معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   كتاب الصلاة (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=139)
-   -   باب صفة الصلاة (31/38) [الصيغة المستحبة في الصلاة على النبي] (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=2656)

محمد أبو زيد 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م 12:59 PM

باب صفة الصلاة (31/38) [الصيغة المستحبة في الصلاة على النبي]
 

317- وعن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ بَشيرُ بنُ سَعْدٍ: يَا رسولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أن نُصَلِّيَ عليكَ، فكيفَ نُصَلِّي عليك؟ فسَكَتَ، ثُمَّ قالَ: ((قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسَّلامُ كَمَا عَلِمْتُمْ)). رواهُ مسلِمٌ. وزادَ ابن خُزَيْمَةَ فِيهِ: فكيف نُصَلِّي عليك إِذَا نحنُ صَلَّيْنَا عليك في صَلاتِنا؟

محمد أبو زيد 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م 03:20 PM

سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
 

49/300 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: ((قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسَّلاَمُ كَمَا عُلِّمْتُمْ)).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلاَتِنَا؟.
(وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) الْأَنْصَارِيِّ. وَأَبُو مَسْعُودٍ اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عمرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْبَدْرِيُّ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْراً، وَإِنَّمَا نَزَلَ بِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ، سَكَنَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا فِي خِلاَفَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
(قَالَ: قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ) هُوَ أَبُو النُّعْمَانِ بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، وَالِدُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَمَا بَعْدَهَا.
(يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك) يُرِيدُ: فِي قَوْلِه تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
(فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ فَسَكَتَ) أي: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ زِيَادَةُ: "حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ".
(ثُمَّ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
الْحَمِيدُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ أي: إنَّكَ مَحْمُودٌ بِمَحَامِدِك اللاَّئِقَةِ بِعَظَمَةِ شَأْنِك، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ الصَّلاَةِ؛ أي: لِأَنَّك مَحْمُودٌ، وَمِنْ مَحَامِدِك إفَاضَتُك أَنْوَاعَ الْعِنَايَاتِ، وَزِيَادَةُ الْبَرَكَاتِ عَلَى نَبِيِّك الَّذِي تَقَرَّبَ إلَيْك بِامْتِثَالٍ مَا أَهَّلْتَه لَهُ مِنْ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ حَمِيداً بِمَعْنَى حَامِدٍ؛ أَي: إنَّك حَامِدٌ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ، وَمُحَمَّدٌ مِنْ أَحَقِّ عِبَادِك بِحَمْدِكَ، وَقَبُولِ دُعَاءِ مَنْ يَدْعُو لَهُ وَلِآلِهِ، وَهَذَا أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ.
(مَجِيدٌ) مُبَالَغَةُ مَاجِدٍ، وَالْمَجْدُ: الشَّرَفُ.
(وَالسَّلاَمُ كَمَا عُلِّمْتُمْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَتَشْدِيدِ اللاَّمِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ بالبناءِ للمَعْلُومِ وَتَخْفِيفِ اللاَّمِ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلاَتِنَا؟) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا أَيْضاً ابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَأَخْرَجَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَحَدِيثُ الصَّلاَةِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ طَلْحَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ؛ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ أَعْنِي ((قُولُوا)). وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِن السَّلَفِ ، وَالْأَئِمَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَدَلِيلُهُم الْحَدِيثُ مَعَ زِيَادَتِهِ الثَّابِتَةِ.
وَيَقْتَضِي أَيْضاً وُجُوبَ الصَّلاَةِ عَلَى الْآلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَادِي، وَالْقَاسِمِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ عُذْرَ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَدِلًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ مِن الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ؛ إذِ الْمَأْمُورُ بِهِ وَاحِدٌ.
وَدَعْوَى النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى الْآلِ مَنْدُوبَةٌ، غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، بَلْ نَقُولُ: الصَّلاَةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَتِمُّ وَيَكُونُ الْعَبْدُ مُمْتَثِلاً بِهَا، حَتَّى يَأْتِيَ بهذا اللَّفْظِ النَّبَوِيِّ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْآلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ السَّائِلُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ فَأَجَابَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ، أَنَّهَا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْآلِ فَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا، فَلاَ يَكُونُ مُمْتَثِلاً لِلْأَمْرِ، فَلاَ يَكُونُ مُصَلِّياً عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ: ((كَمَا صَلَّيْتَ...)) إلَى آخِرِهِ ، يَجِبُ؛ إذْ هُوَ مِن الْكَيْفِيَّةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِإِيجَابِ بَعْضِهَا وَنَدْبِ بَعْضِهَا فَلاَ دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا اسْتِدْلاَلُ الْمَهْدِيِّ فِي الْبَحْرِ للمخالفِ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى الْآلِ سُنَّةٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَذَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُذْكَرُوا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَكَلاَمٌ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ كَمَا قِيلَ: لاَ قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ، ولِأَنَّهُ لم يُذْكَرِ الْآلُ فِي تَشَهُّدِ الْأَذَانِ ، لاَ نَدْباً وَلاَ وُجُوباً، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَذَانِ دُعَاءٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ شَهَادَةٌ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَالْآلُ لَمْ يَأْتِ تَعَبُّدٌ بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمْ آلُهُ.
وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ حَذْفَ لَفْظِ الْآلِ مِن الصَّلاَةِ كَمَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَكُنْتُ سَأَلْتُ عَنْهُ قَدِيماً، فَأُجِبْتُ بأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِلاَ رَيبٍ كَيْفِيَّةُ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ رُوَاتُهَا، وَكَأَنَّهُمْ حَذَفُوهَا خَطًّا تَقِيَّةً لَمَّا كَانَ فِي الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ مَنْ يَكْرَهُ ذِكْرَهُمْ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مُتَابَعَةً مِن الْآخِرِ لِلْأَوَّلِ، وإلاَّ فَلاَ وَجْهَ لَهُ، وَبَسَطْتُ هَذَا الْجَوَابَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بَسْطاً شَافِياً.
وَأَمَّا مَنْ هُم الْآلُ؟
فَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ: الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِم الزَّكَاةُ؛ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ فَسَّرَهُمْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ، وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَفْسِيرُهُ قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِ الْمُرَادِ مِن اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ فَسَّرَهُمْ بِآلِ عَلِيٍّ ، وَآلِ جَعْفَرٍ ، وَآلِ عَقِيلٍ ، وَآلِ الْعَبَّاسِ .
فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلاَتِنَا. أي: إذَا نَحْنُ دَعَوْنَا لَكَ فِي دُعَائِنَا. فَلاَ يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ.
قُلْتُ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الْمُتَبَادِرُ فِي لِسَانِ الصَّحَابَةِ مِن الصَّلاَةِ فِي قَوْلِهِ صَلاَتُنَا الشَّرْعِيَّةُ، لاَ اللُّغَوِيَّةُ، وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ إذَا تَرَدَّدْتَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الدُّعَاءِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ كَمَا عَرَفْتَ مِن الْأَمْرِ بِهِ، وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَاجِبَةٌ؛ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ ، وَبِهَذَا يَتِمُّ إيجَابُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ الدُّعَاءِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ.

محمد أبو زيد 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م 03:21 PM

توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام
 

252 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: ((قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ؛ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلامُ كَمَا عَلِمْتُمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: (فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ، إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلاتِنَا؟).

مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
كَيْفَ: اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، والغالبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَاماً، كَمَا هُوَ هُنَا.
نُصَلِّي عَلَيْكَ: الصَّلاةُ مِن الْمُؤْمِنِينَ لِنَبِيِّهِمْ دُعَاؤُهُم لَهُ، أَيْ: طَلَبُ زِيَادَةِ الثناءِ والكمالِ، الموجودُ أَصْلٌ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
آلِ: أَصْلُهُ: (أَهْلٌ)، فَأُبْدِلَتِ الْهَاءُ هُمَزَةً، ثُمَّ الْهَمْزَةُ أَلِفاً، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْغِيرُهُ عَلَى (أُهَيْل).
وَبَارِكْ: أَيْ: أَثْبِتْ لَهُ دَوَامَ مَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ التشريفِ وَالْكَرَامَةِ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ منْ: (بَرَكَ البَعِيرُ) إِذَا أَنَاخَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَزِمَهُ، كَمَا أَنَّ الْبَرَكَةَ تُطْلَقُ عَلَى الزيادةِ، وَلَكِن الأَصْلُ هُوَ الأَوَّلُ.
فِي الْعَالَمِينَ: الْعَالَمُونَ جَمْعُ (عَالَمٍ)، بِفَتْحِ اللامِ، وَيُرَادُ بِهِ: جَمِيعُ الكائناتِ، أَيْ: أَظْهِرِ الصَّلاةَ والبركةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ فِي الْعَالَمِينَ، كَمَا أَظْهَرْتَهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وآلِهِ فِي الْعَالَمِينَ.
حَمِيدٌ: فَعِيلٌ مِنَ (الحَمْدِ) يَعْنِي: المَحْمُودَ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ، وَالْحَمِيدُ هُوَ مَنْ حَصَلَ لَهُ منْ صِفَاتِ الحمدِ أَكْمَلُهَا ذَاتاً وَصِفَاتاً.
مَجِيدٌ: فَعِيلٌ: مِنَ: (الْمَجْدِ) مُبَالَغَةٌ مِنْ مَاجِدٍ، وَهُوَ صِفَةُ الكمالِ فِي الشرفِ وَالْكَرَمِ، يُقَالُ: مَجُدَ الرَّجُلُ ـ بِضَمِّ الجيمِ وَفَتْحِهَا ـ يَمْجُدُ ـ بِالضَّمِّ ـ مَجْداً، وَاعْتِبَارُ المبالغةِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِهَا فِي نَفْسِهَا، لا فِيمَنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ؛ لأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لا تَخْتَلِفُ..
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ: جملةٌ كالتعليلِ لِمَا قَبْلَهَا، وحكمةُ الختمِ بهذَيْنِ الاسمَيْنِ الكريمَيْنِ: أَنَّ المطلوبَ تَكْرِيمُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَالتَّنْوِيهُ بِهِ، وزيادةُ تَقْرِيبِهِ، فَفِيهِمَا إِشَارَةٌ وَتَعْلِيلٌ للمطلوبِ، فَإِنَّ الْحَمِيدَ فَاعِلٌ مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الحمدَ مِنَ النِّعَمِ المُتَكَاثِرَةِ المُتَوَالِيَةِ.
وَالْمَجِيدُ كَثِيرُ الإحسانِ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ الصَّالِحِينَ، وَمِنْ مَحَامِدِكَ، وَإِمْجَادِكَ، وَإِحْسَانِكَ أَنْ تُوَجِّهَ صَلَوَاتِكَ، وَبَرَكَاتِكَ، وَتَرَحُّمَكَ عَلَى رَسُولِكَ وَإِلَى آلِهِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - قَالَ الصَّحَابَةُ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَمَنَّوْا أَنَّ السائلَ لَمْ يَسْأَلْهُ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ السُّؤَالَ، وَشَقَّ عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَسَكَتَ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ، فَقَالَ: ((قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ...)). إِلَى آخِرِ الصَّلاةِ المذكورةِ فِي الْحَدِيثِ.
2 - قَوْلُهُمْ: (أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ). دَلِيلُ وُجُوبِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ الأَمْرَ ـ أُصُولِيًّا ـ يَقْتَضِي الوجوبَ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((قُولُوا)) ـأَمْرٌ آخَرُ أَيْضاً، وَسَيَأْتِي الْخِلافُ فِي ذَلِكَ.
3 - الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المَسْؤُولَ عَنْهُ هُوَ كَيْفِيَّةُ الصَّلاةِ، لا حُكْمُهَا، فَإِنَّ حُكْمَهَا مَعْرُوفٌ لَدَيْهِمْ من الآيَةِ الكريمةِ، وَكَذَلِكَ هُمْ عَارِفُونَ بِلُغَتِهِمْ وَلِسَانِهِم الْعَرَبِيِّ أَنَّ مُطْلَقَ الأَمْرِ يَكْفِي فِيهِ أَيُّ صيغةٍ كَانَتْ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يُبَيِّنَ لَهُم الصيغةَ الكاملةَ المُفَصَّلَةَ، ولذا بَيَّنَ لَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ الكَيْفِيَّةَ وَالصِّيغَةَ المُخْتَارَةَ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4 - اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الصفةِ المذكورةِ فِي الصَّلاةِ فَرْضاً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً.
5 - أَنَّ مِنْ حَقِّ نَبِيِّنَا عَلَيْنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَنَدْعُوَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ الْعَظِيمَ وَهَذِهِ المِنَّةَ الكُبْرَى لَمْ تَصِلْنَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ عَنْ طريقِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ، فَمِنْ حَقِّهِ عَلَيْنَا الصَّلاةُ، وَصَلاتُنَا وصلاةُ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِ هِيَ الدُّعَاءُ لَهُ والثناءُ عَلَيْهِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، فَيَنْبَغِي الإكثارُ من الصَّلاةِ عَلَيْهِ، لا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ تَكُونَ بالصِّيَغِ وَالألفاظِ المَشْرُوعَةِ.
6 - أَنَّ مِنْ أسبابِ عُلُوِّ شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفْعِ مَنَازِلِهِ وَدَرَجَاتِهِ دُعَاءَ أُمَّتِهِ لَهُ، وَصَلاتَهُمْ وَسَلامَهُمْ عَلَيْهِ.
7 - وَرَدَتِ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَرِوَايَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ كُلِّ ثَابِتٍ من الصَّلاةِ عَلَى نَبِيِّنَا، وجوازِ الإتيانِ بِهِ، وَلَكِنْ فِي غَيْرِ صَلاةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي الصَّلاةِ بواحدةٍ منْ تِلْكَ الصِّيَغِ، لِيَعْمَلَ بِجَمِيعِ النصوصِ، وَيُحْيِيَ رِوَايَاتِ السُّنَّةِ كُلَّهَا، وَلَكِنَّ المُخْتَارَ مِنْهَا للإتيانِ بِهِ أَكْثَرَ الأحيانِ هُوَ الصيغةُ الَّتِي مَعَنَا.
8 - شَرْحُ بَعْضِ الْجُمَلِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ: الصَّلاةُ مِنَ اللَّهِ: الثناءُ عَلَى عَبْدِهِ فِي المَلأِ الأَعْلَى كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ.
آلِ مُحَمَّدٍ: (آلُ) بِمَعْنَى (أَهْلٍ)، تَأْتِي بِمَعْنَى الأتباعِ، وَبِمَعْنَى الْقَرَابَةِ، وَالَّذِي يُحَدِّدُ الْمَعْنَى هُوَ السياقُ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}. [غافر: 46] الْمُرَادُ بِهِم: الأتباعُ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}. [الأحزاب: 33] الْمُرَادُ بِهِم: القرابةُ.
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وآلِ إِبْرَاهِيمَ: وَهُمْ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ مُحَمَّدٌ، عَلَيْهِمْ جَمِيعاً الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، (وآلِ إِبْرَاهِيمَ)، وَمِنْ أَجْلِ هَذَا صَلُحَ تَشْبِيهُ الصَّلاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ بالصلاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَمَعَهُ ابنُهُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
إِنَّكَ حَمِيدٌ: كَثِيرُ الْمَحَامِدِ المُسْتَحِقُّ لَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ.
مَجِيدٌ: كَثِيرُ الأمجادِ، والمَجْدُ هَذَا كمالُ الشرفِ وَالْكَرَمِ والصفاتِ المَحْمُودَةِ.
بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ: أَيْ: ثَبِّتْ لَهُ، وَأَدِمْ عَلَيْهِ، وَزِدْهُ، مِمَّا أَعْطَيْتَهُ مِنَ الشرفِ وَالْكَرَامَةِ، فَإِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى: وُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الأخيرِ، سَوَاءٌ كَانَت الصَّلاةُ ذَاتَ تَشَهُّدَيْنِ أَوْ تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلاةُ، مُسْتَدِلِّينَ بالآيةِ الكريمةِ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ..)) إلخ.
وَذَهَبَ أَبُو حنيفةَ ومالكٌ إِلَى أَنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الأخيرِ سُنَّةٌ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ التَّشَهُّدَ: ((إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاتَكَ)).
والراجحُ: هُوَ الأَوَّلُ، وَقَدْ بَحَثَ وُجُوبَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الأخيرِ الإمامُ ابْنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (جَلاءُ الأَفْهَامِ فِي الصَّلاةِ عَلَى خَيْرِ الأنامِ)، وَرَدَّ قَوْلَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا وُجُوبَهُ، بِمَا لا مَزِيدَ عَلَيْهِ من الاستدلالِ عَلَيْهِمْ.


الساعة الآن 03:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir