معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   المنتدى العام (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=97)
-   -   انبعاجة ضوء (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=10288)

ساجدة فاروق 4 شوال 1431هـ/12-09-2010م 10:02 AM

انبعاجة ضوء
 
انْبِعَاجَةُ ضَوء][~

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذو الفضائل والنِعم، علم بالقلم، وكان أول ما أنزل " اقرأ "

والصلاة والسلام على النبي الأمي الذي علم الأُمم، أفضل صلاة وأتم تسليم وعلى من تبعه بإحسان
وبعد؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كم تجوع العقول ولا تُطعم، وتظمأ الأرواح ولا تُروى !
بضع صفحات يوميا لـ 20 دقيقة كفيلة بتغييرات جذرية، فعلى نفسك لا تبخل، فإنما أنت بعلمك وعقلك.

نقرأ؛ وأحيانا يلامس القلب نورا، إذ من الأقلام ما تكون مؤزرة بمدد من الله فيفتح الله على كاتبها ما تحيا به قلوب

موعدي معكم في هذه الصفحات مع أشعة شمس لامست قلبا أو عقلا، أشارككم جمالا استلذت بِهِ عيناي فأحببته لكم.

أمّا عَن مصدر الانبعاجة فـ [ .. والانبعاج: الانشقاق. وتَبَعَّجَ السَّحاب تَبَعُّجاً، وهو انفراجُهُ
عن الوَدْق -المطر- يقال: بَعَّجَ المطرُ الأرضَ تَبْعيجاً من شدة فَحْصه الحِجارة .. ]

ساجدة فاروق 4 شوال 1431هـ/12-09-2010م 10:03 AM

(1)


وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77]
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله .

فعلينا -أيها المسلمون-أن ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تَعَلُّم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه ..
قال الله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الحديد: 16، 17]
ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم ]


من مقدمة تفسير بن كثير رحمه الله .

ساجدة فاروق 4 شوال 1431هـ/12-09-2010م 10:04 AM

(2)


[فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتٌّ ، فَذَكَرَ مِنْهَا‏:‏ وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ ‏"‏ ‏. ‏قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةٍ هِيَ إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ قَالَ‏:‏ وَأَصْلُ النُّصْحِ فِي اللُّغَةِ الْخُلُوصُ، يُقَالُ نَصَحْت الْعَسَلَ إذَا خَلَّصْته مِنْ الشَّمْعِ ‏.‏فَمَعْنَى النَّصِيحَةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ فِي وَحْدَانِيِّتِهِ وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ فِي عِبَادَتِهِ ‏.‏وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ الْإِيمَانُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ ‏.‏وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ التَّصْدِيقُ بِنُبُوَّتِهِ وَبَذْلُ الطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ ‏.‏وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إرْشَادُهُ لَهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ ]

ساجدة فاروق 4 شوال 1431هـ/12-09-2010م 10:07 AM

(3)

عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم بعث جيشا فيهم رجل يقال له حدير.

وكانت تلك السنة قد أصابتهم سنة من قلة الطعام فزودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسي ان يزود حديرا. فخرج حدير صابرا محتسبا وهو في آخر الركب يقول لا اله إلا الله والله اكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول نعم الزاد هو يا رب. فهو يرددها وهو في آخر الركب. قال فجاء جبريل إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فقال له أن ربي أرسلني إليك يخبرك انك زودت أصحابك ونسيت أن تزود حديرا وهو في آخر الركب يقول لا اله إلا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول نعم الزاد هو يا رب قال فكلامه ذلك له نور يوم القيامة ما بين السماء والأرض فابعث إليه بزاد. فدعا النبي. صلى الله عليه وسلم رجلا فدفع إليه زاد حدير وأمره إذا انتهى إليه حفظ عليه ما يقول وإذا دفع إليه الزاد حفظ عليه ما يقول ويقول له إن رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله ويخبرك أنه كان نسي ان يزودك وان ربي تبارك وتعالى أرسل إلي جبريل يذكرني بك فذكره جبريل واعلمه مكانك . فانتهى إليه وهو يقول لا اله إلا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول نعم الزاد هذا يا رب قال فدنا منه ثم قال له إن رسول الله . صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله وقد أرسلني إليك بزاد معي ويقول إني إنما نسيتك فأرسل إلي جبريل من السماء يذكرني بك قال فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال الحمد لله رب العالمين ذكرني ربي من فوق سبع سموات ومن فوق عرشه ورحم جوعي وضعفي يا رب كما لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك.
قال فحفظ ما قال ورجع إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم أما انك لو رفعت رأسك إلى السماء ل رأيت لكلامه ذلك نورا ساطعا ما بين السماء والأرض. ] صفة الصفوة 1/165

بحثت عن سند الرواية ولم أجد له تضعيفا أو تصحيحا .. ومقصدي العِبرة .. والله المستعان . فالله لا ينسى ولم ينسى أحد من عبيده مطلع على دقائقه كل حركة منا بإذنه وكل لقمة ساقها الله إلينا مكتوبا عليه اسم من سيأكلها .. فـ اللهم كما لم تنسانا .. اجعلنا لا ننساك !

ساجدة فاروق 4 شوال 1431هـ/12-09-2010م 10:08 AM

(4)

( .. ولما كانت الذنوب متفاوتة في درجاتها ومفاسدها تفاوت عقوباتها في الدنيا والآخرة بحسب تفاوتها ونحن نذكر فيها بعون الله فصلا وجيزا جامعا فتقول :
أصلها نوعان ترك مأمور وفعل محظور وهما الذنبان اللذان ابتلى الله سبحانه أبوي الجن والأنس بهما [1] .
وكِلاهما ينقسم باعتبار محله إلى ظاهر على الجوارح وباطنا في القلوب [2] . وباعتبار متعلقة إلى حق الله وحق خلقه وإن كان كل حق لخلقه فهو متضمن لحقه لكن سمى حقا للخلق لأنه يجب بمطالبتهم ويسقط بإسقاطهم . ثم هذه الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام : ملكية وشيطانية وسبعية وبهيمية لا تخرج عن ذلك :


1/ الذنوب الملكية: أن يتعاطى ما لا يصلح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والقهر والعلو والظلم واستعباد الخلق ونحو ذلك ويدخل في هذا الشرك بالرب تعالى ... فمن كان من أهل هذه الذنوب فقد نازع الله سبحانه ربوبيته وملكيه وجعل له ندا وهذا أعظم الذنوب عند الله ولا ينفع معه عمل .
2/ وأما الذنوب الشيطانية : فالتشبه بالشيطان في الحسد والبغي والغش والغل والخداع والمكر والأمر بمعاصي الله وتحسينها والنهي عن طاعة الله وتهجينها والابتداع فى دينه والدعوة إلى البدع والضلال وهذا النوع يلي النوع الأول في المفسدة وإن كانت مفسدته دونه .
3/ وأما الذنوب السبعية فذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء والتوثب على الضعفاء والعاجزين ويتولد منها أنواع أذي النوع الإنساني والجرأة على الظلم والعدوان .
4/ وأما الذنوب البهيمية فمثل الشرة والحرص علي قضاء شهوة البطن والفرج ومنها يتولد الزنا والسرقة وأكل أموال اليتامى والبخل والشح والجبن والهلع والجزع وغير ذلك .
وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذنوب السبعية والملكية ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام فهو يجرهم إليها [3] بزمام فيدخلون منه إلى الذنوب السبعية ثم إلى الشيطانية ثم منازعة الربوبية والشرك في الوحدانية ومن تأمل هذا حق التأمل تبين له أن الذنوب دهليز الشرك والكفر ومنازعة الله ربوبيته . .. ) [4]

هامـشي ,,
[1] أبو الإنس آدم عليه السلام فعل المحظور بأكله من الشجرة وأبو الجن إبليس ترك المأمور برفضه السجود .
[2] من ذنوب الباطن-القلوب- : سوء الظن ، الرياء ، العجب ، النفاق .. وغير ذلك ومن ذنوب الباطن ما يحاسب العبد عليه كحبه مع الله ومنها ما يتجاوز عنه الله مثل غيبة الباطن وإن كان الأولى مقاومتها إذ أنها تؤثر على الإيمان وطهر القلب .
[3] صدق رحمه الله إذ أن من شؤم المعصية وعقوبتها المعصية بعدها "فزادتهم رجسا إلى رجسهم" كما أن ثواب الحسنة الحسنة بعدها قال تعالى "ويزيد الذين اهتدوا هدى " .. فمن عصى عجل بالتوبة قبل أن يدخل في متاهة معاصي يصعب الخروج منها.
[4] من كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن قيم الجوزية رحمه الله وهو من أروع ما قرأت ويسير المعنى (وأظن أنه هو نفسه الداء والدواء) .

ساجدة فاروق 4 شوال 1431هـ/12-09-2010م 10:28 PM

(5)

همم عَليّة :
( أنا اليوم , و أنا بالأمس , كما كنت في الصغر , أمضي يومي أكثره في الدار اقرأ , و ربما مر عليّ يوم أقرأ فيه ثلاثمئة صفحة , ومعدل قراءتي مئة صفحة , من سنة 1340 إلى هذه السنة 1402 , اثنتان و ستون سنة , احسبوا كم يوما فيها , واضربوها بمئة تعرفوا كم صفحة قرأت .. )
ذكريات الشيخ الأديب الشامي علي الطنطاوي رحمه الله .


وجود الخالق :
( .. فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة، علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه، كما قال بعض الأعراب وقد سئل: ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله، إن البعرة لتدل على البعير، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؟ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟
وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع!! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.
وعن الشافعي: أنه سئل عن وجود الصانع، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم [الحرير] ، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبعير والأنعام فتلقيه بعرًا وروثا ، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهو شيء واحد .. )
تفسير بن كثير ج1 ص 78

ساجدة فاروق 7 شوال 1431هـ/15-09-2010م 06:46 AM

(6)

يا مطرودا احذر أن تفارق عتبة بابهم
يا مرميا بالبعاد إياك أن تبعد عن جنابهم
يا مهجورا ابك وترام عليهم
يا متوعدا بالعقاب لا تهرب منهم إلا إليهم
في حديث جابر المرفوع إن العبد ليدعو الله وهو عليه غضبان فيعرض عنه فلا يزال يدعوه حتى يقول الله عز و جل للملائكة إن عبدي قد أبى أن يدعو غيري فقد استجبت له . [إسناده ضعيف]

( كان رجل من أصحاب ذي النون يطوف في السكك يبكي وينادي : أين قلبي أين قلبي من وجد قلبي؟! فدخل يوما بعض السكك فوجد صبيا يبكي وأمه تضربه ثم أخرجته من الدار فأغلقت دونه فجعل الصبي يلتفت يمينا وشمالا ولا يدري أين يذهب ولا أين يقصد فرجع إلى باب الدار فوضع رأسه على عتبته فنام فلما استيقظ جعل يبكي ويقول يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك ومن يدنيني من نفسه إذا طردتيني ومن الذي يؤويني بعد أن غضبت علي .
فرحمته أمه فقامت فنظرت من خلل الباب فوجدت ولدها تجري الدموع على خده متمعكا في التراب ففتحت الباب وأخذته حتى وضعته في حجرها وجعلت تقبله وتقول : يا قرة عيني وعزيز نفسي أنت الذي حملتني على نفسك وأنت الذي تعرضت لما حل بك لو كنت أطعتني لم يكن مني مكروها . فتواجد الرجل ثم قام وصاح وقال قد وجدت قلبي قد وجدت قلبي ) هكذا ينبغي أن يكون حال العبد مع ربه .
إذا هجروا عزا وصلنا تذللا ** وإن بعدوا يأسا قربنا تعللا
وإن أغلقوا بالهجر أبواب وصلهم ** وقالوا ابعدوا عنا طلبنا التوصلا
وقفنا على أبوابهم نطلب الرضى ** على الترب عفرنا الخدود تذللا
أشرنا بتسليم وإن بعد المدى ** إليهم وكلفنا الرياح التحملا

الطريق إلى الربانية منهجا وسلوكا / مجدي الهلالي (وهو كتاب رائع وليس بطويل)
وقد نقلها الكاتب من (شرح حديث لبيك اللهم لبيك لابن رجب الحنبلي) وأظن مغزى القصة واضحا في فقه التعامل مع ربنا جل وعلا .. والله المستعان .

ساجدة فاروق 8 شوال 1431هـ/16-09-2010م 07:07 AM

(7)

إن تأخر المسلمين اليوم عن القيادة العالمية لشعوب الأرض نتيجة منطقية لقوم نسوا رسالتهم، وحطوا من مكانتها، وشابوا معدنها بركام هائل من الأوهام في مجال العلم والعمل على حد سواء، وأهملوا السنن الربانية، وظنوا أن التمكين قد يكون بالأماني والأحلام. إن هذا الضعف الإيماني والجفاف الروحي، والتخبط الفكري والقلق النفسي، والشتات الذهني، والانحطاط الخلقي الذي أصاب المسلمين بسبب الفجوة الكبيرة التي حدثت بين الأمة والقرآن الكريم والهدي النبوي الشريف، وعصر الخلفاء الراشدين، والنقاط المشرقة المضيئة في تاريخنا المجيد .. إن السيرة النبوية تعطي كل جيل ما يفيده في مسيرة الحياة ، وهي صالحةٌ لكل زمان ومكان ومُصلِحةٌ كذلك .

من مقدمة كتاب ( السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث ) لصاحبه ( عليّ محمد الصلابي ) وحبذا لو قرأتم مقدمته كاملة إذ فيها من الفوائد خيرا كثيرا ، والكتاب متوافر على الشبكة ..

ساجدة فاروق 9 شوال 1431هـ/17-09-2010م 08:25 AM

(8)
{ .. وكذلك إذا فكر في عواقب الأمور وتجاوز فكره مباديها وضعها مواضعها وعلم مراتبها فإذا ورد عليه وارد الذنب والشهوة فتجاوز فكره لذته وفرح النفس به إلى سوء عاقبته وما يترتب عليه من الألم والحزن الذي لا يقاوم تلك اللذة والفرحة ومن فكر في ذلك فإنه لا يكاد يقدم عليه وكذلك إذا ورد على قلبه وارد الراحة والدعة والكسل والتقاعد عن مشقة الطاعات وتعبها حتى عبر بفكره إلى ما يترب عليها من اللذات والخيرات والأفراح التي تغمر تلك الآلام التي في مباديها بالنسبة إلى كمال عواقبها وكلما غاص فكره في ذلك اشتد طلبه لها وسهل عليه معاناتها استقبلها بنشاط وقوة وعزيمة وكذلك إذا فكر في منتهى ما يستعبده من المال والجاه والصور ونظر إلى غاية ذلك بعين فكره استحى من عقله ونفسه أن يكون عبدا لذلك كما قيل :
لو فكر العاشق في منتهى * حسن الذي يسبيه لم يسبه }

وأورد فصلا رائعا في الفكرة وفضائل التفكر رحمه الله .. الكلام مكنونه رائع ونافع يحتاج شيء من التركيز فمن التبس عليها شيء تستفصل فاثنان لا ينالان العلم والله المستعان .
من مفتاح دار السعادة لابن قيم الجوزية ..

ساجدة فاروق 9 شوال 1431هـ/17-09-2010م 08:42 PM

(9)

- النور :
القرآن نور يشرق في قلب المؤمن فيزهر بالإيمان ، ويشرق في حياته فينيرها له ، ويشرق في سماء الأمة فيكون ضياء وسعادة وهدى وخيراً ، ويشرق في البشرية فتعرف مواقعها وتهتدي إلى طريقها - إن أرادت سواء السبيل -
قال تعالى : " قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " .

من كتاب مفاتيح للتعامل مع القرآن / د . صلاح الخالدي

ساجدة فاروق 17 شوال 1431هـ/25-09-2010م 10:43 AM

(10)

كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول :
"لا يبلغ أحد مقام التقوى حتى لا يكون له فعل ولا قول يفتضح به في الدنيا والآخرة"
وقد قال له رجل مرة : متى يبلغ العبد سنام التقوى ؟ فقال :
إذا وضع جميع ما في قلبه من الخواطر في طبق ، وطاف به في السوق لم يستح من شيء فيه !

كيف حال خواطركم ؟!
من كتاب (رحلة إلى الدار الآخرة) للشيخ محمود المصري .. من كتب القلوب .


كتبت صديقة لي (ماذا بنا حبيبتي لو اختبرنا تُقانا أن كتبنا خواطرنا جميعها في ورقة ، والمرحلة الأولى ..ألا يراها أحد غيرنا ..هذا مع علمي بعجزي عن كتابتها !!
إذاً .. الحل إما الإقلاع أو الفضيحة ..وإن لم أختر أحدهما فالثالث أعظم في يوم التناد .. "يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ")
ولما استنصحتها في ذلك قالت : ( أكثر ما يعين على شغل الخاطر بالله .. التغني بالقرآن ، تذكر نعم الله علينا، التقليل من المخالطة .. -لأنها تعلق عبارات الغير على الأذهان- ، قراءة سير الصالحين في كتب التراجم، الجلوس مع من يذكرك بالله ، وقبل ذلك وبعده .. الدعاء فاللهم لا تشغلنا بمن هم دونك )

ساجدة فاروق 18 شوال 1431هـ/26-09-2010م 06:40 PM

(11)

{ .. في السجود نوع من تفريج الهم ، وتنفيس الكرب وحصول انشراح الصدر ، وثبوت الإيمان في القلب ..
المسلم عندما تتكالب عليه الدنيا بمشكلاتها ومعضلاتها ، وتعترضه المحن وتحل به الابتلاءات يجد في العبادة والسجود عونا على ذلك ومخرجا منه ..
إذا ضاقت عليك الدنيا فأقبل على الآخرة ، إذا وجدت عناء من شرار الخلق فإنك واجد فرجا وفيض عطاء من الخالق ...
فليعلموا أنه لا يثبتهم ولا يشرح صدورهم ولا يزيل غمهم وكربهم إلا هذه العبادة وهذا السجود ..
حينما ينطرح الواحد بين يدي الله فيلقي بأمره وهمه بين يدي الله ، ويلقي بما يَلقى .. فيكون السجود أنسا له .. }

من كتيب فقه السجود لـ الشيخ علي بن عمر بادحدح .. للتحميل من هنا

ساجدة فاروق 18 شوال 1431هـ/26-09-2010م 06:45 PM

(12)

فصل المفسد الخامس : كثرة النوم فإنه ..
يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ، ويورث كثرة الغفلة والكسل ..
ومنه المكروه جداً ومنه الضار غير النافع للبدن .
وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ولاسيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران ..
ومن المكروه عندهم : النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر ..
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير [1] وهو مقدار ثمان ساعات وهذا أعدل النوم عند الأطباء وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه ..
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا : النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء وكان رسول الله يكرهه [2] فهو مكروه شرعا وطبعا ..
وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام : من سوء المزاج ويبسه وانحراف النفس وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ويورث أمراضا متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها وما قام الوجود إلا بالعدل فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير وبالله المستعان [3] .

من مدارج السالكين لـ ابن القيم رحمه الله (مفسدات القلب) ..
هامشي :
[1] جاء في تلك الصفة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { خير الصيام صيام داود وكان يصوم نصف الدهر وخير الصلاة صلاة داود وكان يرقد نصف الليل الأول ويصلي آخر الليل حتى إذا بقي سدس من الليل رقد }
[2] والحديث في صحيح البخاري عن أبي برزة رضي الله عنه قال {كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا }
[3] كان معاذ بن جبل رضي الله عنه –أعلم الأمة بالحلال والحرام- يقول : أقرأ وأنام ثم أقوم فأتقوى بنومتي على قومتي ، ثم أحتسب نومتي بما أحتسب به قومتي .

ساجدة فاروق 20 شوال 1431هـ/28-09-2010م 02:54 PM

(13)

وأما التأمل في القرآن فهو :
تحديق ناظر القلب إلى معانيه ، وجمع الفكر على تدبره وتعقله وهو المقصود بإنزاله لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر قال الله تعالى : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " وقال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "
وقال الحسن : نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملا فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته : من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع منه الفكر على معاني آياته ..

فإنها : تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه وتحضره بين الأمم وتريه أيام الله فيهم وتبصره مواقع العبر وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه وقواطع الطريق وآفاتها وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه وافتراقهم فيما يفترقون فيه .

وبالجملة : تعرفه الرب المدعو إليه وطريق الوصول إليه وما له من الكرامة إذا قدم عليه وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى : ما يدعو إليه الشيطان والطريق الموصلة إليه وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه فهذه ستة أمور ضرورية للعبد معرفتها ومشاهدتها ومطالعتها فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها وتميز له بين الحق والباطل في كل ما اختلف فيه العالم فتريه الحق حقا والباطل باطلا وتعطيه فرقانا ونورا يفرق به بين الهدى والضلال والغي والرشاد وتعطيه قوة في قلبه وحياة وسعة وانشراحا وبهجة وسرورا فيصير في شأن والناس في شأن آخر ..

... فاعتصم بالله واستعن به وقل : حسبي الله ونعم الوكيل وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه : أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد وبالجملة : فهو أعظم الكنوز طلسمه الغوص بالفكر إلى قرار معانيه :

نزه فؤادك عن سوى روضاته * فرياضه حل لكل منزه
والفهم طلسم لكنز علومه * فاقصد إلى الطلسم تحظ بكنزه
لا تخش من بدع لهم وحوادث * ما دمت في كنف الكتاب وحرزه
من كان حارسه الكتاب ودرعه * لم يخش من طعن العدو ووخزه
لا تخش من شبهاتهم واحمل إذا * ما قابلتك بنصره وبعزه
والله ما هاب امرؤ شبهاتهم * إلا لضعف القلب منه وعجزه
يا ويح تيس ظالع يبغي * مسابقة الهزبر بعدوه وبجمزه
ودخان زبل يرتقى للشمس يستر * عينها لما سرى في أزه
وجبان قلب أعزل قد رام يأسر * فارسا شاكى السلاح بهزه


مدارج السالكين 1/451

ساجدة فاروق 3 ذو القعدة 1431هـ/10-10-2010م 06:53 AM

(14)

فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما وضعفا وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة وأنزلت من منحة وعطلت من منحة وأحلت من رزية وأوقعت في بلية وهل آفة الناس إلا الناس .



المصدر السابق ..

ساجدة فاروق 3 ذو القعدة 1431هـ/10-10-2010م 06:54 AM

(15)

ومن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء ، فإنه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده ، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات ، فإنهم يقطعون عليه طريقه ، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة ، وأوفق له من هذه المفارقة ، فقد قال بعض السلف: شتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوام أحياء تموت القلوب بمخالطتهم .

فما على العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه فنظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم ، ومباهاتهم والسلوك أين سلكوا ، حتى لو دخلوا جحر ضب لأحب أن يدخله معهم ، فمتى صرف همته عن صحبتهم إلى صحبة من أشباحهم مفقودة ، ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم موجودة ، استحدث بذلك همة أخرى وعملا آخر ، وصار بين الناس غريباً وإن كان فيهم مشهوراً ونسيباً ، ولكنه غريب محبوب يرى ما الناس فيه و لا يرون ما هو فيه .

يقيم لهم المعاذير ما استطاع ، ويحضهم بجهده و طاقته سائراً فيهم بعينين : عين ناظرة إلى الأمر والنهى ، بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ، ويؤدي لهم الحقوق و يستوفيها عليهم . وعين ناظرة إلى القضاء والقدر بها يرحمهم ويدعو لهم و يستغفر لهم ، ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بأمر و لا يعود بنقض شرع ، وقد وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته ، وقفاً عند قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} متدبراً لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق وأداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم .
فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم فان العفو ما عفى من أخلاقهم وسمحت به طبائعهم ووسعهم بذله من أموالهم و أخلاقهم .
فهذا ما منهم إليه ، وأما ما يكون منه إليهم فأمرهم بالمعروف ، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه ، وهو ما أمر الله به . وأما ما يلتقي به أذى جاهلهم فالإعراض عنه وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها .

الرسالة التبوكية / لابن قيم الجوزية رحمه الله وهي رسالة قصيرة وماتعة جداً .

ساجدة فاروق 7 ذو القعدة 1431هـ/14-10-2010م 06:55 AM

(16)

مر إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه، فقالوا له:
يا أبا إسحاق إن الله تعالى يقول في كتابه: " ادعوني أستجب لكم " ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا !
فقال إبراهيم: يا أهل البصرة ماتت قلوبكم في عشرة أشياء:
أولها: عرفتم الله و لم تؤدوا حقه ، الثاني: قرأتم كتاب الله و لم تعملوا به ،
والثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته ، والرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه ،
والخامس: قلتم نحب الجنة و لم تعملوا لها ، والسادس: قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها ،
والسابع: قلتم أن الموت حق و لم تستعدوا له ، والثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم ،
والتاسع: أكلتم نعمة ربكم و لم تشكروها ، والعاشر: دفنتم موتاكم و لم تعتبروا بهم .

حلية الأولياء/ج3 : وهو أشهر من أن أعرف به .

ساجدة فاروق 10 ذو القعدة 1431هـ/17-10-2010م 09:52 AM

[17]

(وهذا نص رسالة البطريرك "جريجو ريوس" الى قيصر روسيا يبين له فيه كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل):
(من المستحيل سحق ، وتدمير الاتراك العثمانيين بالمواجهة العسكرية؛ لأن الأتراك العثمانيون ثوريُّون جداً ومقاومون، وواثقون من أنفسهم، وهم أصحاب عزة نفس واضحة، وهذه الخصال التي يتمتعون بها إنما تنبع من ارتباطهم بدينهم، ورضائهم بقضاء الله وقدره وتشبعهم بهذه العقيدة، وأيضاً من قوة تراثهم وتاريخهم، وطاعتهم ومؤازرتهم لسلطانهم وقادتهم واحترامهم لكبارهم.
الأتراك العثمانيون أذكياء، وهم مجدّون مجتهدون متجاوبون مع رؤسائهم الذين يوجهونهم ويقودنهم في الطريق الايجابي الصحيح مما يجعلهم قوة هائلة تُخشى منها؛ فهي تتميز بالقناعة والتصميم وشدة المراس والثبات عند المواجهة.
إن كل مزايا الأتراك العثمانيين هذه ، بل، وبطولاتهم وشجاعتهم إنما تأتي من قوة تماسكهم بدينهم وإرتباطهم بأعرافهم وتقاليدهم وصلابة أخلاقهم ، ولذا:
أولاً: لابد من كسر شعور الطاعة عندهم تجاه سلطانهم وقادتهم وتحطيم روحهم المعنوية وروابطهم الدينية؛ وأقصر طريق لتنفيذ هذا ، تعويدهم التعايش مع أفكار وسلوكيات غريبة لاتتوائم مع تراثهم الوطني والمعنوي.
ثانياً: لابد من إغراء الأتراك العثمانيين لقبول المساعدات الخارجية التي يرفضونها من إحساسهم بعزتهم - وتعويدهم عليها؛ حتى لو أدى ذلك الى إعطائهم قوة وقدرة ظاهرتين فقط لمدة محدودة.
وفي اليوم الذي تهتز فيه معنوياتهم ، ستهتز قدراتهم الذاتية، فهذه المعنويات والروابط هي التي تدفعهم نحو النصر، إضافة الى قدراتهم الأخرى وكثرتهم العددية -التي تبدو في الشكل أكبر مما هي عليه في الواقع في السيطرة والحكم، ووجودهم في المجتمع الدولي.
كذلك يمكن هدمهم وتدميرهم بإعلاء أهمية وقيمة الأمور المادية في تصوراتهم وأذهانهم - أي إفسادهم بالإغراءات المادية، فإنه ليس بكاف إحراز انتصارات عليهم في ميدان الحرب العسكرية فقط، ولكن العكس هو الصحيح؛ لأن إذا اتبع طريق الحرب -وحده- لتصفية الدولة العثمانية ، ويكون سبباً في تنبههم وسرعة إيقاظهم ووصولهم لمعرفة حقيقة مايخطط ويُبَّيت في الخفاء لهم ولوطنهم من تخريب وتدمير.
إن مايجب علينا عمله هو إكمال هذه التخريبات في بنيتهم الذاتية والاجتماعية ومكانتهم الدولية دون أن يشعروا بشيء)

الدولة العثمانية / علي محمد الصلابي / ص477-478



ساجدة فاروق 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م 09:02 AM


(18)

الزم عتبة الباب
{ .. فبينما هو حبيبه المقرب المخصوص بالكرامة إذ انقلب آبقا شاردا رادا لكرامته مائلا عنه إلى عدوه مع شدة حاجته إليه وعدم استغنائه عنه طرفة عين .. !
فبينما ذلك الحبيب مع العدو في طاعته وخدمته ناسيا لسيده منهمكا في موافقة عدوه قد استدعى من سيده خلاف ما هو أهله إذ عرضت له فكرة ..!
فتذكر بر سيده وعطفه وجوده وكرمه وعلم أنه لا بد له من وأن مصيره إليه وعرضه عليه وأنه إن لم يقدم عليه بنفسه قدم به عليه على أسوأ الأحوال .. ففر إلى سيده من بلد عدوه وجد في الهرب إليه حتى وصل إلى بابه فوضع خده على عتبة بابه وتوسد ثرى أعتابه متذللا متضرعا خاشعا باكيا آسفا يتملق سيده ويسترحمه ويستعطفه ويعتذر إليه قد ألقى بيده إليه واستسلم له وأعطاه قياده وألقى إليه زمامه فعلم سيده ما في قلبه فعاد مكان الغضب عليه رضا عنه ومكان الشدة عليه رحمة به وأبدله بالعقوبة عفوا وبالمنع عطاء وبالمؤاخذة حلما فاستدعى بالتوبة والرجوع من سيده ما هو أهله وما هو موجب أسمائه الحسنى وصفاته العليا فكيف يكون فرح سيده به وقد عاد إليه حبيبه ووليه طوعا واختيارا وراجع ما يحبه سيده منه برضاه وفتح طريق البر والإحسان والجود التي هي أحب إلى سيده من طريق الغضب والانتقام والعقوبة ..

وهذا موضع الحكاية المشهورة أنه حصل له شرود وإباق من سيده فرأى في بعض السكك بابا قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكرا فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤيه غير والدته ..
فرجع مكسور القلب حزينا فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام
فخرجت أمه فلما رأته على تلك الحال فلم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي وتقول يا ولدي أين تذهب عني ومن يؤيك سواي ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادتي الخير لك ثم أخذته ودخلت ..

فتأمل قول الأم لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .. وتأمل قوله لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به .. }

مدارج السالكين (1/214)

ساجدة فاروق 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م 09:02 AM

(19)
مقتطفات من شرح منظومة الآداب / معهد آفاق التيسير الإلكتروني

- {.. قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الوَاسِطِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ‏:‏
إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا أَقَامَ فِي قَلْبِهِ شَاهِدًا مِنْ ذِكْرِ الآخِرَةِ يُرِيهِ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا، وَبَقَاءَ الآخِرَةِ وَدَوَامَهَا،
فَيَزْهَدُ فِي الفَانِي وَيَرْغَبُ فِي البَاقِي،فَيَبْدَأُ بِالسَّيْرِ وَالسُّلُوكِ فِي طَرِيقِ الآخِرَةِ ‏.‏ وَأَوَّلُ السَّيْرِ فِيهَا
تَصْحِيحُ التَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالمُحَاسَبَةِ وَرِعَايَةِ الجَوَارِحِ السَّبْعَةِ العَيْنِ وَالأُذُنِ وَإِلَخْ ، وَكَفِّهَا عَنْ جَمِيعِ المَحَارِمِ
وَالمَكَارِهِ وَالفُضُولِ ‏.‏ هَذَا أَحَدُ شَطْرَيْ الدِّينِ، وَيَبْقَى الشَّطْرُ الآخَرُ وَهُوَ القِيَامُ بِالأَوَامِرِ...}

- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ومعه حامل لحم فقال عمر :
" أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه فأين تذهب عنكم هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها }
قال الحليمي رحمه الله هذا الوعيد من الله تعالى ، وإن كان للكفار الذي يقدمون على الطيبات المحظورة ولذلك قال : { فاليوم تجزون عذاب الهون } . فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة ؛ لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات أي يقع وينشب ولا يتخلص منها ، والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد منها دعته إلى غيرها فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط وينسد باب العبادة دونه ، فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال له : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون } فلا ينبغي أن تعود النفس بما تميل به إلى الشره ، ثم يصعب تداركها ، ولترض من أول الأمر على السداد ، فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ، ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح والله أعلم .

- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" إذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا , وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا " . رواه أبو داود وحسنه الألباني
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: فَمَنْ شَهِدَ الْخَطِيئَةَ فَكَرِهَهَا بِقَلْبِهِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا إذَا عَجَزَ عَنْ إنْكَارِهَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ , وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وَقَدَرَ عَلَى إنْكَارِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا , لِأَنَّ الرِّضَا بِالْخَطَايَا مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَفُوتُ بِهِ إنْكَارُ الْخَطِيئَةِ بِالْقَلْبِ وَهُوَ مَرَضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لَا يَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ .

هـامشي :
فلنحذر إلف المعصية إذ مع ديمومة رؤيتها لا يتحرك القلب لها ، غفر الله لنا ولكم .


ساجدة فاروق 15 ذو القعدة 1431هـ/22-10-2010م 11:04 AM

(20)

ذكريات الطنطاوي ج1ص36
من ذكريات الطفولة – ذكرياتي عن الحرب العالمية الأولى
[ .. ومن طريف أخبار ذوي الغفلة من الوعاظ أن أحد مشايخنا ، جاءه من يقول له أن فلانة تغني وترقص في (العباسية) فأعلن غضبه في درسه في ( الأموي ) وقال : كيف ترقص هذه المرأة أمام الرجال وهي كاشفة جسدها مبدية مفاتنها ؟ أين الدين وأين النخوة ؟
قالوا : نعوذ بالله وكيف يكون هذا ، وأين يا سيدنا ، ومتى ؟
قال : في العباسية في الليل بعد صلاة العشاء .
وكان نصف المقاعد خاليا فامتلأت تلك الليلة المقاعد كلها !

فلينتبه الواعظون ، فكثيرا ما تكون المبالغة في وصف المنكر دعاية له .. ] أ.هـ


وأجد هذا الخلل يتكرر كثيرا عند بعض أهل الفضل والعلم ، فتركيزهم على بعض المعاصي وكثرة ذكرها ببعض تفاصيلها يزرع الفضول في نفس من لا يقترفها ، فيكفي الإشارة .. وإن غلب على الظن أن الحضور ليسو من أهلها فلا داعي لذكرها أصلا .
رزقنا الله وإياكم الحكمة والفطنة والفراسة .

ساجدة فاروق 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م 03:26 PM


(21)

قال الشيخ ياسين المراكشي : رأيت الشيخ –أي يحي النووي- وهو ابن عشر سنين بنوى ، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم ، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ، ويقرأ القرآن ف تلك الحال ، فوقع في قلبي محبته ، وكان قد جعله أبوه في دكان ، فجعل لا يشتغل البيع والشراء عن القرآن ، فأتيت معلمه فوصيته به ، وقلت له : إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم ، وينتفع الناس به ، فقال لي : أمنجم أنت ؟! فقلت : لا وإنما أنطقني الله بذلك ، فذكر ذلك لوالده فخرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم .

وهو الإمام العلم يحي النووي ، من أشهر كتبه ( الأربعون النووية ، رياض الصالحين ، شرح مسلم ) توفي عن 45 سنة !

ساجدة فاروق 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م 02:24 PM

(22)


تنبيه مهم في الاستخارة :
قَالَ النَّوَوِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى انْشِرَاحٍ كَانَ لَهُ فِيهِ هَوًى قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَخِيرِ تَرْكُ اخْتِيَارِهِ رَأْسًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِلَّهِ بَلْ يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِهَوَاهُ وَقَدْ يَكُونُ غَيْر صَادِقٍ فِي طَلَبِ الْخِيَرَةِ وَفِي التَّبَرِّي مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَإِثْبَاتِهِمَا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا صَدَقَ فِي ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَمِنْ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ .


سبحان من وهبهم لذيذ الكلام }~
كان لي قلب أعيش به ... ضاع مني في تقلبه
رب فاردده علي فقد ... ضاق صدري في تطلبه
وأغث ما دام بي رمق ... يا غياث المستغيث به
سمنون المجنون / صفة الصفوة

.

ساجدة فاروق 1 محرم 1432هـ/7-12-2010م 02:18 PM

(23)



( .. إخواني لنفسي أقول ، فمن له شرب معي فليتردد:
أيتها النفس لقد أعطاك ما لم تأملي ، و بلغك ما لم تطلبي ، و ستر عليك من قبيحك ما لو فاح ضجت المشام !
فما هذا الضجيج من فوات كمال الأغراض ؟
أمملوكة أنت أم حرة ؟
أما علمت أنك في دار التكليف، و هذا الخطاب ينبغي أن يكون للجهال ، فأين دعواك المعرفة ؟
أتراه لو هبت نفحة فأخذت البصر ، كيف كانت تطيب لك الدنيا ؟
وآ أسفاً عليك لقد عشيت البصيرة التي هي أشرف ، و ماعلمت كم أقول عسى و لعل ؟ و أنت في الخطأ إلى قدام .
قربت سفينة العمر من ساحل القبر ، و ما لك في المركب بضاعة تربح .
تلاعبت في بحر العمر ريح الضعف ، ففرقت تلفيق القوى ، و كأن قد فصلت المركب
بلغت نهاية الأجل و عين هواك تتلفت إلى الصبا .
بالله عليك لا تُشْمتي بك الأعداء ، هذا أقل الأقسام ، و أوفى منها ، أن أقول : بالله عليك لا يفوتنك قدم سابق مع قدرتك على قطع المضمار .
الخلوة ، الخلوة ، و استحضري قرين العقل ، و جولي في حيرة الفكر ، و استدركي صبابة الأجل ، قبل أن تميل بك الصبابة عن الصواب .
اعجباً كلما صعد العمر نزلت ، و كلما جد الموت هزلت !
أتراك ممن ختم له بفتنة ، وقضيت عليه آخر عمره المحنة ، كان أول عمرك خيراً من الأخير .
كنت في زمن الشباب أصلح منك في زمن أيام المشيب و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون .
نسأل الله عز وجل ما لا يحصل مطلوبنا إلا به ، و هو توفيقه إنه سميع مجيب .. )

صيد الخاطر / ابن الجوزي


متى آخر مرة
حادثت فيها نفسك كهكذا حديث !
إن لذلك بالغ الأثر .. فجرِّب !

ساجدة فاروق 3 محرم 1432هـ/9-12-2010م 08:08 PM


(24)


{..
إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر
الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة
إن الله حرم حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين
والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادرو أمر العامة
وخاصة أحدكم الموت فإن النار أمامكم ..
وإن ما من خلفكم الساعة تحدوكم ،
تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس أخراهم
اتقوا الله عباده في عباده وبلاده إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ..!
أطيعوا الله تعالى ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض
.. }


من خطبة علي رضي الله عنه عند توليه الخِلافة .

ساجدة فاروق 8 محرم 1432هـ/14-12-2010م 02:49 AM

(25)

ثكلت خواطرٌ أنست بغيرك .. عدمتُ قلباً يحب سواك

رباه عفوك إني للنور مددت يدايا .. وأبكي وأبكي ويبكي دمعي ويبكي بكايا

وحفنة من وعاء غَرْفَه من دمايا .. ولا لغيرك دوّى يا ربي يوماً ندايا

إليك أنت صباحي مصفداً في مسايا .. فاسكب ضياءك إني ظمآن ضلَّ صدايا

لم أدرِ من أي نبع أسقي حنين الركايا .. والشط لا ماء فيه يطفي اللظى في رحايا

رحماك يا ربي هذا إثمي وهذي تقايا .. وذاك دربي وهذا على الطريق عصايا

رحماك ربي إني وزورقي والخطايا .. في لجة ليس فيها من الضياء بقايا

جفت وغاضت ولكن ما زلت أزجي رجايا .. غفرت أم لم فإني ما زلت أدعوك يا يا

يا رب .. يا رب

عجبت لمن عرفك ثم أحب غيرك !

وعجبا لمن سمع مناديك ثم تأخر عنك !



* محمد إقبال رحمه الله وغفر له .

ساجدة فاروق 9 ربيع الثاني 1432هـ/14-03-2011م 02:50 PM

(26)

(..التغيير والألم شيئان متلازمان فالتغيير عبارة عن عملية تخريب منظم وهو يتطلب درجة من الإرادة الصلبة وامتلاك الإرادة الصلبة يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة على ترك شيء من المألوفات والتخلي عن بعض المرغبوات.
ومع هذا فليس أمامنا أي خيار آخر، فالعبودية الحقه لله تعالى وتخليص أنفسنا، وأمتنا من الوضعية الصعبة التي صرنا إليها يتطلب منا بعض التضحيات، والنتائج في الدنيا والآخرة ستكون حلوة المذاق، رائعة، ومدهشة.
.. مشكلة كثير منا مع موضوع التغيير أنهم حين يقرورن تحسين ذواتهم يسعون إلى تحقيق أمور مدهشة في أوقات قصيرة، وحين لا يتحقق لهم ذلك، يتركون عملية التغيير، وينكصون على أعقابهم!!
هذا مع أن العادات التي نحاول التخلص منها، تم اكتسابها تدريجيا خلال مدة طويلة من الزمن، ولن يتم التخلص منها إلا بالطريقة نفسها، ويجب أن نمنح أنفسنا الوقت الكافي لذلك.
.. الأساس المكين الذي تقوم عليه الإرادة الصلبة هو مجاهدة النفس وحملها على ما تكره ، وقد رتب الله عز وجل الكثير من الخير على مجاهدة الأنفس ، فقال سبحانه : " والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " .
(27)

.. قصة رمزية
يذكرون على سبيل الرمز ، أنه كان في أحد البلدان فلاح شديد الفقر ، لا يملك سوى حصان يحرث به أرضه ، وله ولد وحيد يساعده على ذلك ، وذات يوم هرب الحصان ، وجاء جاره الفقير يواسيه في مصابه ، فقال له : إن الأمر رهيب ، حيث لم يكن لدي إلا ذلك الحصان ، وهو يهرب ، ولا تدري ماذا تعمل ..
فرد الفقير قائلا : إنه لأمر مزعج حقاً ، لكن ربما كانت عاقبة ذلك خيرا ، ومن يدري الغيب . ؟
وبعد أيام عاد الحصان يرافقه جمع من الأحصنة البرية ، وقد أقامت جميعها في بستان الفلاح ، وصار لديه قطيع من الأحصنة .
وفي اليوم الثاني ، جاء الجار الحسود ليقول له : ما أحسن ما جرى لك ؛ حيث صار لك جمع من الأحصنة ...
فقال الفقير : ربما كان ذلك خيرا ، وربما حدث غير ذلك ، فمن يدري ماذا يحدث بعد . ؟
وتولى ابن الفلاح ترويض الأحصنة الكثيرة ، ولم يحسن السيطرة على أحدها ، فطرحه أرضا ، وكسرت ساق الغلام .
وجاء الجار نفسه قائلا : آسفي عليك ، وماذا يمكن أن تستفيد من الأحصنة الكثيرة إذا كان ولدك الوحيد قعيد الفراش ؟!
فرد الفلاح : ربما كان تأسفك في محله ، وربما كان شيئا آخر .
وبعد أيام شنت الدولة حربا ظالمة على جارتها ، وأعلنت الحرب ، وأرسل جميع الشباب في تلك المنطقة إلى جبهة القتال ، باستثناء ابن الفلاح الفقير ؛ بسبب كسر ساقه ، وقد مات كثير من أولئك الشباب ..
وهكذا صار كسر ساقه سببا في إبعاده عن ساحة المعركة .. )

من كتيب كيف نرتقي بأنفسنا ؟ للمعلم عبد الكريم بكار .
وهو كتاب خفيف الصفحات طيب الأثر ، أحث على اقتناءه شرط قراءته بوعي تام قراءة الراغب في التطبيق .

"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم "
ثق أن قضاء الله كله لك خير علمت أو لم تعلم.. ما دمت تعمل لرضاه فإنه أكرم من أن يخيبك ويضيعك، فأحسن الظن به فهو عند ظنك سبحانه.

ساجدة فاروق 2 جمادى الأولى 1432هـ/5-04-2011م 07:57 PM

(28)


عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِى مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ" رواه البخاري ومسلم .



( ..
اختلف في معنى الحديث :

فقيل ليس المراد به ظاهره ، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها ، فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معيّ واحد ، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء ، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها ، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك بالأمعاء ، ووجه العلاقة ظاهر .
وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام ، والحلال أقل من الحرام في الوجود .
وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر، ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام .. "
والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ، ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك
والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع ، بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام ، فصار أكل المؤمن - لما ذكرته - إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه ، ولا يلزم من هذا اطراده في كل مؤمن وكافر .. )


(.. وقيل أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان ، لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته ، كما ورد في حديث لأبى أمامة ، رفعه "من كثر تفكره قل طعمه ، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه"
فدل على أن المراد بالمؤمن، من يقتصد في مطعمه ، وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية .
وقيل أن المراد أن المؤمن يسمى الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل، والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان كما تقدم تقريره قبل ..
وقيل أن المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفى مأكله فيشبع من القليل ، والكافر طامح البصر إلى المأكل كالأنعام فلا يشبعه القليل .. )

فتح الباري + تحفة الأحوذي .

ساجدة فاروق 25 جمادى الأولى 1432هـ/28-04-2011م 06:02 PM

(29)


( ..
إذا سد الله عليك طريقا من طرقه .. فتح لك برحمته طريقاً أنفع منه وأكمل ..فـَ تأمل :
حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم , من طرق واحد وهو السرة ,فلما خرج من بطن أمه انقطع ذلك الطريق !
ففتح الله له طريقين اثنين أجرى له فيهما رزقاً أطيب وإلذ من الأول لبناً خالصاً سائغاً , فإذا تمت مدة الرضاعة وانقطع الطريقان بالفطام فتح طرقاً أربع أكمل منها .. وهما طعامان وشرابان , فالطعامان من حيوان ونبات , والشرابان من مياه وألبان ، ومايضاف إليهما من المنافع والملاذ .فإذا مات إنقطعت عنه هذه الطرق الأربعة : فتح الله له إن كان سعيداً طرقاً ثمانية !! .هي أبواب الجنة الثمانية , يدخل من أيها شاء .. )


ابن قيم الجوزية
فسلوا الله من فضله وصدق ربي ومن أصدق من الله قيلا
"
وما قدروا الله حق قدره" .

ساجدة فاروق 10 صفر 1433هـ/4-01-2012م 07:11 PM

(30)

(... وَلَمّا كَانَ جِهَادُ أَعْدَاءِ اللّهِ فِي الْخَارِجِ فَرْعًا عَلَى جِهَادِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ فِي ذَاتِ الله قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللّهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ}
كَانَ جِهَادُ النّفْسِ مُقَدّمًا عَلَى جِهَادِ الْعَدُوّ فِي الْخَارِجِ وَأَصْلًا لَهُ ، فَإِنّهُ مَا لَمْ يُجَاهِدْ نَفْسَهُ أَوّلًا لِتَفْعَلَ مَا أُمِرْت بِهِ وَتَتْرُكَ مَا نُهِيت عَنْهُ وَيُحَارِبُهَا فِي اللّهِ لَمْ يُمْكِنْهُ جِهَادُ عَدُوّهِ فِي الْخَارِجِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ جِهَادُ عَدُوّهِ وَالِانْتِصَافُ مِنْهُ وَعَدُوّهُ الّذِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ قَاهِرٌ لَهُ مُتَسَلّطٌ عَلَيْهِ لَمْ يُجَاهِدْهُ وَلَمْ يُحَارِبْهُ فِي اللّهِ بَلْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَى عَدُوّهِ حَتّى يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى الْخُرُوجِ .

فَهَذَانِ عَدُوّانِ قَدْ اُمْتُحِنَ الْعَبْدُ بِجِهَادِهِمَا وَبَيْنَهُمَا عَدْوٌ ثَالِثٌ لَا يُمْكِنُهُ جِهَادُهُمَا إلّا بِجِهَادِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَهُمَا يُثَبّطُ الْعَبْدَ عَنْ جِهَادِهِمَا وَيَخْذُلُهُ وَيَرْجُفُ بِهِ وَلَا يَزَالُ يُخَيّلُ لَهُ مَا فِي جِهَادِهِمَا مِنْ الْمَشَاقّ وَتَرْكِ الْحُظُوظِ وَفَوْتِ اللّذّاتِ وَالْمُشْتَهَيَاتِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَاهِدَ ذَيْنِكَ الْعَدُوّيْنِ إلّا بِجِهَادِهِ فَكَانَ جِهَادُهُ هُوَ الْأَصْلُ لِجِهَادِهِمَا وَهُوَ الشّيْطَانُ قَالَ تَعَالَى : { إِنّ الشّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّا } [ فَاطِرٌ 6 ] وَالْأَمْرُ بِاِتّخَاذِهِ عَدْوًا تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي مُحَارَبَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ كَأَنّهُ عَدُوّ لَا يَفْتُرُ وَلَا يُقَصّرُ عَنْ مُحَارَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَدَدِ الْأَنْفَاسِ ...)

(... وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا فِيهِ حَقّ جِهَادِهِ كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ وَكَمَا أَنّ حَقّ تُقَاتِهِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ فَحَقّ جِهَادِهِ أَنْ يُجَاهِدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ لِيُسْلِمَ قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ لِلّهِ فَيَكُونُ كُلّهُ لِلّهِ وَبِاَللّهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا بِنَفْسِهِ وَيُجَاهِدُ شَيْطَانَهُ بِتَكْذِيبِ وَعْدِهِ وَمَعْصِيَةِ أَمْرِهِ وَارْتِكَابِ نَهْيِهِ فَإِنّهُ يَعِدُ الْأَمَانِيّ وَيُمَنّي الْغُرُورَ وَيَعِدُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَيَنْهَى عَنْ التّقَى وَالْهُدَى وَالْعِفّةِ وَالصّبْرِ ...)

زاد المعاد في هدي خير العباد / ج3 .

ساجدة فاروق 12 صفر 1433هـ/6-01-2012م 08:00 PM

(31)

( وَلَمّا كَانَ الْأَلَمُ لَا مَحِيصَ مِنْهُ الْبَتّةَ عَزّى اللّهُ - سُبْحَانَهُ - مَنْ اخْتَارَ الْأَلَمَ الْيَسِيرَ الْمُنْقَطِعَ عَلَى الْأَلَمِ الْعَظِيمِ الْمُسْتَمِرّ بِقَوْلِهِ { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللّهِ فَإِنّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ الْعَنْكَبُوتُ 5 ]
فَضَرَبَ لِمُدّةِ هَذَا الْأَلَمِ أَجَلًا لَا بُدّ أَنْ يَأْتِيَ وَهُوَ يَوْمُ لِقَائِهِ فَيَلْتَذّ الْعَبْدُ أَعْظَمَ اللّذّةِ بِمَا تَحَمّلَ أَجْلِهِ وَفِي مَرْضَاتِهِ وَتَكُونُ لَذّتُهُ وَسُرُورُهُ وَابْتِهَاجُهُ بِقَدْرِ مَا تَحَمّلَ مِنْ الْأَلَمِ فِي اللّهِ وَلِلّهِ وَأَكّدَ هَذَا الْعَزَاءَ وَالتّسْلِيَةَ بِرَجَاءِ لِقَائِهِ لِيَحْمِلَ الْعَبْدُ اشْتِيَاقَهُ إلَى لِقَاءِ رَبّهِ وَوَلِيّهِ عَلَى تَحَمّلِ مَشَقّةِ الْأَلَمِ الْعَاجِلِ بَلْ رُبّمَا غَيّبَهُ الشّوْقُ إلَى لِقَائِهِ عَنْ شُهُودِ الْأَلَمِ وَالْإِحْسَاسِ بِهِ
.

.. فَالشّوْقُ يَحْمِلُ الْمُشْتَاقَ عَلَى الْجِدّ فِي السّيْرِ إلَى مَحْبُوبِهِ وَيُقَرّبُ عَلَيْهِ الطّرِيقَ وَيَطْوِي لَهُ الْبَعِيدَ وَيُهَوّنُ عَلَيْهِ الْآلَامَ وَالْمَشَاقّ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللّهُ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ )

زاد المعاد في هدي خير العباد / ج3 .

ساجدة فاروق 24 صفر 1433هـ/18-01-2012م 12:28 PM

(32)

من وصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، القائد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
(.. فعود نفسك ومن معك الخير واستفتح به ، واعلم أن لكل عادة عتاداً -أي عدة- فعتاد الخير الصبر، فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك يجتمع لك خشية الله ..
واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين : في طاعته واجتناب معصيته ، وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة ، وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة .
وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء ، منها السر ومنها العلانية ، فأما العلانية فأن يكون حامده وذامه في الحق سواء ، وأما السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه وبمحبة الناس ..
فلا تزهد في التحبب ، فإن النبيين قد سألوا محبتهم وإن الله إذا أحب عبداً حببه ، وإذا أبغض عبداً بغضه ، فاعتبر منزلتك عند الله بمنزلتك عند الناس ممن يشرع معك في أمرك)


ساجدة فاروق 14 ربيع الأول 1433هـ/6-02-2012م 06:48 PM

(33)

هذه قصة استوقفتني حيث أن عمر الفاروق رضي الله عنه ، القوي الذي نرى فيه الشدة ،أنظروا كيف كان مع المسلمين !!
كما وصفهم الله تبارك وتعالى "أشداء على الكفار رحماء بينهم" :


عن يزيد بن الأصم قال:
كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] ، ففقده عمر فقال : ما فعل فلان بن فلان؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين، يتابع في هذا الشراب -الخمر- . قال: فدعا عمر كاتبه ، فقال: اكتب:
"من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان، سلام عليك، [أما بعد] :
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير " .
ثم قال لأصحابه : ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه، وأن يتوب الله عليه .
فلما بلغ الرجل كتابُ عمر جعل يقرؤه ويردده ، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ،قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي .
ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان، وزاد:
" فلم يزل يُرَدّدها على نفسه ، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر [رضي الله عنه] خبرهُ قال:
هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زل زلَّة فسددوه ووفقوه،وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه.
تفسير بن كثير/ ج7 ص 90


- في عصرنا .. مع كثرة الحمقى والمتحامقين والأقزام المتطاولين ، أصبح أغلبنا -إلا من رحم ربك- يُقَدِّمْ سوء الظن في المخطئ فيراه متعمداً أو خبيثا .. وإن من المكارم (الحلم ، الأناة ، نقاء القلب ، وحسن الظن) .


ساجدة فاروق 10 جمادى الأولى 1433هـ/1-04-2012م 09:29 PM

(34)

{ .. ومما يدل على أنَّ النصر يستنزل بالدعاء .. ما قاله أسد بن عبد الله القسري –أمير خرسان- في قتاله للفرس :
[ إنَّه بلغني أن العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله* ، وإنَّي نازل وواضع جبهتي ، فادعوا الله واسجدوا لربكم ، واخلصا له الدعاء ]
ففعلوا ، ثم رفعوا رؤوسهم وهم لا يشكّون في الفتح ..}

* موافقة للحديث : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء فيه " صحيح مسلم
* (لا يشكّون) وهذا من الأهمية بمكان .. أن تكون متيقنا من أن الله سميع مجيب .. قريب .
وهذا ما أمرنا به صلى الله عليه وسلم "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ" رواه أحمد وحسنه وكذا الألباني .

فـ انكسار ويقين وحضور قلب في الدعاء .. !

ساجدة فاروق 18 شوال 1433هـ/4-09-2012م 07:23 AM

(35)

( ما أعجب الإنسان ، ما أعجب حياة الإنسان !

لقد سألوني عشرين مرة في درس الإنشاء : ماذا تريد أن تكون في المستقبل ؟
فكتبت أريد أن أكون طبيبا ، وأن أكون محاميا ، وأن أكون .. وأن أكون ، فما كان شيء مما أردت أن أكونه ، ولكن كان ما أراده الله أن أكون ) ص277 ج1 . وبعدها صفحتين رائعتين .. إلى أن قال :
( حياتي كلها موجات يبعثها الله فتوجه زورقي إلى حيث يريد ، منعطفات ما كان شيء منها بتدبيري واختياري ، بل باختيار الله لي ، وأعود فأكرر أني لست مسيرا ، وأن من يزعم أن الإنسان مسير يقر على نفسه بأنه أحمق ، الإنسان مخير ، ولكن دائرة اختياره ضيقة ، ومدى حريته في الانطلاق قصير ، لذلك كان علينا التفكير ، وعلينا أن نستشير ، ثم نستخير ، فنسأل الله أن يبلغنا من الخير ما نعجز عن بلوغه إلا بعونه)
ذكريات الطنطاوي

ساجدة فاروق 25 شوال 1433هـ/11-09-2012م 06:58 PM

(36)


( الاستغفار بين السجدتين :
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الاستغفار فى هذه الجلسة بين السجدتين (رب اغفر لى ، رب اغفر لى ، رب اغفر لى) ويلح على الله فى ذلك.
ومثل نفسك أنك وقفت للحساب وسيقام عليك الحد الآن إن لم يغفر الله لك ، بل أن من يقام عليه الحد في الدنيا أفضل ممن لم يغفر الله له ، لأن من يقام عليه الحد في الدنيا ينجو من عذاب الله يوم القيامة ، أما من لم يغفر الله له فالويل كل الويل ينتظره يوم القيامة .
وتخيل نفسك أيها المصلى أنك تجلس جاثياً على ركبتيك تنتظر أن تضرب عنقك عقاباً لك على جرائمك فى حق مولاك ، ثم لاحت لك فرصة عفو ، فاغتنمها وألقيت بنفسك بين يديه ، معتذراً له مما جنيت ، تطلب منه المهلة الأخيرة وتدعوه دعاء الغريق : رب اغفر لى ، رب اغفر لى ، رب اغفر لى )

من كتاب أول مرة أصلي لصاحبه أبو شادي .
حقيقة كنت أواجه مشكلة في الخشوع بين السجدتين وإحضار قلبي حتى منّ الله عليّ بقراءة هذه الفقرة ومحاولة التفكير كما أشار الكاتب فوجدت من ذلك خيرا .
والكتاب رائع جدا لمن اقتناه وقرأه مرارا قراءة من ينوي الانتفاع والتطبيق وهو كما ذكر مؤلفه في أوله تبسيط لبعض كتابات ابن القيم رحمه الله في هذا الباب .


ساجدة فاروق 17 ذو القعدة 1433هـ/2-10-2012م 07:46 PM

(37)
ترويحـة للنفس


(كنا يومًا أمام مكتبة "عرفة" فجاء رجل لا يعرفه، فاندس بيننا وحشر نفسه فينا، وجعل يتكلم كلامًا عجيبًا، أدركنا منه أنه يدعو إلى نحلة من النحل الباطلة، فتناوشوه بالرد القاسي والسخرية الموجعة، فأشرت إليهم إشارة لم يدركها: أن دعوه لي، فكفوا عنه وجعلت أكلمه وأدور معه وألف به، حتى وصلت إلى إفهامه أني بدأت أقتنع بما يقول، ولكن مثل هذه الدعوة لا بد فيها من حجة أبلغ من الكلام، فاستبشر وقال: ما هي؟ فحركت الإبهام على السبابة، وتلك إشارة إلى النقود. قال: حاضر، وأخرج ليرتين ذهبيتين يوم كانت الليرة الذهبية شيئًا عظيمًا. مد يده بالليرتين فأخذتهما أمام الحاضرين جميعًا، وانصرف الرجل بعد أن عرفنا اسمه، فما كاد يبتعد حتى انفجرت الصدور بالضحك، وأقبلوا عليَّ مازحين، فمن قائلٍ شاركنا يا أخي، وقائل: اعمل بها وليمة، أو نزهة في بستان. قلتُ: سترون ما أنا صانع.
وذهبتُ فكتبت رسالة، تكلمت فيها عن الملل والنحل والمذاهب الإلحادية، وجعلت عنوانها "سيف الإسلام" وكتبت على غلافها "طبعت بنفقة فلان" باسم الرجل الذي دفع الليرتين، وبلغني أنه كاد يجن ولم يدر ماذا يفعل، ولم يستطع أن ينكر أمرًا يشهد عليه سبعة من أدباء البلد، وقد بلغني أن جماعته قد طردته بعد أن عاقبته)
ذكريات الطنطاوي ج2

ساجدة فاروق 27 ذو القعدة 1433هـ/12-10-2012م 12:11 PM


(38)

( المعاملة على قدر المعرفة:
.. تخيل أنك ذهبت إلى السوق ودخلت حانوتًا من الحوانيت وقابلت فيه رجلاً يتسوق مثلما تتسوق، ودار بينكما حديث ومن خلاله عرفت أن هذا الرجل يعمل وزيراً في حكومة بلدك، هل ستستمر في الحديث معه بنفس الطريقة التي بدأت بها أم ستتغير ليكسوها الاحترام والحذر؟!.. بلا شك أن معرفتك به ستدفعك إلى تغيير معاملتك له..
فطريقة المعاملة تحددها درجة المعرفة، وكلما ازدادت المعرفة تغيرت المعاملة، وهذا ما حدث مع سيدنا موسى – عليه السلام – عندما رأى آثار جلال الله على الجبل الذي اندك فخر - عليه السلام – صعقاً، فلما أفاق ماذا قال لربه؟! ..)

أهمية المعرفة :
إذن فالسبب الرئيس لعدم معاملة الله عز وجل بما هو أهله: عدم معرفته معرفة صحيحة: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" [...]
معنى ذلك أن نقطة البداية في طريق العبودية والسير إلى الله هي معرفته سبحانه، وكلما قويت تلك المعرفة، ازدادت العبودية أكثر وأكثر، وهذا ما يؤكده قوله تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"
فهؤلاء الصالحون الذين ذكرتهم الآيات، عندما تفكروا في خلق الله، ازدادت معرفتهم به ومن ثَم َّ انعكس ذلك على تعاملهم معه بمزيد من التنزيه والخشية "سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"
يقول ابن رجب: وكلما قويت معرفة العبد لله قويت محبته له، ومحبته لطاعته، وحصلت له لذة العبادات من الذكر وغيره على قدر ذلك ) .

غاية المعرفة:
وغاية معرفة الله عز وجل في الدنيا هي الحضور القلبي الدائم معه، أو بمعنى آخر: أن نتعامل معه - سبحانه – ونعبده كأننا نراه، فنناجيه من قريب، ونتحدث معه كأننا نشاهده...
أن نستشعر دوما قربه منا، فنأنس به ونكثر من مناجاته.
أن نجده دائماً يتجلى بصفاته وراء كل حدث من أحداث حياتنا، فنربط أمورنا كلها به، مثل ما قال يوسف – عليه السلام – لأبويه وهو يخبرهم عما حدث له: "وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"
مع أن ظاهر الأمر أن ملك مصر هو الذي أمر بإخراجه من السجن، لكنه يرى الأمور على حقيقتها، وأن الله هو الذي أخرجه، وما الملك إلا ستار للقدر، وجندي ينفذ الأمر الإلهي .
يقول ابن رجب: ( الوصول إلى الله نوعان: أحدهما في الدنيا، والثاني في الآخرة. فأما الوصول الدنيوي فالمراد به: أن القلوب تصل إلى معرفته، فإذا عرفته أحبته وأنست به، فوجدته منها قريباً، ولدعائهاً مجيباً، كما في بعض الآثار: ابن آدم، اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيئ وإن فتك فاتك كل شيء.
وأما الوصول الأخروي فالدخول إلى الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه، ولكنهم في درجاتهم متفاوتون في القرب بحسب تفاوت قلوبهم في الدنيا في القرب والمشاهدة
) .
أي أن الوصول الدنيوي يمثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه"، أما الأخروي– في الجنة– ففيها الرؤية الحقيقية والقرب والمشاهدة.
[...]
إن غاية المعرفة أن نجد الله عز وجل ، نجد صفاته العلى تتجلى في أحداث حياتنا.
...نجده قريباً فنأنس به ونناجيه.
...نجده حكيماً في كل مشيئة يشاؤها لنا فنرضى بقضائه.
...نجده سريع الحساب يعاقب على الذنب ويعفو عن كثير، فنسارع بالتوبة إليه كلما وقعنا في الخطأ.
...نجده لطيفاً في قدره.
...نجده سميعاً قريباً يجيب دعاءنا في دقائق الأمور وتفصيلاتها التي دعوناه بها ولم يعرفها سواه فنشعر بالأمان في جواره.
...نجده قهاراً ينفذ مشيئته فنستسلم له.
... نجده قادراً مقتدراً فنستعين به دوماً على تنفيذ كل ما نريد.
...نجده حليماً ستيراً فنحبه ونستحي منه.
...نجده معنا في كل وقت وحين، فنكلمه ونبث إليه أشواقنا، ونُسِرُّ إليه بخصوصياتنا.
...نجده حين نأكل، وحين نشرب، وحين ننام، وحين نستيقظ، وحين نركب دوابنا، فهو الذي يطعمنا ويسقينا، وهو الذي يتوفانا حين النوم ويوقظنا، وهو الذي يحملنا ويسيرنا في البر والبحر والجو.

...تأمل معي أخي القارئ هذا الحديث النبوي: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من بعير إلا وفي ذروته شيطان، فإذا ركبتموها فاذكروا نعمة الله تعالى عليكم، ثم امتهنوها لأنفسكم، فإنما يحمل الله تعالى" .
فما الدابة التي نركبها إلا ستار وسبب لا قيمة له بدون الله عز وجل ، فهو سبحانه الذي سخرها لنا، وهو الذي يحركها لحظة بلحظة، وآناً بآن، وكذلك كل شيء يحدث في هذه الحياة معنا أو مع غيرنا.
فعندما نضحك نجده من وراء الضحك حياً قيوماً قد علم برغبتنا في الضحك فمكننا من ذلك: "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى"
وعندما نأكل: نستشعر ربوبيته وقيوميته علينا فنقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة.
وعندما يأتينا عطاء من أحد الناس نرى أن الله عز وجل هو الذي أعطانا إياه من خلال هذا الشخص، وعندما نُحرم من شيء، أو يُضيَّق علينا البعض نرى الحقيقة واضحة أمامنا وهي أن الله هو الذي حرمنا على يد هؤلاء بسبب ذنب أذنبناه أو لحكمة يعلمها سبحانه.
نجد الله في كل خير نفعله ، ولو شاء منعه لمنعه ، نجد الله الهادي في كل طاعة نقوم بها "وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ" [...] وبالجملة نرى الله وراء كل حدث يحدث في الحياة...عند هبوب الريح، وعند طلوع الشمس وعند غروبها..عند نزول المطر..عند الكسوف والخسوف {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} ..) .

من رسالة حقيقة العبودية لصاحبها : مجدي الهلالي
رسالة مطبوعة في 60 صفحة a4 ، متوفرة بحجم الكتب وبحجم الكتيبات
سهلة الفهم خفيفة الحمل قيّمة المضمون ، من أجمل ما قرأت مؤخرا .
ومتوفرة في مكتبة صيد الفوائد على الشبكة العنكبوتية .

ساجدة فاروق 4 ذو الحجة 1433هـ/19-10-2012م 03:26 PM

(39)
وصية الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه

عن سعيد بن عوسجة ، أن أبا الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ، ولضحكتم قليلا ، ولهانت عليكم الدنيا ، ولآثرتم الآخرة »
ثم قال أبو الدرداء من قبل نفسه :
( لو تعلمون ما أعلم لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أنفسكم ، ولتركتم أموالكم لا حارس لها ، ولا راجع إليها ، إلا ما لا بد لكم منه ..
ولكن يغيب عن قلوبكم ذكر الآخرة ، وحضرها الأمل فصارت الدنيا أملك بأعمالكم ، وصرتم كالذين لا يعلمون ، فبعضكم شر من البهائم التي لا تدع هواها مخافة مما في عاقبته .
ما لكم لا تحابون ، ولا تناصحون ، وأنتم إخوان على دين ، ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ، ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم .
ما لكم تناصحون في أمر الدنيا ، ولا تناصحون في أمر الآخرة ، لا يملك أحدكم النصيحة لمن يحبه ويعينه على أمر آخرته
، ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم ..
لو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها ، كما توقنون بالدنيا ، لآثرتم طلب الآخرة ، لأنها أملك لأموركم .
فإن قلتم : حب العاجلة غالب ، فإنا نراكم تدعون العاجل من الدنيا للآجل منها ، تكدون أنفسكم بالمشقة والاحتراق في أمر لعلكم لا تدركونه ، فبئس القوم أنتم ، ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فيكم.
فإن كنتم في شك مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فأتونا فلنبين لكم ولنريكم من النور ما تطمئن إليه قلوبكم .
والله ما أنتم بالمنقوصة عقولكم فنعذركم ، إنكم لتبينون صواب الرأي في دنياكم ، وتأخذون بالحزم في أمركم .
ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا تصيبونه ؟ وتحزنون على اليسير منها يفوتكم ؟ حتى يتبين ذلك في وجوهكم ، ويظهر على ألسنتكم ، وتسمونها المصائب ، وتقيمون فيها المآتم ..
وعامتكم قد تركوا كثيرا من دينهم بما لا يتبين ذلك في وجوهكم ، ولا يتغير حالكم ، إني لأرى الله قد تبرأ منكم .
يلقى بعضكم بعضا بالسرور ، وكلكم يكره أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله ، فأصبحتم على الغل ، ونبتت مراعيكم على الدمن ، وتصافيتم على رفض الأجل ..
لوددت أن الله أراحني منكم ، وألحقني بمن أحب رؤيته ، ولو كان حيا لم يصابركم ، فإن كان فيكم خير أسمعتكم ، وإن تطلبوا ما عند الله تجدوه يسيرا ، وبالله أستعين على نفسي وعليكم
.. )

الزهد لابن أبي الدنيا ، ولا أعلم صحة نسبة هذه المقالة لأبي الدرداء .. لكني أتسائل إن كان ما يقوله للتابعين فماذا كان سيقول عنّا ! لولا حديث الواحد بخمسين لاعتصرنا من أنفسنا اليأس .
فالحمد لله الكريم الصبور الحليم الرحيم .


ساجدة فاروق 29 ذو الحجة 1433هـ/13-11-2012م 07:59 PM


(40)
سنن مهجورة (1)
دفع التثاؤب والامتناع عن إصدار الصوت فيه
قال صلى الله عليه وسلم:
{إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل هاه هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه} صحيح الترمذي للألباني
قال الشيخ الخطابي رحمه الله (ت:288هـ) : معنى حب العطاس وحمده وكراهة التثاؤب وذمه أن العطاس إنما يكون مع أنفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات .
وسبب هذه الأمور تخفيف الغذاء والإقلال من المطعم والاجتزاء باليسير منه ، والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وعند استرخائه للنوم وميله إلى الكسل ..
فصار العطاس محموداً لأنه يعين على الطاعات والتثاؤب مذموماً لأنه يثبطه عن الخيرات وقضاء الواجبات .


الساعة الآن 11:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir