معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   أسئلة التأصيل العلمي ومناهج الطلب (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=983)
-   -   سؤال: في الوقت الحاضر، كيف نتعلم الهدي في ظل الغياب الكبير للقدوات؟ (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=37480)

سهى بسيوني 8 محرم 1433هـ/3-12-2011م 02:21 AM

سؤال: في الوقت الحاضر، كيف نتعلم الهدي في ظل الغياب الكبير للقدوات؟
 
في درس التحلي برونق العلم (في حلية طالب العلم) ورد قول ابن سيرين رحمه الله:
اقتباس:

(كانوا يتعلمون الهدي كما كانو يتعلمون العلم)
والسؤال هو: في وقتنا الحاضر كيف نتعلم الهدي في ظل الغياب الكبير للقدوات خصوصا أن جل دراساتنا الشرعية -إن لم يكن كلها- هي دراسة عن بعد أي أننا لا نكاد نلتقي بقدوات في هذا المجال ولا يخفى على فضيلتكم أن لسان الحال ليس كلسان المقال أي أننا مهما قرأنا في الكتب عن سير الأعلام فإن هذا ليس كرؤية أحوالهم ومعاشرتها؟

فكيف السبيل إلى ذلك؟
وبارك الله في جهودكم

عبد العزيز الداخل 17 صفر 1433هـ/11-01-2012م 05:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محبة السنة (المشاركة 79132)
في درس التحلي برونق العلم (في حلية طالب العلم) ورد قول ابن سيرين رحمه الله:
اقتباس:

(كانوا يتعلمون الهدي كما كانو يتعلمون العلم)
والسؤال هو: في وقتنا الحاضر كيف نتعلم الهدي في ظل الغياب الكبير للقدوات خصوصا أن جل دراساتنا الشرعية -إن لم يكن كلها- هي دراسة عن بعد أي أننا لا نكاد نلتقي بقدوات في هذا المجال ولا يخفى على فضيلتكم أن لسان الحال ليس كلسان المقال أي أننا مهما قرأنا في الكتب عن سير الأعلام فإن هذا ليس كرؤية أحوالهم ومعاشرتها؟

فكيف السبيل إلى ذلك؟
وبارك الله في جهودكم

لا يخلو زمان من صالحين متمسكين بالهدي الصحيح، وإن ندروا وكانوا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، ومَن كان صاحب تأسٍّ بأهل الخير والصلاح كفاه أن يحثه على ذلك ما يراه من جوانب الخير والصلاح لديهم، فرُبَّ عمل يراه المرء من أحدهم فينتفع به زمناً طويلاً، ولا يشترط في القدوة أن يكون كاملاً في جميع الجوانب، بل النقص من طبيعة البشر، حتى الصالحين يقع منهم تقصير وقصور في جوانب وإجادة وإحسان في جوانب أخرى.
فمن فتح له في العلم والتعليم ونشر العلم قد يقع منه قصور وتقصير في جوانب أخرى.
ومن فتح له في التعبد والتهجد وكثرة الصلاة والصيام والتلاوة وكثرة الذكر قد يقع منه قصور وتقصير في جوانب أخرى.
ومن فتح له في أعمال البر والإحسان ونفع الناس قد يقع منه تقصير في غير ذلك من الأمور.
ومن فتح له في الجهاد والنصيحة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورعاية حدود الله وحرماته فكذلك.
وأما من كان ذا حظ في هذه الأعمال كلها فهو إمام من الأئمة الأبدال.
ذكر ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار أن عبد الله بن عبد العزيز العُمَري العابد كتب إلى الإمام مالك بن أنس يحضُّه على الانفراد والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره فكتب إليه مالك: (إن الله تعالى قسم بين عباده الأعمالَ كما قسمَ الأرزاقَ؛ فرُبَّ رجل فُتِحَ له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح الله له في الجهاد، ولم يفتح له في الصلاة، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصيام.
وقد علمتُ أنَّ نشر العلم وتعليمَه من أفضل الأعمال، وقد رضيتُ بما فَتَحَ الله لي فيه، وقسم لي منه، وما أظنُّ ما أنا فيه بدون ما أنت فيه من العبادة، وكلانا على خير إن شاء الله)

ومن فتح الله له باباً من أبواب الخير فليعتنِ بالاتساء بأئمة ذلك الباب من الصالحين، وينتفع من هديهم ودلّهم وسمتهم في غير مخالفة لهدي الكتاب والسنة.
وبهذا يُعلم أن الاقتداء يتجزأ ويتنوَّع ، فما يُرى عند بعض الصالحين من تقصير وقصور في جوانب لا يمنع من الاقتداء بهم فيما أحسنوا فيه.
ومن تطَلَّب قدوة تاماً في جميع هذه الأبواب أعياه ذلك.
ومن تأمل أحوال من حوله وجد من بعضهم إجادة وبراعة في بعض أمور الخير، فليكن ذلك حافزاً له على الاتساء بهم بما يتيسر له.
والآثار عن السلف في الاتساء ببعض أحوال الناس وأقوالهم كثيرة مبثوثة في سيرهم.
قال أصبغ المالكي لعون بن عبد الله : (سمعت من أبيك كلاماً نفعني الله تعالى به وهو: لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)
وقال زبيد بن الحارث اليامي: (سمعت كلمة فنفعني الله عزَّ وجلَّ بها ثلاثين سنة)
بل إن بعضهم يرى موقفاً أمامه فيعتبر به مدة طويلة من الزمن.
وهذا هو مقصود الاقتداء أن ينتفع المقتدي بما يسمع ويرى.

ومن الدعاء الذي أرشد الله إليه عباده المؤمنين أن يقولوا: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}
وهو يشمل الإمامة على اختلاف درجاتها، فقد يفتح لعبد من عباد الله في عمل من الأعمال فيكون فيه إماماً يقتدى به فيه ، ولو كان لديه ضعف في أبواب أخرى من أبواب الخير.
واللبيب الذي يحاسب نفسه ويزن عمله بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة يعرف من نفسه ما هو مقصّر فيه في من أبواب الخير، ويعرف ما فتح له فيه مما يحسنه؛ فيعتني أولاً بالقدر الواجب من كل ذلك، وهو أمر متيسّر لا حرج فيه على المرء؛ لأن الواجبات الشرعية هي من تكاليف الدين، وما جعل لله علينا في الدين من حرج.
ثم يعتني بالاجتهاد فيما فتح له فيه، وليعلم أن قيمة كل امرئ ما يحسنه كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومما يعينه على الإحسان في ذلك الأمر النظر إلى سير المحسنين فيه فيعتني بآثارهم ومآثرهم سواء أكانوا من الأموات أم الأحياء
فمن مات يعتني بسيرهم ويتعرف على طرائقهم وأسباب تفوقهم وتمكنهم وانتفاع الناس بهم.
والأحياء منهم يحرص على الاستفادة منهم بما يتيسر له، فقد ينتفع من مجالستهم ومراسلتهم والعرض عليهم ما لا يستفيده من القراءة والدراسة مدة طويلة.
وقد قال النووي في شرح صحيح مسلم: (ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياماً)
فإذا كان هذا نفع مذاكرة ساعة؛ فما الظن بملازمتهم والعرض عليهم والتخرج على أيديهم.


الساعة الآن 08:13 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir