معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   منتدى الإعداد العلمي (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=777)
-   -   مجلس مذاكرة (لمعة الاعتقاد) (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=5522)

ساجدة فاروق 24 ربيع الأول 1431هـ/9-03-2010م 06:03 AM

مجلس مذاكرة (لمعة الاعتقاد)
 
إخواني الطلاب وأخواتي الطالبات هذا المجلس مخصص لاستقبال مشاركاتكم في تلخيص ومراجعة موضوعات لمعة الاعتقاد .

تهاني عايض 24 ربيع الأول 1431هـ/9-03-2010م 01:04 PM

تنبيه
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت درس الإيمان بالقضاء والقدر فوجدته نافعا جزاكم الله عن خيرا، ومن باب محبة اكمال النفع
فقد وجدت في شرح الشيخ المحمود الذي نقلته الأخت طيبة أخطاء قد تغير المعنى، فمثلا بدل ما أن تكتب كلمة الشكر كتبت الشر، فتغير المعنى بالإضافة إلى وجود تكرار ونسيان بعض الأحرف في بعض الكلمات التي قد تغير المعنى
واستبيحها عذرا، فإني أعلم اننا بشر، والخطأ وارد، لكن ذكرته من باب اتمام الفائدة
فتقبلوه بصدر رحب جزاكم الله عنا خير

عبد العزيز الداخل 24 ربيع الأول 1431هـ/9-03-2010م 01:22 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكر الله لك تنبيهك ، وقد صححت الخطأ.

فإن بدا لك ملاحظات أخرى فبينيها .. بارك الله فيك.

أحمد الدهشورى 12 شوال 1431هـ/20-09-2010م 12:07 AM

http://www.4shared.com/file/M2G5C1Cr/_2__0.html
الدرس الأول (مقدمات) لمعة الاعتقاد،
قمت بقص ولصق الإجابات من الشروح المفرغة للإجابة عن الأسئلة الموجودة فى آخر الموضوع،ويوجد سؤال واحد لم أجد الإجابةعنه.
وبعض الأسئلة لم أذكرها لورود إجاباتها فى أجوبة أسئلة أخرى.

أحمد الدهشورى 12 شوال 1431هـ/20-09-2010م 07:23 AM

مقدمة فى صورة سؤال وجواب:
س1: تكلم عن أهمية علم العقيدة.
مَعْرُوفٌ أنَّ الرُّسُلَ كُلَّهُم بَدَأُوا رِسَالَتَهُم بأمرِ العقيدةِ التي هيَ عبادةُ اللهِ، بِقَوْلِهِ تعالى: {اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} تَقْرِيرًا للإلهيَّةِ بأنَّ اللهَ تعالى هوَ الإلهُ ، بحيثُ يَعْتَرِفُونَ أنَّ لهم رَبًّا ، وأنَّ ربَّهُم هوَ اللهُ ، وأنَّهُ الذي لهُ الإلهيَّةُ وحدَهُ ، ولا تَصْلُحُ الإلهيَّةُ إلاَّ لهُ سبحانَهُ وتعالَى .
وهذا مبدأُ العقيدةِ وَأَسَاسُهَا كما سَيَأْتِي ، فالرسلُ بَدَأُوا بِأَمْرِ العقيدةِ ، ومنهم نَبِيُّنَا محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِأَمْرِ العقيدةِ ، فَبَقِيَ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ بعدَ أنْ أُوحِيَ إليهِ ، لم يَدْعُ إلاَّ إلى العقيدةِ ، وهيَ مَعْرِفَةُ اللهِ وعِبَادَتُهُ وَأَدَاءُ حَقِّهِ ، وتَرْكُ عِبَادةِ ما سِوَاهُ ، وإقامةُ الأدلَّةِ التي تُثْبِتُ للهِ وحدَهُ العبوديَّةَ وَتَنْفِي عنْ ما سِوَاهُ أنْ يَكُونَ معبودًا أوْ إِلَهًا .
وتَطُولُ الأدلَّةُ والبراهينُ على ذلكَ ، فَفي كثيرٍ من السُّوَرِ المَكِّيَّةِ يَذْكُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَدُلُّ على أنَّهُ سُبْحَانَهُ هوَ الربُّ ، وهوَ الإلَهُ ، وهو المعبودُ وَحْدَهُ ، وَيُقِيمُ على ذلكَ الأدلَّةَ الواضحَةَ التي يَرَاهَا الإنسانُ عِيَانًا ، وَيَذْكُرُهَا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَجْحَدَهَا أوْ يُنْكِرَهَا.
فَنَجِدُ مَثَلاً في سورةِ الإنسانِ قَوْلَهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}
أليسَ هذا تقريرًا للإلهيَّةِ ، وأنَّ الذي خَلَقَ الإنسانَ بعدَ أنْ كانَ مَعْدُومًا هوَ الخالقُ المُنْفَرِدُ بالخلقِ تقريرًا؛ لأنَّهُ هوَ الخالقُ وحدَهُ ، وأنَّهُ هوَ الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ ، ولا يَجْحَدُه إلاَّ مُعَانِدٌ .
ثُمَّ السُّورَةُ الَّتي بَعْدَهَا فِيها أَيْضًا تَقْريرُ ذلكَ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْواتًا} (26) إلى آخِرِ الآياتِ ؛ يَذْكُرُ اللهُ آياتٍ وَدَلالاتٍ عَلى أَنَّهُ هُوَ المُنْفَرِدُ بِالإلهيَّةِ ، وَأَنَّهُ هُوَ المُتَصَرِّفُ بِالرُّبوبيَّةِ وَحْدَهُ ؛ لأنَّ هذا تَصَرُّفُهُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ، فَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يَكُونَ مَعْبودًا وَحْدَهُ دونَ ما سِوَاهُ .
كَذلكَ السُّورَةُ الَّتِي بَعْدَها {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)} إلى آخِرِ الآياتِ تَقْريرٌ للألوهيَّةِ ، وَعَرْضُ المُعْجِزاتِ وَالبَراهينِ الّتِي مَنْ تَأَمَّلَها وَتَعَقَّلَها رَسَخَتِ العَقِيدةُ في قَلْبِهِ ؛ بِحَيْثُ يُعْرَفُ أَنَّ الَّذِي أَوْجَدَ هَذِهِ الكائِناتِ عَلى هذا الإِحْكامِ ؛ غَايَةَ الإحكامِ، أَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُعَظَّمَ ، وَأَهْلٌ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ ، وَأَنْ يُشْكَرَ وَيُذْكَرَ، وَأَنْ تَكونَ الطَّاعَةُ لَهُ دونَ ما سِواهُ ، وَأَهْلٌ أَنْ يُطَاعَ رُسُلُهُ الّذين أَرْسَلَهُمْ وَحَمَّلَهُم رِسَالَتَهُ .
وَفِي السُّورَةِ الّتي بَعْدَها يَقُولُ تَعالى { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) } إلى آخِرِ الآياتِ ، يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهذا الخَلْقِ المُحْكَمِ العَظيمِ الَّذِي لا يَسْتَطيعُ أَيُّ مَخْلوقٍ أَنْ يُغَيِّرَهُ عَنْ وَضْعِهِ.
فَالَّذِي أَوْجَدَ هَذهِ المَخْلوقَاتِ هُو الإلهُ ، وَهُوَ الرَّبُّ ، وَهُوَ المَعْبودُ وَحْدَهُ.
وَفِي السُّورَةِ الّتي بَعْدَها يَقولُ تَعَالى {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) } إلى آخِرِ الآياتِ ، وَفِي هَذا يُذَكِّرُ الإنْسانَ بِأَنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذا هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، وَلا يَسْتَطِيعُ مَخْلوقٌ مَهْما كَانَتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ هَذا الأَمْرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ اللهُ سُبْحَانَهُ .
إِذاً: فَهذا يُبَيِّنُ أَنَّ العَقيدَةَ هِيَ أَوَّلُ مَا بَدَأَ بِهِ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَتِهِ.



س2: بين معنى (العقيدة) وسبب تسمية علم العقيدة بهذا الاسم؟
العقيدةُ التي منها هذهِ الرسالةُ (لُمْعَةُ الاعتقادِ) ، ومنها ( العقيدةُ الواسطيَّةُ) وغيرُهَا ؛ مُشْتَقَّةٌ من العَقْدِ ، وذلكَ أن العَقْدَ هوَ رَبْطُ الشيءِ بَعْضُهُ ببعضٍ ، تَقُولُ : عَقَدْتُ الحبلَ بِبَعْضِهِ ، أيْ: وَثَقْتُهُ ورَبَطتُهُ ، وسُمِّيَتْ بِذلكَ ؛ لأنَّ القلبَ يَعْقِدُ عليها عَقْدًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا لا سبيلَ إلى انفكاكِهِ ، وذلكَ لأنَّ أَدِلَّتَهَا جَلِيَّةٌ صَحِيحَةٌ واضِحَةٌ لا يَعْتَرِيهَا شَكٌّ ولا تَغَيُّرٌ ، وأَدِلَّتُهَا نصوصٌ قَطْعِيَّةُ الثبوتِ ، وقطعيَّةُ الدلالةِ ؛ فَلأَجْلِ ذلكَ يَعْقِدُ عليها القلبُ ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَتَزَعْزَعَ هذا الاعتقادُ من القلبِ إلاَّ إذا كانَ العقدُ غيرَ مُحْكَمٍ وغيرَ قَوِيٍّ، فإنَّهُ عُرْضَةٌ للتَّزَعْزُعِ .

س3: تحدث عن حال السلف في تربية أولادهم على العقيدة الصحيحة.
كانَ العلماءُ والمسلمونَ عمومًا يُرَبُّونَ أولادَهم على العقيدةِ منذُ الطفولةِ ، وَيُلَقِّنُونَهُم كيفَ عَرَفُوا رَبَّهُم ، وبأيِّ شيءٍ عَرَفُوهُ، ولأيِّ شيءٍ خُلِقُوا ، وبأيِّ شيءٍ أُمِرُوا ، وأوَّلَ ما فُرِضَ عليهم، وأهمَّ الفرائضِ ، وما إلى ذلكَ ؛ حتَّى إذا تَلَقَّاهَا الطفلُ في صِغَرِهِ ، وَتَرَبَّى عليها نَبَتَ لَحْمُهُ وَعَظْمُهُ ، وعَصَبُهُ وَعَقْلُه على هذهِ العقيدةِ ، فَأَصْبَحَتْ رَاسِخَةً لا تَتَزَعْزَعُ ، بحيثُ لوْ عُرِضَتْ عليهِ بعدَ ذلكَ شُبُهَاتٌ ، أوْ أُتِيَ بما يُزَعْزِعُ وبما يَفْتِنُ ، بلْ لوْ فُتِنَ وحُبِسَ وضُرِبَ وَأُوذِيَ فَلَنْ يَتَغَيَّرَ اعْتِقَادُه ، وذلكَ للأسبابِ التاليةِ:
أولاً: أنَّهُ تَرَبَّى عليها منذُ صِغَرِه،وَتَلَقَّاهَا وهو طفلٌ.
ثانيًا: أنَّهُ أَلْفَى عليها أَبَوَيْهِ ، وأبواهُ أَنْصَحُ الخلقِ لهُ، وهما يُحِبَّانِ لهُ أنْ يَتَرَبَّى على الخيرِ.
ثالثًا: أنَّ الأدلَّةَ التي تُؤَيِّدُ هذا الاعتقادَ أَدِلَّةٌ جليَّةٌ واضحةٌ في ظهورِ معناها،صحيحةٌ قَطْعِيَّةُ الثبوتِ لا يُمْكِنُ أنْ يَعْتَرِيَها شكٌّ، أوْ تَغَيُّرٌ.

س4: ما معنى (لمعة الاعتقاد)؟
الجبرين: سَمَّاهَا لُمْعَةً ؛ لأَنَّها ذَاتُ أَدِلَّةٍ صَحيحةٍ صَريحةٍ مُضيئَةٍ تَلْمَعُ لَمَعانًا كَلَمَعَانِ السُّرُجِ القَوِيَّةِ ، وَكَلَمَعانِ النُّجومِ فِي الليْلَةِ المُظْلِمَةِ، يَعْنِي: أَنَّها ذَاتُ أَدِلَّةٍ وَاضِحَةٍ، وَذَاتُ دَلالَةٍ لا خَفَاءَ فِيها فِي الاعْتِقَادِ.
المحمود: معنى اللمعة : ما خالف بقية اللون , كأن يكون مثلاً اللون أسود , وتكون في بقعة بيضاء , فتسمى هذه البقعة البيضاء لمعة ، ولذا اشتهرت هذه الكلمة بأنها تطلق على لمعة الفرس التي تكون غالباً في الخيل ونحوه ، وتكون هذه اللمعة لمعة بيضاء ، وبقية الجسم إما أدهم أو قريباً من ذلك , المهم أنه اشتهر إطلاق هذا اللفظ على لمعة الفرس . أو أن اللمعة بمعنى البُلْغة من العيش .
وعلى هذا أو هذا فالشيخ رحمه الله تعالى قصد بكتابه حين سماه بلمعة الاعتقاد , أنه يحتوي على بلغة من الاعتقاد الصالح الصحيح أو أنه لمعة بيضاء
منيرة لصفائها وصحة دليلها لأنها عقيدة مستمدة من الكتاب والسنة.
س5: ما الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته؟
الواجِبُ في نصوصِ الكتابِ والسنَّةِ إبقاءُ دلالَتِها على ظاهِرِها مِنْ غيرِ تَغْييرٍ.

س6: اذكر تفسيراً مختصراً لقول الله تعالى (لله الأسماء الحسنى فادعوه بها(
أيْ: بالِغَةٌ في الحُسْنِ غايَتَهُ؛ لأنَّها مُتَضَمِّنَةٌ لصفاتٍ كامِلَةٍ لا نَقْصَ فيها بوجْهٍ من الوجوهِ.

س7: هل (الدهر) من أسماء الله؟ ولماذا؟ وضح إجابتك مع الدليل.
ليسَ مِنْ أسماءِ اللهِ: الدَّهْرُ(10)؛ لأنَّهُ لا يَتَضَمَّنُ معْنًى يَبْلُغُ غايَةَ الحُسْنِ، فأمَّا قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( ((لاَ تسُبُّوا الدَّهْرَ فإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ (( ،فمعْنَاهُ: مالِكُ الدهرِ المُتَصَرِّفُ فيهِ؛ بدليلِ قولِهِ في الروايَةِ الثانيَةِ عن اللهِ تعالَى : ((بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهار.((

س8: هل أسماء الله تعالى محصورة بعدد معين؟ دلل على ما تقول.
:أسماءُ اللهِ غيرُ محصورَةٍ بعددٍ مُعَيَّنٍ.
لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ المشهورِ: ((أَسْأَلُكَ اللَّهم بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ))(11).
وما اسْتَأْثَرَ اللهُ بهِ في عِلْمِ الغيبِ عندَهُ لا يُمْكِنُ حَصْرُهُ ولا الإِحاطَةُ بهِ.
والجمعُ بينَ هذا وبينَ قولِهِ في الحديثِ الصحيحِ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))، أنَّ مَعْنَى هذا الحديثِ: أنَّ مِنْ أسماءِ اللهِ تسعَةً وتسعينَ اسمًا، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجنةَ، وليسَ المرادُ حصْرَ أسمائِهِ تعالَى بهذا العدَدِ، ونظيرُ هذا أن تَقولَ: عندِي مِائَةُ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتُها للصدَقَةِ، فلا يُنَافِي أن يكونَ عندَكَ دَرَاهِمُ أخْرَى أعْدَدْتَها لغيرِ الصدَقَةِ.

س9: ما معنى كون أسماء الله تعالى (توقيفية)؟
يَتَوَقَّفُ إثْباتُها على ما جاءَ عن الشرعِ، فلا يُزادُ فيها ولا يُنْقَصُ؛ لأنَّ العقلَ لا يُمْكِنُهُ إدراكُ ما يَسْتَحِقُّهُ تعالَى من الأسماءِ، فَوَجَبَ الوقوفُ في ذلكَ على الشرْعِ؛ ولأنَّ تَسْمِيتَهُ بما لم يُسَمِّ بهِ نفْسَهُ، أوْ إِنْكارَ ما سَمَّى بهِ نفسَهُ، جِنَايَةٌ في حقِّهِ تعالَى، فوَجَبَ سُلُوكُ الأَدَبِ في ذلكَ .

س10: (صفات الله تعالى كلها عليا) اشرح هذه القاعدة، مع ذكر ما تتضمنه من المسائل.
صِفَاتُ كَمَالٍ ومَدْحٍ، ليسَ فيها نَقْصٌ بوجْهٍ من الوجوهِ.
كالحياةِ، والعلْمِ، والقُدْرَةِ، والسَّمْعِ، والبصرِ، والحكْمَةِ، والرحمةِ، والعُلُوِّ، وغيرِ ذلكَ؛ لقولِهِ تعالَى)) وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ((ولأنَّ الربَّ كامِلٌ فَوَجَبَ كَمَالُ صفاتِهِ.
وإذا كانَت الصِّفَةُ نَقْصًا لا كَمَالَ فيها فهيَ مُمْتَنِعَةٌ في حقِّهِ، كالموتِ، والجهلِ، والعَجْزِ، والصَّمَمِ، والعمَى، ونحوِ ذلكَ؛ لأنَّهُ سُبْحَانَهُ عَاقَبَ الواصِفِينَ لهُ بالنقْصِ، وَنَزَّهُ نَفْسَهُ عمَّا يَصِفُونَهُ بهِ من النقائِصِ ؛ ولأنَّ الرَّبَّ لا يُمْكِنُ أن يكونَ ناقِصًا؛ لمنافاةِ النقصِ للربوبِيَّةِ.
* وإذا كانَت الصِّفَةُ كَمَالاً منْ وجْهٍ، ونَقْصًا مِنْ وجهٍ، لم تَكُنْ ثابِتَةً للهِ ولا مُمْتَنِعَةً عليهِ على سبيلِ الإطلاقِ، بلْ لا بدَّ مِن التفصيلِ، فَتَثْبُتُ للهِ في الحالِ التي تكونُ كَمَالاً، وتَمْتَنِعُ عليهِ في الحالِ التي تكونُ نقْصًا، كالمكْرِ، والكَيْدِ، والخِداعِ، ونحوِها، فهذه الصِّفاتُ تكونُ كَمَالاً إذا كانَت في مُقَابَلَةِ مِثْلِها؛ لأنَّها تدلُّ على أنَّ فاعِلَها ليسَ بعاجِزٍ عنْ مُقَابَلَةِ عَدُوِّهِ بمثْلِ فِعْلِهِ، وتكونُ نَقْصًا في غيرِ هذه الحالِ، فَتَثْبُتُ للهِ في الحالِ الأُولَى دونَ الثانيَةِ، قالَ اللهُ تعالَى ((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين))
((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16(( (
))إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)) ، إلى غيرِ ذلكَ.
فإذا قيلَ: هلْ يُوصَفُ اللهُ بالمكْرِ مثلاً؟
فلا تَقُلْ: نَعَمْ، ولا تَقُلْ: لا، ولكِن قُلْ: هوَ مَاكِرٌ بمَنْ يَسْتَحِقُّ ذلكَ، واللهُ أعلَمُ.

س11: بين المراد بالصفات الثبوتية والسلبية، مع التمثيل لكل نوع بمثال
فالثبوتيَّةُ: ما أثْبَتَها اللهُ لنفْسِهِ كالحياةِ،والعِلْمِ، والقُدْرَةِ.
ويَجِبُ إثباتُها للهِ على الوجْهِ اللائِقِ بهِ؛ لأنَّ اللهَ أثْبَتَها لنفسِهِ، وهوَ أعلَمُ بصفاتِهِ.
* والسَّلْبِيَّةُ: هيَ التي نفاها اللهُ عنْ نفسِهِ كالظُّلْمِ، فيَجِبُ نَفْيُها عن اللهِ؛ لأنَّ اللهَ نَفَاها عنْ نَفْسِهِ، لكن يَجِبُ اعْتِقَادُ ثُبُوتِ ضِدِّها للهِ على الوجْهِ الأكمَلِ؛ لأنَّ النَّفْيَ لا يَكونُ كَمَالاً حتَّى يَتَضَمَّنَ ثُبُوتًا.
مثالُ ذلكَ: قولُهُ تعالَى: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فيَجِبُ نَفْيُ الظُّلْمِ عن اللهِ معَ اعْتِقَادِ ثُبُوتِ العَدْلِ للهِ على الوجْهِ الأكمَلِ.

س12: بين الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية؟
الذاتيَّةُ:هيَ التي لم يَزَلْ ولا يزالُ مُتَّصِفًا بها،كالسمعِ والبصرِ.
والفعليَّةُ:هيَ التي تَتَعَلَّقُ بمشيئَتِهِ؛ إنْ شاءَ فعَلَها، وإنْ شاءَ لم يَفْعَلْها؛ كالاستواءِ على العرشِ والمجيءِ.
وربَّما تكونُ الصفةُ ذاتيَّةً فعليَّةً باعتبارَيْنِ كالكلامِ، فإنَّهُ باعتبارِ أصْلِ الصفةِ صفةٌ ذاتيَّةٌ؛ لأنَّ اللهَ لم يزَلْ ولا يزالُ مُتَكَلِّمًا، وباعتبارِ آحادِ الكلامِ صفةٌ فعليَّةٌ؛ لأنَّ الكلامَ مُتَعَلِّقٌ بمشيئَتِهِ، يَتَكَلَّمُ بما شاءَ متى شاءَ.

س13: هل صفات الله تعالى حقيقية أم مجازية؟ ولماذا؟
: نَعَمْ حقيقيَّةٌ ؛ لأنَّ الأصلَ في الكلامِ الحقيقةُ، فلا يُعْدَلُ عنها إلاَّ بدليلٍ صحيحٍ يَمْنَعُ منها.

س14: ما معنى تكييف الصفات؟ وهل يجوز؟ ولماذا؟
ذِكْرُ كيفيَّةِ الصفةِ غيرَ مُقَيَّدَةٍ بمُمَاثِلٍ..لا يجوز... لقولِهِ تعالَى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}، ولأنَّ العقلَ لا يُمْكِنُهُ إدراكُ كيفيَّةِ صفاتِ اللهِ

س15: اذكر تفسيراً مختصراً لقول الله تعالى: {ليس كمثله شيء} مع بيان ما تفيده هذه الآية في باب الأسماء والصفات.
هذا نَفْيٌ لِلْمُمَاثَلَةِ عنه سُبْحَانَه وتَعالَى، فلا أَحَدَ يُمَاثِلُهُ وَلاَ أَحَدَ يُشْبِهُهُ، ولاَ أَحَدَ يُكَافِيه سُبْحَانَه وتَعالَى؛ لأنه أَعْظَمُ مِن كلِّ شَيْءٍ؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
وهذا فيه: اسْتِغْرَاقٌ للنَّفْيِ؛ لأن النكِرَةَ إذا ذُكِرَت في سِياقِ النفْيِ تَعُمُّ؛ فلا أَحَدَ يُشْبِهُ اللهَ عَزَّ وجلَّ مِن جميعِ المخلوقاتِ؛ لِعَظَمَتِهِ وكِبْرِيائِهِ سُبْحَانَه وتَعالَى وغِناهُ وقُدْرَتِهِ، فلا أحَدَ يُشْبِهُ اللهَ عزَّ وجلَّ مِن الخَلْقِ

س16: بين الفرق بين التمثيل والتكييف.
أن التمثيلَ : ذِكْرُ كيفيَّةِ الصفةِ مُقَيَّدةً بمُمَاثِلٍ.
والتكييفَ : ذِكْرُ كيفيَّةِ الصفةِ غيرَ مُقَيَّدَةٍ بمُمَاثِلٍ.
مثالُ التمثيلِ : أنْ يقولَ قائِلٌ: يَدُ اللهِ كَيَدِ الإنسانِ.
ومثالُ التكييفِ : أنْ يَتَخَيَّلَ ليدِ اللهِ كيفيَّةً مُعَيَّنَةً لا مَثيلَ لها في أَيْدِي المخلوقِينَ، فلا يجوزُ هذا التَّخَيُّلُ

س17: من هم المعطلة؟ اذكر القاعدة العامة في الرد عليهم
المُعَطِّلَةُ: هم الذينَ يُنْكِرون شَيْئًا مِنْ أسماءِ اللهِ أوْ صفاتِهِ ويُحَرِّفون النصوصَ عنْ ظاهِرِها. ويقالُ لهم: المُؤَوِّلَةُ
والقاعِدةُ العامَّةُ فيما نَرُدُّ بهِ عليهم أن نقولَ: إنَّ قولَهم:
- خِلافُ ظاهِرِ النصوصِ.
- وخلافُ طريقَةِ السَّلَفِ.
- وليسَ عليهِ دليلٌ صحيح

س18: من الفضائل العامة للصحابة رضي الله عنهم (كونهم على منهج واحد في العقيدة) بين فائدة ذلك في دراسة علم العقيدة
لَمْ يَظْهَرْ فِيمَا بَيْنَ الصَّحابَةِ مَنْ يُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الاعْتِقادِ ، وَلا ظَهَرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَنْ يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ دَلالةِ النُّصوصِ، وَهذا مِنْ تَزْكِيَةِ اللهِ تَعَالى لِصَحابَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ إِذْ لَمَّا زَكَّاهُم اللهُ تَعَالى وَفَضَّلَهُمْ عَلى غَيْرِهِمْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلكَ ، فَلَم يَظْهَرْ فِيهِم وَالحَمْدُ للهِ مُبْتَدِعٌ، وَلا خَارِجيٌّ ، وَلا قَدَرِيٌّ ، وَلا رَافِضِيٌّ ، وَلا مُعْتَزليٌّ ، وَلا أَشْعَرِيٌّ ، وَلا جَبْريٌّ ، وَلا مُرْجِئٌ ، وَلا صُوفِيٌّ ؛ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ شَيءٌ مِنْ هَذِهِ البِدَعِ ، بَلْ كُلُّهُمْ عَلَى عَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، هَذا هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم .
وَبَعْدَما دَخَلَ فِي الإِسْلامِ بَعْضُ المُنافِقينَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ بَدَأَ ظُهُورُ البِدَعِ ، ولَمَّا ظَهَرَت اهْتَمَّ الصَّحابَةُ بِإِظْهَارِ السُّنَنِ ، وَأَوْضَحُوهَا بِالأدِلَّةِ القاطِعَةِ.

س19: ما هي أول البدع ظهوراً؟
بِدْعَةُ الخَوارِجِ.

س20: اذكر تعريفاً مختصراً لما يأتي:
أ) بدعة الخوارج.
الخَوارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَن الطَّاعَةِ ، وَكَفَّرُوا الصَّحابَةَ، وَكَفَّرُوا المُسْلِمينَ، وَقَتَلُوا الأَبْرِياءَ
ب) بدعة القدرية الأولى.
خَرَجُوا فِي آخِرِ عَهْدِ الصَّحابَةِ ، وَأَنْكَرُوا عِلْمَ اللهِ السَّابِقَ لِلأشْياءِ قَبْلَ وُجُودِهَا ، وَقَالُوا: إِنَّمَا يَعْلَمُ الأَشْياءَ عِنْدَما تَحْدُثُ.
ج) بدعة المعتزلة.
اعْتَزَلُوا مَجْلِسَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ، وَكَانَ رَئِيسُهُم الَّذِي يُقَالُ لَهُ : وَاصِلُ بنُ عَطَاءٍ ، يَجْلِسُ يُقَرِّرُ مَذْهَبَهُ ، وَأَخَذَ يُشِيرُ إليْهِم الحَسَنُ وَيَقولُ : هَؤلاءِ المُعْتَزِلَةُ ، اعْتَزَلُوا مَعَ وَاصلٍ.
د) بدعة المعطلة.
الّذين أَنْكَرُوا صِفاتِ اللهِ تَعَالى ، وَتَأَوَّلُوا نُصُوصَها، وَبَالَغُوا فِي إِنْكَارِها.

س21: تحدث باختصار عن تطور أمر المعتزلة??????

س22: ما موقف الخليفة العباسي (المهدي) من الزنادقة؟
فَطِنَ لهَمُ الخَليفةُ المَهْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثيرًا ، فَكُلُّ مَن اتُّهِمَ بِأَنَّهُ زِنْديقٌ مُنْكِرٌ للخَلْقِ وَالخالِقِ ، أَوْ يَذْهَبُ مَذاهِبَ الفَلاسِفَةِ فِي إِنْكَارِ بَدْءِ الخَلْقِ وَإِعَادَتِهِ ، وَيَدَّعِي أَنَّ الأمْرَ مُسْنَدٌ إِلى الطَّبائِعِ وَنَحْوِ ذلكَ ؛ أَخَذَهُ وَقَتَلَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَتِيبُهُمْ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ يَقُولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.

س23: متى نشأ علم الكلام؟ وكيف انتشر؟
العِلْمَ الَّذِي يَخُوضُ فِي غَيْرِ دَليلٍ ، يَخُوضُ فِي الأُمُورِ الخَفِيَّةِ ؛ فِي الجَوَاهِرِ وَالأعْرَاضِ وَالأبْعَاضِ ، وَالافْتراضاتِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلكَ.
شَغَلَ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ القُرُونِ المُتَأَخِّرَةِ ، بِحَيْثُ إِنَّهُم كَرَّسُوا جُهُودَهُمْ فِي هَذا الكَلامِ ، وَأَخَذُوا يَفْتَرِضُونَ افْتِرَاضَاتٍ ؛ إِنْ كَانَ كَذا فَمَاذا يَكُونُ كَذا ؟ وَمَا هُوَ جَوَابُهُ ؟ حتَّى مَلأُوا صُدورَ النَّاسِ بِمَا لا فَائِدَةَ فِيه ، وَمَلأُوا الكُتُبَ بِما لا أَهَمِّيَّةَ لَهُ،
انْتَشَرَ عِلْمُ الكَلامِ هَذا فِي كُتُبِ الأَشاعِرَةِ ، وفي كُتُبِ المُعْتَزِلَةِ ؛ فَحَشَدُوا الكَثيرَ مِنْهُ فِي كُتُبِ التَّفْسيرِ ، وَفِي كُتُبِ العَقائِدِ ، وَفِي كُتُبِ الأُصُولِ وَمَا أَشْبَهَهَا ، وَافْتَرَضُوا افْتِراضَاتٍ لا دَليلَ عَلَيْها.

س24: ما موقف السلف من علم الكلام؟
نقِّحُوا العَقيدةَ ، لَمَّا رَأَوْا فِي القَرْنِ الثَّاني وَفِي القَرْنِ الثَّالثِ وَمَا بَعْدَهُ تَغَيُّرَ النَّاسِ فِي بَابِ الاعْتِقادِ ، ولَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكْتُبُوا فِي ذَلكَ ، وَيُقَرِّرُوا ، وَيُبْدِئُوا وَيُعِيدُوا ، وَيُظْهِرُوا المَذْهَبَ الصَّحيحَ وَالعَقيدةَ السَّلَفيَّةَ السَّليمَةَ وَيُبَيِّنُوهَا عَلَنًا، حتَّى لا يَقَعَ فِي خِلافِهَا مَنْ قَصْدُهُ الحقُّ.
فَكُتُبُ السَّلَفِ فِي العَقيدَةِ كَثيرةٌ وَشَهيرةٌ:
مِنْها: مَا سُمِّيَ بِكتَابِ الإِيمانِ ، مُتَقَدِّمًا وَمُتَأَخِّرًا وَمُخْتَصَرًا وَمَبْسُوطًا، مِثْلَ (كِتَابِ الإِيمانِ) لابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، و(كِتَابِ الإيمانِ)لأبِي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بنِ سَلاَّمٍ ، و (كِتَابِ الإيمانِ) لابنِ مَنْدَهْ فِي ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ، وَكُلُّهَا مَطْبُوعَةٌ.
وَمِنْها: مَا سَمَّوْهُ بِكُتُبِ السُّنَّةِ؛(كالسُّنَّةِ) للإمَامِ أَحْمَدَ، والسُّنَّةِ لابنِهِ عَبْدِ اللهِ، و(َالسُّنَّةِ)لِلْخَلاَّلِ، وَ(السُّنَّةِ)لابنِ أَبِي عَاصِمٍ، وغيرِهَا.

وَمِنْها: مَا سَمَّوْهُ بِالتَّوحيدِ، (كَكِتَابِ التَّوْحيدِ)لابنِ خُزَيْمَةَ، و(التَّوْحيدِ) لابنِ مَنْدَهْ.
وَمِنْها: مَا سُمِّيَ بِأَسْماءٍ أُخْرَى، (كَالرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ وَالزَّنادِقَةِ فِيمَا شَكُّوا فيهِ مِن مُتَشابِهِ القُرآنِ) للإمامِ أَحْمَدَ ، (وَالرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ)لِعُثْمَانَ بنِ سَعيدٍ الدَّارِمِيِّ، (وَالرَّدِّ عَلَى بِشْرٍ المَرِيسِيِّ) لِلدَّارِمِيِّ أيضًا.
وَمِنْها: مَا لَهُ أَسْمَاءٌ خَاصَّةٌ، (كالشَّريعَةِ)لِلآجُرِّيِّ، (وَالإِبَانَةِ)لابنِ بَطَّةَ (الإبَانَةِ الصُّغْرَى، والإبَانَةِ الكُبْرَى)، (وَشَرْحِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْسَعِهَا لِلاَّلَكَائِيِّ.
هَذِهِ كُتُبٌ ضَمَّنَهَا مُؤَلِّفُوهَا العَقِيدةَ ، وَأَرَادُوا بِذلكَ أَنْ يُخْلِصُوا أَمْرَ المُعْتَقَدِ حتَّى لا تَضْمَحِلَّ عَقيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ.

س25: تحدث باختصار عن غربة أهل السنة في القرن الرابع والخامس والسادس الهجري. وما سبب ذلك؟
لَمَّا انْقَضَى القَرْنُ الثَّالِثُ آخِرُ القُرونِ المُفَضَّلَةِ أُمِيتَتْ هَذِهِ الكُتُبُ مَعَ الأَسَفِ ، وَأَصْبَحَتْ مَخْزُونَةً لا يُعْتَرَفُ بِها وَلا تُقْرَأُ ، وَلا تُدَرَّسُ إلاَّ نَادِرًا وَبِصِفَةٍ خَفِيَّةٍ ، وَتَمَكَّنَ مَذْهَبُ الأَشَاعِرَةِ وَمَذْهَبُ المُعْتَزِلَةِ أيَّمَا تَمَكُّنٍ ، وَانْتَشَرَ الإِكْبَابُ عَلَيْهِ ، وَكَثُرَت الدُّروسُ وَالكُتُبُ الّتي تُؤَلَّفُ فِيما يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ العَقَائِدِ ؛ عَقيدةِ الأَشْعَرِيَّةِ وَعَقيدةِ المُعْتَزِلَةِ ، وَكَادَت السُّنَّةُ وَكُتُبُها أَنْ لا يَكونَ لَها ذِكْرٌ ، بَلْ كَادَ مَذْهَبُ الإمامِ أَحْمَدَ أَنْ يَضْمَحِلَّ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ عَلَيْهِ إلاَّ قِلَّةٌ .

س26: اذكر أبرز جهود شيخ الإسلام في نشر مذهب السلف والرد على مخالفيهم.
لَمَّا أَنَّ اللهَ وَهَبَهُ عِلْمًا وَقُوَّةً وَجَرَاءَةً وَحِفْظًا وَذَكاءً وَقُوَّةَ أُسْلوبٍ ، وَوَهَبَهُ أَيْضًا شُهْرَةً بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَحَبَّةً اشْتَهَرَ بِها فِي القَاصِي وَالدَّانِي بِما مَعَهُ مِنَ المَعْلوماتِ لَمْ يُبَالِ بِأَهْلِ زَمَانِهِ وَلا بِمَنْ خَالَفَهُ بَلْ أَفْصَحَ بِما يَعْتَقِدُهُ ، وَجَدَّدَ عَقِيدَةَ السَّلَفِ ، وَكَتَبَ فِيها المُؤَلَّفاتِ الّتي لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُعَارِضَهُ فِيها ، وَبَيَّنَ فِيها مَا هُوَ أَجْلَى مِنَ الشَّمْسِ ، كَما هُوَ مَبْسُوطٌ أَوْ مُخْتَصَرٌ فِي مُؤَلَّفاتِهِ الكَبيرةِ المَبْسوطَةِ مِثْلَ: (مِنْهاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ) فَإِنَّ نَحْوَ ثُلُثِهِ الأَوَّلِ مُناقَشَةٌ فِي العَقيدَةِ ، وَفِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ؛ لأنَّ الرَّافِضِيَّ الَّذِي رَدَّ عَلَيْه بَدَأَهَا بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُم مُجَسِّمَةٌ، وَأَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ.
كَذَلِكَ كِتَابُهُ (العَقْلُ وَالنَّقْلُ) الَّذِي طُبِعَ فِي نَحْوِ أَحَدَ عَشَرَ مُجَلَّدًا، وَهُوَ أَوْضَحُهَا وَأَدَلُّهَا.
كَذَلِكَ (نَقْضُ التَّأْسِيسِ) وَالّذي طُبِعَ بَعْضُهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ تُطْبَعَ بَقِيَّتُهُ.
كَذَلِكَ رَسائِلُهُ الكَثيرةُ فِي المَجْموعِ ، نَحْوَ أَرْبَعَةِ مُجَلَّداتٍ ، كُلُّها فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، مِنَ الثَّالِثِ إِلى السَّادِسِ ، وَهَكَذا غَيْرُها ، لا شَكَّ أَنَّهُ مَا أَفْصَحَ بِذَلِكَ إِلاَّ لأَنَّ اللهَ تَعَالى وَهَبَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً عَلَى البَيَانِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَهْلُ زَمَانِهِ أَنْ يُقَاوِمُوهُ، فَهُوَ الَّذِي جَدَّدَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.

س27: تحدث باختصار عن خطورة علم الكلام وآثاره السيئة.
لمَّا قَرَأُوهُ تَمَكَّنَ مِنْ نُفُوسِهِمْ ، وَتَمَكَّنَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ الّتي هِيَ إِنْكارُ صِفَةِ العُلُوِّ ، وَإِنْكارُ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ ، وَإِنْكارُ الكثيرِ مِنَ الصِّفَاتِ الفِعْلِيَّةِ ، فَتَمَكَّنَتْ مِن النُّفوسِ ، فَصارَ ذَلكَ سَبَبًا فِي انْحِرافِهِمْ عَنْ عَقيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَهُم السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ الأَرْبَعةُ الَّذينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي الفُروعِ ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ وَالحَمْدُ للهِ عَلَى مُعْتَقَدٍ وَاحدٍ فِي الأُصولِ .
وَمَعَ ذَلكَ يَفْتَخِرُ كَثيرٌ مِنْهُمْ بِانْتِمَائِهِمْ إِلَيْهِمْ وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي أَصْلِ الأُصولِ الَّذِي هُوَ بَابُ العقيدةِ ، فَتَجِدُهُمْ يَقولونَ : نَحْنُ عَلى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَلَكنْ فِي بَابِ العَقيدةِ عَلَى مَذْهَبِ الأشْعَريِّ ، وَلا يَتَمَسَّكونَ بِمَذْهَبِ الأَشْعريِّ الصحيحِ ، وَلا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ ، وَإِنَّما بِالمَذاهِبِ الّتي تَلَقَّوْهَا عَنْ مَشايِخِهِم المُتَأَخِّرِينَ ، الّذين تَلَقَّوْا هَذِهِ العُلومَ مِن المُتَكَلِّمينَ .
وَلا شَكَّ أَنَّ أُولَئِكَ لَمَّا كَثُرَ الخَوْضُ مِنْهُمْ فِي عِلْمِ الكَلامِ ، وَفِي التَّدْقِيقِ فِي تِلْكَ المَسائِلِ الخَفِيَّةِ كَانَتْ لَها نَتيجَةٌ سَيِّئةٌ ، وَهِيَ أَنَّها أَوْقَعَتْ كَثيرًا مِنْهُمْ فِي الحَيْرَةِ ، تَحَيَّرُوا مَاذا يَعْتَقِدُونَ ؟ وَما هِيَ العَقيدةُ الّتي تُنْجِيهِمْ؟!
ذَكَرَ شَيْخُ الإسْلامِ فِي أَوَّلِ الحَمَوِيَّةِ ، وَابنُ أَبِي العِزِّ فِي (شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ) قِصَصًا لِبَعْضِ أُولَئِكَ الحَيَارَى المُتَهَوِّكِينَ ؛ مِنْها قِصَّةُ الرَّازِيِّ مِنْ عُلَماءِ المُتَكَلِّمينَ .
الشَّهْرَسْتَانِيُّ صَاحِبُ (المِلَلِ وَالنِّحَلِ) ذَكَرُوا عَنْهُ أَنَّهُ يَقولُ : (أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ المَوْتِ أَهْلُ الكَلامِ).
س28: اذكر ترجمة موجزة لأبي الحسن الأشعري.
أَبُو الحَسَنِ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبي مُوسَى ؛ عَالِمٌ مَشهورٌ ظَهَرَ فِي القَرْنِ الثَّالِثِ ، كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُعْتَزِلِيًّا عَلَى طَرِيقَةِ أَبي هَاشِمٍ الجُبَّائِيِّ وَأَبي الهُذَيْلِ العَلاَّفِ ، وَنَحْوِهِمَا مِنَ المُعْتَزِلَةِ ، ثمَّ نَزَلَ عَنْ هَذِهِ العَقِيدَةِ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ تَفَاهَتُهَا ، وَانْتَحَلَ مَذْهَبَ الكُلاَّبِيَّةِ أَتْبَاعِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيدِ بنِ كُلاَّبٍ ، وَكَانَ ابنُ كُلاَّبٍ هَذا عَالِمًا جَدَلِيًّا ؛ سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ إِذا احْتَجَّ كَانَتْ حُجَّتُهُ قَوِيَّةً بِمَنْـزِلَةِ كُلاَّبِ الصُّنَّاعِ الحَدَّادِينَ الّتي تُمْسِكُ الحَديدَ، أَيْ إِنَّهُ فِي قُوَّةِ جَدَلِهِ وَاحْتِجَاجِهِ بِمَنْـزِلَةِ هَذا الكُلاَّبِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ تَأَوَّلَ كَثيرًا مِنَ الصِّفاتِ وَلَمْ يُثْبِتْ إِلاَّ بَعْضَهَا ، فَانْتَحَلَ أَبو الحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ عَقيدَتَهُ فِي الإِقْرارِ بسَبْعِ صِفاتٍ ، وإِنْكَارِ ما سِوَاهَا ، وَأَلَّفَ كُتُبًا كَثيرةً عَلَى هَذا المَذْهَبِ ، وَقَضَى عَلَيْها أَكْثَرَ عُمْرِهِ ، أَيْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَهُوَ يُؤَلِّفُ عَلَى هَذا المَذْهَبِ ، حَتَّى اشْتَهَرَتْ كُتُبُهُ وَتَلَقَّاهَا الجَمُّ الكَثيرُ وَالجَمْعُ الغَفيرُ.

وَفِي آخِرِ حَيَاةِ أَبِي الحَسَنِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ ، وَقَرَأَ بَعْضَ كُتُبِ السَّلَفِ ، فَرَجَعَ عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ إِلى مَذْهَبِ السَّلَفِ ، وَأَلَّفَ رِسَالَتَهُ المَطْبُوعَةَ الّتي سَمَّاهَا (الإِبَانَةَ فِي أُصولِ الدِّيَانَةِ) رِسَالَةً مُخْتَصَرَةً أَلَّفَهَا عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ ، وَأَلَّفَ أَيْضًا كِتَابَهُ (مَقالاتِ الإسْلامِيِّينَ) الَّذِي جَعَلَهُ فِي الفِرَقِ.
وَلَمَّا أَتَى عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ذَكَرَهُ صَريحًا ، وَذَكَرَ عَقِيدَتَهُم الّتي يُمْكِنُ القَوْلُ: إنَّهُ نَقَلَهَا عَنْ كُتُبِ الإمامِ أَحْمَدَ أَوْ غَيْرِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ انْتَحَلَ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَخيرًا ، فَمَقالَتُهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَبِمَا قَالَهُ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ نَضَّرَ اللهُ وَجْهَهُ : وَجُمْلَةُ مَقَالِنَا أَنَّا نَقُولُ كَذا وَكَذا ، وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا ابنُ القَيِّمِ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ (حَادِي الأَرْوَاحِ) وَفِي بَعْضِ كُتُبِهِ.
وبِكُلِّ حَالٍ ؛ هَذا المَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الآنَ الأشاعِرَةُ لَيْسَ هُوَ حَقًّا مَذْهَبَ الأشْعَرِيِّ؛ لأنَّ الأشْعريَّ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ، إِنَّما هُوَ مَذْهَبُ الكُلاَّبِيَّةِ.

س29: اذكر بعض متون الأشاعرة في العقيدة.
(العَقائِدِ النَّسَفِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ الأشاعِرَةِ) (نَظْمِ الجَوْهَرَةِ ) (وَمَنْظومَةِ الشَّيْبَانِيِّ (بَدْءِ الأَمَالِي)

س30: اذكر ترجمة موجزة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي.
ولد هذا الإمام الجليل في شهر شعبان سنة 541 هجرية بفلسطين ببلدة تسمى (( جماعيل )) قرب نابلس وتوفي رحمه الله تعالى سنة 620 من الهجرة النبوية .
وقد تميز هذا العالم الجليل – فوق تميزه العلمي بكتابه (( المغني )) – بمختصراته الأخرى في الفقه , ككتابه (( المقنع )) الذي يعتبر للمتوسطين من طلاب العلم , و (( الكافي )) وهو فوق ذلك , وكذلك (( العمدة )) وهو للمبتدئين , إضافة إلى كتابه (( روضة الناظر )) في أصول الفقه , وهو كتاب مشهور , وغير ذلك من رسائله وكتبه ، ومنها هذا الكتاب الذي سنبدأ في شرحه المشتمل على أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة . قد تميز أيضاً بكونه إماماً مجاهداً , فقد اشتهر رحمه الله تعالى بمشاركاته في الجهاد في سبيل الله مع صلاح الدين الأيوبي – هو وجماعته المقادسة من إخوانه وأبناء عمومته رحمهم الله تعالى , فإن هذه الأسرة كانت مع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى في جهاده , وشارك في المعارك التي دارت سنة 583 للهجرة ؛ مع الصليبيين وتحرير بيت المقدس منهم , وكان ابن قدامة رحمه الله تعالى وأفراد أسرته ممن لهم دور كبير جداً في جهاد الصليبيين

س31: ما موقف الإمام ابن قدامة من انتشار مذهب الأشعري؟
لَمْ يُوافِقْ أَهْلَ زَمَانِهِ ،وَوَافَقَ مَذْهَبَهُ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الإمامِ أَحْمَدَ ، فَأَلَّفَ كُتُبًا كَثيرةً فِيما يَتَعَلَّقُ بِالعَقيدَةِ ، مِنْها رِسَالَتُهُ الّتي فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ العُلُوِّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يَرَى إِثْبَاتَ هَذِهِ الصِّفَةِ للهِ تَعَالى وَمِنْها رِسالَةٌ فِي ذَمِّ التَّأْويلِ وَمِنْها هَذِهِ الرِّسالَةُ الّتي نَحْنُ بصَدَدِهَا: (لُمْعَةُ الاعْتِقَادِ الهَادِي إِلى سَبِيلِ الرَّشَادِ(.

أحمد الدهشورى 12 شوال 1431هـ/20-09-2010م 06:11 PM

الدرس الثانى (خطبة لمعة الاعتقاد):
س 1: بين معنى (الحمد) لغة واصطلاحاً.
في اللُّغةِ : الثَّناءُ على الإنسانِ، بالخصالِ الَّتي يُحْمَدُ عليها، الَّتي يُبَالَغُ في الثَّناءِ عليهِ لأَجْلِهَا.
في الاصطلاحِ :ذِكْرُ مَحَاسِنِ المحمودِ معَ حُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلاَلِهِ.

س2: بين الفرق بين الحمد والمدح.
الحمدُ :الثَّناءُ بالصِّفاتِ الَّتي يَتَخَلَّقُ بها؛ كالصِّدقِ، والأمانةِ، والعلمِ، والحِلْمِ، وما أَشْبَهَهَا.
وأمَّا المدحُ: فهوَ الثَّناءُ عليهِ بالصِّفاتِ الَّتي جُبِلَ عليها، ولا صُنْعَ لهُ فيها كالجمالِ، والطُّولِ، والخِلْقَةِ، وما أَشْبَهَ ذلكَ.

س3: اذكر ما يستدعيه الحمد من الحامد.
أنَّ الحمدَ فِعْلٌ يُنْبِئُ عنْ تَعْظِيمِ المُنْعِمِ بسببِ كونِهِ مُنْعِمًا على الحامدِ وغيرِهِ.

س4: هل الحمد عبادة؟ وضح إجابتك بالدليل.
كثرةُ ذِكْرِ الحمدِ دليلٌ على أنَّهُ ذِكْرٌ يُذْكَرُ بهِ اللهُ، وَيُمْدَحُ بهِ، وَيُثْنَى عليهِ بهِ، وأنَّهُ يُحِبُّهُ وَيُحِبُّ مَنْ يَحْمَدُهُ، وَيُحِبُّ مَنْ يُثْنِي عليهِ وَيُثِيبُهُم على ذلكَ، وأنَّهُ أهلٌ للحمدِ وأهلٌ للثَّناءِ.
كما شَرَعَ ذلكَ في الصَّلاةِ، فالمُصَلِّي إذا رَفَعَ من الركوعِ يَقُولُ الإمامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، والمَأْمُومُونَ والإمامُ كُلُّهُم يَحْمَدُونَ اللهَ، ويقولونَ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ))
وكذلك قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الأُكْلَةَ أَوْ يَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا))
كذلكَ أيضًا تَقُولُ بعدَ الفراغِ من التَّخَلِّي:((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِيَّ مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ)) .

س5: اشرح قول المؤلف رحمه الله: (الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان).
أنَّ الأَلْسُنَ ناطقةٌ بِحَمْدِهِ ؛ إمَّا بلسانِ الحالِ ، وإمَّا بِلِسَانِ المَقَالِ ، فَأَلْسِنَةُ الكَفَرَةِ ولوْ كانتْ لا تَذْكُرُ اللهَ، ولوْ كَانُوا يَنْسِبُونَ النِّعَمَ إلى غيرِ اللهِ، ولوْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بهِ وَبِنِعَمِهِ، ولوْ كانوا يَصْرِفُونَ العبادةَ لغيرِهِ ، ولكنَّ لسانَ حالِ أحدِهِم مُعْتَرِفٌ بأنَّهُ مُحْتَاجٌ إلى رَبٍّ ، وأنَّهُ لا يَسْتَغْنِي عنهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، لِسَانُ حالِ أحدِهِم مُعْتَرِفٌ بأنَّهُ مخلوقٌ مُفْتَقِرٌ إلى الخالقِ ، وذلكَ الخالقُ لهُ الفضلُ عليهِ،
فكلُّ المخلوقاتِ تَحْمَدُه وتُسَبِّحُه سُبْحَانَه وتَعالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فكلُّ المخلوقاتِ تَحْمَدُهُ سبحانَه وتعالى بِلُغاتِها، التي يَعْلَمُها سُبْحَانَه وتَعالَى دون غيره.
(المَعْبُودُ فِي كُلِّ زَمَانٍ) أي: المُسْتَحِقُّ للعِبَادَةِ سُبْحَانَه وتَعالَى دائماً وأبَداً، ولاَ يَزالُ خَلْقُه يَعْبُدونه سُبْحَانَه وتَعالَى إلى أنْ تَقُومَ الساعَةُ، فلا يَخْلُو زمانٌ مِن وُجُودِ عُبَّادٍ للهِ سُبْحَانَه وتَعالَى، يَعْبُدونَه ويُوَحِّدُونه إلى أنْ تَقُومَ الساعَةُ.
(الَّذِي لاَ يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكَانٌ) يَعْلَمُ ما في السماواتِ وما في الأرْضِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وِلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}.
فهو يَعْلَمُ سُبْحَانَه وتَعالَى ما كانَ وما يكونُ، ويَعْلَمُ كلَّ شيءٍ، لا يَخْفَى عليه شيءٌ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ}.
عَلِمَ ذلك سُبْحَانَه وتَعالَى في الأَزَلِ، ثُمَّ كَتَبَ في اللوحِ المحفوظِ كلَّ شَيْءٍ، وهو يَعْلَمُ سُبْحَانَه وتَعالَى دائِماً وأبداً، لا يَنْفَكُّ عن عِلْمِه سُبْحَانَه وتَعالَى، فالعلم صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أبديَّةٌ للهِ سُبْحَانَه وتَعالَى، عِلْمُه في كلِّ مكانٍ، هو سُبْحَانَه وتَعالَى في السماءِ فَوْقَ العَرْشِ، وعِلْمُه في كلِّ مكانٍ جلَّ وعلا، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن مخلوقاتِهِ، وأرْضِه، وسماواتِهِ، ولاَ في الماضِي، ولا في المُسْتَقْبَلِ، يَعْلَمُ ما كانَ وما يكونُ، وأينَ يكونُ، وكيفَ يكونُ، لا يَخْفَى على عِلْمِهِ شيءٌ {عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
ففَرْقٌ بينَ ذاتِه سبحانه وعِلْمِه؛ ذاتُه: في العُلُوِّ فوْقَ السماواتِ، وأما عِلْمُه فهو في كلِّ مكانٍ، لا يَخْلُو مِنه مكانٌ.

س6: اشرح قول المؤلف رحمه الله: (ولا يشغله شأن عن شأن).
(وَلاَ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عن شأنٍ) يعني: عَمَلٌ عن عَمَلٍ، يَخْلُقُ، ويَرْزُقُ، ويُحْيِي، ويُمِيتُ، ويُعِزُّ، ويُذِلُّ، ويُفْقِرُ، ويُغْنِي.
فهو سُبْحَانَه وتَعالَى يُدَبِّرُ أمْرَ مخلوقاتِه، ولا يَشْغَلُه عَمَلٌ عن عمَلٍ، بخلافِ المخلوقِ؛ فإن المخلوقَ إذا اشْتَغَلَ بعمَلٍ فإنه لا يُمْكِنُ أن يَنْشَغِلَ بعمَلٍ آخَرَ، أمَّا اللهُ جلَّ وعلا فَلاَ يَشْغَلُه عمَلٌ عن عمَلٍ؛ وذلك لكمالِ قُدْرَتِه سُبْحَانَه وتَعالَى وكمالِ عِلْمِه.

س7: اشرح قول المؤلف: (لا تمثله العقول بالتفكير) .
معناهُ :أنَّ القلوبَ تَعْجَزُ عنْ أنْ تَصِلَ إلى مثلِ تَمْثِيلِهِ ، وَلَعَلَّ الدليلَ على ذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} ، أيْ: مَهْمَا فَكَّرُوا ، وَمَهْمَا سَأَلُوا لا يُحِيطُونَ بهِ عِلْمًا ، يَعْجَزُونَ عنْ أنْ يُحِيطُوا بهِ ، يَعْنِي: أنْ يُحِيطُوا بِمَعْرِفَتِهِ، أوْ يُحِيطُوا بِذَاتِهِ ، يَعْجَزُونَ عنْ أنْ يُمَثِّلُوا بِعُقُولِهِم ذَاتَهُ سُبْحَانَهُ.
كذلكَ لا تُحِيطُ بهِ الظُّنونُ ولا العقولُ بالتَّفكيرِ ، ومنْ أَدِلَّةِ ذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} ، أيْ: لا يَصِلُونَ إلى عِلْمٍ منْ صِفَتِهِ إلاَّ بِمَا أَوْصَلَهُ إليْهِم ، فإذا لمْ يَشَأْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَصِلُوا إليهِ ، وكيفَ يَعْلَمُونَ صِفَةَ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ معَ أنَّهُ قد احْتَجَبَ عنْ أنْ تَصِلَ إليهِ العُلُومُ ، أو الأوهامُ ، أو التَّفكيراتُ ، أوْ نَحْوُهَا

(يُتبع)

زكريا يونس محمد 9 ذو القعدة 1431هـ/16-10-2010م 03:25 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



سأبدا - بحول الله -
في تلخيص الفوائد من شرح الشيخ الغفيص
فلم يسبق لي الاستماع لشرحه :


فوائد من الدرس الأول :




1 - ما جاء في مقدمة خطبة اللمعة هي عبارات مجملة في تقرير مقام الربوبية، وهي وأمثالها مما يذكر في كتب أصول الدين، و جميع المسلمين يقرون بهذه الجمل من حيث معناها الكلي، وإن كانوا على درجات متفاوتة في تحقيقها، بحسب قربهم من السنة وهدي صاحبها .

2 - تقسيم التوحيد حسب مصطلحات العلماء هي ، إما يقولون : ثلاثة أقسام ( ربوبية و ألوهية وأسماء وصفات ) ، وإما يقولون ( توحيد إثبات وتوحيد طلب ) ، وهي وإن اختلفت في الاصطلاح فإنه لا مشاحة في الاصطلاح مادامت تؤدي نفس المعنى ،
سواء قسموا التوحيد إلى قسمين أو إلى ثلاثة أقسام، فهذا كله اصطلاح لا مشاحة فيه، إذا صحت المعاني واتفقت، فمثل هذه المصطلحات ليست من السنة اللازمة التي يجب على جميع المسلمين الالتزام بها، وإنما الذي يجب على المسلمين أن يلتزموا به هو: تحقيق التوحيد.

3
- توحيد الألوهية من حيث الأصل مُسلم به عند سائر المسلمين، ولا أحد من المسلمين يقول: إن صرف العبادة لغير الله صحيح، أو مما يؤذن فيه، أو مما يسوغ. وإن كان أهل البدع قد فتحوا المجال للأقوال والأفعال الشركية بتوسعهم في باب التأويل، ولا سيما عند الطائفتين الشيعية والصوفية.

4- في باب الأسماء والصفات، فإن المسلمين اختلفوا في مناطه اختلافاً معروفاً، وإن كان أصل بابه مجمعاً عليه بين المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [ وقد اتفق المسلمون على أن الله سبحانه مستحق للكمال منزه عن النقص، وإنما اختلفوا في تحقيق المناط ]

5 - المقصود بالمناط وأصل الباب في باب الأسماء والصفات :
قال الشيخ يوسف الغفيص : [
المراد بأصل باب الأسماء والصفات هو: أن الله سبحانه وتعالى مستحق للكمال، منزه عن النقص، وهذا القدر مجمع عليه بين سائر طوائف المسلمين]
- والمراد بالمناط في باب الصفات : [
تحقيق المناط أن المسلمين اختلفت طوائفهم: ما هو الكمال؟ وما هو النقص؟ فالذي عليه الصحابة رضي الله عنه والأئمة من بعدهم أن تحقيق الكمال هو بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن ينفى عنه سبحانه وتعالى كل نقص، مما صرح الله بذكره في كتابه أو لم يصرح بذكره، فهذا هو الكمال عند أهل السنة والجماعة. وذهبت المعتزلة إلى أن الكمال: هو في نفي الصفات. وذهبت الأشاعرة إلى أن الكمال في نفي صفات الأفعال التي يسمونها: حلول الحوادث... إلى غير ذلك من الطرق التي ابتدعت، وحصل بها شر، وفتنة، وبلاء ] .

6-
من أخص أصول أهل السنة والجماعة في هذا الباب هو: الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم

7 - الفرق بين النفي والاثبات :
مقام الإثبات أصل ذكره في القرآن والحديث على التفصيل، وأما مقام النفي فإن الأصل في ذكره الإجمال، ولهذا فإن الله تعالى فصل ذكر الأسماء والصفات، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
المقام الأول: مقام الإثبات؛ لا يمكن أن نثبت لله اسماً أو صفة ليس في الكتاب والسنة.
والمقام الثاني: مقام النفي؛ يمكن أن ينفى عن الله نقص لم يصرح بنفيه في القرآن. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يقتصر في باب النفي على ما ذكر تفصيلاً في القرآن أو في السنة، فإنه يسير، بل كل نقص فإنه ينفى عن الله)




انتهى الدرس الأول ..




زكريا يونس محمد 12 ذو الحجة 1431هـ/18-11-2010م 11:04 AM

تلخيص فوائد الدرس الثاني

من شرح الشيخ الغفيص






1 -
كل ما جاء في القرآن أو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الله، فإنه يجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل، وهذه القاعدة متفق عليها بين أئمة أهل السنة والجماعة، وحروفها التي ذكرها في هذه القاعدة هي في الجملة حروف بيِّنة.

2- يحتج بمتواتر السنة وبأحاديثها الأحاد الثابتة بالسند الصحيح هذا ما عليه أئمة السنة خافاً لما عليه أهل البدع من المتكلمين كالمعتزلة والأشاعرة ومن نحا نحوهم من الأصوليين .

3 - مصطلح التأويل يأتي بمعنيين : أحدهما حق وهو بمعنى التفسير كما في قوله تعالى (
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، ويأتي بمعني حقيقة الشيء كما في قوله سبحانه ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) أي: حقيقته .

ويأتي بالمعنى الآخر الباطل وهو الذي ذمّه أهل العلم وهو
ما اصطلح المتكلمون عليه، من صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز لقرينة، أو صرف اللفظ عن ظاهره إلى مؤوله لقرينة أو صارف.. فهذا هو المذموم .

4 - معنى كل ٍ من التشبيه والتمثيل والفرق بينهما من شرح العلامة ابن عثيمين :
أ -
التشبيهُ: إثباتُ مشابِهٍ للهِ فيما يَخْتَصُّ بهِ مِنْ حقوقٍ أوْ صفاتٍ، وهوَ كُفْرٌ.
والتمثيلُ: إثباتُ مُمَاثِلٍ للهِ فيما يَخْتَصُّ بهِ مِنْ حُقُوقٍ أوْ صفاتٍ، وهوَ كُفْرٌ
والفرقُ بينَ التمثيلِ والتشبيهِ: أنَّ التمثيلَ يَقْتَضِي المساواةَ مِنْ كلِّ وَجْهٍ بخِلافِ التشبيهِ.



محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:29 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
[ فوائد من شرح لمعة الاعتقاد ]
لفضيلة الشيخ/ أحمد بن عمر الحازمي-حفظه الله تعالى-

[الشريط الأول]
1- ذكر المختصرات في تراجم من ندرس له المراد به أن يكون ثَمَّ اقتباس واقتداء من طلاب العلم بالأئمة المتقدمين ، فأما العلم يختلف من زمانٍ إلى زمان ومن مكان إلى مكان ، وكما أن الدين يدخله نوعٌ من الغربة كذلك طلب العلم والمنهجية في طلب العلم يدخلها شيءٌ من الغربة ، ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن العلم كما هو معلوم رفعه في آخر الزمان من أشراط الساعة ، ولا يمكن أن يرفع العلم إلا بارتفاع طرق تحصيل العلم ، فترفع أولاً طرق تحصيل العلم ، ويبذل الساعي ما يبذل لكنه لا يُحَصِّلُ شيئًا من العلم ، ثم بعد ذلك يكون العلم على جهة الثقافات وتنويع المعارف كما هو موجودٌ في كثيرٍ في الساحة الآن ، وقَلَّ من يُوجَد من أهل العلم لمن كان على سنن المتقدمين ومن كان على طريقة الأئمة الأعلام كشيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن قبله ومن بعده .

2- كان في السابق لا يوجد البدعة الْمُحْدَثة الآن - لا أقول : البدعة الشرعية - البدعة الْمُحْدَثة وهي بدعة التخصص ، هذه لم تكن عند أهل العلم السابقين يأخذ من كل فن ، لأن الشريعة من حيث تلقي الأحكام الشرعية والوصول إلى الثمرة لا تتجزأ ولا تتبعض ، فبعضها يخدم بعضًا ، والعلوم مترابطة وإذا حاول من يريد الفصل بين العلوم بين الفقه وأصوله ، بين الأصول واللغة ، بين اللغة والأصول والفقه ومصطلح الحديث فلن يجد له سبيلاً ، لأن هذه العلوم كلها مترابطة وكلها يخدم بعضها بعضًا ، ولذلك قسم أهل العلم العلوم الشرعية إلى قسمين : علوم آلة وهي كاسمها آلة بمعنى أنه يقصد إلى غيرها ، يعني : ليست مقصودةٌ لذاتها ، وإنما هي مقصودةٌ لغيرها ، وعلم المقاصد ، علم المقاصد نوعان : علمٌ هو فرض عين ، وهذا يستوي فيه طالب العالم مع العامي حينئذٍ لا يحتاج إلى علوم آلة ، وعلم آخر وهو فرض كفاية قد يكون ثَمَّ اشتراكٌ بين العامي وطالب العلم في بعض فروض الكفايات ، وأما ما يُنْدَر تحصيله ليكون مجتهدًا في العلوم الشرعية وليكون له اليد الطولة في كل فن هذا لا يمكن إلا بتحصيل علوم الآلة ، فحينئذٍ لا انزعاج من جعل علوم الآلة شرطًا في تحصيل المقاصد ، وهذا لا خلاف بين أهل العلم السابقين ، وإنما وقع الآن نزاع بسبب التخصصات التي وردت من أجل الأنظمة من الجامعات والمعاهد ونحو ذلك فجاءت التخصصات وفصلت بين العلوم ، حينئذٍ وقع الطلاب في حيرة هذا يتخصص ابتداءً من أول طلب العلم في الحديث ، وآخر في الفقه ، وثالث في الأصول ، ورابع وخامس ثم النتيجة لا شيء ، فنقول : طريقة أهل العلم وهي الجادة الجمع ، ولذلك مثال معنا ابن قدامة رحمه الله تعالى معروفٌ بالاجتهاد والإمامة في الفقه ، وصاحب (( المغني )) ، و (( المغني )) كاسمه ، حينئذٍ إذا أطلق ابن قدامه انصرف في الذهن الكتاب الجليل العظيم الذي يعتبر مرجعًا للأمة كلها الإمام ما من عالم إلا ، والنظر في هذا الكتاب يعتبرًا شرطًا عنده وطمأنينة قلبه لا يستريح إلا وأن ينظر في هذا الكتاب ، انظر ماذا يقول أهل العلم في ترجمة هذا الإمام الجبل .

3- لا يكاد تجد من تراجم أهل العلم المعتبرين لا يكاد تجد إلا وقد ذكر أنه قد أخذ علم كذا ، وعلم كذا ، وعلم كذا ، إذًا الشمولية في طلب العلم والتحصيل هذا أصل من أصول التمكن في العلم الشرعي ، ولن يكون الشخص إمامًا في العلم الشرعي ولن يكون مرجعًا للناس في الفتية إلا إذا جمع علمه من عدة علوم ولم يفرق بين علمٍ وعلمٍ آخر ، والتفرقة هذه تفرقةٌ حادثة ، بل نقل بعضهم وإن كان من المعاصرين إجماع أهل العلم على أن المتخصص في فنٍ ما ولا يعرف سواه أنه ليس من أهل العلم ، لماذا ؟ لأنه مقلد ، وإذا كان مقلدًا فقد نقل ابن عبد البر رحمه الله تعالى أن المقلد ليس من أهل العلم بالإجماع ، لأن الترابط بين الفنون لا يمكن فصله ، وكما ذكرنا التفسير مثلاً من أراد أن يدرس التفسير وأن يكون عنده ملكة حينئذٍ لا بد على الوقوف على شيءٍ من علم القراءات ، ولا بد على الوقف على كثير من مسائل اللغة ، ولذلك قال السيوطي رحمه الله تعالى أظنه في (( همع الهوامع )) أو غيره أنه بالإجماع لا يحل لأحدٍ أن يقدم على تفسير كتاب الله عز وجل حتى يكون مليًّا باللغة مليًّا ليس عنده (( الآجرومية )) فقط ونحوها ، لا حتى يكون مليًّا ، يعني : متشبعًا بعلم اللغة ، فعلم اللغة أساس في فهم الشريعة ، لن يفلح ولن هنا زمخشرية لن يفلح طالب علمٍ في تفسيرٍ أو فهم المقاصد إلا إذا أقام علمه على جملةٍ من علوم اللغة ، وعلى جهة الخصوص والترتيب النحو أولاً ، ثم الصرف ، ثم البيان ، وهذه مشاعةٌ في كتب التفسير ولا تجد تفسيرًا إلا وفيه إعراب إلا وفيه نكات بيانية إلا وفيه من البديع الشيء الكثير .

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:30 AM


4- قد يقف البعض مع العلم عدد سنين كما ذكرت ويكون مبتدئًا في العلم ، والسبب في هذا هو ما ذكرته لكم أن المنهجية لم تكن على الجادة التي سلكها أهل العلم السابقون حينئذٍ لا بد من تصحيح المفاهيم .

5-عند ترجمة العلامة/ ابن قدامة المقدسي-رحمه الله تعالى-قال: كان كثير الحياء هينًا لينًا متواضعًا جوادًا سخيًّا ، متواضعًا عند الخاصة والعامة ذا أناةٍ وحلمٍ ووقار ، وهذا يذكر من أجل ماذا ؟ من أجل أن البعض قد يقع عنده نوع تقصير من طلاب العلم في التعبد لله عز وجل ، لا شك أن العلم عبادة ، والعبادة مفتقرة إلى شرطين : إخلاص ، والمتابعة . إذا كان ثَمَّ ضعفٌ في الإخلاص في التوجه في طلب العلم حينئذٍ كيف يحسن في طالب العالم أن يسير في هذه العبادة ؟ ثَمَّ خلل ، يعني : قد يقع في الإنسان أو يقع في نفس الإنسان بأنه صلى مرائيًا أو صام مرائيًا أو قام الليل مرائيًا ، لكن لا يرد ذلك في شأن العلم ، يعني : لا يجد شكوى من نفسه في طلب العلم ، وهذا والله أعلم في حدِّ نظري أنه يَبْعُد عن ذهن الطالب أن العلم عبادة ، يعني : يغيب عن الذهن بأن العلم عبادة ، لأنه إذا ذهب وخرج منذ أن يخرج من بيته إلى أن يجلس ثم يعود أنه في عبادة ، وهذا كما ذكرت إذا غاب عن ذهن الطالب حينئذٍ ضعف تحقيق شرط الإخلاص في هذه العبادة العظيمة ، ولذلك كما ذكر أهل العلم أن الله عز وجل لم يأمر نبيه r بطلب زيادةٍ من شيء إلا من العلم ، وأمر به وأثنى على العلماء وأثنى على العلم ، ومن ضوابط العبادة عند أهل العلم أن كل ما أثنى الله تعالى عليه أو مدحه أو مدح أهله أو أمر به سواءٌ كان الأمر على جهة الإيجاب أو الاستحباب حينئذٍ تكون النتيجة بأن هذا القول أو هذا العمل أو هذا الترك عبادة لله عز وجل ، وهذا كما ذكرت قد يغيب عن ذهن بعض طلبة العلم ، ينبني على ذلك استحضار التعبد في جميع سلوك طالب العلم ، ولذلك في قوله تعالى : ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ﴾ [ البقرة : 282] . وإن كانت هذه مفصلة لكن بعضهم يجعل الواو هنا عاطفة فيجعل التقوى شرطًا في صحة العلم ، وهذا لا شك فيه أنه صحيح لكن لا يكون العكس هو المتصور في الذهن طالب العلم ، بعض الطلاب يظن أنه لن يكون متقيًا أو ما ذكر من الأخلاق في أخلاق أهل العلم إلا بعد أن يحصل ويحصل من العلم الشرعي ، وهذا فهمٌ خاطئ لا ، وإنما يكون تصحيح السلوك مع الإقدام على العلم الشرعي ما أن يعلم مسألة سواءٌ كانت عقدية أو عملية أو أخلاقية بمعنى أنها مرتبطة بالسلوك حينئذٍ إلا ويعمل بها ، ما فائدة العلم إذا لم يكن ثَمَّ عملٌ بالعلم ؟ حينئذٍ كل ما تجد في تراجم أهل العلم من التعبد وما يذكر من الأخلاق والتضحية في شأن العلم وفي شأن التعامل مع الناس وأخلاقهم مع الناس هذه تجدها مطردة في كلام أهل العلم في تراجم أهل العلم ، وهذا لم يأت هكذا عبسًا ، وإنما يأتي منذ أن يشرع طالب العلم في تحصيل العلم واستحضر أنه عبادة حينئذٍ هو ملزمٌ بأن يعمل بكل ما يعلمه ، وإلا كان العلم عليه ، حجةً عليه لا له ، إذًا هذه من أخلاق ابن قدامه مع كونه متفننًا في الفنون ومع كونه منشغلاً بالعلم مع كونه يصنف صباح مساء مع تعليمه وتعلمه ونحو ذلك ، كان كثير الحياء هينًا لينًا متواضعًا جوادًا سخيًّا متواضعًا عند الخاصة والعامة ، ذا أناةٍ وحلمٍ ووقار .

6-ينبغي أن يستحضره طالب العلم ، وأن يقرأ تراجم أهل العلم بعد النظر في سيرة النبي r وهي الأصل في الاقتداء ، وإنما يُنظر في تراجم أهل العلم من أجل أن يكون ثَمَّ إثارةً للهمة التي تتعلق بطلب العلم ، فطالب العلم بدون الهمةلاشيء،وهذهالهمةقدنصابنالقيمرحمهاللهتعالىفي((المدارج)) على أنها مرتبطة بالإيمان ، وهذا يدخل فيما ذكرنا من كون العلم عبادة ، يعني : بعض طلاب العلم تكون عنده همة في وقتٍ ، ثم فإذا بها تضعف ثم تضعف حتى قد يترك العلم ، نقول : ما السبب في هذا ؟ ثم بعد ذلك قد يحضر مجالس علم أو ينظر في تراجم فإذا بالهمة ترجع كما كانت هذا التذبذب وهذا التناقص سببه كما نص عليه ابن القيم رحمه الله تعالى في منزلة الهمة في (( مدارج السالكين )) أن الهمة مرتبطة بالإيمان ، ما معنى هذا الكلام ؟ الهمة مرتبطة بالإيمان ، والإيمان عند أهل السنة والجماعة أجيبوا
.....
يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي ، إذًا الهمة تزيد بالطاعة ، فإذا نقصت حينئذٍ لا بد من النظر في حال طالب العلم ، وهذا كثرة الكلام هي التي أضاعت علينا الكثير والكثير ، كلمة مثل هذه من ابن القيم رحمه الله تعالى حينئذٍ تصحح مناهج كثير من المسلمين من طلاب العلم على جهة الخصوص ، همةٌ مرتبطةٌ بالإيمان ، كلما زاد الإيمان زادت الهمة وارتفعت ، وكلما نقص الإيمان نقصت الهمة ، لماذا ينقص الإيمان ؟ لترك الطاعات والوقوع في المعاصي ، بماذا يزيد الإيمان ؟ بفعل الطاعات .


إيماننا يزيد بالطاعات(

ونقصه يكون بالزلات(


إذًا الهمة كذلك تزيد بالطاعات ونقصها يكون بالزلات ، وهذا لا بد من العناية به.

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:33 AM


7- لا بد أن يكون طالب العلم يشعر نفسه بأنه مغاير ، وهذا ليس فيه إشكال ، يعني : نجد من طلاب العلم واعتذر عن هذه الكلمة أن أخلاقهم وأحوالهم ومحافظاتهم على الأوقات هو والعامي سواء ، وتأملوا تجد كثير من طلاب العلم إلا من رحم الله أنه وأن حاله مثل عامة المسلمين ، وإذا أرادت أن تقف بنفسك على هذا انظر في المناسبات العظيمة انظر رمضان إذا دخل وخرج انظر حال طالب العلم حاله هو حال العامة ، وإذا جاءت العشر الأول من شهر ذي الحجة مثلاً والحج تجد حاله حال العامة ، فكذلك إذا جاءت الإجازات مثلاً طالب العلم الأصل إنه إذا شُغل وهذا أمر ضروري يُشغل أيام العام مثلاً في دراسةٍ وظيفةٍ ونحو ذلك ، لكن إذا جاءت الإجازة الأصل فيها أنه ينام أو يحترق ؟ الأصل أنه يحترق ، بمعنى أنه يحترق في العمل في التعويض ، لكن تجد أن طلاب العلم مثل العامة سهر الليل ثم ....# 25.14 في النهار ثم نوم ، وتجد من طلاب العلم من ينام عن الظهر وعن العصر ويجمع ولا أدري يقصر أو لا ، نقول : هذا كله سببه ماذا ؟ أنه لا يُشْعِرُ نفسه بأنه مغاير ، يا أخي الكريم يا من يريد طلب العلم أنت إذا وضعت قدمك في طلب العلم أنت في عملٍ جليل شريف لا يساويك أحدٌ البتة ، أنت تسلك مسلك الأنبياء والرسل ، الأنبياء والرسل ما بعثوا إلا بالعلم ، والعلم أصل التوحيد ، دعوة الناس قائمة على العلم الشرعي الصحيح ، وهذا لا يُنال بالنوم ، ولا ينال براحة الجسد ، وإنما لا بد من الاحتراق ، ولذلك قيل : من كانت بداياته محرقة كانت نهايته مشرقة . فهذا ينبغي أن يتنبه له طالب العلم أن حاله والمحافظة على وقته والنظر في تعامله مع الناس ، والنظر في قبل ذلك تعامله مع ربه جل وعلا في التمسك بقيام الليل وصيام النهار ونحو ذلك ، ولا يُنْظَرُ نَظَرًا قاصرًا إلى ما يرد عن بعض السلف أنه يقال : ليس بعد الفرائض أفضل من العلم . وهذا صحيح ، ليس بعد الفرائض أفضل من العلم ، يفهمها بعض الناس الآن معناه أترك كل نافلة واشتغل بالعلم ، وليته يشتغل بالعلم صباح مساء لا حضور درس بين المغرب والعشاء ، ثم جلوس إلى الساعة الحادية عشر ، ثم الجوال إلى آخره كما هو المعلوم من حياة كثير من الناس ، هل مراد الشافعي ومراد الإمام أحمد وغيره من أهل العلم هو هذا لطالب العلم يترك جميع النوافل ثم لا يشتغل بالعلم بهذه الحجة أنه ليس بعد الفرائض أفضل من العلم ؟ نقول : لا ، ليس الأمر كذلك ، أعظم دليل يدل على هذا أنهم ما أرادوا به ما يفهمه الكثير من طلاب العلم ، انظر إلى تراجم من قال هذه العبارة ، يعني : الإمام أحمد يرى هذا الكلام ، ونُقِلَ عنه نقولات متعددة مختلفة بألفاظٍ متباينة في كثير ممن ترجم له ، حينئذٍ نقول : انظر في ترجمة الإمام أحمد كيف هو مع التعبد ؟ انظر في ترجمة الإمام الشافعي كيف هو مع التعبد ؟ ترى العجب العجاب كما يقال ، بمعنى أن هذه الترجمة هي التي تفسر هذه الجملة ليس بعد الفرائض أفضل من العلم ، نعم إن وقع تعارض بين طلب تحصيل علم ونافلةٍ حينئذٍ صار العلم مقدمًا ، وأما إذا لم يقع تعارض لا فالأصل أن الإنسان يأتي بالتعبدات يسلك مسلك النبي r يسمع النبي r كان يحافظ على قيام الليل إحدى عشرة ركعة ثم يقول : لا ، لا أقوم . ما فائدة هذا العلم ؟ نقول : لا . إذًا ليس بعد الفرائض أفضل من العلم يجب فهمها بفهم أحوال من قال هذه العبارة ، وهذا يكون في النظر في تراجم من ذُكر عنه أو نقل عنه هذا اللفظ .

8- طالب العلم ينبغي أن يعتني بتراجم أهل العلم وأن يجعلها نصب عينيه لا في تلقي الأحكام الشرعية ، وإنما يستفيد منها في شيئين اثنين :
أولاً : رفع الهمة ، ولذلك ذُكِرَ عن بعضهم : أن التراجم والنظر في أخبار الصالحين أحب إلينا من الفقه . يعني : عند التعب ، وعند الركود ونحو ذلك والملل والفتور يرجع طالب العلم إلى السير ، وهي لا شك أنها تُحِي الهمة وتذيبها في التحصيل .
وثانيًا : من فوائد النظر في السير والتراجم وخاصةً بعد أن وجد العلوم أو جدت العلوم في ضمن مصنفات ومختصرات ونحو ذلك النظر في المنهجية الصحيحة التي كان عليها أهل العلم وهي الجادة التي سلكها العلماء قديمًا وحديثًا ، ولذلك تجد من المعاصرين ممن له يدٌ طولى في العلم وإليه الفتوى والرجوع ونحو ذلك تجده قد جمع بين عدة فنون له في الفقه وله في الأصول وله في الحديث وله في اللغة وله في التفسير ، وما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عنكم ببعيد .

9- معنى (( لمعة الاعتقاد )) البُلْغة من الاعتقاد الصحيح المطابق لمذهب السلف رضوان الله تعالى عليهم ، بُلْغَة ، يعني : لم يذكر كل الاعتقاد وإنما ذكر لك شيئًا من أمور الاعتقاد تبلغك وتصل بك إلى أن تكون على مذهب أهل السنة والجماعة ، لأن الكلام في أصول المعتقد على مرتبتين : كلامٌ في الأصول ، وكلامٌ في الفروع .
الأصل أن يُذكر الأصل العام ، ثم ينطوي تحته من المسائل ما لا حصر له ، حينئذٍ إذا ذكر الأصل كفى لك في حصول النسبة إلى معتقد أهل السنة والجماعة ، وأما جهل الفروع أو بعض الفروع التي لا تؤثر في إثبات الأصول فهذا يستفيد منه الناظر طالب العلم وغيره ، وأما العامة فلا .

10-الطريقة الصحيحة التي تأصل طالب العلم بأن ينظر طالب العلم إلى المتن ويقلب كل كلمةٍ منه بكلامٍ يستفيدٌ منه دون أن يُؤْتَى بالاعتراضات التي قد لا يكون لها وجه ، وإنما ينظر فيها من جهة معنى اللغوي وما ينطوي تحتها من معنى شرعيٍّ صحيح ، وخاصةً في باب المعتقد ، لأن المختصرات ينطوي تحت كل كلمة قاعدة أو أصل من أصول أهل السنة والجماعة ، وبعضها قد ينكر اللفظ ولا ينكر المخالف ، وحينئذٍ بهذا اللفظ يكون فيه ردٌّ على المخالف فيلزم منه ذكر القول المخالف ، لكن نحن لن نسير على هذه الطريقة ، يعني : لن نذكر أقوال المخالفين في هذه العقيدة ولا في غيرها إن شاء الله تعالى كل ما صنف في معتقد أهل السنة والجماعة يجب شرحه على ما يوافق معتقد أهل السنة والجماعة ، والعقيدة ليست بفقه ، يعني : الفقه لا شك أنه قد يأتي الشارح فيقول : المسألة فيها .. المياه ثلاثة فيها قولان .. إلى آخره ، ويذكر قَوْلَ ودَلِيلَ كُلِّ قول ويرجح .. إلى آخره ، لا نجري بدروس العقيدة مجرى الفقه ، فنقول : اليد ثابتة لله عز وجل وذهب الأشاعرة وذهب المعتزلة والجهمية ، هذا ليس بسديد ، وإن سلكه كثير من أهل العلم هذه نظرة خاصة به ، فليس بسديد أن تُشْرَح كتب المعتقد وخاصةً لمن لم يؤصل في مذهب أهل السنة والجماعة ويعرض له كأنه خلاف فقهي ، لا ، ليس ثَمَّ توافق بين الطريقتين الفقه الخلاف فيه خلاف تنوع وقد يكون خلاف تضاد والمسألة كلها داخلةٌ في باب الاجتهاد ، إذا اجتهد الحاكم فأصاب .. إلى آخر ما هو معلوم في محله ، وأما هنا لا ، هنا تقابل حق مع باطل ، بدعة وسنة ، حينئذٍ لا تذكر البدعة في مصاف السنة ، وإنما يذكر القول الحق فقط ، وأما النظر في أقوال أهل البدع فهذا يؤخذ من جهتين : أما أن يعاد الكتاب مرة أخرى فيكون تقرر عند طالب العلم معتقد أهل السنة والجماعة بأصوله وأدلته ، لأنها تحتاج إلى تأمل ، يعني : القواعد التي يذكرها أهل العلم في باب الأسماء والصفات ليست مفهومة بعضها [ على ] من مرةٍ واحدة ، إنما تحتاج إلى تقرير وتحتاج إلى أمثلة وتحتاج إلى أن تعاد مرة وأخرى ، حينئذٍ إذا أردنا فهم مخالفة المخالفين من أهل البدعة لمنهج أهل السنة والجماعة في التوحيد بأنواعه الثلاث إما أن يعاد الكتاب مرةً أخرى حينئذٍ يذكر في كل موضع القول المخالف ، وإما أن يسلك بالطالب المراحل التي يمكن أن تكون متدرجة مع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهذا أَقْعَد عند طالب العلم يأخذ مثلاً (( لمعة الاعتقاد )) ويأخذ (( الواسطية )) و(( الطحاوية )) ونحو ذلك من حيث المتون وتدرس على طريقة أهل السنة والجماعة ، ثم إذا أراد أن يفهم ما عليه المخالفون لا ننظر إلى الفروع ، نقول : نفس القول الاستواء الاستيلاء . هذا فرع ، والنظر في الفروع دون إتقان الأصول هذا لا يفيد طالب العلم ، وإنما ترجع إلى الأصول التي بثق منها المخالفون ، لماذا قالوا : الاستيلاء ؟ إذًا ثَمَّ أصول قد انطلقوا منها حينئذٍ ندرس منهج المخالفين بدراسة هذه الأصول ، هذا تستفيده من كتابين عظيمين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهما (( الفتوى الحموية )) وهذه قد ألفها من أجل أن يقرر أن ما جاء به من أن منهج أهل السنة في فهم الأسماء والصفات هو اعتبار الظاهر ، والمخالفون كلهم عن بكرة أبيهم يقولون : الظاهر غير موافق . وهذا الشبهة التي وقعت عندهم ، حينئذٍ ألف هذه الرسالة من أجل دعم مذهبه وهو مذهب أهل السنة والجماعة .
ثانيًا : بعد أن يتقن هذا هذه الفتوى (( الفتوى الحموية )) وإذا أضاف إليها تلخيص الشيخ ابن عثيمين جيد ينطلق إلى (( التدمورية )) وهي كاسمها فيها ست أو سبع قواعد ، هذه تنسف منهج المخالفين من أصله فيفهم ما عليه المخالفون انطلاقًا من هذه القواعد الستة أو السبع ، ثم لا بأس أن ينظر في كتب الأشاعرة إذا أتقن هذه المسائل ينظر في كتب الأشاعرة ولماذا أبطلوا هذه الأصول ونحوها

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:34 AM


11- والنهاية نهاية الكتاب هذه وإن كانت محمودة ومرغوبة وهي مما تتعلق بها الهمم لكن لا تكون هي النظرة الأولى لطالب العلم ، يعني : متى ننتهي من الكتاب ؟ ابتداءً قبل أن يبدأ ، أقول : هذا ليس بسديد ، ليس بمنهجٍ لطالب العلم ، هذا مثل العامة إذا فتح القرآن في رمضان يقرأ فإذا به يقدر ، نراه في المساجد هكذا يقدر متى ينتهي من سورة البقرة ؟ ومتى يصل إلى النصف ؟ وَمتى ومتى ؟ نقول : هذا لا ينبغي أن يكون طالب العلم على هذا ، وإنما درسك الذي أخذته هل فهمته أو لا ؟ ثم تأتي إلى الدرس الثاني هل فهمته أو لا ؟ إذا انتهيت من الكتاب على فهمٍ فأنت أنت ، وأما أن ينتهى من الكتاب ثم تكون المعلومات غير راسخة وهذا ليس بسديد.

12- مادة عقد في اللغة تدور على معانٍ ثلاث:
الأول : اللزوم .
والثاني : التأكيد .
والثالث : الاستيثاق .
قال تعالى : ﴿ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ﴾ [ المائدة : 89] . ﴿ عَقَّدتُّمُ ﴾ إذًا فيه اللزوم وفيه استيثاق وفيه تأكيد ، وتعقيد الأيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه.

13- القاعدة الكبرى في باب المعتقد أن العقيدة توقيفية بمعنى أنها موقوفة توقيفية نسبة إلى التوقيف المراد به الوقف وهو المنع ، أليس كذلك ؟ حينئذٍ صارت العقيدة توقيفية بمعنى أن مدارها على السمع فلا يثبت شيء بأنه عقيدة إلا إذا جاء به النص ، وأما العقل فلا مجال له البتة هنا ، العقيدة ليس مجالها أو الرأي لا مدخل له في الاعتقاد ، والعقل ليس له مدخل في الاعتقاد ، ونفي مدخلية العقل هنا ليس من جهة الاستنباط هذا لا بد منه كيف نفهم الأوامر ؟ لا بد من إعمال الذهن ، لا بد من إعمال العقل ، ولكن هل هو مصدر تشريعي ؟ بمعنى أنه تؤخذ منه الأحكام من حيث التأصيل فنقول : أصل كذا مصدره العقل ؟ هذا الذي يمنعه أهل السنة والجماعة ، وأما كونه يفهم ما جاء في النصوص ونرد على أهل البدعة بأن الاستواء بمعنى الاستيلاء نقول : هذا باطل لأنه ورد وورد هذا إنما يكون من جهة الاستنباط وهو فهم العقل ، إعمال العقل الذي هو التفكير نقول : هذا لا ينازع فيه أحد ، وليت هو الذي ينفيه أهل السنة والجماعة ، وإنما الذي يُنفى أن يكون للعقل مصدرية بمعنى أنه تتلقى منه الأصول الشرعية ، هذا باطل لا في العقيدة ، ولا في الفروع ، لا في الأصول ولا في الفروع ، لا في العلميات ولا في العمليات ، على التعبيرين فلا تثبت العقيدة إلا من طريق الوحي والتعليم إذ لا أحد أعلم بالله بما يجب له وما يجوز وما يمتنع من الله ، الله غيب ، أليس كذلك ؟ الله غيب ؟ نعم غيب قطعًا ، حينئذٍ لا يمكن أن نحكم على فعلٍ يفعله إلا إذا أخبرنا هو ، ولا يمكن أن نسميه باسمٍ له إلا إذا أخبرنا هو ، وكذلك لا نصفه بوصفٍ إلا إذا أخبرنا هو ، أليس كذلك ؟ لأنه غيب وحينئذٍ لا يمكن الوصول إلى هذا الغيب لا بالعقل ولا بالمشاهدة ولا غير ذلك ، حينئذٍ نقول : لا يمكن أن نعرف ما أراده الرب جل وعلا مطلقًا في الشرع كله إلا من جهة الوحي ، إِذًا لا أعلمُ بِاللهِ من الله عز وجل ، وكذلك من المخلوقين لا أحد أعلم بالله من الخلق بما يجب له وما يجوز وما يمتنع من رسول الله r ، فانحصر حينئذٍ الطريق في الأحكام الشرعية عمومًا في المصدرين الاثنين وهما : الكتاب ، والسنة . زاد بعضهم الإجماع ولا إشكال فيه ، وأما القياس هذا فيه تفصيل.

14- المخالفة في الأصل مفضية بصاحبها إلى الوقوع في البدعة ثَمَّ مخالفة قد يأتي التمثيل لها ، قد يخالف في فرعٍ ولا يخالف في أصلٍ ، وقد يخالف في أصلٍ وفرع ، نقول : المخالفة في الأصول هذه مبدعة بصاحبها . يعني : يكون مبتدعًا ، وأما المخالفة في الفرع مع التسليم بالأصل فهذا ينظر في كل شخصٍ بحسبه ، قد يكون مبتدعًا وقد لا يكون كذلك.

15- التأليف والكتابة ليست شهوة عند أهل العلم ليست شهوة أريد أن أُأَلف فقط ؟ لا ، وإنما يؤلف من أجل أن يفيد غيره من أجل أن يصحح معتقد قد وقع فيه خلط بين العامة ثَمَّ حكمٌ شرعي غاب عن الناس ثَمَّ خلل في المعتقد ثَمَّ خلل في العبادة ... إلى آخره ، حينئذٍ يكتب ويؤلف لهذا الغرض.

16- باب المعتقد بابٌ دقيق من حيث المعنى ومن حيث القالب الذي يؤدي هذا المعنى ، يعني : ثَمَّ ألفاظ ومعاني ، الأصل في اللفظ أن يكون شرعيًّا بمعنى أن الشرع قد أتى به أو نطق به ، وأما إحداث ألفاظ لم يرد في الشرع فهذه فيها تفصيل.

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:34 AM


[الشريط الثاني]
17- ونحن نقول أهل السنة والجماعة : الله تعالى يسمع بصفة زائدة على الذات ، فالذات شيء والصفة شيء آخر . وأقول ما أجمل عبارة ابن جرير رحمه الله تعالى في هذه المسألة أن نقول : الاسم للمسمى كما قال الله تعالى ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء ﴾ ، الأسماء لله ، إذًا الاسم للمسمى ، فالله تعالى أثبتها لنفسه لفظًا ومعنًىوأثبتها له رسوله r فهي توقيفية ولا مجال للعقل في إثبات اسم لله تعالى البتة لا يجوز بل هو حرام ، لماذا ؟ لأنه كما سبق في أول الحديث أن الله تعالى غيب بذاته وأسمائه وصفاته ، ولذلك فُسِّر قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [ البقرة : 3] . يعني : بالله تعالى ، لأنه غيب وهو كذلك ، قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [ الإسراء : 36] ، ﴿ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : 169] . فلا يجوز إثبات اسم لله تعالى لم يرد به الوحي المبين . قال ابن تيميه رحمه الله تعالى : الأسماء الحسنى المعروفة - يعني : التي عرفت في الشرع جاء بها الشرع - هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها . إذًا لا يجوز إثبات اسم لله تعالى لم يرد به النص البتة لا في كتاب ولا في السنة ، وما يرد في كلام بعضهم مثل الصانع ونحوها ، فهذا يقال إنه من باب الإخبار ، وباب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات .

[الشريط الثالث]


18- صفات الله تعالى ثلاثة أقسام :
الأولى: صفة كمال مطلق؛ هذه ثابتة لله عز وجل ، لا خلاف بين أهل السنة الجماعة في إثباتها على وجه الإطلاق ، وذلك العلم والحياة والقدرة كلها والرحمة والمغفرة كلها ثابتة لله عز وجل على وجه الإطلاق ، وكل اسم دل على صفة فهي من هذا القبيل من هذا النوع الأول كل الصفات التي دُل عليها بالأعلام فهي داخلة في القسم الأول صفة كمال مطلق ثابتة لله تعالى على كُل وجه .

الثانية : صفة كمال مقيد؛ وأما الثاني وهو صفة كمال مقيد فلا يوصف الله تعالى بها إلا مقيدًا لو قيل لك : لماذا ؟ نقول : لأن الله تعالى هو الذي وصف به أو بها نفسه ، لأن القاعدة هنا أننا لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه بها رسوله r ، حينئذٍ ما ورد مطلقًا أطلقناه وما ورد مقيدًا قيدناه فكما أنه لا يجوز تقييد المطلق كذلك لا يجوز إطلاق المقيد ، كلٌّ منهما له وضعه في الشرع ، فلا يقال : الماكر ، أو المستهزئ ، أو المخادع ونحو ذلك ، بل نقيد ذلك يمكر بالماكرين ويستهزئ بالمستهزئين وخادع المنافقين لأنها لم تأت إلا مقيدة .

الثالثة : صفة نقص مطلق؛ هذا واضح التي تكون صفة نقص من كل وجه مطلق هذا لا يوصف الله تعالى بها البتة كما ذكرنا الجهل والعجز والعمى ونحو ذلك ، وأما الصفات المدلول عليها بالأسماء فهي كمال بكل حال وهي داخلة في القسم الأول ، يعني : لا تفصيل فيها العلم والحياة والقدرة لا نفصل فيها فهي مطلقة لأنه متصف بها على جهة الإطلاق ، فكل صفةٍ دلت عليها الأسماء فهي صفة كمال مثبتة لله تعالى على سبيل الإطلاق وليس فيها تفصيل ، وإنما التفصيل يكون فيما يحتمل وجهًا من وجوه النقص وذلك فيما إذا أُطلق .

19- فالوسطية عند أهل السنة والجماعة في قضية العقل أن يقال العقل ليس مصدرًا للتلقي وإنما يُستعان به في الفهم والاستنباط فقط ، يعني : له مجال أعطاه الشرع مجال الاستنباط والفهم والتأمل والتفكر لذلك جاء ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [ البقرة : 44] ، ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ﴾ [ النساء : 82] إلى غير ذلك مما أُحيل فيه إلى العقل وهذا فيما جاء الشرع به ، وأما ما لم يرد به الشرع حينئذٍ العقل لا يشرع فليس عندنا إلا الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح ، والقياس يكونُ في الفرعيات لا في العقائد ، وإذا كان كذلك حينئذٍ العقل ليس مصدرًا من مصادر التشريع وليس مقدمًا على النقل بل هو تابع للنقل ولا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح .

20- الخلاف في الأسماء ضعيف ، يعني : الكلام في الصفات ودخول أهل البدع في الصفات أكثر من الأسماء ، الأسماء لم يذكرها إلا غُلاة الجهمية والمعتزلة ، أو لأن الخلاف في الأسماء ليس كالخلاف في الصفات إذ اختلاف الأسماء ضعيف حيث لم يُنكر الأسماء إلا غُلاة الجهمية والمعتزلة.

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:36 AM


[الشريط الرابع]
21- الفرض الكفائي فالنظر إلى الفعل لا إلى الفاعل ، فصلاة الجنازة المراد أن تحصل صلاة الجنازة ولا يشترط أن تكون من زيد أو عبيد ، إنما المراد فعل الصلاة فحسب ، ولذلك إذا فعلها البعض سقطت عن الآخرين.. فرض الكفاية فالمراد به الوصف دون الذات ، هذا من الفوارق العظام بين النوعين

22- رد التأويل والقول بأنه بدعة مطلقة ليس بصحيح ، بل التأويل فيه تفصيل ، منه ما هو حق ، ومن ما هو باطل . وهذا ينبغي أن يعتني به طالب العلم ونص على ذلك ابن القيم وغيره ، ألفاظ مجملة لا ينبغي ردها ولا قبولها بإطلاق لا بد من التفصيل . لفظ مجمل بمعنى أنه يشتمل على حق وباطل ، حينئذٍ لا تقول : هذا باطل بدعة ضلالة ، ولا تأت تقول : هذا حق من كل وجه ، وإنما تفصل وتعطِ كل نوعٍ حكمه الخاص في الشرع . ومثل ما سبق المتواتر ، المتواتر بدعة جاء به المعتزلة ، لا ، المتواتر إنما يراد به الوصف أو يراد به ما يترتب عليه من الحكم ، لا بد من التفصيل ، إن قلت : المراد به الوصف فقط وصف للأسانيد تكاثرت سميناه متواتر ، والتواتر هو التتابع ، هذا لا إشكال فيه ، وأما ما يترتب عليه من الأحكام بأنه لا يقبل في العقائد إلا المتواتر ونحو ذلك ، نقول : هذا حكمٌ مردود على صاحبه .

23- التشبيه لفظٌ لم يرد في الكتاب ولا في السنة بذمٍ أو مدحٍ أو نفيٍ أو إثبات ، ما جاء ، ما في الصفات لا بآية ولا بحديث ، هل النبي r مدح من نفي التشبيه أو أثبت شيء يتعلق بالتشبيه .
ثانيًا : أن التمثيل ورد نفيه صريحًا في القرآن ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشورى : 11] ، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ نفي للمثيل ، وكل ما عبر به القرآن فهو أولى من غيره .

24- لفظ التشبيه يحتمل الحق والباطل ، فهو لفظٌ مجمل ، وإذا كان لفظٌ مجملاً طبقنا القاعدة لا نعلق نفي المطلق على اللفظ ولا إثبات مطلقًا ، فقولنا : بلا تشبيه هكذا نفي مطلق ، قل : لا ، ليس بصواب ، لأن ثم مشابهة بين الخالق والمخلوق في أصل الصفة ، بالمعنى العام كما سيأتي وهذا لا ينبغي نفيه . إذًا لفظ التشبيه يحتمل الحق والباطل ففيه إجمالٌ ، فلا يعرف المراد منه إلا بالتنصيص على المعنى المراد لا بمجرد إطلاقه ، كما هو الشأن في الألفاظ المجملة ، فنفي التشبيه على الإطلاق دون تعيين لا يصح ، نفي التشبيه على الإطلاق دون تعيين لا يصح لأن ما من شيئين في الأعيان أو في الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه ، ولو بمجرد اللفظ ، ولذلك بعض الصفات تثبت للرب جل وعلى وبلفظها دون معناها تثبت للمخلوق ، فنثبت للمخلوق صفة السمع والرب جل وعلا موصوف بتلك الصفة . إذًا هذا مجرد مشابهة باللفظ ، موجودة المشابهة أصل السمع إدراك المسموعات قبل إضافته للخالق أو المخلوق ، السمع من حيث هو ما هو ؟ إدراك المسموعات ، هذا يثبت للرب جل وعلا ويثبت للمخلوق ، إذًا قدر مشترك مشابهة أو لا ؟ هذا مشابهة . لكن لما أضيف السمع إلى الرب انفك من حيث الكيفية ومن حيث المنتهى في المعنى ، وأضيف السمع للمخلوق حينئذٍ انفك من حيث الكيفية ومن حيث المعنى ، وأما مطلق الصفة فهو قدر مشترك ، وهذا نوع مشابهة ، فكيف حينئذٍ ننفي المشابهة ، نقول : لا ، المشابهة موجودة ، ما من شيئين في الأعيان أو في الصفات إلا وبينهما قدرٌ مشترك ، أنت لك قوة والفيل له قوة ، اللفظ واحد والقوة من حيث هي وصف موجود في المخلوق سواء كان إنسانًا أو غيره . إذًا ما من شيئين من الأعيان أو الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه ، والاشتراك نوع تشابه ، فلو نفيت التشبيه مطلقًا لكنت نافيًا لهذا الاشتراك مع كونه حقًّا ، وهذا قرره ابن تيمية تقرير موسع في (( التدمرية )) فليرجع إليه .

25- فالتشبيه قسمان :
الأول : تشبيه مذموم ، وهو اشتراك الخالق والمخلوق في ما يختص بأحدهما . يعني : شيء اختص به الإنسان تثبته للرب ، تشبه الرب بالمخلوق ، أو شيء مختص بالرب تشبه الرب بالمخلوق فتثبته للمخلوق ، حينئذٍ ما اختص بالخالق أثبته للمخلوق هذا تشبيه ، وهو مذموم . شيءٌ اختص بالمخلوق أثبته للخالق هذا تشبيه وهو مذموم ، لأن كل منهما له خصائص ينفرد بها . المخلوق والخالق . إذًا الأول تشبيه مذموم وهو اشتراك الخالق والمخلوق في ما يختص بأحدهما .
الثاني : تشبيهٌ جائز في الأصل . وهو اشتراكهما الخالق والمخلوق في أصل معنى الاسم والصفة ، مقصود بهذا التعبير - انتبه - اللفظ قبل إضافته ، يعني : كلمة سمع مصدر ، ما المراد إدراك المسموعات قبل الإضافة قبل أن تقول : سمعُ الله وسمع المخلوق ، فثَمَّ اشتراك في المعنى قبل إضافته ، ثم إذا أضيف انفك كل منهما عن الآخر ، فإذا أضيف حينئذٍ صار هذا السمع مختصًا بالرب جل وعلا ، وهذا السمع مختص بالمخلوق حينئذٍ لا يثبت أحدهما للآخر ، فلو أثبته لدخلت في التشبيه المذموم وهو النوع الأول . إذًا المراد باشتراكه نفي أصل معنى الاسم والصفة هذا قبل الإضافة ، بحيث يلزم اسميهما وصفتيهما ما يلزم الصفة العامة لذاتها ، يعني : قبل الإضافة يعني : اشتراك كل منهما في أصل المعنى الذي وضعت الصفة للدلالة عليه في لغة العرب ، نرجع إلى لسان العرب ولذلك عقيدة أهل السنة والجماعة أن ظاهر النصوص مثبتة على أي مقتضى ؟ على ما اقتضاه اللفظ في لسان العرب ، فنرجع إلى لغة العرب السمع ما المراد به ؟ كذا ، القوة ما المراد بها ؟ كذا ، فنرجع إلى لسان العرب فننظر في معنى القوة ،ومعنى السمع ، ومعنى البصر من حيث هو ، فنثبت ذلك المعنى للرب جل وعلا ، فإذا انفك حينئذٍ نقول : لا يشبهه شيءٌ في ذلك . إذًا يعني : اشتراك في أصل المعنى الذي وضعت الصفة للدلالة عليه في لغة العرب ، وأيضًا فيه محذور من جهة أخرى وهو أن المبتدعة اصطلحوا على تسمية ما أثبت الصفات بالمشبهة ، أهل السنة والجماعة الذين يثبتون الأسماء والصفات على مقتضاها يسمون بالمشبهة ، فإذا : قلت بلا تشبيه يعني : بلا إثبات للصفات ، أليس كذلك ؟ إذا قلت : بلا تشبيه قد يصار هذا اللفظ مجملاً عند المتأخرين ، حينئذٍ نقول هذا اللفظ صار في الاصطلاح عندهم - باب البدعة - يطلق على من أثبت الصفات . وهذا صار محذورًا شرعيًّا ، لأن من لا يفهم إذا قيل : بلا تشبيه تبين للعامة ، وقد وضع في ذهن المشبهة هم الذين يثبتون الصفات ، حينئذٍ هدمت ما بُنِيَ ، وهذا غلط . إذًا فيه محذور من جهة أن المبتدعة اصطلحوا على تسمية من أثبت الصفات بالمشبهة ، فالتشبيه عندهم هو إثبات الصفات ، فلو نفي التشبيه أوقع في نفي إثبات الصفات وهو معنى فاسد ، فلا بد من اجتنابه . إذًا بلا تشبيه الأولى أن نقول بلا تمثيل ولا نعبر بالتشبيه مطابقة للشرع ، لأنه قال : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشورى : 11] إذًا كل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه والسلام من صفات الرحمن ما حكمه ؟ وجب الإيمان به التصديق الجازم المستلزم للقبول العمل وتلقيه بالتسليم والقبول ، والشيء الثاني ترك التعرض له والتصدي له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل .

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:37 AM


[الشريط الخامس]
26-كل مبتدع ولا بد أنه يقف مع نص ، لا يكاد أن يوجد مبتدع له صلةٌ بالعلم الشرعي ويحدث بدعةً أو يعتقد بدعة إلا وله متكأ من آيةٍ أو حديث ، لا يكاد يوجد إلا وهو متكأ على آية أو حديث ، لا تجد هذه الآية نصًا صريحًا فيما ادعاه بل هي محتملة ، نعم قد تحتمل ما يذكرونه من البدع لكنه لم يرد المتشابه إلى المحكم ، يعني : وقف مع هذه المحتملات ، لاحتمال لفظه بما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ، لأنه دافعٌ لهم حجةٌ عليهم ، ولهذا قال الله تعالى : ﴿ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ﴾ . ﴿ ابْتِغَاء ﴾ ، يعني : طلب الفتنة ، أي : الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجةٌ عليهم لا لهم ، كل من قرأ آية واستدل بها على بدعة نقول : ما شاء الله جاء بنص ؟ لا ، لا بد أن نفهم ما مدلول هذا النص في تأييد بدعتك أو قولك أو نحو ذلك ، أما مجرد قراءة الآية أو النظر في السنة أو قول صحابي أو نحو ذلك نقول : هذا مستندٌ صحيح ؟ لا ، لا بد أن يكون ثَمَّ تناسب بين هذا القول الذي قاله من بدعةٍ ونحوها ولو لم يكن بدعة بأن يكون مخالفًا لنصٍ أوضح منه حينئذٍ لا بد من النظر بين ترابط بين هذه الأقوال والنصوص ، وقوله : ﴿ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ﴾ . ابتغاء تأويله أي : تحريفه على ما يريدون.

[الشريط السابع]
27-حقيقة الإتباع أن تفعل كما فعل النبي r ، ولذلك ذكر الفتوحي في شرح المختصر كلمةً مفيدة في بيان معنى الأسوة في قوله جل وعلا : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ . ﴿ أُسْوَةٌ ﴾ ما المراد بالأسوة ؟ قال هناك في الشرح : أن تفعل كما فعل لأجل أنه فعل ، وأن تترك كما ترك لأجل أنه ترك . هذه ينبغي حفظها لطلاب العلم ، تفعل أنت كما فعل النبي r ، لماذا ؟ لا تقل لأنه واجب وأنه رتب عليه كذا ، وقد تترتب العقوبة ونحو ذلك لا ، لأجل أنه فعل هذا كمال في التأسي ، لماذا فعلت ؟ لأن النبي r فعل بقطع النظر عن كونه واجبًا أو مستحبًا ، وأن تترك كما ترك ، لماذا ؟ لأنه محرم ، عيب ، الناس يرون ... إلى آخره ؟ نقول : لا ، لأجل أنه ترك لهذه العلة ، وهذا كلام جميل قاعدة جيدة.

28-احذر آراء الرجال وهي التي ليست مبنيةً على دليلٍ صحيح ، ومن هنا تعلم أن ما قد انشاع من ذم المتون الفقهية تقول : نزلها على هذه . القاعدة هي متون فقهية أريد بها اختصارًا وتلخيص العلم لنوعٍ خاص ، ليست للعامة لنوعٍ خاص من طلاب العلم من أجل أن يسلك المسلك الصحيح في التلقي من أجل أن يَتَرَقَّى في طلب العلم ، فيحفظ القول ثم بعد ذلك يذكر له دليله ، ثم بعد ذلك يذكر له الفقه المقارن نقول : هذه المتون كالزاد وغيرها هي آراء رجال ، لكنها مستندة إلى دليلٍ شرعي ، إذًا لم يحذر السلف من مثل هذه ، وإنما حذروا من آراء الرجال ومن الأحكام التي مبناها على الرأي ، ولذلك قسموا أهل أو قسموا أهل الفقه إلى قسمين : أهل الرأي مدرسة الرأي ، ويجعل على رأسه ربيعة ، ولذلك سمي ربيعة الرأي لأنه أكثر من القياس ، وتلميذه أبو حنيفة على طريقته ، ومدرسة أهل الحديث ، وجعلوا فيها الإمام مالك ، والشافعي ، والإمام أحمد ، إذًا الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد من مدرسة الحديث يقابلهم ماذا ؟ أبو حنيفة من مدرسة الرأي وليس مرادهم أن أبا حنفية يعتمد على رأيٍ ليس عليه مستند شرعي صحيح ؟ لا ، الإمام أبو حنيفة كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى : يكفي في تزكيته إجماع الأمة من يومه إلى عصر ابن القيم إلى يومنا هذا أنه لا يقال إلا الإمام أبو حنيفة . يكفي فيه أن يزكى بمثل هذه التزكية وأن مذهبه مذهب متبع في جميع العالم الإسلامي ، قد يتبعه بعضهم تقليدًا ، وقد يتبعه بعضهم بالنظر في قوله ودليله وما اعتمد عليه ، وقد يرجح قول أبو حنيفة وقد يرجح غيره ، إذًا ما ذكر من أن هذه المتون معتمدة على أدلة شرعية حينئذٍ لا ينبغي توجيه الذم إليها.

[الشريط الثامن]

29- الفقهاء يرون أن الإجماع أو بعضهم يرون أن الإجماع قد يقوم بلا مستند شرعي ، وهذا ليس بصحيح ، بل لا بد أن يكون ثَمَّ مستند شرعي قد ينقل هذا المستند وقد لا ينقل ، وأما الإجماع بنفسه دون نص شرعي لا يكون حجة شرعية ، لا تثبت به الأحكام لا العقدية ولا العملية ، يعني : لا ينظر إليه لا في إثبات حكم يتعلق بصلاة وصوم وزكاة وحج ولا في أحكام عقدية ، لأنه اتفاق باطل ولكن لما جاءت الأحاديث والنصوص دالة على أن اجتماع هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة . حينئذٍ لا بد من أن اتفاقهم يدل على أنه حق ، وهذا الحق لا يكون إلا منصوصًا ، ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله تعالى في مسألة الإجماع يرى أنه لا يوجد إجماع إلا والنص منقول معه ، ليس عندنا إجماع لا مستند له ، وإنما يقول : قد بعض الفقهاء قد لا يدرك أن هذا الإجماع مستنده آية كذا أو حديث كذا ، فيقال : الإجماع ليس فيها دليل ، الإجماع على كذا وليس في المسألة دليل ، وعند ابن تيمية رحمة الله تعالى يقول : هذا ليس له وجود البتة ، وإنما المستند منقول قد يعقله البعض وقد لا يعقله بعض آخر .

30-باستقراء القرآن من أوله إلى آخره فوجدنا أن الله تعالى إما أن يثبت صفة له وإما أن ينفي صفة عنه على ما تقرر من أن الجملة الاسمية أو الفعلية قد تكون مثبتة وقد تكون منفية ، حينئذٍ انقسمت الصفات إلى صفة ثبوتية ، وإلى صفة سلبية منفية ، أقول : هذا التقرير لأن البعض ينازع في هذه القاعدة يقول : لم يتكلم السلف في مثل هذه الألفاظ . نقول : هذه الألفاظ دل عليها الكتاب والسنة ، لأن بعض المسائل قد لا يتكلم فيها السلف بمعنى أنه لم يوجد ما يقتضي أن يتكلم الصحابة أو كبار التابعين أو من بعدهم إلى أن تنزل نازلة حينئذٍ ينظر أهل العلم فيستنبطون بعض الألفاظ ويعبرون بها عن معتقد أهل السنة والجماعة ، فمنها هذا الذي ذكره ابن القيم وتبعه عليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في (( القواعد المثلى )) أن الصفات تنقسم إلى قسمين : صفات ثبوتية ، وصفات منفية . وإن شئت قل : سلبية . دليله الاستقراء والتتبع ، والاستقراء والتتبع يعتبر حجة شرعية تثبت بها ، لكن الاستقراء والتتبع على نوعين : استقراء تام ، واستقراء ناقص .
تام بمعنى أنه ينظر في القرآن ولا يترك آية واحدة إلا ونظر فيها هذا استقراء تام وهو حجة شرعية ، فهو الاستدلال بالجزء على الكل .


وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّيْ اسْتُدِلْ(

فَذَا بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ(


حينئذٍ نقول : هو حجة شرعية ولا إشكال فيه ، وإنما الخلاف هل يفيد القطع أو الظن ؟
وللنوع الثاني : هو الاستقراء الناقص ، أن يستقرئ مثلاً نصف القرآن أو الثلثين ، هل يعتبر حجة أو لا ؟ هذا محل خلاف عندهم ، ولكن في باب المعتقد هنا الاستقراء كله تام ، ليس عندنا استقراء ناقص ، حينئذٍ نقول : تنقسم الصفات إلى نوعين : صفات ثبوتية ، وصفات سلبية . دليله الاستقراء والتتبع لنصوص الشرع ، وجهه أن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، ومعلوم عند النحاة بإجماع أن الكلام إما جملة اسمية ، وإما جملة فعلية ، وأن كلاً من النوعين إما مثبت ، وإما منفي ، وقد جاء القرآن بلسان عربي مبين فمنه ما أثبته الله تعالى لنفسه ومنه ما نفاه ، ولذلك ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [ الكهف : 49] هذه جملة فعلية منفية [ نعم ] جملة فعلية منفية ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ تقول : هذه جملة فعلية منفية ، ماذا دلت على أي شيء ؟ مثل مَا قَامَ زَيْد ، فيه نفي الظلم عن الرب جل وعلا ، ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ جملة اسمية ، أليس كذلك ؟ مثبتة أو منفية ؟ مثبتة ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ دل على إثبات الاستواء للرب جل وعلا ، ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ جملة فعلية مثبتة أو منفية ؟ مثبتة ، ما الذي دل على ذلك ؟ النظر لغوي هنا لا نحتاج أن يأتي نص فيقول : هذه الآية فيها إثبات صفة البقاء بقاء الوجه لله عز وجل ، أو فيها صفة إثبات الوجه لله عز وجل ، لا نحتاج بنص خاص لأن هذا مبحثه مبحث لغوي بحت فالنظر فيه حينئذٍ يكون نظر في الكتاب والسنة يكون مبناه على التأصيل اللغوي الذي أصله النحاة ، إذًا تنقسم صفات الله تعالى إلى قسمين : ثبوتية ، وسلبية . وكما ذكرت ونبهت على هذا أن بعض المعاصرين يشكك في هذه الجملة بأن الصفات تنقسم إلى ثبوتية وسلبية يقول : لم ينطق السلف بهذا . هو سلفي في المعتقد سلفي لكنه في باب التقعيد قد يفوته بعض الشيء لما ذكرنا سابقًا.

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:38 AM


31- ما يشاع الآن أهل السنة والجماعة ثلاثة فِرق :
ماتريدية .
وأشعرية .
وأهل الحديث .
باطل هذا ، لا يقول به من عرف حقيقة الأشاعرة أو عرف حقيقة المنهج السلفي .

[الشريط التاسع]
32-ثبت النزول لله عز وجل بالسنة وإجماع السلف من حديث الذي ذكره المصنف (حديث النزول لله تعالى) وهو من الأحاديث المتواترة ، ثَمَّ خلاف لأهل البدع في التفرقة بين الآحاد والمتواتر ، وهذا التفريق محدث ، يعني : بدعة كونه يصطلح على أن هذا الحديث يسمى متواترًا وهذا آحاد ، هذا لا إشكال فيه ، هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح ، أما إذا بني عليه حكم شرعي بأن هذا يقبل وهذا لا يقبل مع صحة السند نقول : هذا الحكم المبني على الآحاد والمتواتر هذا حكمٌ محدث ، ولذلك ما يذكر عن ابن القيم رحمه الله تعالى أنه أنكر هذا التقسيم متواتر وآحاد ، مراده والله أعلم ما تفرع عليه ليس عليه ، ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى أحيانًا يعبر بالتواتر ، يقول : هذا متواتر ، وهذا حديث متواتر . إذًا يقر الاصطلاح ، حينئذٍ لا مشاحة في الاصطلاح ، وأما بناء حكم شرعي بأن هذا يقبل وهذا لا يقبل في تقرير العقيدة ثم نأتي بما نرده في باب المعتقد ونقبله في باب الأحكام الشرعية العملية ، فهذا محدث هذا تناقض ، ما دام أنه صح عن النبي r ووجد القيود وعملنا به في باب الصلاة والصيام والزكاة والحج ثم نأتي في باب العقيدة نرده ، هذا باطل ، من أبطل الباطل ، إذًا هذا الحديث يعتبر من الأحاديث المتواترة.

33- لا يقال في آيات الصفات ما يقال في آيات الأحكام ، لأنها آيات الأحكام على نوعين :
منها ما هو نص واضح بَيِّن في الدلالة على المراد .
ومنها ما هو محتمِل للظاهر وما دونه .
حينئذ إذا جاء دليل فصرفنا الظاهر إلى المعنى الباطن أو المرجوح ويكون لنص ، وهذا إنما يحتمل في الأحكام ، وأما في الأخبار ومنها آيات نصوص الصفات والأسماء فحينئذٍ تبقى على ظاهرها ، ويقال ظاهرها هو المراد ، ولا تحتمِل معنى باطنًا ولا يصح تحريف اللفظ عن ظاهره إلى ذلك المعنى الْمُدَّعَى ، وقد يكون ثَمَّ لفظ وله معانٍ متعددة في لسان العرب ، لكن لا ينبغي حمله إلا على ظاهره كما هو شأنه في اليد ، ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [ المائدة : 64] فاليد تطلق بمعنى النعمة ، وبمعنى القدرة ، وقد يكون المراد بها ظاهر اللفظ ، فيدل على أن الظاهر هو المتبادر ، وما عداه فهو معنى مرجوح ، ولا يمكن حمل اللفظ على معناه المرجوح إلا بدليل ، وقد دل دليل هنا على اعتبار المعاني الظاهرة ، دون المعاني المرجوحة ، ومنها الاستواء هنا ، المراد بالرب جل وعلا به العلو الخاص.

34- الصلاة دل الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على أن تارك الصلاة يعتبر كافر ، وهذا محل وفاق بين الصحابة ، وإنما الخلاف وقع عند المتأخرين ولذلك الخلاف هذا يعني : ينبغي لطالب العلم أن يحرر المسألة لا يلتفت إليها ، ولو كان الخلاف عند الأئمة الأربعة أو غيرهم ممن بعدهم لأنه إذا أجمع الصحابة على أمرٍ حينئذٍ أي قولٍ يكون أو ينشأ بعدهم فيعتبر مخالف للإجماع ، لذلك حكا عبد الله بن شقيق : لم يكن أصحاب محمد r أو رسول الله r يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . هو ليس المراد به كفر أصغر يعني إذا قيل بذلك حينئذٍ لا يوجد كفر أصغر إلا ترك الصلاة ، وهذا باطل ، قتال المسلم هذا كفر أليس كذلك وقد جاء النص بذلك حينئذٍ يعتبر كفرًا أصغر قد جاءه للحصر في ماذا ؟ في ترك الصلاة فلا يحمل على الكفر الأصغر بل المراد به الكفر الأكبر ، ولذلك صح عن علي وعن عمر ومعاذ وابن مسعود أنهم قالوا من لم يصلّ فهو كافر . فدل ذلك على أن المراد بجنس العمل عند أهل السنة والجماعة في قوله عمل بالأركان المراد به الصلاة . إذًا الصلاة داخلة في مفهوم الإيمان الشرعي فمن لم يأت بالصلاة حينئذٍ لم يأت بالإيمان الشرعي ليس بمؤمن .

[الشريط الثالث عشر]

35- س : نريد منكم منهج لطالب العلم في العقيدة يسير عليه .
ج : العقيدة واضحة بينة ، يعني : دراسة كتب شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب رحمه الله تعالى (( الأصول الثلاثة )) ، (( القواعد الأربعة )) ، (( مسائل الجاهلية )) ، (( نواقض الإسلام )) أتقنها إتقان جيد مع الحفظ ، ما يستطيع أن يحفظه ، ثم ينتقل إلى كتاب (( التوحيد )) و(( كشف الشبهات )) و(( الواسطية )) ، هذا التأصيل ، هذا التأصيل حصل بهذه الكتب فيتمعن فيها مع حفظها ومدارستها ومذاكرتها ، ثم بعد ذلك يعتبر ما عداه من الكتب من التكميليات ، يعني : غير (( الواسطية )) مما يخدمها كـ (( القواعد المثلى )) مثلاً هذا يخدم (( الواسطية )) كثيرًا ، كذلك (( الحموية )) كذلك (( التدمورية )) خادمة لهذه الكتب ، يعني : لن تفهم على وجهها الكامل إلا بدراسة هذه الكتب ، كذلك (( الطحاوية )) شروحتها (( السلم )) ، (( الأصول )) ، (( الحكم )) ، وشرحه المطول (( معارج القبول )) ، وكذلك (( السفارينية )) وإن كنت لا أرى أنها من كتب أهل السنة ، يعني : مما يدرس ، لكن شاع تدريسها الآن ، فحينئذٍ هذه تعتبر من المكملات ، وتكثير الحفظ هذا لا ينصح به ، بمعنى أن المحفوظ يجب أن يقتصر على ما ذكر ، حبذا لو كان نثرًا لا نظمًا ، لأن العقيدة كما ترى كلامٌ مقرر محرر مدقق بمنطوقٍ ومفهوم وله دليلٌ من كتاب وسنة ، حينئذٍ مثلاً الرؤية لا نحتاج إلى كثرة كلام من أهل العلم وإنما ما تأتي بإثباتها ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ القيامة : 22 ، 23] الذي لا يحفظ الآية ليس عليه سبيل ، كذلك « إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر » . ... إلى آخره فتحفظ النص ، حينئذٍ حفظ النصوص في باب المعتقد هو المقدم ، ولذلك إذا وجد المتن مشتملاً على آيات وأحاديث كان مقدمًا ، ولذلك كتاب (( التوحيد )) و(( الواسطية )) لا يعدل عنهما طالب العلم البتة ، لأنها مشتملة على جملة النصوص الواردة في مسائل المعتقد في باب التوحيد بأنواعه ثلاثة ، يعني : كتابان معًا ، أنواع التوحيد بأنواعه الثلاثة : الربوبية ، والألوهية ، والأسماء والصفات . ما عداه يعتبر مكملاً ، ثم إذا أتقن هذه بالمكملات وأراد معرفة ما عند أهل البدع ، وهذا مما ينص عليه وينبه ، أنا أرى أن الطالب يدرس عقيدة السلف خالصة ، ولذلك نعني في درسنا هذا ما نذكر أقوال المبتدعة إلا على جهة الإجمال فقط ، أما نأتي بأدلتهم ونرد كأن العقيدة صارت فقه مقارن هذا غلط ليس بصحيح ، وإنما قد يدرس هذا النوع لا بأس للطلابٍ قد درسوا يدرسون مثلاً (( الواسيطة )) على جهة الإجمال ، تقرر فيه عقيدة السلف لا يذكر ولا مبتدع ولا يذكر القول وحجج المبتدعة البتة ، فإذا انتهي منها على وجه الكمال الطلاب أنفسهم يدرسونها مرةً أخرى بطريقة التوسع وذكر أقوال المخالفين ، وأما ابتداءً هكذا تكون كتب المبتدئين التي تدرس للطلاب وكأنه فقه مقارن نقول : لا ، لأنه ليس كقول أبي حنيفة والشافعي تقابلا هذا خلافٌ سائغ يمكن أن يكون مراد النص هو هذا ويمكن أن يكون هذا ، لكن مبتدع وليس مبتدع فحسب نقول : ممكر الرؤية وأنكرها لقوله تعالى كذا وكذا ، كافر هذا مرتد عن الإسلام ، فكيف نأتي بأقوال أهل الكفر ؟ الجهمية وأقوالهم ، الجهمية كفار بإجماع أهل السنة والجماعة ، والمعتزلة أكثر أهل السنة على أنهم كفار ، والأشاعرة أكثر أهل السنة على أنهم مسلمون وفي تكفيرهم خلاف ولا يُستبعد تكفيرهم لأنهم يرون خلق القرآن وإنكار العلو الذاتي ، وكذلك الرؤية منكرةٌ عندهم ، ويكفي إنكار العلو هذا يعتبر من الرد لما هو معلوم من الدين بالضرورة .
إذًا يسير طالب العلم على إتقان عقيدة السلف ، لأن عقيدة السلف تحتاج إلى تمعن ، ثَمَّ قواعد مثلاً ما يذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (( التدمرية )) أو (( القواعد المثلى )) التي ذكرها ابن عثيمين في كتابه (( القواعد المثلى )) هذه القواعد تحتاج إلى توسع من حيث إثبات أدلتها ، ومن حيث استعمال السلف لها على وجه الكمال ، ومن حيث عدم اعتراضٍ عليها بخروج فردٍ من أفرادها أو آحادها ، هذا قد يظنه الطالب ظنًا ، بمعنى أن القاعدة لا تكون عنده على جهة اليقين ، وهذا خلل ، لأنه لو جاء يجادل أشعريًّا لسقط مباشرةً ، لماذا ؟ لأن الأشاعرة عندهم عقيدتهم قائمة على العقل والدلالات المنطقية وأقسام .. إلى آخره ، وهذا شيءٌ مُسَلَّمٌ عندهم ، يعني : يسمى دلالة قطعية ، وهي دلالات العقل ، ولذلك العقل عندهم مقدم على الشرع لأنه محتملٌ للمجاز والحقيقة والنص والظاهر إلى آخره ، حينئذٍ إذا وقف الطالب أو من أراد أن يدافع عن عقيدة السلف والهجوم الآن على عقيدة السلف على قدمٍ وساق في الفضائيات والإنترنت والصحف والمجلات الكل يريد أن ينسف عقيدة السلف فإذا لم يكن الطالب على دربة بجدال أهل البدع ولم تكن عنده هذه القواعد يقينية ، يعني : لا يشك فيها البتة أنها حق كما تراني وأراك ، وهذا ممكن لأن عقيدة السلف مجمعٌ عليها ليس فيها اختيارات ، وليس فيها ترجيح ، وإذا كان كذلك فهي مجملة دلالات قطعية ، وأدلة قطعية من حيث الثبوت ، فيتمعن فيها طالب العلم ويعيدها مرةً بعد مرة ويحاول أن يجمع الأدلة الكثيرة المتكاثرة على إثبات هذه القاعدة ، ثم يأتي بمثال ومثالين وعشرة وعشرين ومائة إن استطاع من أجل أن تكون هذه القاعدة عنده على قدمٍ وساق ولا تكون فيها نوع شكٍ ، بعد ذلك إذا أراد أن يقرأ في مناهج المخالفين فيرجع إلى كتبهم ، يعني : يأخذ متن للأشاعرة (( الجوهرة )) مثلاً ، فثَمَّ شروح مطبوعة صارت تباع عندنا هنا في المكاتب ، تباع ويأخذها الطالب وقد يغفل بعضهم عنها ، حينئذٍ تقرأ عقيدة الأشاعرة وهم أكثر من يوجد الآن من المخالفين وإن كان المعتزلة لهم وجود والجهمية لهم وجود لا يظن الظان أنه لا يوجد فرقة اسمها جهمية ، نعم لا توجد ولا يوجد فرقة اسمها معتزلة ، نعم لا يوجد ، لكن الرافضة والأباضية والعقلانية كلهم معتزلة ، العقلانيون الآن المدرسة العقلانية موجودة في مصر وغيرها معتزلة ، ينكرون ، يقولون بخلق القرآن ، وينكرون دلالات القرآن والعقل هو الْمُحَكَّم عندهم ، الرافضة معتزلة في باب الأسماء والصفات ، الأباضية معتزلة يقولون بخلق القرآن .. إلى آخره وينكرون الرؤية .. إلى آخره ، فتأخذ عقيدة هؤلاء المخالفين من كتبهم ، ثم ترد عليهم بما ذكره ابن تيمية وهو فارس الميدان الذي اشتغل بالأشاعرة ، وأكثر ما اشتغل ابن تيمية بالأشاعرة ، ولم يشتغل بالفلاسفة وإن رد عليهم ولا بالمعتزلة ، لماذا ؟ هذا له لعلة ، لأنه اشتغل بما الحاجة إليه أمس ، رأى أن الفلاسفة والمعتزلة الأشاعرة كفونا في الرد عليهم ، لأنهم ألفوا مؤلفات فردوا حتى الغزالي رد على الفلاسفة ورد على المعتزلة وكذلك الجويني وغيرهم ردوا على المعتزلة ، فكفونا هذا الجانب ، بقي ماذا ؟ بقي الأشاعرة أنفسهم ، من يرد عليهم مع كثرتهم الكاثرة ؟ فرد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، ولذلك لا يستغرب طالب العلم أن أكثر ما اشتغل به ابن تيمية الأشاعرة ، لا لكونهم أشد من المعتزلة ، لا المعتزلة أشد لأنهم في الظاهر أنهم كفار كذلك الجهمية ، وإنما رد عليهم واشتغل بهم لكونه لم يوجد من اشتغل بأدلتهم وفندها .

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:38 AM


[الشريط الرابع عشر]
36-عمل الأركان منه ما فواته يؤدي إلى فوات الإيمان من أصله كالصلاة مثلاً ، الصلاة بإجماع السلف أن تاركها يعتبر كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا من الملة ، وهذا بإجماع الصحابة كما حكاه عبد الله بن شقيق لم يكن أصحاب رسول الله r يرون شيئًا من أعماق ترك الكفر غير الصلاة ، وهذا واضحٌ بين في الدلالة على الإجماع حكاه المروزي وكذلك ابن حزم وغيرهما ، حينئذٍ نقول : المسألة مجمعٌ عليها فتركها يعتبر مفوتًا للإيمان من أصله ، ولذلك أطلق الله عز وجل عليها وصف الإيمان كله ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [ البقرة : 143] ، يعني : صلاتكم إلى جهة البيت المقدس ، لأن لما حولت القبلة إلى الكعبة سأل الصحابة عمن مات قبل تحويل القبلة ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وقال : ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ ، أي : صلاتكم ، ذكر ابن القيم في حكم الصلاة وتاركها أن من عادة العرب إذا أطلقوا الكل على جزءٍ دل على أن هذا الجزء له أثرٌ في فوات الكل ، بمعنى أنه إذا فات هذا الجزء فات الكل ، وهنا أطلق الكل الذي هو الإيمان ، هل الإيمان كله الصلاة فقط وما عدا الصلاة ليست بإيمان ؟ الجواب : لا ، هذا واضح بدهي ، حينئذٍ نقول : كونه أطلق الإيمان مرادًا به الصلاة وهي جزءٌ من أجزاء الإيمان وعملٌ من أعمال الإيمان دل على أن فوات الصلاة يفوت الإيمان من أصله.

37-من يرى بأن العمل - عمل الأركان - شرط كمال ، هذا مذهب المرجئة ، وإن كان شاع الآن على أنه مذهب السلف ، هذا باطل هذا من الافتراء على منهج السلف .

38- المرجئة هم أصناف منهم ما ابتلي به أهل هذا الزمان بأن أعمال الجوارح شرط كمال وليست شرط صحة أو ركن ، ومن قال بأنه شرط صحة أيضًا في التعبير فيه شيء من الغلط لكنه لا نختلف معه من حيث السنة والبدعة ، لأنه رتب فوات الإيمان على فوات العمل ، وهذه النتيجة ، إذا كانت هذه النتيجة الأمر معه واسع ، وجوزه ابن تيمية قال : لا بأس أن يعبر بكذا وكذا إلا أنه داخل في الحقيقة ، والصواب أن يقال بأنه ركن ، جنس العمل ركن في مسمى الإيمان ، ولا نقول بأنه شرط صحة ، لماذا ؟ لأن الشرط خارج عن الماهية .
والركن جزء الذات والشرط خرج
والركن جزء الذات ، يعني : داخل في مفهوم الحقيقة كالركوع في الصلاة والسجود في الصلاة وقراءة الفاتحة في الصلاة ، فهي أركان داخلة في الماهية ، حينئذٍ الصلاة لها افتتاح ولها اختتام هذا الركن داخل في ماهيتها ، أما الشرط فهو خارج عنها ، ولذلك إذا قيل : شرط صحة . اعترفنا بأن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان ، وهذا فيه شيء من الغلط لأنه مخالف لما سبق ، لأن النبي r قال : « هل تدرون ما الإيمان ؟ شهادة أن لا إله الله ، وإقام والصلاة ، وإيتاء الزكاة » . فأطلق الإيمان على هذه الأعمال ، والأصل الحقيقة أو المجاز ؟ الأصل الحقيقة ، الأصل أنه محمول على الحقيقة ، وهذا هو المفهوم الشرعي للفظ الإيمان ولا نفسره بالمفهوم اللغوي .

38- تنبيه: ابن حجر رحمه الله تعالى عنده خلط في مسائل الإيمان ومسائل التوحيد ، والنقل عنه هذا يحتاج إلى تحرز.

39- ينبغي لطلاب العلم ولمن كان من أهل الاستقامة ولو لم يكن طالب علم أن يكون اهتمامه بالواجبات أشد وحرصه على علم أو العلم المتعلق بالواجبات أشد ، لأنه أهم ، بتركه يكون فاسقًا ، ولا ينصب الاهتمام إلى فعل المستحبات ويكون عنده خلل في الواجبات ، ولا يكون سؤاله وبحثه وعلمه ومدارسته للمستحبات ويكون عنده خلل كبير في الواجبات ، لا شك أن ذاك من الشرع ، لكن كما قال النبي r : « فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادةَ أن لا إله إلا الله ، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم » . ... إلى آخره ، فبدأ بالتوحيد ثم ثنى بالصلاة ثم ثلث بالزكاة ، وكلها من الدين وكلها من أركان الإسلام وكلها مما يجب العمل به ، ومنها ما تركه يعتبر ناقضًا للإسلام ، لكنه لم يسوي بينها ، ولذلك الواجبات منها ما هو متفق عليه بين أهل العلم مجمع عليه ، هذا يجب على المكلف أن تتعلق همته بمعرفة هذا النوع ، وأن يعرف كيف يقع هذا النوع ، وأن يهتم به اهتمامًا كبيرًا من حيث الإيجاد ومن حيث ما يكون خللاً في وجوده ، ثم من الواجبات ما هو مختلف فيه ، يكون الاهتمام به أقل مما سبق إلا على جهة الترجيح إن كان طالب علم ثم تأتي المستحبات ، وأما أن يكون القلب متعلقًا بالمستحبات ثم خلل كبير في فعل الواجبات هذا لا يكون على الجادة ، وليست هذه بطريقة السلف ، وليست بطريقة الصحابة لفهمهم للدين ، كذلك المكروهات قد يتحرز البعض عن فعل بعض المختلف فيه من المحرمات أو المكروهات ، وقد يقع فيما هو متفق عليه من المحرمات ، وهذا خلاف المشروع ، وإنما يكون العكس هو الذي ينبغي الحرص عليه.

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:39 AM

[الشريط الخامس عشر]
40-والمدرسة العقلانية الموجود الآن هي معتزلة ، المدرسة العقلانية التي .. الفرقة السابقة التي سينص عليها المصنف المعتزلة والجهمية والمرجئة وغيرهم كلهم موجودون الآن ، يظن بعض طلاب العلم وغفلته أنها انتهت ، والحديث عن المعتزلة وما يتعلق بهم ضياع وقت ، تتكلم عن أناس قد شبعت منهم الدود في قبورهم ، لا ليس الأمر كذلك ، بل الأفكار باقية والمناهج موجودة كما هي ، ولذلك الآن ثَمَّ ما قد يقال بأنه ثورة بعض المعتزلة ، ولذلك كثر طباعة كتب المعتزلة سواء كانت العقدية أو غيرها وسواء كانوا في لبنان أو كانوا في مصر أو غيرها حينئذٍ نقول : هذا يدل على أن ثَمَّ حركة قوية جدًا وهو ما يسمى بالمدرسة العقلانية موجودة في مصر والأردن وفي غيرها.
[الشريط السابع عشر]
41- طاعة الخليفة وغيره من ولاة الأمور واجبةٌ في غير معصية ، والوجوب هنا كما ذكرنا بما يتعلق بوجوبٍ جاء به الشرع كالأمر بالصلاة وإعطاء الزكاة ونحوها ، حينئذٍ الوجوب من جهتين ، وقد يكون من جهة ولي الأمر كما لو أمر بأمرٍ مباح تجب فيه الطاعة ، ولذلك بعضهم يرى أنه لا يطاع في مثل هذه لأنها في الأصل مباحة ، نقول : إذا كان كذلك لم أوجبه الشرع ؟ إذا كان الأمر الأصلي في إيجاب الصلوات وإيتاء الزكاة سواء وجد والي أم لا أنت مأمورٌ به ، وإنما الوالي يؤكد الأمر ، حينئذٍ ماذا بقي له ؟ بقي له المباحات ، يعني : تنظيم أمور الناس وما يتعلق بها ، فالأصل فيها الوجوب ، لكن ينبغي أن يقيد بما فيه مصلحة للناس ، وإن لم يكن كذلك فشأنه آخر لقول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [ النساء : 59] . ﴿ أَطِيعُواْ اللّهَ ﴾ جاء بالفعل ، ﴿ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ﴾ أعاد الفعل ، ﴿ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم ، لماذا ؟ لأن طاعته هنا ليست مستقلة ، بل هي تابعةٌ لطاعة الله ، فنأخذ من الآية شيئين :
الشيء الأول : أن طاعتهم واجبة لأنه قال : ﴿ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ﴾ . إذًا ﴿ أَطِيعُواْ ﴾ ﴿ وَأَطِيعُواْ ﴾ أمر والأمر يقتضي الوجوب طاعة الله عز وجل واجبة وطاعة الرسول r واجبة ، قال : ﴿ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ . هذا معطوف على الأول ﴿ أَطِيعُواْ اللّهَ ﴾ حينئذٍ تقول : طاعة ولي الأمر واجبة .
ثانيًا : هذه الطاعة ليست مستقلة بل هي مقيدة بأن لا تخالف الشرع ، فإن خالفت الشرع فحينئذٍ لا طاعة إنما الطاعة في المعروف ، ولقوله r : « السمع والطاعة على المسلم » ، « على » تفيد ماذا ؟ الوجوب على الوجوب تفيد الوجوب حينئذٍ « السمع والطاعة على المسلم » . يعني : واجبةٌ على المسلم ، فعلى ظاهرةٌ في الوجوب عند جماهير الأصوليين ، « على المسلم » أل تفيد العموم كل مسلم داخلاً تحت الولاية « فيما أحب وكره » . يعني : ليس النظر فيما تحبه وتطيعه وما لا تحبه ويخالف شهواتك لا تطيعه،بلالأمرجاءعامًامسلمذكرًاكانأم أنثى،قال:«فيماأحب» . يعني : في الذي أحبه المسلم ، أو كره ، حينئذٍ النوعان المحبوب والمكروه تجب فيه الطاعة ، يعني : أجب وأطع ولي الأمر إن أمرك بشيءٍ سواء كان هذا الشيء محبوبًا لك ميسورًا ، أو كان مكروهًا مبغوضًا ما لم يُأْمَر بمعصية ، فالضابط هنا النظر إلى المعصية ، إن أمر بترك واجبٍ أو بفعل محرم فلا سمع ولا طاعة ، فإذا أمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة هذا النص واضح بين يبين أن ولي الأمر له الأحقية في طاعة المسلمين لهم لكن بشرط أن لا يكون فيه شيءٌ من المعصية وليس المرجع فيما كان محبوبًا للنفس أو لم يكن محبوبًا للنفس ، بل تطيع ولو كنت مكرهًا على أمرٍ ما ، والحديث متفقٌ عليه ، وسواء كان الإمام برًّا وهو القائم بأمر الله فعلاً وتركًا ، أو فاجرًا وهو الفاسق ، إذًا ما دام أن الإسلام ، وصف الإسلام باقٍ وجبت الطاعة ، فلا يشترط في ولي الأمر أن يكون كاملاً من كل وجه ، وإنما المراد به أن يكون مسلمًا ، فإذا لم يكن مسلمًا حينئذٍ انتفت الأحكام المرتبطة بولي الأمر ، وإن كان مسلمًا ولو كان فاجرًا فاسقًا حينئذٍ نقول : الطاعة لازمةٌ . كقوله r : « إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله » . إذًا ما العمل ؟ قال : « فليكره ما يأتي من معصية الله » . يعني : تكره بقلبك وتناصح بلسانك ، « ولا ينزعن يدًا من طاعة » لحجة أنه يفعل المحرمات . والحديث رواه مسلم حديث صحيح « إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله » . قال : « من معصية الله » . يعني : أي معصية يشرب الخمر ، يحلق اللحية ، يسبل ثوبه ، قل ما شئت من المعاصي التي هي دون الكفر قال : « من معصية الله » . « معصية » نكرة مفيد مضاف إلى المعرفة فيفيد العموم ، ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ ﴾ [ إبراهيم : 34] ، فكل معصيةٍ هي دون الكفر ولو آتاها كلها حينئذٍ بين النبي r الموقف الصحيح من هذا الوالي قال : « فليكره ما يأتي من معصية الله » . تكره بقلبك لا ترضى ، « ولا ينزعن يدًا من طاعة » ، يعني : لا تخالف ولا تشق العصا وإنما الطاعة واجبةٌ ولازمةٌ ، والخروج على الإمام محرم لا يجوز الخروج لا باللسان ، ولا باليد ، لا بالسيف السنان ، ولا باللسان..

42- قاعدة عامة وهي أنه لا يتم للمرء الانكفاف عن البدع بجميع أنواعها إلا إذا ترك مجالسة أهل البدع ، لأن الشرع إذا حرَّم شيئًا حرم كل وسيلةٍ تؤدي إليه ، أليس كذلك ؟ الوسائل لها أحكام المقاصد ، إذًا البدعة محرمة أو لا ؟ محرمة ، لا يختلف اثنان أن من وسائل الوقع في البدعة مجالسة أصحابها ، إذًا مجالسة أصحاب أهل البدعة يكون ماذا ؟ محرمًا ، لا يختلف اثنان أن السلام عليه ومكالمته أنها تورث أُلفةً بين الْمُسَلِّم والْمُسَلَّم عليه حينئذٍ تؤدي إلى مجالسة المبتدع ، إذًا يكون وسيلةً إلى الوقع في المحرم ، لأن مجالسة المبتدع محرمة لأنها مؤديةٌ إلى البدعة ، وكل ما يكون وسيلةً إلى مجالسته فهو محرم ، ولذلك صار هجران أهل البدع وهجرهم صار واجبًا ، لكن إن كان في مجالستهم مصلحة كعالمٍ وعارفٍ بالبدعة وأصلها وفصلها والشبهة وموردها وكيف يرد عليها هذا يستثنى ، لكن بشرط أن يكون مراده تبيين وهداية هذا المبتدع ليس المؤانسة وليس نفي الفوارق وليس تجميع الكلمة وليس توحيد الصف ، وليس هذه الأغراض وإنما يكون الغرض هو هداية هذا المبتدع ، حينئذٍ يستثنى هذا النوع فيقال : لا بأس أن يجلس مع المبتدع ، إن كان في مجالسته المصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك ، كما نص عليه السلف الصالح وربما يكون مطلوبًا شرعًا قد يكون واجبًا ، وقد يكون مستحبًا لعموم قوله تعالى : ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ النحل : 125] . والمجادلة كما تكون للكافر تكون كذلك للمبتدع.

43-عمل السلف بالنظر إلى كتبهم وأحكامهم على أهل البدعة يفرقون بين إطلاق الكفر والتبديع ، الكفر يتحرزون فيه لأن فيه إخراج من الملة ، وأما البدعة فكل من وقع في بدعةٍ أوقعوا الوصف عليه دون تفصيل لأنه لا يترتب عليه المحظور الذي يترتب على الكفر ، ثم المبتدع فيه بليةٌ ومصيبة على الناس وهي : أن الغالب فيهم أنهم أهل علم ، فلو توقف فيهم حتى تقام الحجة حينئذٍ قد يصير فيه شيء من الفتنة للناس والاقتداء بهم ، فلذلك أوقع السلف الصالح وصف البدعة على المبتدع دون شرطٍ أو قيد ، وأما الكفر فهو الذي يفصل فيه.

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:40 AM


44- الجدال في الدين قسمان :
الأول : أن يكون الغرض من ذلك إثبات الحق وإبطال الباطل ، وهذا مأمورٌ به إما وجوبًا وإما استحبابًا ، إذا كان الجدال من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل فهو مأمورٌ به يعني : ليس مذمومًا ، وإنما هو مأمور به إما على جهة الإيجاب وإما على جهة الاستحباب بحسب الحال كقوله تعالى : ﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ النحل : 125] .
الثاني : أن يكون الغرض منه التعنيد أو الانتصار للنفس أو للباطل ، يعني : يجادل من أجل هواه ، ومن أجل تصحيح رأيه لا من أجل الوصول إلى الحق ، نقول : هذا جدالٌ بالباطل ، فهذا قبيحٌ منهيٌّ عنه لقوله تعالى : ﴿ مَا يُجَادِلُفِيآيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا[غافر:4].وقوله:﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [ غافر : 5] .

محمد بدر الدين سيفي 7 رمضان 1432هـ/6-08-2011م 06:41 AM

45- وجد الآن من ينازع مع الأشاعرة ، ومع الصوفية ، ومع الرافضة ، وما يسمى بالشيعة من أجل اتحاد الصف قاعدة الإخوان التي أفسدت في الأرض نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا على ما اختلفنا فيه ، هذا باطل وهو مخالفٌ للإجماع السابق ، فكل من يدعي الآن ويحاول أن يرقق بين هذه الفرق سيأتي بشبهات قد تمشي وتَطَّلِي على بعض طلاب العلم ، لكن ينبغي الرجوع إلى الأصول ، فثَمَّ إجماع بين السلف لا خلاف بينهم في هجر المبتدع ، مجالسةً ، ومكالمةً ، ومصاحبةً ، بل وجب التحذير منه باسمه عند جماهير السلف ، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى : وإذا كان النصح واجبًا في المصالح الدينية . المصالح نوعان : دينية ، ودنيوية . أخوك المسلم يجب إذا علمت بأمرٍ دنيوي أنه مفيدٌ له وجب عليك أن تنصحه ، هذه الوظيفة أحسن من هذه ، فتعلم أنه قدم هذا وذاك ، وجب عليك أن تنصحه ، هذا واجب في المصلح الدينية فكيف المصالح الدنيوية ؟ فإذا كان النص واجبًا في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلت الحديث الذي يغلطون أو يكذبون ، كما قال يحيى بن سعيد سألت مالكًا والثوري والليث بن سعد وأظنه والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ، يعني : من الرواة ، يتهم في الحديث أنه كذب ، أو أنه لا يحفظ ، يعني : فيه عيب ، وهذا لم يصل إلى حد البدعة . فقالوا : بَيِّن أمره . بَيِّن أمره لماذا ؟ لأنه ينبني عليه مصلحةٌ عامة للمسلمين ، أما هو في شأنه كونه لا يحفظ وكونه يخطئ وكونه شيءٌ يترتب عليه الوصف بالنقص والعيب هذا فيه مفسدةٌ خاصة وعدم الكلام فيه وتبين أمره ينبني عليه مفسدة عامة ولا شك أن المفسدة العامة تُدْفَعُ بالمفسدة الصغرى أو العكس أيهما يقدم على الآخر ؟ العامة تقدم على الخاصة .
وارتكب الأخف من ضرين
حينئذٍ ما يترتب من مفسدةٍ على تعينه وعيبه هذا أخف ، حينئذٍ تقدم المفسدة العامة بدفعها ولا يبالى بالمفسدة الخاصة ، ولذلك قالوا : بَيِّن أمره . يعني : أفضحه ، بين لأهل الحديث أن هذا ضعيف وأن هذا فيه وفيه ، وقال بعضهم لأحمد بن حنبل : إنه يثقل عليَّ - يعني : لا أجد شيئًا في نفسي يقوى - أن أقول فلانٌ كذا وفلان كذا ، فلان مرجئ فلانٌ قدري يثقل عليّ . يعني : يخشى أنه من باب الغيبة ، وهذا ورعٌ بالغ قد يقع عند بعض حتى أهل العلم ، فقال الإمام أحمد : إذا سكت أنت وسكت أنا فمن يعرفه ، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ إذا سكت أنت وسكت أنا ولم يُبَيَّن أن هذا مبتدع أو أن هذا ضال وأن هذه المقولة مخالفة للكتاب والسنة حينئذٍ متى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ هذا فيه تظليم وفيه عدم نصحٍ للمسلمين ، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة إلى الكتاب والسنة ، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين . ولا يتحرج متحرج بأن يتكلم في صوفي أو في نحوه ممن على شاكلتهم هذا واجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه - هذه منفعة لكنها خاصة غير متعدية - وإذا تكلم في أهل البدع فإنما للمسلمين . فإذًا منفعة عامة هذا أفضل ، فبين أن نفع هذا عامٌ للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ، لكن ينبغي أنه لا يفهم هذا الكلام على جهة إطلاقه ، بمعنى أنه يتكلم في أهل البدع بقدر الإيضاح ولا يكون ديدن الإنسان صباح مساء يتخذه رواية ، أو أنها تخصص في علم نقول : لا هذا مخالفٌ أصلاً لطريقة السلف ، وإنما كانوا يشتغلون بالدعوة تعليم الناس ونشر ما يحتاجونه من العبادات والمعتقدات بيان السنة الاعتقادية والسنة القولية والسنة العملية ، ثم إن جاءت الحاجة إلى ذكر أهل البدع ذكروا ، فليس المراد العكس لا يفهم من هذا الكلام التعميم ، إنما المراد أنه لا بد من البيان ، هذا ردٌّ على من يرى الكف عن كل مخطئ ولو كان في بدعة ، ومن يرى أن الكلام في المخالفين أنه من نوع الغيبة فنرد عليه مثل هذا الكلام ، ولا يفهم منه أنه يطلق العنان لكل شخصٍ ولو كان مبتدئ ، نقول : لا الأمر ليس كذلك ، وإنما الذي يرد هم أهل العلم وليس المبتدئ وليس المتوسط في العلم ، بل ليس الذي له حظٌ ونظر في طلب العلم نقول له : اشتغل بالعلم . هذا أصالةً إلا من عمت به البلوى والفتنة ، هذا يبين للناس ، فالذي ينصب نفسه هم العلماء الراسخون في العلم طلاب العلم يبتعدون عن هذا المقام إلا في الضروري ، ثم لا يكون الوقت كله مشغولاً بمثل هذه المسائل ، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعه ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا ، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ، أهل البدع يفسدون القلوب ابتداءً ، فأهل البدع يفسدون القلوب ابتداءً بخلاف استيلاء العدو ، لأن الكل يعلم أنه كافر ، ولذلك لا يفتن الناس بأهل الكفر ، الناس لا يقلدون الكفار ولا يقلدون ، في الأصل لا يقلدون أهل الفسق يعلمون إلا لشهوات في نفوسهم إنما يقلدون من يتلبس بالعلم ، هذا الذي تقع به الفتنة ، قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى : لأهل البدع علامات يعرفون بها منها أنها يتصفون بغير الإسلام والسنة ، بما يحدثونه من البدع القولية والفعلية والعقدية . يعني : ما يبالي ما يستحي يقول : أنا أشعري . ولذلك نقول : نحن معاشر الأشاعرة كيف ننتسب إلى الأشعرية وهي نسبة لأبي الحسن الأشعري ؟ إذًا يتسمى باسمٍ ويرى أنه حسن ، وإنما جاء الوصف بالإسلام والإيمان والإحسان والتقوى والصلاة ونحو ذلك ، هذه الأسماء الذي ينتسب إليها المسلم ، أنا مسلم ، أنا مؤمن ، ولا ينتسب إلى أي طائفةٍ كانت ، ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول : من رأى أنه ينتسب إلى وصفٍ غير وصف الإسلام فهو مبتدع هذه بدعة لو قال عن نفسه بأنه أشعري ، هذه بدعة ولو لم يتبنى أصول الأشاعرة ، مجرد نسبته للأشعرية هذه بدعة ، فإذا قال إنه تبليغي ، نقول : مجرد نسبته إلى هذه الجماعة هي بدعة بنفسها سواءٌ تبنى أصولهم أم لا ، فكونه ينتسب هذه بدعة ، لذلك قال : من علامتهم أنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة ، وأهل السنة يقولون : نحن سلفيون ، نحن أهل السنة والجماعة ، نحن على الإسلام ، نحن مسلمون ، مؤمنون ، موحدون . هذه أوصاف أهل السنة والجماعة ، ولا يرضى المسلم الذي معه شيءٌ من عقله وعلمه أن يوصف بوصفٍ لم يكن معهودًا في الإسلام لا ترضاه أبدًا حتى لا تقول أنك حنبلي ، ولا شافعي ، وإنما أنت محمدي ولا تنتسب كذلك محمدي لأنه لم يرد ، لكن في المعنى إلا إذا قلت بأنك حنبليٌ وقال أصحابنا من جهة ماذا ؟ التعليم والتعلم فقط ، أما أنك تتبنى المذهب كما تتبنى الأحاديث النبوية وتقول : أنا حنبلي . نقول : هذه بدعة . الانتساب إلى المذاهب الأربعة بهذه الصفة نقول : هذه بدعة بخلاف ما لو انتسب من جهة التعلم والتعليم ، لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي حكم بأنه مبتدع أنها بدعة النسبة هو يقول : قال أصحابنا من الحنابلة . قال أصحابنا ، أصحابنا في ماذا ؟ في المنهج فقط وليس مراد أنه يتبنى كل ما يقوله الحنابلة .
- قال ابن القيم في المدارج : إنه لا يدعوا المرء بأن يموت على الإسلام فحسب . لأن المبتدع مسلم هذا عموم ، وإنما تقول : على الإسلام والسنة . لا تفارق لسانك هذه الكلمة اللهم أحيني على الإسلام وأمتني على الإسلام ، نقول : ظهر بعد القرون المفضلة أن هناك من يكون مسلمًا وهو مبتدع ، إذًا انتبه إنما تقول : اللهم أحيني على الإسلام . وتعطف عليه السنة لأنه ليس كل من كان مسلمًا فهو على سنةٍ .

ليلى باقيس 14 ذو القعدة 1432هـ/11-10-2011م 08:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين
مذاكرة 1

تلخيص درس (قواعد هامة في الأسماء والصفات)

قاعدة أولى: في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته.
إبقاء دلالتها على ظاهرها من غير تغيير>> أ- لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين. ب- والنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم باللسان العربي. جـ- ولأن تغييرها عن ظاهرها هو قول على الله بلا علم وهو حرام.
قاعدة ثانية: في أسماء الله.
وتحتها فروع.
1) أسماء الله كلها حسنى.>> أي بالغة في الحسن غايته, لأنها تتضمن صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
2) أسماء الله غير محصورة بعدد معين.>> دليله الحديث المشهور:" أسألك اللهم بكل اسم هولك ..."
3) أسماء الله لا تثبت بالعقل, وإنما تثبت بالشرع فهي توقيفية.>> أي يتوقف إثباتها على ما جاء عن الشرع فلا يزاد فيها ولا ينقص.
4) كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على: ذاته سبحانه, وعلى الصفة التي تضمّنها, وعلى الأثر المترتب عليه إن كان متعديا.>> لا يتم الإيمان بالاسم إلا بإثبات ذلك كله.
قاعدة ثالثة: في صفات الله.
تحتها فروع.
1) صفات الله كلها عليا.>> صفات كمال ومدح لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
2) صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية.
3) الصفات الثبوتية تنقسم إلى: ذاتية وفعلية.
4) كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة:
-هل هي حقيقية؟ ولماذا؟
-هل يجوز تكييفها؟ ولماذا؟
- هل تماثل صفات المخلوقين؟ ولماذا؟
قاعدة رابعة: فيما نرد به على المعطلة.>> نقول:
- قولهم خلاف ظاهر النصوص.
- وخلاف طريقة السلف.
- ليس عليه دليل صحيح.
- ووجه رابع أو أكثر لبعض الصفات.

ليلى باقيس 29 ذو القعدة 1432هـ/26-10-2011م 09:18 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
شرح كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد.. "درس1"
لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي رحمه الله.. "541هـ -620ه"
شرح الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
______________________________________________________________
المتن:
{وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاما معناه: قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا, ولهم على كشفها كانوا أقوى, وبالفضل لو كان فيها أحرى, فلئن قلتم: حدث بعدهم, فما أحدثه إلا من خالف هديهم, ورغب عن سنتهم, ولقد وصفوا منه ما يشفي, وتكلموا منه ما يكفي, فما فوقهم محسّر, وما دونهم مقصر, لقد قصّر عنهم قوم فجفوا, وتجاوزهم آخرون فغلوا, وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم}
______________________________________________________________
الشرح:
= أورد المصنف جملة من الآثار والنقول عن السلف الصالح ذلك لتحقيق المنهج الحق:
1-في أسماء الله وصفاته على وجه الخصوص.
2- وفي أبواب الديانة والاعتقاد عموما.
= فالواجب على المسلم في هذا الباب:
1- أن يقف على قدم التسليم وأن يعوّل تماما على كلام الله وعلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- أن يقف حيث وقف السلف الصالح وألاّ يتجاوز ما كانوا عليه.
= "قف حيث وقف القوم " : القوم : الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وقفوا على قدم التسليم .
1- تلقّوا ما جاء في الكتاب والسنة بالقبول والتسليم

2- لم يعترضوا على الكتاب أو السنة بانتقادٍ أو رد أو نحو ذلك .
" فإنهم عن علم وقفوا ": أي أن عدم خوضهم فيما خاض فيه من جاء بعدهم بتأويل أو إعمال للعقل في غير محله أو نحو ذلك، فالصحابة لم يفعلوا كما فعل هؤلاء عن علم:
1- فالصحابة أدركوا تمام الإدراك مكانة الكتاب و السنة

2- ووجوب التلقي عنهما

3-وعدم معارضتهما بالعقول القاصرة و الأفكار الضعيفة
أما من جاء من بعدهم ممن نهجوا المناهج الخاطئة :
1- لم تكن عندهم للنصوص حرمة
2- وعظّموا عقول أنفسهم فأصبحوا بعقولهم يعترضون وينتقدون وقدّموها على ما جاء في الكتاب و السنة
"وببصر نافذٍ كفٌوا" أي ببصيرة لاعن عجز أو قصور في عقولهم أو ضعف في أفهامهم أو عدم حدة في ذكائهم ، بل قلوبهم كانت على بصيرة بالحق والهدى ، وعليه كفُوا عن الخوض فيما خاض فيه من جاء بعدهم ، حيث أدركوا رضي الله عنهم أن مثل هذا الخوض ضلال وباطل وزيغ و انحراف .
"ولهم على كشفهم كانوا أقوى" أي: لو كان هذا الذي جاء به الخلف ممن انحرفوا عن جادة السلف, لو كان حقًا, فإن السلف كانوا على ذلك أقوى وأقدر لقوّة عقولهم ورجاحة أذهانهم وصفاء أفهامهم.
"وبالفضل لو كان فيها أحرى" الفضل: الزيادة, فلو كان فيها مجال للزيادة على ما جاءت به الشريعة استنادا على العقول واعتمادا على الآراء, لكان الصحابة أولى وأحرى بهذه الزيادة
1- لسلامة عقولهم
2- التلقي المباشرعن الرسول صلى الله عليه وسلم
3- ولتميزهم بالديانة والإيمان.
لكنهم رضي الله عنهم يعلمون تماماً أن الزيادة على ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في باب الاعتقاد أو في باب العمل كل ذلك حدث في دين الله ، مردود على صاحبه غير مقبول ، فدين الله كامل عقيدةً وشريعة " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"
ثم أورد رحمه الله اعترضاً قد يورده مورد وأجاب عنه بجوابٍ وافٍ مسدد : "فلئن قلتم حدث بعدهم " : أي هذه أمور اُستجدت ووجدت بعد زمن الصحابة ، " فما أحدثه إلا من خالف هديهم ورغب عن سنتهم " فبين رحمه الله أن إقرار هذا المعترض بأن هذا الأمر حدث بعد الصحابة دليل على فساده ، ودليل على أنه حدث في دين الله عز وجل ، لأنه لو كان من دين الله لسبق إليه الصحابة وكانوا أولى به ممن سواهم فهم بالخير أولى .
ومن خالف هدي الصحابة ورغب عن سنتهم فهو منحرف عن الصراط المستقيم ، وما لم يكن ديناً زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلن يكون ديناً إلا أن تقوم الساعة كما قال الإمام مالك إمام دار الهجرة ، قال تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعدِ ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم "
" ولقد وصفوا منه مايشفي وتكلموا منه مايكفي " فالصحابة مكانتهم في فهم القرآن وفهم دين الله وبيانه للناس هم أهل المكانة العُليا والمنزلة الرفيعة ، فكلامهم في الدين كلام تام
1- اعتمدوا فيه على الكتاب والسنة

2- وكانوا وسطا بعيدين عن الغلو في الدين أو القصور عنه بالجفاء .
"فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر " فمن جاء بعدهم وخالف طريقتهم لا يخلو من حالتين :
1-فما فوقهم : أي بالزيادة ، إما أن يخالف طريقتهم بالزيادة ، يزيد أموراً لم يكن عليها الصحابة ، فهذا محسر : غالً في دين الله ، متجاوز للحد بالغلو .

2-وما دونهم : أي بالتقصير ، قصر في لزوم ماكانوا عليه ، والمقصر هو الجافي .
وخيار الأمور أوساطها ، لاتفريطها ولا إفراطها ، الحق وسط بين الغلو والجفاء،بين المحسر والمقصر ، الحق هدى بين ضلالتين ، وحسنة بين سيئتين ، سيئة الغلو وسيئة الجفاء ، الحق قوام بين ذلك وهو الذي كان عليه الصحابة .
ثم زاد الأمر بياناً فقال " قد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوزهم آخرون فغلوا " قصروا عما كان عليه الصحابة فجفوا ، وآخرون تجاوزوا الحد وهؤلاء غلوا ، وكلاهما فيهما عدول عن الصراط المستقيم ، فالحق هو الوسط .
وختم بقوله " وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم " هذه وسطية الصحابة والسلف ، فيما بين ذلك : أي بين الغلو والجفاء ، بين الزيادة والتقصير ،قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أُمة وسطا " أي شهودا عدولا .

} وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه : عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول{
الشرح:
هذا النقل عن الإمام الأوزاعي في الحث على لزوم الآثار المروية عن السلف الصالح ، والتحذير من الآراء التي أحدثها من بعدهم .
"عليك " أي ياصاحب الحق
" بآثار من سلف " أي إلزم آثار من سلف ، والمراد بآثارهم : خطاهم ومنهجهم ومسلكهم وطريقتهم والهدى الذي كانوا عليه .
" وإن رفضك الناس " لان الإنسان إذا لزم آثار السلف وتمسك بجادة السلف قد يُنبذ في مجتمعه وقد يُساء إليه بين أهله وجماعته وقرابته ، وقد ينبز بألقاب ويشنع عليه ، مثل تلقيب المبتدعة لأهل السنة: بالمجسمة أو الحشوية .
1- صاحب الحق لا يُبالي ، لان قصده في لزوم الحق طلب رضا الله لا طلب رضا الناس ، فإذا اقتنع بالحق وتلقاه بالقبول وأدرك أنه دين الله سبحانه الذي لايقبل دين سواه لايبالي بالناس في انتقادهم أو رفضهم .

2-والذي يتزعزع عن الصراط المستقيم والجادة السوية لتشنيع المشنعين ولمز اللامزين هذا في إيمانه ضعف ، فتجده إذا رفضه الناس أو تكلموا عليه ترك الحق ، وهذا يحصل كثير ، يترك الحق ويتعذر لأولئك ويسترضيهم ويطلب منهم العفو ويترك دين الله في سبيل أن يرضوا عنه .
وفي الحديث " من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن التمس سخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس " فيخسر بطريقته دينه وأيضاً يخسر رضا الناس فلا يفوز لابهذه ولا بهذه ، بينما لو صبر على الحق والهدى وعلى أذى الناس تكون العاقبة له حميدة في البابين ، فيفوز برضا الله جل وعلا وأيضاً ربٌ العالمين يُرضي عنه الناس.
وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له طالب العلم الذي أكرمه الله بفهم العقيدة ومعرفة السنة حين يرجع إلى مجتمع عجّ بالبدع وانتشرت فيه الضلالات وعمت فيه المخالفات والمنكرات ، يدخل مجتمعه طالباً لرضا رب السموات والأرض ويصبر على ما قد يناله من أذى ، وقد أُوذي النبيون والصالحون ، يصبر على ذلك والعاقبة للمتقين .
" وإياك و آراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول "وعادة الآراء تُزخرف وتُزين حتى تُنفق ، وليكون لها رواج بين الناس ، فيحذر رحمه الله من ذلك ، كلمات هؤلاء وآراءهم تُزخرف وتُزين حتى تُنفق ، مثلهم تماماً من عنده بضاعة فاسدة لو رآها المشتري على حقيقتها ماقبلها ،فتجده يحاول أن يضع عليها أشياء و زخارف وأمور جميلة فيشتريها بدون تردد ، ثم تبين بعد ذلك أنها تالفة ليست صالحة ، وهكذا أصحاب الآراء العاطلة الباطلة يزخرفونها للناس ويزينونها حتى تُنفق فيحذر رحمه الله تعالى من ذلك .


الدرس على ملف (وورد):http://www.4shared.com/file/ZdA6ChZS/___1.html

ليلى باقيس 29 ذو القعدة 1432هـ/26-10-2011م 09:53 PM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر) الدرس2)

المتن:

{وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أولم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيْ لم يعلمه هؤلاء علمته؟ قال الرجل: فإني أقول قد علموها. قال: أفوسعهم ألاّ يتكلموا به, ولا يدعوا الناس إليه, أم لم يسعهم؟ قال: بلى, وسعهم. قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه, لا يسعك أنت؟ فانقطع الرجل. فقال الخليفةـ وكان حاضرا:لا وسّع الله على من لم يسعه ما وسعهم.
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان والأئمة من بعدهم, والراسخين في العلم, من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها, وإمرارها كما جاءت فلا وسّع الله عليه}

الشرح:
= نقل الإمام ابن قدامة خلاصة لمناظرة نافعة عليها أمارات التسديد والتوفيق وإفحام المبطل, حصلت في مجلس أحد خلفاء بني العباس وهو الواثق بالله.
"وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي": القصة مخرّجة في عدد من المصادر منها الشريعة للآجرّي, وتاريخ بغداد, ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي, وسير أعلام النبلاء للذهبي, وفي بعض المصادر أوردت مطوّلة وفي بعضها مختصرة, وهو الأذرمي بالذال, والاسم: أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي.
"ببدعة ودعا الناس إليها": المراد بالبدعة هنا: بدعة القول بخلق القرآن, وهي بدعة ثارت في ذلك الزمان, وأوذي أهل العلم بسببها بالسجن والضرب فكانت فتنة عظيمة.
= فهذه المناظرة حصلت في مجلس الواثق بالله بين الأذرمي وأحمد بن أبي دوءاد رأس البدعة, والمسألة التي تناظروا فيها مسألة خلق القرآن التي يقرّرها أحمد بن أبي دوءاد وغيره من أئمة الضلال ودعاة الباطل.
قال "هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها": وهذه طريقة جدا نافعة في المناظرة, الإعادة إلى الأصل, هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة أم لم يعلموها, إن قال: لم يعلموها, له جواب, وإن قال, علموها, له جواب,
1- فإذا قال: لم يعلموها, يقال له: أمر من دين الله لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلمه صحابته الكرام وعلمته أنت؟!
2- وإن قال: علموها, يطالب بالبيان, إذا كانوا علموا ذلك, أين قالوا ذلك؟ فإذا لم يأت ببيان أنهم علموا ذلك وهو يدّعي أنهم علموه, يقال علموه وكتموه ولم يبيّنوه.
فالأول اتهام بالجهل, والثاني اتهام في النصح, فلا يخلو أن يكون متّهما لهم بالجهل لشيء من دين الله سبحانه وتعالى, أو متّهما لهم بعدم النصح في دين الله تبارك وتعالى.
"قال: لم يعلموها": لأنه يعرف لو قال يعرفونها, يقال له: أعطنا الدليل, هات الحديث أو الأثر أن الصحابة قالوا ذلك,
"قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته؟": تعلم من دين الله ما لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم! وما لم يعلمه الصحابة الكرام,
"قال الرجل: فإني أقول: قد علموها": رجع الآن لمّا ألزمه بهذه الحجّة, رجع وقال: لا إني أقول قد علموها, وهذا يفيد أن صاحب البدعة 1- ليست له قدم 2- وكثير الاضطراب 3- وكثير التنقّل 4- وفي مجلس المناظرة تجد له أكثر من قول.
وهذا من الدلائل أنه ليس على الهدى, بينما صاحب الحق راسخ القدم على جادّة واضحة وعلى هدي مستقيم,وفي ذم السلف الصالح لأهل البدع قالوا: إياكم والتنقّل في الدين.
"قال: أفوسعهم ألاّ يتكلّموا به ولا يدعوا الناس إليه, أم لم يسعهم": إذا كنت تعتقد أنهم علموا ذلك, هل وسعهم عدم بيان هذا الأمر أم لم يسعهم.
"قال: بلى, وسعهم"
"قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه, لا يسعك أنت": وهذا يقوله له من باب الإلزام, إذا كنت تدّعي فعلا أنهم علموا ولم يبيّنوا, هل كان ذلك قد وسعهم أم لم يسعهم؟ قال: بل وسعهم. قال: فإذا كنت تعتقد أن هذا وسعهم ألا يسعك ما وسع الصحابة.
وهذا يقوله له من باب الإلزام, وإلا فإن الصواب في هذا: أن يبيّن له أنّ هذا اتهام لهم في النصح, إذا كانوا علموا وهو من دين الله ولم يبيّنوا, هذا طعن في نصحهم.
ولا يخلو المتقوّل على الصحابة والمنحرف عن جادتهم في مثل هذه المناظرة من أن يكون عنده طعن1-إمّا في علم الصحابة 2- أو في قدرتهم على البيان 3- أو في نصحهم للناس.
في أي بدعة من البدع –عقديّة أو عمليّة- تناظر فيها شخصا, تناظره في ضوء هذه الأمور الثلاثة:
1- تقول له: أخبرني هل هذا الذي تدعو إليه –سواء كانت بدعة عقدية أو عمليّة-, هل علم الصحابة ذلك أم لم يعلموا؟
لا يخلو في الجواب من أمرين, إمّا أن يقول علموا, أو يقول لم يعلموا, فإن قال لم يعلموا, طعن في علمهم, بمعنى أن عنده من العلم ما ليس عند الصحابة, وهذا طعن في علمهم.
وإن قال علموا, ينتقل إلى الخطوة الثانية
2- هل كان عندهم قدرة على البيان أم لم يكن عندهم قدرة,فإذا قال ليس عندهم قدرة على بيانه وأنا لديّ قدرة على بيان هذا الأمر, طعن في فصاحتهم وقدرتهم على البيان, وإذا قال علموه وأيضا كانوا قادرين على البيان, ليسلم من إلزامك له باتهامهم بالجهل وعدم القدرة على البيان, فتلزمه إلزاما ثالثا.
3- وهو تقول له: إذا كانوا قد علموه وكانوا قادرين على بيانه, هل بيّنوه أو كتموه, إن قال بيّنوه, تقول له أين بيّنوه؟ فتطالبه بالمصدر أي بالدليل, ولا دليل عنده, فالبدع المحدثات ليست منقولة عن الصحابة, فلن يستطيع أن يأتي بشيء ينقل عن الصحابة يمكن أن يدعم بدعته وضلالته, وكتب الآثار موجودة وليس فيها ما يدعم أهل البدع والضلال في بدعهم وضلالهم.
ابن مسعود يقول في وصفه لحال الصحابة: إنّا نقتدي ولا نبتدي ونتبع ولا نبتدع ولن نضل ما تمسّكنا بالأثر.
وإذا قال لم يبيّنوا, يكون بذلك قد طعن في نصحهم.
ولهذا المخالف لنهج الصحابة عندما يناظر بهذه الطريقة لا يخلو من:
1- إمّا أن يطعن في علمهم, 2- أو أن يطعن في قدرتهم على البيان, 3- أو أن يطعن في نصحهم للناس,
ولا يمكن أن يخلص من هذه الأمور الثلاثإلاّ بالرجوع للنهج الذي كان عليه الصحابة ويترك البدعة التي يدعوإليها,أو يكابر ويغلق الموضوع لأنّها إلزامات قويّة آخذة مفحمة.
"فانقطع الرجل": وهذه هي النهاية, إمّا أن يرجع أو ينقطع.
"فقال الخليفة –وكان حاضرا: لا وسّع الله على من لم يسعه ما وسعهم": وهذه كلمة عظيمة, فالذي لا يسعه ما وسع الصحابة لا وسّع الله عليه " أو لم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم" الذي لا يكفيه كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلّم وما كان عليه الصحابة, ما الذي يكفيه!
ثمّ قال ابن قدامة معلّقا:" وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه والتّابعين لهم بإحسان والأئمة من بعدهم, والرّاسخين في العلم, من تلاوة آيات الصفات, وقراءة أخبارها, وإمرارها كما جاءت, فلا وسّع الله عليه".


ليلى باقيس 29 ذو القعدة 1432هـ/26-10-2011م 10:43 PM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس (3)

المتن :
فمما جاء في آيات الصفات :
قول الله تعالي : " ويبقى وجه ربك "
وقوله سبحانه وتعالى : " بل يداه مبسوطتان "
وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال :" تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك "
وقوله سبحانه: " وجاء ربك"
وقوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله "
وقوله تعالى: " رضي الله عنهم ورضوا عنه "
وقوله تعالى :" يحبهم ويحبونه"
وقوله في الكفار :" غضب الله عليهم "
وقوله تعالى:" اتبعوا ما أسخط الله "
وقوله تعالى:" كره الله انبعاثهم "
الشرح :
بعد أن قرر وأصل المسألة بالنقل عن أئمة السلف في تأصيل المنهج الذي كانوا عليه ، وبين الطريقة التي كانوا عليها في هذا الباب ، انتقل إلى ذكر الأدلة من القرآن والأدلة من السنة في إثبات الصفات لله تبارك وتعالي ، فأخذ يسوق الآيات والأحاديث على طريقة السلف في تقرير الاعتقاد : فتراهم يسوقون الآيات من كلام الله عز وجل ويسوقون الأحاديث من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنين ومقرين بما دلت عليه من صفات لله تبارك وتعالى ، وهذه الطريقة لا تراها إطلاقا في كتب المتكلمين سواء منهم من سلك مسلك التأويل أو سلك مسلك التفويض أو سلك أي مسلك آخر .
لاترى هذه الطريقة إلا في كتب أئمة السلف الذين للنصوص عندهم حرمة ويرون أن المعول عليها ، وأن الواجب هو الإقرار بما جاء في كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن تمر كما جاءت مثلما قال ابن قدامة في آخر كلامه المتقدم "و إمرارها كما جاءت" : والمراد بإمرارها كما جاءت ، بتلاوتها وإثبات المعاني التي جاءت محملة بها .
لان السلف رحمهم الله وقد قالوا " أمرّوها كما جاءت بلا كيف " أرادوا بذلك أن تقرأ مع إثبات المعاني التي دلت عليها لأنها جاءت محملة بالمعاني ، لم تأت ألفاظا جوفاء وكلمات لا معاني لها ، بل جاءت ألفاظا محملة بالمعاني ، فإذا قرأت مثلا " بل يداه مبسوطتان " ثم قرأت " الرحمن على العرش استوى " ثم قرأت " غضب الله عليهم " ، قال السلف رحمهم الله في بيان المنهج الذي تكون عليه " أمرّوها كما جاءت " فإن إمرارك لهذه الآيات كما جاءت : بإثبات الاستواء الذي دل عليه " الرحمن على العرش استوى " ، وبإثبات اليدين الذي دل عليه " بل يداه مبسوطتان" ، وبإثبات الغضب الذي دل عليه " غضب الله عليهم "، وهذا معنى وهذا معنى وهذا معنى ، فكل آية دلّت على معنى ، الاستواء معنى والغضب معنى واليدان معنى ، فإمرارها كما جاءت إنما يكون بإثبات المعاني .
وبهذا يُعلم أن المفوّض لم يمرّوا نصوص الصفات كما جاءت لأنها جاءت محملة بالمعاني، والمفوضة لا يثبتون المعاني.
قال " وإمرارها كما جاءت " ثم ساق رحمه الله هذه الآيات : أي لتمرّ كما جاءت بإثبات المعاني التي دلت عليها هذه النصوص ، وهذه طريقة السلف رحمهم الله مع نصوص صفات الله عز وجل .
قال "فمما جاء من آيات الصفات ": المراد بآيات الصفات،أي الآيات المثبتة لصفاتٍ لله عزوجل بمعنى أن الآية الأولى تثبت صفة الوجه ،والآية الثانية تثبت اليدان وهكذا....فهذه آيات جاءت مثبتة لصفاتٍ لله سبحانه وتعالى. والمطلوب من المسلم أن يمرّها كما جاءت بإثبات الصفات التي دلت عليها هذه الآيات،
الآية الأولى :قول الله تعالى "ويبقى وجه ربك " في هذه الآية إثبات الوجه صفةً لله سبحانه وتعالى والوجه هنا مضاف إلى الربّ ، وما أُضيف إلى الرب سبحانه وتعالى فإنه خاص به ، وهو من الصفات الذاتية الثابتة لله عزوجل في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،ويبنى على القاعدة المعروفة "ليس كمثله شي وهو السميع البصير".
فالوجه إذا أُضيف إليه سبحانه ليس كمثله وجه، واليد إذا أُضيفت إليه ليس كمثلها يد ،والسمع إذا أُضيف إليه ليس كمثله سمع، والبصر إذا أُضيف إليه ليس كمثله بصر، فالإضافة تقتضي التخصيص ،وأن مايُضاف إلى الله سبحانه وتعالى يخصه ويليق بجلاله وكماله وعظمته سبحانه وتعالى.
وقوله سبحانه وتعالى "بل يداه مبسوطتان " في الآية إثبات اليدين صفةً لله وهو من الصفات الذاتية ،وقد قال الله تعالى فيما ذكره عن قصة عدم سجود إبليس قال " ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديّ" بالتثنية ،فالله سبحانه وتعالى له يدان تليقان بجلاله وكماله وعظمته .
ولا يجوز أن يتصّور متصور أو يفهم أحد أن يديّ الله سبحانه وتعالى كأيديّ المخلوقين ،فإن من تصور ذلك وظن ذلك ،ما قدر الله ربه حق قدره، وقد قال الله تعالى :" وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه "فكيف يقول عاقل وهو يتلو هذه الآيات ،يُلزم من إثبات اليد حقيقة لله أن تكون كأيدينا ،هذا لا يقوله إلا من لا يعقل كلام الله ولا يفهم ،وإلا فإن اليد المضافة إلى الله سبحانه وتعالى تليق به وبكبريائه وبجلاله وبعظمته سبحانه وتعالى .
"وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه " لمّا تلوث أقوامُ بالتشبيه ،ولم يفهموا من هذه الآيات إلا مثل مايفهمونه من الصفات المضافة إلى المخلوقات أرادوا تنزيه الله تبارك وتعالى عن التشبيه الذي فهموا وتلوثوا به فسلكوا مسلك التأويل ،وسلك آخرون مسلك التفويض إلى غير ذلك من المسالك الباطلة .
وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال " تعلمُ مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك ": الشاهد قوله "ولا أعلم مافي نفسك " ،والمراد بقوله نفسك :أي الله سبحانه وتعالى الموصوف بصفات هذا هو المراد بها ،وليست النفس هنا صفة ،ولكن المراد بالنفس هنا الله الموصوف بالصفات ،وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك ،وبيّن أنها ليست صفة ،وإنما المراد بقوله " ولا أعلم مافي نفسك" أي الله سبحانه الموصوف بالصفات, لا أنها صفة مستقلة.
وقوله سبحانه "وجاء ربّك": وهذه صفة لله عزوجل, وهي من صفاته سبحانه وتعالى الفعليّة, وهو عزوجل يجيء يوم القيامة مجيئا يليق بجلاله وكماله لا يشبه مجيء المخلوقين.
وقوله تعالى "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله": في إثبات الإتيان, والإتيان والمجيء معناهما واحد وهما صفة ثابتة لله تبارك وتعالى تليق بجلال الرب وكماله وعظمته سبحانه.
وقوله "رضي الله عنهم ورضوا عنه": فيه إثبات الرضا صفة لله عزوجل وأنه يرضى الأعمال الصالحات ويرضى عن العاملين, فالرضا صفة ثابتة لله سبحانه في كتابه وفي سنة نبيّه صلى الله عليه وسلّم, فقوله "رضي الله عنهم" هذا رضا عن العاملين بطاعته سبحانه, وقوله سبحانه "ورضيت لكم الإسلام دينا" هذا رضا بالعمل الذي يحبّه الله سبحانه وتعالى, فهو يرضى لعباده هذا الدين القويم, ويرضى عن العاملين بهذا الذي رضيه سبحانه وتعالى لهم دينا.
ولا يرضى لعباده الكفر, ولا يرضى سبحانه وتعالى عن الكافرين, بل يسخط سبحانه وتعالى الكفر وأهله ويبغض الكفر سبحانه وتعالى وأهله, ويمقت سبحانه الكفر والكافرين.
وقوله تعالى "يحبّهم ويحبّونه": فيه إثبات المحبّة صفة لله عزوجل, وأنه تعالى يحب أهل الإيمان ويحب سبحانه وتعالى الأعمال الصّالحات المقرّبة إليه سبحانه وتعالى, وقوله "ويحبّونه": فيه فضل ذلك ومكانته العظيمة, وأن من أحب الله حقا أحبّه الله, من أحب الله حقا لا بالادّعاء أحبّه الله تعالى, وأن حب الله حقا وصدقا رأس الخيرات وأساس الفضائل وحسن الإقبال على الله سبحانه وتعالى, ولذلك علامة, وهي الاتباع كما قال تعالى: "قل إن كنتم تحبّون الله –أي حقًا وصدقا- فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"
وقوله في الكفّار "غضب الله عليهم": فيه إثبات الغضب صفة لله سبحانه وتعالى, وكذلك الآيتين بعده:
وقوله تعالى"اتبعوا ما أسخط الله": أيضا فيها إثبات السخط صفة لله,
وقوله تعالى "كره الله انبعاثهم": إثبات صفة الكره صفة لله تبارك وتعالى, وهذه كلّها صفات فعليّة ثابتة لله جلّ وعلا.
المتن:
[ ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا"
وقوله صلى الله عليه وسلم "يعجب ربّك من الشاب ليست له صبوة"
وقوله "يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنّة"
فهذا وما أشبهه ممّا صحّ سنده وعدّلت روايته نؤمن به, ولا نردّه, ولا نَجْحَدُه, ولا نتأوّله بتأويل يخالف ظاهره, ولا نشبّهه بصفات المخلوقين, ولا بسمات المحدثين, ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وكل ما يخيّل في الذهن أو خطر بالبال, فإن الله تعالى بخلافه]
الشرح:
ثم أورد بعض أحاديث الصفات من سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, بدأ هذه الأحاديث بحديث النزول, وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له من يدعوني فأستجيب له", أسند النبي صلى الله عليه وسلم النزول في هذا الحديث وأضافه إلى الرب سبحانه وتعالى, قال: ينزل ربنا, فلا يجوز لأحد أن يتجرّأ على كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول ليس الذي ينزل ربنا, والنزول لا يليق به, وإنّما الذي ينزل ملك ربنا, أو التي تنزل رحمة ربنا أو أمر ربنا, كما درج على ذلك المعطّلة في تقريراتهم الباطلة, وإنّما الواجب أن يُمرّ النص كما جاء, وأن يثبت كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.
وحديث النزول حديث متواتر نقله أو سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من الثلاثين صحابيّا ذكرهم بأسمائهم وذكر أحاديثهم العلاّمة ابن القيّم رحمه الله في كتابه (الصواعق المرسلة), وهو حديث تلقته الأمّة بالقبول وأمرّوه كما جاء وأثبتوه كما ورد, أثبتوا لله عزوجل النزول الثابت في هذا الحديث على الوجه اللاّئق بجلال الله وكماله وعظمته فهو عزوجل ينزل نزولا يليق بجلاله وكماله, كما أخبر بذلك رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
والحديث واضح وصريح في أن الذي ينزل هو الرب نفسه سبحانه وتعالى لا كما يدّعيه المعطّلة أن الذي ينزل هو الملك أو الأمر أو الرحمة, ويكفي قراءة الحديث وحده في رد تأويل هؤلاء, لأنه قال: ينزل ربّنا,
أولا: أضاف النزول إلى الله,
ثم السياق كلّه يتعلّق بالله سبحانه وتعالى, قال: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا, فيقول, من الذي يقول؟ من يسألني فأعطيه من يستغفرني .. من يدعوني ..,من الذي يقول ذلك؟ لو قال قائل من هؤلاء: الذي ينزل الملك, كيف يكون الكلام؟!!
ينزل ملك ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة في ثلث الليل الأخير فيقول –أي الملك- من يسألني ..!! يمكن هذا الكلام؟! هذا كلام باطل, لو كان الذي ينزل الملك, لكان أسلوب الكلام مختلف عن هذا تماما.
ولا يمكن للناصح الأمين صلى الله عليه وسلم أن يأتي بهذا الأسلوب ويسمعه منه ما يقرب من ثلاثين صحابياً وفي كل ذلك يضيف النزول إلى الله سبحانه وتعالى وهو يريد أن الذي ينزل هو المَلك وليس الله، هذا ليس من النصح ،ولا أيضاً من البيان ،وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
ولو كان الذي ينزل فعلا هو المَلك لاختلفت صيغة الحديث, مثل ما جاء في الحديث الآخر: قال" إن الله إذا أحبّ عبده نادى جبريل إني أُحب فلانا فأحبّه, فيحبّه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه" وعليه لو كان الذي ينزل فعلا هو الملك لتغيّرت الصيغة وكانت "ينزل مَلك ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة ويقول إن ربكم يقول من يدعوني .. من يسألني .. من يستغفرني .." مثل ما جاء في الحديث الآخر,إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه, إذا قوله في الحديث "من يسألني .. من يدعوني .. من يستغفرني .. " هذا صريح وواضح في أن الذي ينزل هو الرب.
وفي بعض ألفاظ الحديث وطرقه الثّابتة أيضا زيادة تقرر الأمر "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول لا أسأل عن عبادي أحدا غيري .." هل هذه الكلمة يمكن أن يقولها الملك, لا أسأل عن عبادي أحدا غيري, ولهذا يكفي في ردّ قول هؤلاء تلاوة الحديث نفسه.
فائدة: من أفضل الطرق وأنفعها في الردّ على المعطّلة والمؤوّلة للنصوص, هو تلاوة النصوص, وقد تقدّم:
"بل يداه مبسوطتان" إذا أوّل المؤوّل اليد بالنعمة, قال يده نعمته, أو يده قدرته في مثل قوله تبارك وتعالى "يد الله فوق أيديهم" قال لك قائل يده قدرته, مباشرة اقرأ عليه آية ثانية, قل اليد هي القدرة! يقول لك نعم!
اقرأ عليه آية أخرى "بل يداه مبسوطتان" قل له ماذا تقول؟ قدرتاه مبسوطتان! يستقيم الكلام!
اقرأ عليه آية ثانية "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ" بقدرتيّ!! يستقيم الكلام !!
اقرأ عليه أيضا حديث "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة ... ثم قال في تمامه .. وبيده الأخرى.." يمين الله ملأى, قدرته على تأويل هذا, وبيده الأخرى, ماذا يقول؟! وبقدرته الأخرى, ما يستقيم الكلام.
وهذه طريقة نافعة جدّا في الردّ, تقرأ على المتأوّل الآيات والأحاديث في هذا الباب الذي يتأوّله, فتجد أنه يضطرب ولا يستقيم تأويله, لا يستقيم إطلاقا ويظهر تناقضه وخطؤه.
وابن تيمية التزم مع المبطلة أيّا كانوا أن لا يستدلّوا على باطلهم بآية من القرآن أو حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ويرد عليهم بالآية نفسها وبالحديث نفسه, لأن كلام الله حق وكلام هؤلاء باطل.

ليلى باقيس 29 ذو القعدة 1432هـ/26-10-2011م 11:11 PM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس (4)
وقوله "يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة": هذا الحديث فيه إثبات صفة العجب، وهذه الصفة ثبتت في القرآن "بل عجبت ويسخرون" وثبتت في السنة في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما هذا الحديث الذي ساقه المصنّف وهو في المسند للإمام أحمد وغيره، فإنه ضعيف الإسناد, لأن فيه عبدالله بن لهيعة صدوق قد اختلط, وضعّف الحديث جماعة من أهل العلم, فالحديث ضعيف الإسناد, ولكن الصفة ثابتة, ثبتت في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قوله "من الشاب ليست له صبوة" أي من شاب نشأ من أوّل أمره على الاستقامة, لم تكن له صبوة في شبابه, فغالب الشباب في ثورة الشباب واندفاع وهيجان الشباب تجد له صبوة, وتجد له أشياء إذا كبر لا يرضاها عن نفسه ويتمنى أن لو لم يكن فعلها في شبابه, لكن في ثورة الشباب وقع فيها ومارسها, وإذا كبر لا يرضاها ويأسف لفعله لتلك الأفعال ويندم على أنه وقع فيها, هذه تسمّى صبوة الشباب.
"من الشاب ليست له صبوة": أي من أول الأمر وهو على الاستقامة, بعض الشباب من نشأته من توفيق الله وهو على الجادّة وعلى الاستقامة لا يُعرف بانحراف ولا يُعرف بجنوح, وفي السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه شاب نشأ في طاعة الله, أي من أوّل الأمر وهو على الطّاعة والاستقامة.
وقوله "يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنّة" وهذا فيه إثبات الضحك صفة لله سبحانه وتعالى, ويكون المقتول أولا قتله الآخر في الجهاد, ويكون الآخر كافرا بالله فيقتل المسلم ثمّ يكتب الله سبحانه وتعالى لذلك القاتل الإسلام, ويهديه لهذا الدين, فيدخل هو ومن قتله إلى الجنّة, وكثير ممن قاتلوا الصحابة -رضي الله عنهم- وقتلوا بعض الصحابة هداهم الله سبحانه وتعالى للإسلام وأكرمهم الله سبحانه بذلك فكانوا من أهل الجنّة هم ومن كانوا قد قتلوهم في المعارك التي دارت بين المسلمين والكفّار.
وفي حديث أبي رزين لمّا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يضحك ربنا, قال أبو رزين: أو يضحك ربّنا, قال: نعم, قال: لا عدمنا الخير من ربّ يضحك.
هذا وأمثاله من النصوص المأثورة عن السلف رحمهم الله تدلّ دلالة واضحة على أنهم فهموا المعاني, فهموا معاني الصفات خلافا لما عليه أو ما يدّعيه المفوّضة أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرءون نصوص الصفات ولا يفهمون معناها, وإنّما كانوا يقرءونها قراءة مجرّدة بمنزلة الأميين الذين يتلون الكتاب ولا يفهمون معناه, ومن قال إن السلف كانوا كذلك, فقد جهل مذهبهم, وجهّلهم, وكذب عليهم, هذه ثلاثة أمور يقع فيها من يدّعي أن الصحابة ومن اتبعهم بإحسان كان مذهبهم في الصفات التفويض, تفويض المعاني, فهو في الحقيقة جهل مذهبهم, وجهّلهم, رماهم بالجهل في أعظم الأمور وهو باب الصفات, صفات الله سبحانه وتعالى, وكذب عليهم, لأنه نسب إليهم ما لا يعتقدونه, ونسب إليهم ما لم يكونوا عليه, فيكون كذب عليهم.
قال "فهذا وما أشبهه ممّا صحّ سنده وعدّلت روايته نؤمن به ولا نردّه": هنا يوضّح الجادّة التي كان عليها السلف تجاه أحاديث الصفات.
"ممّا صحّ سنده وعدّلت روايته" يعني إذا كان الحديث صحيحا ثابتا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإننا نؤمن به ولا نرده, فنتلقّاه بالقبول, فمن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا القبول والتسليم, نؤمن به ولا نردّه.
"ولا نجحده" كما هي طريقة المعطّلة.
"ولا نتأوّله بتأويل يخالف ظاهره" كما هي طريقة المحرّفة, محرّفة نصوص الصفات, فحذّر أولا من مسلك التعطيل ثم حذّر ثانيا من مسلك التحريف, ثم حذر ثالثا من مسلك التشبيه والتمثيل قال:
"ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين" فحذّر من مسلك التمثيل, "ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
ثمّ حذّر رابعا من مسلك التكييف, قال "وكل ما يخيّل في الذهن أو خطر بالبال, فإن الله تعالى بخلافه" وهذا فيه يبطل مسلك التكييف.
فهي أمور أربعة يجب الحذر منها في باب الصفات:
1-التعطيل, وحذّر منه بقوله "لا نردّه ولا نجحده"

2التحريف, وحذّر منه بقوله "ولا نتأوّله بتأويل يخالف ظاهره


3-التشبيه, وحذّر منه بقوله "ولا نشبهه بصفات المخلوقين"

4-التكييف, وحذّر منه بقوله "وكل يخيّل في الذهن أو خطر بالبال, فإن الله تعالى بخلافه", أي أن المكيّف مهما قدّر في ذهنه من الجمال والكمال والعظمة وظنّ ذلك هو وصف الله, فالله سبحانه أعظم من ذلك, لأن صفاته سبحانه لا يبلغ كنهها الواصفون مهما أوتي الإنسان من حدّة الذهن والذكاء وحسن الوصف والبيان, فالله سبحانه أعظم من ذلك.

وقوله هنا "الله تعالى بخلافه" الأدق أن يقال: فإن الله أعظم من ذلك, كل ما يخيّل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله سبحانه أعظم من ذلك, بمعنى ما توصّل إليه المكيّف بذهنه وقدّر أن هذا هو صفة الرب سبحانه, فالله سبحانه أعظم من ذلك, كما في الذكر العظيم الحبيب إلى الله تعالى "الله أكبر", ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم "أحبّ الكلام إلى الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
وهذه الكلمة: الله أكبر, وحدها كافية في إبطال التكييف, فيقال لمن كيّف مهما بلغ به ذهنه من تقدير لأمر يدّعي أنه وصف الله, يقال له: الله أكبر, فلا يبلغ كنه صفاته وكيفيّة صفاته الواصفون مهما قدّروا, فالله سبحانه أكبر من ذلك, والإنسان عاجز عن أن يبلغ كنه المخلوقات وحقيقة وكيفيّة صفاتها,عاجز عن ذلك.
عبد الرحمن بن مهدي لقي غلاما خاض في التكييف, فقال له: يا غلام دعنا ننظر في كيفيّة بعض المخلوقات, فإن استطعت أن تعرف كيفيتها ننتقل للكلام في كيفيّة خالق المخلوقات, وإن عجزت عن معرفة كيفيّتها فأنت عن معرفة كيفيّة خالقها أعجز, هذا معنى كلامه, فوافق الغلام.
قال له: إن الله عزوجل خلق الملائكة ولها أجنحة "جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء", وإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وقد سدّ الأفق وله ستمائة جناح, أخبرني هذه الأجنحة التي عليها هذا الملك كيف تتركّب وكيف يطير بها.
ستمائة جناح!! والمعروف أن الطيران بجناحين في حدود فهم الإنسان وما يراه ويشاهد.
ففتح فمه ولم يحر جوابا, قال: لا أنا أهوّن عليك, من الملائكة من له ثلاث أجنحة, جناح عن يمينه وجناح عن يساره والجناح الثالث هذا أين؟! كيف يطير إذا كان له ثلاث أجنحة, فقال الغلام: انتهيت.
لأنه وجد نفسه عاجز عن معرفة كيفيّة مخلوق من المخلوقات فكيف يجرؤ على الخوض في كيفيّة خالق المخلوقات.
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدّثكم عن ملك من الملائكة ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه تخفق فيه الطير سبعمائة سنة" يعني لو طار طير من عاتق الملك متّجه إلى شحمة الأذن يحتاج إلى سبعمائة سنة طيران حتى يصل إلى شحمة الأذن, هذا مخلوق والله أكبر, هذا مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
تأمّل أيضا في حديث أبي ذر "لمّا لقي النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن آية الكرسيوخرج الحديث مخرج التفسير للآية- قال عليه الصلاة والسلام: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاةأي قطعة صغيرة من حديد ألقيت في صحراء, ماذا تشكّل الحلقة من الحديد بالنسبة إلى الصحراء- وما السموات السبع في الكرسي إلا مثل ذلك"
فانظر إلى هذه النسب,السموات بالنسبة للكرسي كحلقة من حديد ألقيت في صحراء, والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة من حديد ألقيت في صحراء, والله سبحانه فوق العرش, جلّ وعلا مستو عليه استواء يليق بجلاله, فكيف يجرؤ عاقل ويقول: إذا أثبتنا لله الصفات لزم أن تكون كصفاتنا, هذا ما عنده عقل... فعلى كل التكييف باطل والتشبيه باطل والتحريف الذي هو التأويل, كتأويل المبطلة باطل, والتعطيل باطل, كل هذه أمور باطلة وضلالات, والحق في إمرار الصفات كما جاءت, وإثباتها كما وردت على جادّة أهل السنّة وطريقتهم.
المتن:
{ ومن ذلك: قوله تعالى "الرحمن على العرش استوى"
وقوله تعالى "ءأمنتم من في السماء"
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "ربنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك"
وقال للجارية: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "أعتقها, فإنها مؤمنة". رواه مالك بن أنس, ومسلم, وغيرهما من الأئمة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين: "كم إلـها تعبد؟" قال: سبعة, ستة في الأرض, وواحدا في السماء. قال: "من لرغبتك ورهبتك؟" قال: الذي في السماء. قال: "فاترك الستة واعبد الذي في السماء, وأنا أعلمك دعوتين" فأسلم وعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: "اللهم ألهمني رشدي, وقني شرّ نفسي"
وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلـههم في السماء.
وروى أبوداود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا" وذكر الخبر إلى قوله: "وفوق ذلك العرش, والله سبحانه فوق ذلك".
فهذا وما أشبهه ممّا أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله, ولم يتعرّضوا لردّه ولا تأويله, ولا تشبيهه ولا تمثيله.
سئل مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبدالله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة, ثم أمر بالرجل فًأخرج.}
الشرح:
فصّل هنا المؤلف رحمه الله بعض الشيء بذكر أدلة صفة العلو لله, وأفرد في هذا كتابا وهو مطبوع "إثبات العلو لابن قدامة" لإثبات هذه الصفة, صفة العلو, وتوسّع فيه, في نقل الأدلة على إثبات هذه الصفة من القرآن ومن السنة ومن النقول المأثورة عن السلف الصالح رحمهم الله.
وفي هذه الرسالة اختصر على ذكر بعض الأدلة الدالّة على هذه الصفة العظيمة, بدأها؛
بقوله تعالى "الرحمن على العرش استوى" ومعنى استوى: علا وارتفع, لأن هذا هو معنى الاستواء, العلو والارتفاع, ومعنى استوى على العرش: أي علا وارتفع عليه علوّا وارتفاعا يليق بجلاله وكماله وعظمته, وقد جاء إثبات هذه الصفة في سبعة مواضع من القرآن منها هذا الموضع "الرحمن على العرش استوى" وفي ستة مواضع قال تعالى "ثم استوى على العرش".
وقوله تعالى "ءأمنتم من في السماء" أي الله جل وعلا, ومعنى قوله في السماء: أي العلو, وهذا فيه إثبات علو الله على خلقه, لأن المراد بالسماء أي العلو.
فقوله "ءأمنتم من في السماء" أي ءأمنتم من في العلو, الذي له العلو المطلق جل وعلا ذاتا وقدرا وقهرا, وأيضا يحتمل أن المراد بالسماء: أي المبنيّة وتكون في بمعنى على, بمثل ما جاء في الحديث "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" المراد بـ ارحموا من في الأرض: أي من على الأرض, يرحمكم من في السماء: أي يرحمكم من على السماء.
فإذا أريد بالسماء في الآية المبنية, فإن في بمعنى على, في القرآن آيات كثيرة جدا تأتي فيها في بمعنى على "لأصلبنكم في جذوع النخل" "فسيحوا في الأرض" هذه كلّها بمعنى على, وإذا كانت في على بابها فإن المراد بالسماء العلو, وبكلا المعنيين, في الآية إثبات العلو صفة لله سبحانه وتعالى.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ربنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك" الحديث رواه أبوداود وغيره وإسناده ضعيف, فيه زيادة بن محمد الأنصاري وهو منكر الحديث, لكن المقرّر في الحديث ثابت في الآية المتقدّمة وثابت في أحاديث كثيرة جدّا صحّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث الجارية الآتي بعده عند المصنّف.
وقال للجارية: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "أعتقها, فإنها مؤمنة". رواه مالك بن أنس, ومسلم, وغيرهما من الأئمة, وهذا فيه إثبات أن الله في السماء على المعنى الذي سبق إيضاحه في قوله "ءأمنتم من في السماء".
وقوله عليه الصلاة والسلام للجارية: أين الله؟ فيه صحّة هذا السؤال واستقامته, خلافا لما عليه أهل البدع في كتب الكلام حين يقولون: لا يُسأل عنه بأين, ويقولون لا يشار إليه بإصبع, مع أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل الجارية بهذا الحديث الصحيح الثابت أين الله, وفي حجّة الوداع حين خطب الناس رفع إصبعه عليه الصلاة والسلام إلى السماء وقال "اللهم فاشهد", قال: "هل بلّغت" قالوا: نعم, فرفع إصبعه إلى السماء قال: "اللهم فاشهد".

ليلى باقيس 29 ذو القعدة 1432هـ/26-10-2011م 11:26 PM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس (5)


"وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين _أي قبل إسلامه_: كم إلـها تعبد؟ قال: سبعة؛ ستة في الأرض وواحدا في السماء" أي أنه حال الشرك الذي كان عليه, كان يعبد سبعة آلـهة, ستة في الأرض أصنام وأحجار كان يعبدها, وواحدا في السماء أي الله سبحانه وتعالى, وهذا هو الشرك: عبادة الله واتخاذ الأنداد معه والشركاء, يحبّونهم كحب الله, ويدعونهم كما يدعون الله, ويذبحون لهم كما يذبحون لله, ويتقرّبون إليهم كما يتقرّبون إلى الله عزوجل.
والشرك هو تسوية غير الله بالله سبحانه وتعالى في حقوقه, فهو كان يعبد سبعة آلـهة, يعبد الله الذي في السماء ويعبد ستة آلـهة في الأرض.
"قال: من لرغبتك ورهبتك؟" يعني من هؤلاء السبعة, من لرغبتك ورهبتك, إذا كنت في شدّة أو في رغبة عظيمة لأمر أو ضائقة, من الذي تلجأ إليه في الشدّة وفي الرغبة العظيمة, من مِن هؤلاء الذي تلجأ إليه؟.
الله سبحانه قال عن المشركين "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين" ففي الشدّة لا يلجئون إلا إلى الله, ولهذا لمّا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: من لرغبتك ورهبتك, أي في حال الشدائد والكربات والضائقات والضنك إلى من تلجأ,
"قال: الذي في السماء" في الشدّة لا ألجأ إلا إلى الذي في السماء, فقال عليه الصلاة والسلام:
"قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء" إذا كنت لا تلجأ في شدّتك إلا إليه فاترك هذه الستّة التي لا تنفعك, ولا تفيدك لا في شدّة ولا في رخاء, واعبد الذي في السماء, "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءلـه مع الله قليلا ما تذكرون".
"وأنا أعلمك دعوتين. فأسلم وعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم ألهمني رشدي, وقني شرّ نفسي)" وهذه دعوة عظيمة جمعت الخير كلّه, فمن ألهمه الله تعالى رشده وهداه لذلك ووفّقه وأعانه ووقاه شرّ نفسه, فاز بالخير كلّه.
لأنّ انحراف من ينحرف راجع إلى إمّا:1- أنه لم يلهم الرشد فلم يعرفه, 2- أو أنه عرف الحق وغلبته نفسه على ترك الحق وعدم قبوله أو الإقبال عليه.
فإذا أكرم الله عبده ألهمه رشد نفسه ووقاه من شرّ نفسه, ففاز بالخير وسلم بإذن الله تبارك وتعالى من الشرّ والانحراف, مثله في الدعاء الآخر"اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرّشد",فإذا ألهم الله سبحانه وتعالى عبده إلى الرشد وأعانه على القيام به ووقاه شرّ نفسه فإنّه يفوز بالفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
"وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه في الكتب المتقدّمة أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلـههم في السماء" وهذا ذكره المصنّف ابن قدامة رحمه الله مسندا في كتابه العلو بإسناد ضعيف, لكن المعنى من حيث هو حق, لأن النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة يسجدون على الأرض ويعتقدون أن إلـههم في السماء, وهذه العقيدة وهذا السجود ليس مختصّا بالنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه, بل جميع الأنبياء هذا شأنهم, وجميع أتباع الأنبياء هذا شأنهم, يسجدون للّه بوضع جباههم على الأرض ويعتقدون ويقرّون بأن الله في السماء.
ولمّا قرّر موسى عليه السلام هذه العقيدة وذكر أنّ ربّه سبحانه الذي يدعو الناس إلى عبادته في السماء "قال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فاطّلع إلى إلـه موسى" لأن موسى كان يقول الله في السماء, فأراد فرعون أن يبني صرحا ويشيّد بناء عاليا بزعمه ليصعد عليه, وينظر هل هذا الذي يقوله موسى حق أو ليس بحق, ولهذا قال بعض أهل العلم, وأظن ابن قدامة نقل ذلك في العلو, أو الذهبي, قالوا: من أنكر العلو فهو فرعوني _أي على عقيدة فرعون_, ومن أثبت العلو فهو على عقيدة موسى, وعلى عقيدة جميع الأنبياء.
لأن الأنبياء كلّهم يثبتون علو الله سبحانه وتعالى على خلقه, والعقيدة عند الأنبياء قاطبة من أوّلهم إلى آخرهم واحدة, والعقيدة لا يدخلها نسخ, النسخ إنّما يدخل على الأحكام, أمّا العقيدة عند الأنبياء واحدة,الأنبياء كلّهم يثبتون هذه الصفات لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بجلاله وكماله, وهذا هو معنى قول نبيّنا صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح "نحن الأنبياء أبناء علات, ديننا واحد وأمّهاتنا شتّى" ديننا واحد أي عقيدتنا واحدة, فالعقيدة واحدة لدى جميع الأنبياء من أوّلهم إلى آخرهم, والاختلاف إنّما يكون في الشرائع كما قال سبحانه "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
"وروى أبوداود في سننه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:( إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا كذا ..) وذكر الخبر إلى قوله:( وفوق ذلك العرش, والله سبحانه فوق ذلك) " وهذا الحديث أهل العلم من تكلّم في إسناده, وعلى كلّ ما ثبت في الحديث من قوله: وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق العرش, هذا ثابت في القرآن وثابت في أحاديث كثيرة عن الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم, ولمّا أنهى رحمه الله ذكر هذه الأدلّة التي فيها إثبات العلو, قال:
"فهذا وما أشبهه ممّا أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله, ولم يتعرضوا لردّه ولا تأويله, ولا تشبيهه ولا تمثيله" محذّرا رحمه الله كما سبق من هذه الأمور التي وقع فيها من وقع من أهل الباطل.
ثم ختم رحمه الله بنقل هذا الأثر عن الإمام مالك بن أنس أنه قيل له:
"سئل مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبدالله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى" فانتبه هنا, السائل يدرك أن هذا ثابت في القرآن وتلا الآية "الرحمن على العرش استوى" وسؤاله محدد, وهو كيفية الاستواء, فأجابه مالك رحمه الله بقوله,
"فقال: الاستواء غير مجهول" وفي بعض الروايات الاستواء معلوم, فمعنى قوله معلوم, وفي هذه الرواية غير مجهول, المراد أي معلوم المعنى, معناه معلوم واضح في لغة العرب, استوى أي علا وارتفع, فالمعنى واضح, هذا مراد مالك رحمه الله من قوله الاستواء معلوم أي معناه معلوم لا يخفى, وليس مراد مالك رحمه الله ما يدّعيه بعض المعطّلة أن مراده بالاستواء معلوم, أي معلوم الورود في القرآن, هذا كلام ليس له فائدة, لأن الرجل تلا الآية قال "الرحمن على العرش استوى" ويعرف أن الآية موجودة في القرآن وتلاها, لكنه يسأل عن الكيفية, فلا يليق بمالك أن يتلو عليه الرجل الآية ويقول الاستواء معلوم, أي معلوم أن الاستواء في القرآن قد ذكر, هذا لا يليق بمالك رحمه الله أن يكون مراده بكلامه.
فقوله "الاستواء معلوم" أي معلوم المعنى, وقوله في الرواية التي ذكرها المصنّف "الاستواء غير مجهول" أي غير مجهول المعنى.
وهذا الأثر رواه عن مالك عشرة أو أكثر من تلاميذه, وجل الروايات عنه رحمه الله بهذا اللفظ الذي ساقه المصنف "الاستواء غير مجهول" ورواية "الاستواء معلوم" جاءت من طريق واحد وكلها بمعنى واحد سواء قيل الاستواء غير مجهول أو قيل الاستواء معلوم, كلاهما بمعنى واحد, ولكن الأكثر رواية لهذا الأثر عن مالك رحمه الله بهذا اللفظ الذي ساقه المصنف رحمه الله.
"فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" وفي اللفظ الآخر قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وقوله:الكيف مجهول،هو بمعنى ما جاء في هذه الرواية"والكيف غير معقول" أي لا نعقل الكيفية، الكيفية لا نعقلها، لماذا؟
لأنّا أخبرنا بالاستواء في القرآن والسنة ولم نُخبر بكيفية الاستواء، فلا نعقل الكيفية.
وكيفية الشيء تعرف:1-إما برؤيته، وفي الحديث"اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"
2- أو برؤية مثيله، والله سبحانه لا مثيل له "ليس كمثله شيء"
3- أو بالخبر الصادق، والنصوص أُخبرنا فيها بالصفات و لم نخبر فيها بكيفية الصفات، ولهذا فإثباتنا للصفات إثبات وجودٍ لا إثبات تكييف، لا نعلم كيفية صفات الله سبحانه بل نجهل ذلك، ولهذا قال الكيف مجهول،أي نجهل ذلك، ولم يقل الكيف معدوم ، لأن صفات الله لها كيفية الله أعلم بها، لكننا نجهلها، ولهذا فإن قول السلف"بلا تكييف" "بلا كيف" "أمروها كما جاءت بلا كيف" المراد به بلا تكييف.
"والإيمان به واجب" أي الإيمان بالاستواء واجب لأنها صفة ثابتة في القرآن والسنة فيجب أن نؤمن بهذه الصفة.
"والسؤال عنه بدعة" السؤال عن كيفية الاستواء هذا من الأمور المحدثة ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم عندما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات مثل النزول وغيره، لم ينقل إطلاقا أن واحدا من الصحابة قال للنبي صلى الله عليه وسلم :كيف؟
مثل حديث النزول سمعه من النبي صلى الله عليه و سلم ما يقارب الثلاثين صحابياً لم يقل واحدا منهم ، كيف نزل!
والضحك لمّا سمع أبو رزين النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الضحك، ما قال كيف يضحك، قال : أو يضحك ربنا. قال: نعم. قال: ما عدمنا الخير من رب يضحك.
فلا يعرف إطلاقا عن أحد من الصحابة ومن اتبعهم بإحسان السؤال عن الكيف, ولهذا يعتبر هذا الأمر منكر أشد النكارة أن يسأل سائل عن كيفية صفات الله.
ولهذا جاء أن مالك رحمه الله لما قرأ الرجل الآية وقال: كيف استوى، غضب رحمه الله حتى علاه الروحضاء- يعني أخذ يتصبب من العرق- لأن هذا منكر، غاية النكارة، فغضب رحمه الله واشتد غضبه وعلاه الروحضاء- أي تصبب عرقاً- ولما قال له هذا الجواب أمر به أن يخرج .
"ثم أمر بالرجل فأخرج" قال: أخرجوه عني، لأن هذا كلامُ أهل البدع والأهواء، "ماأراك إلا صاحب سوء أو صاحب بدعة"، ثم أمر به أن يخرج من المكان.
وهنا ندرك الفرق بين أئمة السلف في غيرتهم على الدين ونصحهم وبين من سواهم، كثير من الناس إذا أخطئ في حقه غضب حتى علاه الروحضاء، وإذا أخطئ بين يديه في صفة من صفات الله كأن الأمر لا يعنيه, فرق بين أئمة الدين وعلماء السلف وبين غيرهم, فأخذ يتصبب عرقا رحمه الله وغضب غضبا شديدا وأمر بالرجل أن يخرج من مجلسه, وذكر هذه الكلمة التي مضت قاعدة عظيمة متينة في هذا الباب, استحسنها الأئمّة واستجودوها وتلقّوها بالقبول, وأصبحت قاعدة تطبّق في جميع الصفات, فأي صفة من الصفات يبحث إنسان عن كيفيّتها, يجاب بجواب مالك, ولهذا يمكن أن نخرج بقاعدة وتأصيل جامع في الصفات مستفاد من كلمة مالك هذه بأن نقول: الصفات معلومة -أي معلومة المعاني- وكيفيّاتها مجهولة والإيمان بها واجب والسؤال عن كيفيتها بدعة,هذه قاعدة تطبّق في جميع الصفات مستفادة من هذه الكلمة العظيمة المنقولة عن الإمام مالك رحمه الله تعالى وغفر له ولجميع علماء المسلمين, وألحقنا وإيّاكم بالصّالحين من عباده ووفقنا جميعا لكل خير, وألهمنا جميعا رشد أنفسنا ووقانا شر أنفسنا وأصلح لنا شأننا كلّه إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء, وهو حسبنا ونعم الوكيل والله تعالى أعلم, والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

ليلى باقيس 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م 05:58 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس (6)



إن الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ,

1- يقول السائل : كيف نفى شيخ الإسلام ابن تيمية صفة النفس عن الله تعالى؟

الجواب : شيخ الإسلام ابن تيمية بيّن أن الآيات التي فيها ذكر النفس ليست فيها إثبات صفة مستقلة ، يقال لها صفة النفس مثل ما يقال صفة الاستواء أو صفة اليد أوصفة الغضب أو صفة الرضا ، هذه صفات ، والنفس التي جاءت مضافة في النصوص إلى الله سبحانه وتعالى المراد بها الله نفسه الموصوف بالصفات ، ليست صفة قائمة بالله مثل الغضب أو الرضا أو اليد أو نحو ذلك ، وإنما المراد بالنفس أي الله ، هو الله جلّ وعلا ، فالمراد بقوله :" ولا أعلم ما في نفسك" أي لا أعلم ما في الله نفسه جلّ وعلا ، الموصوف بصفات الكمال ونعوت العظمة والجلال ، لا أن النفس صفة مستقلة كالغضب والرضا والمحبّة ونحوها من الصفات ، وابن تيمية بيّن هذا في مواضع من كتبه .

2- يقول السائل : إذا كانت الإضافة تقتضي الاختصاص فما معنى قوله "ناقة الله" وقوله " روح منه"؟

الجواب : المضافات إلى الله تعالى على نوعين : أعيان وأوصاف ، فالأعيان إذا أضيفت إلى الله سبحانه وتعالى كما في الأمثلة التي ساقها السائل ، كناقة الله ، وبيت الله ، وعبد الله ، وأمة الله هذه أعيان مضافة إلى الله سبحانه وتعالى ، فإضافتها إليه ، إضافة خلق و إيجاد ، و الأوصاف إذا أضيفت إلى الله مثل سمع الله ، وبصر الله ، وعلم الله ورحمة الله ونحو ذلك ، هذه إضافتها إضافة وصف ، فالاختصاص في الآمرين :
فيما يتعلق بالصفات إذا أضيفت إلى الله فهي مختصة به تليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى ، وإضافة الناقة و البيت أو العبد أو الأمة إلى الله سبحانه وتعالى هذه الإضافة تقتضي التكريم والتشريف .

3- يقول السائل : ما تعليق فضيلتكم على قول القائل : جعلت مالي ذخراً لي عند ربي ، وجعلت ربي ذخراً لأولادي ؟

الجواب : لا أدري عن صحة هذا الإطلاق ، ولكن يعني جعله ذخراً أي يرجو ثوابه عند الله و أجره ، وهذا هو مبتغى كل عامل بعمله ، فأعماله التي يتقدم بها أو يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى يرجو أن تكون له ذخراً ، أي يجدها يوم القيامة ثواباً و أجراً عندما يلقى الله عزوجل

4- يقول السائل : هل يثبت اسم " المعزّ " لله تعالى ؟

الجواب : المعزّ ، دلّ على كونه الله عزوجل المعزّ القرآن الكريم ، يعزّ من يشاء ويذل من يشاء ، لكن المعزّ اسماً لله الإخبار عنه بذلك لا إشكال فيه ، من باب الإخبار عنه سبحانه وتعالى بذلك لإشكال في ذلك ، يخبر عنه بأنه المعز و أنه سبحانه المذلّ ونحو ذلك ، يخبر عنه بذلك لكن عدُّه في الأسماء لا أعلم عليه دليلاً.

5- السائل : نرجو من فضيلتكم توضيح قول المصنف " ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين "؟

الجواب : السمات المراد بها الصفات ، سمات المحدثين أي صفات المحدثين ، ما يتّسمون به أي ما يتصفون به ، فلا نشبهه بصفات المحدثين، أو سمات المحدثين ، هذا الأقرب والله أعلم أنه من باب التنويع في العبادة لمزيد البيان والإيضاح .

6- يقول السائل : إثبات الصفات عند أهل السنة والجماعة يكون من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف فهل هذا مقتصر على الصفات أم هو شامل لكل الأمور الغيبية كأشراط الساعة وغيرها ؟

الجواب : الواجب في الصفات هو هذا : أن تثبت لله عزوجل كما جاءت وأن تمر كما وردت وأن تجتنب هذه المحاذير ، التكييف والتمثيل و التحريف والتعطيل ، وهذه المحاذير أيضاً مطلوب من الإنسان أن يجتنبها في الأمور المغيّبة لأنه إذا شبه مثلاً نعيم الجنة بنعيم الدنيا وقاسه به ومثله به ، يكون بذلك قد أخطأ ، لأنه ليس في الدنيا ممّا في الجنة إلا الأسماء ، أو ليس في الجنة ممّا في الدنيا إلا الأسماء ، عنب وعنب ورمّان و رمّان ، لكن الحقيقة ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، فمن قال مثلاً : إن العنب الذي في الجنة مطابق تماماً للعنب الذي في الدنيا ، هذا خطأ ، ومن قال أن العنب الذي في الجنة ليس هو عنب بل هو رمّان مثلاً ، هذا تحريف وكلام باطل ، ومن نفى العنب الذي في الجنّة ، هذا أيضاً تعطيل باطل لشيء أثبته الله سبحانه وتعالى ، ومن حاول أن يقدّر حقيقة هذا النعيم بذهنه لا يتوصّل إليه ، لأن الله قال : "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين".
ونسأل الله عزوجل أن يكرمنا أجمعين بدخول جنات النعيم ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

ليلى باقيس 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م 06:28 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر( الدرس 7)


المتن:
{وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى : أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌبِكَلاَمٍ قَدِيمٍ غير مخلوق ، يَسْمَعُهُ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ،سَمِعَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَسَمِعَهُجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ومَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكتِهِوَرُسُلِهِ.}


الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
فالكلام هنا عن إثبات صفة الكلام, صفة لله عزوجل ثابتة له جلّ وعلا في كتابه وسنّة نبيّه صلوات الله وسلامه عليه, والله عزوجل موصوف بالكلام فهو يتكلّم متى شاء سبحانه وتعالى بما شاء, لم يزل ولا يزال متكلما جلّ وعلا, والكلام صفة ثابتة له سبحانه وتعالى, والمصنّف رحمه الله شرع هنا لبيان هذه الصفة وتقريرها وذكر أدلّتها من كتاب الله جلّ وعلا وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم, وبدأ ذلك بقوله:
(ومن صفات الله تعالى): أي الثابتة له في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (أنه متكلم بكلام قديم, سمعه منه من شاء من خلقه سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة وسمعه جبريل عليه السلام ومن أذن له من ملائكته ورسله) وهذا كلّه ستأتي الأدلّة عليه عند المصنّف رحمه الله تعالى.
وقوله (أنه متكلم بكلام قديم):لا يقال قديم هكذا بالإطلاق, وإنما يقال: بكلام قديم باعتبار أصل الكلام وأمّا باعتبار آحاده وأفراده فإنه حادث متجدد, كما قال الله سبحانه وتعالى: "وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فقوله محدث, هذا متعلق بآحاد الكلام وأفراده, تكلّم بالتوراة ثم بالإنجيل ثم بالقرآن وسور القرآن وآياته تكلم بها سبحانه وتعالى, سورة تلو أخرى, وآية تلو أخرى, فمن حيث نوع الكلام قديم, بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متكلّما, لم يزل موصوفا بالكلام سبحانه وتعالى, ولكن باعتبار أفراد الكلام وآحاد الكلام لا يقال: الكلام قديم.
فقوله: أنه متكلم بكلام قديم؛ هذا باعتبار نوع الكلام, ولا يصح باعتبار أفراد الكلام وآحاده, فإن ذلكم متجدد وحادث كما يدل لذلكم قول الله سبحانه وتعالى: " وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث"
وقوله (يسمعه منه من شاء من خلقه): وهذا فيه أن كلام الله سبحانه وتعالى بصوتٍ يُسمع وهو كلام بحروف وكلمات وجمل, وهو كلام بصوت, ولهذا قال: يُسمعه.
والذي يُسمع هو الصوت, فالله سبحانه وتعالى متكلم بكلام حقيقة بحروف وكلمات وجمل وبصوت يُسمع, يُسمعه من شاء من عباده سبحانه وتعالى.
(سمعه موسى عليه السلام):فقد سمع كلام الله من الله, قد قال الله سبحانه وتعالى: "وكلّمه ربّه" وقال جل وعلا: "وكلّم الله موسى تكليما" ويقال لموسى عليه السلام: كليم الله؛ لأنه سمع كلام الله من الله بصوت الله سبحانه وتعالى بدون واسطة الملك, وإنما سمعه من الله جل وعلا مباشرة بدون واسطة.
(وسمعه جبريل عليه السلام): فجبريل يسمع كلام الله سبحانه وتعالى من الله, وينزل به ليبلغه رسل الله -عليهم صلوات الله وسلامه- "وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين" أي جبريل "على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين" فجبريل -عليه السلام- يسمع كلام الله من الله جلّ وعلا, وينزل به ليبلّغه رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(ومن أذن له من ملائكته ورسله):ونبيّنا -عليه الصلاة والسلام- سمع كلام الله من الله؛ لمّا عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس, سمع صلى الله عليه وسلم كلام الله من الله جلّ وعلا.

المتن:
{وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المُؤْمِنينَ فيالآخِرَةِ ويُكَلِّمُونَهُ ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَزُورُونَهُ ، قَالَ اللهُتَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: 164]
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يا مُوسَى إِنـِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى النَّاسِ بِرِسالاتيوَبِكَلاَمي}[الأعراف: 144].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مِنْهُم مَّنْكَلَّمَ اللهُ}[البقرة: 253].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كانَلِبَشَرٍ أَن يُكَلـِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيـًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}[الشورى: 51].
وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَارَبُّكَ}[طه: 11، 12].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ:{إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَافَاعْبُدْني}[طه: 14].
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْيَقُولَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ.}

الشرح:

قال (وأنه سبحانه وتعالى يكلم المؤمنين في الآخرة, ويكلمونه): أي في جنات النعيم, يكلّمهم الله جلّ وعلا ويكلمونه, وقد جاء في صحيح مسلم وغيره: أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة يقول الله سبحانه وتعالى: [هل تريدون شيئا أزيدكم؟], هذا كلام من الله يسمعه أهل الجنة, من الله في الجنة [هل تريدون شيئا أزيدكم؟] فيقولون: [ألم تبيّض وجوهنا, ألم تنجنا من النار, ألم تدخلنا الجنّة], فهذا كلام منهم لله سبحانه وتعالى, فأهل الجنة يكلمهم الله ويكلمونه, وهذا ثابت في نصوص عديدة, تكليم الله لأهل الجنّة, وتكليم أهل الجنة لله عزوجل.
قال:[ يقول: هل تريدون شيئا أزيدكم؟, فيقولون: ألم تنجنا من النار, ألم تدخلنا الجنة, ألم تبيّض وجوهنا], قال: [فيُكشف الحجاب فينظرون إلى الله سبحانه وتعالى, فما أعطوا شيئا أعظم من النظر إليه سبحانه وتعالى].
فأهل الجنة يكلّمهم الله ويسمعون في الجنة كلام الله من الله سبحانه وتعالى, وهو كلام بلا واسطة.
(ويأذن لهم فيزورونه):أي فيكرمهم جلّ وعلا برؤيته كما في الحديث الذي أشرت إليه, وأحاديث كثيرة تدل على إكرام الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة بهذا النعيم الذي هو أعظم نعيم ينالونه في الدار الآخرة, ألا وهو التشرّف برؤية وجه الله الكريم سبحانه وتعالى, وهذا أعظم نعيم, وسيأتي عند المصنف رحمه الله تعالى إفراد ما يتعلّق برؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة, وذكر الأدلّة على ذلك.
قال (قال الله تعالى: "وكلّم الله موسى تكليما"):أخذ يسوق الآيات الدّالة على ثبوت هذه الصّفة لله عزوجل, وبدأ بهذه الآية "وكلّم الله موسى تكليما", برفع لفظ الجلالة (الله), والمتكلّم هنا هو الله سبحانه وتعالى رب العالمين, وموسى -عليه السلام- كليم الله, حيث سمع كلام الله من الله جلّ وعلا, وأكّد الكلام في هذه الآية, وأنه جلّ وعلا كلّم موسى, أكّد ذلك بقوله "تكليما" فهذا فيه تأكيد أن الله عزوجل كلّم موسى كلاما سمعه موسى من الله تبارك وتعالى, "وكلّم الله موسى تكليما".
(وقال سبحانه: "يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي"):وهذا هو الشاهد من هذه الآية, اصطفاء الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام بكلامه حيث سمع كلام الله من الله, وممّا سمعه من الله ما سيأتي "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني" هذه الكلمات سمعها موسى عليه السلام من الله بصوت الله جل وعلا نفسه بدون واسطة.
(وقال سبحانه: "منهم من كلم الله"): "تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله" والمراد بقوله: من كلّم الله, أي خصّه وميّزه عن غيره بأن سمع كلام الله من الله جل وعلا كموسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم.
(وقال سبحانه: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا"): وهذه الآية الكريمة, الحكم فيها, أو المقرر فيها, يتعلّق بالدنيا, وما كان لبشر أن يكلمه الله؛ أي في الدنيا, وأما في الآخرة, فقد مرّ معنا: أن الله عزوجل يكلّم أهل الجنة ويُكلمونه ويسمعون كلامه منه جلّ وعلا, فقوله: "وما كان لبشر أن يكلمه الله" أي: في هذه الحياة الدنيا, إلا بالقسمة التي ذكرت في الآية وهي أقسام:
الوحي "وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا" أي بأن يُلهم ويلقى في قلبه الوحي, إلا أن يُلهم ويُلقى في قلبه الوحي, فهذا نوع.
والنوع الثاني "أو من وراء حجاب" أي يسمع كلام الله سبحانه وتعالى من الله دون أن يرى الله سبحانه وتعالى مثل ما حصل لموسى عليه السلام, ومثل ما حصل أيضا لنبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرج به إلى السماء سمع كلام الله من وراء حجاب, ولمّا سئل صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربّه, قال: "نور أنّى أراه", فهذا النوع الثاني, يسمع كلام الله من الله ولكن من وراء حجاب.
والنوع الثالث "أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء" والمراد بالرسول: الملك, فيرسل رسولا, أي يُرسل ملكا من الملائكة ويُبلّغ كلام الله للرسول من البشر, فهذا النوع الثالث. والآية فيها إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى.
(وقال سبحانه: "فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك"): "فلما أتاها نودي يا موسى" الضمير في قوله: "أتاها" عائدٌ على ماذا؟ أي النار, لأن موسى عليه السلام لمّا أتمّ الميقات, لمّا أتمّ ما كان بينه وبين شعيب على أن يُزوّجه إحدى ابنتيه على أن يُتمّ سبع حجج فأتمّها عشرا, وتزوّج بابنته وأخذ زوجته ورجع إلى مصر بلده, وفي الطريق وقد كان راجعا تاه عن الطريق في ليلة باردة, ثمّ رأى نارا فذهب إلى هذه النار, لأجل أن يأخذ جذوة من النار يصطلي بها, أي يتدفّأ بها في البرد الشديد هو وأهله, وأيضا لعلّه يجد هدًى, أي يجد من يدلّه إلى الطريق, لعلّه يجد من يدلّه إلى الطريق, ومثل هذه الآية, ولها نظائر كثيرة, فيها دلالة واضحة على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب, فموسى عليه السلام وهو عائد ضلّ الطريق وكان يبحث عنه, حتى رأى نارا فذهب متجها إلى النار لعلّه يجد هدًى, أي يجد أحدا يدلّه ويهديه إلى الطريق وأيضا ليأخذ جذوة من النار يصطلي بها, فلمّا وصل إلى النار, "فلمّا أتاها نودي يا موسى" فلما أتاها: أي وصل إلى النار, "نودي يا موسى إني أنا ربّك" هذه الكلمة: "إني أنا ربك" سمعها موسى عليه السلام كليم الله من الله سبحانه وتعالى, سمعها من الله جلّ وعلا, ومن يدّعي من المبطلة أن موسى سمع هذه الكلمة من الشجرة, وأن الله خلق هذا الكلام في الشجرة, وأن الذي تكلّم بهذا الكلام هي الشجرة, نفيا لإثبات الكلام صفة لله, فعلى هذا القول الباطل تكون الشجرة خاطبت موسى قائلة: إني أنا ربك! وتكون أيضا الشجرة خاطبت موسى وقالت: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني!
ولهذا سيأتي عند المصنف قوله: (وغير جائز أن يقول هذا أحدٌ غير الله), ودعوى هؤلاء أن الله خلق هذا الكلام في الشجرة, وأن موسى سمعه من الشجرة, وليس سماعه لهذا الكلام من الله, هذه دعوى باطلة, يترتّب عليها من المفاسد الشيء الكثير, منها: ما أشرت إليه؛ ألا وهو:
1- بهذا الكلام تكون الشجرة هي التي قالت "إني أنا ربك"
2- وهي التي قالت "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري".

(وقال سبحانه: "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني"):أيضا هذا مما سمعه موسى عليه السلام من الله, وهو كلام الله, وكما قال المصنّف رحمه الله:
(وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله): لا يجوز أن يقول هذا إلا الله سبحانه وتعالى, وهذه الكلمة لم يسمعها موسى إلا من الله سبحانه وتعالى.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

ليلى باقيس 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م 06:55 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس(8)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد.

المتن:
وَقَالَ عَبْداللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:((إِذَا تَكَلَّمَاللهُ بالوَحْي، سَمِع صَوتَهُ أَهْلُ السَّماءِ))رُوِيَ ذَلِكَ عَنِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الشرح:
ثم أورد رحمه الله تعالى هذا الأثر موقوفا على الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود, ورُوي عنه أيضا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولفظه (إذا تكلّم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئا, فإذا فزّع عن قلوبهم وسكن الصوت, عرفوا أنه الحق, نادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق.), علّقه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح, ورواه موصولا في كتابه (خلق أفعال العباد).
وله شاهد من حديث النوّاس بن سمعان وله كذلك شاهد من حديث عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما.
قال (وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء. ورُوي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي أن هذا المعنى رُوي مرفوعا عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث ابن مسعود وكذلك من حديث ابن عبّاس وحديث النوّاس بن سمعان, والحديث فيه إثبات الكلام لله عزوجل حقيقة, وأنه كلام يُسمع, تسمعه منه الملائكة, بصوته هو سبحانه وتعالى.

المتن:
وَرَوَى عَبْدُاللهِبْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ))يَحْشُرُ اللهُ الخَلائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةًغُرْلاً بُهمًا، فَيُنَادِيهِم بِصَوتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كمَا يَسْمَعُهُمَنْ قَرُب: أَنا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَانُ(( رَوَاهُ الأَئِمَّةُواسْتشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ.

الشرح:
قال (وروى عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غُرلاً بُهماً) عراة: أي لا ثياب عليهم, وحفاة: أي ليس عليهم نعال, وغُرلا: أي غير مختونين, وقوله بُهما: ما معناه؟ أي ليس معهم من الدنيا شيء.
(قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حُفاة غُرلا بُهما) جاء في الحديث: (قالوا: يا رسول الله وما بُهما؟ -يعني ما المراد بهذه الكلمة لأن حفاة وعراة يعرفون معناها, ولم يعرفوا معنى بُهما, فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله, وما بُهما؟ قال: أي ليس معهم من الدنيا شيء.) أي: ما كانوا يمتلكونه من أموال أو مساكن أو مزارع أو غير ذلك, لا يكون معهم في الدار الآخرة منه شيء, هذا معنى بُهما, يأتي فردا ليس معه أي شيء مما كان يمتلكه في الدنيا, ولو كان يمتلك الأموال الطائلة والكنوز الكثيرة, كلّها تنتهي في الدنيا, ولا يأتي معه منها يوم القيامة شيئا, (قالوا: وما بُهما يا رسول الله, قال: أي ليس معهم من الدنيا شيء).
(فيناديهم بصوت) أي: الله سبحانه وتعالى, فيناديهم بصوتٍ, وهذا فيه إثبات أن كلامه سبحانه وتعالى بصوتٍ يُسمع.
(فيناديهم بصوت يسمعه من بعُد, كما يسمعه من قرُب) بصوت يسمعه البعيد مثل سماع القريب, فكلهم يسمعونه على حدّ سواء, القريب منهم والبعيد, يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب, وهذا من خصائص كلامه سبحانه وتعالى.
قال (أنا الملك, أنا الديّان) هذا كلام يقوله الله, ومثل ما قال المصنف قريبا (وغير جائز أن يقول هذا أحدٌ غير الله) أنا الملك: أي الذي بيدي ملكوت كل شيء "قل اللهم مالك الملك" فالله سبحانه وتعالى الملك الذي بيده الملك سبحانه وتعالى, وفي أحاديث أخرى يقول (أنا الملك, أين ملوك الأرض), قال تعالى: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهّار", فيقول: أنا الملك, أنا الديّان؛ وهذا فيه إثبات الديّان اسم من أسماء الله تبارك وتعالى الحُسنى, وما معنى الديّان؟
الديّان: أي المُجازي, المُحاسب, "أءنا لمدينون" أي مجزيّون محاسبون. فالديّان: أي المُجازى المُحاسب "مالك يوم الدين" أي: مالك يوم الحساب والجزاء, فيقول: أنا الملك, أنا الديّان.
وللحديث تتمّة اقتصر المصنّف رحمه الله تعالى من الحديث على موضع الشاهد, قال: (يقول: أنا الملك, أنا الديّان. ثم يقول: لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقتصّها منه, ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عليه مظلمة حتى أقتصّها منه) وذلك اليوم, يوم القصاص, ورد المظالم, والإنصاف للمظلوم من ظالمه, فالصحابة تساءلوا؛ قبل قليل سمعوا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أنهم يأتون يوم القيامة بُهما؛ أي ليس معهم من الدنيا شيء, ثم في الحديث نفسه يخبر أن الله سبحانه وتعالى يقتصّ للمظلوم من ظالمه, قال (حتى أقتصّها منه) أي المظلمة, فهذا أثار في نفوس الصحابة سؤالا, فقالوا: يا رسول الله وكيف ذاك, وهم إنما جاءوا بُهما؟ كيف يُقتصّ؟ كيف تقتصّ المظلمة للمظلوم من ظالمه وقد جاءوا جميعا بُهما, ليس معهم شيء من الدنيا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بالحسنات والسّيئات, وقوله في الحديث؛ بالحسنات والسّيئات, يوضّحه الحديث المعروف بحديث المفلس في الصحيح, قال عليه الصلاة والسلام: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع –هذا يقال له مفلس- قال عليه الصلاة والسلام: بل المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة ويأتي وقد ضرب هذا, وسفك دم هذا, وأخذ مال هذا, وقذف هذا, فيؤخذ من حسناته فيُعطون –من حسنات صلاته وصيامه وحجّه وصدقاته, يؤخذ من حسناته فيُعطى لهؤلاء الذين ظلمهم واعتدى عليهم- فإن فنيت حسناته, أخذ من سيّئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار.

ولهذا من يُظلم بالوقيعة في عرضه وبسبّه وشتمه وبقذفه والكلام في عرضه, هذا باب من أبواب الحسنات ساقه الله سبحانه وتعالى إليه, مثل ما قالت عائشة رضي الله عنهاعندما ذكر لها أناس يسبّون الصحابة- قالت رضي الله عنها: (انقطع عنهم –أي الصحابة- العمل, وما أحب الله أن ينقطع عنهم الأجر), فكل ما استمرّ السبّ من أهل الضلال والباطل للصحابة الكرام, هذا باب حسنات, الصحابة انقطع عنهم العمل, وما أحب الله أن ينقطع عنهم الأجر, فقيّض هؤلاء ينالون من أعراضهم ويتكلّمون فيهم, فيؤجرون كل يوم, بل إن بعض أهل الباطل انتدب نفسه وردا يوميّا يسبّ فيه الصحابة, في الصباح وفي المساء, ويُعطي الصحابة صباحًا ومساءً من حسناته, هذا إن كانت عنده حسنات, وفي الحديث: إن فنيت حسناته أخذ من سيّئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار, ولهذا السبّابة الذين يسبّون الصحابة من أعظم الناس إفلاسًا يوم القيامة, الذين انتدبوا أنفسهم سبّا لخيار الأمّة, ووقيعةً في صحابة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام, هؤلاء مفاليس, ومن أشد الناس إفلاسًا يوم القيامة, وأما الصحابة رضي الله عنهم فلا يضرّهم سبّ هؤلاء شيئا إطلاقًا, بل هو بابٌ من أبواب رفعتهم وزيادة حسناتهم وأجورهم عند الله سبحانه وتعالى, وهذاالحديث؛ حديث عبد الله بن أنيس, إذا سمعه العاقل وفهمه, وعقل معناه, وعرف دلالته, انتبه, وتيقظ من أن يأتي يوم القيامة وهو يحمل مظالم, سواء باعتداء على الناس في أعراضهم أو اعتداء عليهم في أموالهم, أو اعتداء عليهم في أنفسهم, وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم), فالعاقل ينتبه, ويتيقظ ويحذر من أن يأتي يوم القيامة وهو يحمل المظالم سواءً في الأعراض أو في الأنفس أو في الأموال, فيُقتصّ لمن ظلمهم منه, فيؤخذ من حسناته, فإن فنيت حسناته, أخذ من سيّئاتهم فطرحت عليه, فطُرح في النار –عياذا بالله تبارك وتعالى من ذلك- والشاهد من الحديث أن فيه إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى وأنه يتكلم جلّ وعلا بصوتٍ يُسمع وهذا صريح في الحديث؛ قال: (فيناديهم بصوتٍ يسمعه من بعُد, كما يسمعه من قرب).

ونكتفي بهذا, والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م 07:27 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس(9)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ..أما بعد :

المتن:
وَفِي بَعْضِ الآثارِ: (أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ رَأَى النَّارَ فَهَالَتْهُوَفَزِعَ مِنْهَا، نَادَاهُ رَبُّهُ: ((يَا مُوسَى))، فَأَجَابَ سَرِيعًااسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَكَ وَلاَأَرَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ: ((أَنَا فَوْقَكَ وَأَمَامَكَ وورائك وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ))، فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لاَتَنْبَغي إلاَّ للهِ تَعَالَى، قَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهي، أَفَكَلاَمُكَ أَسْمَعُ، أَمْ كَلاَمُ رَسُولِكَ؟ قَالَ: ((بَلْ كَلاَمِي يَامُوسَى)))

الشرح:
قال(وفي بعض الآثار) وما ذكره هنا رحمه الله تعالى؛ ذكره من باب الاستئناس وليس من باب الاعتماد, فالعمدة ما سبق وهو الآيات التي ساقها من القرآن الكريم والأحاديث التي أوردها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما هذا الذي يروى في الكتب السابقة أورده رحمه الله تعالى من باب الاستئناس، لأن المعنى الذي ذكر فيه هو بمعنى ما جاء في الآيات من أن موسى عليه السلام لما رأى النار أتاها وأن الله سبحانه وتعالى كلمه، وأنه سمع كلام الله من الله بلا واسطة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فساق هذا الأثر وهو من الإسرائيليات، ساقه من باب الاستئناس بذكره لا الاعتماد، فالعمدة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم, ومثل هذا يُذكر للاعتضاد لا للاعتماد, أو يذكر للاستئناس.
قال(وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار، فهالته وفزع منها)
ليلة رأى النار: أي الليلة التي رأى فيها النار، تلك الليلة الباردة لما كان راجعا إلى مصر ومعه زوجته، ومر بالنار فذهب إلى جهة النار يسأل عن الطريق، لعله يجد من يهديه، أو يدله إلى الطريق، وليأخذ أيضا جذوة من النار، ففي تلك الليلة لما أتى النار،
قال(فناداه ربه: يا موسى. فأجاب سريعا استئناسا بالصوت. فقال: لبيك, لبيك أسمع صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت ؟ فقال: أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك ،وعن شمالك )
قوله(فوقك): هذا فيه إثبات العلو لله سبحانه وتعالى، وقد مر معنا عند المصنف رحمه الله تعالى
ذكر جملة من الأدلة في إثبات العلو لله عز وجل، والأدلة في القرآن الدالة على العلو لاتُعد بالعشرات بل بالمئات، بل قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:

يا قومنا والله إن لقولنا *** ألفا تدل عليه بل ألفان

فالأدلة على ثبوت العلو لله سبحانه وتعالى على خلقه في القرآن والسنة كثيرة جدا، وقد دل على العلو الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل.
فقوله(أنا فوقك ) نظير قول الله عز وجل: "يخافون ربهم من فوقهم " وقوله سبحانه وتعالى: "وهو القاهر فوق عباده "، وفي الحديث: (قالت زينب: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، قال (فوقك).

وقوله(وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك) هذا يدل على إحاطة الله سبحانه وتعالى بعلمه، فهو بذاته سبحانه وتعالى فوق عرشه المجيد, مستو على العرش، استواء يليق بجلاله وكماله وعظمته، وهو سبحانه وتعالى في الوقت نفسه محيط بالعباد، أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن" فالظاهر يدل على العلو، والباطن يدل على الإحاطة.
قال(فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى ) العلو على المخلوقات كلها، وفي الوقت نفسه الإحاطة الكاملة الشاملة بكل شيء، مثل ما جمع الله سبحانه وتعالى بين هذا في قوله: "هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم " أي بعلمه واطلاعه سبحانه وتعالى.

قال(كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع ) أي هذا الكلام الذي أسمعه كلامك.
قال(أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى.) هذا الذي أورده المصنف رحمه الله تعالى، هو من رواية وهب بن منبه، ولعله مما تلقاه من أهل الكتاب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، لكن ما يأتي عنهم مصادما للنصوص معارضا للأدلة فيه التكذيب بالله أو القول على الله، أو الافتراء على رسل الله، وكثيرا ما يكون هذا في التوراة والإنجيل المحرّفين، الذين أدخل فيهما كثيرا مما ليس هو من كلام الله ونُسب زورا إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله عز وجل: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"، أما الأشياء التي تأتي في هذه الكتب أو فيما ينقل عنهم موافقا لما عندنا في القرآن وموافقا لما جاء في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام فلا بأس من نقله استئناسا بذكره لا اعتمادًا عليه، مثل نقل القصص والأخبار التي تكون فيها معان صحيحه تذكر ليستأنس بذكرها، لا ليُعتمد عليها، فالعمدة إنما هي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
المتن:
ومِنْ كَلاَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ القُرْآنُ العَظِيمُ ،وَهُوَ كِتَابُ اللهِ المُبينُ وَحَبْلُهُ المَتِينُ ، وَصِرَاطُهُ المُسْتقيمُ وَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ المُرْسَلينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبِينٍ ، مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخْلُوقٍ ،مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ.
الشرح :
قال(ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم ) أي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن العظيم كله كلام الله سبحانه وتعالى، والذي تكلم به هو رب العالمين، من الله سبحانه وتعالى بدأ، قال عز وجل: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين "، فهو من الله بدأ، أي هو سبحانه وتعالى الذي تكلم به لا غيره، فهو كلامه جل وعلا، قال: (ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين )
(وهو كتاب الله المبين ) كتاب الله: لأنه كتب في اللوح المحفوظ، وأيضا يكتب في المصاحف، "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون "، فكتب في اللوح المحفوظ، وأيضا يكتب في المصاحف، فهو كتاب .
وكتاب: أي مكتوب ،يكتب في المصاحف، وكتب في اللوح المحفوظ.
المبين: أي البين الواضح، والمبين: أي المبيّن للأحكام على أتم ما يكون، تبيانا لكل شيء .
(وحبله المتين ) والحبل معروف، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا"، الحبل: هو ما يتمسك به للوصول الى المراد أو المقصود.
فحبل الله المتين، قال: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " قيل في معنى حبل الله: القرآن، وقيل: الإسلام، وقيل: سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وكل ذلكم حق.
فالوصول الى الله ونيل رضاه سبحانه وتعالى لا يكون إلا بهذا الحبل المتين الذي من تمسك به أوصله بإذن الله تعالى الى الجنة.
وقد سئل ابن مسعود رضي الله عنه، عن الصراط المستقيم ما هو؟ قال: هو حبل تركنا النبي صلى الله عليه وسلم في طرفه وطرفه الآخر في الجنة. بمعنى أن من تمسك بالقرآن وبما جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أوصله هذا التمسك الى جنات النعيم .
قال(وحبله المتين ) والمتانة هي القوة .
قال(وصراطه المستقيم) أي الصراط المفضي بصاحبه والموصل له إلى جنات النعيم، "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه"، "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله"، فالقرآن صراط الله المستقيم.
(وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين ،بلسان عربي مبين) وهذا مستفاد من قوله تعالى: "وإنه لتنزيل رب العالمين .نزل به الروح الأمين .على قلبك" أي قلب محمد صلى الله عليه وسلم "على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين "
(منزل غير مخلوق) منزل: أي من الله ،تكلم الله سبحانه وتعالى به وسمعه منه جبريل ونزل به الى محمد صلى الله عليه وسلم، فهو منزل، وقد مر معنا في الآية "وإنه لتنزيل رب العالمين " وأيضا مر معنا قول الله تعالى: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين" فهو كتاب منزل، غير مخلوق، بل هو كلام الله، وكلام الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته جل وعلا، فهو كلام الله غير مخلوق، والقرآن كما قال أئمة السلف رحمهم الله تعالى: أينما توجه فهو كلام الله, سواء حفظ في الصدور أو كتب في السطور، أو تلته الألسن، أينما توجه فهو كلام الله، لأن الكلام ينسب ويضاف لمن قاله ابتداء، لا لمن بلغه أداء، الكلام يضاف لمن قاله ابتداء، فالقرآن بدأ من الله، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، فعندما يكتب في السطور أو يحفظ في الصدور أو يتلى بالألسن أو يسمع بالآذان، أينما توجه يبقى كلام الله ينسب الى الله لأنه هو الذي تكلم به سبحانه وتعالى، واذا تلاه التالي؛ فالصوت صوت القارئ والكلام كلام الباري.
قال(منزل غير مخلوق) وقد أجمع السلف رحمهم الله تعالى على أن من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر، وحكى إجماعهم على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومنهم الإمام اللالكائي في كتابه "شرح الاعتقاد" ونقل عن خمسمائة نفس من أئمة السلف، ذكرهم بأسمائهم، وساق أخبارهم إليهم بأسانيده، فبلغ عدد من ذكرهم من أئمة السلف في القول: يكفر من قال القرآن مخلوق، خمسمائة نفس .
ولهذا قال ابن القيم: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان.
خمسون في عشر أي خمسمائة ،ثم أشار الى أن اللالكائي حكاه في كتابه (شرح الاعتقاد).
قال(منه بدأ, وإليه يعود) منه بدأ: أي الله سبحانه وتعالى هو الذي تكلم به ابتداء ويدل لذلك قوله تعالى: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين " فمنه هنا للابتداء، فمنه بدأ: أي هو الذي تكلم به الله سبحانه وتعالى ابتداء .
وإليه يعود: أي أن القرآن في آخر الزمان يرفع، أن القرآن في آخر الزمان يرفع، حتى المكتوب في المصاحف يرفع، وإذا فتح المصحف لا يرى فيه الكلام، يرفع الكلام حتى من المصاحف، وهذا يكون في آخر الزمان عندما يقرب خراب هذا العالم وقيام الساعة، يرفع القرآن حتى من المصاحف، وهذا معنى قولهم (وإليه يعود) أي إلى الله سبحانه وتعالى برفعه في آخر الزمان (فمنه بدأ وإليه يعود).
المتن:
وَهُوَ سُوَرٌمُحْكَمَاتٌ ، وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ، وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ ، مَنْ قَرأَهُ فَأَعْرَبَهُ ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ ،وَأَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ ، مَتْلُوٌّ بِالأَلْسِنَةِ ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ ،مَسْمُوعٌ بِالآذَانِ ، مَكْتُوبٌ فِي المَصَاحِفِ ، فِيهِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَنَاسِخٌ ومَنْسُوخٌ ، وخَاصٌّ وَعَامٌّ، وَأمْرٌ وَنَهْيٌ{لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: 42]وَقَوْله تَعَالَى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}[الإسراء: 88].
الشرح:
قال(وهو سور محكمات) أي القرآن كتاب محكم متقن ليس فيه تناقض وليس فيه تعارض، بل يؤيد بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
(وآيات بينات ) القرآن يتكون من سور، وسور القرآن 114سورة، وآيات بينات، في السور آيات، القرآن يتكون من سور، وكل سورة تتكون من آيات، قال:(وآيات بينات ) أي واضحات، وفي تمام الوضوح والبيان.
(وحروف وكلمات ) يتكون من حروف وكلمات، والحروف معروفة وهي حروف الهجاء، وهي ثمانية وعشرين حرفا، والقرآن مكون من هذه الحروف, وبدئ تسعة وعشرين سورة من سور القرآن بحروف مقطعة، وسيأتي أمثلة عليها عند المصنف رحمه الله، فالقرآن مكون من حروف ومن كلمات ومن جمل .
(من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ) وسيأتي عند المصنف رحمه الله تعالى حديثا بهذا المعنى، (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات)
ونكتفي بهذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م 07:52 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس(10)
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ..أما بعد :

الشرح:
قال: (له أول وآخر) وأول القرآن وآخره حسب الترتيب الذي جُمع عليه المصحف, واتفق على ذلك الجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم, أوله فاتحة الكتاب سورة الحمد, وتسمّى الفاتحة لأنها: فاتحة كتاب الله عزوجل, وآخره سورة الناس, فالقرآن مفتتح بسورة الفاتحة (سورة الحمد) ومختتم بسورة الناس, (له أول وآخر).
(وأجزاء وأبعاض) وهو مقسّم إلى أجزاء, والأجزاء فيها أحزاب, ومقسّم إلى سور, والسور فيها آيات, فهو له أجزاء وأبعاض, ولهذا نقول مثلا عن مجموعة من السور, يقال: هذا جزء من القرآن, ويقال عن مجموعة من الآيات: هذا بعض القرآن, فهو مكوّن من أجزاء وأبعاض.
(متلوّ بالألسنة, محفوظ في الصدور, مسموع بالآذان, مكتوب في المصاحف) هذه أمور يكون عليها القرآن, تارّة يُتلى بالألسنة وتارّة يُسمع بالآذان ويُحفظ بالصدور ويُكتب في المصاحف, وهو كما قال أئمة السلف رحمهم الله: أينما توجّه فهو كلام الله.
ومعنى قولهم: أينما توجّه, أي سواء حُفظ في الصدور, أو كُتب في السطور, أو تُلي بالألسن, أينما توجّه فهو كلام الله, لأن الكلام يُنسب ويُضاف لمن قاله ابتداءً لا لمن بلّغه أداءً.
وهذا أمر معروف, الآن عندما يروي أحد الناس بيتا من الشعر لأحد الشعراء القُدامى, هل روايته له ونقله له أصبح هذا الشعر بسبب روايته له يضاف إليه؟ ويقال هذا شعر فلان لأنه سُمع منه مبلّغا, هل لكونه حفظه في صدره أصبح بحفظه له في صدره يعتبر من شعره ومن كلامه, أو أنه يقال عندما يُسمع منه هذا الشعر, يقال هذا شعر فلان بن فلان الذي قاله ابتداءً, فالكلام معروف يُنسب إلى من قاله ابتداءً, لا لمن بلّغه أو نقله أو حفظه, يُنسب لمن قاله ابتداءً.
فالقرآن كلام الله منه بدأ فإذا حفظه الناس في صدورهم أو تلوه بألسنتهم أو كتبوه على الأوراق في المصاحف أو سمعوه بالآذان, فهو أينما توجّه كلام الله, ولهذا نصّ المصنّف رحمه الله تعالى على هذه الأحوال التي يكون عليها القرآن.
قال: (متلو بالألسنة, محفوظ في الصدور, مسموع بالآذان, مكتوب في المصاحف) فأينما توجّه فهو كلام الله سبحانه وتعالى.
قال: (فيه محكم ومتشابه) كما قال الله سبحانه وتعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله".
وقوله (فيه محكم ومتشابه) ومرّ معنا قريبا وصف سور القرآن كلها بأنها محكمات, مرّ معنا في كلام المصنف وصف سور القرآن كلّها بأنها محكمات, فالقرآن كلّه محكم, وهذا يُسمّى الإحكام العام, والقرآن بعضه محكم وبعضه متشابه, وهذا يُسمى الإحكام الخاص, وأيضا التشابه منه تشابه عام ومنه تشابه خاص, فيقال القرآن كله محكم, "كتاب أحكمت آياته", كتابا متشابها, فالقرآن كله محكم, والقرآن كله متشابه, والمراد بالإحكام أي العام, والتشابه العام, وأيضا القرآن منه آيات محكمات, ومنه آيات متشابهات, وهذا يُسمى الإحكام الخاص والتشابه الخاص.
وينبغي أن يُعرف الفرق بين العام والخاص, فالإحكام العام الذي هو وصف للقرآن كلّه: هو الإتقان, محكم أي متقن.
كتاب محكم, وهذا وصف للقرآن كله, أي متقن, لا تناقض فيه ولا تعارض ولا تضاد, فهو كلّه محكم.
وأيضا التشابه العام الذي هو وصف للقرآن كله, المراد بالتشابه: أي التجانس وأنه يؤيّد بعضه بعضا, ويشهد بعضه لبعض, فهو متشابه, يعني ليس متناقض ولا متعارض وليست آياته متضاربة, بل متشابهة يؤيّد بعضه بعضا.
فهذا الإحكام العام والتشابه العام.
وأما الإحكام الخاص والتشابه الخاص؛ فمعناه آخر, إذ معنى الإحكام الخاص: أي الوضوح والبيان, محكم أي واضح بيّن, ودلالته ظاهرة وواضحة وبيّنة.
والمتشابه الخاص: المراد به خفاء المعنى وعدم ظهوره ووضوحه, وفي الآية بيّن أن المحكم هو أم الكتاب "منه آيات محكمات هن أم الكتاب " وأم الشيء: أصله, ويكون المرجع إليه, ولهذا كان نهج الرّاسخين في العلم إعادة المتشابه إلى المحكم فيزول بذلك التشابه, وكانت طريقة أهل الزيغ اتباع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
قال: (وناسخ ومنسوخ) أي في القرآن آيات ناسخة وفي القرآن آيات منسوخة, والآية الناسخة: هي الآية التي تأتي رافعة حكما ذكر في آية نزلت قبلها, فالقرآن فيه ناسخ ومنسوخ, وهذا النوع أفرده أهل العلم بالتصنيف وأفردت مصنّفات خاصّة في الناسخ والمنسوخ إضافة إلى بيان أئمة التفسير للآيات الناسخة والآيات المنسوخة في كتب التفسير.
قال: (وخاصّ وعام) أي آيات القرآن أيضا موصوفة بهذا, فمنها آيات خاصّة ومنها آيات عامّة, هناك آيات تفيد العموم وآيات تفيد الخصوص, مثلا, قول الله سبحانه وتعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خُسر" هذا عام, "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذا خاص, خُصّ من العموم, يعني العموم خسران, ويُخصّ من هؤلاء من آمن وعمل الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
(وأمر ونهي) والقرآن فيه أوامر وفيه نواهي, قد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا سمعت الله يقول: "يا أيها الذين آمنوا" فأرعها سمعك, فإنه إما خير تُؤمر به, أو شر تُنهى عنه) فالقرآن أوامر ونواهٍ.
القرآن أوامر ونواهي, أوامر: أمر الله سبحانه وتعالى عباده بها, ونواهي: نهاهم عنها, والعبد مطلوب منه أن يعرف الأوامر التي في القرآن ليفعلها, ومطلوبٌ منه أن يعرف النواهي التي في القرآن لينتهي عنها, والله سبحانه وتعالى لا يأمر إلا بكل خير, ولا ينهى إلا عن كل شر.
فالعبد مطلوب منه أن يعرف الأوامر ليفعلها ومطلوب منه أن يعرف النواهي لينته عنها.
وإذا عرف النواهي احتاج هذا المقام منه لينته عن النواهي إلى الصبر, فإلم يكن متحلّيا بالصبر, فإنه قد يعرف النهي ويعرف عقوبته ويعرف مضرّته ويقارفه ويفعله, لأنه لا صبر عنده, فالنواهي تحتاج من العبد إلى صبر, والصبر: حبس النفس ومنعها, ومن لم يكن متحلّيا بالصبر لا يستطيع أن يمنع نفسه من ما نهاه الله سبحانه وتعالى عنه.
وباب الأوامر إذا عرف الإنسان ما أمره الله سبحانه وتعالى به لا بد أن تكون نفسه تجاه الأوامر سلسة سهلة سمحة, بحيث يبادر إلى الأمر ويسارع إلى فعله, فمن لم يكن متصفا بسماحة النفس فإنّه يُدعى إلى الأمر ويعرف ما فيه من فضل وخير ويعرف ما في تركه من عقوبة ومضرّة فلا تسمح نفسه أن يفعل ذلك, ولهذا ترى كثيرا من الناس يعرفون مكانة الصلاة ويعرفون ثوابها العظيم ويعرفون عقوبة تاركها ولكن نفسهم شحيحة وليست سلسة ولا منقادة فيُنادَون إلى الصلاة, فلا يُجيبون.
وقد جاء في الحديث, حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسّماحة)
وقيل للحسن وهو الراوي للحديث عن جابر, والحسن لم يسمع من جابر ولكن الحديث له شواهد يتقوّى بها, قيل للحسن: ما الصبر والسماحة؟ قال: الصبر عن المحارم والسماحة بالفرائض.
فالمقامان مقام الأمر والنهي يحتاجان من العبد إلى صبر وسماحة, وابن القيم رحمه الله أورد الحديث في كتابه (مدارج السالكين) وقال: هذا من أجمع ما يكون بيانا ومن أعظم الأحاديث جمعا لمقامات الدين, لأن دين الله سبحانه وتعالى والمطلوب من العبد شيئان: أوامر ونواهي, والأوامر تتطلّب من العبد بذل وعطاء, وهذا يُطلب فيه السماحة, والنواهي يُطلب فيها من العبد الكف والامتناع, وهذا يحتاج إلى صبر.
فإذا أكرم الله سبحانه وتعالى العبد بالصبر والسماحة, فهذا هو الإيمان, قيل: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة.
أما إذا كان الإنسان لا صبر عنده أو لا سماحة في نفسه, فإن هذا يترتب عليه الوقوع في المحرّمات ويترتب عليه أيضا ترك الفرائض والواجبات.
قال: ("لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد") وهذا وصف للقرآن الكريم, كلام الله سبحانه وتعالى, بأنه لا يأتيه الباطل: أي لا يتطرّق إليه الباطل بأي وجه من الوجوه, فهو سالم من الباطل كله, منزّه من الباطل كله, ليس فيه إلا الحق, والقرآن كله حق, وكله عدل, وكله صدق, "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد", وإذا كان منزّلا من حكيم حميد سبحانه وتعالى, كيف يأتيه الباطل!؟
فهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
(وقوله تعالى: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا") لو اجتمعوا –وهذا تحدّي- الإنس والجن, أي من أوّلهم إلى آخرهم, على أن يأتوا بمثل هذا القرآن, لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا, وجاء أيضا التحدّي بعشر سور, وبسورة من مثله, ونزل القرآن في زمان بلغت فيه الفصاحة ذروة عظيمة, وتحدّى الله جل وعلا فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بسورة من مثل القرآن أو عشر سور من مثل القرآن, وكل من حاول شيئا من ذلك لا يخلو من إحدى نتيجتين:
كل من حاول لا يخلو من إحدى نتيجتين:
الأولى: أن يعلن عجزه, يجلس أياما أو شهورا يحاول أن يركّب كلاما وأن يصفّ حروفا ثم في نهاية المطاف يعلن عجزه, يقول: لا يمكن, وهذا حصل.
والحالة الثانية: أن يحاول ويأتي بكلام يُضحك به على نفسه السفهاء قبل العقلاء.
فمن حاول لا يخرج عن هاتين الحالتين, إما أن يعلن عجزه أو أن يأتي بكلام يُضحك منه السفهاء قبل العقلاء, ومثلت لهذا وهذا في كتابي (شرح ميميّة الحافظ الحكمي رحمه الله) مثلت لهذا بمثال وللآخر أيضا بمثال, ويمكن مطالعة ذلك في شرح الميميّة, والشيخ حافظ رحمه الله أيضا صاغ أبياتا جميلة في هذا المعنى, التحدّي للفصحاء والبلغاء أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة من مثله.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



سليم سيدهوم 5 ذو الحجة 1432هـ/1-11-2011م 07:18 PM

فوائد من شرح لمعة الاعتقاد للشيخ العثيمين:
1الإِسْراءُ والمِعْرَاجُ.
الإِسْرَاءُ
لُغَةً: السَّيْرُ بالشَّخْصِ لَيْلاً، وقيلَ: بمَعْنَى سَرَى.
وشَرْعًا:
سَيْرُ جِبْرِيلَ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إلى بيتِ المَقْدِسِ؛ لقولِهِ تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا}[الإسراء: 1] الآيَةَ.
والمِعْرَاجُ

لُغَةً: الآلَةُ الَّتي يُعْرَجُ بها، وهيَ المِصْعَدُ.
وشَرْعًا:
السُّلَّمُ الذي عَرَجَ بهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الأرضِ إلى السماءِ؛ لقولِهِ تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النَّجْم: 1، 2] إلى قولِهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18].

2 أثْبَتَ المُؤلِّفُ قصة موسى عليه السلام مع ملك الموت في العَقِيدَةِ؛ لأنَّ بعْضَ المُبْتَدِعَةِ أَنْكَرَهُ مُعَلِّلاً ذلكَ بأنَّهُ يَمْتَنِعُ أنَّ موسى يَلْطِمُ المَلَكَ.
وَنَرُدُّ عليهم : بأنَّ المَلَكَ أَتَى مُوسى بصُورَةِ إنْسانٍ لا يَعْرِفُ مُوسَى مَنْ هوَ، يَطْلُبُ مِنهُ نَفْسَهُ، فمُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ البشرِيَّةِ أنْ يُدَافِعَ المَطْلُوبُ عنْ نفسِهِ، ولوْ عَلِمَ مُوسَى أنَّهُ مَلَكٌ لمْ يَلْطِمْهُ؛ ولذلكَ اسْتَسْلَمَ لهُ في المرَّةِ الثانيَةِ حينَ جاءَ بما يَدُلُّ على أنَّهُ مِنْ عندِ اللهِ، وهوَ إعْطَاؤُهُ مُهْلَةً مِن السِنِينَ بقَدْرِ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ شَعْرِ ثَوْرٍ.


3 (خُروجُ الدَّجَّالِ):
وهوَ لُغَةً: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِن الدَّجَلِ؛ وهوَ الكَذِبُ والتَّمْوِيهُ.
وشَرْعًا: رَجُلٌ مُمَوِّهٌ يَخْرُجُ في آخِرِ الزمانِ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ.
وخُروجُهُ ثابِتٌ بالسُّنَّةِ والإجماعِ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قُولُوا: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ))، رواهُ مسلمٌ. وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنهُ في الصلاةِ، مُتَّفَقٌ عليهِ.
وأَجْمَعَ المسلمونَ على خُرُوجِهِ.


4الفتنةُ لُغَةً: الاخْتِبَارُ، وفِتْنَةُ القَبْرِ: سُؤَالُ المَيِّتِ عنْ رَبِّهِ ودِينِهِ ونبِيِّهِ.
وهيَ ثابِتَةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، قالَ اللهُ تعالى:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم: 27].
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}))[إبراهيم: 27]، مُتَّفَقٌ عليهِ.

والسَّائِلُ مَلَكَانِ؛ لِقَوْلِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، قَالَ: يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ)). رواهُ مسلمٌ. (13) واسْمُهُما: (مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ)(13)، كما رواهُ التِّرْمِذِيُّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وقالَ: حَسَنٌ غَريبٌ
.

قال الأَلْبَانِيُّ: وسَنَدُهُ حَسَنٌ، وهوَ على شَرْطِ مُسْلِمٍ.
والسؤالُ عامٌّ للمُكَلَّفِينَ مِن المؤمنينَ والكافِرينَ، ومِنْ هذهِ الأُمَّةِ وغيرِهِم على القولِ الصحيحِ.


5النَّفْخُ في الصُّورِ:
النَّفْخُ معروفٌ.
والصُّورُ
لُغَةً: القَرْنُ.
وشَرْعًا:
قَرْنٌ عَظيمٌ الْتَقَمَهُ إِسْرَافِيلُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِنَفْخِهِ.
وإسرافيلُ
: أَحَدُ الملائِكَةِ الكِرَامِ الذينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ.
وهما نَفْخَتَانِ
إحداهُما:

نَفْخَةُ الفَزَعِ، يُنْفَخُ فيهِ فيَفْزَعُ الناسُ ويَصْعَقُونَ إلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ.
والثانيَةُ:
نَفْخَةُ البَعْثِ، يُنْفَحُ فيهِ فيُبْعَثُونَ ويَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِم.
وقدْ دَلَّ على النَّفْخِ في الصُّورِ الكتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ الأُمَّةِ.
قالَ اللهُ تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزُّمَر: 68]، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[يس: 51]
.
وعنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ يُنْفَحُ فِي الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، ثُمَّ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ صَعِقَ، ثَمَّ يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا كَأنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ -شَكَّ الرَّاوِي- فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ))، رواهُ مُسْلِمٌ في حديثٍ طويلٍ.
وفي غيرِ المُكَلَّفِينَ خِلافٌ، وظاهِرُ كلامِ
ابنِ القَيِّمِ في كتابِ (الرُّوحِ)
تَرْجِيحُ السُّؤَالِ.
ويُسْتَثْنَى منْ ذلكَ الشهيدُ؛ لحديثٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، ومَنْ مَاتَ مُرَابِطًا في سبيلِ اللهِ؛ لحديثٍ رواهُ مُسْلِمٌ.


6الْمَوَازِينُ:
الموازينُ: جَمْعُ مِيزَانٍ، وهوَ لُغَةً: مَا تُقَدَّرُ بهِ الأشياءُ خِفَّةً وثِقَلاً.
وشَرْعًا:
مَا يَضَعُهُ اللهُ يومَ القِيامَةِ لِوَزْنِ أعْمَالِ العِبَادِ.
وقدْ دَلَّ عليهِ الكتابُ والسنَّةُ وإجْمَاعُ السَّلَفِ، قالَ اللهُ تعالَى:
{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَمَ خَالِدُونَ}[المؤمِنون: 102 - 103]، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء: 47].
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((كَلِمَتَانِ حَبيَبتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيَفتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ))، مُتَّفَقٌ عليهِ.

وأَجْمَعَ السَّلَفُ على ثُبُوتِ ذلكَ.
وهوَ مِيزانٌ حَقِيقِيٌّ لهُ كِفَّتَانِ؛
لحدِيثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ قالَ: ((فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ في كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ في كِفَّةٍ)) الحديثَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَه، قَالَ الأَلْبَانِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
واخْتَلَفَ العُلَمَاءُ:
هلْ هوَ مِيزَانٌ واحِدٌ أوْ مُتَعَدِّدٌ؟
فقالَ بَعْضُهُم:
مُتَعَدِّدٌ بحَسَبِ الأُمَمِ أو الأَفْرَادِ أو الأَعْمَالِ؛ لأنَّهُ لمْ يَرِدْ في القرآنِ إِلاَّ مَجْمُوعًا، وأمَّا إِفْرَادُهُ في الحديثِ فَبِاعْتِبَارِ الجِنْسِ.
وقالَ بعضُهم:
هوَ مِيزانٌ واحِدٌ؛ لأنَّهُ وَرَدَ في الحديثِ مُفْرَدًا، وأمَّا جَمْعُهُ في القُرْآنِ فَبِاعْتِبَارِ المَوْزُونِ.
وكِلا الأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ، واللهُ أَعْلَمُ.

والذي يُوزَنُ العَمَلُ؛
لظَاهِرِ الآيَةِ السَّابِقَةِ والحديثِ بَعْدَها.
وقيلَ:
صَحَائِفُ العَمَلِ؛ لحديثِ صَاحِبِ البِطَاقَةِ.
وقيلَ:
العَامِلُ نَفْسُهُ؛ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ))، وقالَ: اقْرَؤُوا: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}[الكَهْف: 105]، مُتَّفَقٌ عليهِ.

وجَمَعَ بَعْضُ العُلَمَاءِ بينَ هذهِ النصوص بأن الجَمِيعَ يُوزَنُ، أوْ أنَّ الوَزْنَ حَقِيقَةً للصَّحَائِفِ، وحيثُ إنَّها تَثْقُلُ وتَخِفُّ بِحَسَبِ الأَعْمَالِ المَكْتُوبَةِ صَارَ الوَزْنُ كَأَنَّهُ للأعْمَالِ، وأمَّا وَزْنُ صَاحِبِ العَمَلِ فالمُرادُ بِهِ قَدْرُهُ وحُرْمَتُهُ، وهذا جَمْعٌ حَسَنٌ(2)، واللهُ أَعْلَمُ.

ليلى باقيس 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م 08:08 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر درس (11)


الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد

المتن:
وَهَذَا وهُوَ هذا الكِتَابُ العَرَبِيُّ الَّذِي قَالَ فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا:{لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ}[سبأ: 31].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر: 2]، فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}[المدثر: 26].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ شِعْرٌ ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِن هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ}[يس: 69]، فَلَمَّا نَفَى اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ شِعْرٌ وأَثْبَتَهُ قُرْآناً لَم تَبْقَ شُبْهَةٌ لِذِي لُبٍّ في أَنَّ القُرْآنَ هُوَ هَذَا الكِتابُ العَرَبيُّ الَّذِي هُوَ كَلِمَاتٌ وَحُرُوفٌ وَآيَاتٌ ، لأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لاَ يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهُ شِعْرٌ.

الشرح:
قال: (وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: "لن نؤمن بهذا القرءان") الكتاب العربي كما قال الله سبحانه وتعالى "بلسان عربي مبين" فهو كتاب باللسان العربي.
قال: (الذي قال فيه الذين كفروا: "لن نؤمن بهذا القرءان") والإشارة هنا إلى القرآن الكريم المنزّل على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم, قالوا: لن نؤمن بهذا القرآن, وأيضا قالوا: "لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه", وتواصوا بينهم بعدم سماع القرآن, لأنهم رأوا أن كثيرا ممن سمع القرآن تغيّر, وأقبل على الإسلام وتأثّر بسماع القرآن, والله سبحانه وتعالى يقول: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" وقوله: "يسمع كلام الله" هذه مهمّة جدّا في باب الدعوة إلى الله, إسماع الناس كلام الله سبحانه وتعالى, وبعض الناس قد يُلقي كلاما ليعلّم الآخرين, أو ليدعو إلى دين الله دون أن يسمعهم فيه كلام الله, وهذا من الخطأ, فكلام الله سبحانه وتعالى له أثره وله بركته وله مكانته العظيمة وله وقعه وله تأثيره, كتابٌ مبارك, شفاء لما في الصدور, له أثر بالغ جدّا, قال: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" فالقرآن له تأثيره العظيم, وأثره على من يسمعه, ولهذا كانوا يتواصون, يوصي بعضهم بعضا ألاّ يسمعوا لهذا القرآن "لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه".
(وقال بعضهم: "إن هذا إلا قول البشر")وكل هذا محاولة بائسة للصدّ عن هذا القرآن, تواصوا أولاً: ألاّ يسمعوا لهذا القرآن, ثم قالوا: "إن هذا إلا قول البشر" أي كلام أنشأه واخترعه بعض البشر "إن هذا إلا قول البشر".
(فقال الله سبحانه وتعالى: "سأصليه سقر")أي من قال: إن القرآن كلام البشر, فقد توعدّه الله سبحانه وتعالى هذا التوعد بقوله "سأصليه سقر" وهذه الآية فيها الرد على من يقول: القرآن مخلوق, على من يقول: القرآن مخلوق, وأن القرآن ليس كلام الله, فلما قال –من قال-: القرآن كلام البشر وليس كلام الله, قال الله: "سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبق ولا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر" هذا كلّه وعيد لمن قال: القرآن ليس كلام الله, وإنما هو كلام البشر. فتوعّده الله سبحانه وتعالى هذا التوعّد "سأصليه سقر" والآيات بعدها.
(وقال بعضهم: هو شعر, فقال الله تعالى: "وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين")فأبطل الله سبحانه وتعالى هذا الادّعاء الذي ادّعاه من ادّعاه من الكفّار والمشركين.
قال: (فلما نفى الله عنه أنه شعر, وأثبته قرآنا, لم يبق شبهة لذي لبّ في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات, وحروف, وآيات) وهذا كله يسوقه المصنّف وما يأتي أيضا بعده؛ ليبيّن أن القرآن حروف وآيات, ليبيّن أن القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى حروف وكلمات وآيات, وأن هذه الحروف والكلمات والآيات هي كلام الله سبحانه وتعالى.
قال: (لأن ما ليس كذلك لا يقول أحدٌ: إنه شعر)ما معنى قوله: لأن ما ليس كذلك؟ يعني ما ليس مكوّن من حروف وكلمات لا يقال إنه شعر, إذًا الذين قالوا: إن القرآن شعر, قالوا ذلك بناءً على أنهم سمعوا القرآن مكوّنا من حروف وآيات, فقالوا شعر, لأن الشعر مكوّن من حروف وكلمات.
فلما سمعوا القرآن, قالوا: هذا شعر, قال: (لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد إنه شعر) إذا قولهم عنه إنه شعر, هذا شاهد أنه مكوّن من حروف وكلمات, وبناءً على ذلك قالوا: إن القرآن شعر, وأنه قول شاعر, والله سبحانه قال: "إنه لقرءان كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهّرون تنزيل من رب العالمين" وقال الله عزوجل: "وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون" فالشاهد أن القرآن الكريم ليس بشعر وادّعى المشركون أنه شعر, وهذه الدعوى منهم إنما كانت بناءً على أنهم سمعوا القرآن ووجدوا أنه بحروف وكلمات فادّعوا هذه الدعوى, ومراد المصنف بكل هذا الذي يسوقه إثبات أن القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى مكوّن من حروف وكلمات.

المتن:
وَقَالَ الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْناَ عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}[البقرة: 23]وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِالإتْيانِ بِمِثْلِ مَا لاَ يُدْرَى مَا هُوَ وَلاَ يُعْقَلُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى علَيْهِم آيَاتُنا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَو بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَائِ نَفْسِي}[يونس: 15]فأَثْبَتَ أَنَّ القُرْآنَ هُوَ الآياتُ الَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الله تَعَالَى:{بَل هُوَ آيَاتٌ بَيـِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ}[العنكبوت: 49].
وَقَالَ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ}[الواقعة: 77 - 79]بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الله تَعَالَى:{كَهيعص}[مريم: 1]و{حـَم (1) عـسـق}[الشورى: 1]وَافْتَتَحَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سُورَةً بِالحُروفِ المُقَطَّعةِ.


الشرح:
قال رحمه الله: (وقال الله تعالى: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" ولا يجوز أن يتحدّاهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يعقل)ريب: أي شك, فالمصنف رحمه الله يستشهد بهذه الآية, كما استشهد أيضا بالآية التي قبلها ليبيّن أن القرآن مكوّن من حروف وكلمات, مكوّن من حروف وكلمات, ولهذا قال: ولا يجوز أن يتحدّاهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يعقل, فالقرآن كلام الله حروفه وكلماته, ألفاظه ومعانيه, كل ذلكم كلام الله عزوجل , فالقرآن كلامه ألفاظه ومعانيه, ليس الألفاظ دون المعاني, ولا أيضا المعاني دون الألفاظ.
(وقال الله تعالى: "وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي")"قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي" أي أن القرآن كلام ربي جل وعلا, قال "ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي" أي لم يأت به عليه الصلاة والسلام من قبل نفسه وإنما هو مبلّغ, ولهذا قول الله سبحانه وتعالى: "إنه لقول رسول كريم" أضاف إليه القول بوصف الرسالة, والرسول مهمّته إبلاغ كلام مرسله لا إنشاء كلام من نفسه, الرسول مهمته إبلاغ كلام المُرسل, ولهذا قال "إنه لقول رسول كريم", ولمّا قال الوليد, -وقد مرّ معنا- "إن هذا إلا قول البشر" أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوصف البشريّة, أي أنه أنشأه بشر, قال "سأصليه سقر", أما قوله "إنه لقول رسول كريم" أضاف القول إليه بوصف الرسالة, والرسول مهمّته إبلاغ كلام مُرسله, لا إنشاء كلامٍ أو شيء من عند نفسه, "وما على الرسول إلا البلاغ".
فالرسول مهمّته أن يبلغ كلام المُرسل, فإضافة القول إليه, -أي إلى الرسول- أي على وجه البلاغ, يبلغ كلام الله سبحانه وتعالى.
وكان عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على الناس يقول: من يحميني حتى أبلّغ كلام ربي, والله يقول: "يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته".
قال (فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم)"وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات" فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم.
(وقال تعالى: "بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم")وكونه يحفظ في الصدور, لا يخرجه من كونه كلام الله سبحانه وتعالى, لأن الأمر كما تقدّم: القرآن أينما توجّه هو كلام الله, لأن الكلام يضاف إلى من قاله ابتداءً, والقرآن من الله سبحانه وتعالى بدأ.
(وقال تعالى: "إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون")
قال رحمه الله: (بعد أن أقسم على ذلك) قال: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهّرون" فالقرآن الكريم المكتوب في اللوح المحفوظ, والمكتوب بعدُ في المصاحف ولا يزال يكتب, هذا كله لا يخرجه عن كونه بحروفه وكلماته وسوره وآياته كلام الله سبحانه وتعالى.
قال: (وقال تعالى: "كهيعص" "حم.عسق" وافتتح تسعا وعشرين سورة بالحروف المقطعة) مثل: يس, طه, ص, ق, حم, ألم, ونحوها من الآيات, تسعا وعشرين سورة من القرآن افتتحها الله سبحانه وتعالى بالحروف المقطّعة, فهذه الحروف وما في القرآن من كلمات وآيات كل ذلكم كلام الله سبحانه وتعالى.
ومما ذكر في الحكمة من افتتاح بعض السور بالحروف المقطعة؛ التنبيه إلى أن القرآن مكوّن من هذه الحروف, وتحدّى أهل الفصاحة وأهل البيان والبلاغة أن يأتوا بمثل هذا القرآن مع أنه مكوّن من هذه الحروف: كهيعص, ق, ... الخ.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م 08:12 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر(درس 12)


المتن:
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ القُرْآن َفأَعْرَبَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرفٍ حَسَنَةٌ)) حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:((اقْرَؤُواالقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ إقَامَةَ السَّهمِ لايُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ وَلاَ يَتأَجَّلُونَهُ))

الشرح:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
(قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه") أعربه: أي لم يلحن في قراءته للقرآن، بل قرأه قراءة صحيحة، قراءة لا غلط فيها ولا خطأ، (فمن قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه فلحن فيه): وهذا ضد قوله فأعربه، ويوضح لنا أيضا معنى أعربه: أي لم يلحن فيه، (ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) والشاهد من الحديث هو: أنه صريح في أن القرآن مكون من حروف، وأن من قرأ القرآن له بكل حرف من القرآن حسنة، أو له بكل حرف من القرآن عشر حسنات، والحديث الذي ساقه المصنف رحمه الله، هو من حديث ابن مسعود مرفوعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وفي إسناده نهشل وهو متروك الحديث، فالحديث ضعيف الإسناد، ولكن المعنى المذكور في الحديث ثبت عن ابن مسعود من وجه آخر بلفظ آخر بإسناد حسن في سنن الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فألم هذه ثلاثة حروف بها لمن قرأها ثلاثون حسنة.
(قال عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرءان قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم") يقيمون حروفه إقامة السهم: أي يقرءونه قراءة متقنة ويحفظونه حفظا متقنا، حتى إن الواحد منهم ليقرأ القرءان من أوله إلى آخره ولا يُحفظ أو يُسمع له فيه خطأ واحد، قراءة متقنة.
ويكون هذا الإتقان وهذه الإقامة للحروف فقط، لحروف القرءان فقط.
(يتعجّلون أجره ولا يتأجّلونه) يتعجّلون أجره: أي يريدون بهذا الحفظ وهذا الإتقان لحروف القرءان أجرا معجّلا في الدنيا، إمّا مال أو شهرة أو سمعة أو نحو ذلك، يتعجّلون أجره: أي يريدون شيئا في الدنيا معجّلا لا يريدون به الآخرة، ولا يرجون بذلك ثواب الله سبحانه وتعالى وإنما يريدون على ذلك شيء يتعجّلونه في الدنيا.
فمعنى قوله: يتعجّلون أجره ولا يتأجلونه:يتعجّلون أي في الدنيا، ولا يتأجّلونه في الآخرة، ولا يدخل في عمل الإنسان الصالح سواء حفظ القرءان أو غيره إلا إذا أراد به الآخرة، أما إذا أراد بالعمل الدنيا، لا يدخل في عمل الإنسان الصالح ولا يقبله الله سبحانه وتعالى منه ولو حفظ القرآن حفظا متقنا، بل صحّ في صحيح مسلم: "أن من أول من تسعّر بهم النار ثلاثة وذكر منهم من حفظ القرآن ليقال حافظ، فيقال له: قد قيل ثم يسحب ويلقى في النار" وقد كان في الدنيا مشهورا بين الناس بحفظ القرءان حفظا متقنا، ثم يسحب ويلقى –عياذا بالله تبارك وتعالى- يوم القيامة في نار جهنم، لماذا؟ لأنه تعجل أجره ولم يتأجله، أراد بحفظ القرءان الدنيا، ولم يرد به ثواب الآخرة، ولهذا يقال له في الآخرة، حفظت القرءان ليقال: حافظ، وقد قيل.
وماذا تفيده يوم القيامة هذه النية، عندما حفظ القرءان ليقال حافظ، أو ليقال قارئ، أو ليشار له بالإصبع: أن هذا فلان حافظ القرءان المتقن للقرءان، المجوّد، الخ.
حتى لو حفظ القرءان بالقراءات وأتقن ذلك وأجاده، كل هذا لا ينفعه عند الله إلا إذا ابتغى به وجه الله، وقد قال الله سبحانه في القرءان: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" من شرط شكران السعي وقبوله عند الله سبحانه وتعالى: أن يريد به العامل الآخرة، أما إذا كان يريد به الدنيا ويحرص على إتقان القراءة وضبطها وتجويدها وحسن الترتيل وحسن الأداء الخ، وهو إنما يريد بذلك السمعة والرياء والشهرة الخ، هذا إطلاقا لا يدخل في صالح عمل الإنسان الذي يشكره الله سبحانه وتعالى، ويثيب عليه العامل، والحديث واضح في تقرير هذا المعنى: "اقرءوا القرءان قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم" يعني إقامة متقنة هذا المراد بإقامة السهم، إقامة متقنة ودقيقة جدا، ولا يُحفظ عليه خطأ أو غلط، يجيده إجادة تامة، لكن هذه الإجادة كانت منه مقتصرة على الحروف فقط، دون الحدود، يقيم الحروف دون الحدود.
(لا يجاوز تراقيهم) يعني حظّه من القرءان التراقي فقط، فقط الصوت الذي يكون منه في تلاوة القرءان، لكن القرءان لا يظهر عليه، لا في أخلاقه ولا في نيّته، ولا في معاملته، ولا في عبادته، ولا في تعامله، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمّا سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرءان".
والحسن البصري رحمه الله، وأنتم تعلمون أنه من علماء التابعين، أدرك عددا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عن بعض القراء في زمانه، يتحدث عن بعض القراء في زمانه، ذلك الزمان الفاضل، والوقت الفاضل، الذي أدرك أهله أواخر الصحابة، ورأوا عددا من الصحابة، فكان يتحدث عن بعض القراء في ذلك الزمان، فقال رحمه الله: يقول أحدهم –يصف بعض القراء- قرأت القرءان كله ولم أسقط منه حرفا –يعني قراءة متقنة لا يُحفظ علي خطأ في حفظي للقرءان- وقد أسقطه والله كله" هكذا يقول الحسن، يقول: "وقد أسقطه كله، لا يرى عليه القرءان، لا في خلق، ولا عمل" يعني إذا رئيت أعماله أو رئيت أخلاقه، ليست الأعمال التي في القرءان وليست الأخلاق التي في القرءان، قال: "لا يُرى عليه القرءان لا في خلق ولا عمل، ومتى كانت القرّاء مثل هؤلاء لا كثّر الله في الناس مثل هؤلاء" هكذا يقول، فما هؤلاء بالقراء وما هؤلاء بالعلماء وما هؤلاء بالورعة، ليسوا أهل القرءان ولا أهل العلم ولا أهل الورع.
فأهل القرءان هم الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بتلاوة القرءان وفهم معاني القرءان والعمل بالقرءان الكريم، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" وتلاوة القرءان حق التلاوة تشمل الأمور الثلاثة: القراءة والفهم والعمل بالقرءان الكريم.
المتن:
وَقَالَ أَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (إِعْرَابُ القُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيْنَامِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ).
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَاللهُ عَنْهُ: (مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ)
وَاتَّفَقَ المسْلِمُونَ عَلَى عَدِّ سُوَرِ القُرْآنِ وَآياتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ المُسْلِمينَ في أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنَ القُرْآنِ سُورَةً أَوْ آيَةً أَوْكَلِمَةً أَوْ حَرْفاً مُتَّفَقاً عَلَيْهِ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَفي هَذَا حُجَّةٌقَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ حُرُوفٌ.
الشرح:
ثم ختم رحمه الله تعالى بنقل بعض الآثار وحكاية اتفاق المسلمين على عدّ سور القرءان وآياته وكلماته وحروفه، فنقل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
(إعراب القرءان أحب إلينا من حفظ بعض حروفه) والمراد بإعراب القرآن: أي فهم القرءان وفهم معانيه، والعمل بكتاب الله سبحانه وتعالى، قال: هذا أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، أي حفظا مجرّدا دون فهم ودون عمل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "والقرآن حجة لك أو عليك" فالقرآن حجة لمن فهمه وعمل به، وحجة على من حفظه ولم يعمل به، فإن الآيات التي في صدره ويحفظها من كلام الله سبحانه وتعالى تكون حجة عليه.
وفي الحديث الآخر: "إن الله يرفع بهذا القرءان أقوام ويضع به آخرين".
وإسناد الأثر الذي ساقه المصنّف رحمه الله ضعيف وفيه أكثر من علّة، فهو لم يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه.
(وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كلّه) لأنه كلّه كلام الله، فمن كفر بحرف، كفر بكلمة من القرءان، أو كفر بآية، أو بجزء يسير من القرءان، فقد كفر به كله.
ومن كفر بالقرءان فهو كافر بالله العظيم سبحانه وتعالى.
(واتفق المسلون على عد سور القرءان وآياته وكلماته وحروفه.
ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرءان سورة، أو آية، أو كلمة، أو حرفا –متفقا عليه- أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف) فالقرءان الكريم مكون من حروف وآيات، ومر معنا في كلام نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "لا أقول الم حرف، بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فالقرءان مكون من حروف وكلمات وجمل وسور وآيات، وكل ذلكم كلام الله تبارك وتعالى، تكلم به رب العالمين، وهو وحيه وتنزيله سبحانه وتعالى.
ونختم يومنا بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م 08:15 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر) درس 13)


المتن:
وَالمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ بِأَبْصَارِهِمْ وَيَزُورُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَانَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23]
وَقَالَ تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين: 15]
فلمَّا حَجَبَ أولئكَ في حالِ السَّخطِ، دَلَّ عَلَى أنَّ المُؤمنينَ يَرَوْنَهُ حَالَ الرِّضَى، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّكم تَرَوْنَ رَبَّكُم كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لاتُضَامُّون في رُؤْيَتِه)).حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا تَشْبِيهٌ لِلرُّؤْيَةِ بالرؤية لاَ لِلْمَرْئِي بِالمَرْئِي، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَنَظِيرَ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
فهذا ذكر وتقرير لعقيدة أهل السنة والجماعة في الرؤية، أي أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى عيانا بأبصارهم حقيقة يرون رب العالمين سبحانه وتعالى الذي خلقهم وهداهم للإيمان ومنّ عليهم بدخول جنّة النعيم، فيفوزون بأكبر كرامة وأعظم نعمة ألا وهي: رؤية الله جل وعلا.
الرؤية دلّ عليها القرآن الكريم ودلّت عليها سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع عليها سلف الأمة، وأنكرها أهل البدع والضلال وجحدوا ثبوتها، والرؤية حق وإثباتها جزء من المعتقد الذي يجب أن يعتقده المسلم وأن يؤمن به إيمانا بما دلّ عليه كتاب الله وبما دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن هذه العقيدة المباركة العظيمة تحرك في قلب المؤمن شوقا عظيما وطمعا كبيرا بأن يكون من هؤلاء الفائزين بهذا النعيم العظيم والخير العميم، وفي دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة)
ومن ينكر الرؤية، فبموجب إنكاره لها، لا يقوم في قلبه طمع يوما ما في أن يفوز بهذا النعيم ولا يتحرك لسانه يوما ما بدعاء الله سبحانه وتعالى أن يكرمه بهذا النعيم العظيم، ولهذا قال من قال من السلف رحمهم الله تعالى: (حري بمن أنكر الرؤية وجحدها أن يُحرم منها يوم القيامة) لأنه لم يقم في قلبه أصلا طمع في أن يكون من أهل هذا الفوز العظيم.
(والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم) قوله في الآخرة: أي أن الدنيا ليس فيها رؤية ولن يرى أحد ربه في الدنيا كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) فالدنيا ليس فيها رؤية، ولما طلب موسى عليه السلام من الله تعالى أن يكرمه بأن يراه، قال: "لن تراني".
فقول المصنف رحمه الله: (يرون ربهم في الآخرة) في قوله: (يرون ربهم) رد على من أنكر الرؤية أصلا من أهل البدع، وفي قوله: (في الآخرة) رد على من أثبتها في الدنيا من أهل البدع، والحق أن الرؤية ثابتة للمؤمنين في الدار الآخرة يكرمهم الله سبحانه وتعالى برؤيته عز وجل.
قال: (بأبصارهم) أي رؤية حقيقية بالأبصار، فيرى المؤمنون ربهم رؤية حقيقية بأبصارهم، أكدها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (كما ترون القمر ليلة البدر) تشبيها للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي.
أي كما أنكم في الدنيا ترون القمر ليلة التمام، ليلة البدر بأبصاركم، لا تحتاجون في رؤيته إلى تضام ولا يحصل لكم ضيم، فإنكم كذلك سترون ربكم يوم القيامة بأبصاركم، فهي رؤية حقيقية بالأبصار ثابتة لأهل الإيمان.
(ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه) أي أنه سبحانه وتعالى يتجلّى للمؤمنين في جنّات النعيم، فينعمون أعظم نعيم، وتقرّ أعينهم أجمل قرّة عين برؤيتهم لربهم، وخالقهم ومليكهم سبحانه وتعالى، فتكسى وجوههم بهذا النظر نضرة وحسنا وجمالا، وكيف لا وقد حظيت تلك الوجوه بالنظر إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا ساق المصنّف:
(قول الله جل وعلا: "وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة") وجوه يومئذ ناضرة: أي حسنة بهيّة جميلة كستها النضرة وهي الحسن والجمال، وفي الدعاء قال عليه الصلاة والسلام: (نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها) دعاء له بالنضرة، قال: (نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها)، ومن مقالته عليه الصلاة والسلام هذا الحديث: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) فحفظ هذا الحديث وفهمه واعتقاد ما دلّ عليه، وإبلاغه للناس من أسباب النضرة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم المبارك.
والمؤمنون عندما يرون ربهم سبحانه وتعالى، يكون بهذا النظر نضرة لهم، وجمالا وحسنا وبهاء وإذا رجعوا إلى أزواجهم، رجعوا وقد ازدادوا حسنا وجمالا لما أكرمهم الله سبحانه وتعالى به من نظر إلى وجهه وفوز بأعظم نعيم وأكمل نعيم.
قال: "وجوه يومئذ ناضرة" أي حسنة بهية، "إلى ربها ناظرة" أضاف النظر إلى الوجوه، قال: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها" أي تلك الوجوه، فأضاف النظر إلى الوجوه، وعدّاه بحرف إلى، قال: "إلى ربها ناظرة"وهذا كله يدل دلالة ظاهرة على ثبوت النظر بالأبصار حقيقة، كما قال المصنف يرونه بأبصارهم، لأن النظر في الآية أضيف إلى الوجوه وعُدّي بإلى، فلا يكون النظر إلا بالباصرة التي هي العين.
(وقال تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون") أي الكفار، ومعنى محجوبون أي عن الله والنظر إليه سبحانه وتعالى، والحجب سببه سخط الله وغضبه جل وعلا عليهم وعدم رضاه عنهم، فالحجب هذا في السخط، والرؤية التي يكرم الله سبحانه وتعالى بها أهل الإيمان هي في الرضا، رضي الله عنهم فأكرمهم بهذا النعيم، وأولئك سخط الله عليهم فحجبهم، وبهذا يتبين أن الرؤية إثابة وإنعام، والحجب سخط وعقوبة، فمن جملة ما يعاقبون به يوم القيامة على كفرهم وصدودهم حجبهم عن رؤية الله سبحانه وتعالى،قال: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"
(فلما حجب أولئك في حال السخط) حُجب أولئك أي الكفار، في حال السخط: أي أن موجب الحجب هو: سخط الله وغضبه عليهم.
فلما حجب أولئك في حال السخط دلّ –أي هذا الحجب- على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا يكون الجميع مشترك، إذا كان ليس هناك رؤية لأحد، حتى للمؤمنين فالكل محجوب عن الله، ولا معنى لتخصيص الكافر بقوله سبحانه وتعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" وهذا شيء خُصّ به الكافر، عقوبة له وسخطا من الله سبحانه وتعالى عليه، فإذا جُحدت الرؤية أصلا، فالكل محجوب، ولا معنى لتخصيص الكافر هنا بقوله "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"
(فلما حجب أولئك في حال السخط دلّ على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا وإلا لم يكن بينهما فرق) وإلا لم يكن بينهما فرق: أي لم يكن بين المؤمنين والكفار فرق، لأن الكل على هذه العقيدة محجوب، الكل على هذه العقيدة لا يرى الله، فلا فرق بين المؤمنين والكفار إذا كان الإنسان ينكر الرؤية أصلا.
إذا من أدلة أهل السنة على إثبات الرؤية من القرآن، قول الله سبحانه وتعالى "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" أي يحجبهم عن رؤيته سخطا منه سبحانه وتعالى عليهم وغضبه، فدلّ مفهوم المخالفة لهذه الآية، أن المؤمنين بخلاف ذلك، يكرمهم الله سبحانه وتعالى فيرونه بأبصارهم إكراما منه جل وعلا وإنعاما عليهم.
ونكتفي بهذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م 08:17 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر( درس14)

الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته") إنكم: أي أيها المؤمنون، ترون ربكم: أي بأبصاركم يوم القيامة رؤية حقيقية إنعاما منه سبحانه وتعالى عليكم وإكراما، كما ترون هذا القمر، وكانت هذه الإشارة ليلة البدر، ليلة التمام، عندما يكون القمر في تمامه، في الليلة المقمرة، وفي كبد السماء، فيراه الجميع، ويشاهده الجميع بالأبصار، قال: كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته، أي: لا يحصل لكم ضيق، وفي بعض الروايات: لا تَضامون في رؤيته، يعني: ما يحتاج أن يجتمع بعضكم إلى بعض، أو تتزاحمون، بل هو واضح وظاهر وبيّن ترونه جميعا.
والتشبيه هنا في قوله: "كما ترون القمر" كما قال المصنف؛ تشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، ليس التشبيه هنا لله سبحانه وتعالى بالقمر، وإنما تشبيه للرؤية بالرؤية، أي كما أنكم ترون القمر ليلة البدر بأبصاركم حقيقة، فإنكم كذلك سترون ربكم يوم القيامة بأبصاركم حقيقة، هذا معنى قوله: "كما ترون القمر" أي كما أنكم ترون القمر بأبصاركم في الدنيا ليلة البدر حقيقة لا تضامّون في رؤيته، فكذلك سترون ربكم يوم القيامة بأبصاركم حقيقة، فالتشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير، كما قال سبحانه وتعالى: "هل تعلم له سميّا" أي نظيرًا ومشابهًا، وقال تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
ولما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الرؤية وأن الله سبحانه وتعالى يُكرم المؤمنين يوم القيامة بها، وتكون بذلك القلوب قد اشتاقت، والنفوس تحرّك فيها الطمع للفوز بهذا الأمر العظيم، قال عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: "فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا".
فإذا طمع قلبك في الرؤية، وتقت أن تكون من أهلها، فعليك ببذل الأسباب التي تنال بها هذا النعيم العظيم، وذكر النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة التي هي عماد الدين وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربّه سبحانه وتعالى، ومن ضيّع الصلاة وغُلب عليها، حكم على نفسه بالحرمان من الخير، وحكم على نفسه بفوات الخير، وقد ذكرت الصلاة عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: "من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة وحُشر مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" وأبي بن خلف هذا عدو لدود للنبي عليه الصلاة والسلام، من ألد أعدائه، ومن الذي يرضى لنفسه أن يكون يوم القيامة جنبا إلى جنب مع صناديد الكفر وأعمدة الباطل، ومن لا يصلّ حكم على نفسه بذلك ورضي لها بذلك شاء أم أبى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" فالذي لا يصلّي فقد أبى على نفسه أن يدخل الجنة، وأبى أن يفوز بهذا النعيم ألا وهو رؤية الله سبحانه وتعالى، ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يُغلب الإنسان على صلاته فيُحرم من الخير، ويُفوّت نفسه هذا الخير.
قال: "فإن استطعتم ألا تُغلبوا" وقوله: تُغلبوا، هذه الكلمة لها بُعدها في الدلالة، وينبغي أن ننتبه لها، وعلى الطريقة الآن المعروفة في التعلم تضع تحتها خطوط، حتى تكون هذه الكلمة لها وقع في نفسك، وحتى تدرك بُعد هذه الكلمة، حتى يبقى لها الأثر في نفسك.
قال: "ألا تُغلبوا" هذا فيه إشارة ودلالة أن ثمّة غوالب كثيرة تغلب الناس على هذه الصلاة، إذا هذا ميدان مصارعة، ميدان مجاهدة، حتى يفوز الإنسان، ويخرج من هذه الدنيا فائزا، لا أن يخرج من هذه الدنيا مهزوما، مغلوبا، وإذا تُحدّث الآن عن الفوز والهزيمة، لا تنصرف أذهان كثير من الناس إلا في اللعب، بينما الفوز المبين والفوز العظيم هو مجاهدة النفس على طاعة الله سبحانه وتعالى، وأصبح من الناس الآن، من أجل اللعب يتركون الصلاة، وهذه غليبة، هذا مغلوب، وربما يخرج ويظن أنه قد فاز، وأن من ينتصر له من اللاعبين أنهم قد فازوا، والكل خاسر، لأنهم تركوا الصلاة، وغُلبوا، هذه غليبة، أعظم غليبة في الدنيا ترك الصلاة، وأعظم هزيمة في الدنيا ترك الصلاة، تارك الصلاة مهزوم، وتارك الصلاة مغلوب، وإن كان الشيطان يلعب عليه ويوهمه أنه قد فاز، وهو في الحقيقة مهزوم مغلوب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن استطعتم ألا تُغلبوا" إذا في غليبة وفوز، الغليبة ضدها الفوز، ففي غليبة وفي فوز، فالذي يُصلّي فائز، والذي لا يُصلي مغلوب أي مهزوم، وخسر خسرانا عظيما بأن غُلب على الصلاة، قال: "إن استطعتم ألا تُغلبوا" ثم أيضا تساءل تساؤلا ينفعك وتحتاط أيضا لنفسك بموجبه، وهذا نافع في التفقه في هذه الكلمة "ألا تُغلبوا"، تساءل تساؤلا يجعلك فيما بعد تحتاط لنفسك ألا تُغلب، من الذي يغلب الناس عن الصلاة؟
وخذ مثالا صلاة الفجر، وما أكثر ما يغلب الناس على هذه الصلاة، وما أكثر ما يصبح كثير من الناس ولم يصل الفجر أو يصليها وقد خرج وقتها، ويفوّت صلاتها مع جماعة المسلمين، مع أنه صحّ في الحديث: "أن من صلّى الفجر مع جماعة فهو في ذمة الله" فيحرم نفسه حرمانا عظيما، وانظر فيما غلب الناس على هذه الصلاة، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تغلب عليها، احذر أشدّ الحذر من أن تغلب على هذه الصلاة، ويجب أن تعلم أن ثمّة ارتباط بين الصلاة والرؤية، فأهل الصلاة أهل الرؤية، وتارك الصلاة أهل الحجب عن رؤية الله سبحانه وتعالى، لأن تارك الصلاة كافر، وقال الله سبحانه وتعالى عن الكفار: "كلّا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" وقد دلّ على الارتباط بين الصلاة والرؤية أدلة كثيرة منها هذا الحديث: "إنكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تُغلبوا" يعني كأنهم قالوا: يا رسول الله نريد هذه الرؤية ونتمنى أن نكون من أهلها، ماذا نفعل؟
فأجاب الناصح الأمين عليه الصلاة والسلام دون أن يُسأل، قال: "فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس" صلاة الفجر "وصلاةٍ قبل غروبها" أي صلاة العصر، الفريضة المكتوبة، فافعلوا، ومن ضيّع هاتين الصلاتين العظيمتين فهو لما سواهما أضيع، من ضيّع الصلوات المكتوبة فهو لما سواها من دين الله أضيع، ولا حظّ في الإسلام لمن ضيّع الصلاة، كما جاء عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومن لا يصلّ لا دين له، كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، والعهد الذي بين المسلمين وبين الكفار الصلاة، العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر.
ومن الدلائل على الارتباط بين الصلاة وبين الرؤية، قول الله سبحانه: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" هؤلاء أهل الصلاة، قال: "ووجوه يومئذ باسرة" هؤلاء أهل الحجب، "ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يُفعل بها فاقرة .كلّا إذا بلغت التراقي .وقيل من راق .وظنّ أنه الفراق .والتفّت الساق بالساق. إلى ربك يومئذ المساق" لماذا هذه العقوبات، ولماذا هذا الحجب، ولماذا هذا الحرمان، الجواب "فلا صدّق ولا صلّى"، هذا هو الجواب "فلا صدق ولا صلى"، بينما الأول الذي أكرمه الله بالرؤية والنظر، هؤلاء هم أهل الإيمان أهل الصلاة "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة".
أما أن يبقى الإنسان عاطلا مضيّعا دينه، ومع تضييعه لدينه يقول: أتمنى أن أكون من أهل الرؤية، فالله سبحانه وتعالى يقول: "ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجز به" ليس الأمر بمجرّد الأماني، وإلا لو كان الأمر بمجرّد الأماني، فاليهود إخوان القردة والخنازير يقولون بملء أفواههم: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا.
فليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجز به، الذي يُضيّع دينه، ضيّع الخير، ولهذا نبّه وبيّن ونصح عليه الصلاة والسلام وأكّد على المحافظة على هذه الفريضة العظيمة وألّا يُغلب عليها الإنسان.
ومن الارتباط بين الرؤية والصلاة ما جاء في الدعاء الذي رواه عمّار بن ياسر والذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، كان يقول في صلاته قبل أن يسلّم: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوّفني ما كانت الوفاة خيرا لي ... وفي تمامه، قال: وأسألك لذّة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هُداة مهتدين" يقول هذا صلى الله عليه وسلم في صلاته قبل أن يسلّم، فبين الصلاة والرؤية ارتباط، ومن ترك الصلاة كفر، وكان من أهل الحجب والحرمان، ومن حافظ على هذه الصلاة كانت أمارة على الإيمان وبرهانًا عليه ونجاةً للإنسان يوم القيامة، وسببا للفوز بهذا النعيم العظيم والثواب العميم.
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يكرمنا جميعا بلذّة النظر إلى وجهه والشوق إلى لقائه في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة.
وقد حدّثني مرة أحد الأشخاص يقول: جمعني مجلس بأحد الذين ينكرون الرؤية، وكان في المجلس عوام، يقول: فكان يُجادل بشبهات عقليّة، والحاضرون في المجلس لا يستوعبون لكنه يشككهم، يقول: فقلت له انتظر، اتركنا من هذا الكلام الذي تقوله والأمور العقلية التي تقولها اتركنا منها، أنا الآن أريد أن أرفع يدي بالدعاء وأريد منكم جميعا أن تؤمنوا وأنت أيضا أمّن معي، يقول للشخص الذي ينكر الرؤية، ثم رفعت يدي وقلت أنا أدعو أن يحرمك الله من رؤيته يوم القيامة، وتؤمّنون على دعائي، يقول ورفعت يدي وبدأت أدعو، قال: لا توقف، قلت: ما دام أنك معتقد أنه لا يُرى يوم القيامة، ما الذي يخيفك، خلنا ندعو عليك أن الله يحرمك من رؤيته يوم القيامة، قلت: يا إخوان قولوا آمين وأرفع يدي، ويمنعني من ذلك.
يقول: وكانت هذه من فضل الله كافية لهؤلاء العوام أن يرفضوا كلام هذا الرجل، لأن لو كانت عقيدة يعتقدها الإنسان ما يبالي، ما يبالي أن يدعى بذلك، والمصيبة في هؤلاء أن هذه العقيدة كانت سببا لحرمانهم من كل خير، والعقيدة الصحيحة المستمدّة من الكتاب والسنّة لمن يوفقه الله لحسن اعتقادها والإيمان بها سبب الفوز بكل خير.
ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م 08:20 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر( درس 15)


المتن:
وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وأنه لاَ يَكُونُ شَيْءٌ إِلاَّبِإرَادَتِهِ ، وَلاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ ، وَلَيْسَ في العَالَمِ شَيْءٌ يَخْرُجُ عَنْ تَقْدِيرِهِ وَلاَ يَصْدُرُ إِلاَّ عَنْ تَدْبِيرِهِ ، وَلاَمَحِيدَ لأحد عَنِ القَدَرِ المَقْدُورِ ، وَلاَ يُتَجَاوَزُ مَا خُطَّ له في اللَّوْحِ المَسْطُورِ.
أَرَادَ مَا العَالَمُ فَاعِلُوهُ ، وَلَوْ عَصَمَهُمْ لَما خَالَفُوهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُطِيعُوهُ جَمِيعاً لأَطَاعُوهُ.
خَلَقَ الخَلْقَ وَأَفْعَالَهمْ، وَقَدَّرَ أَرْزَاقَهمْ وَآجَالَهُمْ.
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُبِحكْمَتِهِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{لاَ يُسْأَلُ عَمَّايَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ}[الأنبياء: 23]
وقَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}[الفرقان: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ من مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد: 22].
وقالَ تَعالَى:{فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: 125].
الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
هنا بدأ المصنف رحمه الله تعالى يتحدّث عن الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر أصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، وعماد من أعمدته، ودعامة من دعائمه،
وبالقـــدر المقــــدور أيقـن فإنـــه
دعامة عقد الدين والدين أفيح (في حائية ابن أبي داود)
دعامة عقد الدين، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان، ودعامة لدين الله جل وعلا وعليه قيام الدين، كما أن الدين لا يقوم إلا على الأصول المعروفة التي منها الإيمان بأقدار الله تعالى، وسيأتي عند المصنف رحمه الله تعالى، بذكر الحديث الذي جمع فيه عليه الصلاة والسلام الأركان التي عليها قيام الدين وهي أركان ستة.
ومعنى كون هذه الأركان، أركانا للدين لا قيام للدين إلا عليها، فإن الكفر بها أو بشيء منها محبط للأعمال كلّها، هادم للدين برمّته، "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين" ويقول تعالى: "وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله" فالكفر بأصول الإيمان محبط للأعمال مبطل لها، ولا قبول لأي عمل من الأعمال إلا إذا أقامه العامل على هذه الأصول ولهذا نجد آيات كثيرة يقيّد فيها قبول العمل الصالح بوجود الإيمان، كقوله سبحانه وتعالى: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن" والآيات في هذا المعنى كثيرة، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان، ولا إيمان ولا قبول للأعمال إلا به، ولا ينتظم أمر الإيمان إلا به، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما قال: (الإيمان بالقدر نظام التوحيد)، فإذا وحّد العبد ربه وكذّب بالقدر، نقض تكذيبه توحيده، فالإيمان بالقدر نظام التوحيد، أي لا ينتظم توحيد العبد وإيمانه إلا إذا آمن بالقدر، فإذا كذّب بالقدر فإن هذا التكذيب بالقدر نقض للتوحيد، وإبطال للإيمان، والإيمان بالقدر هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى علم في الأزل كل شيء وأنه عز وجل أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، والإيمان بأن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، "إن ذلك في كتاب. إن ذلك على الله يسير" والإيمان بأن الأمور كلها بمشيئة الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والإيمان بأن الله خالق كل شيء، فهذه الأمور الأربعة توضّح حقيقة الإيمان بالقدر، فالإيمان بالقدر هو الإيمان بهذه المراتب الأربعة التي لا إيمان بالقدر إلا بالإيمان بها: العلم، والكتابة، والمشيئة، والإيجاد، ولا يكون مؤمنا بالقدر إلا من آمن بهذه الأمور الأربعة كلها.
علم الله سبحانه وتعالى الأزلي المحيط بكل شيء، وكتابته لما هو كائن في اللوح المحفوظ، وأن الأمور كلها بمشيئته سبحانه وتعالى، وأنه عزوجل الخالق لكل شيء.
ولهذا يحسن بمن سئل عن الإيمان بالقدر ما هو، أن يصوغ عبارة تشمل هذه الأمور الأربعة، أن يصوغ عبارة في تعريفه وذكر حدّه تشمل هذه الأمور الأربعة التي هي حقيقة الإيمان بالقدر.
(ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد) كما قال عز وجل: "فعال لما يريد"، فما أراده أي كونا وقدرا، والإرادة هنا كونية قدرية، ما أراده كونا وقدرا، فعله سبحانه وتعالى كما أراده جل وعلا "فعال لما يريد" أي ما أراده كونا وقدرا فعله.
(لا يكون شيء إلا بإرادته) أي الكونية القدرية، لأن الإرادة التي هي صفة لله سبحانه وتعالى نوعان: إرادة كونية قدرية، وإرادة شرعية دينية.
والإرادة هنا في قوله (لا يكون شيء إلا بإرادته) هي الإرادة الكونية القدرية، لا يكون شيء؛ أي في هذا الكون من حياة أو موت خفض أو رفع، قبض أو بسط، عز أو ذل، هداية أو ضلال، مرض أو صحة، غنى أو فقر، لا يكون شيء إلا بإرادته، أي الكونية القدرية.
(ولا يخرج شيء عن مشيئته) لأن مشيئته سبحانه وتعالى نافذة، فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء، مشيئته سبحانه وتعالى نافذة، الشيء الذي يشاؤه سبحانه يكون في الوقت الذي يشاؤه سبحانه على الصفة والهيئة التي شاءها جل وعلا.
لا يخرج شيء عن مشيئته، وهذ هو معنى الكلمة المشهورة "ما شاء الله كان" وفي القرآن "لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" وفي هذا المعنى يقول الشافعي رحمه الله في أبيات له جميلة، هي من أحسن ما قيل في الإيمان بالقدر، يقول:
ما شئت كان وإن لم أشأ
وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
وفي العلم يجري الفتى والمــزن
على ذا مننت وهذا خذلته
وهذا أعنته وذا لم تعـــن
فمنهم شقي ومنهم سعيد
ومنهم قبيح ومنهم حسن
أي أن هذا كله بالقدر، وهذا معنى قول المؤلف (لا يكون شيء)، شيء نكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي شيء، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته.
(وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره) كل هذا تنويع في العبارة لتأكيد هذا المعنى وتقريره، وهو أن لا يكون شيء في هذا الكون ولا يقع شيء في هذا العالم إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى ومشيئته عز وجل.
(ولا محيد عن القدر المقدور) إذا قدّر الله سبحانه وتعالى على عبده أمرا لا محيد له عنه، ولا مفر له منه، وما شاءه الله كان ولا مفر، لأن مشيئته سبحانه وتعالى نافذة في العباد، فلا مفرّ من ذلك.
ولا محيد: أي لا مفر عن القدر المقدور، لا مفر للعبد عن الشيء الذي قدّره الله سبحانه وتعالى له وكتبه عليه، "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" "إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله"
(ولا يتجاوز ما خُطّ في اللوح المسطور) ولا يتجاوز: أي العبد والمخلوق، ما خط في اللوح المسطور: أي ما كتبه الله له، أو ما كتبه الله عليه في اللوح المحفوظ، لا يتجاوزه، (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فالعبد لا يتجاوز الذي خُطّ في اللوح المسطور أي في اللوح المحفوظ الذي سُطر وكتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة، قد جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب. قال: وما أكتب.قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كل شيء بقدر، حتى وضعك كفّك على ذقنك هكذا بقدر).
وفي حديث في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقدر حتى العجز والكسل) النباهة والفطنة بقدر، وأيضا ضدّها، كل ذلكم بقدر، فالأمور كلّها بقدر الله سبحانه وتعالى، (أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك).
(أراد ما العالم فاعلوه) عرفنا أن الإرادة نوعان: كونية وشرعية، فما معنى الإرادة هنا؟
الإرادة الكونية، أراد ما العالم فاعلوه، أي أراد سبحانه وتعالى كونا وقدرا ما العالم فاعلوه، لو قال قائل: الإرادة هنا المراد بها الشرعية، ماذا يكون في هذا الكلام من خطأ؟
لو كانت الإرادة هنا شرعية، ماذا يترتب على هذا الكلام من خطأ؟
أن المعصية أرادها الله شرعا، أراد ما هم فاعلوه وهم يفعلون الطاعات ومنهم من يفعل المعاصي، فإذا قال قائل: المراد بالإرادة هنا الشرعية، يلزم من ذلك أن ما يفعله الناس من معاصي يكون أرادها، ولهذا يجب أن يفرّق بين الإرادة الكونية القدرية، والإرادة الشرعية الدينية، حتى لا يُخطئ في فهم النصوص، لأن الإرادة في القرآن والسنة تارة تطلق ويراد بها الكونية، وتارة تطلق ويراد بها الشرعية، ومن لم يكن عنده تمييز بينهما قد يجعل واحدة مكان الأخرى فيترتب على ذلك فهما خاطئا لكلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
(ولو عصمهم لما خالفوه) لوعصمهم من الخطأ، لما وقع أي منهم في مخالفة، لا كفر ولا معاصي ولا فسق، لكن الإنسان ليس معصوم، أي لم يعصمه الله من الخطأ، ولو عصمه الله سبحانه وتعالى من الخطأ، لم يُخطئ، لكن الإنسان ليس معصوما.
(ولو شاء أن يُطيعوه جميعا لأطاعوه) لو شاء سبحانه وتعالى أن يُطيعوه جميعا لأطاعوه، لو شاء أن يكون الكل أهل طاعة، لأطاعوه جميعا ولم يكن فيهم كافر، قال: "ولو شاء لهداهم أجمعين" "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى، ولله الحكمة البالغة في خلقه لمخلوقاته بهذه الصفة وعلى هذه الهيئة.
(خلق الخلق وأفعالهم) أي خلق الأشخاص وخلق أيضا الحركات والصفات القائمة بالأشخاص، فخلق الخلق؛ أي خلق العباد بهذا القوام وبهذه الصفة، وأيضا خلق أفعالهم، جميع الأفعال التي يفعلها العباد ويمارسونها هي مخلوقات لله سبحانه وتعالى.
"والله خلقكم وما تعملون" "الله خالق كل شيء" وقوله كل شيء؛ أي الأشخاص والأفعال والحركات والسكنات، وكل شيء في هذا الكون الله خالقه سبحانه وتعالى، ومن لم يعتقد هذه العقيدة، يكون كافرا من جهة إثباته خالقا مع الله سبحانه وتعالى، يخلق بزعمه هذه الأشياء التي يرى أنها ليست مخلوقة لله وإنما هي مخلوقة لغيره، ولهذا قال أئمة السلف عن المعتزلة أنهم مجوس هذه الأمة، لأنهم قالوا بخالقين؛ الله خالق للإنسان، والإنسان خالق لفعل نفسه.
(وقدّر أرزاقهم وآجالهم) قدر سبحانه وتعالى أرزاق العباد وآجال العباد، يعني قدر على كل نفس رزقها، قال في الحديث: (يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يُرسل إليه الملك، فيُؤمر بكتب أربع كلمات؛ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) فقدر الأرزاق، كل شيء يقتاته الإنسان ويطعمه ويشربه في هذه الحياة مقدر ومكتوب، ولن تموت نفس حتى تستتمّ رزقها الذي قدره الله سبحانه وتعالى لها.
ولن يموت أحد إلا بأجله الذي كتبه الله سبحانه وتعالى عليه، سواء كان موته بقتل أو حادث أو بمرض أو بحرق أو بأي أمر كان، لن يموت أحد إلا بأجله، "لكل أجل كتاب" "فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون"
(يهدي من يشاء بحكمته) أي إلى صراطه المستقيم.
(ويضل من يشاء سبحانه وتعالى بعدله) "ولا يظلم ربك أحدا" قال تعالى: "أفمن زُين له سوء عمله فرءاه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"
(قال تعالى: "لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون") أي أن أفعال الله سبحانه وتعالى لا يجوز لهذا المخلوق الضعيف الفقير أن يسأل عن أفعال الرب العظيم الجليل، "لا يسأل عما يفعل" يعني لا يقال: لم فعل الله كذا، ولم يفعل كذا، هذا السؤال باطل.
ومن الإنسان حتى يقول في حق ربه وخالقه وسيده ومولاه؛ لم فعل كذا، ولم لم يفعل كذا، فهو سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل.
ونكتفي بهذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م 08:22 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر(درس 16)


الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
فكما أنه لا يقال في الصفات كيف، ففي الأفعال لا يقال لم؟ كما أنه في الصفات لا يقال كيف، كيف صفته، كيف استواؤه، كيف رحمته، كيف يده .. هذه أسئلة باطلة.
والسلف بدّعوا من يسأل هذه الأسئلة، وفي باب الأفعال، لا يقال: لم؟ لم فعل الله؟ لِمَ لَمْ يفعل الله؟ هذه أسئلة باطلة، لا يسأل عما يفعل.
والسلف يلقبون أهل هذه الأسئلة بالمكيّفة واللميّة، المكيفة الذين يسألون عن الصفات بكيف، واللميّة الذين يعترضون على الأفعال بلم، وكلّا من الأمرين باطل، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قال: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يسألون عن ماذا؟يسألون عما خلقهم الله لأجله، وأوجدهم لتحقيقه، فإذا آمن العبد هذا الإيمان، بما دلّت عليه هذه الآية العظيمة "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" فإن واجب من يؤمن بهذه الآية، ألا يسأل لم فعل الله؟ وإنما يسأل بم أمر الله؟
السؤال الأول باطل، والسؤال الثاني نافع، غاية النفع، لا تقل لم أمر الله، ولكن قل بم أمر الله؟
لا تقل لم أمر الله؛ لأن (لم) هذه اعتراض، وبم أمر الله؛ هذا تعرف على الدين، الذي سيسأل عنه العبد يوم القيامة، فيتعرف على دينه بم أمر الله، يسأل متعرفا على دين الله سبحانه وتعالى، ليعمل به، فينجو يوم السؤال، يوم القيامة.
فإذا علم العبد أنه سيسأل، فليعدّ للمسألة جوابا، بتعلّم دينه، والسؤال عن دينه، قائلا: بم أمر الله؟ ليتعلم دين الله سبحانه وتعالى ويعمل به، أما الآخر؛ فإنه لا يعمل بما سيسأل عنه، ويسأل معترضا على ربه وخالقه ومولاه بهذا السؤال الباطل، ولهذا قال أهل العلم: لا تقل لم أمر الله، ولكن قل بم أمر الله.
السؤال الأول باطل، والسؤال الثاني نافع.
(وقال الله تعالى: "إنا كل شيء خلقناه بقدر") وهذه من الآيات التي تثبت هذا الأصل العظيم وتقرره، وأن كل شيء: وشيء نكرة في السياق تفيد العموم، بقدر: أي قدّره الله سبحانه وتعالى وكتبه وقضاه جل وعلا.
(وقال تعالى: "وخلق كل شيء فقدره تقديرا") أيضا هذا فيه إثبات أن الأمور كلها بقدر الله عزوجل.
(وقال تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها") وهذا أيضا فيه تقرير أن كل شيء، أو كل مصيبة تقع في الأرض أو في العباد في كتاب، كتبه الله في كتاب من قبل أن نبرأها، أي من قبل أن يوجدها ويخلقها سبحانه وتعالى، قد كتبت في كتاب؛ أي في اللوح المحفوظ.
(وقال تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا") والإرادة في الموضعين كونية قدرية، والآية فيها إثبات أن الأمور كلها بقدر، الهداية والضلالة، والكفر والإيمان، والطاعة والعصيان، كل ذلكم بقدر، فمن يرد الله، أي كونا وقدرا، أن يهديه، يشرح صدره للإسلام، ومن يرد الله، أي كونا وقدرا، أن يضلّه، بحكمته سبحانه وتعالى، يجعل صدره ضيقا حرجا.
المتن:
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِخَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
فَقَالَ جِبْرِيلُ: صَدَقْتَ.
انفرد مسلم بإخراجه.
الشرح:
وأورد هنا دليلا من السنة على الإيمان بالقدر، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما، يرويه عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة مجئ جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله له عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان، ثم قوله في تمام الحديث: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
ولما سأله عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره" فجمع في هذا الحديث العظيم أصول الإيمان الستة التي عليها قيام الإيمان، ومن جملتها؛ الإيمان بالقدر.
المتن:
وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((آمَنْتُ بِالقَدَرِ خَيْرهِ وشَرِّه وحُلوِهِ ومُرِّهِ)).
وفي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الَّذِي عَلَّمَهُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَدْعُوبِهِ في قُنُوتِ الوِتْرِ: ((وَقِني شَرَّ مَاقَضَيْتَ)).
وَلاَ نَجْعَلُ قَضَاءَاللهِ وَقَدَرَهُ حُجَّةً لَنا في ارتكاب مناهيه ، وترك أوامره ، بَلْ يَجِبُ أنْ نُؤْمِنَ وَنَعْلَمَ أَنَّ للهِ عَلَيْنَا الحُجَّةَ بِإِنْزَالِ الكُتُبِ وَبِعْثَةِ الرُّسُلِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: 165]
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا أَمَرَوَنَهَى إِلاَّ المُسْتَطِيعَ لِلْفِعْلِ والتَّرْكِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُجْبِرْأَحَداً عَلى مَعْصِيَةٍ؛ وَلاَ اضْطَرَّهُ إِلى تَرْكِ طَاعَةٍ ، قَالَ الله تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]وَقَالَ تَعَالَى:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: 16]،وَقَالَ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمـَا كَسـَبَتْ لاَظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17]
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلاً وَكَسْبًاويُجْزَى عَلَى حَسَنِهِ بِالثَّوابِ ، وَعَلَى سَيّئِهِ بِالعِقَابِ ، وَهُوَوَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ.
الشرح:
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره") بهذا اللفظ لم أقف عليه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد في أحاديث عديدة من تعليمه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلكم ما مرّ علينا في حديث جبريل قال: "وبالقدر خيره وشره" "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".
(ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علّمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: "وقني شرّ ما قضيت") فقوله "وقني شر ما قضيت" نظير ما تقدم "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره"، أي من الله سبحانه وتعالى، والشر ليس واقعا في أفعاله سبحانه وتعالى، وإنما في مفعولاته ومخلوقاته، كما هو واضح في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن قال: وقني شر ما قضيت، فالشر في المقضي لا في القضاء، ولهذا جاء في أيضا الحديث الآخر: "والشر ليس إليك" فإذا جمعت بين قوله "والشر ليس إليك" وقوله "وقني شر ما قضيت" تدرك هذا المعنى، وهو أن الشر واقع في المقضي لا في القضاء، ليس الشر في فعل الله، وإنما في المفعول المخلوق، في مفعولاته ومخلوقاته سبحانه وتعالى، قال "وقني شر ما قضيت".
ثم بين رحمه الله تعالى مسألة عظيمة تتعلّق بالإيمان بالقدر، ألا وهي أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر في ترك الطاعات أو فعل المعاصي، قال:
(ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه) بمعنى أن الإنسان يرتكب المعصية، وإذا ارتكبها وانتقد في ذلك، قال: قدر، وإذا أيضا ترك طاعة، وعوتب على تركها، قال: هذا قدر، وهذه بمشيئة الله.
هذا أمر باطل، وهو من ما وصف الله سبحانه وتعالى الكفار والمشركين به: "قالوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا" فهذا الاعتراض، اعتراض باطل، وسينقضه المصنف رحمه الله، وهذا الكلام كلام باطل، وسينقضه المصنف رحمه الله بجملة من الأدلة مع بيانها وإيضاحها، قال: (ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه) بمعنى: أنه لا يجوز للعبد أن يترك الطاعة أو أن يفعل المعصية ثم يحتج على ذلك بالقدر، ولهذا قال أيضا أهل العلم: القدر يُحتج به في المصائب، ولا يُحتج به في المعائب" يعني إذا أصابت الإنسان مصيبة، يحتج بالقدر، ولكن قدر الله وما شاء فعل، قال: ولا تعجزن وإن أصابك شيء فقل قدر الله وما شاء فعل.
فيحتج بالقدر في المصائب، أما المعائب فلا يجوز أن يحتج بالقدر عليها، المعائب أن الإنسان يترك الطاعة أو يفعل المعصية ويحتج على هذا الترك للطاعة أو هذا الفعل للمعصية بالقدر، هذا لا يجوز، وسيأتي عند المصنف أدلة عديدة في بيان أن هذا الأمر لا يجوز، لا يجوز أن نجعل القضاء والقدر حجة لنا في ترك أوامر الله واجتناب نواهيه.
(بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل") قوله: ونعلم أن لله علينا الحجة، الله عزوجل لما قال الكفار: "لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء" قال الله في السياق نفسه: "قل فالله الحجة البالغة" أي الحجة القائمة عليكم بإنزال الكتب وإرسال الرسل، والكتب بُينت فيها الأحكام والأوامر والنواهي، والرسل دعت وأقامت الحجة على العباد بالبيان، والإنسان له مشيئة بموجبها خوطب بالأوامر والنواهي، لأن من لا مشيئة له لا يُخاطب ولا يُؤمر ولا يُنهى.
فالحجة قائمة على العباد بإنزال الكتب، وإرسال الرسل، قال: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" هذا أولا.
(ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك) فالأوامر التي في القرآن والنواهي: حافظوا على الصلاة، أقيموا الصلاة، إلى غير ذلك من الأوامر، النواهي التي في القرآن: النهي عن الشرك، والنهي عن الزنى، والنهي عن السرقة، هذه الأوامر والنواهي، الخطاب فيها للعباد، وخطابهم بالأوامر والنواهي دليل على أنهم مستطيعين، لأن غير المستطيع لا يُؤمر ولا يُنهى، فأمرهم بها ونهيهم، فأمرهم بالأوامر ونهيهم عن النواهي هذا دليل على القدرة والاستطاعة، وأنه لم يُجبر أحد على معصية، واضطر إلى ترك طاعة، ولو كان الأمر جبرا ما فائدة الأوامر والنواهي، إذا كان الإنسان مجبور على فعل نفسه، وليس له مشيئة أصلا، ما فائدة أن يُؤمر، يقال: صلّوا، ويقال: صوموا، ويقال: تصدّقوا، ويقال: لا تفعلوا كذا، وهو أصلا ليس عنده مشيئة، أيكون هذا؟! يؤمر من لا مشيئة له، فإذا الأوامر والنواهي التي في القرآن تدل على أن العباد لديهم استطاعة، ولديهم مشيئة، وأن الله هداهم النجدين، وأن الإنسان بمشيئته يختار طريق الخير، ويختار طريق الشر "لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين".
(وقال الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وقال الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم") هذا كله يدل على أن ما خوطب به العبد من أوامر هو في وسع العبد، وفي استطاعة العبد، لم يكلف العبد ما ليس في وسعه، ولم يكلف العبد ما لا يستطيع، وهذا يدلنا أن احتجاج من يحتج بالقدر على ترك طاعة أو فعل معصية، احتجاج باطل، ومصادم لهذه الأدلة.
(وقال تعالى: "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم") إثبات أن أفعال العبد كسب لهم وهم الذين اكتسبوها بمشيئتهم وإرادتهم، واختيارهم، وأن الحساب يكون على ذلك "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت" أي بما كسبت من أعمال في هذه الحياة الدنيا، هذا كله من الأدلة على أن الإنسان لم يجبر على فعل نفسه، قال:
(فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره).
ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م 08:21 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة: للشيخ عبد الرزاق البدر(درس 17)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
المتن:
وَالإيمانُ: قَوْلٌب ِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالأرْكَانِ، وَعَقْدٌ بِالجَنَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ،وَيَنْقصُ بِالعِصْيَانِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوااللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُؤْتُواْالزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5] فَجَعَلَ عِبَادَةَ اللهِ تَعَالَى وَإخْلاَصَ القَلْبِ وَإقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيْتَاءَ الزَّكَاةِ كُلَّهُ مِنَ الدِّينِ.
وَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الْطَّرِيق، والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمانِ))، فَجَعَلَ القَوْلَ وَالعَمَلَ جميعاً مِنَ الإِيْمَانِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَزَادَتْهُمْإِيمَانًا}[التوبة: 124] وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا}[الفتح: 4]
وَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يخرجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ: لاَ إِلَه إِلاَّاللهُ وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ، أَوْ خَرْدَلَةٍ، أَوْ ذَرَّةٍ منالإِيمان))فَجَعَلَهُ مُتَفَاضِلاً.


الشرح:



شرع المصنف رحمه الله هنا في بيان حقيقة الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف، وأن أهله متفاضلون فيه، ليسوا فيه على درجة واحدة، فبين أولاً الإيمان، فقال:


(الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان) قول باللسان: أي الإيمان قولٌ يقوله المؤمن بلسانه، وعمل بالأركان: أي أعمال يقوم بها المؤمن بأركانه، أي جوارحه وأعضائه.


وعقد بالجنان: أي عقيدة ثابتة مستقرة في جنان المسلم، أي قلبه.


فالإيمان قولٌ واعتقاد وعمل.


قولٌ باللسان وعملٌ بالأركان وعقدٌ بالجنان، فإذاً الإيمان ليس في اللسان فقط، وليس أيضاً في القلب فقط، الإيمان في القلب واللسان والجوارح.


القلب واللسان والجوارح كلها يقوم بها الإيمان، وإيمان القلب العقيدة، وما يقوم في القلب من أعمال من حياء وتوكل وإخلاص وإنابة وغير ذلك من أعمال القلوب، واللسان منه القول الذي هو النطق بالشهادتين، وأيضاً الأعمال التي تكون باللسان من ذكر وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.


والجوارح إيمانها العمل بطاعة الله، والقيام بما أمر الله سبحانه وتعالى عباده به، ومن الإيمان أيضاً ترك الحرام، واجتناب الآثام، فكما أن فعل الطاعة إيمان، فإن ترك المعصية كذلك إيمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن،..." وهذا يدل على أن من إيمان العبد ترك المعاصي التي نهاه الله سبحانه وتعالى عنها.


(يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) الإيمان يزيد وينقص، وسيذكر المصنف الأدلة، يزيد بطاعة الله وينقص بالمعصية، قد جاء عن يزيد بن عمر الخطمي رضي الله عنه أنه قال:" الإيمان يزيد وينقص" قيل: وما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله وسبحناه زاد، وإذا غفلنا نقص.


فالإيمان يزيد، ولزيادته أسباب، وينقص، ولنقصانه أسباب، والمؤمن مطلوب منه، أن يعرف أسباب زيادة الإيمان ليفعلها، وأن يعرف أسباب نقص الإيمان ليجتنبها حفاظاً على إيمانه.


بدأ بذكر الأدلة على أن الإيمان؛ قول وعمل واعتقاد، فذكر أولاً:


قول الله سبحانه وتعالى:" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"


الإشارة في قوله (وذلك) إلى ما سبق (دين القيمة) والذي سبق ذكراً في الآية: منه الإخلاص (مخلصين) والإخلاص مكانه القلب، ومنه (إقام الصلاة وإيتاء الزكاة) وهذه أعمال الجوارح، وهذا الإخلاص الذي في القلب، وهذه الأعمال التي في الجوارح، إليها الإشارة بقوله (وذلك دين القيمة).


ولهذا قال المؤلف:


(فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين) فدل ذلك على أن الإيمان يكون بالقلب اعتقاداً وباللسان نطقاً وبالجوارح عملاً بطاعة الله سبحانه وتعالى.


(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق") وتتمة الحديث في الصحيح:" والحياء شعبة من شعب الإيمان".


وهذا الحديث واضح الدلالة على أن الإيمان منه ما يكون في القلب، ومنه ما يكون في اللسان، ومنه ما يكون في الجوارح.


وقوله: أعلاها، وأدناها، دليل على التفاوت بين شعب الإيمان، وأنها ليست على درجة واحدة، وأيضاً هذا فيه دلالة على زيادة الإيمان ونقصانه، لأن العبد كلما زاد من شعب الإيمان كان ذلك زيادة في إيمانه.


وكلما نقص منها كان ذلك نقصاً في إيمانه، فالحديث دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف بحسب حظ الإنسان ونصيبه من شعب الإيمان.


قال: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وفي بعض الروايات: أعلاها قول لا إله إلا الله، والمراد بقول لا إله إلا الله: أي بالقلب عقيدة، وباللسان نطقاً وتلفظاً، لأن القول إذا أطلق: يشمل قول القلب واللسان، مثل قول الله سبحانه وتعالى:" قولوا آمنا بالله" وقول النبي عليه الصلاة والسلام:" قل آمنت بالله ثم استقم" فالقول إذا أطلق يشمل، قول القلب عقيدة، وقول اللسان نطقاً وتلفظاً، فمعنى "قولوا آمنا بالله": أي بقلوبكم معتقدين وبألسنتكم ناطقين متلفظين، وأما إذا قيّد القول، فهو بحسب ما قيّد به.


"يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم"، أيضاً في الآية الأخرى قال:" ويقولون في أنفسهم" فإذا قيّد القول فهم بحسب ما قيّد به، أما إذا أطلق فإنه يتناول قول القلب وقول اللسان.


وقوله: أدناها إماطة الأذى عن الطريق، عمل من أعمال الإيمان، وهو عمل يقوم به المرء بجوارحه، ففيه دلالة واضحة صريحة على أن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان.


وقوله: والحياء شعبة من شعب الإيمان، والحياء مكانه القلب، وهو خصلة تقوم بقلب المؤمن تدفعه إلى فعل الحسن واجتناب القبيح، والحياء كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام:" خير كله ولا يأتي إلا بخير" والإنسان إذا كان يستحي، ومتحلياً ومتصفاً بالحياء، فإن الحياء يحجز عن الرذائل ويسوق الإنسان، ويقوده إلى الخيرات والفضائل.


( فجعل القول والعمل من الإيمان) يعني في هذا الحديث، حديث الشعب، فجعل القول والعمل من الإيمان، القول: قول لا إله إلا الله، والعمل: إماطة الأذى عن الطريق، وكل ذلكم جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان.


وهذا الحديث مشهور عند أهل العلم، بحديث الشعب، ومن أهل العلم من أفرده بالتصنيف وتوسع في شرح هذا الحديث، ومنهم البيهقي في كتابه (شعب الإيمان) وغيره من أهل العلم، وابن حبان له كتاب عظيم في هذا الباب مفقود سماه (وصف الإيمان وشعبه) واجتهد فيه اجتهاداً عجيباً يمكنك الاطلاع على طريقته في إعداده لذلك الكتاب وما أخذه منه من وقت وجهدٍ عظيم في كتابه (صحيح ابن حبان)، لأنه أشار أو (الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان) عندما تكلم عن هذا الحديث أشار إلى مؤلفه (وصف الإيمان وشعبه)وذكر الجهد العظيم الذي بذله في جمع شعب الإيمان وعندما تقف على عمله رحمه الله تعالى، تقف على نموذج ومثال بديع جداً من همم العلماء العالية في دراسة السنة والعناية بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.


( وقال تعالى:" فزادتهم إيماناً") " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون".


فقوله:"فزادتهم إيماناً" هذا صريح في أن الإيمان يزيد، وذكر في الآية سبب عظيم لزيادة الإيمان وهو القرآن، إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، نظيرها أيضاً قول الله سبحانه وتعالى:" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون".


("ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم") فهذه آيات صريحة في أن الإيمان يزيد، ويمكن أن يستدل بها نفسها على أن الإيمان ينقص، لأنه إذا كان قابلاً للزيادة فهذا دليل على قبوله للنقصان.


والقرآن نطق بالزيادة والسنة نطقت بالنقصان، في مثل قوله عليه الصلاة والسلام:" مارأيت من ناقصات عقل ودين" وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" وذلك أضعف الإيمان" وقوله:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".


(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان")


وهذا الحديث رواه المصنف رحمه الله بالمعنى، ومن الألفاظ الثابتة في السنة لهذا الحديث، قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أنس:" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير" و المقصود بالخير في هذا الحديث هو الإيمان.


فالمصنف وكأنه والله تعالى أعلم، أورد الحديث بمعناه، وساقه بمعناه لا بلفظه وأعقب ذكره للحديث بقوله:


(فجعله متفاضلاً) فجعله أي النبي صلى الله عليه وسلم، متفاضلاً، أي الإيمان، لأنه ذكر: وزن برة، ووزن شعيرة، ووزن ذرة، وهذه متفاوتة في الوزن، إذاً الإيمان متفاضل، وأهل الإيمان في إيمانهم متفاضلون، ليسوا فيه على درجةٍ واحدة، حتى فيما قام في قلوبهم من إيمان ليسوا في ذلك درجة واحدة، بل بينهم تفاضل وتفاوت في الإيمان.


وأهل الإيمان في الإيمان على مراتب يجمعها، ثلاث مراتب ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" فهذه ثلاث مراتب، مرتبة الظالم لنفسه، وهو الذي فعل المحرم أو ترك الواجب، ومرتبة المقتصد، وهو الذي فعل الواجب وترك المحرم، ومرتبة السابق بالخيرات، وهو الذي فعل الواجب وترك المحرم ونافس في الرغائب والنوافل والمستحبات.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلى باقيس 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م 08:24 AM

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (درس 18)

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
المتن:

وَيَجبُ الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ بِهِ النَّقْلُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ أَوْ غَابَ عَنَّا، نَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌ وَصِدْقٌ، سَواءٌ في ذَلِكَ مَا عَقَلْنَاهُ أَوْجَهِلْنَاهُ، وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ.

مِثْلُ حَدِيثِ الإسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ وَكَانَ يَقَظَةً لاَ مَنَامًا، فَإنَّ قُرَيْشًا أَنْكَرَتْهُ وأَكْبَرَتْهُ، وَلَم تُنْكِرِ المَنَامَاتِ
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَلَكَ المَوْتِ عليه السلام لمَّا جَاءَ إِلى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلى رَبِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد

الشرح:


قال:( ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا)


وهذا الذي ذكره رحمه الله تعالى، هو من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، لأن مقتضى هذه الشهادة طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام جاء بأمور ثلاثة: أوامر، ونواهي، وأخبار.


والواجب تجاه الأوامر أن تفعل، وتجاه النواهي أن تجتنب، وتجاه الأخبار أن تصدق، وما يتحدث عنه المصنف رحمه الله هنا، هو يتعلق بالأخبار.


ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام الواجب أن يُتلقى بالتصديق، و ألا يُكذّب شيء منه، لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، والواجب كذلك في هذا الباب ألا يُخضع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم لعقله القاصر، فيرُدّ مثلاً منها مالم يدركه عقله، أو مالم يبلغه فهمه، كطريقة العقلانيين الذين قدموا عقولهم على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى قال بعض أئمة السلف منكراً على هؤلاء ملزماً لهم، قال: من لازم قول هؤلاء أن يقول الواحد منهم: أشهدُ أن عقلي رسول الله، لأن المتلقي بالقبول هو ماجاء أو ماتوصّل إليه بعقله، ويُحاكم ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عقله، وهذا من أبطل الباطل.


والواجب على المسلم أن يتلقى ماجاء به الرسول عليه الصلاة والسلام بالتصديق والقبول، فمن الله الرسالة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم.


(فيما شاهدناه أو غاب عنا) أي إخبارات النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تُصدق سواءً كان الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام أمراً مشاهداً ومعايناً، أو كان أمراً مغيباً، فكله صدق، وهو عليه الصلاة والسلام، لا ينطق عن الهوى.


قال:( نعلم أنه حق وصدق) فهذا يتعلق بكل إخباراته عليه الصلاة والسلام، ليس منها إلا ماهو كذلك حق وصدق.


(سواءٌ في ذلك ماعقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه) وعدم الإطلاع على الحقيقة وكذلك عدم المعرفة بالحكمة، ليس مسوغاً لرد وتكذيب ماجاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن الناس – والعياذ بالله- مالا يعقله من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لايقبله، وربما قال في رد بعض كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: هذا لايعقل، أو هذا لاتقبله العقول، ونحو هذه العبارات التي تكثر عند المعتزلة العقلانيين ومن تأثر بهم من أصحاب الأهواء والضلال.


(مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناماً) حديث الإسراء والمعراج حديث صحيح ثابت، والإسراء ذكره الله تعالى في القرآن "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".


وفي ليلة واحدة أسرِيَ به عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفي تلك الليلة نفسها عُرج به إلى السماء، من سماء إلى سماء، حتى تجاوز السماء السابعة، مع أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء والأرض خمسمائة عام، وكل هذه المسافات الشاسعة، قطعها عليه الصلاة والسلام يقظةً وليس مناماً، حقيقة في ليلة واحدة، أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفي تلك الليلة عُرج به إلى السماء، إلى مافوق السماء السابعة، وسمع خطاب الله من الله بلا واسطة، ولم ير الله عزوجل، وإنما سمع خطابه، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه؟ قال: نورٌ أن أراه، لكنه سمع كلام الله من الله عزوجل.


(مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظةً لا مناماً) وأشار إلى مايدل أو بعض مايدل على أنه يقظةً لا مناماً فقال:


(فإن قريشاً أنكرته وأكبرته) أنكرت هذا الخبر، وكذبت به، وأكبرته: يعني، قالوا: إن هذا أمر عظيم وكبير، ودعوى عريضة، ولم تنكر المنامات.


(ولم تكن تنكر المنامات) أي لو كان الأمر مجرد رؤيا منامية لم ينكروا ذلك، لأن المنامات معروفة عندهم، ينام الشخص ويقول: البارحة رأيتني ذهبت إلى البلد الفلاني في أقصى الدنيا ورجعت، هذا أمر معروف، لايكذبونه.


لكنهم لما كان أخبرهم أنه هو بنفسه عليه الصلاة والسلام ذهب تلك الليلة إلى بيت الأقصى وعُرج به إلى السماء، أكبروا ذلك، ولو كان مناماً لما أكبروا ذلك ولما كذبوه، لأن المنامات معروفة عندهم.


(ومن ذلك: أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فرد عليه عينه) وهذا جاء في حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رجع الملك إلى موسى لما رد الله عليه عينه، ورجع إلى موسى عليه السلام، جاء في الحديث، أن الله عزوجل أمر الملك أن يقول لموسى عليه السلام: إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ماغطت يدك بكل شعرةٍ سنة، ولما علم عليه السلام أن المآل هو الموت، طال الزمان أو قصر، قال: فالآن، ولطم موسى عليه السلام لعين الملك، لأنه جاءه على هيئة رجل، من باب الابتلاء والامتحان، جاءه على هيئة رجل ويعرض عليه هذا الأمر، قبل أن تُقبض روحه، وأن تُنتزع منه، فكان منه عليه السلام أن لطمه بيده ففقأ عينه، وليس هذا من باب الاعتراض على قدر الله عزوجل، وعدم التسليم لأمره، كما فهم ذلك من رد الحديث وكذب به، ولكنه جاءه هذا الملك على هيئة رجل، والله سبحانه وتعالى أرسله ابتلاءً وامتحاناً وعرض عليه هذا الأمر فلطمه موسى عليه السلام، ورجلٌ يأتيه في بيته ويدخل عليه في بيته، ويعرض عليه هذا العرض، وماكان على علم أنه ملك من الملائكة، فالمكابرة والتقّول في هذا الحديث وتحميله مالا يحتمل، والتكذيب به، هذا كله من طرائق أهل الأهواء، الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لايُعرف، ولاكذلك في التابعين لهم بإحسان، لايُعرف فيهم من اعترض أو انتقد، فالكل روى الحديث، وبلغه كما سمعه، وآمن بما دّل عليه الحديث، لكن لما جاءت الأهواء، وتقديم العقول، وُجد من يُكذب ويعترض على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.


وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الساعة الآن 11:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir