سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ) رضي الله عنه
13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ) عناصر الدرس: ● اسمه وكنيته ونسبه ● نشأته ● إسلامه ● صحبته وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم ● مناقبه وفضائله ● حرصه على العلم والحديث ● حفظه وضبطه ● صبره وتعفُّفّه ● بعض أخباره في زمان النبوة ● أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ● أعماله في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم ● سعة علمه ● نشره للعلم ● مذهبه في كتابة العلم ● أسفاره ورحلاته ● عبادته وهديه ● صفاته وشمائله ● مرضه ووفاته ● مواعظه ووصاياه ● الردّ على الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه ● رواة القراءة والتفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه ● من مروياته في التفسير |
اسمه وكنيته ونسبه
اشتهر أبو هريرة رضي الله عنه بكنيته حتى غلبت على اسمه، وقد اختلف في اسمه على أقوال كثيرة؛ ومن أسباب الاختلاف أنَّ له اسماً في الجاهلية قد هُجر فلم يشتهر ضبطه، وله اسم في الإسلام، لكن غلبت كنيته على اسمه؛ فلم يشتهر أيضاً. فأما اسمه في الجاهلية فاختلف فيه على أقوال كثيرة أشهرها وأحظاها بالنظر قولان: القول الأول: اسمه عبد شمس، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن من أصحاب أبي هريرة، وقول محمد بن إسحاق، وشعبة بن الحجاج، وأبي نعيم الفضل بن دُكين، وأبي مسهر الغساني، ويحيى بن معين، وأحمد بن صالح المصري، وأبي بكر ابن أبي شيبة، والبخاري، وأبي زرعة الرازي. زاد ابن إسحاق ذكر اسم والده: صخر. - قال حسين بن حريث: حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة [بن عبد الرحمن] قال: (عن أبي هريرة عبد شمس من الأزد من دوس). رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: (كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صخر؛ فسمّيت في الإسلام عبد الرحمن). رواه البخاري في التاريخ الكبير من طريق ابن نمير عن يونس، ورواه ابن عساكر في تاريخ من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بنحوه. - وقال محمد بن الهيثم بن حماد قاضي عُكبرا: حدثنا أبو سعيد الجعفي، قال: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة قال: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن عثمان الأودي قال: سمعت أبا نعيم يقول: (اسم أبى هريرة عبد شمس). - وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: (أبو هريرة اسمه عبد شمس). رواه أبو بشر الدولابي، وابن أبي حاتم. - وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت عمي أبا بكر يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر. - وقال أبو الفضل جعفر بن أحمد بن عبد السلام البزاز: حدثنا الحسين بن نصر قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر. - وقال البخاري في التاريخ الكبير: (عبد شمس أبو هريرة الدوسي اليماني رضى الله عنه نزل المدينة). القول الثاني: عبد عمرو بن عبد غنم، وهو قول أبي حفص الفلاس. - قال أبو حفص الفلاس: واختلفوا في اسمه، والذي صحَّ أنه عبد عمرو بن عبد غنم، رواه الزهري عن محرر بن أبي هريرة، قال: اسم أبي: (عبد عمرو بن عبد غنم). - وقال عمر بن علي المقدمي، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال: (كان اسم أبي: عبد عمرو بن عبد غنم). رواه ابن أبي الدنيا في منازل الأشراف، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال سفيان بن حسين الواسطي، عن الزهري، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال:(كان اسم أبي: عبد الرحمن بن غنم).رواه ابن عساكر. - قلت: لم يذكر من رواه عن سفيان بن حسين غير عمر بن علي المقدمي، وأبو حفص الفلاس قد أدرك الرواية عن سفيان بن حسين، لكن رواية سفيان بن حسين عن الزهري معلولة، وقد اختُلف عليه مع ذلك. - قال أبو بكر ابن خزيمة: (في رواية السيناني دلالة واضحة أن اسمه كان عبد شمس فإنه إسناد متصل، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة أحسن إسناداً من سفيان بن حسين عن الزهري عن المحرر، اللهم إلا إن يكون كان له اسمان قبل إسلامه، أحدهما: عبد شمس، والآخر: عبد عمرو، ولا أحسب اسمه كان بعد الإسلام عبد شمس، ولا عبد عمرو، ولست أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه بعد الإسلام؛ فسماه عبد الله كما حكى أحمد بن حنبل عن أبي عبيدة أن اسمه عبد الله، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغيّر أسامي من أسامي أهل الجاهلية، وقد أمليتُ تلك الأخبار في كتاب الأدب).رواه ابن عساكر. - قلت: (السيناني هو الفضل بن موسى المروزي(ت:192هـ) أحد الرواة عن محمد بن عمرو بن علقمة). وأما اسم أبي هريرة في الإسلام فقد اختلف فيه على قولين: القول الأول: عبد الرحمن، وهو أشهر القولين، قال به ابن إسحاق، وهو الأشهر عند المحدثين. - قال أبو بكر ابن البرقي: قال ابن هشام: (كان اسم أبي هريرة: عبد الرحمن بن صخر).رواه أبو بشر الدولابي. - وقال أبو أحمد الحاكم: (أصحّ شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر). - وقال ابن عبد البرّ: (روى إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، قال: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر. وعلى هذه اعتمدت طائفة ألفت في الأسماء والكنى). القول الثاني: عبد الله، وهو قول أبي خيثمة زهير بن حرب، ورواه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي عن أبيه وجادة. - وقال إسماعيل [ابن أبي أويس]: وجدت في كتاب أبي: (اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس، واسمه في الإسلام عبد الله). رواه البخاري في التاريخ الكبير. وحُكي في اسمه أُقوال أخر: - قال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: (اسم أبي هريرة عبد نهم بن عامر، وهو دوسي، وهو حليف لأبي بكر الصديق).رواه أبو بشر الدولابي. - وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا الأويسي قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: (اسم أبي هريرة عبد نهم بن عامر). رواه ابن عساكر. - وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: قال موسى بن يعقوب [المطلبي]: (اسم أبي هريرة: عبد الله بن عمرو بن أبي الأسود).رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (أبو هريرة يقال: اسمه عبد شمس، وعبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين). - وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال سمعت أبي يقول: (اسم أبي هريرة يقال: عبد شمس، ويقال: عبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين، ويقال: عبد الله). - وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي يقول: (أبو هريرة اسمه عبد الله بن شمس، ويقال: عامر). - وقال أبو عبد الله البخاري: (قالوا: اسم أبي هريرة عبد شمس، ويقال: عبد تيم، ويقال: سكين، وعمرو، وقال غيرهم: عبد نهم). - وقال أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني(ت:316هـ): (واسمه عبد عمرو بن عبد نهم، وقيل: عامر بن عبد شمس، وقيل سكين بن عامر، وقيل: عبد الله، وقيل عبد نهم بن عامر، وقيل: عبد غنم، وقيل: عبد شمس رضي الله عنه). - وقال: (ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين..، ويقال: عامر بن عبد شمس، وسمي في الإسلام: عبد الله، ويقال: عبد الرحمن، ويقال: عبد عمرو بن غنم، ويقال: عبد نعم، وقيل: عبد نهم بن عامر، وقيل: عبد شمس بن عامر، وقيل: عبد شمس بن عبد عمرو، وقيل: اسمه سكين بن عمرو، وقيل: عبد الله بن عامر، من الازد ثم من دوس). - وقال أبو عمر ابن عبد البر: (اختلفوا في اسم أبي هريرة، واسم أبيه اختلافاً كثيراً، لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام). - وقال أبو زكريا النووي: (ذكر ابن عبد البر أيضاً أنه اختُلف فيه على عشرين قولاً، وذكر غيره نحو ثلاثين قولاً، واختلف العلماء في الأصحّ منها، والأصحّ عند المحققين الأكثرين ما صحَّحه البخاري وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر). كنيته له كنيتان: أبو هريرة، وأبو هرّ. فأما كنيته أبو هريرة فكان يكنى بها في الجاهلية والإسلام، وأما كنيته "أبو هر" فأوّل من كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن أبي هريرة أنه كان يحبّ أن يُكنى بها، لكن ثبت في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كناه بأبي هريرة أيضاً. - قال روح بن عبادة: حدثنا أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع، قال: قلت لأبي هريرة، لم كنيت أبا هريرة؟ قال: أما تفرق مني؟ قلت: بلى والله إني لأهابك. قال: (كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هُريرة صغيرة؛ فكنتُ أضعها بالليل في شجرة، فإذا كان النهار ذهبت بها معي؛ فلعبت بها فكنوني أبا هريرة). رواه الترمذي. - وقال أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس [بن بكير]، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: (وإنما كناني بأبي هريرة أبي؛ لأني كنت أرعى غنماً فوجدتُ أولادَ هرة؛ فجعلتُها في كمّي فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هرّ؛ فقال: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هرّ وجدتها. قال: فأنت أبو هريرة؛ فلزمتني بعد). رواه ابن عساكر. - وقال عبد الله بن المؤمل: حدثنا ابن أبي ذباب، عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله: ((يا أبا هرّ)). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال مسدد بن مسرهد: حدثنا أبو الأحوص، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن كميل بن زياد النخعي، عن أبي هريرة، قال: كنت أمشي مع النبي فقال لي: ((يا أبا هر)). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال محمد بن بكار: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس؛ قال: كان أبو هريرة يقول: (لا تكنوني أبا هريرة؛ كناني رسول الله "أبا هر"). قال: (ثكلتك أمّك، والذكر خير من الأنثى). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد، فقال: «أين كنت يا أبا هر»، فقلت له، فقال: «سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس». رواه أحمد، والبخاري. - وقال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قبل نفسه)). رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى. |
نشأته
- قال سليم بن حيان بن بسطام الهذلي: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: (نشأتُ يتيماً، وهاجرتُ مسكيناً، وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي؛ فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا؛ فزوجنيها الله؛ فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً). رواه ابن سعد، وابن ماجة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن الكبرى، وشعب الإيمان. |
إسلامه
أسلم أبو هريرة عام خيبر، وقدم المدينةَ مهاجراً والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى خيبر؛ فخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافاه وقد فتح الله خيبر للمسلمين. - قال ابن أبي خيثمة: (أسلم أبو هريرة زمن خيبر). - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، قال: سمعت ابن مالك قال: سمعت أبا هريرة يقول: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فوجدتُ رجلاً من بني غفار يؤمّ الناس في صلاة الفجر؛ فسمعته يقرأ في الركعة الأولى بسورة مريم، وفي الثانية ب "ويل للمطففين").رواه ابن سعد. - وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبو خلدة، قال: حدثنا أبو العالية، عن أبي هريرة، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ممن أنت؟ قال: قلت: من دوس. قال: ((ما كنتُ أرى أنَّ في دوسٍ أحداً فيه خير)). رواه الترمذي، والبزار. - قلت: كان هذا قبل أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لدوس، وكان سيدهم الطفيل بن عمرو الدوسي يشكو جفاءهم وتأبّيهم عن الإسلام حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اهد دوساً وائتِ بها))، وكان ذلك بعد إسلام أبي هريرة، وكثرت الهداية فيهم ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم. - وقال أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق: يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت فقلت: (هو لوجه الله؛ فأعتقته). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو بشر الدولابي في الكنى. - وقال حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد، قال: أخبرنا عمار بن أبي عمار، قال: (كان أبو هريرة وأبو موسى قدما بين الحديبية وخيبر). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب؛ قال: (وقد ذكروا - والله أعلم - أنه قدم على رسول الله بخيبر نفر من دوس؛ فيهم: أبو هريرة). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال عكرمة بن عمار: حدثنا أبو كثير [يزيد بن عبد الرحمن السحيمي]، حدثني أبو هريرة، قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله! إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدِ أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشراً بدعوة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئتُ فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمِعَت أمّي خشف قدمي؛ فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء. قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب. ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة؛ فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً. قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهم حبّبّ عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين» فما خُلِق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني). رواه أحمد، ومسلم. - قال ابن سعد: (وأمه ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وكان سعدُ بن صفيح خالُ أبي هريرة من أشداء بني دوس). |
صحبته وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم
أسلم أبو هريرة وهو شابّ عاقل فَطن؛ فرغب في ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ حديثه، حتى شغله ذلك عن التكسّب، وكان مع أهل الصفّة، وصبر على ما لقي من الفاقة، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوماً شديداً منذ أسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستكمل ثلاثة أعوام وأشهراً. - قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: (صحبت النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، ما كنت سنواتٍ قطّ أعقلَ مني ولا أحبَّ إليَّ أن أعي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فيهن).رواه أحمد، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان. - وقال داود بن عبد الله الأودي عن حميد الحميري أنه حدَّثهم، قال: (لقيتُ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صحبه أربع سنين كما صحبه أبو هريرة). رواه ابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان. - قلت: التفاوت بسبب اطراح الأشهر الزائدة عن السنوات الثلاث أو جبرها. |
مناقبه وفضائله
لأبي هريرة رضي الله عنه فضائل كثيرة ومناقب عدة؛ نالها بسبقه قومَه إلى الإسلام، وهجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة ملازمته إياه، وحرصه على العلم، وحفظ الحديث؛ حتى امتاز به امتيازاً ظاهراً، فكان له بحديث النبي صلى الله عليه وسلم اختصاصٌ لا يُنكر، وفضل لا يخفى. وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم، ودعا له بالحفظ؛ فكان لا ينسى شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبورك له فيما حدّث به عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى صارَ أكثر أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية لحديث، وتلك منقبة عظيمة له؛ إذ كلّ حديث حدّث به فهو من العلم النافع الذي تركه، وكلّ من عمل بما حدّث به فله مثل أجره مهما تسلسل التحديث عنه. وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحببه وأمه إلى المؤمنين، فكانت محبّته من علامات الإيمان، وتلك منقبة أخرى عظيمة. - وقال الفضل بن العلاء: حدثنا إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أنه أخبره أنَّ رجلاً جاءَ زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال له زيد: عليك أبا هريرة؛ فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا؛ فقال: « عودوا للذي كنتم فيه ». قال زيد: فدعوتُ أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين». فقلنا: يا رسول الله! ونحن نسأل الله علماً لا ينسى؛ فقال: «سبقكم بها الغلام الدوسي» رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني في الأوسط. - وقال أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو كثير السحيمي، قال: حدثني أبو هريرة وركبتي تمس ركبته وقال لنا: والله لا يسمع بي مسلم ولا يراني إلا أحبني. قال: قلت: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: إنَّ أمّي كانت امرأةً مشركة، فذكر حديثاً طويلاً قال في آخره: قال: قلت: يا رسول الله! قد استجاب الله دعوتك! قد هدى أمَّ أبي هريرة. قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: ((اللهم حبّبْ عبيدك وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما)).رواه ابن أبي خيثمة بهذا السياق، وأصل الحديث في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد. |
حرصه على العلم والحديث
- قال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه)).رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى. - وقال محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: (كان أبو هريرة جريئاً على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياءَ لا نسأله عنها). رواه ابن حبان. |
حفظه وضبطه
- قال سفيان بن عيينة: حدثني الزهري، أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنتُ رجلاً مسكيناً، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وقال: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؛ فلن ينسى شيئا سمعه مني؟!». فبسطت بُردةً كانت عليّ؛ فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه). رواه البخاري ومسلم. - وقال محمد بن إبراهيم بن دينار، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه؟ قال: «ابسط رداءك» فبسطته. قال: فغرف بيديه، ثم قال: «ضمَّه» فضممته، فما نسيت شيئاً بعده. رواه البخاري. - وقال عثمان بن عمر العبدي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! أسمع منك أشياء فلا أحفظها! قال: ((ابسط رداءَك فبسطتُ، فحدّثَ حديثاً كثيراً، فما نسيتُ شيئاً حدّثني به)). رواه الترمذي. - وقال مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة، قال: (إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}إلى قوله {الرحيم}إنَّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون). رواه أحمد والبخاري، وروى مسلم نحوه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. - وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال يا أبا محمد! أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟!! نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟!! قال: (أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه، وذاك أنه كان مسكيناً لا شيءَ له، ضيفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنّا نحن أهلَ بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، لا أشك إلا أنَّه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والترمذي في سننه واللفظ له من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به، ثم قال: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير، وغيره عن محمد بن إسحاق). - وقال هشيم بن بشير: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث: ((من شهد جنازة فله قيراط)). فقال ابن عمر: (انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي). فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة فقال: (أخبريه كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم). يقول: فصدَّقت أبا هريرة. فقال أبو هريرة: (يا أبا عبد الرحمن! والله ما كان يشغلني عن النبي صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا الصفق بالأسواق!). فقال ابن عمر: (أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه). رواه ابن سعد بهذا السياق، ورواه الترمذي في جامعه من هذا الطريق مختصراً إلا أنه قال: (يا أبا هريرة! أنتَ كنتَ ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه). - وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة أنه قال: إن الناس قد قالوا: قد أكثر أبو هريرة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلقيت رجلاً فقلت: أيَّة سورةٍ قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري! فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى. قال: قلت: (ولكني أدري! قرأ سورة كذا وكذا). رواه ابن سعد. قلت: وهذا إن كان محفوظاً بهذا السياق؛ فقد كان الإنكار عليه في كثرة التحديث من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر أن إنكار من أنكر عليه كان الحامل عليه التعجب والاستغراب من كثرة حديثه؛ فلما تبيّن لهم حفظه وضبطه لم يُنكروا عليه، بل أقرّوا له بالحفظ والضبط. - وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده سعيد بن عمرو، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ما سمعته منه. فقال أبو هريرة: (يا أمَّه! طلبتُها وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء!). رواه ابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة. - وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً؛ فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه؛ فيعرفه بعضهم، ثم يحدّثهم ولا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه بعض، حتى فعل ذلك مراراً؛ فعرفتُ يومئذٍ أنَّ أبا هريرة أحفظَ الناسِ عن النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والحاكم في المستدرك. - وقال حماد بن زيد: حدثنا عمرو بن عبيد، قال: حدثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أنَّ مروان«دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر». رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح: (كان أبو هريرة رضى الله عنه من أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم).رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي رحمه الله: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره). |
صبره وتعفُّفّه
- قال محمد بن فضيل بن غزوان الضبي: حدثني أبي، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنت في سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إنما كانوا يربطون أُزُرَهم في أعناقهم؛ فمنهم من يبلغ نصف الساقين، ومنهم ما يبلغ الكعبين، يقول بيده كراهية أن تُرى عورته).رواه البزار، وابن خزيمة، وأبو نعيم في الحلية، وأصله في صحيح البخاري من حديث يوسف بن عيسى قال: حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: «رأيت سبعين من أصحاب الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته». - وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد [بن سيرين] قال: «كنا عند أبي هريرة، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط، فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتُني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون، وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع». رواه البخاري، والترمذي، والبيهقي في شعب الإيمان، والبغوي في شرح السنة. - وقال أبو هلال الراسبي: حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: (لقد رأيتني أُصرعُ بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، فيقول الناس: إنه مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال عبد الرزاق قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة قال: كنا عنده وعليه ثوبان ممشقان، فتمخط ثم مسح أنفه بثوبه قال: « الحمد لله يمتخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة مغشيا علي من الجوع، فيجيء الرجل فيقعد على صدري، فأقول ليس بي ذلك إنما هو من الجوع». قال: وقال: «إني كنت أجيراً لابن عفان، وابنة غزوان على عقبة رجلي وشبع بطني - أو قال: بطعام بطني - أخدمهم إذا نزلوا، وأسوق بهم إذا ارتحلوا». قال: « فقالت يوماً: لتركبنه قائماً، ولتردنه حافياً». قال: « فزوَّجنيها الله تعالى؛ فقلت: لتردنه حافية، ولتركبنه وهو قائم». قال: (وكانت فيه مزاحة، يعني أبا هريرة).رواه عبد الرزاق في المصنف. - وقال هوذة بن خليفة البكراوي: أخبرنا ابن عون، عن محمد [بن سيرين]، عن أبي هريرة قال: (أكريتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي). قال: (فكانت تكلّفني أن أركبَ قائماً، وأن أردي أو أورد حافياً؛ فلما كان بعد ذلك زوَّجنيها الله فكلفتُها أن تركبَ قائمةً، وأن ترد أو تردي حافية). رواه ابن سعد. - وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة أنه قال: كنت أجيرَ ابن عفان، وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوقُ بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا؛ فقالت لي يوماً: لتردنَّه حافياً، ولتركبنّه قائماً. فزوَّجنيها الله بعدُ فقلتُ: (لتردنّه حافية، ولتركبنه قائمة).رواه ابن سعد. - وقال عارم بن الفضل: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: تمخّط أبو هريرة وعليه ثوبٌ من كتان ممشق؛ فتمخط فيه؛ فقال: (بخ بخ!! يتمخّط أبو هريرة في الكتان!! لقد رأيتني أخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يرى أنَّ بي جنوناً، وما بي إلا الجوع، ولقد رأيتني وإني لأجيرٌ لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ارتحلوا، وأخدمهم إذا نزلوا. فقالت يوما: لتردنّه حافياً، ولتركبنه قائماً. قال: (فزوّجنيها الله بعد ذلك؛ فقلت لها: لتردنه حافية ولتركبنه قائمة). رواه ابن سعد. - وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن مضارب بن حزن قال: بينا أنا أسير من الليل إذا رجل يكبّر فألحقته بعيري؛ فقلت: مَن هذا المكبر؟ قال: أبو هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكراً. قلت: على مَهْ؟ قال: على أني كنت أجيراً لبسرةَ بنت غزوان بعُقْبَةِ رجلي وطعام بطني؛ فكان القوم إذا ركبوا سُقْتُ لهم، وإذا نزلوا خدمتُهم؛ فزوَّجنيها الله؛ فهي امرأتي اليوم؛ فإذا ركب القوم ركبتُ، وإذا نزلوا خُدِمت). رواه ابن حبان، وأبو نعيم في الحلية. |
بعض أخباره في زمان النبوة
- قال أبو نعيم الأصبهاني: (وهو أشهر من سكن الصفة واستوطنها طولَ عمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينتقل عنها، وكان عريفَ من سكن الصفة من القاطنين، ومن نزلها من الطارقين. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أهل الصفة لطعام حضره تقدّم إلى أبي هريرة ليدعوهم ويجمعهم، لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم). - وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عامر، عن أبي هريرة قال: (كنت في الصفَّة - يعني من أصحاب الصفة - فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة؛ فكنّا نقرن التمرتين من الجوع؛ فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا). رواه ابن عساكر. - وقال محمد بن هلال بن أبي هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرجت من بيتي يوماً ما أخرجني إلا الجوع؛ فجئتُ المسجد فوجدتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: أخرجني الجوع. قالوا: ونحن ما أخرجنا إلا الجوع؛ فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((ما أخرجكم هذه الساعة؟)). قلنا: أخرجنا الجوع؛ فدعا بطبق فيه تمر؛ فأعطى كلَّ رجلٍ تمرتين؛ فقال: ((كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليه من الماء؛ فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا)). قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرة وخبأت تمرة في حجري؛ فرآني لما رفعت التمرة فسألني؛ فقلت: رفعتُها لأمّي. قال: ((كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين)). رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال عمر بن ذر الهمداني: حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة قال: حدثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشدّ الحجرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر!» قلت: لبيك يا رسول الله. قال: «الحقْ» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: «أبا هر!» قلت: لبيك يا رسول الله. قال: «الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي». قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءَني ذلك؛ فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحقَّ أنا أن أصيب من هذا اللبن شربةً أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هر!» قلت: لبيك يا رسول الله. قال: «خذ فأعطهم». قال: فأخذتُ القدح، فجعلتُ أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسَّم، فقال: «أبا هر!» قلت: لبيك يا رسول الله. قال: «بقيتُ أنا وأنت». قلت: صدقت يا رسول الله. قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً. قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، ووقع في رواية أحمد والترمذي: (إلا ليستتبعني) مكان ( إلا ليُشبعني). - وقال حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهنَّ بالبركة، فضمهنّ، ثم دعا لي فيهنّ بالبركة. فقال: ((خذهنَّ، واجعلهنّ في مِزوَدك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أنْ تأخذ منه شيئاً فأدخل فيه يدك؛ فخُذه ولا تنثره نثراً)). فقد حملتُ من ذلك التمرِ كذا وكذا من وَسْقٍ في سبيل الله، فكنَّا نأكل منه ونُطْعِم، وكان لا يفارق حِقْوِي حتى كان يوم قُتل عثمان فإنّه انقطع). رواه الترمذي. - وقال أبو زياد سهيل بن زياد: حدثنا أيوب السَّخْتياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عَوَز من الطعام، فقال: ((يا أبا هريرة عندك شيء؟!!)). قلت: شيء من تمر في مزود لي. قال: ((جئ به)). قال: فجئت بالمزود. قال: ((هاتِ نطعاً)). فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، ثم قال: ((بسم الله)). فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر؛ فقال به هكذا؛ فجمعه؛، فقال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادع فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي: ((اقعد))؛ فقعدت. فأكلَ وأكلتُ، وفضلَ تمرٌ؛ فأخذه فأدخله في المزود، فقال لي: ((يا أبا هريرة! إذا أردتَ شيئاً فأدخل يدك فخُذْ، ولا تَكفأ فيُكفأ عليك)). قال: (فما كنتُ أريد تمراً إلا أدخلتُ يدي، فأخذتُ منه خمسين وَسْقاً في سبيل الله، وكان معلقاً خلف رجلي؛ فوقع في زمانِ عثمان بن عفان فذهب). رواه البيهقي في دلائل النبوة. - وقال يزيد بن أبي منصور البصري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: (أصبت بثلاث مصائب في الإسلام، لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود. قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فقال: يا أبا هريرة! هل معك شيء؟ قلت: نعم، تمر في مزود معي. قال: ((جئ به)). قال: فأخرجت منه تمراً، فأتيته به، فمسَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيه، وقال: ((ادع عشرة)) فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: ((ادع لي عشرة))؛ فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكلَ الجيش كلهم، وبقيَ من تمر المزود، فقال: ((يا أبا هريرة! خذه فأعده في المزود، فإذا أردت أنْ تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه)). قال: (فأكلت منه حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلتُ منه حياة أبي بكر كلها، وأكلتُ منه حياة عمر كلها، وأكلتُ منه حياة عثمان، فلما قُتل عثمان انتُهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلتُ منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وَسْق). رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وتمام في فوائده، والبيهقي في دلائل النبوة، وأبو منصور البصري مجهول الحال، لكن يشهد له ما قبله. |
أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان من أجلّ أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كلفه النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك بأعمال. منها: أنه كان يكل إليه حفظ الصدقات أحياناً. ومنها: أنه بعثه مع أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم للحجّ عام تسعة للهجرة يؤذنون في مكة ألا يحجّ بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان. ومنها: أنه بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين؛ فكان يؤذن له، ويعينه على أعماله. - قال أبو عمرو عثمان بن الهيثم العبدي: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة. قال: فخلَّيت عنه، فأصبحت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟». قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخلّيت سبيله. قال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود». فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال لا أعود، فرحمته، فخلَّيت سبيله، فأصبحت؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟». قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخلّيت سبيله. قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود» فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها! قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختم الآية، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح، فخلَّيت سبيله؛ فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟». قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها؛ فخلَّيت سبيله. قال: «ما هي؟». قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟!!». قال: لا. قال: «ذاك شيطان». رواه البخاري. - وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: "أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: « لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان». رواه البخاري. - وقال جرير بن عبد الحميد الضبي، عن مغيرة، عن الشعبي، عن محرَّر بن أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: (كنتُ أنادي مع عليّ حين أذّن للمشركين، وكان إذا صَحَل صوتُه، أو اشتكى حلقَه، أو عيي مما ينادي دعوت مكانه). قال: فقلت: يا أبه! بأي شيء كنتم تقولون؟ قال: (كنا نقول: لا يحجنَّ بعد عامنا هذا مشرك - فما حج بعد عامنا ذاك مشرك - ولا يطوفنَّ بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة؛ فإنَّ أجله إلى أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فإنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله). قال: (فكان المشركون يقولون: بل شهر، يضحكون بذلك).رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، والنسائي في السنن الكبرى. - وقال معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه بأن لا يسبقه بآمين». رواه عبد الرزاق. - وقال وكيع بن الجراح: حدثنا كثير بن يزيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان مؤذناً بالبحرين، فقال للإمام: «لا تسبقني بآمين». رواه ابن أبي شيبة. - وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين؛ فقال للإمام: (لا تسبقني بآمين). رواه ابن أبي شيبة. - وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة، أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي، فقال له أبو هريرة: «لتنظرني بآمين أو لا أؤذن لك» رواه عبد الرزاق. |
أعماله في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم
ولاه عمر إمرة البحرين مدّة، وكان في دار عثمان يوم حوصر، وناصره بما استطاع. ثمّ كان من أهل الإفتاء في المدينة بعد مقتل عثمان. وولاَّه معاوية إمارة المدينة مدة، وكان مروان بن الحكم يستنيبه على إمرة المدينة أحياناً؛ فكان وهو أمير على حاله التي يعهدونها من التواضع، يداعب الصبيان، ويركب حماره، ويحمل الحطب على رأسه، حتى ربمّا مرّ بالناس في السوق وهو كذلك؛ فيقول ممازحاً لهم: أفسحوا لأميركم. - قال معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، أن عمر بن الخطاب استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرتَ بهذه الأموال يا عدو الله! وعدو كتابه! قال أبو هريرة: « لستُ عدوَّ الله، ولا عدوَّ كتابه، ولكني عدوّ من عاداهما». قال: فمن أين هي لك؟ قال: «خيلٌ لي تناتجت، وغلّة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي». فنظروه، فوجدوه كما قال. قال: فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له. فقال: أتكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك يوسف؟ قال: «إنَّ يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة أخشى ثلاثا واثنين» ، قال له عمر: أفلا قلت: خمسا؟ قال: «لا، أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، ويضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي».رواه معمر بن راشد في جامعه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: يا أمير المؤمنين أمَا ضراب؟ فقال لي: «يا أبا هريرة! أيسرّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟». فقلت: لا. فقال: «والله لئن قتلتَ رجلاً واحداً، لكأنَّما قتلتَ الناس جميعاً» فرجعت فلم أقاتل). رواه سعيد بن منصور، ونعيم بن حماد في الفتن، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة ولفظه: (طاب أم ضرب) أي طاب القتال. - وقال يحيى بن آدم: حدثنا ابن إدريس، عن أبي معشر المدني، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنتُ مع عثمان رضي الله عنه في الدار فجاء سهمٌ عائر فأصابَ إنساناً فقتله، فقلت: طاب أم ضراب؟ فقال: «أعزم عليك؛ فإنما يُراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي».رواه ابن شبة في تاريخ المدينة. - وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن زياد القرظي، أن ثعلبة بن أبي مالك القرظي حدثه أنَّ أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: « أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك! ». فقلت له: أصلحك الله، يكفي هذا. فقال: « أوسع الطريق للأمير يابن أبي مالك». قال: (والحزمة عليه). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا محمد بن زياد، قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة؛ فكان إذا رأى إنساناً يجرّ إزاره ضرب برجله، ويقول: قد جاء الأمير! قد جاء الأمير! ثم يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: « لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطراً». رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى. - وقال محمد بن جعفر، عن شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة - ورأى رجلاً يجرّ إزاره - فجعل يضرب الأرض برجله وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا». رواه مسلم. - وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة؛ فصلّى بنا أبو هريرة الجمعة؛ فقرأ بسورة الجمعة في السجدة الأولى، وفي الآخرة {إذا جاءك المنافقون}. قال عبيد الله: فأدركتُ أبا هريرة حين انصرف؛ فقلت: إنك قرأتَ بسورتين كان عليٌّ رحمه الله يقرأ بهما في الكوفة! فقال أبو هريرة: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما). رواه ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وابن ماجة. - وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، «أن مروان كان يستخلف أبا هريرة، فكان يتم التكبير». رواه ابن أبي شيبة. - وقال عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب، قال: قال نافع:(كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة؛ فكان أبو هريرة يكبر في صلاة الفطر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، ويكبر في الآخرة خمس تكبيرات قبل أن يقرأ، والأضحى بتلك المنزلة، وهي السنة». رواه البيهقي في كتاب السنن الصغير. - وقال يحيى بن عباد الضبعي: حدثنا فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث قال: (كان مروان يستخلف أبا هريرة إذا حج أو غاب). رواه ابن سعد. |
سعة علمه
- قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: (ليس أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب). رواه الدارمي، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان، والحاكم في المستدرك. - وقال ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم).رواه البخاري. - وقال جعفر بن برقان الكلابي: سمعت يزيد بن الأصم يقول: قال أبو هريرة: يقولون: أكثرت يا أبا هريرة! والذي نفسي بيده لو أني حدثتكم بكل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرميتموني بالقشع - يعني المزابل - ثم ما ناظرتموني). رواه ابن سعد في الطبقات، وأحمد في المسند، وأبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. - وقال أبو هلال الراسبي، عن الحسن البصري، قال: قال أبو هريرة: (لو حدَّثتكم بكل ما في كيسي هذا لرميتموني بالبعر). قال الحسن: (وصدق والله! لو قال: إن بيت الله يهدم ويحرق ما صدقه الناس!). رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان، ولفظ ابن سعد: (بكل ما في جوفي). - وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: حدثنا محمد بن راشد، عن مكحول، أنَّ أبا هريرة كان يقول: (رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه؛ يعني: من العلم). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال محمد بن هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (لو أنبأتكم بكلّ ما أعلم لرماني الناس بالخرق، وقالوا: أبو هريرة مجنون!).رواه ابن سعد. |
نشره للعلم
- وقال الأوزاعي، عن أبي كثير الغُبْري، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: «إن أبا هريرة لا يكتم، ولا يكتب».رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة، وابن عساكر. - وقال معاذ بن معاذ العنبري، عن شعبة، عن علي بن مدرك، سمع أبا زرعة [البجلي] (أنَّ أبا هريرة كان إذا حدّث بالحديث أعاده ثلاث مرات). رواه ابن أبي خيثمة. |
مذهبه في كتابة العلم
كان أبو هريرة في أوّل الأمر ينهى عن الكتابة، ولا يكتب، ولا يُملي الأحاديث، ثم إنه أقرّ بعض أصحابه على كتابتهم؛ فكتب عنه محمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وبشير بن نهيك، وغيرهم، وأذن لبعضهم برواية ما كتبوه عنه. - قال الأوزاعي: سمعت أبا كثير قال: سمعت أبا هريرة يقول: «نحن لا نَكْتُب، ولا نُكْتِب، ولا نَكْتُم». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم. - وقال هوذة بن خليفة البكراوي: حدثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّ مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كلَّه فأبي، وقال: اروِ كما روينا؛ فلما أبي عليه تغفَّله وأقعد له كاتباً لَقِنا ثقفا ودعاه؛ فجعل أبو هريرة يحدّثه فيكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع. قال: ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع. قال: وقد فعلت؟ قال: نعم. قال: فاقرأه عليَّ فقرأوه، فقال أبو هريرة: (أما إنكم قد حفظتم، وإن تطع تمحه). قال: (فمحاه). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال عمران بن حدير: حدثنا أبو مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي؛ فقرأته عليه، وقلت له: هذا ما سمعتُ منك؟ قال: (نعم). رواه أبو محمد الدارمي، وأبو خيثمة في كتاب العلم، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي خيثمة في تاريخه، والبيهقي في السنن الكبرى كلهم من طرق عن أبي مجلز. - وقال وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كتبت كتاباً عن أبى هريرة فلما أردت أن أفارقه قلت: يا أبا هريرة! إني كتبت عنك كتاباً؛ فأرويه عنك؟ قال: (نعم، اروه عني). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، والترمذي في سننه. |
أسفاره ورحلاته
رحل أبو هريرة إلى مكة مراراً، والبحرين مرتين، والعراق، وروي أنه رحل إلى الشام، وكان له في كل بلد رحل إليه أصحاب يحفظون حديثه ويروونه عنه. أما البحرين فرحل إليها مرتين: الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي. والأخرى: في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميراً على البحرين. وأما العراق فقد روي ذهابه إليه من طرق. - قال عباد بن عباد، عن مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قدم علينا أبو هريرة فقال: (لقد صحبت رسول الله سنوات، ما كنت قطّ أكملَ عقلاً مني السنوات التي صحبته). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال سفيان بن عيينة: قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس [بن أبي حازم] قال: نزل علينا أبو هريرة بالكوفة، قال: وكان بينه وبين مولانا قرابة - قال سفيان: وهم موالي الأحمس - فاجتمعت أحمس قال: فأتيناه نسلم عليه - وقال سفيان مرة: فأتاه الحي – فقال له أبي: يا أبا هريرة! هؤلاء أنسباؤك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: مرحبا بهم وأهلاً، صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعيَ الحديث مني فيهن... الحديث). رواه أحمد، وابن عساكر. - وقال عبد الواحد بن زياد العبدي: حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة رضي الله عنه في مسجد الكوفة؛ فأتاه رجلٌ فقال: أأنت القائلُ تصلّي مع عيسى ابن مريم؟!! قال: يا أهل العراق! إني قد علمتُ أن سيكذبوني، ولا يمنعني ذلك أن أحدّث بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق أنَّ الدجالَ يخرج من المشرق في حين فرقة من الناس...)ثم ذكر الحديث بطوله، وقد رواه إسحاق بن راهويه في مسنده. - وقال ابن جوصا: سمعت ابن سميع يقول: (أبو هريرة قدم دمشق وحفظوا عنه). رواه ابن عساكر. - وفي مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي عن مكحول قال: «تواعد المسلمون ليلة بالجابية، فقام أبو هريرة يحدثهم حتى أصبح» |
عبادته وهديه
- قال شعبة بن الحجاج: حدثنا عباس بن فروخ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم. - وقال عبد الوارث بن سعيد العنبري: حدثنا أبو التياح، حدثني أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: «بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد». رواه البخاري ومسلم. - وقال حماد بن زيد، عن عباس بن فروخ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً، وكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يقوم هذا وينام هذا، ويقوم هذا وينام هذا. وسمعت أبا هريرة يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم [بين أصحابه] تمراً فأصابني سبع تمرات، فكان فيه حشفة، ما كان شيء أحب إليَّ منها شدت في مضاغي. قال: فقلت يا أبا هريرة! فكيف تصوم الشهر؟ فقال: أصوم من أول الشهر ثلاثا، فإن حدث بي حدثٌ كان لي أجر شهري). رواه إسحاق بن راهويه واللفظ له، وأحمد. وروى البخاري أوّله من هذا الطريق، وخبر التمر من طريق إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرا، فأصابني منه خمس: أربع تمرات وحشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدّهن لضرسي). وقال سليمان بن حرب في قوله: (شدّت في مضاغي): (أي كان لها قوة). - وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: حدثنا حماد، قال: أخبرنا العباس الجريري، عن أبي عثمان النهدي، قال: (كان أبو هريرة يصلي ثلث الليل، وامرأته ثلثا وابنته ثلثا). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال قتيبة بن مهران الأصبهاني: حدثنا سليمان بن مسلم بن جماز الزهري: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في {إذا الشمس كورت}يحزّنها شبه الرثاء). رواه ابن مجاهد وابن عساكر. - وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان النهدي أنَّ أبا هريرة كان في سفر؛ فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال: إني صائم. فلما كادوا يفرغون جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم، فقال: ما تنظرون؟!! قد والله أخبرني أنه صائم. فقال أبو هريرة: (صدق، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم شهر رمضان، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر». وقد صمت ثلاثة أيام من أوَّل الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله). رواه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، والبيهقي، وأبو نعيم في الحلية. - وقال وكيع، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل الناجي قال: «كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد في الزهد، وزاد: قالوا: «نطهر صيامنا». - وقال يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل، قال: إنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا صام جلس في المسجد وقال: (نُعِفُّ صيامنا). رواه مسدد كما في المطالب العالية، وإتحاف الخيرة. - وقال أبو عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي: حدثنا إسماعيل، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة أنه كان وأصحابه إذا صاموا قعدوا في المسجد، وقالوا: «نطهر صيامنا». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية. - وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن نجيح، عن سعيد بن المسيب، قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول: «هل عندكم من شيء». فإن قالوا: لا. قال: «فإني صائم». رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن الكبرى. - وقال إسماعيل ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: قال أبو هريرة: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه كلَّ يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر دِيته، - أو قال: دِيَتي».رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن إسماعيل ابن علية به ولفظه: «إني لأسبح كلَّ يوم اثنتي عشرة مرة ألف تسبيحة، قدر ديتي أو قدر ديته». - وقال عبد الوارث بن سعيد البصري: حدثنا خالد، عن عكرمة، أنَّ أبا هريرة، قال: (إني لأسبح كلَّ يوم قدر ديتي اثني عشر ألفا). رواه أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى. - وقال ابن جريج لعطاء بن أبي رباح: أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أمّ القرآن؟ قال: (نعم، ويؤمّن مَن وراؤُه حتى إنَّ للمسجد للجَّة). ثم قال: (إنما آمين دعاء، وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام قبله فيقول: لا تسبقني بآمين). رواه عبد الرزاق والشافعي وابن المنذر، وعلّقه البخاري في صحيحه. - وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة دخل المسجد [وقد قام] الإمام فناداه أبو هريرة: (لا تسبقني بآمين). رواه عبد الرزاق، وما بين المعكوفين مما نقله ابن حجر في فتح الباري، ولعله سقط من بعض نسخ المصنف. - وقال أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي: حدثنا إسماعيل - يعني العبدي - عن أبي المتوكل، أنَّ أبا هريرة، كانت له زنجية قد غمّتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً فقال: « لولا القصاص لأغشيتُك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله عزّ وجلّ». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية. - وقال روح بن عبادة القيسي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه، فأبى أن يأكل، وقال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير».رواه البخاري. - وقال عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي: سمعت أبا يزيد المديني، قال: قام أبو هريرة على منبر رسول الله فقام دون مقام النبي بعتيبة فقال: (الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علَّم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي منَّ على أبي هريرة بمحمد صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال أبو أسامة الكوفي: خبرنا المجالد، أنا عامر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أنه أتى عائشة فقال: إنَّ أبا هريرة يفتينا أنَّ من أصبح جنباً فلا صوم له؛ فقالت عائشة: « إنَّ أبا هريرة لا يقول في هذا شيئاً، كان بلال يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب يؤذنه فيقوم فيغتسل ثم يخرج إلى المسجد وإني لأرى رأسه ينحدر بين كتفيه لصلاة الفجر ثم يصوم ذلك اليوم». قال: فبلغ أبا هريرة فقال: (عائشة أمّي، وهي أعلم). رواه إسحاق بن راهويه في مسنده بهذا اللفظ، والحديث رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنهما دون آخره، وإنما ذكرت هذه الرواية لما فيها من سرعة رجوعه عن رأيه إلى ما سمع. - وقال معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة، يقول لابنته: «قولي يا أبي إن تحلني الذهب تخش علي حر اللهب».رواه عبد الرزاق. - وقال معمر عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول لابنته: «لا تلبسي الذهب؛ فإني أخاف عليك حرّ اللهب». رواه عبد الرزاق. - وقال سفيان بن عيينة: سمعت ابن طاووس، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة، يقول لابنته: قولي: «أبي أبى أن يحليني الذهب، يخشى عليَّ حرّ اللهب». رواه أبو نعيم في الحلية. |
صفاته وشمائله
كان أبو هريرة رجلاً جسيماً آدم، برّاق الثنايا، هيّناً ليّناً، سخيّاً بالعلم متواضعاً محبوباً، عظيم النصيحة للمسلمين، حريصاً على نشر العلم، صبوراً متعفّفاً، يقبل الهدية ولا يسأل ولو كان به خصاصة، بل ربما صُرع من الجوع ولا يسأل. - قال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثني ضمضم بن جوس قال: دخلت مسجداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أنا بشيخ يضفّر رأسه برّاق الثنايا. قلت: من أنت رحمك الله؟ قال: (أنا أبو هريرة). رواه ابن سعد في الطبقات. - وقال داود بن عبد الرحمن العطار: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن لبينة الطائفي أنه قال: أتيت أبا هريرة وهو في المسجد؛ فقال ابن خثيم لعبد الرحمن: صِفْهُ لي. فقال: (رجلٌ آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذو ضفيرتين، أفرق الثنيتين). رواه ابن سعد، وابن عساكر. - وقال قرة بن خالد السدوسي: قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً؟ قال: (لا، بل كان ليناً). قلت: فما كان ثوبه؟ قال: (كان أبيض). قلت: هل كان يخضب؟ قال: (نعم، نحو ما ترى). قال: وأهوى محمد بيده إلى لحيته، وهي حمراء. قلت: فما كان لباسه؟ قال: (نحو ما ترى). قال: وعلى محمد ثوبان ممشقان من كتان. قال: (وتمخَّط يوماً فقال: بخ بخ!! أبو هريرة يتمخط في الكتان). رواه ابن سعد، وابن عساكر. وروى ابن أبي شيبة بعضه من طريق وكيع عن قرة. - وقال روح بن عبادة القيسي: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن محمد بن سيرين أنه كان يخضب بالحناء قال: فقبض يوماً على لحيته؛ فقال: (كأنّ خضابي خضاب أبي هريرة، ولحيتي مثل لحيته، وشعري مثل شعره، وثيابي مثل ثيابه) وعليه ممصران. رواه ابن سعد في الطبقات. - وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً قد شدَّه عليه قرطاطاً، وخطامه من ليف، وكان يقول: (الطريق قد جاء الأمير، الطريق قد جاء الأمير). وكان ربما أتى الصبيان بالليل وهم يلعبون لعبة الغراب، فيجيء حتى يقع بينهم، ويضرب بيديه ورجليه الأرض؛ فيذعرون، ويذهبون. قال: وربما دعاني إلى عَشائه بالليل؛ فيقول: دَعْ للأمير العُراق، فأذهبُ فأطلبُ، فلا أجد شيئاً، إنما هي ثريدة بزيت). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو عروبة الحراني في الطبقات. - وقال يحيى بن أبي بكير: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع أنَّ أبا هريرة قال: (ما من أحدٍ من الناس يُهدي إليَّ بهديّة إلا قبلتها، فأمَّا المسألة فإني لم أكن أسأل). رواه البيهقي في السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال عمرو بن زرارة: أخبرنا عبد الوهاب، سمع محمد بن فروخ أبا سهل صاحب الساج، عن محمد بن زياد قال: كان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً قال: (اللهم اغفر لنا وله، وأرحنا منه).رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال عبد الواحد بن زياد البصري، عن الحجاج [بن أرطأة]، عن عطاء [بن أبي رباح] قال: (رأيت أبا هريرة لحيته صفراء).رواه ابن أبي خيثمة. |
مرضه ووفاته
مرض أبو هريرة رضي الله عنه في آخر حياته مرضاً اشتدّ عليه حتى مات منه، وكان يحبّ أن يموت قبل وقوع فتن عظيمة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روي من طرق فيها ضعف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة وأبي محذورة وسمرة بن جندب وجماعة معهم: ((آخركم موتاً في النار)). - قال معاذ بن معاذ العنبري: حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه: ((آخركم موتاً في النار)). فيهم سمرة بن جندب. قال أبو نضرة: (فكان سمرة آخرهم موتًا). رواه يعقوب بن سفيان، وقد أعلّت رواية أبي نضرة عن أبي هريرة بالانقطاع. - وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد قال: كنتُ إذا قدمتُ على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فقلت لأبي محذورة: مالك إذا قدمت عليك تسألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال: اني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيتٍ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((آخركم موتا في النار)). قال: (فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم مات سمرة). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في التاريخ الصغير، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والطبراني في المعجم الكبير. قلت: علي بن زيد بن جدعان ضعيف الحديث، وشيخه أوس مجهول. وروي في هذا أخبار واهية لا تصحّ من جهة الإسناد، وقد كان آخرهم موتاً سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ أخذته شدّة البرد في مرضه الذي مات فيه؛ فأوقد له كانون عن يمينه، وآخر عن شماله، وآخر بين يديه، وآخر من خلفه؛ فلم تنفعه؛ فكان يُغلى له ماء في قدرٍ يتعالج بالقعود على سريرٍ فوقه فيخفّ عنه ما به، ثمّ إنه سقط مرّة في القدر وهي مملوءة ماء حاراً فمات فيه. - قال ابن حجر العسقلاني: (فكان ذلك تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة ولأبي محذورة: «آخركم موتا في النار»). - وقال الذهبي: (إن صحّ هذا فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام ((آخركم موتا في النار)) متعلقاً بموته في النار لا بذاته). محبته للموت - قال روح بن عبادة: حدثنا الربيع بن صبيح قال: أخبرنا حبيب بن أبي فضالة أنَّ أبا هريرة ذكر الموت؛ فكأنه تمنّاه؛ فقال بعض أصحابه: وكيف تمنى الموت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس لأحد أن يتمنى الموت، لا برّ ولا فاجر، أمّا بر فيزداد برا، وأما فاجر فيستعتب»؟ فقال: وكيف لا أتمنى الموت وأنا أخاف أن تدركني ستة: التهاون بالدم، وبيع الحكم، وتقاطع الأرحام، وكثرة الشرط، و[فشو] الخمر، ويتخذون القرآن مزامير). رواه ابن سعد. - وقال روح بن عبادة: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أنه قال: في كيسي هذا حديث لو حدثتكموه لرجمتموني، ثم قال: «اللهم لا أبلغنَّ رأس الستين». قالوا: وما رأس الستين؟ قال: «إمارة الصبيان، وبيع الحكم، وكثرة الشرط، والشهادة بالمعرفة، ويتخذون الأمانة غنيمة والصدقة مغرماً، ونشوٌ يتخذون القرآن مزامير». قال حماد: وأظنه قال: «والتهاون بالدم». رواه الطبراني في المعجم الأوسط. - وقال محمد بن منصور الطوسي: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا حاتم بن راشد، عن عطاء، قال: قال أبو هريرة: (إذا رأيتم ستاً، فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت أخاف أن تدركني: إذا أمّرت السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، و[كثرت] الجلاوزة، ونشأ نشء يتخذون القرآن مزامير). رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال أبو مسهر الغساني: حدثني صدقة بن خالد عن ابن جابر عن عمير بن هانئ قال: كان أبو هريرة يقول: (تشبّثوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني سنة ستين).رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق. - قال معاذ بن معاذ العنبري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال: دخلت على أبي هريرة وهو مريض فاحتضنته من خلفه وقلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: «اللهم اشدد». رواه ابن أبي شيبة. - وقال أبو عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: عدتُ أبا هريرة فسندته إلى صدري، ثم قلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: «اللهم لا ترجعها». ثم قال: «إن استطعتَ يا أبا سلمة أن تموت فمت». فقلت: يا أبا هريرة! إنا لنحب الحياة. فقال: « والذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدكم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه». رواه الحاكم في المستدرك. ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق أيوب السختياني عن يحيى بن أبي كثير بنحوه. - وقال بشر بن بكر التنيسي: حدثني الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: عدت أبا هريرة فسندته إلى صدري، ثم قلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: «اللهم لا ترجعها». ثم قال: «إن استطعت يا أبا سلمة أن تموت فمت». فقلت: يا أبا هريرة! إنا لنحب الحياة. فقال: (والذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدكم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه). رواه الحاكم في المستدرك. - وقال عبد الله بن شوذب، عن همام، قال: لما حضر أبا هريرة الموت جعل يبكي، قيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ قال: (قلة الزاد، وبعد القفار، وعقبة إما الجنة وإما النار).رواه أبو العباس الأصم، وأبو سليمان الربعي في وصايا العلماء عند الموت، وابن عساكر في تاريخ دمشق. - وقال يزيد بن هارون: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أن أبا هريرة، قال: حين حضره الموت: (لا تضربوا عليَّ فسطاطاً، ولا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟)).رواه أحمد، والبيهقي. - وقال ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أنَّ مروان جاء يعود أبا هريرة؛ فوجده في غميّة؛ فقال: عافاك الله، فرفع أبو هريرة رأسه، وقال: (اللهم اشدد واجدد). فخرج مروان؛ فأدركه إنسانٌ عند أصحاب القطا؛ فقال: (قد قضى أبو هريرة). رواه ابن سعد في الطبقات. - وقال معن بن عيسى القزاز: حدثنا مالك بن أنس، عن المقبري، عن أبي هريرة أنَّ مروان دخل عليه في شكوه الذي مات فيه؛ فقال: شفاك الله يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: (اللهم إني أحبّ لقاءك فأحب لقائي). قال: (فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن الجوزي في الثبات عند الممات. تاريخ وفاته اختلف في سنة وفاته على أقوال: القول الأول: مات سنة 59هـ ، وهو قول ابن إسحاق، والواقدي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وابن نمير، وأبي حفص الفلاس، وأبي عمر الضرير. - قال ابن إسحاق: (مات سنة تسع وخمسين). رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال الواقدي: (توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين، وله ثمان وسبعون سنة، وهو الذي صلى على عائشة في رمضان سنة ثماني وخمسين). - وقال أبو حفص الفلاس: (مات أبو هريرة سنة تسع وخمسين). - قال ابن عساكر: (وقال عمرو بن علي، والواقدي مات سنة تسع وخمسين، زاد الواقدي: وهو ابن ثمان وسبعين، وقال في ذي الحجة). - وقال ابن عساكر: (وقال ابن نمير: مات سنة تسع وخمسين). - وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: (سنة تسع وخمسين فيها توفي أبو هريرة الدوسي بالمدينة، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان). القول الثاني: مات سنة 58هـ، وهو قول أبي معشر المدني، وعبد الرحمن بن مغراء الدوسي، وضمرة بن ربيعة الفلسطيني، والهيثم بن عدي الطائي، ويحيى بن بكير، وأبي عيسى الترمذي، ورواية ابن أبي خيثمة عن المدائني. - قال حجاج بن محمد الأعور: قال أبو معشر: (هلك أبو هريرة في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر. - وقال محمد بن إسحاق ابن خزيمة: سمعت يوسف بن موسى [القطان] يقول: سمعت عبد الرحمن بن مغراء الدوسي يقول: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين).رواه ابن عساكر. - وقال الحسن عن ضمرة: (مات سنة ثمان وخمسين).رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال هارون بن معروف: أخبرنا ضمرة قال: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين، وعائشة فيها، يعني سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر. - وقال ابن أبي خيثمة عن المدائني قال: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين).رواه ابن عساكر. - وقال أبو العباس أحمد بن يحيى الرَّقي: سمعت يحيى بن بكير يقول: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر. - وقال ابن عساكر: (وقال أبو عيسى: مات سنة ثمان وخمسين، وقال الهيثم مثل أبي عيسى). القول الثالث: مات سنة 57هـ، وهو قول هشام بن عروة، وعلي بن المديني، وخليفة بن خياط، ورواية عن المدائني. - قال أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة قال: (مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين). - وقال أحمد بن أبي الطيب عن ابن عيينة عن هشام بن عروة قال: (مات أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما سنة سبع وخمسين). رواه البخاري في التاريخ الكبير. - وقال علي بن المديني: مات أبو هريرة سنة سبع وخمسين. - وقال خليفة بن خياط: (وفيها - يعني سنة سبع وخمسين – ماتت أم المؤمنين عائشة وأبو هريرة). |
مواعظه ووصاياه
- قال أبو غياث أصرم بن غياث: حدثني أبو سنان، عن هارون بن عميرة، قال: قال أبو هريرة: (إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا ممن تأخذونه). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال عمران بن زائدة بن نشيط الكوفي، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة قال: (إن الله يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأسدّ فقرك، وإلا تفعل أملأ يديك شغلاً، ولا أسدّ فقرك)). رواه أحمد وابن أبي شيبة، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان. - وقال أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة، قال: (لا يقبض المؤمن حتى يرى البشرى، فإذا قبض نادى؛ فليس في الدار دابّة صغيرة ولا كبيرة إلا هي تسمع صوته إلا الثقلين الجن والإنس: "تعجّلوا به إلى أرحم الراحمين"، فإذا وضع على سريره قال: ما أبطأ ما تمشون، فإذا أدخل في لحده أقعد، فأري مقعده من الجنة وما أعد الله له، وملئ قبره من روح وريحان ومسك قال: فيقول: يا رب! قدّمني. قال: فيقال: لم يأنِ لك، إنَّ لك إخوةً وأخواتِ لما يلحقون، ولكن نم قرير العين. قال أبو هريرة: « فوالذي نفسي بيده ما نام نائمٌ شابٌّ طاعم ناعم، ولا فتاة في الدنيا نومةً بأقصرَ ولا أحلى من نومته حتى يرفع رأسه إلى البشرى يوم القيامة».رواه ابن أبي شيبة. - وقال مسعر بن كدام: حدثنا محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، قال: «لا تطعم النارُ رجلاً بكى من خشية الله أبداً حتى يردّ اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبارُ في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجلٍ مسلمٍ أبداً».رواه ابن أبي شيبة، وروى أحمد في الزهد الجملة الأولى منه. - وقال أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم، قال: مررت مع أبي هريرة على قبر دفن حديثاً، فقال: «لركعتان خفيفتان مما تحتقرون هنا أحب إليَّ من دنياكم». رواه ابن أبي شيبة. - وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: (إذا مات الميّت تقول الملائكة: ما قدَّم؟ ويقول الناس: ما ترك؟). رواه ابن أبي شيبة. - وقال هدبة بن خالد القيسي: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة، عن أنس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ألا أدلكم على غنيمة باردة؟ قالوا: ماذا يا أبا هريرة؟ قال: (الصوم في الشتاء). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه، وأبو نعيم في الحلية، - وقال كثير بن هشام الكلابي: حدثنا جعفر [بن برقان] قال: حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: (المكثرون في النار إلا من قال هكذا وهكذا، وأشار بكفيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله). ثم قال: (وقليل ما هم). قال يزيد: (إن لم أكن سمعته من أبي هريرة - وأشار بإصبعيه إلى أذنيه - وإلا فصمتا).رواه أحمد في الزهد. - وقال يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، عن أبي حازم الأشجعي قال: قال أبو هريرة: «من كسا خَلَقاً كساه الله به حريراً، ومن كسا جديداً كساه الله به إستبرقا». رواه ابن أبي شيبة. - وقال أبو شيبة العلاء بن خالد البصري: حدثنا عطاء بن أبي رباح قال: رأيتُ أبا هريرة رضي الله عنه يطوف بهذا البيت ينادي: (لا صدقةَ إلا عن فضلِ العيال). رواه مسدد بن مسرهد كما في المطالب العالية، وابن المبارك في البر والصلة. - وقال عمرو بن عاصم الكلابي: حدثنا إياس بن أبي تميمة قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما وَجَعٌ أحبّ إليَّ من الحمى؛ لأنها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع، وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر). رواه ابن سعد. - وقال مسكين بن بكير الحراني، عن جعفر بن برقان الكلابي، عن يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذل - أو الجذع - في عين نفسه). رواه البخاري في الأدب المفرد موقوفاً، ورواه ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن حِميَر القضاعي عن جعفر بن برقان بنحوه مرفوعاً، والموقوف أصحّ إسناداً. |
الردّ على الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه
- قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي زين؛ أنه رأى أبا هريرة يضرب بيده ثم يقول: (يا أهل العراق! تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم المهنأ وعليَّ المأثم؟!!).رواه ابن أبي خيثمة. - وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك: (وإنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معاني الأخبار، إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف مذهبهم الذي هو كفر، فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه تمويها على الرعاء والسفل، أن أخباره لا تثبت بها الحجة، وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرى طاعة خليفة، ولا إمام إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة، أو قدري اعتزل الإسلام وأهله وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى، وقضاها قبل كسب العباد لها إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها، أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه، وأخباره تقليدا بلا حجة ولا برهان كلم في أبي هريرة، ودفع أخباره التي تخالف مذهبه، ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة أخبارا لم يفهموا معناها). |
رواة القراءة والتفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه
قرأ أبو هريرة على أبيّ بن كعب رضي الله عنهما، وقرأ عليه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج. وأما الحديث فقد روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين حتى روى عنه بعض كبار الصحابة. - قال سعيد بن سفيان الجحدري: حدثنا شعبة، عن أشعث بن أبي الشعثاء، قال: سمعت أبي يحدث، قال: قدمت المدينة، فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقلت: تحدث عن أبي هريرة، وأنت صاحب منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لأن أحدّث عن أبي هريرة أحبُّ إليَّ من أن أحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم». رواه الحاكم في المستدرك. - وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: (بلغ عدد من روى عن أبي هريرة من الصحابة ثمانية وعشرين رجلاً، فأمّا التابعون فليس فيهم أجلّ ولا أشهر وأشرف وأعلم من أصحاب أبي هريرة). وروى عنه في التفسير خلق كثير: من الصحابة: ثوبان بن بجدد، وأنس بن مالك، وابن عباس. ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وأبو صالح ذكوان بن عبد الله السمان، ومرة بن شراحيل الهمداني، وأبو عثمان النهدي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وهمام بن منبه، ومحمد بن سيرين، وسعيد المقبري، والقاسم بن محمد، وأبو العلاء عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، وعامر بن شراحيل الشعبي، وعبد الله بن رافع، وأبو زرعة بن عمرو البجلي، ومجاهد بن جبر، ومحمد بن كعب القرظي، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبو أيوب يحيى بن مالك المراغي، وعبد الرحمن بن حجيرة. وأرسل عنه: الحسن البصري، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وأبو حازم سلمة بن دينار، ومكحول الدمشقي، وسالم بن أبي الجعد، ويحيى بن أبي كثير، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبو قلابة الجرمي، وقتادة السدوسي. |
مما روي عنه في التفسير:
- قال سليمان التيمي، عن أبي صالح البصري، عن أبي هريرة، قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير. - وقال معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي قال: جئت إلى أبي هريرة وهو جالس في المسجد الحرام، قلت: أخبرني عن الصلاة الوسطى. قال: (أما سمعت الله يقول: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} الآية، {ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} فذكر الصلوات كلها، ثم قال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ألا وهي العصر، ألا وهي العصر). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار. - وقال سليمان بن بلال المدني: حدّثني معاوية بن أبي مزرّدٍ، عن سعيد بن يسارٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((خلق اللّه الخلق، فلمّا فرغ منه قامت الرّحم، فأخذت بحقو الرّحمن، فقال له: مه. قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا ربّ. قال: فذاك. قال أبو هريرة: (اقرءوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم}). رواه البخاري. - وقال شيبان، عن يحيى، قال: أخبرني أبو سلمة، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ وأبو هريرة جالسٌ عنده، فقال: أفتني في امرأةٍ ولدت بعد زوجها بأربعين ليلةً؟ فقال ابن عبّاسٍ: آخر الأجلين. قلت أنا: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}. قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي - يعني أبا سلمة - فأرسل ابن عبّاسٍ غلامَه كريبًا إلى أمّ سلمة يسألها. فقالت: «قُتل زوج سبيعة الأسلميّة وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلةً، فخطبت فأنكحها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وكان أبو السّنابل فيمن خطبها». رواه البخاري. - وقال محمد بن إسحاق: أخبرني سعيد بن يسار، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جمع الله العباد في صعيد واحد، نادى مناد: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا، عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودا، فذلك قول الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}يبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة). رواه الدارمي. - وقال أبو كريب: حدثنا وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة، {فرت من قسورة} قال: (هو الأسد). رواه ابن جرير، وعلّقه البخاري في صحيحه. |
الساعة الآن 02:16 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir