باب في الدفع إلى مزدلفة والمبيت فيها
قال الشيخ صالح الفوزان:- باب في الدفع إلى مزدلفة والمبيت فيها بعد غروب الشمس يدفع الحجاج من عرفة إلى مزدلفة بسكينة ووقار , لقول جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص , وأردف أسامة خلفه , ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد شنق للقصواء ( يعني : ناقته ) الزمام , حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله , ويقول بيده اليمنى :(( أيها الناس ! السكينة السكينة )).) فهكذا ينبغي للمسلمين السكينة والرفق عند الانصراف من عرفة , وأن لا يضايقوا إخوانهم الحجاج في سيرهم , ويرهقوهم بمزاحمتهم , ويخيفوهم بسياراتهم , وأن يرحموا الضعفة وكبار السن والمشاة. ويكون الحاج حال دفعه من عرفة إلى مزدلفة مستغفرا , لقوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وسميت مزدلفة بذلك من الازدلاف : وهو القرب ; لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات , ازدلفوا إليها , أي : تقربوا ومضوا إليها , وتسمى أيضا جمعا ,: لاجتماع الناس بها , وتسمى بالمشعر الحرام . قال في " المغني " : " وللمزدلفة ثلاثة أسماء : ( مزدلفة , وجمع , والمشعر الحرام ) . ويذكر الله في مسيره إلى مزدلفة ; لأنه في زمن السعي إلى مشاعر والتنقل بينها . فإذا وصل إلى مزدلفة, صلى بها المغرب والعشاء جمعا مع قصر العشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين , لكل صلاة إقامة , وذلك قبل حط رحله ; لقول جابر رضي الله عنه يصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم : حتى أتى المزدلفة , فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين . ثم يبيت بمزدلفة حتى يصبح ويصلي , لقول جابر : ( ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر , فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة .) ومزدلفة كلها يقال لها : المشعر الحرام , وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسر , وقال صلى الله عليه وسلم : ((ومزدلفة كلها موقف , وارفعوا عن بطن محسر)). والسنة أن يبيت بمزدلفة إلى أن يطلع الفجر , فيصلي بها الفجر في أول الوقت , ثم يقف بها ويدعو إلى أن يسفر , ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس . فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم , فإنه يجوز له أن يتعجل في الدفع من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر , وكذلك يجوز لمن يلي أمر الضعفة من الأقوياء أن ينصرف معهم بعد منتصف الليل . أما الأقوياء الذين ليس معهم ضعفة , فإنه ينبغي لهم أن لا يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر , فيصلوا بها الفجر , ويقفوا بها إلى أن يسفروا . فالمبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج , لا يجوز تركه لمن أتى إليها قبل منتصف الليل , أما من وصل إليها بعد منتصف الليل , فإنه يجزئه البقاء فيها ولو قليلا , وإن كان الأفضل له أن يبقى فيها إلى طلوع الفجر , ويصلي فيها الفجر , ويدعو بعد ذلك . قال في " المغني " : ( ومن لم يواف مزدلفة إلا في النصف الأخير من الليل , فلا شيء عليه ; لأنه لم يدرك جزءا من النصف الأول , فلم يتعلق به حكمه .) . ويجوز لأهل الأعذار ترك المبيت بمزدلفة , كالمريض الذي يحتاج إلى تمريضه في المستشفى , ومن يحتاج إليه المريض لخدمته , وكالسقاة والرعاة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك المبيت . فالحاصل أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج لمن وافاها قبل منتصف الليل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها , وقال : (( لتأخذوا عني مناسككم )), وإنما أبيح الدفع بعد منتصف الليل , لما ورد فيه من الرخصة . |
الساعة الآن 06:10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir