معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   الفتوى الحموية (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=37)
-   -   بيان غلط من زعم أن مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=12195)

عبد العزيز الداخل 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م 04:11 AM

بيان غلط من زعم أن مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد
 
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: مَذْهَبُ السَّلَفِ إِقْرَارُهَا عَلَى مَا جَاءَت بِهِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَهَذَا لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ.
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ نُعُوتَ الْمَخْلُوقِينَ وَصِفَاتِ الْمُحْدَثِين; مِثْلُ أَنْ يُرَادَ بِكَوْنِ اللَّهِ ( قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي ) أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي الْحَائِطِ الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْهِ، وَأَنَّ ( اللَّهُ مَعَنَا ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِلَى جَانِبِنَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ: أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ فَقَدْ أَصَابَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ أَخْطَأَ فِي إِطْلاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ، فَإِنَّ هَذَا الْمُحَالُ لَيْسَ هُوَ الأَظْهَرُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. اللَّهُمَّ إِلا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُمْتَنِعُ صَارَ يَظْهَرُ لِبَعْضِ النَّاسِ فَيَكُونُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ مُصِيبًا بِهَذَا الاعْتِبَارِ، مَعْذُورًا فِي هَذَا الإِطْلاَق.
فَإِنَّ الظُّهُورَ وَالْبُطُونَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَهُوَ مِن الأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ. وَكَانَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ لِمَن اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرُ، حَتَّى يَكُونَ قد أَعْطَى كَلامَ اللَّهِ وَكَلامَ رَسُولِهِ حَقَّهُ لَفْظًا وَمَعْنًى(1).
وَإِنْ كَانَ النَّاقِلُ عَنِ السَّلَفِ أَرَادَ - بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ عِنْدَهُمْ - أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ هَذِهِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ مِمَّا يَلِيقُ بِجَلالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ، لاَ يَخْتَصُّ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ، أَوْ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ جَوَازًا ذِهْنِيًّا، أَوْ جَوَازًا خَارِجِيًّا: غَيْرُ مُرَادٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنِ السَّلَفِ، أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، فَمَا يُمْكِنُ أَحَدٌ قَطُّ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ - لاَ نَصًّا وَلاَ ظَاهِرًا - أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَلا أَنَّ اللََّهَ لَيْسَ لَهُ سَمْعٌ وَلا بَصَرٌ وَلا يَدٌ حَقِيقَةً (2).

وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا الْمَعْنَى يَنْتَحِلُهُ بَعْضُ مَنْ يَحْكِيهِ عَنِ السَّلَفِ، وَيَقُولُ: إِنَّ طَرِيقَةَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ - طَرِيقَةُ السَّلَفِ - بِمَعْنَى أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى - وَلَكِنَّ السَّلَفَ أَمْسَكُوا عَنْ تَأْوِيلِهَا، وَالْمُتَأَخِّرُونَ رَأَوْا الْمَصْلَحَةَ في تَأْوِيلَهَا، لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ: الْفَرْقُ أَنَّ هَؤُلاءِ يُعَيِّنُونَ الْمُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ، وَأُولَئِكَ لاَ يُعَيِّنُونَ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ غَيْرُهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى الإِطْلاَقِ كَذِبٌ صَرِيحٌ عَلَى السَّلَفِ: أَمَّا فِي كَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ فَقَطْعًا، مِثْلَ: أَنَّ اللَّهَ تعالى فَوْقَ الْعَرْشِ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلامَ السَّلَفِ الْمَنْقُولَ عَنْهُمْ - الَّذِي لَمْ يُحْكَ هُنَا عُشْرُهُ - عَلِمَ بالاضْطِرَارِ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُصَرِّحِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُمْ مَا اعْتَقَدُوا خِلافَ هَذَا قَطُّ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ قَدْ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

عبد العزيز الداخل 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م 04:13 AM

تعليق سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله
 
(1) ولهذا لَمَّا أَخْبَرَهُم سبحانه بسَمْعِه وبَصَرِه وغَضَبِه ورِضَاهُ، قالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فعُلِمَ بذلكَ أنَّ الظاهرَ الذي أَخْبَرَ به سبحانه وتعالى هو الظاهرُ الذي يَلِيقُ به، ليسَ الظاهرَ الذي يُشَابِهُ العِبَادَ، فظاهرُ النصوصِ هو الشيءُ الذي يُوَافِقُ ما أَخْبَرَ به سبحانه، وهو أنَّه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، فهي صفاتٌ ظاهرةٌ معلومةٌ، ليسَ ظاهِرُها الذي يَظُنُّه المخلوقُ الجاهلُ، أنَّها مِن جِنْسِ صفاتِه، لا، بل ظاهِرُها هو الذي يَلِيقُ باللَّهِ، فإذا قالَ: إنَّه سميعٌ بصيرٌ. فليسَ ظاهرُها أنها مِن جِنْسِ صفاتِ المخلوقينَ، بل ظاهِرُها ما يَلِيقُ باللَّهِ سبحانه وتعالى، ويُنَاسِبُه سبحانه وتعالى، كما أَخْبَرَ عزَّ وجلَّ.

(2) الاستواءُ معروفٌ، وهو الارتفاعُ والعلوُّ، والرحمةُ معلومةٌ، والسمعُ معلومٌ، والبَصَرُ معلومٌ، ولكنها ليسَتْ مِثْلَ صِفَاتِنا.


الساعة الآن 12:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir