باب صفة الصلاة (2/38) [وجوب تكبيرة الإحرام، وذكر جلسة التشهد الأوسط والأخير]
269- وعن أبي حُمَيْدٍ الساعديِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: رأيتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِن رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رأسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعودَ كلُّ فَقَارٍ مكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غيرَ مُفْتَرِشٍ ولا قابضِهما واسْتَقْبَلَ بأَطرافِ أصابعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وإِذَا جَلَسَ في الركعتينِ جَلَسَ علَى رِجْلِهِ اليُسْرَى ونَصَبَ اليُمْنَى، وإِذَا جَلَسَ في الرَّكعةِ الأخيرةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى ونَصَبَ الأُخْرَى وقَعَدَ علَى مِقْعَدَتِه. أَخَرَجَهُ البخاريُّ. |
سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
3/254 - وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. (وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ (السَّاعِدِيِّ) هُوَ أَبُو حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ السَّاعِدِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى سَاعِدَةَ، وَهُوَ أَبُو الْخَزْرَجِ ، الْمَدَنِيُّ ، غَلَبَ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ، مَاتَ في أواخرِ وِلاَيَةِ مُعَاوِيَةَ. (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ) أي: لِلْإِحْرَامِ (جَعَلَ يَدَيْهِ) أي: كَفَّيْهِ (حَذْوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (مَنْكِبَيْهِ)، وَهَذَا هُوَ رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلاَتَهُ: ((فَإِذَا رَكَعْتَ فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَامْدُدْ ظَهْرَكَ وَمَكِّنْ رُكُوعَكَ)). (ثُمَّ هَصَرَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ (ظَهْرَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أي: ثَنَاهُ فِي اسْتِوَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ حَنَى) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: "غَيْرَ مُقَنِّعٍ رَأْسَهُ وَلاَ مُصَوِّبِهِ". وَفِي رِوَايَةٍ: "وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ". (فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) أي: مِن الرُّكُوعِ (اسْتَوَى)، زَادَ أَبُو دَاوُدَ: "فَقَالَ: ((سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ)). وَرَفَعَ يَدَيْهِ". وَفِي رِوَايَةٍ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ زِيَادَةٌ: "حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلاً". (حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْقَافِ ، آخِرُهُ رَاءٌ ، جَمْعُ فَقَارَةٍ، وَهِيَ عِظَامُ الظَّهْرِ، وَفِيهَا رِوَايَةٌ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ (مَكَانَهُ)، وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بِقَوْلِهِ: ((حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ)). (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ) أي: لَهُمَا. وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ: "غَيْرَ مُفْتَرِشٍ ذِرَاعَيْهِ". (وَلاَ قَابِضِهِمَا) بِأَنْ يَضُمَّهُمَا إلَيْهِ. (وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلةَ) وَيَأْتِي بيانُه فِي شَرْحِ حَدِيثِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ)). (وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) جُلُوسَ التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ (جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ) لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ (قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ اليُمْنَى وقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ). حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْلاً، وَرُوِيَ عَنْهُ فِعْلاً، وَاصِفاً فِيهِمَا صَلاَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ بَيَانُ صَلاَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ. فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلاَةِ، وَأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مُقَارِنٌ لِلتَّكْبِيرِ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ وَرَدَ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَعَكْسُهُ، فَوَرَدَ بِلَفْظِ: "رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ"، وَبِلَفْظِ: "كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ". وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلاَنِ: الْأَوَّلُ: مُقَارَنَةُ الرَّفْعِ لِلتَّكْبِيرِ. وَالثَّانِي: تَقْدِيمُ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَقْدِيمِ التَّكْبِيرِ عَلَى الرَّفْعِ، فَهَذِهِ صِفَتُهُ. وَفِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ النَّجْمِ الْوَهَّاجِ: = والْأَوَّلُ رَفْعُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، مَعَ ابْتِدَائِهِ ؛ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ. فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ وَلاَ اسْتِصْحَابَ فِي انْتِهَائِهِ، فَإِنْ فَرَغَ مِن التَّكْبِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَتَمَّ الآخَرَ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْهُمَا حَطَّ يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَدِمِ الرَّفْعَ. وَالثَّانِي: يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَدَاهُ قارَّتانِ، فَإِذَا فَرَغَ أَرْسَلَهُمَا؛ لِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ كَذَلِكَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَصَحَّحَ هَذَا الْبَغْدَادِيُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ، وَدَلِيلُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّالِثُ: يَرْفَعُ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، وَيَكُونُ انْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ، وَيَحُطُّهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ، لاَ قَبْلَ فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ لِلتَّكْبِيرِ، فَكَانَ مَعَهُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَسَبَهُ إلَى الْجُمْهُورِ. انْتَهَى بِلَفْظِهِ، وَفِيهِ تَحْقِيقُ الْأَقْوَالِ وَأَدِلَّتُهَا، وَدَلَّتِ الْأَدِلَّةُ أَنَّهُ مِن الْعَمَلِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، فَلاَ يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ بعينِهِ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ دَاوُدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٌ: إنَّهُ وَاجِبٌ ؛ لِثُبُوتِهِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ رَوَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي أَوَّلِ الصَّلاَةِ خَمْسُونَ صَحَابِيًّا، مِنْهُم الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَن الْحَاكِمِ قَالَ: لاَ نَعْلَمُ سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِن الصَّحَابَةِ، مَعَ تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلاَدِ الشَّاسِعَةِ غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ أُسْتَاذُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ الْمُوجِبُونَ: قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ هَذَا الثُّبُوتَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) ؛ فَلِذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ: إنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِريُّ وَالْإِمَامُ يَحْيَى، وَبِهِ قَالَتِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ وَيَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً ، إلاَّ الْهَادِي، وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَنْ رَوَى عَن الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهِ، فَقَدْ عَمَّمَ النَّقْلَ بِلاَ عِلْمٍ. هَذَا، وَأَمَّا إلَى أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ الرَّفْعُ؟ فَرِوَايَةُ أَبِي حُمَيْدٍ هَذِهِ تُفِيدُ أَنَّهُ إلَى مُقَابِلِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ رَأْسِ عَظْمِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ، وَبِهِ أَخَذَتِ الشَّافِعِيَّةُ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ؛ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ بِلَفْظِه: حَتَّى حَاذَى أُذُنَيْهِ. وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُحَاذِي بِظَهْرِ كَفَّيْهِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَبِأَطْرَافِ أَنَامِلِهِ الْأُذُنَيْنِ، كَمَا تَدُلُّ لَهُ رِوَايَةٌ لِوَائِلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: حَتَّى كَانَتْ حِيَالَ مَنْكِبَيْهِ، وَيُحَاذِي بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ) قَدْ فَسَّرَ هَذَا الْإِمْكَانَ رِوَايَةُ أبي دَاوُدَ: "كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا". وَقَوْلُهُ: (هَصَرَ ظَهْرَهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ: "ثُمَّ حَنَى" بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ؛ وَفِي رِوَايَةٍ: "غَيْرَ مُقَنِّعٍ رَأْسَهُ وَلاَ مُصَوِّبِهِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ" وَقَدْ سَبَقَتْ. وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ) الْمُرَادُ مِنْهُ كَمَالُ الِاعْتِدَالِ، وَتُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ: "ثُمَّ يَمْكُثُ قَائِماً حَتَّى يَقَعَ كُلُّ عُضْوٍ مَوْقِعَه" . وَفِي ذِكْرِهِ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسَيْنِ؛ الْجُلُوسِ الْأَوْسَطِ، وَالْأَخِيرِ، دَلِيلٌ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَأَنَّهُ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ يَتَوَرَّكُ، أي: يُفْضِي بِوَرِكِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَفِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ سَيَأْتِي، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ عَمِلَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ. |
توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام
213 - عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ منْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الركعةِ الأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. · مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ: - أَمْكَنَ يَدَيْهِ: يُقَالُ: مَكَّنَهُ مِنَ الشيءِ، وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ: أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَ يَدَيْهِ منْ رُكْبَتَيْهِ؛ أي: مَكَّنَ اليدَ من الركبةِ فِي القبضِ عَلَيْهَا. - جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ: (حَذْوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الذالِ، يُقَالُ: حَاذَى الشيءُ الشيءَ مُحَاذَاةً: صَارَ بِحِذَائِهِ وَإِزَائِهِ؛ يَعْنِي: أَنَّ المُصَلِّيَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ. - عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإحرامِ، حَتَّى تُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ. - مَنْكِبَيْهِ: المَنْكِبُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ -: هُوَ مجتمعُ رأسِ العَضُدِ وَالكَتِفِ، مُذَكَّراً. - هَصَرَ ظَهْرَهُ: بِفَتْحِ الْهَاءِ، فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ، فَرَاءٍ، أَصْلُ الهَصْرِ: أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْعُودِ، فَيَثْنِيَهُ إِلَيْهِ، وَيَعْطِفَهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: (ثَنَى ظَهْرَهُ فِي اسْتِوَاءٍ منْ غَيْرِ تَقْوِيسٍ)، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَلَى الراجحِ: (حَنَى ظَهْرَهُ) بالحاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. - فَقَارٍ: بِتَقْدِيمِ الفاءِ عَلَى الْقَافِ، وبفتحِ الْمُخَفَّفَةِ، جَمْعُ ( فَقِيرَةٍ )، وَهِيَ عظامُ فِقْرَاتِ الظهرِ المُسْتَقِيمَةُ منْ عظامِ الصُّلْبِ، مِنْ لدنِ الكاهلِ إِلَى العَجْبِ، والجَمْعُ: فِقَرٌ وَفَقَارٌ، قَالَ ثَعْلَبٌ: فَقَارُ الإِنْسَانِ سَبْعَ عَشْرَةَ. - رُكْبَتَيْهِ: تَثْنِيَةُ (رُكْبَةٍ)، جَمْعُهُ ( رُكَبٌ)، مِثْلُ: غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَالرُّكْبَةُ: مَوْصِلُ مَا بَيْنَ أسفلِ أطرافِ الفَخِذِ وأَعَالِي السَّاقِ. - مُفْتَرِش ذِرَاعَيْهِ: افْتِرَاشُ الذِّرَاعَيْنِ: هُوَ إِلْقَاؤُهُمَا عَلَى الأَرْضِ. - حَنَى: بالحاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، هُوَ بِمَعْنَى الروايةِ الأُخْرَى: ( غَيْرَ مُقْنِعٍ رَأْسَهُ، وَلا مُصَوِّبِهِ). قَالَ شَيْخُ الإسلامِ: الركوعُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لا يَكُونُ إِلاَّ إِذَا سَكَنَ حِينَ انْحِنَائِهِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الخَفْضِ فَلا يُسَمَّى رُكُوعاً. - مَقْعَدَتِهِ: المَعْقَدَةُ: هِيَ السافلةُ من الشخصِ. · مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ: 1- وُجُوبُ تكبيرةِ الإحرامِ بقولِ: ( اللَّهُ أَكْبَرُ)، وَلا تَنْعَقِدُ الصَّلاةُ بِدُونِهَا. 2- اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ المَنْكِبَيْنِ مَعَ تكبيرةِ الإحرامِ. قَالَ فِي (شرحِ الإقناعِ): وَيَكُونُ ابتداءُ الرفعِ مَعَ ابتداءِ التكبيرِ، ويَسْقُطُ ندبُ رَفْعِ اليدَيْنِ مَعَ فراغِ التكبيرِ كُلِّهِ؛ لأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا. قَالَ الحافظُ: رَوَى رَفْعَ اليدَيْنِ فِي أَوَّلِ الصَّلاةِ خَمْسُونَ صَحَابِيًّا، مِنْهُم العشرةُ المُبَشَّرُونَ بالجَنَّةِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأربعةِ. 3- اسْتِحْبَابُ تَمْكِينِ يَدَيْهِ منْ رُكْبَتَيْهِ أثناءَ الركوعِ، وَتَفْرِيجِ أَصَابِعِهِ، وَأَحَادِيثُ وَضْعِ اليَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الركوعِ بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ. 4- اسْتِحْبَابُ هَصْرِ المُصَلِّي ظَهْرَهُ أَثْنَاءَ الرُّكُوعِ؛ لِيَسْتَوِيَ مَعَ رَأْسِهِ، فَيَكُونَ الرأسُ بِإِزَاءِ الظَّهْرِ، فَلا يَرْفَعُهُ وَلا يَخْفِضُهُ. 5- ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، وَيَقُولُ الإمامُ والمُنْفَرِدُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ). وَيَقُولُ المأمومُ: (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ). وَيَبْقَى مُسْتَوِياً مُطْمَئِنًّا، رَاجِعاً كُلَّ فَقَارٍ منْ فِقْرَاتِ الظَّهْرِ إِلَى مَكَانِهِ. 6- ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَى الأَرْضِ، غَيْرَ مُفْتَرِشٍ لِذِرَاعَيْهِ، مُوَجِّهاً أَصَابِعَ يَدَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، غَيْرَ قَابِضٍ لَهُمَا. 7- يَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَى الأَرْضِ، مُسْتَقْبِلاً بِأَطْرَافِ أصابعِهِ الْقِبْلَةَ. 8- إِذَا جَلَسَ فِي التشهُّدِ الأَوَّلِ فَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ اليُمْنَى مُسْتَقْبِلاً بِأَصَابِعِهَا الْقبْلَةَ. 9- إِذَا جَلَسَ فِي التشهُّدِ الأخيرِ - للصلاةِ الَّتِي فِيهَا تَشَهُّدَانِ - جَلَسَ مُتَوَرِّكاً، بِأَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَيُخْرِجَهَا منْ تَحْتِهِ، وَيَنْصِبَ اليُمْنَى، وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الأَرْضِ. 10- قَالَ الفقهاءُ: الْمَرْأَةُ تَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، حَتَّى رَفْعِ اليَدَيْنِ، لَكِنْ تَضُمُّ نَفْسَهَا فِي ركوعٍ وسجودٍ وَغَيْرِهِمَا، فَلا تَتَجَافَى، وَتَسْدِلُ رِجْلَيْهَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا فِي جُلُوسِهَا، والتربُّعُ والسَّدْلُ أَفْضَلُ؛ لأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، قَالَ فِي (الإنصافِ): بِلا نِزَاعٍ. |
الساعة الآن 06:29 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir