهين والعلم هذه ما يفهمها إلا الخاصة ومن هو متأهّل للفهم والإدراك.
[خطر الشبهة]
الشبهة ترد على القلوب وقد تؤثّر عليها ولو بالتردد، فهو لم يقتنع بها لكنه في داخله صار متردّدا؛ كأن يتردد في الحكم بأن ما يصنع عند القبور من دعاء وسؤال غير الله تعالى أنه شرك وكفر بالله تعالى.
وإذا تردد القلب ولم يكن على علم ويقين بحق الله تعالى، وبالتوحيد وبالحكم على المشرك أنه مشرك، وبالحكم على الصورة الشركية بأنه شرك؛ فبداية هذا التردد يكون في القلب ريب، فيتعبّد ويتعبّد ولكن القلب ليس بسليم، وهذا دخل على قلوب كثيرين.
[معنى (كشف الشبهات)]
-الكشف: هو حسر الشيء عن الشيء، كشف الرأس يعني: حسر ما عليه حتى ظهر.
وكشف البأس: إذا أزاله، قال تعالى: {فلما كشفنا عنهم الرجز} فالكشف بمعنى الإزالة.
-والشبهات: جمع شبهة، وهي المسألة التي جُعلت شبها بالحق.
والشبهة والمشبهة: هي المسائل المعضلة أو المشكلة التي تلتبس على الناس.
والشبهة يلقيها الشيطان أو أعوانه، فيشتبه معها الحق، فيصبح الأمر غير واضح بها.
[حكم كشف وإزالة الشبهات]
إزالة الشبهات وكشفها من أصول هذا الدين.
وكل من يجادل بالباطل وله حجّة وله علم، لكن حجّته داحضة، وكون الحجّة تدحض هذا أصل في إزالة الشبه في الدين.
فإزالة الشبه التي شبّه بها أعداء الدين والملة فرض من الفروض وواجب من الواجبات في هذه الشريعة، لابد أن يوجد من يقوم به، وإلا لالتبس الباطل بالحق، وصار هذا يشبه هذا فضّل الناس.
[طرق كشف الشبه]
كشف الشبه يكون عن طريقين:
·طريق عقلي: بإيجاد البراهين العقلية البحتة التي تبطل شبه المشبّهين.
·الطريق الشرعي السمعي: بكشف الشبه التي شبّه بها الخصوم بإقامة الحجة بالأدلة الشرعية، والكتاب والسنة فيهما ما يغني عن غيرهما.
[قول المصنف رحمه الله: (اعلم رحمك الله)]
فيه فائدة: أن علم الشريعة مبني على التراحم.
فأعظم رحمة تسديها للناس أن تنشر بينهم العلم، فإذا علمتهم العلم فهي أعظم رحمة ترحمهم بها.
[معنى التوحيد والعبادة]
قال المصنف رحمه الله: (التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وهو دين الرسل ...)
التوحيد: مصدر وحّد يوحد توحيدا.
فالتوحيد لغة: جعل الشيء واحدا، ومنه جعل المعبود بحق واحد.
وشرعا: هو إفراد الله سبحانه بالعبادة.
والعبادة في اللغة: خضوع وتذلل معه حب عن طواعية، ورغب ورهب.
وأصلها الذلّ: ذلل الشيء جعله ذليلا، ومنه سمّي العبد الرقيق عبدا، وقيل للطريق: معبد؛ لأنه ذلل للسير.
وشرعا لها عدة تعريفات:
ما طلب فعله في الشرع ورتّب الثواب على ذلك.
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
[التوحيد هو دين الرسل]
الرسل جميعا أرسلوا بالتوحيد، فلم ترسل الرسل أصلا بالشرائع، إنما أرسلت لتوحيد الله تعالى؛ لأن توحيد الله تعالى هو العلّة المطلوبة من خلق الجن والإنس، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} يعني: إلا ليوحدوني.
هذا التوحيد مفطور عليه العباد بالميثاق، قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا}
والرسل جاءت لإقرار ذلك، ولجعل الناس يرجعون إلى هذا الأصل الذي ولدوا عليه، وهو توحيد الله تعالى.
وكل من عبد غير الله تعالى فهو مخالف لكلّ رسول، ومكذّب لجميع المرسلين، قال تعالى: {كذّبت قوم نوح المرسلين}.
فالعبرة كل العبرة في التوحيد وليس في أنهم يحجّون أو يعتمرون، ليس هذا هو البرهان.
فهذه الشرائع جاءت بعد التوحيد، فإذا كان التوحيد لم يقم في قلب صاحبه فلا تقبل هذه الشرائع.
[الغلوّ، وكيف وقع الشرك في الأرض]
قال المصنف رحمه الله: (فأولهم نوح عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لمّا غلوا في الصالحين: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر.)
الغلوّ: هو مجاوزة الحد في التعبد أو العمل أو الثناء مدحا أو قدحا.
وتأليه البشر مجاوزة للحد.
ويكون الغلوّ في العقيدة، والعبادات والمعاملات، والعادات.
قال تعالى في سورة نوح: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرنّ ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا}
فأولهم ود، وهو أول من أُشرك به على الأرض.
فقوم نوح تتابعوا من ذرية آدم، وذرية آدم على التوحيد، حتى أتى هؤلاء الصالحون: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، ثم شاع في الناس الرغبة في الدنيا والبعد عن تذكر الآخرة، فكانوا إذا أرادوا أن يتشجعوا في العبادة ذهبوا إلى قبورهم فنظروا إلى قبورهم وبكوا عندها، فتشجّعوا في العبادة ورجعوا.
فجاء الشيطان فتكلم عند قبورهم وقال: ألا تصنعون لكم صورة تتذكرون بها ودا وسواعا، فصنع لهم صورة جعلوها على قبورهم وثن وصنم للتذكر.
ثم بعد ذلك قال: ألا تجعلون من كل واحد صورة في بيوتكم للتذكر، ثم نقلهم إلى أن يصحبوا تلك الصور في السفر.
ولم يكن أوّل ذلك الجيل مشركا، وبعدهم ذهب ذلك العلم، فتوجّهوا إليها بطلب التوسّط، وقالوا: هؤلاء لهم مكانة عند الله.
فصار شرك قوم نوح من جهة التوسّط بأرواح الصالحين.
[ صحة سند حديث (تفسير آية سورة نوح)]
ذكر البخاري في كتاب التفسير، في تفسير سورة نوح، أنه قال في هذه الآية: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح).
وهذا يعارض فيه كثيرون اليوم، يقولون: إن هذه الأسماء أن تعدّ أسماء رجال صالحين لم تأتِ إلا في هذا الحديث عن ابن عباس، وهذا الحديث رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وعلماء الجرح والتعديل يقولون: إن عطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس، وقالوا: فالرواية ضعيفة.
الجواب: البخاري جعل قول ابن عباس أصلا في تفسير الآية، ورواها بإسناده المتصل إلى ابن عباس، وكون عطاء أتى بلا نسبة عند البخاري فلا يعني أنه عطاء الخراساني.
ودللوا على ذلك: بأن التفريق في روايات ابن جريج عن عطاء إنما هو عن علي بن المديني، وهو إمام معروف في العلل والبخاري تلميذه، فلا يخفى عليه تعليل علي بن المديني لهذه الرواية.
نقول: البخاري قال: عن ابن جريج قال: قال عطاء عن ابن عباس، ومن المتقرر في علم الرجال أن ابن جريج إذا قال: قال عطاء، فهو محمول على السماع؛ وسماعه إنما هو من عطاء بن أبي رباح.
فإسنادها متصل في غاية الصحة؛ لأن البخاري رحمه الله مشترط في صحيحه ألا يروي الحديث إلا إذا كان متصلا، وهو لا يخفى عليه أن ابن جريج يروي عن عطاء الخراساني بانقطاع، وأن عطاء الخراساني روايته عن ابن عباس ضعيفة؛ لا يخفى عليه ذلك؛ لأن هذا من مشاهير العلم.
الثاني: عطاء في الرواية هو عطاء بن أبي رباح.
الثالث: الذين ذكروا هذه العلة ليسوا من المتقدمين من حفاظ الحديث، وإنما هم من المتأخرين.

ليلى باقيس 27 صفر 1434هـ/9-01-2013م 09:27 AM


كتاب الحج
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص الدروس: [كتاب الحج(وعلى من يجب)، وشروط وجوب الحج على المرأة وأحكام النيابة، وفضل الحج والاستعدادله]
كتاب الحج وعلى من يجب
أدلة وجوب الحج وفرضيته:
1) قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} أي: لله على الناس فرض واجب هو حج البيت؛ لأن كلمة (على) للإيجاب.
2) عن علي رضي الله عنه مرفوعا: "من ملك زادا وراحلة تبلّغه إلى بيت الله، ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيا".
3) قال صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)).
الحكمة في مشروعية الحج:
قال تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ...} إلى قوله: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق}
فالمنفعة من الحج ترجع للعباد ولا ترجع إلى الله تعالى؛ لأنه {غني عن العالمين}، فهم يفدون إليه لحاجتهم إليه.
والمقصود من الحج والعمرة: عبادة الله في البقاع التي أمر الله تعالى بعبادته فيها.
قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله)).
حكمه:
الحج فرض بإجماع المسلمين، وركن من أركان الإسلام.
· هو فرض في العمر على المستطيع، قال صلى الله عليه وسلم: ((الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع)).
· وفرض كفاية على المسلمين كل عام.
· وتطوع فيما زاد على حج الفريضة في حق أفراد المسلمين.
وأما العمرة: فواجبة على قول كثير من العلماء.
قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على النساء من جهاد؟
قال: ((نعم؛ عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)).
وإذا ثبت وجوبه على النساء، فالرجال أولى.
- ويجب على المسلم المبادرة إلى أداء الحج مع الإمكان، ويأثم إن أخّره بلا عذر.
قال صلى الله عليه وسلم: ((تعجّلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)).
شروط وجوب الحج:
الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، الاستطاعة.
حج الصبي:
يصح فعل الحج والعمرة من الصبي نفلا؛ لحديث ابن عباس: أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيّا، فقالت: ألهذا حج؟
قال: ((نعم، ولكِ أجر)).
- وأجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يبلغ فعليه الحج إذا بلغ واستطاع، ولا تجزئه تلك الحجة عن حجّة الإسلام، وكذا عمرته.
- وكل ما أمكن الصغير فعله بنفسه كالوقوف والمبيت لزمه فعله؛ بمعنى: أنه لا يصح أن يفعل عنه، لعدم الحاجة لذلك.
ويجتنب في حجه ما يجتنب الكبير من المحظورات.
والقادر على الحج:
هو الذي يتمكن من أدائه جسميا وماديا.
وإن قدر بماله دون جسمه؛ بأن كان كبيرا هرما، أو مريضا مرضا مزمنا لا يرجى برؤه؛ لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر حجة وعمرة الإسلام من بلده، أو من البلد الذي أيسر فيه.*
لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: ((حجي عنه)).
ويشترط في النائب عن غيره في الحج:
أن يكون قد حجّ عن نفسه حجّة الإسلام.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ((حججت عن نفسك)).
قال: لا، قال: ((حجّ عن نفسك)).
- ويُعطى النائب من المال ما يكفيه تكاليف السفر ذهابا وإيابا.
ولا تجوز الإجارة على الحج، ولا أن يُتّخذ ذريعة لكسب المال.
ويكون مقصود النائب: نفع أخيه المسلم، وأن يحج بيت الله الحرام، ويزور تلك المشاعر العظام.
فإن حج لقصد المال؛ فحجه غير صحيح.

[شروط وجوب الحج على المرأة وأحكام النيابة]
يشترط لوجوبه على المرأة زيادة عما سبق من الشروط:
وجود المحرم الذي يسافر معها لأدائه؛ لأنه لا يجوز لها السفر لحج ولا لغيره بدون محرم.
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر المرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم))، لأجل سد الذريعة عن الفساد والافتتان منها وبها.
- ومحرم المرأة هو:
زوجها، أو من يحرم عليه نكاحها تحريما مؤبدا بنسب كأخيها وأبيها وعمّها وابن أخيها وخالها، أو حرم عليه بسبب مباح كأخ من رضاع، أو بمصاهرة كزوج أمها وابن زوجها.
- ونفقة محرمها في السفر عليها، فيشترط لوجوب الحج عليها أن تملك من النفقة ما تنفق عليها وعلى محرمها ذهابا وإيابا.
ومن وجب عليه الحج، ثم مات قبل الحج:
أخرج من تركته رأس المال المقدار الذي يكفي للحج، واستنيب عنه من يؤدّيه عنه.
لما روى البخاري عن ابن عباس: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟
قال: ((نعم، حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين، أكنت قاضيته، اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء.))
وفي سنن الدارقطني: ((إن أبي مات وعليه حجة الإسلام))، وظاهره: أنه لا فرق بين الواجب بأصل الشرع والواجب بإيجابه على نفسه، سواء أوصى به أم لا.
- والحج عن الغير يقع عن المحجوج عنه كأنه فعله بنفسه.
والفاعل بمنزلة الوكيل؛ فهو ينوي الإحرام عنه، ويلبي عنه، ويكفيه أن ينوي النسك عنه، ولو لم يسمّه في اللفظ.
- ويستحب للمسلم أن يحج عن أبويه إن كانا ميتين أو حيين عاجزين عن الحج، ويقدّم أمه؛ لأنها أحق بالبر.
[فضل الحج والاستعداد له]
الحج فيه فضل عظيم وثواب جزيل:
- عن ابن مسعود مرفوعا: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة".
والحج المبرور: هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم، وقد كملت أحكامه فوقع على الوجه الأكمل.
وقيل: هو المتقبّل.
فإذا استقر عزمه على الحج:
فليتب من جميع المعاصي، ويخرج من المظالم بردّها إلى أهلها، ويرد الودائع والعواري والديون التي عنده للناس.
ويستحل من بينه وبينه ظلامة، ويكتب وصيته.
ويوكّل من يقضي مالم يتمكن من قضائه من الحقوق التي عليه.
ويؤمّن لأولاده ومن تحت يده ما يكفيهم من النفقة إلى حين رجوعه.
ويحرص أن تكون نفقته حلالا طيبا.
ويأخذ من الزاد والنفقة ما يكفيه ليستغني عن الحاجة إلى غيره.



* قال ابن عثيمين رحمه الله: القول الراجح أنه لا يلزمه أن يقيم من يحج عنه من مكانه، وله أن يقيم من يحج عنه من مكة، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن السعي إلى مكة مقصود لغيره.
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=3852

ليلى باقيس 27 صفر 1434هـ/9-01-2013م 09:30 AM


كتاب الجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص كتاب الجهاد
شرع الله الجهاد في سبيله: لإعلاء كلمته، ونصرة دينه، ودحر أعدائه، وشرّعه ابتلاء واختبارا لعباده.
قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويُصلح بالهم * ويُدخلهم الجنة عرفها لهم}
أهميته في الإسلام:
هو ذروة سنام الإسلام، وهو من أفضل العبادات، وعدّه بعض العلماء ركنا سادسا من أركان الإسلام.
دليل مشروعيته:
قال تعالى: {كتب عليكم القتال}
وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق))
معنى الجهاد:
الجهاد مصدر جاهد؛ أي: بالغ في قتال عدوّه.
وشرعا: قتال الكفار، ويطلق على أعم من القتال.
أنواعه:
مجاهدة النفس، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة الكفار، ومجاهدة الفسّاق.
حكمه:
الجهاد فرض كفاية.
وهناك حالات يجب فيها الجهاد وجوبا عينيا، وهي:
- إذا حضر القتال.
- إذا حصر بلده عدو.
- إذا احتاج إليه المسلمون في القتال والمدافعة.
- إذا استنفره الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا استنفرتم؛ فانفروا)).
ويجب على الإمام أن يتفقد الجيش عند المسير للجهاد، ويمنع من لا يصلح لحرب من رجال وخيل ونحوها، فيمنع المخذل والمرجف، ويمنع من يسرب الأخبار إلى الأعداء، ويؤمر على الغزاة أميرا يسوس الجيش بالسياسة الشرعية.
ويجب على الجيش طاعته، والنصح له، والصبر معه؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
الجهاد في الإسلام شرع لأهداف سامية:
1) شرّع الجهاد لتخليص العباد من عبادة الطواغيت والأوثان لعبادة الله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}
2) وشرّع الجهاد لإزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى مستحقّيها؛ قال تعالى: {أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله}
3) وشرّع الجهاد لإذلال الكفار والانتقام منهم وإضعاف شوكتهم؛ قال تعالى:{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويُخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويُذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم}
- والقتال إنما يكون بعد تبليغ الدعوة، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس قبل القتال إلى الإسلام؛ وذلك لأن الغرض من القتال في الإسلام هو إزالة الكفر والشرك، والدخول في دين الله.
فإذا حصل ذلك بدون قتال؛ لم يحتج إلى القتال.
- وإذا كان أبواه مسلمين حرّين أو أحدهما؛ لم يجاهد تطوعا إلا بإذنهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ففيهما فجاهد))؛ وذلك لأن برهما فرض عين، وهو مقدم على فرض الكفاية.
- ولا يجوز قتل صبي ولا امرأة وراهب وشيخ فان ومريض مزمن وأعمى لا رأي لهم، ويكونون أرقاء بالسبي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسترق النساء والصبيان إذا سباهم.
- وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار حرب.
والغنيمة: ما أخذ من مال حربي قهرا بقتال؛ وما ألحق به مما أخذ فداء.
وهي لمن شهد الوقعة.
كيفية توزيع الغنائم
أن الإمام يخرج الخمس الذي لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وسهم لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم واليتامى والفقراء والمساكين وأبناء السبيل.
ثم يقسّم الأخماس الأربعة الباقية على المقاتلين؛ للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم.
ويحرم الغلول: وهو كتمان شيء مما غنمه المقاتل.
قال تعالى: {وما كان لنبي أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}
وإذا كانت الغنيمة أرضا، خيّر الإمام بين قسمتها بين الغانمين، وبين وقفها لمصالح المسلمين.
ويجوز لإمام المسلمين عقد الهدنة مع الكفار على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة؛ وذلك إذا جاز تأخير الجهاد من أجل ضعف المسلمين.
أما إن كان المسلمون أقوياء يقدرون على الجهاد؛ فلا يجوز عقد الهدنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عقد الهدنة مع الكفار في صلح الحديبية.
وإذا خاف الإمام منهم نقضا للهدنة؛ أعلن لهم انتهاء الهدنة قبل قتالهم؛ لقوله تعالى: {وإما تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}
- ولا يجوز للإمام عقد الذمة مع أهل الكتاب والمجوس: ومعناه إقرارهم على دينهم بشرط بذلهم الجزية، والتزام أحكام الإسلام.
لقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
فالجزية: هي مال يؤخذ منهم على وجه الصغار كل عام بدلا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا.
- ويجوز إعطاء الكافر المفرد الأمان من كل مسلم إذا لم يحصل منه ضرر على المسلمين؛ بدليل قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}
ويجوز للإمام إعطاء الأمان لجميع المشركين ولبعضهم؛ لأن ولايته عامة.


ليلى باقيس 5 ربيع الأول 1434هـ/16-01-2013م 08:19 AM


كتاب الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصيام
مسألة الصيام في السفر
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "فإذا قال قائل: لو صام المسافر فما الحكم؟
فالجواب: اختلف العلماء –رحمهم الله- هل الفطر أفضل، أو أن الصوم مكروه، أو أن الصوم حرام ...
والصواب أن المسافر له ثلاث حالات:
الأولى: ألا يكون لصومه مزيّة على فطره، ولا لفطره مزيّة على صومه، ففي هذه الحال يكون الصوم أفضل له للأدلة الآتية:
- أن هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، قال أبو الدرداء –رضي الله عنه-: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة"
- أنه أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر.
- أنه أسهل على المكلف غالبا؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعد.
- أنه يدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإن رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب.
الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول:إن الفطر أفضل.
وإذا شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروها؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزوجل.
الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حراما.
والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لما شكى إليه الناس أنه قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينتظرون ما سيفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، دعا بإناء فيه ماء بعد العصر، وهو على بعيره فأخذه وشربه، والناس ينظرون إليه، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة))، فوصفهم بالعصيان." [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 6/343-344]


- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كُراع الغَميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، فشرب، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العُصاة))". رواه مسلم
- وعن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: "يا رسول الله [إني] أجد فيّ قوة على الصيام في السفر، فهل عليّ جناح.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه)). رواه مسلم
قال الشيخ عبدالله البسام رحمه الله: "ما يؤخذ من الحديثين:
1- الحديثان يدلان على جواز الفطر من صيام شهر رمضان في السفر، وأنه رخصة ...
2- كما يدلان على جواز الصيام في السفر، وصحته، وإجزائه عن صاحبه إجماعا ...
3- أما قوله: لمن لم يفطر: ((أولئك العصاة))؛ فلمخالفتهم وعدم امتثالهم أمره بالإفطار، في حال يتعين عليهم ...
قال رحمه الله: خلاف العلماء:
اختلف العلماء في حكم صوم رمضان في السفر على ثلاثة أقوال:
- فذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الصوم أفضل، واستدلوا على ذلك: بأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أسرع في إبراء الذمة، وأنه أيسر أداء...
- وذهب الإمام أحمد إلى أن الفطر أولى، وأن الصوم مكروه؛ وعلل ذلك بأنه رخصة من الله تعالى، ينبغي للمسلم أن يسارع إلى قبولها والتمتع بها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته)). رواه مسلم.
- وذهب بعض العلماء إلى جواز الأمرين؛ واستدلوا على ذلك بحديث جابر قال: ""سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصوم الصائم، ويُفطر المُفطر، فلا يعيب بعضهم على بعض".
وقال طائفة من العلماء: أفضل الأمرين أيسرهما عليه؛ لقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر}
وعدم كراهة أحدهما أرجح؛ ما لم يكن في الصوم مشقة كبيرة، أو كان يمنع من القيام بأعمال فاضلة في السفر؛ فحينئذ الفطر يكون أفضل، فقد جاء في الصحيحين من حديث أنس قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المُفطر، فنزلنا منزلا في يوم حار، فسقط الصائمون، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)). متفق عليه". [توضيح الأحكام من بلوغ المرام:3/ 562-567]



الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله: http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=1617
توضيح الأحكام من بلوغ المرام للشيخ عبدالله البسام رحمه الله: http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=2949

ليلى باقيس 22 ربيع الثاني 1434هـ/4-03-2013م 07:02 AM

المقدمة الجزرية
ملخص [باب المد والقصر] من الشرحين المقررين للاختبار
معنى المد
لغة: المط والزيادة.
اصطلاحا: إطالة الصوت بحرف من حروف العلة بقدر مخصوص.
موجباته
الألف الساكن المفتوح ما قبله
الياء الساكن المكسور ما قبله
الواو الساكن المضموم ما قبله
أسباب المد
ثلاثة: الهمز، والسكون العارض(ومنه اللين)، والسكون الأصلي
أقسام المد
· أصلي (وهو الضروري وهو الطبيعي): لا يتوقف على سبب، ولا تقوم ذات الحرف إلا به.
· فرعي (وأنواعه: اللازم، والواجب، والجائز): سببه الهمز أو السكون.
أقسام المد الضروري (الأصلي) [أحد عشر نوعا]
1: مد طبيعي ضروري وقفا ووصلا؛ مثاله: العالمين.
2: طبيعي في الوصل فقط؛ مثاله: نستعين؛ لأنه وقف: مد عارض للسكون.
3: مد طبيعي وقفا؛ عند الوقف على المنفصل؛ مثاله: "وإنه في أم الكتاب"؛ لأنه عند الوصل: منفصل جائز.
4: مد طبيعي عوض من التنوين؛ مثاله: خبيرًا.
5: مد طبيعي لعارض الحذف؛ مثاله: "حاضري المسجد" حاضري: عند الوقف.
6: مد طبيعي مخلق من همزة الوصل؛ عند الوقف على ما قبله؛ مثاله: "جاءتهم رسلهم بالبينات" عند الوقف على الباء. [ولا يأتي في المضموم البتة].
7: مد طبيعي لغياب أل؛ مثاله: "مسّني الضرّ" عند الوقف: مسّني.
8: مد طبيعي لإشباع حركة الحرف؛ كالوقف على باء بسم: بــــــ . [هذا من وقوف الابتلاء أي الاختبار، شريطة ألا يأتي بعده همز]
9: مد طبيعي عارض للسكون؛ مثاله: "يبيّن لنا ما هي إن البقر"
10: مد طبيعي للتخصيص؛ مثاله: "أطعنا الرسولا"
11: مد طبيعي لصلة الضمير؛ في موضع واحد: "لكنا هو الله ربي" عند الوقف: لكنا.

أقسام المد اللازم
لازم: للزوم حكمه، وللزومه ست حركات عند جميع القرّاء.
· كلمي (مثقل ومخفف)
· حرفي (مثقل ومخفف)
أقسام المد الواجب المتصل
متصل: لاجتماع سببه وموجبه في كلمة، وواجب: لأنه لا يقبل ما دون فويق القصر.
· متصل لا يتغير: جاءوا
· متصل وراءه بدل عوض عن التنوين: سماءً
· متصل واجب عارض للسكون: الدعاء >> ابن الجزري: أنه يمد ست حركات عند الوقف، لأنه زاد سببه فصار سببين؛ الهمز والسكون العارض.
فالمنصوب يوقف عليه بست بالسكون، والمجرور بست بالسكون والروم، والمرفوع بست بالسكون والروم والإشمام.
ابن مهران: أنه يعامل معاملة السكون العارض، فيوقف عليه:
المنصوب: فيه 3، 4 ، 5، 6 بالسكون
المجرور: 3، 4، 5، 6 بالسكون، 4، 6 بالروم
المرفوع: 3، 4، 5، 6 بالسكون، 4، 6 بالروم، 4، 6 بالإشمام
- يتفرع على المد المتصل: اللين المتصل الواجب العارض للسكون؛ شيء، سوء.
فيه: القصر، التوسط، المد.
ولا يأتي إلا:
مجرورا: فيه: 2، 4، 6 بالسكون، 2 بالروم.
مرفوعا: فيه: 2، 4، 6 بالسكون، 2 بالروم، 2، 4، 6 بالإشمام.
فإذا جاء منصوبا: شيئا؛ حرف لين متصل وبدل عوض عن التنوين.

أقسام المد الجائز
· المنفصل
· البدل
· العارض للسكون

ليلى باقيس 23 جمادى الآخرة 1434هـ/3-05-2013م 04:41 AM


مقدمة التفسير
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص القسم الثاني (من درس:جمع عبارات السلف في التفسير نافعة جدا في فهم معاني القرآن، إلى درس: الإسرائيليات)

-جمع عبارات السلف الواردة في التفسير بألفاظ متقاربة نافع جدا في فهم معاني القرآن؛ لأنه بذلك يتبيّن المقصود أكثر مما لو كانت هناك عبارة أو عبارتان.
مثال: من قال: "أن تبسل": أي تحبس، وقال الآخر: تُرتهن، فهذا من باب تقريب المعنى.
-وقد يختلف السلف في بعض مسائل التفسير؛ ويكون الاختلاف:
· لخفاء الدليل والذهول عنه.
· وقد يكون لعدم سماعه.
· وقد يكون للغلط في فهم النص.
· وقد يكون لاعتقاد معارض راجح.
-والاختلاف في التفسير نوعان:
1: اختلاف تنوع؛ وهو قسمان:
· قسم يرجع لمعنى واحد؛ كذكر أمثلة للفظ العام، أو التعبير عن المعنى بألفاظ متقاربة.
· وقسم يرجع إلى أكثر من معنى وهو على نوعين:
أ‌-إما أن يرجع إلى ذات واحدة؛ كالذي يقال عنه: إنه اتحاد المسمى واختلاف الوصف.
ب‌-وإما أن يرجع إلى أكثر من ذات وهو المتواطئ أو المشترك.
2: اختلاف التضاد: يرجع إلى معنيين متضادّين.
-تقسيمات التفسير:
1: إما أن يكون منقولا.
· عن معصوم: وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويلحق بذلك الإجماع.
· وإما عن غير معصوم.
وكلا منهما ينقسم إلى:
أ‌-ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف.[وهذا موجود فيما يحتاج إليه من الدين؛ وقد نصب الله تعالى الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره]
ب‌-وما لا يمكن معرفة ذلك فيه. [وهذا عامته مما لا فائدة فيه]
**والاختلاف الواقع في المنقول قد يكون راجعا إلى مصدر النقل في الأصل؛ كالنقل عن أهل الكتاب من أخبار الأمم السابقة، وغالب الاختلاف الوارد في مثل هذا لا فائدة فيه؛ مثل: لون كلب أصحاب الكهف، أو أسمائهم وعددهم.
2: ومنه ما يكون من طريق الاستدلال.

-الإسرائيليات ثلاثة أقسام:
· قسم يصدّق لأنه ورد في شرعنا؛ مثاله: قصة موسى عليه السلام مع الخضر.
· قسم يردّ؛ لأنه يخالف ما جاء في شرعنا؛ مثاله: نسبة بعض الأشياء التي لا تليق بالأنبياء عليهم السلام.
· قسم متردد بين هذين القسمين؛ مثاله: ما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا}
وبعض المعاصرين يردّ هذا القسم من الإسرائيليات ويجزم ببطلانه بحجّة غرابته، أو عدم قبول العقل له.

-وبعضهم يردّ بعض الإسرائيليات بحجة أنها منافية لعصمة الأنبياء؛ ومثاله: ما أخبر به الصحابة والتابعون عن قضية همّ يوسف عليه السلام بإمرأة العزيز الوارد في الآية، فمنهم من يطعن في هذا التفسير لكونه مخالفا للعصمة في رأيه، ويتأول الآية فيقول: إنه لم يهم أصلا، ونحوها من التأويلات الباطلة.
-فينتبه من ينقد الإسرائيليات ويردّها مطلقا إلى أن رواية الإسرائيليات كانت من منهج السلف وهم القرون المفضلة أهل العلم والعمل.
-والأصل في التفسير بالإسرائيليات: أنه من باب التفسير بالرأي.
· فكون الإسرائيلية منقولة؛ فهذا من باب المأثور.
· وكونها تفسّر الآية؛ فهذا من باب الرأي.

ليلى باقيس 3 رجب 1434هـ/12-05-2013م 08:30 AM


العقيدة الواسطية
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص خطبة الواسطية من الشرحين المقررين.
سبب تأليف رسالة العقيدة الواسطية: المصنف رحمه الله تعالى كتب هذه العقيدة إلى أهل واسط؛ يبيّن لهم فيها اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة.
أهمية الرسالة: اعتنى بها العلماء؛ لأنها شملت على الخلاصة الوافية من أصول عقائد أهل السنة والجماعة؛ فذكر فيها:
-كل أصول الاعتقاد.
-وشرح أركان الإيمان الستة.
-وما يجب لله تعالى من صفات الكمال.
-ومخالفة المبتدعين الضالين في باب الأسماء والصفات.
-وما يتصل من الإيمان بالأمور الغيبيّة.
-وبيّن أن من أصول أهل السنة والجماعة الأحكام المتعلقة بالإمامة العظمى، وما يجب للولاة من حق السمع والطاعة مخالفة للخوارج وأشباههم.
-وذكر اعتقاد السلف الصالح في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك من الواجبات الشرعية الاعتقادية.
-وذكر أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-وذكر أحكام وأصول الأخلاق عند أهل السنة والجماعة.
اعتقاد أهل السنة والجماعة يشمل ثلاثة أصول:
-العقيدة العامة في الله عزوجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه.
-مسائل الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يتصل به الكلام في الصحابة رضوان الله عليهم.
-أحكام وأصول الأخلاق عند أهل السنة والجماعة.
تتميز هذه العقيدة المباركة وكذلك سائر كتب شيخ الإسلام:
-أن شيخ الإسلام قد فهم ما قاله الأئمة من قبل فصاغه بصياغة تجمع أقوالهم بأدلتها، وببيان معانيها، فهو خير من فهم كلام الأئمة من قبل.
-أنه رحمه الله قد بلغ في فهم نصوص الكتاب والسنة المبلغ والدرجة التي شهد له بها أهل عصره، ومن تلاهم.
-ومن المعلوم أن أدلة الاعتقاد هي نصوص الكتاب والسنة؛ ثم هو مع هذا اطلع على كلام الصحابة والتابعين ومن تبعهم في تفسير معاني نصوص الكتاب والسنة.
-شيخ الإسلام يستحضر حين الكتابة أقوال أهل البدع واحتجاجات المخالفين، ومعلوم أن حال المؤلف الذي يؤلف وهو على هذه الدرجة العظيمة من الاستحضار؛ أن كلامه يكون منبأ عما يكون فصلا في هذه المسائل.
-شيخ الإسلام يوضّح الكثير من المجملات التي ربما تكون في كلام السلف؛ ولذا من فهم كلام شيخ الإسلام وبرع فيه؛ ثم رجع إلى كتب السلف فإنه يفهمها فهما مصيبا.

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني (ت:728): (الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا.)
(الحمد): لغة: الثناء بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة.
وعرفا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبّه وتعظيمه وإجلاله، فإن تجرد عن ذلك فهو مدح.
وأنواع المحامد لله تعالى كثيرة وتجتمع في خمسة:
-حمده تعالى على تفرّده بالربوبية.
-حمده تعالى على كونه ذا الألوهية على خلقه أجمعين، وأنه المستحق للعبادة وحده دونما سواه.
-حمده تعالى على ماله من الأسماء الحسنى والصفات العلا.
-حمده تعالى على شرعه ودينه.
-حمده تعالى على قضائه وقدره وما أجرى في كونه.
(الله): لفظ الجلالة علم على ذاته سبحانه، وهو أعرف المعارف على الإطلاق.
معناه: مشتق من أله يأله إذا عبد، فهو إله بمعنى مألوه أي معبود، فالإله هو المألوه الذي تألهه القلوب.
(الهدى): هو العلم النافع مما جاء في الكتاب والسنة، والعلم النافع هو الذي يورث الهدى، وهو هدى في نفسه.
(ودين الحق): فسرها السلف بأنه العمل الصالح.
(وكفى بالله شهيدا): فالله عزوجل هو الذي شهد بأن ما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم هو الهدى ودين الحق، وشهادة الله تعالى فوق كلّ شهادة.
فيُعلم من ذلك: أن من لم يرض بكون هذه النصوص ومادلت عليه، الهدى والشفى الكامل، فإنه يتضمن ذلك أنه لم يكتف بشهادة الله عزوجل.
(وأشهد): الشهادة معناها الاعتراف والإقرار الذي يتبعه إعلام وإخبار.
فأشهد يعني: أعتقد وأعترف وأقرّ لله بأنه المستحق للعبادة وحده دونما سواه، وأخبر وأُعلم بذلك.
قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط}
(لا إله إلا الله): كلمة التوحيد هي أول وأعظم واجب على الإطلاق.
ولها ركنان: النفي والإثبات؛ وهو نفي استحقاق العبادة عن كل أحد، وإثباتها في الله جل وعلا.
وشروطها سبعة: العلم، اليقين، الاخلاص، الصدق، المحبة، الانقياد، القبول.
تحقيقها: أن لا يُعبد إلا الله، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله: أن لا يُعبد الله إلا بما شرع.
حقّ هذه الكلمة: هو فعل الواجبات، وترك المحرّمات.
فائدتها وثمرتها: سعادة الدّارين لمن قالها عارفا بمعناها، عاملا بمقتضاها.
جاء في فضلها: حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل.)).
وأما نواقض لا إله إلا الله فكثيرة: وأعظمها الشرك بالله تعالى.
(وحده لا شريك له): من التأكيد بعد التأكيد لبيان مقام التوحيد.
وأنواع ادعاء الشريك مجملها في خمسة:
-أن ادعي له الشريك جل وعلا في ربوبيته.
-وادعي أن معه شريك في استحقاق العبادة.
-وادعي أن معه شريك في أسمائه وصفاته على وجه الكمال.
-وادعي أن معه شريك في الأمر والنهي في التشريع.
-وادعي أن معه شريك في الحكمة التي قضاها في كونه.
(وتوحيدا): التوحيد مصدر وحد يوحد؛ إذا جعله واحدا.
وسمي دين الله الإسلام توحيدا؛ لأن مبناه على أن الله تعالى واحد في ملكه وأفعاله، وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له، وواحد في ألوهيته وعبادته.
والتوحيد أربعة أنواع:
توحيد الله ثلاثة أنواع:
1-توحيد الربوبية: وهو توحيد الله تعالى بأفعاله.
2-توحيد الألوهية: وهو توحيد الله بأفعال العباد.
3-توحيد الأسماء والصفات: وهو اعتقاد أن الله تعالى هو المتوحد في استحقاقه لما بلغ في الحسن نهايته من الأسماء، ولما بلغ غاية الكمال من النعوت والصفات، وأنه تعالى لا يماثله أحد في أسمائه وصفاته.
4-توحيد دلت عليه شهادة أن محمدا رسول الله: وهو أن لا يعبد الله إلا بما شرع.
وبعض أهل العلم يقسم التوحيد إلى قسمين:
1)توحيد قولي اعتقادي: يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والفات.
2)توحيد فعلي إرادي: وهو ما يتعلق بفعل المكلف؛ وهو توحيد الألوهية.
والتوحيد القولي ينقسم إلى قسمين: النفي والإثبات.
والسلب ينقسم إلى قسمين: سلب متصل، وسلب منفصل.

ليلى باقيس 10 شعبان 1434هـ/18-06-2013م 04:33 AM


مختصر عبد الغني
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص دروس المقرر الثاني [ درس:فصل في سيرة العشرة ودرس: أبوبكر الصديق رضي الله عنه]
قال صلى الله عليه وسلم: ((أبوبكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبوعبيدة بن الجراح في الجنة)) رواه أبوداود والترمذي وأحمد وغيرهم وهو حديث صحيح.
وهؤلاء الصحابة هم العشرة المبشرون بالجنة.
ومن الصحابة من جاءت لهم البشارة بالجنة غير هؤلاء أيضا، ولكن لما جاء ذكر هؤلاء العشرة في حديث واحد وجاءت لهم فيه البشارة بالجنة جميعا أُفردوا بالذكر؛ فيقال العشرة المبشرون بالجنة.
- والصحابة فضلهم الله تعالى وترضى عنهم في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}
- والصحابة كثير قد يبلغون ألف ألف؛ قيل: الذين حضروا حجة الوداع ثمانون ألف، وقيل: أربعون ومئة ألف.
والذين توافدوا في عام الوفود لا يحصي عددهم إلا الله تعالى.
- والصحابي: هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ومات على الإيمان، ولو قدر أنه ارتد ثم رجع.
وبعضهم أفضل من بعض.
- وممن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة:
العشرة المبشرون بالجنة.
الذين بايعوا تحت الشجرة وهم ألف وأربعمائة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أرجو أن لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة))
ثابت بن قيس؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنه من أهل الجنة))
وقال في الحسن والحسين: ((سيدا شباب أهل الجنة))
وقال في فاطمة: ((سيدة نساء أهل الجنة))
وقال في عكاشة بن محصن: ((أنت منهم)) في الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
فلما كان للصحابة هذه المزية اهتم العلماء بذكر فضائلهم، وكان من أسباب اهتمامهم أن هناك من ابتلي بلعنهم وسبّهم وهم الرافضة.
قال الإمام أحمد: ما أرى الناس ابتلوا بسب الصحابة إلا لأجل أن يجري الله لهم حسنات بعد موتهم.

أبوبكر الصديق رضي الله عنه
اسمه: عبدالله بن أبي قحافة
يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.
أمه أم الخير سلمى بنت صخر
وفاته وخلافته:
مات في عام: 13 هـ وله من العمر: 63 سنة.
وولي الخلافة: سنتين ونصف.
فضله:
· أول الأمة إسلاما، وخيرها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.
أولاده:
له من الولد 6 من البنين والبنات
عبدالله وأسلم قديما
وأسماء ذات النطاقين
وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
وعبدالرحمن ومحمد وأم كلثوم
سمي بالصديق:
أنه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلا، وأخبر الناس؛ عند ذلك كذبوه.
ثم إن بعضهم جاء إلى أبي بكر وقال: إن صاحبك يزعم أنه أسري به ليلا إلى المسجد الأقصى.
فقال: قد صدق.
فقال: إني أصدقه في أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء الذي يأتيه.
فنزل قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به} فالذي جاء بالصدق: النبي صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به: أبوبكر؛ فسمي بالصديق.
سبب إسلامه:
أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فرأى غمامة تظله، ورأى أيضا علامات البشرى والنبوة فعلم أنه سيكون له شأن.
مما دل على أحقيته بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومما جاء من الإشارات على ذلك:
· قوله صلى الله عليه وسلم: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس))
· قوله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) فيه إشارة إلى أنهما من بعده.
· جاءت امرأة تسأله حاجة فقال: ((ارجعي بعد))
فقالت: أرأيت إن رجعت ولم أجدك.
فقال: ((ائت أبابكر)) ففيه إشارة أنه الخليفة بعده
· أمر أن تسد الأبواب إلا باب أبي بكر.

ليلى باقيس 13 شوال 1434هـ/19-08-2013م 11:45 AM


نخبة الفكر
بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول/ من الشرحين المقررين للدراسة

ملخص درس: أنواع الخبر

نطلب علم الحديث:
· لأنه أشرف العلوم
· ولأن أهله هم الذين أصبحوا مصابيح الدجى؛ كالإمام مالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله.
فضل أهل الحديث:
هم الذين جهزوا الجهاز وأعدّوا العدّة لكل من أراد أن يخدم علوم الإسلام على شتّى صنوفها؛ فالمفسر والفقيه والأصولي والمؤرخ جميعهم لا يستغنون عن الحديث وعن علم مصطلح الحديث.
بداية التأليف في علم مصطلح الحديث:
· الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.
· الإمام الترمذي سواء في كتابه العلل أو في تعقيباته على بعض الأحاديث.
· القاضي أبومحمد الرامهرمزي؛ وهو أول من أفرد علم المصطلح بالتصنيف.
· أبوعبدالله الحاكم.
· أبونعيم الأصبهاني.
· الخطيب البغدادي؛ وهو الذي خدم علم المصطلح خدمة لا مثيل لها.
· ابن الصلاح وقد ألف كتابا مشهورا عرف (بمقدمة ابن الصلاح) وهو الذي أصبح عمدة لمن جاء بعده.
· النووي اختصر مقدمة ابن الصلاح في كتابه (التقريب)
· ثم جاء بعده السيوطي فشرح التقريب.
· والعراقي نظم منظومة (في مقدمة ابن الصلاح)
· ثم جاء بعده ابن حجر فاستدرك على ابن الصلاح وعلى شيخه العراقي فألف كتابه (النكت)
تعريفات:
الحديث: هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة.
الخبر: وله ثلاث تعريفات:
- من قال: أن الخبر مرادف للحديث.
- ومن قال: الخبر أعمّ من الحديث؛ فالحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والخبر ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره، فكل حديث خبر ولا عكس.
- ومن قال: الحديث ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والخبر: ما يروى عن غيره صلى الله عليه وسلم.
الأثر: - من قال: إنه مرادف للحديث.
- ومن قال: هو ما يُروى عن الصحابي والتابعي فقط.
الأسانيد: - الإسناد كما عرفه الحافظ ابن حجر: هو حكاية طريق المتن.
- وقيل: هو سلسلة رجال الإسناد الموصلة إلى المتن.
المتن: هو ما ينتهي إليه السند من الكلام.


ملخص درس: الخبر المتواتر

تعريفه: هو ما رواه جمع كثير في كل طبقة من طبقات السند، بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس، وأفاد العلم اليقيني.
فالمتواتر هو ما جمع هذه الشروط الأربعة:
· أن يرويه عدد كثير أحالت العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب.
· رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء.
· وكان مستند انتهائهم الحسي.
· وأن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه.
أقسام المتواتر:
1- متواتر لفظي
2- متواتر معنوي
الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري:
- الضروري يفيد العلم بلا استدلال، ويحصل لكل سامع.
- أما النظري فيفيده ولكن مع الاستدلال على الإفادة، ولا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر.
علم الإسناد: يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك، من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء.
والمتواتر لا يبحث عن رجاله، بل يجب العمل به من غير بحث.
أي لا يبحث في ضبطهم، أما العدالة فلابد من البحث فيها؛ لأنه إذا جاء الحديث من طرق متعددة، فكل واحدة من هذه الطرق تؤيّد الأخرى وتعاضدها.

ملخص درس: الخبر المشهور والخبر العزيز

فأنواع الخبر:
· المتواتر
· الآحاد ؛وينقسم إلى: المشهور، والعزيز، والغريب.
والمشهور
تعريفه: ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يصل إلى حد التواتر. –ويقصد به المشهور الاصطلاحي-
ومن العلماء من قال: المشهور هو المستفيض.
ومنهم من قال: المستفيض ما استوى طرفاه، والمشهور أعم من ذلك.
وويوجد المشهور غير الاصطلاحي: وهو ما اشتهر على ألسنة الناس.
-والمشهور: قد يكون صحيح، وقد يكون حسن، أو ضعيف، أو ضعيف جدا، أو موضوع.
وغير الاصطلاحي قد يكون كذلك لا أصل له.
العزيز
تعريفه: ما رواه راويان ولو في طبقة من طبقات السند.
-ولا يشترط في الحديث الصحيح أن يكون عزيزا.



ملخص درس: الخبر الغريب

تعريفه: هو الحديث الذي يتفرد بروايته راو واحد أيّا كان ذلك التفرد.
أقسامه
1: الفرد المطلق: وهو ما كانت الغرابة فيه في أصل السند؛ وهو طرفه الذي فيه الصحابي؛ كحديث: "إنما الأعمال بالنيات"
2: الفرد النسبي: ما كان التفرد في أثناء السند؛ فالتفرد فيه يحصل بالنسبة لشخص معين أو جهة معينة؛ ولذا قد يكون متواترا، وقد يكون مشهورا، أو عزيزا، فالغرابة جاءت في احدى طرقه فقط.



ملخص درس: المقبول والمردود

خبر الآحاد؛ فيه المقبول والمردود.
-والمقبول: هو ما يجب العمل به عند الجمهور.
-والمردود: هو الذي لم يترجح صدق المخبر به.
أما المتواتر فكله مقبول؛ للقطع بصدق مخبره.
-ويقع في أخبار الآحاد (المشهور والعزيز والغريب) ما يفيد العلم النظري بالقرائن؛ والخبر المحتف بالقرائن أنواع:
· منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ حد المتواتر؛ فإنه احتفت به قرائن منها:
جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء كتابيهما بالقبول.
· أن يكون الحديث مرويا من طرق كثيرة لكن لم يبلغ حد التواتر؛ وهو المشهور.
· المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين؛ حيث لا يكون غريبا.

-وخبر الآحاد؛ يقال لكل منها خبر الواحد.
وخبر الواحد لغة: ما يرويه شخص واحد.
واصطلاحا: ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر.
وأخبار الآحاد (المشهور- العزيز- الغريب) لا يلزم أن تكون صحيحة أو ضعيفة؛ وإنما يتوقف الأمر على النظر في حال سندها.

بسم الله الرحمن الرحيم

بعض القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل في علم الحديث مستخلصة من شروح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر رحمه الله.


حكم رواية المبتدع (1)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في النخبة: (ثُمَّ البِدْعَةُ
إِمَّا بِمُكَفِّرٍ، أَوْ بِمُفَسِّقٍ:
فالأَوَّلُ: لاَ يَقْبَلُ صَاحِبَهَا الجَمْهُورُ.
والثَّانِي: يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلى بِدْعَتِهِ في الأَصَحِّ؛ إِلاَّ إِنْ رَوَى مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ، فَيُرَدُّ عَلَى المُخْتَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ الجُوْزَجَانِيُّ شَيْخُ النَّسَائِيِّ.)
- وقال رحمه الله في نزهة النظر: (فَالمُعْتَمَدُ أنَّ الذي تُرَدُّ روايتُهُ مَنْ أنكَرَ أمْرًا مُتَوَاتِرًا من الشَّرْعِ معلومًا من الدِّينِ بالضَّرُورَةِ، وكذا مَن اعْتَقَدَ عَكْسَهُ، فأمَّا مَن لم يكنْ بهَذِهِ الصِّفَةِ وَانْضَمَّ إلى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لَمَّا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ وتَقْوَاهُ فلا مانعَ مِن قَبُولِهِ.
(وَالثَّانِي) وهو مَن لا تَقْتَضِي بدعتُهُ التَّكْفِيرَ أصلاً.
وقد اخْتُلِفَ أيضًا في قَبُولِهِ وَرَدِّهِ:
1) فقيل:يُرَدُّ مُطْلَقًا، وهو بعيدٌ ، وأكثَرُ ما عُلِّلَ بهِ أنَّ في الرِّوايةِ عنهُ تَرْوِيجًا لأَمْرِه وتنويهًا بذِكرِهِ وعلى هَذَا فيَنْبَغِي أنْ لا يُروَى عَن مُبتدِعٍ شيءٌ يشارِكُهُ فيه غَيْرُ مُبتدِعٍ.
2) وقيل:يُقْبَلُ مُطْلَقًا إلاَّ إن اعْتَقَدَ حِلَّ الكَذِبِ كما تقدَّمَ.
3) وقيل:(يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلى بِدْعَتِهِ) لأنَّ تزْيِينَ بدْعَتِهِ قد يَحْمِلُه على تَحريفِ الرِّوَاياتِ وتسويَتِهَا على ما يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ، وهَذَا (في الأَصَحِّ) وأغربَ ابْنُ حِبَّانَ فادَّعَى الاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ غيرِ الدَّاعِيَةِ من غيرِ تَفْصيلٍ.
نعم، الأكثرُ عَلَى قَبُولِ غيرِ الدَّاعِيةِ (إِلاَّ إِنْ رَوَى مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ فَيُرَدُّ عَلَى) المَذْهبِ (المُخْتَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ) الحافظُ أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيمُ بْنُ يعقوبَ الجُوزْجَانِيُّ شَيْخُ أَبِي دَاودَ وَ النَّسَائِيِّ في كتابِه (مَعْرِفَةُ الرِّجَالِ) فقال في وَصفِ الرُّوَاةِ: ومنهمْ زائغٌ عَن الحَقِّ - أي: عَن السُّنَّةِ- صادقُ اللَّهْجَةِ، فليس فيه حِيلةٌ إلاَّ أنْ يُؤخذَ من حَدِيثِه ما لا يكونُ مُنْكِرًا إذا لم يُقَوِّ بهِ بدعتَهُ. ا.هـ.
وما قالَهُ مُتَّجِهٌ؛ لأنَّ العِلَّةَ التي لها رُدَّ حَدِيثُ الدَّاعيةِ وارِدَةٌ فيما إذا كانَ ظاهِرُ المَرْوِيِّ يُوافقُ مذهبَ المبتدِعِ، ولوْ لم يكنْ دَاعِيةً، واللهُ أَعْلَمُ.)


- وقال الشيخ سعد الحميد حفظه الله: ( روايَةُ الْمُبْتَدِعِ: وهوَ: مَنْ وُصِفَ بأنَّهُ رَافِضِيٌّ، أوْ قَدَرِيٌّ، أوْ مُرْجِئٌ، أوْ جَهْمِيٌّ، أوْ خَارِجِيٌّ.
قَسَّمَ العُلماءُ البِدَعَ إلى قِسمَيْنِ:
1-بِدَعٍ بِدَعٌ مُكَفِّرَةٌ.
مثلُ: بِدعةِ التَّجَهُّمِ، والرافِضِيِّ الْغَالِي في رَفْضِهِ، وهوَ الذي يَقولُ بأنَّ في القرآنِ نَقْصاً، وأنَّ هناكَ قُرآناً غيرَ هذا القرآنِ، ويُصَرِّحُ بتَكفيرِ مُعْظَمِ الصحابةِ، فهذا الصِّنْفُ مِن الرُّواةِ رِوَايَتُهُمْ مَرفوضةٌ مَردودةٌ.
2-بِدَعٍ بِدَعٌ غيرِ غيرُ مُكَفِّرَةٍ.
مِثْلُ: الإرْجَاءِ والقَدَرِ والتَّشَيُّعِ الخفيفِ.) ملخصا
وقال حفظه الله: (القـاعـدةُ: نُفَرِّقُ بينَ الداعيَةِ وغيرِ الداعيَةِ، فإذا وَجَدْنا مَوصوفاً ببدعةٍ غيرِ مُكَفِّرَةٍ؛ كالقولِ بالقَدَرِ والإرجاءِ والتَّشَيُّعِ الخفيفِ، فنَنظُرُ إلى ذلكَ الراوي، هلْ هوَ داعٍ إلى بِدْعَتِهِ أوْ لا؟ فإنْ كانَ داعياً إلى بِدعتِهِ رَدَدْنَا رِوايتَهُ؛ لأنَّنا لوْ قَبِلْنَا رِوايتَهُ لكانَ ذلكَ تَأييداً لبِدعتِهِ، فما دامَ أنَّهُ رَأْسٌ في البِدعةِ فإنَّهُ تُتْرَكُ رِوايتُهُ كالتعزيرِ والنِّكَايَةِ بهِ.
أمَّا إذا لمْ يَكُنْ دَاعياً إلى بِدعتِهِ، فهذا عندَهم فيهِ قَيْدٌ، قالُوا: إنْ كانَ في حديثِهِ ما يُؤَيِّدُ بِدعتَهُ رَدَدْناهُ، ونَقبلُ أحاديثَهُ التي لا تُؤَيِّدُ بِدعتَهُ.
وهذا مَذْهَبٌ لبعضِ العُلماءِ إجمالاً)

أسباب النهي عن الأخذ عن المبتدع
- قال الشيخ عبدالعزيز السعيد حفظه الله: ( ... وينهون عن الإتيان للمبتدع لأسبابٍ كثيرةٍ؛ منها مخافة التأثير على من يروي عنه فيقع في بدعته.
ومنها:أنهم لا يريدون تكثير سواد أهل البدع.
ومنها: أنهم ينهون عن ذلك؛ لئلا يظن من لا يعرف أن هذا على هدى وهو على ضلالة بدعة.
كذلك: ينهون عنه؛ لأن الأحاديث لها طرق أخرى غير هذا الراوي.
كذلك: ينهون عنه من باب الهجر؛ لأنه إذا ترك وهجر ربما يعود إلى السنة.)


- قال الحافظ رحمه الله في نزهة النظر: (وينبَغِي أنْ لا يُقْبَلَ الجرْحُ والتَّعديلُ؛ إلاَّ مِن عدْلٍ مُتَيَقِّظٍ، فلا يُقبلُ جَرْحُ مَن أَفْرَطَ فيه مُجَرِّحٌ بما لا يَقْتَضِي رَدَّ حَدِيثِ المُحَدِّثِ، كما لا يُقْبَلُ تَزْكِيَةُ مَنْ أخذَ بمُجَرَّدِ الظَّاهرِ؛ فأطْلَقَ التَّزْكِيَةَ.)
وقال رحمه الله: (ولْيَحْذَرِ المُتَكَلِّمُ في هَذَا الفنِّ مِن التَّساهُلِ في الْجَرْحِ والتَّعْدِيلِ؛ فإنَّهُ إنْ عدَّلَ أحدًا بغيرِ تَثَبُّتٍ كان كالمُثْبِتِ حُكمًا ليس بثابتٍ؛ فيُخْشَى عليه أنْ يَدْخُلَ في زُمْرَةِ مَن روَى حَدِيثًا، وهو يَظُنُّ أنَّه كَذِبٌ وإنْ جرَّحَ بغيرِ تَحَرُّزٍ أَقْدَمَ على الطَّعْنِ في مُسلِمٍ بَرِيءٍ مِن ذَلِكَ وَوَسَمَهُ بِمِيسَمِ سَوْءٍ يَبْقَى عليه عَارُهُ أبدًا.
والآفةُ تَدْخُلُ في هَذَا تارةً من الهوَى والغرضِ الفاسدِ، وكَلاَمُ المُتَقَدِّمِينَ سَالِمٌ مِن هَذَا غالبًا.
وتارةً: مِن الْمُخَالَفَةِ في العقائِدِ، وهو موجُودٌ كثيرًا قديمًا وحَدِيثًا، ولا يَنْبَغِي إطلاقُ الْجَرْحِ بذَلِكَ )
قال الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله: (قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل" وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، "فإنه إن عدل أحداً بغير تثبت كان كالمثبت حكماً ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة ((من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب)) وإن جرح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً" نعم في مثل هذا لا يرد الاحتياط، لا تقول: أحتاط للسنة وأضعف هذا الراوي فلا أثبت إلا ما أتأكد منه، لا، لأنك إن احتطت من جهة التضعيف فوّت على الأمة العمل بأحاديث تأتي من هذا الرواي، وإن احتطت لتوثيقه وقلت: كون الأمة تعمل بهذه الأحاديث خير من أن تفرط بها جعلت الناس يعملون بأدلة لا يثبت بها شرع، فالاحتياط في مثل هذا لا يرد، والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغرض الفاسد -وكلام المتقدمين سالم من هذا غالباً– وتارة من المخالفة في العقائد وهو موجود كثيراً قديماً وحديثاً، ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك، فقد قدمنا تحقيق الحال في العمل برواية المبتدعة، وليتقِ الله -سبحانه وتعالى- من يتصدى لنقد الرجال في أعراض المسلمين فإنها كما قال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى يعني أعراض المسلمين- حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام، وقف على شفيرها العلماء والحكام. )

- قال الشيخ سعد الحميد حفظه الله: (ما الحُكْمُ إذا تَعَارَضَ الجَرْحُ والتعديلُ في رَاوٍ مِن الرُّواةِ؟
قالَ الحافِظُ: (والْجَرْحُ مُقَدَّمٌ على التعديلِ إنْ صَدَرَ مُبَيَّناً مِنْ عَارِفٍ بأَسْبَابِهِ).
فإنْ صَدَرَ هذا الحُكْمُ مِنْ إمامٍ عارفٍ فتَطْمَئِنُّ إلى حُكْمِهِ، فإذا نَظَرْتَ إلى مَنْ عارَضَهُ ووَجَدْتَ أنَّهُ إِمامٌ آخَرُ عارِفٌ مثْلُهُ، فهنا تَنْظُرُ في النُّقطَةِ الثانيَةِ.
تَعْتَبِرُ هذا الراوِيَ ثِقَةً حتَّى يَتَبَيَّنَ ضَعْفُهُ، فتَنْظُرُ في قَوْلِ مَنْ جَرَّحَ، هلْ جاءَ بجَرْحٍ مُفَسَّرٍ أوْ لا؟
فإنْ جاءَ بجَرْحٍ مُفَسَّرٍ، فالجَرْحُ المُفَسَّرُ مقَدَّمٌ على التعديلِ في هذهِ الحالةِ، فلوْ قالَ أحَدُ الأَئِمَّةِ العارفينَ: فُلانٌ (ثِقَةٌ).
وقالَ الآخَرُ: (لا بلْ هوَ غيرُ ثِقَةٍ)؛ لأنَّني رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ الخمْرَ؛ أوْ لأنَّ فلاناً حَدَّثَنِي أنَّهُ رآهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، فنَحْمِلُ قولَ مَنْ وَثَّقَهُ بحَسَبِ ما ظَهَرَ لهُ.
أمَّا الجَارِحُ: فجَاءَ بِمَزِيدِ عِلْمٍ، فنَعْذِرُ الأوَّلَ ونَأْخُذُ بقولِ الْمُجَرِّحِ.) ملخصا من درس مراتب الجرح


وقال حفظه الله: (وإذا وَجَدْنَا عِبارةً عنْ أبي حاتمٍ الرازيِّ في تَضعيفِ راوٍ وهيَ مُشْعِرَةٌ بأنَّهُ مِنْ قِبَلِ سُوءِ حِفْظِهِ كأنْ يقولَ: (يُكْتَبُ حَدِيثُهُ ولا يُحْتَجُّ بِهِ)، فمعنى ذلكَ أنَّهُ يَرَى أنَّ الراوِيَ عَدْلٌ ولكنْ في حِفْظِهِ شيءٌ، ثمَّ نَجِدُ أنَّ هذا الراوِيَ وَثَّقَهُ الحاكِمُ وابنُ حِبَّانَ، ثمَّ نَجِدُ الإمامَ أحمدَ قالَ: لا بَأْسَ بهِ؛ (ثلاثُ مَرَاتِبَ) فماذا نَفْعَلُ؟
نَجِدُ أنَّ الإمامَ أبا حاتمٍ الرازيَّ مِن الْمُتَشَدِّدِينَ في الْجَرْحِ، وابنَ حِبَّانَ والحاكِمَ مِن المُتَسَاهِلِينَ في التَّوْثِيقِ، والإمامَ أحمدَ مِن المُعْتَدِلِينَ؛ لذا نَأخُذُ الوَسَطَ) ملخصا من درس مراتب الجرح


سؤال وجوابه
ينظر: المجلس الأول من المجالس العلمية للشيخ المشرف العام حفظه الله [المشاركة رقم #12 و 15]
_____________
(1) قال الشيخ عبدالعزيز السعيد حفظه الله: ( العمل في (الصحيحين) وغيرهما قبول الداعية أو غير الداعية، الإمام البخاري خرج لعمران بن حطان، رأس الخوارج ومقدمهم وداعيتهم، خرج له في (الصحيح)، لكن قال بعض العلماء: خرج البخاري لرؤوس الخوارج؛ لأن الخوارج يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، فلذلك ما يكذبون، ولم يخرج عن المرجئة البخاري لأنهم يرون أن العمل ليس من الإيمان قد يكذبون، لكن الذي جرى عليه العمل وموجود في (الصحيحين) وغيرهما أن الراوي المبتدع وإن كان داعية؛ فإنه يخرج له ويصحح حديثه، ما لم يثبت عليه شيء خلاف بدعته هذه.
والعلماء رحمهم الله عندهم شيئان، الناس يخلطون بينهما كثيراً: النهي عن الرواية عن المبتدع، وشيءٌ آخر الحكم على رواية المبتدع) ملخصا
وقال الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله: (وابن حجر يقول: "ما المانع أن يخرج لمثل هذا وإن كان داعية؟ لأن الخوارج عرفوا بصدق اللهجة"، الخوارج عرفوا بصدق اللهجة، لماذا؟ لأن الكذب عندهم كبيرة، والكبيرة مكفرة، تخرج من الملة عند الخوارج، فعلى هذا يقبل حديث الخوارج ولو كانوا دعاة على كلام الحافظ؛ لأن الخوارج عرفوا بصدق اللهجة بخلاف الروافض، .... أقول: كلام الحافظ يقول: إن الخوارج عندهم صدق في اللهجة وهذا صحيح، هم من أصدق الطوائف، وشيخ الإسلام يقول ذلك، عندهم صدق في اللهجة
....وجماهير الأئمة على أن الداعية غير مقبول، وأما الخوارج على وجه الخصوص فيقبلون؛ لأنهم عرفوا بالصدق. ...) ملخصا

ليلى باقيس 3 ذو الحجة 1434هـ/7-10-2013م 12:40 PM


الورقات
بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص المقدمة والدرس الأول من الشرحين المقررين للدراسة
كتاب الورقات في أصول الفقه: للعلامة إمام الحرمين أبي المعالي الجويني.
ترجمة الإمام
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك، من كبار علماء الشافعية
اسمه: أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد الملقّب بضياء الدين
جاور بمكة والمدينة أربع سنين يدرس العلم ويُفتي فلقّب بإمام الحرمين
انتهت إليه رياسة العلم بنيسابور وبنيت له المدرسة النظامية بها
ويقال له أبو المعالي نسبة إلى أخذه بمعالي الأمور
وقد كان أقبل على علم الكلام واعتنى به، ثم إنه رجع إلى مذهب السلف
من مؤلفات إمام الحرمين المطبوعة:
-البرهان في أصول الفقه
-الشامل في أصول الدين
-العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية


الدرس الأول: تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه
الأحكام تنقسم إلى:
عقلية
شرعية
والشرعية تنقسم:
إلى ما طريقه الاجتهاد
ما طريقه القطع
والفقيه: هو العالم بمسائل النظر والاجتهاد التي يختصّ بمعرفة مآخذها العلماء، وليس حظّ العوام منها سوى التقليد.
-أورد القاضي أبوبكر الباقلّاني: أن الواجب أن يقال: (الظن بالأحكام الشرعية)
فأجيب: المجتهد يعلم بدليل قطعي أن خبر الواحد في ذلك الحكم إذا صحّ إسناده وجب العمل به، وكذلك يعلم أن القياس الجليّ إذا تحقق ما يجب فيه من الشروط وجب العمل به، فإذا نظر في آحاد الصور وغلب على ظنه صحة خبر الواحد في ذلك الحكم، أو تحقق القياس الجليّ، حكم بذلك الظن الغالب، فالمظنون حكم هذه الصورة الخاصة، والمقطوع به القاعدة الكليّة التي أخذ منها ذلك الحكم الخاص.
تعريف أصول الفقه:
له تعريفان:
-تعريف باعتبار الاضافة [أي مركبا إضافيا من كلمتين: أصول، فقه]
الأصول:
لغة: الأصل: أسفل الشيء، وما يبنى عليه غيره ، قال تعالى: {أصلها ثابت}
اصطلاحا:
تطلق ويراد بها الدليل (أصل وجوب الصلاة {وأقيموا الصلاة})
تطلق ويراد بها الراجح (الأصل عدم الحذف)
تطلق ويراد بها القاعدة المستمرة (أكل الميتة على خلاف الأصل)
الفقه
لغة: الفهم، قال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}
اصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة.
-التعريف الثاني: باعتباره اسما ولقبا لهذا العلم المخصوص
هو معرفة دلائل الفقه من حيث الإجمال، وكيفية الاستفادة منها، وحل المستفيد وهو المجتهد.
موضوع علم الأصول
يبحث عن العوارض التي تعرض للأدلة، ولا يبحثون في الدليل نفسه.
واختلف الأصوليون في تحديد موضوعه على أربعة مذاهب:
القول1: قالوا: موضوعه الأدلة السمعية، وهو مذهب الجمهور
القول2: قالوا: موضوعه الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية (الحنفية)
القول3: قالوا: موضوعه الأدلة والأحكام
القول4: قالوا: موضوعه الأدلة و المرجحات و صفات المجتهد و أحوال الأدلة (الشافعية)
ثمرته
العلم بأحكام الله تعالى الموجبة لسعادة الدارين
تكوين ملكة الاستنباط من الأدلة
التمكّن من الترجيح بين الأقوال المتعارضة
التمكن من إصدار أحكام النوازل والقضايا الجديدة التي تحدث
يكوّن المجتهد المبدع، والفقيه المثمر المنتج
فضله
أشرف العلوم الدينية لأنه يتعلق بالأدلة
نسبته
هو من العلوم الشرعية
واضعه
الأمام الشافعي رحمه الله
اسمه
علم أصول الفقه
استمداده
علم اللغة، الفقه، علم الكلام
حكم تعلمه
فرض كفاية
مسائله
ما يذكر في كل باب من أبوابه من فصول ومسائل وفروع إلى غير ذلك

ليلى باقيس 18 محرم 1435هـ/21-11-2013م 08:43 AM

صفحة الطالبة ليلى باقيس للملخصات والواجبات
 
معالم الدين: القسم الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول:
أول ما يجب على العبد تعلمه؛ هو ما يصح به دينه، ليسلم من سخط الله، وينال رحمته وفضله.
ولهذا كانت هذه الدروس في بيان أصول الدين:
1-
فيتعرف الطالب مباني دين الإسلام، وما يكون به العبد مسلما.
2-
ويعرف فضل الإسلام وحسنه، وخطر الشرك وقبحه.
3-
وما الذي ينقض إسلامه وينقصه فيحذر منه، ويحذّر منه.
فأصول الدين التي يجب تعلمها، ليصح به ديننا:
= معنى الشهادتين وأحكامهما.
والشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله.
وهما أصل دين الإسلام وركنه الأول، وبهما يدخل العبد في الإسلام، فمن لم ينطق الشهادتين فليس بمسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامالصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)
أولا: شهادة أن لا إله إلا الله.
-
معناها: أن لا معبود بحق إلا الله.
والإله هو المألوه، أي المعبود.
فكل ما يعبد من دون الله عبادته باطلة، وكل من عبد غير الله فهو مشرك كافر.
قال تعالى: "ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون"
-
فالعبادة حق لله وحده، خلقنا لأجله.
قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
"
هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين"
-
وهذا هو معنى التوحيد: وهو إفراد الله بالعبادة، فلا نعبد إلا الله وحده لا شريك له.
وبهذا التوحيد (الذي هو معنى لا إله إلا الله) بعث الله الرسل جميعا، فكانت أول دعوتهم إلى توحيد الله.
قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
-
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدأ دعوة قومه بمكة إلى التوحيد.
فدعاهم إلى قول (لا إله إلا الله)، واجتناب عبادة الأصنام.
وفهم كفار قريش أن دعوة التوحيد تعني: ترك كل ما يعبدون من دون الله،
فاستكبروا وكانوا كما قال الله: "إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون. ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون"
فرد الله عليهم: "بل جاء بالحق وصدّق المرسلين"
فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله): هي كلمة الحق التي دعا إليها المرسلون، ودعا إليها رسولنا صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلاالله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)
-
وبعث صلى الله عليه وسلم برسائله إلى الملوك يدعوهم إلى توحيد الله.
فأرسل إلى هرقل ملك الروم: (.. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثمالإريسيين "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبدإلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.."
-
مما سبق نخلص إلى أن:
توحيد الله هو مفتاح الدخول في الإسلام.
وكلمة التوحيد هي لا إله إلا الله، وبدونه لا يكون المرء مسلما.
وتعني: لا معبود بحق إلا الله.
والعمل بذلك يكون؛ بإفراد الله بالعبادة، وهي الغاية التي خلقنا لأجلها.
وإذا ارتكب العبد ما ينقض هذا التوحيد فهو مشرك كافر خارج الملة.
ولا يتحقق التوحيد إلا باجتناب الشرك (وهذا هو معنى لا إله إلا الله).
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: (يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد)، قال: الله ورسوله أعلم.
قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) إلى آخر الحديث
فإذا شهد العبد أن لا إله إلا الله:
فقد شهد ببطلان عبادة كل ما يعبد من دون الله – فيحكم على الآلهة بأنها باطلة-
ويشهد على نفسه بأن لا يعبد إلا الله مخلصا له الدين – فيحكم على نفسه بإقامة التوحيد-
وهذا هو الإسلام الذي أمر الله به.
قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة".

الدرس الثاني:
ثانيا: شهادة أن محمدا رسول الله.
-
وشهادة أن محمدا رسول الله تقتضي:
الإيمان بأن الله أرسله رسولا إلى الجن والإنس جميعا، يأمرهم بعبادته وحده لا شريك له، مبينا لهم شرائع الدين.
والإيمان بأنه عبد الله ورسوله، ليس له حق في العبادة، فلا نغلو في مدحه أو وصفه بشيء من خصائص الرب سبحانه وتعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله)
-
ومن لوازم هذه الشهادة:
1)
محبته صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)
2)
تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من أمور الغيب وغيرها.
3)
طاعته صلى الله عليه وسلم بامتثال أمره واجتناب نهيه.
-
فشهادة أن محمدا رسول الله: أصل عظيم من أصول الدين.
لا يدخل العبد في الإسلام حتى يشهد أن محمدا رسول الله.
وإذا ارتكب ما ينقض هذه الشهادة فليس بمسلم، بل هو كافر مرتد عن الدين.
-
ومما ينقض شهادة أن محمدا رسول الله:
أ‌)بغض النبي صلى الله عليه وسلم وسبّه والاستهزاء به وبما جاء به من شرائع الدين.
قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"
ب‌)تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في صدقه.
ت‌)الإعراض عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فكل من ارتكب شيئا من هذهالنواقض، فهو غير مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم وإن نطق بالشهادةبلسانه، فحاله كحال المنافقين الذين قال الله فيهم: "إذا جاءك المنافقونقالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقينلكاذبون"
فلا تصح هذه الشهادة حتى يقوم العبد بمقتضاها: من المحبة والطاعة والتصديق.
وأما عصاة المسلمين الذينيؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهم يفعلون المعاصي من غير نواقضالإسلام، فهؤلاء لا نكفرهم بسبب معصيتهم، ولكن نرجو لهم المغفرة، ونخافعليهم من عذاب الله.
-
فشهادة أن محمدا رسول الله، هي منهاج حياة المسلم.
وعليه مدار عمله، وبتحقيقها تتحقق نجاته وسعادته.
فالعمل لا يقبله الله إلا أن يكون خالصا صوابا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فكل عمل ليس على السنة فهو باطل مردود، قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
·والمتبع للهدى: هو من كان عمله خالصا صوابا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
·والمبتدع: عاص للرسول صلى الله عليه وسلم، غير متبع للهدى، ضال ببدعته.
-
والبدع على قسمين:
1-
بدع مكفرة: وهي التي تتضمن ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، وصاحبها كافر مرتد عن دين الإسلام.
كصرف عبادة لغير الله، أو تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو غيرها من النواقض.
ومن أمثلتها: دعوى بعض الفرق أن القرآن ناقص أو محرّف، أو أن بعض شيوخهم يعلمون الغيب.
2-
البدع المفسقة:وهي التي لا تتضمن ارتكاب ناقض من نواقض الدين.
كتخصيص بعض الأمكنة والأزمنة بعبادات لم يرد تخصيصها به،كالموالد النبويّة.
-
ولما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الهدي.
كان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: (أما بعد فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد ..)
كان كمال العبد وفلاحه علىقدر اتباعه لهذا الهدي النبوي، فكلما كان أحسن اتباعا كان أعظم ثواباوأقرب للسلامة من الشرور والآثام المترتبة على مخالفته صلى الله عليه وسلم.
·فمن اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، واجتنب الشهوات المحرمة، وصبر على المكاره المحتملة، فهو في أمان وسكينة، لا يخاف ولا يحزن.
·وأمامن خالف هذا الهدي فارتكب ما تهواه نفسه من المحرمات، فإنه لا يأمن أنيعاقب على ذنبه؛ بفتنة في دينه، أو عذاب أليم في الدنيا أو الآخرة.
قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"
الخلاصة:
فالله فرض على رسوله صلى الله عليه وسلم تبليغ الرسالة "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" فبلغها كما أمر.
وأوجب علينا طاعته "قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"
فالرسول صلى الله عليه وسلم حمّل أمانة تبليغ الرسالة، فأداها كما أراد الله؛
وقد سأل صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع: (ألا هل بلغت)، فقالوا: نعم، فقال: (اللهم اشهد)
ونحن نشهد أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
ونحن حملنا أمانة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، فمن وفى فاز ونجا، ومن خان خسر خسرانا مبينا.

الدرس الثالث: وهو من لوازم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثالثا: وجوب طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
وهو أصل من أصول الدين.
ولا يكون العبد مسلما:
حتى ينقاد لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ويعتقد وجوب طاعتهما، وأن من أطاعهما فقد فاز، ومن عصاهما فقد خسر.
ومن زعم أنه يسعه الخروج عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو غير مسلم.
حكم طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"
وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
دلت على أن طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم واجبة.
ثواب من أطاع الله والرسول صلى الله عليه وسلم:
وعد الله من أطاعه ورسوله صلى الله عليه وسلم الفضل العظيم في الدنيا والآخرة.
وتوعّد من عصاه ورسوله صلى الله عليه وسلمبالعذاب الأليم.
قال تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.."
وقال تعالى: "..ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا"
والطاعة تكون بامتثال الأمر واجتناب النهي.
وهذه هي حقيقة الدين: التعبد لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
وقد يسر الله لنا الدين، ولم يكلفنا إلا ما نستطيع "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"
-
وأوامر الله ورسوله صلى الله عليه ورسوله على ثلاث درجات:
درجة1) ما يلزم منه البقاء على الإسلام.
وذلك بطاعته في توحيد الله، والكفر بالطاغوت، واجتناب نواقض الإسلام.
ومن خالف هذه الدرجة: بأنأشرك بالله، أو ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام: كتكذيب الله ورسوله صلى اللهعليه وسلم أو الاستهزاء بشيء من الدين أو غيرها من النواقض؛ فهذا كافرخارج ملة الإسلام.
درجة2) ما يسلم به العبد من العذاب.
بأداء الواجبات واجتناب المحرمات، من أدى هذه الدرجة فقد نجا بإذن الله، وهذه درجة عباد الله المتقين.
درجة3) أداء الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات.
وهذه درجة الكمال للعباد، وأصحابها من أهل الإحسان الموعودين بالدرجات العلى.
-
قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"
فالله أكمل لنا الدين وأتم علينا نعمة الإسلام.
فشريعة الإسلام كاملة سمحة ميسّرة صالحة لكل زمان ومكان ولجميع أحوال العباد.
-
والذي يطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مهتد للتي هي أقوم في كل شأن من شئونه.
قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"
وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن أحسن الهدي هدي محمد)
ولا يمكن أن ينال العبد أمرا أفضل بمعصية الله ومخالفة كتابه أو بمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أي أمر من الأمور فهو فاسق بمعصيته، ضال في ذلك الأمر.
وإن زعم أنه يريد تحقيق مصلحة أو درء مفسدة، فإن المصالح لا تتحقق بمعصية الله، والمفاسد لا تدرأ بسخط الله.
قال تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا"
-
فالمخالفون لهذا الأصل:
·كل من أمر بالمعاصي وزيّنها للناس فهو شيطان.
وفي الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
·وكل من دعا إلى بدعة ومنهج غير منهج النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضال مضل.
قال تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"

الدرس الرابع: بيان فضل التوحيد
التوحيد: هوإخلاص الدين لله تعالى ذكره.
وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ولا تصح الشهادة حتى يعمل بموجبها، وذلك:
أ‌- أن يخلص الدين لله تعالى
ب‌- ويجتنب عبادة ما يُعبد من دون الله
ت‌- ويتبرأ من الشرك وأهله
قال تعالى: "لا إكراه فيالدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسكبالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم"
فضائل التوحيد:
1- أعظمها أنه أصل الدين، فلا يدخل العبد في الإسلام إلا بالتوحيد.
وثواب الموحد أعظم الثواب وهو: رضوان الله، والنجاة من النار، ودخول الجنة، ورؤية الله تبارك وتعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار)
- والموحد؛وإن ارتكب من المعاصي ما ارتكب، فإما أن يغفرها الله له ابتداء بفضلهورحمته، أو يعذّب بها، ثم يكون مآله إلى الجنة بإذن الله.
ولذا فمن أعظم فضائل التوحيد النجاة من العقاب الذي أعده الله للمشركين.
- وأما المشرك فعقوبته أعظم العقوبات:
وهي غضب الله، والخلود الأبدي في النار، والحرمان من الجنة، والحرمان من رؤية الله.

"إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"

والله تعالى لا يغفر الشرك، ولا يعفو عن المشركين إذا ماتوا على الشرك ولم يتوبوا منه.

والشرك معناه: أن تعبد مع الله أحدا غيره، فتجعله شريكا لله في العبادة.

ومن أشرك حبط عمله، وكان من الخاسرين.
2- ومن فضائل التوحيد؛ أنه شرط لقبول الأعمال.
فعمل الموحد مقبول وإن كان قليلا، بل يُضاعفه الله له أضعافا كثيرة.
وأما المشرك فعمله حابط مردود غير مقبول.
قال تعالى في الكفار: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا"
3- ومن فضائل التوحيد؛ ما يجده المؤمن الموحد من سكينة النفس وطمأنينة القلب.
فالموحد يدعو ربا واحدا سميعا بصيرا، بيده الملك كله، وبيده النفع والضر، فيعبده ويتوكل عليه، ولا يخاف ولا يحزن.
أما المشرك فيدعو من دون الله مالا يضره ولا ينفعه، وهم عن دعائه غافلون.
قال تعالى: "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار"
4- ومن فضائل التوحيد؛ أنه السبب الأعظم لمحبة الله العبد.
وما يتبعها من بركات كثيرةمنها: مغفرة الذنوب، وتفريج الهموم والكروب والغموم وزوالها، ورفعةالدرجات، والحفظ من الشرور، والتحرر من رق النفس والشيطان والعبودية للخلق،والخروج من الظلمات إلى النور.
- والمسلمون يتفاضلون في تحقيق التوحيد تفاضلا كبيرا.
وكلما كان العبد أعظم إخلاصا لله، كان نصيبه من فضائل التوحيد أعظم.
وعلى قدر إخلاصه يكون تخلصه من تسلط الشيطان وإيذائه.
قال تعالى في بيان قسم الشيطان: "قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين"
- ومن بلغ درجة الإحسان في التوحيد:
بتخليصه من شوائب الشرك الأكبر والأصغر، وعبد الله كأنه يراه؛
هذا: يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ونال الدرجات العلى في الجنة.

ليلى باقيس 27 ربيع الثاني 1435هـ/27-02-2014م 06:16 AM

الفتوى الحموية
 
الفتوى الحموية


بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص مقدمة شرح الفتوى الحموية، للشيخ: يوسف الغفيص
المقدمة
- مسألة تقسيم الدين إلى أصول وفروع
ذكر المصنف في كتبه أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع على ما حدّه كثير من المتكلّمين وأهل الأصول والفقهاء إنما هو بدعة لم يتكلم بها السلف.
وهذا لا يشكل مع ما نجده كثيرا في كلامه من تعيينه لبعض المسائل والأبواب أنها من مسائل أصول الدين، وذلك لأن جميع المسلمين بما فيهم السلف قد أجمعوا على أن في دين الإسلام ما هو من أصول الدين، وما هو دونها، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (بني الإسلام على خمس).
فتعيين مسائل أنها من أصول الدين هذا لا إشكال فيه البتة، وليس هو من محال النزاع لا بين السلف ولا غيرهم، وإنما الذي ردّه شيخ الإسلام الحد الذي يستعمله المتكلمون ومن وافقهم للتفريق بين أصول الدين وفروعه.
·فمنهم من قال أن أصول الدين هي المسائل المعلوم بالعقل والسمع، الفروع هي المعلومة بالسمع وحده، وهذا حد فاسد.
·ومنهم من قال أن أصول الدين هي المسائل العلمية، والفروع هي المسائل العملية، وهذا ليس بصواب.
- الاختلاف في الفروع يسع الاجتهاد فيه
مسائل الفقه وغيرها مما تنازع أئمة الصحابة فيها مما يسع الاجتهاد فيها.
فهذا الاختلاف لا إشكال فيه، لأنه من باب الاجتهاد.
وطالب العلم يجتهد في اتباع ما يراه مقاربا للدليل من الكتاب والسنة.
-الاختلاف في الأصول لا يسع الاجتهاد فيه
كالقول في مسائل الصفات والقدر والإيمان والأسماء والأحكام، فهذه مسائل أصول الدين لا يسع فيها التخيّر بين الأقوال، ولا يسع فيها الاجتهاد.
بل يجب التزام ما دلّ عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة.
والصحابة كانوا متفقين على جميع مسائل أصول الدين، ولم يقع بينهم في ذلك نزاع البتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّنها وأحكمها إحكاما تامّا.
- الخوارج
كان ظهورهم في آخر عصر الخلفاء الراشدين.
ونازعوا في مسمّى الإيمان وما يلتحق به من القول في الأسماء والأحكام، وهو أول نزاع حصل في الأمة في مساءل أصول الدين.
- أنواع القتال الذي وقع في زمن الصحابة
1) قتال الصحابة للمرتدين
وقع في زمن أبي بكر رضي الله عنه
· فارتد قوم عن أصل الإسلام
· وجحد آخرون وجوب الزكاة
ولا نزاع بين أهل العلم البتة في كونهما من أهل الردة
· الذين منعوا الزكاة دون حجد وجوبها، وهؤلاء اختلف فيهم المتأخرون: هل كانوا مرتدين أم كانوا من أهل البغي؟
جمهور الفقهاء من أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وطائفة من الحنابلة أنهم من أهل البغي.
جمهور السلف مالك والإمام أحمد وجمهور العراقيين والشاميين من كبار الأئمة أنهم مرتدّون، ووجه ردتهم: أنهم منعوا الزكاة وقاتلوا عليها.
فمذهب الجمهور من السلف: أن من قاتل على منع الزكاة يكون كافرا عملا بسنة الصحابة.
2) قتال الصحابة للخوارج
3) القتال بين الصحابة أنفسهم
ومذهب السلف في هذا القتال: أن يكفّ عنه، وأنهم مجتهدون.
والصحابة اختلفوا في حكم القتال الذي وقع بينهم؛ فهو ليس مشروع لا بالنص الصريح ولا بالإجماع.
لكنهم لم يختلفوا في قتال الخوارج؛ فقتالهم مشروع بالنص النبوي وإجماع الصحابة، وإن كانوا ليسوا كفارا، وإنما بغاة بغيا شديدا، فقاتلوهم لدفع صولهم عن المسلمين.
- ظهور القدرية
في آخر عصر الصحابة، وكانت بدعتهم في أصول الدين
وهم صنفان:
منكرة لعلم الله، وهؤلاء كفّرهم السلف
وجمهورهم الذين يقولون: أن الله لم يخلق أفعال العباد
- ظهور المرجئة
منهم الغلاة، والمتوسطون، والمقاربون للسلف وهم مرجئة الفقهاء
- مسائل أصول الدين التي تنازع فيها المسلمون
مسألة الصفات والقدر لم تشتبه على أحد من المعروفين من أهل السنة والجماعة.
ولكن المسألة التي حصل فيها اضطراب عند قوم من أهل السنة هي مسألة الأسماء والأحكام ومسمّى الإيمان، وهذا أوجب عند كثير من الفقهاء اضطراب شديد في تقرير مسائل التكفير والردّة.
ومحصل هذا الخلاف التاريخي: أنه انتهى عصر الصحابة ولم تظهر بدعة القول في الأسماء والصفات.
-ظهور البدع في مسألة الأسماء والصفات
في المائة الثانية بعد انتهاء عصر الصحابة لما تكلم الجعد بن درهم بإنكار صفات الرب سبحانه، وشاعت في المائة الثالثة لما عربت الكتب الفلسفية.
وكان الناس بعد ظهور هذه البدعة على أحد مذهبين:
مذهب السلف
المنحرفين ببدعتهم كالجهمية والمعتزلة
-التفريق بين حكم القول وحكم قائله
قال شيخ الإسلام: ما من إمام من أئمة المتكلمين إلا وفي كلامه كفر.
وهذا من جهة المقالات، ولا يعني هذا أم يكون القائل كافرا.
فمثلا: من لم يثبت الاستواء للرب، فحقيقة قوله نفي لخبر القرآن، وهذا النفي كفر
فالقائل إن كان قاله تكذيبا للقرآن كان كافرا بعينه، ولم يقع هذا لأحد من أهل القبلة
لكن من تأوّل هذا تأولا، فهذا الذي يفصّل السلف في شأنه، فلا نقول: إن السلف لا يكفّرون، ولا نقول: إنهم يكفّرون.
- حقيقة الخلاف في مسائل أصول الدين بين أهل القبلة
مسائل الاجتهاد والفقهيات يقال فيها بالتوسعة، أما مسائل أصول الدين فهذا لا يسع فيها الاجتهاد، بل يجب التزام ما دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع.
واختلاف أهل القبلة في أصول الدين يعدّ واقعا تاريخيّا.
وقد تواتر ع النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)).
فوجود طائفة مختصة بالحق وباتباع الكتاب والسنة هذا متحقق بهذه النصوص التي فيها ذكر الطائفة الناجية المنصورة، وأن هناك طوائف خالفتهم في أصول الدين.
إذا: لا يجوز التساهل في الاختلاف في أصول الدين، وهذا لا يعني الاستطالة على أحد، فالرل بعثوا بالرحمة.
-أهم المقاصد التي اشتملت عليها رسالة العقيدة الحموية
1) الرد على متأخري الأشاعرة.
2) بيان أن إسناد مقالة السلف متصل بالتصريح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مقالة المخالفين متلقاة من المتفلسفة.
3) بيان اتصال مقالات التأويل المتأخرة بمقالات التأويل المتقدمة
4) أصناف المخالفين للسلف
5) حكم الدليل العقلي في مورد الأسماء والصفات
6) بيان أن إثبات الصفات هو مذهب أئمة السلف
7) بيان عدم التعارض بين النصوص القرآنية في باب الأسماء والصفات

مقبولة مصلح صالح 10 رجب 1435هـ/9-05-2014م 10:00 PM

أختك في الله ام غسان
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي في الله
لقد أكرمني الله والتحقت بركب الفئة المباركة في هذا المعهد قسم تفسير في المسار الأول وأرغب في التقدم للإختبار في مقدمة التفسير لابن تيمية في الأيام القادمة وأرغب في الاستفادة ممن سبق لهم الاختبار في المادة ودلتني الاستاذة ام جهاد على صفحتك جزاها الله خيرا . وأرغب في السؤال عن بعض الأمور لعلك تفيديني بها . فهل تتكرمين بذلك والله يجازيك بخير مايجازي به عباده الصالحين

ليلى باقيس 11 رجب 1435هـ/10-05-2014م 06:04 AM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياك الله أختي الكريمة
والحمدلله على ما منّ الله تعالى به علينا وعليكم من الدراسة في هذا المعهد، تفضلي بما يمكنني مساعدتك فيه.
وإذا كانت استفساراتك علمية فاطرحيها في مجلس الشيخ عبد العزيز الداخل، وموعده كل يوم أحد بعد صلاة العشاء.
وهذا رابط قسم المجلس: http://www.afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=620

ليلى باقيس 25 ذو الحجة 1435هـ/19-10-2014م 12:42 PM

تلخيص القسم الثاني من مقرر (الشرح الممتع): [الدرس الأول: باب السواك وسنن الوضوء ، والدرس الثاني: سنن الفطرة]
 
بسم الله الرحمن الرحيم


تلخيص الدرسين الأول والثاني من القسم الثاني من مقرر (الشرح الممتع)


الدرس الأول: باب السواك وسنن الوضوء
قال المؤلف: (التسوك بعود لين، منق، غير مضرّ، لا يتفتت، لا بإصبع، أو خرقة، مسنون كل وقت لغير صائم، بعد الزوال، متأكد عند صلاة، وانتباه، وتغير فم، ويُستاك عرضا، مبتدئا بجانب فمه الأيمن.)

· معنى السواك.
الآلة التي هي العود، ويُطلق على الفعل، ويُقال: السواك سنة؛ أي: التسوك.
· سبب تقديم السواك على الوضوء وهو من سننه، وإنما تذكر السنن بعد الواجبات والأركان، لوجهين:
أنه مسنون في كل وقت، ويتأكد في مواضع أخرى غير الوضوء.
أنه من باب التطهير فله صلة بباب الاستنجاء.
· سبب قوله (بعود).
لأن التسوك بغير عود ليس بسنة في المذهب.
· شروط عود السواك.
1: ليّن.
2: منق.
3: غير مضرّ.
4: لا يتفتت.
· حكم استخدام الاصبع في السواك.
فيه أقوال:
1: قيل: لا تحصل به السنة.
2: وقيل: تحصل به السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، وعن علي: أنه صلى الله عليه وسلم أدخل بعض أصابعه في فيه. وإسناده ضعيف
· حكم التسوك بخرقة.
لا يسنّ ولا تحصل به السنة، ولكنه أشدّ إنقاء بمجرد الاصبع.
· دليل سنية السواك.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة)) صحيح متفق عليه
· وقت استعماله.
قال: (كل وقت)، والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: ((السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)) فلم يقيّده بوقت معين.
· حكم التسوك للصائم.
- بعد الزوال، المذهب: الكراهة، والدليل:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صُمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي)) ضعيف.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك)) والخلوف الرائحة الكريهة، قالوا: وهي لا تظهر في الغالب إلا في آخر النهار.
- وقبل الزوال، فالمذهب: إن كان برطب فهو مباح، وإن كان بيابس فهو مسنون لعموم الأدلة، وقالوا: الرطب يُخشى أن يتسرب منه طعم.
والراجح: أنه لا يُكره مطلقا، بل هو سنة في حقّه كغيره، قبل وبعد الزوال، وأدلتهم:
عموم الأدلة الدالة على سنية السواك
قالوا العام يجب إبقاؤه على عمومه حتى يرد مخصص، ولا مخصص هنا، وحديث علي ضعيف.
قالوا: وتعليلهم عليل؛ لأن هذه الرائحة قد تحصل قبل الزوال، ومن الناس من لا توجد عنده.
ويؤيّد هذا القول: قول عامر بن ربيعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعده.
· الأوقات التي يتأكّد فيها السواك.
1: عند الصلاة، والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)).
وسجود التلاوة: إن كان صلاة يسنّ، كما هو مشهور في المذهب، وإلا يدخل في أنه مسنون لكل وقت، وكذلك سجود الشكر.
2: الانتباه من النوم، لحديث حذيفة: كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.
3: عند تغيّر فم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مطهرة للفم))
· صفة التسوك.
1: يستاك عرضا.
2: مبتدئا بجانب فمه الأيمن.
3: وقيل يستاك باليمنى، وقيل باليسرى، وقيل فيه التفصيل، والأمر في ذلك واسع.

الدرس الثاني: سنن الفطرة
قال المؤلف: (ويدّهن غبّا، ويكتحل وترا، وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر، ويجب الختان ما لم يخف على نفسه، ويُكره القزع.)

· معنى (غبّا)
أي يفعل يوما، ويترك يوما، وليس بلازم أن يكون بهذا الترتيب، ولكن لا يستعمله دائما.
· الاختلاف في استخدام الرجل الكحل للعين للتجمّل.
فيه أقوال:
الأول: أنه مشروع للأنثى فقط، فالرجل ليس بحاجة إلى تجميل عينيه.
الثاني: مشروع للرجل أيضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: إن أحدنا يحبّ أن يكون نعله حسنا، وثوبه حسن، فقال: ((إن الله جميل يحبّ الجمال)).
الثالث: إذا كان في عين الرجل عيب يحتاج فيه للاكتحال فمشروع وإلا فلا.
· محل التسمية وحكمها.
عند ابتداء الوضوء، والمذهب أنها واجبة ، والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه))
وقيل: ليست واجبة بل سنة، وهو قول الموفّق، ودليلهم:
- أن الإمام أحمد قال: لا يثبت في هذا الباب شيء.
- ولأن كثيرا ممن وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يذكروا فيه التسمية.
· فائدة قوله: (مع الذكر)
لأن المذهب: أنها تسقط بالنسيان.
· من تذكرها بعد الشروع.
قيل: يبتدئ، قاله صاحب المنتهى، وهو المذهب
وقيل: يستمر، قاله صاحب الاقناع.
· حكم التسمية في الغسل.
قيل: تجب؛ لأنها إحدى الطهارتين، وإن كانت تجب في الوضوء فالغسل أولى.
· حكمها في التيمم.
قيل: واجبة؛ لأن التيمم بدل الوضوء.
وقيل: لا يقال ما وجب في الوضوء يجب في التيمم، واختاره ابن عثيمين بأنها لا تجب لحديث عمار وفيه: ((إنما كان يكفيك أن تصنع هذا))
· حكم التسمية وأحوالها في الأفعال المشروعة.
- قد تكون شرطا لصحة الفعل، كما في الذكاة والصيد.
- وقد تكون واجبة، كما في الوضوء
- وقد تكون مستحبة كالتسمية عند الأكل عند الجمهو، والصحيح أنها واجبة.
- وقد تكون بدعة، كالتسمية عند بدء الأذان والصلاة.
· حكم الختان.
فيه أقوال:
الأول: أنه واجب على الذكر والأنثى، وهو المذهب.
الثاني: أنه واجب على الذكر دون الأنثى، اختاره الموفق.
الثالث: سنة في حقهما.
والراجح: أنه واجب على الذكر، سنة للنساء.
· دليل وجوبه على الرجال.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ((خمس من الفطرة)) وذكر منها الختان.
- أمره صلى الله عليه وسلم من أسلم أن يختتن، وهو دليل وجوبه.
- أنه ميزة بين المسلمين والنصارى، وإذا كان ميزة فهو واجب.
- أنه قطع شيء من البدن، وقطع شيء من البدن حرام، والحرام لا يُستباح إلا بواجب.
- أنه يقوم به وليّ اليتيم وهو اعتداء عليه وعلى ماله، فلولا أنه واجب لم يجز الاعتداء على ماله وبدنه.
· معنى القزع وحكمه.
هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وهو مكروه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((احلقوا كله، أو اتركوه كله))، وإن كان فيه تشبه بالكفار فهو حرام.
· أنواعه.
1: أن يحلق غير مرتب.
2: أن يحلق الوسط ويترك الجانب أو العكس.
3: أن يحلق الناصية ويترك الباقي.


الساعة الآن 02:37 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir