معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   ألفية ابن مالك (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=64)
-   -   حذف عامل الحال (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=2348)

عبد العزيز الداخل 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م 12:20 AM

حذف عامل الحال
 

والحالُ قدْ يُحْذَفُ ما فيهَا عَمِلْ = وبعضُ ما يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ

محمد أبو زيد 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م 03:04 PM

شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)
 

والحالُ قدْ يُحْذَفُ ما فِيهَا عَمِلْ = وبَعْضُ ما يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ ([1])

يُحْذَفُ عاملُ الحالِ جوازاً أو وُجُوباً، فمثالُ ما حُذِفَ جوازاً أنْ يقالَ: (كيفَ جِئْتَ؟) فتقولَ: (راكِباً)، تقديرُهُ: (جِئْتُ رَاكِباً)، وكقولِكَ: (بلى مُسْرِعاً) لِمَن قالَ لكَ: (لم تَسِرْ)، والتقديرُ: (بلى سِرْتُ مُسْرِعاً)، ومنه قولُه تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}، التقديرُ واللهُ أعلَمُ: بلى نَجْمَعُها قادرينَ.
ومثالُ ما حُذِفَ وُجُوباً قولُكَ: (زيدٌ أَخُوكَ عطوفاً)، ونحوُه مِن الحالِ المؤكِّدَهِ لمضمونِ الجملةِ، وقد تَقَدَّمَ ذلك، وكالحالِ النائبةِ منابَ الخبرِ، نحوُ: (ضَرْبِي زَيْداً قائماً)، التقديرُ: إذا كانَ قائماً، وقد سَبَقَ تقريرُ ذلك في بابِ المبتدأِ والخبرِ([2]).
ومِمَّا حُذِفَ فيه عاملُ الحالِ وُجُوباً قولُهم: (اشْتَرَيْتُهُ بِدِرْهَمٍ فصاعداً، وتَصَدَّقْتُ بدِينَارٍ فسَافِلاً)، فـ (صاعداً وسافلاً) حالانِ عامِلُهما محذوفٌ وُجُوباً، والتقديرُ: فذَهَبَ الثمنُ صاعداً، وذَهَبَ المتصدِّقُ به سافِلاً.
هذا معنى قولِهِ: (وبعضُ ما يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ)؛ أي: بعضُ ما يُحْذَفُ من عاملِ الحالِ مُنِعَ ذِكْرُهُ([3]).


([1])(الحالُ) مبتدأٌ، (قد) حرفُ تَحْقِيقٍ، (يُحْذَفُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ ، (ما) اسمٌ موصولٌ نائبُ فاعلٍ لِيُحْذَفُ، والجملةُ مِن الفعلِ ونائبِ الفاعلِ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ ، (فيها) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِعَمِلَ الآتي ، َمِلْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (وبَعْضُ) مبتدأٌ أوَّلُ، وبَعْضُ مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مُضافٌ إليه ، ُحْذَفُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (ذِكْرُهُ) ذِكْرُ: مبتدأٌ ثانٍ، وذِكْرُ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه ، ُظِلْ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى (ذِكْرُهُ) الواقِعِ مبتدأً ثانياً، والجملةُ مِن حُظِلَ ونائبِ الفاعلِ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الثاني، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ.

([2])هنا أمرانِ نُحِبُّ أنْ نُنَبِّهُكَ إليهما:
الأوَّلُ: أنَّ عاملَ الحالِ على ثلاثةِ أنواعٍ: نَوْعٍ يَجِبُ ذِكْرُهُ ولا يجوزُ حَذْفُه، ونوعٍ يجِبُ حذفثه ولا يجوزُ ذِكْرُه، ونوعٍ يجوزُ لكَ ذِكْرُه ويجوزُ لك حذفُه.
فأمَّا النوعُ الذي يَجِبُ ذِكْرُه ولا يجوزُ حَذْفُه ، فهو العاملُ المعنويُّ؛ كالظرفِ واسمِ الإشارةِ، فلا يُحْذَفُ شيءٌ مِن هذه العواملِ، سواءٌ=أَعَمِلَتْ أم لم =تَعْمَلْ؛ لأنَّ العاملَ المعنويَّ ضعيفٌ، فلا يَقْوَى على أنْ يَعْمَلَ وهو محذوفٌ.
وأمَّا النوعُ الذي يَجِبُ حَذْفُهُ فقد بَيَّنَ الشارحُ ثلاثةَ مواضِعَ من مَوَاضِعِه - وهي الحالُ المُؤَكِّدَةُ لمضمونِ جملةٍ، والحالُ النائبةُ منابَ الخبرِ، والحالُ الدالَّةُ على زيادةٍ أو نَقْصٍ بِتَدْرِيجٍ - وبَقِيَ موضعانِ آخرانِ: أَوَّلُهما: أنْ يَنُوبَ عنه الحالُ؛ كقَوْلِكَ لِمَن شَرِبَ: هَنِيئأً، ومِن ذلك قولُ كُثَيِّرٍ:
هَنِيئاً مَرِيئاً غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ = لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ
وثانيهما: أنْ تَدُلَّ الحالُ على توبيخٍ؛ كقَوْلِكَ: أَقَاعِداً وقد جَدَّ الناسُ؟
وأمَّا النوعُ الذي يجوزُ ذِكْرُهُ وحَذْفُهُ فهو ما عدا هذيْنِ النوعيْنِ.
الأمرُ الثاني: أنَّ الأصلَ في الحالِ نفسِه - بِسَبَبِ كونِه فَضْلَةً - أنه يجوزُ حَذْفُه، وقد يَجِبُ ذِكْرُهُ، وذلك في خمسةِ مَوَاضِعَ:
أَوَّلُها: أنْ يكونَ الحالُ مَقْصُوراً عليه، نحوُ قولِكَ: ما سَافَرْتُ إلاَّ راكباً، وما ضَرَبْتُ عليًّا إلا مُذْنِباً.
وثانيها: أنْ يكونَ الحالُ نائباً عن عاملِهِ ؛ كقَوْلِكَ: هَنِيئاً مَرِيئاً، تريدُ: كلُّ ذلك هَنِيئاً مَرِيئاً .
وثالثُها: أنْ تَتَوَقَّفَ عليه صِحَّةُ الكلامِ؛ كقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} ، أو يُتَوَقَّفُ عليه مرادُ المتكلِّمِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى}.
ورابعُها: أنْ يكونَ الحالُ جَوَاباً؛ كَقَوْلِكَ: بَلَى مُسْرِعاً، جَوَاباً لِمَن قالَ لكَ: لم تَسِرْ. وخَامِسُها: أنْ يكونَ الحالُ نائباً عن الخبرِ، نحوُ قَوْلِكَ: ضَرْبِي زَيْداً مُسِيئاًَ.

([3])قد بَقِيَ الكلامُ على صاحبِ الحالِ من ناحيةِ الذِّكْرِ والحَذْفِ، - بعدَ أنْ أَتَيْنَا على ما يَتَعَلَّقُ بالحالِ وبالعاملِ فيها من هذه الناحيةِ - فنقولُ:
الأصلُ في صاحبِ الحالِ أنْ يكونَ مَذْكُوراً، وقد يُحْذَفُ جَوَازاً، وقد يُحْذَفُ وُجُوباً بحيثُ لا يجوزُ ذِكْرُه.
فيُحْذَفُ جَوَازاً إذا حُذِفَ عامِلُه، نحوُ قولِكَ: رَاشِداً؛ أي: تُسَافِرُ رَاشِداً، ويجوزُ أنْ تقولَ: تُسَافِرُ راشداً.
ويُحْذَفُ وُجُوباً معَ الحالِ التي تُفْهِمُ ازدياداً أو نَقْصاً بتدريجٍ، نحوُ قَوْلِهِم: اشْتَرَيْتُ بِدِينَارٍ فَصَاعداً ؛ أي: فذهَبَ الثمنُ صاعداً، ففي هذا المثالِ حذفُ صاحبِ الحالِ وعاملِهِ.



محمد أبو زيد 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م 03:05 PM

أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)
 

فصلٌ: وقد يُحْذَفُ عاملُ الحالِ جوازاً لدليلٍ حاليٍّ؛ كقولِكَ لقَاصِدِ السفرِ: "رَاشِداً". وللقادِمِ من الحَجِّ:َأْجُوراً". أو مَقالِيٍّ([1]) نحوَ: {بَلَى قَادِرِينَ}([2]) {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْباناً}([3]) بإضمارِ: تُسافِرُ, ورَجَعْتَ, ونَجْمَعُها, وصَلُّوا.
ووُجوباً قِياساً في أربعِ صُورٍ: نحوَ: "ضَرْبِي زَيْداً قَائِماً", ونحوَ: "زيدٌ أبوكَ عَطُوفاً", وقدْ مَضَتَا([4]) والتي يُبَيَّنُ بها ازديادٌ أو نَقْصٌ بتدريجٍ؛ كـ "تَصَدَّقْ بدينارٍ فصَاعِداً", و:"اشْتَرِهِ بدينارٍ فسَافِلاً", وما ذُكِرَ لتوبيخٍ؛ نحوُ: "أقَائِماً وقَدْ قعَدَ الناسُ" و"أَتَمِيمِيًّا مَرَّةً وقَيْسِيًّا أُخْرَى"؛ أي: أتُوجَدُ وأتتحَوَّلُ.
وسَماعاً في غيرِ ذلك نحوَ: "هَنِيئاً لكَ", أي: ثَبَتَ لكَ الخَيْرُ هَنِيئاً, أو أهْنَأَكَ هَنِيئاً([5]).


([1]) للدليلِ المقاليِّ صورٌ، منها أنْ يقَعَ في جوابِ استفهامٍ، كأنْ يَقولَ لك قائِلٌ: كيفَ جِئْتَ؟ فتقولَ في جوابِه: رَاكِباً. ومنها أنْ يقَعَ في جوابِ نَفْيٍ، كأنْ يَقُولَ لكَ قَائِلٌ: مَا سَافَرْتَ. فتقولَ في جوابِه: بَلَى مُصْطَحِباً أُسْرتِي. ومنه قولُه تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ}. ومنها أنْ تقَعَ في جوابِ شَرْطٍ، نحوُ قولِه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْباناً}. أي: فإنْ خِفْتُمْ فَصَلُّوا رِجالاً أو رُكْباناً، فهذهِ مواضِعُ جوازِ حذفِ عاملِ الحالِ، وسيذكُرُ المُؤلِّفُ عَقِيبَها مواضِعَ وُجوبِ حَذْفِ عاملِ الحالِ، وبَقِيَ مواضِعُ امتناعِ حذفِ عاملِ الحالِ, وتَتلخَّصُ في أنَّه إذا كانَ عاملُ الحالِ مَعْنوِيًّا؛ كالظرفِ والجارِّ والمجرورِ واسمِ الإشارةِ وحرفِ التنبيهِ- لم يَجُزْ حذفُه؛ لأنَّ العاملَ المَعْنوِيَّ ضعيفٌ؛ لأنَّه إنَّما عَمِلَ بالحملِ على غيرِه، فلا يَصِحُّ التصرُّفُ في عاملِه, لا بالتقديمِ عليهِ, ولا بالحذفِ.

([2]) سورة القيامةِ، الآية: 4.

([3]) سورة البقرةِ، الآية: 239.

([4]) الصورةُ الأولى هي الحَالُ التي تَسُدُّ مَسَدَّ خَبَرِ المبتدأش، ومثالُها الذي ذكَرَه المُؤلِّفُ تقديرُه: ضَرْبِي زَيْداً حَاصِلٌ إذا كانَ قَائِماً، وقدْ تقدَّمَ شرحُ ذلك في بابِ المبتدأِ والخبرِ، والصورةُ الثانيةُ هي الحالُ المُؤكِّدَةُ لمضمونِ جملةٍ. وقد مَضَى الكلامُ عليها في هذا البابِ قَرِيباً.

([5]) الأصلُ في الحالِ أنْ تكُونَ مُسْتَغْنًى عنها؛ وذلكَ لأنَّها فَضْلَةٌ، وهذا هو الحُكْمُ العامُّ للفَضَلاتِ، إِلاَّ أنَّه قد يَعْرِضُ لها عارِضٌ يُوجِبُ ذِكْرَها ولا يَجوزُ معَه حَذْفُها؛ ولهذا اضْطَرُّوا في بابِ الحالِ إلى تعريفِ الفَضْلَةِ تَعْرِيفاً آخرَ غيرَ التعريفِ المَشْهورِ، فقالوا: الفَضْلَةُ مَا يَجِيءُ بعدَ تمامِ الكلامِ، أي: بعدَ استيفاءِ الأركانِ التي يَتألَّفُ أصلُ الكلامِ منها؛ كالفعلِ وفاعلِه، والمبتدأِ وخبرِه، والحالُ تَجِيءُ في هذه المنزلةِ، وذلك أعَمُّ من أنْ يكُونَ المعنَى المقصودُ للمُتكلِّمِ مُفْتقِراً إلى ذكرِها, وألا يَكُونَ مُفْتَقِراً إلى ذكرِها.
ولوجوبِ ذكرِ الحالِ معَ الكلامِ مَواضِعُ نحن ذَاكِرُوها لكَ هنا تَتْمِيماً لمباحثِ الكتابِ.
الموضعُ الأولُ: أنْ تكُونَ الحالُ جواباً لسؤالِ السائلِ، كأنْ يقولَ لكَ قائِلٌ: كيفَ جِئْتَ؟ فتقولَ: جِئْتُ رَاكِباً. أو تقولَ: جِئْتُ مَاشِياً، وقدْ عَلِمْتَ قَرِيباً أنَّه يَجوزُ لك في هذا المثالِ أنْ تذكُرَ العاملَ في الحالِ، كما مَثَّلْنا لكَ، ويَجوزُ أنْ تَحْذِفَ العاملَ فتَقولَ: رَاكِباً. أو تَقُولَ: مَاشِياً.
الموضعُ الثاني: أنْ يكُونَ الكلامُ نَهْياً، وتكونَ الحالُ هي المقصودةَ بالنهْيِ؛ وذلك كقولِه تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً}. وقولِه تعالى: {وَلاَ تَقرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكَارَى}. فأنتَ لو تأمَّلْتَ تُدْرِكُ أنَّه ليسَ مِمَّا تُسوِّغُه العقولُ أنْ يكُونَ إنسانٌ مَنْهِيًّا عن المشيِ في الأرضِ من غيرِ قَيْدٍ، فكانَ ذِكْرُ قَيْدِ المرحِ في الآيةِ الأُولَى وذِكْرُ التلَبُّسِ بالسُّكْرِ في الآيةِ الثانيةِ، كلُّ واحدٍ من القيديْنِ هو المقصودُ بالنهْيِ.
الموضِعُ الثالثُ: أنْ تكُونَ الحالُ مَحْصوراً فيها، ومن أمثلةِ ذلك قولُه تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}.
الموضِعُ الرابعُ: أنْ يَتوقَّفَ على ذكرِها صِحَّةُ الكلامِ, ومن ذلك قولُه تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ}. وقولُه جلَّتْ كلمتُه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ}. ومن ذلك كقولِ عَدِيِّ بنِ الرَّعْلاءِ:
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فاسْتَرَاحَ بمَيْتِ = إِنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ
إنَّما المَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيباً = كَاسِفاً بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ
أفلا ترَى أنَّكَ لو قُلْتَ: "إِنَّما المَيْتُ مَن يَعِيشُ". ولم تَزِدْ على ذلك كانَ كلاماً باطلاً؛ لأنَّكَ حَكَمْتَ على الشيءِ بضِدِّه، فلَمَّا زِدْتَ عليهَِئِيباً كَاسِفاً بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ" صَحَّ المعنَى.



محمد أبو زيد 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م 03:07 PM

شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني
 

355 - والحَالُ قَدْ يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ = وَبَعْضُ مَا يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ
أي: مُنِعَ.
يعني : أنَّه قد يُحْذَفُ عاملُ الحالِ: جوازًا لدليلِ حاليٍّ نحوَ: "راشدًا" للقاصدِ سفرًا و"مأجورًا" للقادمِ من حجِّ أو مَقَاليِّ نحوَ: { بَلَى قَادِرِينَ}، { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} أي: تسافرُ، ورجعتُ ونجمعُها وصلُّوا.
و وجوبًا: قياسًا في أربعِ صورٍ نحوَ: "ضَرْبِي زيدًا قائمًا" ونحوُ: "زيدٌ أبوك عطوفًا" وقد مَضَتَا والتي بينَ فيها ازديادٌ أو نقصٌ بتدريجٍ نحو: "تصدَّقْ بدرهمٍ فصاعدًا" و"اشْتَرِ بِدِينَارٍ فَسَافِلاً" وما ذُكِرَ لتوبيخٍ نحوَ: "أَقَائِمًا وَقَدْ قَعَدَ الناسُ" و" أَتَمِيمِيًّا مَرَّةً وَقَيْسِيًّا أُخْرَى": أي أتوجَدُ وأَتَتَحَوَّلُ وسماعًا في غيرِ ذلكَ.
نحو: "هَنِيئًا لَكَ" أي : ثَبَتَ لَكَ الخَيْرُ هَنِيئًا أَوْ هَنَأَكَ هَنِيئًا.

تنبيه: قَدْ تُحْذَفُ الحالُ للقرينةٍ وأكثرُ ما يكونُ ذلك إذا كانت قولاً أغنَى عنه المقولُ نحوَ: { والملائكةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} أي: قائلينَ ذلكَ { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} أي: قائلينَ ذلك.

خاتمةٌ: تَنْقَسِمُ الحالُ باعتباراتٍ الأَوَّل، باعتبارِ انتقالِها عن صاحبِها ولزومِها له إلى المنتقِلَةِ – وهو الغالبُ – وَالملازمةِ، والثاني باعتبارِ قصدِها لذاتِها وعدمِه، إلى المقصودةِ – وهو الغالبُ – والموطِّئةُ وهي الجامدةُ الموصوفةُ. والثالثُ ، باعتبارِ التبيِينِ والتوكيدِ إلى المبيِّنةِ – وهو الغالبُ وَتُسَمَّى المؤسِّسَةُ – والمؤكِّدَةُ وهي التي يُسْتَفَادُ معناها بدونِها وقد تقدَّمَتْ هذه الأقسامُ.
والرابع: باعتبارِ جريانِها على مَنْ هِيَ له وغيرِه، إلى الحقيقةِ – وهو الغالبُ والسببيَّةُ نحوَ: "مررْتُ قائمًا سكَّانَها".
والخامسُ : باعتبارِ الزمانِ إلى مقارنةٍ لعاملِها – وهو الغالبُ – ومقدرةٌ وهي المستقبِلَةُ نحو: "مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدًا به غدًا" أي: مقدرا ذلك ومنه: { ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }، { لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهَ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } أي: ناوينَ ذلكَ قيلَ: وماضيه ومَثَّل لَهَا في (المُغْنِي) بـ "جاءَ زيدٌ أمسِ راكبًا" وسمَّاهَا مَحْكِيَّةً وفيه نظرٌ.

محمد أبو زيد 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م 03:07 PM

دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
 

حَذْفُ عامِلِ الحالِ
354- والحالُ قد يُحْذَفُ ما فيهَا عَمِلْ = وبعضُ ما يُحْذَفُ ذِكْرُه حُظِلْ

الأصلُ في عاملِ الحالِ ـ وغيرِها ـ أنْ يكونَ مَذكوراً ليُحَقِّقَ الغرَضَ منه وهو إيجادُ معنًى جديدٍ أو تَقويةُ معنًى مَوجودٍ، وقد يُحْذَفُ جوازاً أو وُجُوباً.
فالحذْفُ الجائزُ: أنْ يَدُلَّ عليه دليلٌ مَقَالِيٌّ أو حالِيٌّ، فالمقالِيُّ هو ما يَعتمِدُ على كلامٍ مذكورٍ، نحوُ: كيفَ جِئْتَ؟ فتقولُ: ماشياً، التقديرُ: جئتُ ماشياً، ومنه قولُه تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ} التقديرُ ـ واللهُ أعلَمُ- بل نَجْمَعُها قادرينَ.
والدليلُ الحاليُّ:هو ما دَلَّت القَرائنُ أو المناسَباتُ المحيطةُ بالمتكَلِّمِ كقولِك لِمَنْ قَدِمَ مِن الْحَجِّ: مَأجوراً، أيْ: رَجَعْتَ مَأجوراً، ولِمَنْ أَرادَ سَفَراً: سالِماً، أيْ: تُسَافِرُ سَالِماً.
ويُحْذَفُ عامِلُ الحالِ وُجوباً في أرْبَعِ مَسائلَ:
1- أنْ تكونَ الحالُ سَادَّةً مَسَدَّ الخبَرِ، نحوُ: احترامِي الطالِبَ مُهَذَّباً فـ (مُهَذَّباً) حالٌ، والعامِلُ فيها محذوفٌ، والأصْلُ: احترامِي الطالبَ إذا كانَ أو إذ كان مُهَذَّباً، وقد تَقَدَّمَت هذه المسألةُ في آخِرِ بابِ المبتدأِ والخبرِ.
2- أنْ تكونَ الحالُ مُؤَكِّدةً لمضمونِ الجملةِ، نحوُ: خالدٌ أبوك عَطوفاً فـ (عَطوفاً) حالٌ والعاملُ مَحذوفٌ وُجوباً والتقديرُ: أُحِقُّه أو أعْرِفُه ونحوُهما، وتَقَدَّمَ الكلامُ على ذلك.
3- أنْ تكونَ الحالُ دالَّةً بلَفْظِها على زيادةٍ تَدريجيَّةٍ أو نَقْصٍ تَدريجيٍّ فالأوَّلُ، نحوُ: تَصَدَّقْ على الفقيرِ برِيالٍ فصاعِداً.
فـ(صاعِداً) حالٌ وعامِلُها وصاحبُها محذوفانِ، والتقديرُ فذَهَبَ المتصَدِّقُ به صاعِداً، ومنه قولُه، صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)) مُتَّفَقٌ عليه.
ومِثالُ الثاني: اشْتَرِ القلَمَ برِيالٍ فسَافِلاً، والتقديرُ: فانْحَطَّ المشتَرَى به سافِلاً.
4- أنْ تكونَ الحالُ مسبوقةً باستفهامٍ يُرادُ به التوبيخُ، نحوُ: أَقَاعِداً وقد أُقِيمَت الصلاةُ؟ التقديرُ: أتُوجَدُ قاعِداً.
والحذْفُ في هذه المسائلِ قِياسيٌّ، وقد يُحْذَفُ العاملُ سَمَاعاً في غيرِ ذلك، نحوُ: هَنيئاً لك، أيْ: ثَبَتَ لك الخيرُ هَنِيئاً، أو هَنَّأَكَ الأمرُ هَنيئاً وعلى التقديرِ الأوَّلِ تكونُ الحالُ مُؤَسِّسَةً، وعلى الثاني تكونُ مُؤَكِّدَةً.
وهذا معنى قولِه: (والحالُ قد يُحْذَفُ ما فيهَا عَمِلْ.. إلخ) أيْ: إنَّ الحالَ قد يُحْذَفُ ما عَمِلَ فيها النصْبُ، وبعضُ ما يُحْذَفُ مِن هذه العوامِلِ محظورٌ ذِكْرُه أيْ: ممنوعٌ لكونِه واجِبَ الحذْفِ فقولُه (حُظِلْ) أيْ: مُنِعَ.


الساعة الآن 10:35 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir