معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   المنتدى العام (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=97)
-   -   أيها السالِكُ ،أيتها السالكة .. (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=30877)

جٓنّات محمّد الطيِّب 16 محرم 1437هـ/29-10-2015م 12:07 AM

أيها السالِكُ ،أيتها السالكة ..
 
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : وَلاَ جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ).
أخرجه أحمد .


(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )

هذه الجملة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- شخص سالك
2- طريق يسلكه السالك
3-المراد من السلوك .

رُتِّب على هذا السلوك جزاء وهو: (سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ) ومما لاشك فيه أن طرق الجنة كلها صعبة ،قال صلى الله عليه وسلم :(حفت الجنة بالمكاره)، لكن أسهل طريق من بين هذه الطرق الصعبة هو. (طلب العلم ),

فطلب العلم هو (أسهل الصعب)

والآن نناقش بإذن الله القسم الأول وهو السالك :

1- قلب السالك :


أ-قال تعالىى:قا{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (17) سورة الرعد .
قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية :[شبّه تعالى الهدى الذي أنزله على رسوله لحياة القلوب والأرواح، بالماء الذي أنزله لحياة الأشباح، وشبّه ما في الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطر إليه العباد، بما في المطر من النفع العام الضروري، وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها بالأودية التي تسيل فيها السيول، فواد كبير يسع ماء كثيرا، كقلب كبير يسع علما كثيرا، وواد صغير يأخذ ماء قليلا كقلب صغير، يسع علما قليلا وهكذا.وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات عند وصول الحق إليها، بالزبد الذي يعلو الماء ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها، وأنها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له حتى تذهب وتضمحل، ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية الخالصة.كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرهها، ويجاهدها بالبراهين الصادقة، والإرادات الجازمة، حتى تذهب وتضمحل ويبقى القلب خالصا صافيا ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق وإيثاره، والرغبة فيه، فالباطل يذهب ويمحقه الحق ]


كثير من طلبة العلم يظنّ أنّه عندما يدخل هذا الباب سيتحول تحولا جذرياً من شخصٍ إلى شخص آخر؛ من ناحية خشيته لربه وتقواه ،وبعده عن المعاصي وهذا ليس صحيحا ،
والشاهد هو الآية السابقة مع تفسيرها لأن العلم عندما يدخل القلب ،يكشف عواره وثغراته التي كانت مخبأة ، غير ملتفَتٌ إليها ،ثمّ مع مرور الزمن تقل هذه الأمراض ،كالوادي الذي في نهاية الأمر يبقى على سطحه الماء النقي من الشوائب بعد أنْ كان مشوباً لكن ذلك بلا شك يحتاج فترة من الزمن ،وهكذا قلب طالب العلم .

مثال :شخص يتصور عن نفسه أنه لايقع منه الحسد ،فلما يأت العلم ،يتعلم أنّ الحسد إنّما هو تلك الثانية التي تطرأ على قلبك تكره فيها نزول نعمة على شخص ما ،وقد يظنّ أنّه بعد دخوله باب الطلب طرأ عليه ذلك المرض ،وهذا غير صحيح لأن العلم يعطي حياةً للقلب، فكلما تعلمتَ أخرج العلم مكنونات قلبك التي كنت سابقاً في غفلة عنها؛
(فأول ماتدخل باب الطلب انتظر اكتشاف الثغرات)

ب-(من كان وعاء للخير ملأ الله وعاءه)

فإذا كان قلبك مريداً للخير فاعلم أن الله لايخذلك .

وإذا غلب عليه الشر، كأن يكون قصدك التباهي أو لا مقصد لك، فالخذلان حتماً سيكون حليفك .

وهناك عنصران يوسعان القلب لاحتمال كمية أكبر من العلم وهما:

1- االصدق والإخلاص 2- الصبر

2- قدرات السالك .

ظاهر الأمر أن الفوارق الفردية مؤثرة على الطلب ،لكن في الحقيقة ليس الأمر كذلك ؛

فالإنسان يخدع بصاحب القدرات في بداية الأمر لكن في النهاية لاينتفع من العلم إلا من كان طوال وقته متعلقاً بربه ،
ومستشعرا أنّه عبد ضعيف ،لاحول ولا قوة له إلا بالله ؛فكم من أناس ارتقوا وارتفعت قدراتهم بشدة التعلق بربهم وبالصبر،
والسبب :أن هذا العلم علم دينيٌّ، يحتاج صاحبه إلى أن يكون متعلقاً بالله متعبدا له في جميع تقلباته .

والمهارات والقدرات إنما هي أرزاق والله عز وجل يقول :(فابتغوا عند الله الرزق )

(واعلم ياطالب العلم أنه كلما ازددت تعلقا بالله ازددت رزقاً )وعندما تجد أمر لم تفهمه أو مسألة أغلق عليك فهمها فعليك بالاستغفار والتوسل إلى الله وطلب المعونة منه.

وكلّما فتح عليك ياطالب العلم ،كن لربك شاكرا ؛فبالشكر تدوم النعم وتزداد ؛قال تعالى :(ولئن شكرتم لأزيدنّكم )

(مراد السالك )

ماهو مراد السالك ؟؟

هو العلم.

لكن أيّ علم ؟؟

العلم الشرعي فقط هو الممدوح في الكتاب والسنة ،وغيره من العلوم ليس ممدوحاً ولامذموماً على الإطلاق ،وإنّما هو في حكم التبع، فإذاكان مما يفيد في العلوم الشرعية أو يفيد المسلمين كان ممدوحاً .

وماهو أهم العلوم على الاطلاق؟؟

العلم عن الله ،أي عن :1- أسمائه وصفاته وأفعاله 2- ما يجب لله عزوجل من الاعتقادات القلبية من التعلق والتعظيم . 3-مالا ينبغي أن يكون في قلب العبد عن الله ،يتعلمه حتى لايقع فيه .

كيف تقيس نفسك هل ارتقيت في العلم النافع أم لا؟

1- أنظر ما مقدار ماتعلمته عن الله ،وإلى أي درجة عرفت أسماء الله وصفاته وتعايشت معها في حياتك .

2- بالنظر إلى مقدار مافهمته من كتاب الله.

3- مقدار قربك من العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

4-ما مقدار تعلمك لما يميزك عن الفرق المخالفة .
مثال :من هم المرجئة ؟هم من غلوا في جانب الرجاء وأرجؤا الايمان عن العمل (فأنت الآن هل تعرف مايميزك عن هذه الفرقة؟)
(وكذلك الخوارج قبل أن تحصل الأحداث التي وقعت في الأيام الخالية -والتي أظهرتهم- (هل قبل ظهور تلك الأحداث كنت تعرف من هم الخوارج ؟)
فعندما تتعلم لابد أن تتعلم مايميزك عن الفرق المخالفة، فتتعلم الصواب ،والنقاط التي يخالفنا فيها المخالف في هذا الصواب .
ثم بعد أن تتقدم في العلم تعلم الاعتقاد المخالف...وهكذا



ماذا يحتاج السالك؟؟

1- التقوى ؛قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا
والفرقان كما قال السعدي هو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال والحق والباطل والحلال والحرام .

2- القراءة والكتابة ؛قال تعالى:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ،فمعالجة النسيان يكون بالتقييد .

3-(قل أأنتم أعلم أم الله )
فيحتاج الطالب إلى أن لا يترك للعجب منفذا إلى قلبه .

4-قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا}
تجمل بحسن العبادة والإنابة والإخبات .

5- قال تعالى :{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
فتحتاج إلى الحفظ، ولاتقلل من قيمتك في مسألة الحفظ ،ولاتنسى وأنت تجاهد في الحفظ، أنّك مأجور على ذلك .

6-قال تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا }.
فكن عميق الفهم في المسائل ولاتمر عليها مرورا سطحياً.

7- قال تعالى :{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى }
فكن من الحامدين كلما تعلمت ,وكلما رأيت أن غيرك لايعلم .

8- قال تعالى :{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }
توسل إلى الله بطلب الزيادة .

9- قال تعالى على لسان الخضر عليه السلام: {ألَمْ أقُل إنَّكَ لَنْ تَسْتطَيعَ مَعِي صَبْرًا}
فكن صابرا ،ولا يظهر صبرك وقت استمتاعك ولكن الصبر يظهر وقت نفاذ الصبر وعندما تشعر بالملل .

والحمد لله أولاً وآخراً.

[ملخص محاضرة لإحدى الداعيات ،وفقها الله وزادها علما] .

صفاء الكنيدري 25 صفر 1437هـ/7-12-2015م 02:09 AM

جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

لؤي حسان 6 رجب 1438هـ/2-04-2017م 04:02 PM

جزاكم الله خيرا

جٓنّات محمّد الطيِّب 13 رجب 1438هـ/9-04-2017م 09:52 AM

أيها السالك أيتها السالكة ،
كم نحن بحاجة لمعالجة عيوبنا بشيء من مرارة الصبر والمكابدة قبل أن تعالجها نارٌ وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين.


يقول ابن حزم -رحمه الله- في كتابه مداواة النفوس :

اعلم أن من في نفسه عجبا أو ظن لها على سائر الناس فضلا فلينظر إلى صبره عندما يداهمه هم أو وجع فإن رأى نفسه قليلة الصبر فليعلم أن أهل البلاء أفضل منه

ثم لينظر إلى سيرته فيما خوله الله من نعمة أو مال أو صحة أو جاه فإن وجد نفسه مقصرة فيما يلزمه من الشكر لواهبه تعالى فليعلم أن كثيرا من الناس أشكر لله منه

واعلم أن التسلط على من تحتك من مرؤوس أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل لأن العاقل الرفيع النفس العالي الهمة إنما يغلب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة وأما الجرأة على من لا يمكنه المعارضة فسقوط في الطبع ورذالة في النفس وعجز ومهانة ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل فأر أو بفرك قملة وحسبك بهذا ضعة وخساسة .

واعلم أن ترويض الأنفس أصعب من ترويض الأسد لأن الأسد إذا سجنت في بيوت الملوك أمن شرها والنفس وإن سجنت في الجسد لم يؤمن شرها

من العجب من يعجب برأيه فيزهو على غيره ومن يعجب بجاهه وعلو حاله فيتكبر ويظهر منه الاستخفاف بالناس واحتقارهم بالكلام وفي المعاملة حتى إذا زاد ذلك وضعف التمييز والعقل ترقى ذلك إلى الاستطالة على الناس بالأذى والتحكم وإيجاد الطاعة لنفسه إن أمكنه ذلك فإن لم يقدر على ذلك اقتصر على ذم الناس والاستهزاء بهم

ولقد سألت بعضهم عن سبب علو نفسه واحتقاره الناس فما وجدت عنده مزيدا على أن قال لي أنا حر لست عبد أحد فقلت له أكثر من تراه يشاركك في هذه الفضيلة فهم أحرار مثلك وليسوا عبيد فلم أجد عنده زيادة

فرجعت إلى مراقبة أحوالهم ففكرت في ذلك سنين لأعلم السبب الباعث لهم على هذا العجب فتوصلت إلى أنهم يرون أن عندهم فضل عقل وتميز رأي على سائر الناس فمن ها هنا تسرب العجب فيهم وهذا ليس شيء من الفضائل بل هو من النقائص فكلما نقص العقل توهم صاحبه أنه أوفر الناس عقلا

وبعد .
أحبتي في الله فإن كل واحد منا باستطاعته علاج عيوبه -بعون الله- ، كما فعل ابن حزم رحمه الله ،
والله جل في علاه يقول : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).


رابط كتاب مداواة النفوس لابن حزم رحمه الله.

http://www.islamicbook.ws/amma/

جٓنّات محمّد الطيِّب 19 جمادى الآخرة 1439هـ/6-03-2018م 11:53 PM

تجلِّياتُ الله في القرآن

للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله

القرآن كلامُ الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته:

فتارةً يتجلَّى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال؛ فتخضعُ الأعناقُ، وتنكسرُ النفوسُ، وتخشعُ الأصواتُ، ويذوبُ الكِبْرُ كما يذوبُ الملحُ في الماء.

وتارةً يتجلَّى في صفاتِ الجمالِ، والكمالِ؛ وهو كمالُ الأسماءِ، وجمالِ الصفاتِ، وجمالُ الأفعالِ الدالُّ على كمالِ الذات؛ فيستنفِدُ حُبُّهُ من قلبِ العبد قوةَ الحبِّ كلَّها، بحسبِ ما عرفَه من صفاتِ جمالِهِ ونعوتِ كمالِهِ فيصبحُ فؤادُ عبدِهِ فارغاً إلاّ من محبّتهِ فإذا أراد منه الغيرُ أن يُعَلِّقَ تلكَ المحبّةَ به؛ أبى قلبُهُ وأحشاؤهُ ذلك كلَّ الإباءِ كما قيل:

يُرادُ من القلبِ نسيانُكم ... وتأبى الطِّباعُ على النَّاقلِ

فتبقى المحبة له طبعاً لا تكلُّفاً.

وإذا تجلَّى بصفاتِ الرحمةِ والبرِ، واللطفِ والإحسانِ؛ انبعثتْ قوةُ الرَّجاءِ من العبدِ، وانبسطَ أملُهُ، وقَوِيَ طمعُهُ، وسارَ إلى ربِّهِ، وحادي الرجاء يحدو رِكابَ سيره، وكلما قويَ الرجاءُ؛ جدَّ في العملِ؛ كما أن الباذرَ كلما قويَ طمعُهُ في المَغَلِّ؛ غلَّقَ أرضَه بالبِذرِ، وإذا ضَعُفَ رجاؤه؛ قَصَّرَ في البَذْرِ.

وإذا تجلَّى بصفاتِ العدلِ والانتقامِ، والغضبِ والسخَطِ والعقوبةِ؛ انقمعت النفسُ الأمّارةُ، وبطلت - أو ضعُفتْ - قواها من الشهوةِ والغضبِ، واللهوِ واللعبِ، والحرص على المحرمات، وانقبضتْ أعِنَّةُ رُعوناتها، فأحضَرت المطيّةُ حظَّها من الخوفِ والخشيةِ والحَذَر.

وإذا تجلَّى بصفات الأمرِ والنهي، والعهدِ والوصيّةِ، وإرسالِ الرُّسلِ، وإنزالِ الكتبِ، وشَرْعِ الشرائعِ؛ انبعثت منها قوة الامتثالِ والتنفيذِ لأوامره، والتبليغِ لها، والتواصي بها، وذكرِها وتذكُّرِها، والتصديقِ بالخبر، والامتثال للطلب، والاجتنابِ للنَّهي.

وإذا تجلَّى بصفةِ السمعِ والبصرِ والعلمِ؛ انبعثت من العبدِ قوة الحياء، فيستحي ربَّهُ أن يراه على ما يكره، أو يسمعُ منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقتُه عليه، فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع، غيرَ مهملةٍ ولا مرسلةٍ تحت حكم الطبيعة والهوى.

وإذا تجلَّى بصفاتِ الكفايةِ والحسبِ، والقيامِ بمصالحِ العباد، وسوقِ أرزاقهم إليهم، ودفع المصائبِ عنهم، ونصرهِ لأوليائه، وحمايته لهم، ومعيته الخاصة لهم؛ انبعثت من العبد قوة التوكلِ عليه، والتفويض إليه، والرضا به، وما في كل ما يجريه على عبده ويقيمه مما يرضى به هو سبحانه.

والتوكل: معنى يلتئمُ من علمِ العبدِ بكفاية الله، وحسن اختياره لعبده، وثقته به، ورضاه بما يفعله به، ويختاره له.

وإذا تجلَّى بصفاتِ العزِ والكبرياءِ؛ أعطت نفسُه المطمئنة ما وصلت إليه من الذلِّ لعظمته، والانكسارِ لعزته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح له، فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته، ويذهب طيشه وقوته وحدته.

وجماعُ ذلك : أنه سبحانه يتعرف إلي العبدِ بصفات ألهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الآلهية: المحبة الخاصة، والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه.

ويوجب له شهود صفات الربوبية: التوكل عليه، والافتقار إليه، والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له.

وكمال ذلك : أن يشهد ربوبيته في إلهيته، وإلهيته في ربوبيته، وحمده في مُلكِه، وعِزه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه، وعطاءه في منعه، وبره ولطفه وإحسانه ورحمته في قيّوميته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.

وأنت إذا تدبرت القرآن، وأجرته من التحريف وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين وأفكار المتكلفين؛ أشهدَكَ مَلِكاً قيّوماً فوق سماواته علي عرشه يدبر أمر عباده، يأمر وينهي، ويرسل الرسل، ويُنزلُ الكتب، ويرضى ويغضب، ويثيب ويعاقِب، ويعطِي ويَمنع، ويُعزُّ ويُذِل، ويَخفضُ ويرفع، يرى من فوق سبع ويسمع، ويعلم السر والعلانية، فعّالٌ لما يريد، موصوفٌ بكلِّ كمال، مُنزّه عن كلِّ عيب، لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بأذنه، ولا تسقط ورقه إلا بعلمه، ولا يشفع عنده إلا بأذنه، ليس لعباده من دونه ولى ولا شفيع.

جٓنّات محمّد الطيِّب 3 رجب 1439هـ/19-03-2018م 07:33 PM

أيها السالك ، أيتها السالكة ..
 
أيـا عـامــلا للـنـار جـسـمك لـيـن

إلى كم تمادى في غرور وغفلة ** وكم هكذا نوم إلى غير يقظة

لقدضاع عمر ساعة منه تشترى ** بملء السما والأرض أية ضيعة

أترضى من العيش الرغيد وعيشة ** مع الملأ الأعلى بعيش البهيمة

فـيا درة بين المزابـل ألــقـيــت **وجوهـرة بيعت بأبخس قيمة

أفـان بـبـاق تشتـريـه سـفاهة ** وسخطا برضـوان ونارا بجنـة

أأنـت صديق أم عـدو لـنـفسه ** فإنـك تـرميهـا بكـل مـصيبـة

ولوفعل الأعداء بنفسك بعض ما ** فعلت لمسْتهُم لها بعض رحمة

لقد بعـتهـا هونا عليك رخـيـصـة ** وكانت بهذا منك غير حقيقة

كلفت بها دنـيـا كثيــر غرورها ** تقابلنا في نصحها في الخديعة

عليك بما يجدي عليك من التقى ** فإنك في سهو عظيم وغفلة

تـصـلي بلا قلب صلاة بـمثلهـا ** يكون الفتى مستوجبا للعقوبة

تـخاطـبـه إيـاك نـعبد مقبلا ** على غيره فيها لغير ضرورة

ولو رد من نـاجاك لـلـغـيـر طـرفـه ** تميزت من غيظ عليه وغيرة

فويلك تدري من تناجيــه معرضا ** وبين يدي من تنحني غير مخبت

أيـاعـامــلا للـنـار جـسـمك لـيـن ** فجربه تمرينا بحر الظهيرة

ودربه في لـسـع الـزنـابيـر تجتري ** على نهش حيات هناك عظيمة

فإن كنت لاتقوى فويلك ماالذي ** دعاك إلى إسخاط رب البرية

تـبـارزه بـالـمـنـكرات عـشـيـة ** وتصبح في أثواب نسك وعفة

تسيء بـه ظنا وتحسن تــارة ** على حسب ما يقضي الهوى بالقضية

فأنت عليه أجرأ منك على الورى ** بما فيك من جهل وخبث طوية

تقول مع العـصيان ربــي غــافـــر ** صدقت ولكن غافر بالمشيئة

وربـك رزاق كما هـو غـافــر ** فلم لا تصدق فيهما بالسوية

فكيف ترجي العفو من غير توبة ** ولست ترجي الرزق إلا بحيلة

علـى أنـه بـالـرزق كـفل نـفـسـه ** ولم يتكفل للأنام بجنة

وما زلت تسعى بالذي قد كفيته ** وتهمل ما كلفته من وظيفة

إلـهـي أجـرنا من عظيـم ذنوبنـا ** ولا تخزنا وانظر إلينا برحمة

وخذ بنواصينـا إليـك وهـب لنا ** يقينًا يقينَا كل شك وريبة

إلهي اهدنا فيمن هديت وخذ بنا ** إلى الحق نهجا في سواء الطريقة

وكن شغلنا عن كل شغل وهمنا ** وبغيتنا عن كل هم وبغية

صــلاة لاتنــاهى على الذي ** جعلت به مسكا ختام النبوة
__________________

الشيخ إسماعيل بن المقرئ اليمني.


الساعة الآن 07:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir